المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي: - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - المقدمة

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌تقديم

- ‌ما يتصل بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌فيما يتصل بمولده الشريف

- ‌فيما يتصل برضاعه

- ‌كفالته صلى الله عليه وسلم

- ‌زواجه من خديجة

- ‌في كسبه- صلى الله عليه وسلم

- ‌في ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة

- ‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

- ‌في تعبده قبل البعثة

- ‌في بعثته- صلى الله عليه وسلم وبدء الوحي

- ‌في أطوار دعوته- صلى الله عليه وسلم

- ‌المرحلة الفردية:

- ‌دعوة بني عبد المطلب

- ‌الدعوة العامة

- ‌السيرة بين السلف والخلف

- ‌تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية:

- ‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل:

- ‌ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة:

- ‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

- ‌خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:

- ‌سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة:

- ‌سقوط المدرسة المادية في السيرة:

- ‌حال العالم في القرن العاشر الهجري

- ‌المؤلف والكتاب اسمه وكنيته

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌كلمة شكر

- ‌وصف المخطوط

الفصل: ‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

وهذا واحد من اتهامات التغريب والاستشراق المسمومة حملها قلم رجل مسلم اعتقد هذا الاعتقاد وتعلم في الغرب يحاول أن يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى النبوة والرسالة وما أنزل الله على الرسول من دين ولكن إلى علوم وآداب وتجارب كانت عند العرب وأن كل ما فعله النبي هو أنه نظمها حتى استطاع أهلها أن يسودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز.

يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن تاريخ العلوم في الأمة العربية بعد الإسلام معروف كما أن مقاومة العرب للنبي ودعوته ومحاربتهم له ولها معروفة ولكن الرجل ينكر التاريخ ويفتري تاريخا آخر، ويزعم زعما لا يجوز ولا يستقيم في منطق أو تفكير إلا إذا كان القرآن كلام النبي، كلام محمد العربي، لا كلام الله. عندئذ فقط يعقل أن يكون العرب على ما وصف الدكتور من نهضة وعلم وأدب لأن القرآن أكثر من نهضة وعلم وأدب ولا يعقل إن كان كلام بشر أن يأتي صاحبه في أمة جاهلة كالتي أجمع على وجودها قبل الإسلام مؤرخو اللغة العربية من شرقيين ومستشرقين ومؤرخو الإسلام.

وهكذا نجد الدكتور زكي مبارك يهدر مقام النبوة الإسلامية بمقاييس المادية البحتة التي صورت له كما صورت للمستشرقين أنه من المستحيل أن تؤدي رسالة النبي محمد في خلال بضعة عشر عاما إلى قيام هذا الملك الباذخ، وهذا هو إنكار المعجزات والغيبات في فهم السيرة النبوية وتاريخ الإسلام.

‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

يقول الدكتور طه حسين في بحث نشره في كتاب (الإسلام والغرب) الصادر عام 1946 في باريس: لقد حاولت أن أقص بعض الأساطير المتصلة بالفترة التي سبقت ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ثم قصصت مولده وطفولته. ونشرت هذه السلسلة بعنوان مقتبس من جيل لوميتر وهو (على هامش السيرة) . ويتحتم أن نعترف بأن كتابين فرنسيين كانا بمثابة الشرارتين اللتين أشعلت موقدين كبيرين: أحد الكتابين لجيل لوميتر عنوانه (على هامش الكتب القديمة) والثاني: (حياة محمد لاميل درمنجم) .

أما كتاب جيل لوميتر فإني بعد أن شغفت به كثيرا وضعت في نفسي الأسئلة الآتية:

هل يمكن إعادة كتابة مآثر الفترة البطولية في تاريخ الإسلام في أسلوب جديد أم أنه يتعذر ذلك؟ وهل تصلح اللغة العربية لإحياء هذه المآثر؟

وقال عن كتاب (على هامش السيرة) :

هذا الكتاب من عمل المخيلة. اعتمدت فيه على جوهر بعض الأساطير ثم أعطيت

ص: 26

نفسي حرية كبيرة في أن أشرح الأحداث وأخترع الإطار الذي يتحدث عن قرب إلى العقول الحديثة مع الاحتفاظ بالطابع القديم.

وكان الدكتور طه يتحدث بهذا إلى المستشرقين في أول مؤتمر للحوار بين المسيحية والإسلام ويعد كتابه هذا خطوة في هذا السبيل من حيث دمج الأديان كلها في كتاب واحد وفي اختراع أخطر بدعة من إحياء الأساطير في الأدب العربي. هذا ما كشف عنه طه حسين بعد سنوات طويلة من ظهور (على هامش السيرة) فماذا كان موقف الباحثين منه؟ يقول صديقه وزميل دربه الدكتور محمد حسين هيكل:

أستميح طه العذر إن خالفته في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم وعصره مادة لأدب الأسطورة. وأشار إلى ما يتصل بسيرة صلى الله عليه وسلم ساعة مولده وما روي عما حدث له من إسرائيليات روجت بعد النبي ثم قال:

ولهذا وما إليه يجب في رأيي ألا تتخذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم مادة الأدب الأسطوري، وإنما يتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب، وما اندثر أو ما هو في حكم المندثر، وما لا يترك صدقة أو كذبة في حياة النفوس والعقائد أثرا ما والنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وعصره يتصل بحياة ملايين المسلمين جميعا بل هي فلذة من هذه الحيا. ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثرا. وأعلم أن هذه (الإسرائيليات) قد أريد بها إقامة ميثولوجية إسلامية لإفساد العقول والقلوب من سواد الشعب. ولتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فقد كانت هذه غاية الأساطير الذي وضعت عن الأديان الأخرى. من أجل ذلك ارتفعت صيحة المصلحين الدينيين في جميع العصور لتطهير العقائد من هذه الأوهام.

ولا ريب أن كلام الدكتور محمد حسين هيكل هذا هو اتهام صريح لطه حسين في اتجاهه وتحميله مسؤولية من أخطر المسؤوليات، وهي:

إعادة إضافة الأساطير التي حرر المفكرون المسلمون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم منها طوال العصور. وإعادتها مرة أخرى لخلق جو معين يؤدي إلى إفساد العقول في سواد الشعب وتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.

وهذا الذي كشفه هيكل ما زال كثيرون يجهلونه، وما زال المتابعون لحياة الدكتور طه حسين وتحولاته يرون أن هذا أخطر تحول له وأن هذا التحول جاء ليخدع الناس عن ماضيه وسابقته في إذاعة مذهب الشك وطارت الدعوات تقول: إن طه حسين عاد إلى الإسلام وإنه يكتب حياة الرسول، ولم يكن هذا صحيحا على الإطلاق ولكنه كان تحولا خطيرا وفق أسلوب جديد لضرب الإسلام في أعز فلذات حياته وهي سيرة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ولقد دمغه

ص: 27

هيكل حين قال: لقد تحول طه الرجل الذي لا يخضع لغير محكمة النقد والعقل إلى رجل كلف بالأساطير يعمل على إحيائها وإن هذا ليثير كثيرا من التساؤل، إذ إن طه وقد فشل في تثبيت أغراضه عن طريق العقل والبحث العلمي لجأ إلى الأساطير ينمقها ويقدمها للشعب إظهارا لما فيها من أوهام في ظاهرها تفتن الناس.

وقد كان هذا مصدرا لما أورده الأستاذ محمد النائف في كتابه دراسات عن السيرة حيث قال: أن (على هامش السيرة) هو في حقيقته على هامش الشعر الجاهلي ومتمم له. فهو على طريق تطاوله على الإسلام ولكن مع المرواغة والمداهنة.

ومن أبرز ما يلاحظ أنه خلط تاريخ الإسلام بأساطير المسيحية واليهودية وقساوسة مصر والشام وخيبر ونصارى اليمن، كما عنى عناية كبيرة بأساطير اليونان والرومان، وخلط هذا كله خلطا شديدا مع سيرة النبي وأراد بذلك إثارة جو من الاضطراب بين الإسلام المتميز بذاتيته الخاصة وبين ما كان قبل الإسلام من أساطير وخرافات وقد اهتم بتراث اليهود فقدم لهم قصة (مخيرق) اليهودي

وقد أخذ في كتابه بالأحاديث الموضوعة وفي نفس الوقت رد أحاديث صحيحة لأنها خالفت هواه، وعوّل كثيرا على الإسرائيليات التي جاءت في تاريخ الطبري وأكثر من إيرادها وحشد قدرا كبيرا من الأساطير في قصة (حفر زمزم) على يد عبد المطلب، وبالغ في قصة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يثبت منها إلّا حديث واحد وأخذ بالأخبار الموضوعة في قصة (زينب بنت جحش) وجسم بعض المعجزات التي حدثت للرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضعته حليمة السعدية وأثناء سفر النبي في تجارة خديجة رضي الله عنها. وقد خص الشياطين باهتمام بالغ فتوسع في الحديث عنهم وصور مؤتمرا يتصدره إبليس للشياطين ورسم صورة للشيطان الذي حضر خلاف قريش على الحجر الأسود وكان على شكل شيخ نجدي.

وعلى ندرة الصفحات التي خصصها لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت هذه الصفحات- مملوءة بالمغالطات والذي سلم من التحريف كان للمتعة والتسلية. ومن أخطر مزاعمه أن النبي قد أحبّ زينب وهي زوجة لزيد وهذا بهتان عظيم.

وإذا كان طه حسين قد أشار في المقدمة إلى أنه اهتم باختراع الأحاديث فإنّ الحرية التي أباحها لنفسه لم تكن إلا لهوى معين وهدف واضح هو أن يقدم عن طريق القصص من السموم ما عجز عنه عن طريق النقد والكتابة الأدبية.

يقول (غازي التوبة) في دراسته عن طه حسين وهامش السيرة:

إنّ طه حسين ينصب نفسه إماما للأساطير اليونانية ويضع السيرة في مصاف الإلياذة

ص: 28