الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المجلد الأول]
تقديم
بسم الله الرحمن الرّحيم اللهم إنا نحمدك حمدا يوافي جليل نعمك، ويكافئ مزيد آلائك ونسألك توبة محّاءة وسترا لا ينكشف، ونبرأ إليك من الحول والقوة، ونرغب إليك في أن تجعل كل ما نتصرف فيه منصرفا إلى ما يتصل برضاك، ومصروفا عما يؤدي إلى سخطك. ونصلي ونسلم على النبي الأمي وعلى أبويه الكريمين إبراهيم وإسماعيل أما بعد.
فأمر لا ريب فيه أننا مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا وتقريرا كما أشار إلى ذلك الذكر الحكيم في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وذلك أيضا أمر الله الواجب في قوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مناط الاتباع، كما أمر بذلك الشارع الحكيم، وجب على فريق من الأمة أن تنفر لجمع وتصنيف وتوصيف حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فقد ضيعت الأمة بيان الكتاب وأسوتها في تنفيذه، وذلك مما تعوّذ أئمة الأمة بالله من التقصير فيه فضلا عن تركه فقد كانوا- رحمهم الله أبصر الناس بفقه أوامر الكتاب، وبالتقرب إلى الله بخدمته. لذلك فقد عكفوا على تدوين سيرة النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ونقدا وتمحيصا. ولا في تراث هذه الأمة- الذي يعد ذخيرتها، وسبب حياتها- أجمع ولا أوعى من هذا الكتاب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك العمل الجليل باد بالرجوع إلى كتب السنة على اتساعها واكتنازها بالذخائر النبوية والجواهر المحمدية، فحقت بذلك كلمة مصنفه- رحمه الله وناظم درره وسالك جواهره، ومعطف أفنانه ومشبك أغصانه، فخرج الكتاب شجرة يانعة، جمعت أطايب الثمار ويانع الأزهار وكان الكتاب كما قال رحمه الله تعالى وأثابه في خطبة الكتاب «فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحرّيت فيه الصّواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوّته وشمائله وسيرته وأفعاله وأحواله وتقلّباته، إلى أن نقله الله- تعالى- إلى أعلى جنّاته، وما أعدّه له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم» .
ولم أذكر فيه شيئاً من الأحاديث موضوعا، وختمت كلّ باب بأيضاًح ما أشكل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النّفائس المستجادات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، والجمع بين الأحاديث التي يظن بها أنّها من المتناقضات، وإذا ذكرت حديثاً من عند الأئمّة
فإني أجمع بين ألفاظ رواته إذا اتفقوا
…
إلى آخر ما أبان به عن منهجه- رحمه الله ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة حضارية وإيمانية.
فالناس من لدن خلقهم الله- تبارك وتعالى فريقان فريق يتعشق الحق ويموت دونه وينافح عنه، وفريق يلج في الباطل، ويتأكل به ويعيش له، ذلك ما قررته قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) ورفض قول الحق على وضوحه وجلاله وارتضائه أن يبوء بإثمه وإثم أخيه وذلك يقتضينا كمسلمين دراسة السيرة لفقه حق الله وبيان حال من اتبعه من الدنيا واستمسك به وديدنه تجاه الباطل في سيرة النبيين والمرسلين ذلك الوجه الحق في التاريخ والسير، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقص لأمته سيرة النبيين فقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ (يونس 71) وقال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (الشعراء 69) وقوله: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص 17) وقوله: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (ص 45) .
وبين الذكر الحكيم هدف القصص فقال لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف 111) فقد أشار القرآن الكريم إلى أن قصص النبيين هدى ورحمة فاستوجب ذلك تفصيل سير الأنبياء، للاهتداء بها وذلك أمر واضح من توزع قصص النبيين على شتى سور الذكر الحكيم، في كل سورة جزء من قصة نبي من المرسلين، حسبما تقتضيه طبيعتها، وحسبما تتوفر عليه من معالجة قضايا تختص به دون غيرها. حتى أوشك القرآن الكريم أن يكون كله قصصا. تلك هي ضرورة دراسته الدراسة التي ينبه إليها الذكر الحكيم.
أما ترى ما صنع الله بفرعون، وما علل به سبحانه لصنيعه فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (يونس 92) .
ولا أدل من كون دراسة السير ضرورة حضارية من توفر الغرب على درس تاريخ الأمم لبيان المزايا والمساوىء.
وتمتاز السيرة النبوية على غيرها من السير بأنها حظيت بالنقد الممحص لكل ما أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإنه لم يكتب عن هوى، ولا عن حقد وسوء قصد إلا ما ندر من كتابات المستشرقين وأعقابهم، وقد نبه صلى الله عليه وسلم لذلك
فقال «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله»
فكان في ذلك كما وصفه ربه سبحانه وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.