المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(هل «الشقة» اشتريت بشقة من بيت الشعر كما يقولون - سبب تسمية «الشقة» بهذا الاسم

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

الفصل: ‌(هل «الشقة» اشتريت بشقة من بيت الشعر كما يقولون

‌مقال قديم قبل أكثر من (33) سنة

نُشر في «جريدة الرياض» في عددها (5472)، يوم الخميس، تاريخ

(28/ شعبان/ 1403 هـ)، في صفحة «الرأي للجميع» ، مقال جميل، للأستاذ: سليمان بن حمود بن صالح بن إبراهيم بن عبدالله بن سند الحصيني رحمه الله (1)

بعنوان:

‌(هل «الشُّقَّة» اشتُرِيَتْ بشِقَّةِ من بيت الشعر كما يقولون

؟ )

ذكر الشيخ العبودي في كتابه «بلاد القصيم» عن «الشُّقَّة» وسبب تسميتها، ما نصه:

(1) ولد رحمه الله سنة (1357 هـ) في «الشقة السفلى» ، وكان موظفاً في «وزارة العدل»: مساعد رئيس قسم الضمان والأنكحة في الرياض، تقاعد تقاعداً مبكراً، توفي سنة

(1430 هـ) في مدينة الرياض رحمه الله.

جده: صالح، أخ لأمير الشقة: الشهم الكريم: سند بن إبراهيم الحصيني رحمه الله.

ص: 12

يتناقل أهالي الشقة القدامى قصة وصولهم من «التويم» في «منطقة سدير» ، ويقولون ما ملخصُّه من روايات عِدَّة، بعضها يغاير بعضاً: أن أوائلهم جاءوا ـ وهم ثلاثة أشخاص ـ فوجدوا «الشُّقَّة» ماءً ل «عَنَزَة» ، ووجدوهم قد ارتحلوا عنها، إلا أنهم يعلمون أنهم راجعون، ولم يكن فيها إلا عجوز، فاشتروا منها ذلك الماء، بشِقَّةٍ من بيت الشَّعَر، إذْ ليس معهم نقود، والبدوية العنَزية بحاجة إلى تلك الشقة من الشعر المنسوج، لتضيفها إلى بيتها الذي هو من الشعر، فأسموها «الشُّقَّة» ، لهذا السبب، ونزلوا متجاورين، ومع أنها متسعة، ومياهها غزيرة، وآبارها قريبة النبط، وأكثرها ملئ بالآبار القديمة التي دثر بعضها، وبقي بعضها يحتاج إلى حفر أو إلى شئ من الطي، فإنهم اختلفوا فيما بينهم بناءً على بذور شقاق ونزاع حملوه معهم .. إلى آخر ما حواه الكتاب من أخبار الجزء الثالث (ص 1252)، منها: السلاح الذي يحملون عند حضورهم الصلاة؛ خوفاً من بعضهم البعض، والسور العظيم الذي بنوه رغم سعتها وصعوبة وبناء سور يحميها.

وإنني إذْ أشكر الأستاذ الفاضل على جمع هذه المعلومات المتغايرة، لتجدر الإشارة إلى أن البلاد قد مرَّ عليها عواصف من الفتن والفوضى إلى أن

ص: 13

جمعها الله تعالى تحت راية واحدة، وقويت فيها رابطة الدِّين، التي هي أقوى الروابط وأصدقها بين الناس، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من نعمة الأمن والاستقرار والخير الوفير، التي نرجو أن نوفق لشكرها، وحُسن رعايتها.

ولا شكَّ أن قبيلة «عنَزَة» كانت من القبائل الرئيسية في «القصيم» ، و «القصيم» كلُّه بلادهم وبلاد غيرهم من القبائل، وأخلاط الناس.

أما ما استفاض من الأفراد المذكورين من أخبار، ودعواهم أنهم اشتروا «الشُّقَّة» بشقة من بيت الشعَر، وأسموها «الشُّقَّة» لهذا السبب، وقاموا بعمارتها من جديد؛ فهذا غير صحيح، ولا يعضده الدليل.

فالجوُّ (1) عامرٌ قبل مجيئهم، والاسم قديمة، و «الشُّقَّة» لا تخصهم وحدهم، ومع أن البلاد ـ ولله الحمد ـ قد أصبحت واحدةً بطولها وعرضها، وذلك بفضل الله وحدة، ثم بعزيمة موحِّد هذه البلاد: عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وذريته من بعده، وليس لأحد منها إلا مايملك شرعاً؛

(1) تقع وسط «الشقة السفلى» ، أصلها لأسرة «الخِضِيري» من بني تميم، وقد أُخذ جزء منه لمستوصف الشقة السفلى، والمدرسة. (علي الحصيني).

ص: 14

إلا أن تسَرُّبَ هذه المزاعم، وأمثالها نحو الكتب، رُغم ضعتها، وعدم صحتها، حيث بدأ التأليف يبرز من جديد في الآونة الخيرة عن البلدان وأهلها، ويُقبل القول ممن هبَّ ودبَّ، ليُعْلَك ويُلْفَظ؛ جعَلَ من الضروري الرد عليها، وتصحيح كل خطأ بما يناسبه، فأقول وبالله التوفيق:

1.

أن بلداً كانت تتصل حِماه ب «الأبلقان» شمالاً، وحتى «الحُمُر» جنوباً، وما وراء «نفود المِلْح» و «الطوير» غرباً، إلى أخصب رياض في

«البطين» شرقاً، عُيِّنَ لها تَسَعُ مَرافِقَ بموجب الصك الشرعي رقم (677) في (5/ 9/ 1380 هـ)، بمطالبة كلٍّ من الشيخ: علي السليمان الضالع، وعبدالكريم السليمان الحصيني رحمهما الله؛ كانت الفائدة منها عامة وكبيرة، لولا شؤم الاختلاف.

مياهه من أقرب مياه المنطقة، المعروفة بوفرة مياهها، تجود فيها الزراعة لاسيما الشعير والقمح؛ يجمع بين: خصوبة التربة، واعتدال الجو، وطيب المرعى، معدن يُعتبر من مصادر خيراته، وهو ما يُعرف باسم (ملح ضاري= ضارج أو الشُّقَّة)، لأغلى وأثمن من أن يطوف به زعم زاعم، فيشتريه بشقة من بيت الشَّعَر! لا تساوي في قيمتها شيئاً إلا كما يساويه بعض الكلام

ص: 15

الرخيص من عجوز بدوية، هي أغنى وأقنى لهذه المساحة، فهي صاحب غزله بمغزلها المعروف، وإنتاجه؛ وهو فاقد الشئ، وفاقد الشئ لا يُعطيه.

ولا تُتْرَك وحدها مقطوعة من أهلها وعشيرتها، لتنتظر وصولهم، فتبيع وطنها بقطعة ساحة؟ ! ولا تبيع وطنَها بأغلى الأثمان، فضلاً عن ساحتهم الصغيرة! !

على أن الشقق تجمُّعات صغيرة، أشهرها الشقتين، والاسم قديم.

وأما قولهم: وهو يعلمون أنهم إليها راجعون! فلا يعلمون إلا ما علموا، إذْ لا يعلم الغيب إلا الله.

قال زهير:

واعلمُ ما في اليوم والأمس قبله

وإني لَعَنْ عِلمِ ما في غدٍ عَمِ.

ومما يزيد في عدم صحة هذه الدعوى: السلاح الذي يحملونه عند حضور الصلاة؛ خوفاً من بعضهم البعض، إذْ لا يصح ذلك؛ لاتفاقهم في الجرَّة أولاً، وضعف المناقشة في المكان ثانياً، لكونهم ثلاثة على حدِّ زعمهم، يأتمون بإمامهم الذي يصلي خلفه اثنان منهم مسلَّحون! ! ولا يُصَدَّق ذلك؛ لما فيه من إشاعة الخوف في المسجد الذي هو مكان عبادة ووِفاق، وليس

ص: 16

للاستعراض، وحاجتُهم في ذلك الزمان لحماية أنفسهم من غيرهم، ألزَم من حاجتهم لحماية أنفسهم من بعضهم، على أنه ثبت أن الحيف يفرِّق بين الأقارب، وأن العدلَ يجمع شتات الناس، ولكن ما ذُكر فيه مبالغةٌ.

ويخصنا منه الدليل، ولعلَّ ذلك حصل من شواذ بعض الأفراد التي تظهر من حين لآخر، ليتوهم البعض صحتها، وهي في الحقيقة صنوف من الخيال، كعش العنكبوت، وهي تهدم ولاتبني، وتُفرِّق ولا تجمع، ولا تجلب فائدة أبداً، وتبعث الإحن، ولا تصدر من عاقل رزين، وقد حملها المؤلف على ظاهرها. (1)

(1) أقول: لا ضير على معالي الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ من إيراد ما ذكره له بعضُ كبار السن من أهل «الشقة» ، وليس عليه أن يبحث وراءهم، فالمعجم الجغرافي كبير جداً، وغزير المعلومات، وحسبه في مثل هذا النقل ـ وجزاه الله خيراً ـ، على أنه خطأ هذه الرواية واستنكرها، بعد أن قرأت عليه ـ رعاه الله ـ ما ذكرتُه في مقدمة تحقيقي لكتاب

«البراهين المعتبرة» من تأليف العم الشيخ: عبدالعزيز بن محمد المديهش (ت 1350 هـ) رحمه الله، قرأتُ على الشيخ سبب تسمية الشقة بهذا الاسم، فأقرَّ كلامي، وأنكرَ القصة المتداولة، وكان ذلك في اثنينيته الممتعة، بتاريخ (21/ 4/1434 هـ) في منزله العامر في مدينة الرياض، ولدي تسجيل صوتي لتعليقه. =

ص: 17

ثم السور الذي لو صحَّ الخبر، لكان في البلد أكبر مدينة وُجِدَت في تاريخ المنطقة، باعتبار تباعد الشُّقَّتين عن بعضها، لاسيما إذا أضيف لذلك

«الخبيب» ، و «البشمة» ، تلك السبخة المعمورة قديماً، المزدهرة بآبارها وعيونها بزعمهم؛ و «الباطن» ، مما يُشكِّل خطاً مستديراً، قد يبلغ طولها عشرات الكيلوات، وهذا غريب! !

على أنه ورد أن مجيئهم عن طريق «حريملاء» المعمورة سنة

(1040 هـ)(1)،

ولم يذكر بالتحديد، ولا شك أن ما بعد هذه الفترة لايكفي

= إنَّ المؤاخذة تكون على من كتب هذه القصة وهو من أهل هذه البلدة «الشقة» ، لأن طاقته العلمية منصبَّة على بلدته أولاً، فإن لم يكن من أهل العلم والبحث، فليسألهم، وليبدأ بأهل بلدته قبل غيرهم.

للأسف نجد بعض أبناء أُسَر الشقة، يكتب هذه الخرافة في ورقاته، أو مدونته، أو شجرة أسرته نقلاً وتقليداً لشجرة أسرة أخرى من أبناء عمه! ! دون أن يُعمل عقله، ولو بحث وسأل، لوجد العلم الصحيح، والعلم رَحِمٌ بين أهله.

(1)

أقول: هذا النص من «معجم بلاد القصيم» لشيخنا الجليل العبودي ـ حفظه الله ونفع بعلمه ـ (3/ 1260)، وهو وهم منه في المعلومة والإحالة لابن عيسى، فإن الذين =

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قدموا للشقة جاءوا إليها من «التويم» مباشرة، وأن أبناء عمهم (آل حمد) هم الذين ذهبوا إلى حريملاء.

وقد نقلتُ في موقع أسرتنا «أسرة المديهش» www.almdehesh.com

النصوص المتعلقة بخروج آل أبو رباع من «التويم» ـ وذلك سنة (1045 هـ) تحديداً ـ ذهب منهم «آل هويمل» إلى «الشقة» ، وذهب أبناء عمهم «آل حمد» إلى «حريملاء» ، وممن خرج من التويم إلى الشقة أيضاً: الحصيني، وغيرها من الأسر.

هذه المعلومات تجدها في موقع أسرة المديهش بالتفصيل من مخطوطات ومطبوعات كتب تاريخ نجد.

وبما أنَّ العبودي ـ رعاه الله ـ وهِم في نص ابن عيسى والإحالة إليه، فإني أقتطع من البحث السابق نصَّ ابن عيسى:

قال ابن عيسى رحمه الله ــ وعبارته من أوضح ما وقفتُ عليه ــ:

[[وفي سنة (1045 هـ) نزل آل أبو رباع بلدَ «حريملاء» ، وعمروها وغرسوها؛ وذلك أنَّ آل حمد من بني وائل حين وقع بينهم وبين آل مدلج في بلد «التويم» بعض الاختلاف؛ خرج علي بن سليمان آل حمد، وقبيلته، وابن عمه راشد، واشتروا «حريملاء» من ابن معمر رئيس بلدة «العيينة» واستوطنوها.

تتمة: أهل حريملاء آل أبو ربَّاع، من آل حسني، من بشر، من عنزة، وحتايت جد آل حتايت من وهب، من النويطات، من عنزة. =

ص: 19

لزوال أثَره، وانقطاع خبَرِه، لاسيما إذا سبق ذلك فترة نموهم، وازدهارهم، ومدة التنفيذ، فهل تُرى أصابته الملوحة المزعومة، أم أن الخبر غير صحيح؟ !

2.

أن اسم «الشُّقَّة» مأخوذ في الأصل من اللغة العربية، شأن الكثير من الأماكن في جزيرة العرب، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} (1)

= وكذلك جد آل عقيل، وجد آل هويمل الذين منهم القصارى المعروفين في «الشِّقَّة» من بلدان القصيم، وجد آل عبيد المعروفين في «التويم» من بلد سدير، من آل أبو رباع، من آل حسني، من بشر، من عنزة]]. انتهى من «تاريخ ابن عيسى» .

ينظر: «تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الأعيان وأنسابهم وبناء بعض البلدان من 700 هـ إلى 1340 هـ» للشيخ: إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ ط. المئوية ـ (ص 45)، ط. اليمامة (ص 30 ـ 31)، ط. ضمن «خزانة التواريخ النجدية» (2/ 42 ـ 43)، «مجموع ابن عيسى» ط. ضمن «خزانة التواريخ النجدية» (9/ 44) وفيه إلى قوله: واستوطنوها].

(1)

قال تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} سورة التوبة، آية 42.

ص: 20

أي المسافة. (1)

3.

قال صاحب «المنجد» : الشقة: القطعة والمساحة من الأرض. (2)

وهذا ما ينطبق على الموقع، وهذا أيضاً معلوم لدى أساتذتنا الأفاضل، والشيح العبودي من أدرى الناس وأعلمهم بذلك، ولكن للدلالة فقط.

(1) قال الراغب الأصبهاني في «المفردات» (ص 459): (والشُّقَّةُ: النّاحية التي تلحقك المشقّة في الوصول إليها، وقال: بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ).

قال ابن جرير في «تفسيره» (11/ 476): (

لكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد، وكلفتهم سفراً شاقاً عليهم؛ لأنك استنهضتهم في وقت الحر، وزمان القيظ، وحين الحاجة إلى الكِنِّ .. ).

وكان هذا في غزوة تبوك، في صيف سنة (9 هـ)

قال ابن سعدي في «تفسيره» (ص 338): (لو كان خروجهم لطلب العرض القريب، أي: منفعة دنيوية سهلة التناول، وكان السفر سفراً قاصداً أي: قريباً سهلاً، لاتَّبعُوكَ، لعدم المشقة الكثيرة، ولكن بعُدَت عليهم الشُّقَّة أي: طالت عليهم المسافة، وصعب عليهم السفر، فلذلك تثاقلوا عنك، وليس هذا من أمارات العبودية، بل العبد حقيقة هو المتعبد لربه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد لله على كل حال).

(2)

«المنجد» (ص 396).

ص: 21

وكان الموقع يُعرف قديماً ب «ضارج» ، والشقق داخلة في مُسمَّاه، وقد تغلب شهرتها أحياناً. (1)

و«ضارج» هو المكان المرادف لِ «الشُّقَّة العُلْيا» من الجنوب، وليس هو المكان الذي تفرقوا منه في الشُّقَّتين، فما اتَّجَهَ منه نحو الشمال فهو:«الشُّقَّة العُلْيا» ، وما انحدر نحو الجنوب:«الشُّقَّة السُّفلى» ، ولذلك نظائر في

«الشقق» ، وغيرها، كالباطن، والبُطين، والمَسْحَب.

4.

أن المكان له ذِكْرٌ في القديم، والحديث، شأن الكثير من الأماكن في «جزيرة العرب» ، ذكره الأصبهاني، والبكري، وياقوت الحموي، والشيخ: ابن بليهد، والشيخ: حمد الجاسر، وفي بحث أستاذنا الفاضل ما يُغني عن إدخال هذه المعلومات، وهم مُتَّفِقُون على قِدَم الاسم، ومسكن القبيلة تقريباً، على أن القبائل تحِلُّ وترحَل، وتتجاور، ففي «بلاد العرب» تأليف الأستاذ: الحسن بن عبدالله الأصفهاني، تحقيق الأستاذين: حمد الجاسر، وصالح العلي (ص 266):(الشقوق لبني أسيد، ثم رمز تحت (3): أسيد بن

(1) الأصل القديم «ضارج» ، ثم ورد اسم «الشقة» على موضع «ضارج» في الخمسمئة سنة الماضية.

ص: 22

عمرو بن تميم، وتُعرف «الشقوق» باسم «الشِّقَقْ» ، وهما شقتان: الشُّقَّة العليا، والشُّقَّة السفلى، قريتان متجاورتان، تقعان غرب مدينة «بريدة» ، بمسافة (14) كيلو متراً). انتهى.

وقال الأستاذ: الجاسر أيضاً في «المعجم الجغرافي للبلاد السعودية» حرف الشين: الشُّقَّة: بضم الشين، وتشديد القاف مع فتحها: قريتان تقعان شمال غرب «بريدة» ، الشُّقَّة العُلْيَا، والشُّقَّة السُفْلَى.

وفي كتاب «جمهرة النسب» في معرض كلام عن بني عمرو بن تميم، قال: وقد تحضَّرت أسر كثيرة منهم، فبقيت في نجد .. إلى أن قال: وفي «القصيم» في «الشقق» ، وفي «السمينة» (1) شرق النباج «الأسياح» ، في النفود، ونجد هنا ألا تنافي يُذكر بين ما ذكره الأستاذان: الجاسر، والعبودي، غير أن الأستاذ: العبودي حصرهم في مكان واحد، وهو «النباج» ، والمسافة بينهما قليلة إذا قيست بتحرك القبيلة، لا سيما إذا أُخِذَ بالاعتبار جيم «ضارج» التي تُنطق ياءً، كما هي لغة تلك القبيلة.

(1) قرية من نفود الأسياح. (علي الحصيني).

ص: 23

ولا تنافي بين «الشقق» هذه والتي ذكرها الأستاذ، إذْ أنَّ الحُجَّاج يسلكون طُرُقاً شتَّى، تبعاً لتفرُّق بلدانهم، ومادام أن قال: المجاور لها من الشمال أحد هذه الممرات، حسب ما ذكره الإمام الحربي في كتابه، فإنَّ ماذكره الشيخ: ابن بليهد، وغيره، لا غُبار عليه.

وقد ورد بحث في «مجلة العرب» لأعوام سابقة عن أسر بني خالد، ومساكنهم في القرن الثامن الهجري، وعدَّ من ذلك «ضارج» ، ولعل أسرة المحيميد، من الأسر القديمة فيها، والمقصود أن «الشِّقَّة» بلدٌ معمورُ قديماً، ولم يحتلوا من عامر، ويؤيد ما ذكره الشيخ: حمد الجاسر، وجود أملاك للعضابا في «الخبيب» غربي «الشُّقَّة السُّفلَى» ، وهم من الأسر التي أشار إليها من «بني عمرو» ، والمذكورين والأملاك لا زالت تُنطق باسم أصحابها في عموم «الشِّقَق» أسر مختلفة في «القصيم» .

لذا، فإن ما ذكره الشيخ: العبودي في معرِض ردِّه على الشيخ: ابن بليهد، في جملة الذين بدأوا عمارتها الأخيرة، لم يكن خبراً مؤكَّداً، وقد عمروا نصيبهم فقط منها، وليسوا أهلها وحدهم، ومع ما قدَّمه أستاذنا الفاضل نجد أنه اختار من أقواله أضعفها وأبلاها، ومع ذلك أهمل الأسر المشاركة

ص: 24

ومعظمهم قديم، ومنهم «الحصنان» الذين عاصروهم، واستمرت رئاستهم عليها قرابة قرن من الزمن، ومن أكثر الأسر تملُّكاً فيها.

ونظر الموضوع من جانب واحد، وما نُسِبَ عنهم لا يصح عقلاً ونقلاً، وما ذكره ابن عيسى لا علاقة له باسم «الشُّقَّة» أو شرائها أو عمارتها مطلقاً، وهذه لمحة عنها، وبعض أخبارها:

الشِّقَقْ»: قريتان، تقعان شمال «بريدة» ، يميلان للغرب قليلاً، وتقع «العُليا» بجوار «ضارج» ، ويبعدان عن بعضهما حوالي (6) أو (5) كيلو مترات تقريباً. و «السُّفْلى» أكبر من «العُلْيَا» ، وأكثر تجمُّعات، وأفسح مجالاً، وسكانها أكثر، وكان لها من الصدقة وعليها من الجهاد: ثلاثة أخماس، ول

«العُليا» خُمْسَان، وتفصل بينهما: الحد الفاصل بين «حوطة مزيد» ب

«المَسْحَب» والقلبان المجاورة لها من الغرب، وبين «عدانة البراكي» أي بعد كيلو متر تقريباً من افتراق خطِّ «حائل» من خطِّ «المدينة المنورة» ، كما أن

«الفريسة» ـ بنت الفرس ـ الواقعة غرب هذا المكان، وخارجاً عنه، فاصل

ص: 25

آخر هضبة صغيرة هناك، كان يُعرف ذلك بالزراعة والشكوى، (1) وسارحة الأغنام، وهو معلوم بين الجماعة أيضاً، أو معظمهم.

وكان أهلها يتعاطون الزراعة، واستخراج المِلْح، ولمَّا كانت بلدتهم على طريق الجلب المتَّجِه إلى «بريدة» ، فقد كانوا أيضاً في السابق يزاولون البيع والشراء في الإبل، والأغنام، والسمن، وما إلى ذلك، ويدخلون فيه أسواق «بريدة» التي تبعد عنهم ساعتين للماشي على الأقدام.

وإن مما تعتزُّ به «الشُّقَّة» عموماً: تشريف جلالة الملك عبدالعزيز لها مرتين (2):

الأولى: حينما كان يسعى لتثبيت قواعد مملكته، وهو في طريقه من

«بريدة» إلى المخيَّم، وإقران مسيره بالأمطار الغزيرة التي أنزلها الله تعالى.

والثانية: بعد عودته من «حائل» ، في طريقه إلى «الرياض» بعد فراغه من حلِّ مشكلة خصمه: ابن رشيد، وفي كلا الحالين: استقبله أمير الشقق

(1) كذا، ولعلها «الشوكي» روضة تسرح بها الأغنام. (علي الحصيني).

(2)

انظر في ذلك: «معجم أسر بريدة» لمعالي الشيخ: محمد العبودي (4/ 328).

ص: 26

آنذاك: سند بن إبراهيم آل سند الحصيني (1)، وجماعته الذي رحَّبوا به جميعاً، وباركوا له، ودعو الله له بالعزِّ والتمكين، وقد غمَر الجميع بعطفه ورعايته رحمه الله.

وقد تحوَّل بعض أهلها القدامى، ودخلوا في المدن، وتركوا أملاكهم، التي ماتت بعد ذلك، شأن الكثير من أهل القرى. (2)

وبقي منهم آخرون والتفَّ في محيطها اخيراً أعداد من قبائل شتَّى، من «عنزة، و «حرب» ، و «مطير» ، و «الرشايدة» ، وغيرهم، وقامت مساكن وحِلل متفرقة، ومزارع هنا، وهناك. ونشطت قيمة الأراضي في ظل التطور

(1) أمير الشقة آنذاك، كان رحمه الله ثرياً كريماً عاقلاً، نافعاً لأهل بلده، يداين كثيراً في وقت كان الجوع والفقر هوالغالب، ولم تقتصر مدايناته على أهل الشقة، بل يداين أهل بريدة.

وهو سليل أكارم، فأجداده لهم مآثر دونتها الوثائق، ومنهم والد سند.

توفي الأمير سنة (1347 هـ)، وتولى ابنه إبراهيم الإمارة بعده، ثم عبدالعزيز بن إبراهيم.

ينظر في ترجمته، ووصيته:«معجم أسر بريدة» للعبودي (4/ 326).

(2)

ذكر لي معالي الشيخ: محمد بن ناصر العبودي ـ حفظه الله ـ أنه لا يعرف بلدة عقَّها أهلها مثل «الشُّقَّة» خرجوا منها، وتركوها، ولم يعتنوا بها!

ص: 27