الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض]
وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم، أو تقبيل الأرض ونحو ذلك، فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه. ففي المسند وغيره «أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ما هذا يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله ! رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: كذبوا يا معاذ! لو كنت آمرا أحد يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، يا معاذ! أرأيت إن مررت بقبري أكنت ساجدا؟ قال:" لا " - قال: لا تفعل
هذا» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل قد ثبت في الصحيح من حديث جابر: «أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه قاعدا من مرض كان به، فصلوا قياما، فأمرهم بالجلوس، وقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا وقال: من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار» فإذا كان قد نهاهم مع قعوده - وإن كانوا قاموا للصلاة - حتى لا يتشبهوا بمن يقومون لعظمائهم، وبين أن من سره القيام له كان من أهل النار فكيف بما فيه من السجود له، ومن وضع الرأس، وتقبيل الأيادي، وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة الله على الأرض - قد وكل أعوانا يمنعون
الداخل من تقبيل الأرض ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض.
وبالجملة فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السماوات والأرض، وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره فيه نصيب مثل الحلف بغير الله عز وجل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» متفق عليه وقال أيضا: «من حلف بغير الله فقد أشرك» .
فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا:
أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» . وإخلاص الدين لله هو أصل العبادة.
ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشرك دقه وجله، وحقيره وكبيره؛ حتى أنه قد تواتر عنه أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها بألفاظ متنوعة: تارة يقول: «لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها» وتارة ينهى عن الصلاة بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وتارة يذكر أن الشمس إذا طلعت طلعت بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ونهى عن الصلاة في هذا الوقت، لما فيه من مشابهة المشركين في كونهم يسجدون للشمس في هذا الوقت، وأن الشيطان يقارن
الشمس حينئذ ليكون السجود له فكيف بما هو أظهر شركا ومشابهة للمشركين من هذا، وقد قال الله تعالى فيما أمر رسوله أن يخاطب به أهل الكتاب:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] وذلك لما فيه من مشابهة أهل الكتاب من اتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، ونحن منهيون عن مثل هذا، ومن عدل عن هدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى ما هو من جنس هدي النصارى فقد ترك ما أمر الله به ورسوله.
وأما قول القائل: انقضت حاجتي ببركة الله وبركتك. فمنكر من القول؛ فإنه لا يقرن
بالله في مثل هذا غيره، حتى أن قائلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما شاء الله وشئت فقال: «أجعلتني لله ندا؟ ! بل ما شاء الله وحده» وقال لأصحابه: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» وفي الحديث أن بعض المسلمين رأى قائلا يقول: نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون، أي تجعلوا لله ندا يعني تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، وفي الصحيح عن زيد بن خالد، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر بالحديبية في إثر سماء من الليل، فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما
من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» والأسباب التي جعلها الله أسبابا لا تجعل مع الله شركاء وأندادا وأعوانا.
وقال القائل: ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه، وأسرع الدعاء إجابة الدعاء لغائب، وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير، وقد يعني بها بركة معاونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك، وهذه كلها معان صحيحة، وقد يعني بها دعاءه للميت والغائب؛ إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له: متابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع المنكرات ونحو هذه المعاني الباطلة. والذي لا