الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمخالفتها للشريعة، وإذا خرج القانون عن وظيفته لم يكن لوجوده محل، وكان باطلاً بطلانًا مطلقًا، وهذا هو ما تقضي به قواعد القانون الوضعي نفسه.
كَيْفَ خَرَجَتْ القَوَانِينُ المُخَالِفَةُ لِلْشَّرِيعَةِ عَنْ وَظِيفَتِهَا
؟:
الأصل في القوانين الوضعية أنها توضع لسد حاجة الجماعة ولتنظيمها وحماية نظامها ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، ومن أهم حاجات الجماعة حماية عقائدها ومشاعرها ونظامها، وفي البلاد الإسلامية يقوم نظام الجماعة على الإسلام، وتقوم عقائد الكثرة على الإسلام، فكان من الطبيعي أن تجيء القوانين مطابقة للشريعة الإسلامية تمام المطابقة، ولكن القوانين لم تجيء كذلك وإنما جاءت كما رأينا مخالفة للشريعة، فخرجت القوانين بهذا لا على الشريعة فقط وإنما على الأصول التي يجب أن تقوم عليها القوانين والأغراض التي توضع من أجلها القوانين فهي قوانين لا تقوم على أصل معروف ولا تستهدف غرضًا مشروعًا.
إذا استطعنا أن نعرف شيئًا من حقائق الإسلام وأحكامه سهل علينا أن نعرف كيف أن القوانين التي توضع في أوروبا لإسعاد الجماعة ونشر الطمأنينة والسلام بين أفرادها، إنما هي في البلاد الإسلامية العامل الأول في إيلام الجماعة والإساءة إلى مشاعرهم وإيغار صدورهم، وهي العامل الأول في عدم رضاء الأكثرية
عن هذه القوانين، بل هي العامل الأول الذي يدعو للفتنة ويهيئ للفوضى:
[1]
فالإسلام لا يسمح لمسلم أن يتخذ من غير شريعة الله قانونًا وكل ما يخرج على نصوص الشريعة أو مبادئها العامة أو روحها التشريعية محرم تحريمًا قاطعًا على المسلم بنص القرآن الصريح، حيث قسم الله الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما إما الاستجابة لله والرسول، واتباع ما جاء به الرسول، وإما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول فهو الهوى، وذلك قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1) وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (2) وقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (3).
[2]
إن الله لم يجعل لمؤمن أن يرضى بغير حكم الله،
(1)[سورة القصص، الآية: 50].
(2)
[سورة الجاثية، الآيتان: 18، 19].
(3)
[سورة الأعراف، الآية: 3].
أو يتحاكم إلى غير ما أنزل الله، بل لقد أمر الله أن يكفر بكل حكم غير حكمه واعتبر الرضى بغير حكمه ضلالاً بعيدًا واتباعًا للشيطان، وذلك قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} (1).
فمن يتحاكم إلى غير ما أنزل الله، وما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قومن من يتحاكمون إليه - غير الله ورسوله - أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فمن آمن بالله ليس له أن يؤمن بغيره، ولا أن يقبل حكمًا غير حكمه.
[3]
إن الله لم يجعل لمؤمن ولا مؤمنة أن يختار لنفسه أو يرضى لها غير ما اختاره الله ورسوله، وذلك قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2).
[4]
إن الله أمر بأن يكون الحكم طبقًا لما أنزل الله، وجعل
(1)[سورة النساء، الآية: 60].
(2)
[سورة الأحزاب، الآية: 36].
من لم يحكم بما أنزل الله كافرًا وظالمًا وفاسقًا. فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1)، وقال:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2)، وقال:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3).
ومن المتفق عليه بين المفسرين والفقهاء أن من يستحدث من المسلمين أحكامًا غير ما أنزل الله، ويترك بالحكم بها كل ما أنزل الله أو بعضه من غير تأويل يعتقد صحته فإنه يصدق عليهم ما قاله الله تعالى كل بحسب حاله. فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنا مثلاً. لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر فهو كافر قطعًا، ومن لم يحكم به لعلة أخرى غير الجحود والنكران فهو ظالم، إن كان في حكمه مضيعًا لحق، أو تاركًا لعدل أو مساواة، وإلا فهو فاسق.
[5]
إن الله نفى الإيمان عن العباد حتى يحكموا الرسول فيما شجر بينهم مع انتفاء الحرج والضيق عن صدورهم والتسليم والانقياد التام وذلك قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4).
(1)[سورة المائدة، الآية: 44].
(2)
[سورة المائدة، الآية: 45].
(3)
[سورة المائدة، الآية: 47].
(4)
[سورة النساء، الآية: 65].
[6]
إن كل ما يخالف الشريعة محرم على المسلمين، ولو أمرت به أو أباحته السلطة الحاكمة أَيًّا كانت، لأن حق الهيئة الحاكمة في التشريع مقيد بأن يكون التشريع موافقًا لنصوص الشريعة، متفقًا مع مبادئها العامة، وروحها التشريعية، فإن استباحت الهيئة الحاكمة لنفسها أن تخرج على هذه الحدود فإن عملها لا يحل القوانين المحرمة، ولا يبيح لمسلم أن يتبعها أو ينفذها بل من واجب كل مسلم أن يعصي القوانين ويمتنع عن تطبيقها وتنفيذها، لأن طاعة أولي الأمر لا تجب لهم مطلقة، وإنما تجب في حدودها ما أمر به الله والرسول وذلك قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1) وقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2).
وقد بينت السنة حدود الطاعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ». وقال:«إِنَّمَا الطَّاعَة فِي المَعْرُوف» . وقال في ولاة الأمور: «مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» .
(1)[سورة النساء، الآية: 59].
(2)
[سورة الشورى، الآية: 10].
وقد أجمع أصحاب الرسول وفقهاء الأمة ومجتهدوها على أن طاعة أولي الأمر لا تجب إلا في طاعة الله، ولا خلاف بينهم في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن إباحة المجمع على تحريمه، كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود، وتعطيل أحكام الشريعة وشرع ما لم يأذن به الله، إنما هو كفر وردة، وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين، وأقل درجات الخروج على أولي الأمر هو عصيان أوامرهم ونواهيهم المخالفة للشريعة.
[7]
إن أحكام الشريعة لا تتجزأ، ولا تقبل الانفعال فلا يجوز لمسلم أن يرضى بتطبيق بعض أحكام الشريعة وإهمال البعض الآخر، وقد تكلمنا عن هذه المسألة وأدلتها فيما سبق.
هذه هي بعض حقائق الإسلام، وتلكم هي نصوص القرآن والسنة، وهذا هو واقع المسلم الذي يفهم الإسلام أو يؤمن به، وهو ما يجب أن يكون عليه كل مسلم ويعمل له، والقوانين التي وضعت أصلاً لحماية المشاعر والعقائد إنما تحاربها وتعتدي عليها اعتداء منكرًا حين تأتي بما تخالف الشريعة الإسلامية، كما أنها ترهق الناس بما تفرضه عليهم من أوضاع تخالف الشريعة ويأباها الإسلام أشد الإباء.
وهكذا نستطيع أن نتبين مما سبق أن نقل «القوانين الوضعية» إلى البلاد الإسلامية يخرج بها عن وظيفتها، ويؤدي