الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ريب فيه: أن العمل بطاعة الله تعالى، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض، ونحو ذلك: هو نافع في الدنيا والآخرة، وذلك بفضل الله ورحمته.
[بيان حقيقة القطب. الغوث. الفرد الجامع]
وأما سؤال السائل عن " القطب، الغوث، الفرد الجامع "؛ فهذا قد يقوله طوائف من الناس، ويفسرونه بأمور باطلة في دين الإسلام، مثل تفسير بعضهم أن " الغوث " هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، حتى يقول: إن مدد الملائكة وحيتان البحر بواسطته. فهذا من جنس قول النصارى في المسيح عليه السلام، والغالية في علي رضي الله عنه، وهذا كفر صريح يستتاب منه صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإنه ليس من
المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلائق بواسطته، ولهذا كان ما يقوله الفلاسفة في " العقول العشرة " الذين يزعمون أنها الملائكة، وما يقوله النصارى في المسيح ونحو ذلك كفر صريح باتفاق المسلمين.
وكذلك أعني بالغوث ما يقوله بعضهم: من أن في الأرض ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، يسمونهم " النجباء " فينتقى منهم سبعون هم " النقباء " ومنهم أربعون هم " الأبدال " ومنهم سبعة هم " الأقطاب " ومنهم أربعة هم " الأوتاد " ومنهم واحد هو " الغوث " وأنه مقيم بمكة، وأن أهل الأرض إذا نابهم نائبة في رزقهم ونصرهم فزعوا إلى الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وأولئك يفزعون إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين والأربعون إلى
السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الواحد. وبعضهم قد يزيد في هذا وينقص في الأعداد والأسماء والمراتب؛ فإن لهم فيها مقالات متعددة حتى يقول بعضهم: أنه ينزل من السماء على الكعبة ورقة خضراء باسم غوث الوقت، واسم خضره - على قول من يقول منهم: إن الخضر هو مرتبة، وإن لكل زمان خضرا فإن لهم في ذلك قولين - وهذا كله باطل لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا قاله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا من المشايخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم. ومعلوم أن سيدنا رسول رب العالمين وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم كانوا خير الخلق في زمنهم، وكانوا بالمدينة؛ ولم يكونوا بمكة.
وقد روى بعضهم حديثا في " هلال " غلام المغيرة بن شعبة، وأنه أحد السبعة، والحديث باطل باتفاق أهل المعرفة، وإن كان قد روى بعض هذه الأحاديث أبو نعيم في " حلية الأولياء " والشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في بعض مصنفاته، فلا تغتر بذلك؛ فإن فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والمكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع، وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله، وكان أهل الحديث لا يروون مثل هذه الأحاديث؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .
وبالجملة فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل في الرغبة والرهبة مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لرفع البلاء، وأمثال ذلك إنما يدعون في ذلك الله وحده لا شريك له، لا يشركون به شيئا، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عز وجل؛ بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله، أفتراهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12] وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] وقال
تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40 - 41] وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ - فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42 - 43]
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم استسقى لأصحابه بصلاة وبغير صلاة، وصلى بهم للاستسقاء، وصلاة الكسوف، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين، وكذلك خلفاؤه الراشدين بعده، وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين، وما زالوا على هذه الطريقة.
ولهذا يقال: ثلاثة أشياء ما لها من أصل: (باب النصيرية) و (منتظر الرافضة) و (غوث الجهال) : فإن النصيرية تدعي في الباب الذي لهم ما هو من هذا الجنس أنه يقيم العالم، فذاك شخصه موجود؛ ولكن دعوى النصيرية فيه باطلة. وأما محمد بن الحسن المنتظر، والغوث المقيم بمكة، ونحو هذا: فإنه باطل ليس له وجود.
وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله، ويعرفهم كلهم، ونحو هذا، فهذا باطل. فأبو بكر وعمر رضى الله عنهما لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله، ولا يمدانهم، فكيف بهؤلاء الضالين المغترين الكذابين؟ ! ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن
رآهم من أمته بسيما الوضوء؛ وهو الغرة والتحجيل، ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله عز وجل. وأنبياء الله الذين هو إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم؛ بل قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] وموسى لم يكن يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى؛ بل لما سلم عليه موسى قال له الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ فقال له: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. وقد كان بلغه اسمه وخبره، ولم يكن يعرف عينه. ومن قال: إنه نقيب الأولياء أو أنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل.