الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنهم يقيسون فقه الشريعة على فقه القانون فكل أحكام القانون يبتكرها علماء القانون قبل أن تكون أحكامًا ملزمة، وتشريعًا ساريًا.
وبودي لو أن هؤلاء السادة قرأوا شيئًا من مذهب الظاهريين فإن هؤلاء الفقهاء لا يعتبرون مصدرًا للشريعة إلا القرآن والسنة والإجماع، ولا يعترفون بالقياس وغيره من المصادر كمذهب الصحابي، وبالرغم من أن الظاهريين لا يقبلون الأحاديث المرسلة، فقد استطاعوا أن يجدوا لكل حكم، ولكل مبدأ، ولكل نظرية نصًا صريحًا في القرآن أو السنة الصحيحة، وظن أن في هذا وحده ما يكفي لأن يقتنع هؤلاء السادة بخطأ عقيدتم في الفقه الإسلامي.
3 - طَائِفَةُ المُثَقَّفِينَ ثَقَافَةً إِسْلَامِيَّةً:
تضم هذه الطائفة المثقفين ثقافة إسلامية عالية وما دونها وعددهم ليس قليلاً. وإن كانوا أقلية بالنسبة للمثقفين ثقافة أوروبية.
ولهذه الطائفة نفوذها العظيم على الشعوب الإسلامية فيما تعلم لهذه الشعوب أنه متصل بالإسلام، ولكن ليس لهذه أي حظ من سلطان الحكم فرجالها لا يكادون يتولون إلا وظائف الوعظ والإمامة والتدريس، وقد يتولون القضاء، فلا يسمع لهم بالقضاء إلا في مسائل الأحوال الشخصية.
وقبل دخول القوانين الأوروبية في البلاد الإسلامية كان
لهذه الطائفة كل السلطان، ولكنهم بعد دخول القوانين حصرتهم الأوضاع الجديدة في دائرة ضيقة، وأخذ سلطانهم يزول شيئًا فشيئًًا حتى زال عنهم كل سلطان. وطالت بهم هذه الحال حتى ألفوها وسكت عليها أكثرهم لا قبولاً وانقيادًا، ولكن عجزًا ومصابرة.
وهذه الطائفة تعتبر نفسها ويعتبرها المسلمون مسؤولة عن الإسلام، لأنها أعرف المسلمين بأحكام الإسلام، ورجالها أقدر الناس على الدفاع عنه، وإن كان هنالك من يرى أن الحوادث قد أثبتت أن هذه الطائفة عجزت أكثر من مرة عن الدفاع عن الإسلام، وإن عجزها ترتب عليه دخول القوانين الأوروبية، واستقرارها في بلاد الإسلام، وتعطيل الشريعة الإسلامية، حتى ذهب جيل وجاء جيل يجهل كل شيء عن الشريعة، إلا ما تعلق بالعبادات، والأحوال الشخصية، وحتى حسب الجهال أن القوانين التي تطبق هي أحكام الإسلام، أو مما لا ينكره الإسلام، وحسب المثقفون ثقافة أوروبية أن الإسلام دين لا دولة، أو أنه ليس فيه ما يصلح لحكم الناس، ولم يبق على علم بالشريعة إلا علماء الإسلام.
وليس يعيب علماء المسلمين أن يعجزوا عن الدفاع عن الإسلام مرة ومرات، وأن يؤدي هذا العجز إلى نتائجه الطبيعية والمنطقية، وإنما يعيبهم أن لا يبذلوا ما استطاعوا من جهد ووقت في الدفاع
عن الإسلام، ولا شك أنهم استفرغوا كل جهودهم ووقتهم في هذا السبيل، لكن الظروف لم تكن مواتية، ولا شك أيضًا في أنهم لا يزالون يستفرغون كل جهد ووقت في كفاحهم المستمر؛ وهم يرجون أن يكتب لهم النصر والغلبة.
وفي البلاد الإسلامية اليوم جيل مثقف ثقافة إسلامية عالية حريص على أن يعيد للإسلام ما فقده، لا تأخذه في الحق لومة لائم ولا عيب فيهم إلا أنهم متأثرون بأسلافهم إلى حد كبير في بعض الاتجاهات، حيث يصرفون أكثر جهدهمه في العبادات والمواعظ، ولو أنهم صرفوا أكثر جهدهم في تذكير المسلمين بشريعتهم المعطلة، وقوانينهم المخالفة للشريعة، وحكم الإسلام فيها لكان خيرًا لهم وللإسلام، ولوفروا على أنفسهم مشقة الجهاد وطول الكفاح، فالدول الحاكمة على بعض المسلمين دول ديمقراطية ويكفي أن يعتنق أكثر أفراد الشعب فكرة معينة، لتكون هذه الفكرة بعد قليل حقيقة قابلة للتنفيذ.
ويسلك هذا الجيل الجديد في دعوته للإسلام وإقامة شرائعه وشعائره طرقًا قد تجدي في إقناع الأميين وتعليمهم، ولكنها لا تجدي في إقناع المثقفين ثقافة أوروبية، وهم المسيطرون على الحياة العامة، وبيدهم الحكم والسلطان في بلاد الإسلام، وكان من الأولى أن يبذل علماء الإسلام جهدًا في إقناع هذا الفريق وتعليمه ما يجهل من أحكام الإسلام. فلو عرف هؤلاء الإسلام على حقيقته لكانوا خير السفراء والدعاء للإسلام.
أحب من علماء الإسلام أن يبينوا للمثقفين ثقافة أوروبية في كل ظرف وفي كل يوم مدى مخالفة القوانين الأوروبية للإسلام وحكم الإسلام فيمن يطبق هذه القوانين وينفذها، فما المثقفون ثقافة أوروبية إلا مسلمون يجهلون حقائق الإسلام، ولكنهم مع ذلك على استعداد حسن لتعلم ما يجهلون من الإسلام.
وأحب من علماء الإسلام أن يمكنوا للمثقفين ثقافة أوروبية من دراسة الشريعة، والاطلاع على مبادئها ونظرياتها ومدى تفوقها على القوانين الوضعية، ويستطيع علماء الإسلام أن يصلوا لهذا إما بتأليف لجان من رجال المذاهب المختلفة، فتقوم كل لجنة بجم الكتب المهمة في كل مذهب، وتضع منها جميعًا كتابًا واحدًا في لغة عصرية، وفي تنظيم وفهرسة عصية، وإما بتأليف كتب في لغة ونظام عصري، تعرض مواد التشريع الإسلامي عرضًا شائقًا، مع مقارنة مختلف المذاهب الإسلامية، فكتاب في البيع، وآخر في الإيجار، وثالث في الشركات، ورابع في الإفلاس، وهكذا.
وأحب من علماء الإسلام أن يبينوا للحكام، ورجال الهيئة التشريعية حكم الإسلام في القوانين المخالفة للإسلام، وفيمن يضعها وينفذها، وكل هؤلاء مسلمون يكرهون أن يحيدوا قيد شعرة عن الإسلام، ولكنهم يجهلون أحكام الإسلام.
وأحب من علماء الإسلام أن يعملوا على أن لا يصدر أي قانون جديد إلا تحت رقابتهم، وبعد استشارتهم، حتى لا يصدر
أي قانون جديد على خلاف الإسلام.
يا علماء الإسلام، إن العيب الوحيد في كل بلاد الإسلام، هو جهل المسيطرين عليها بأحكام الإسلام، وجهل جمهور المسلمين أحكام الإسلام، والوسيلة الوحيدة لإصلاح هذه الحال هي تعليمهم الإسلام، كل بالطريقة التي درج عليها وألفها، ولن يستنكف مسلم أن يتعلم ما يجهله من أحكام دينه.
وأخيرًا، فإني إذ أرمي المثقفين ثقافة أوروبية بجهل الإسلام لا أقصد انتقاص أقدارهم، وإنما إقرار الواقع وما أنا إلا أحدهم، كنت قبل دراستي للشريعة في مثل حالهم جهلاً بالشريعة، وتجاهلاً لها، حتى أراد الله لي الخير، فعرفت إلى أي حد يذهب الجهل بصاحبه، ولست أحب أن يبقى إخواني وزملائي على حال كنت فيها، ولا أزال أستغفر منها.
وإني إذا ألفت نظر علماء الإسلام إلى اتخاذ وسائل معينة، لا أنسب إليهم تقصيرًا، وإنما هي النصيحة التي أمر بها الإسلام فإن تجربتي واختلاطي بالمثقفين ثقافة أوروبية، ومعرفتي باتجاهات غيرهم، كل ذلك دعاني إلى الاعتقاد بأن خير ما ينفع الإسلام.
هو تعريف الجميع بالإسلام في صراحة وشجاعة، ولحضرات العلماء أن يأخذوا برأيي، أو أن يهملوه.
أسأل الله أن يوفقنا جميعًا إلى ما فيه خير المسلمين والإسلام.