المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل: - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - المقدمة

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌تقديم

- ‌ما يتصل بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌فيما يتصل بمولده الشريف

- ‌فيما يتصل برضاعه

- ‌كفالته صلى الله عليه وسلم

- ‌زواجه من خديجة

- ‌في كسبه- صلى الله عليه وسلم

- ‌في ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة

- ‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

- ‌في تعبده قبل البعثة

- ‌في بعثته- صلى الله عليه وسلم وبدء الوحي

- ‌في أطوار دعوته- صلى الله عليه وسلم

- ‌المرحلة الفردية:

- ‌دعوة بني عبد المطلب

- ‌الدعوة العامة

- ‌السيرة بين السلف والخلف

- ‌تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية:

- ‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل:

- ‌ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة:

- ‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

- ‌خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:

- ‌سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة:

- ‌سقوط المدرسة المادية في السيرة:

- ‌حال العالم في القرن العاشر الهجري

- ‌المؤلف والكتاب اسمه وكنيته

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌كلمة شكر

- ‌وصف المخطوط

الفصل: ‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل:

وتقطر غما وتأثرا مما يشبه أن يكون ضعفا عن احتمال صدمة الحادث

والحقيقة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى قدرا من أن يصدر منه ما صوره الدكتور هيكل هياما في الخيال والشعر والقصص. وإنما أظهر رسول الله ما أظهر من حزن سام وذرفت عيناه دموعا مطهرة لا يذرفها إلا لله. ولا يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدرت منه الألفاظ التي نسبها إليه الدكتور هيكل منساقا مع شعوره حين حزن هو على فقد ولده ولأجل هذا غير اسم كتاب رحلته إلى أوروبا إلى عنوان (ولدي) . إن رسول الله يعلم علم اليقين وحق اليقين أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأن ولده إبراهيم لن يعيش طويلا حيث يقول الله تبارك وتعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ولقد مات له ولدان من قبل احتسبهما في رضى وإيمان.

‌تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية:

وقد أخذ على الدكتور هيكل تقبل وجهات نظر إميل درمنجم في تصوره أن النبي قد تأثر بأهل الكتاب في الجزيرة العربية أو في ذهابه إلى الشام أو في إرسال بعض أصحابه إلى الحبشة المسيحية، فقد جرى هيكل وراء عبارات درمنجم دون أن يتبين مكره وخبثه حين حاول أن يصور دعوة النبي أصحابه إلى الهجرة إلى الحبشة لأنها مسيحية، ويتساءل الدكتور حسين الهراوي الذي ناقش هيكلا في هذه النقطة: هل حقيقة كانت الهجرة إلى الحبشة لأنها مسيحية. ويقول إن در منجم شأن المستشرقين بتر هذه القصة بصفة مشوهة للحقيقة. فلم يكن الدافع للنجاشي ورعه وتقواه ولم يكن سبب عطفه ورحمته ذلك الدافع الديني بل الدافع الحقيقي إن هذا النجاشي كان عادلا وهذه هي الخلة التي ذكرها النبي حين قال: «لأنّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق» .

ومن مراوغات درمنجم تفسيره للآية الكريمة:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ. يريد درمنجم أن يقول: إن القرآن طلب إلى النبي سؤال أهل الكتاب وأن الله تعالى رضي للناس الإسلام دينا مع بقاء الأديان التي سبقت، وحدة مندمجة. فيما أسماه الكمال الروحي. ولا ريب أن هذه مراوغة خطيرة من الاستشراق يحاول بها أن يفسر الآيات القرآنية تفسيرا يخدم بها أهدافه، والحقيقة أن الإسلام جاء ليظهره الله على الدين كله وأن الأديان كلها التي سبقت كانت موصلة إليه لولا أن قادتها حرفوها.

‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل:

هذه الظاهرة واضحة تماما في كتابات هيكل وطه حسين والعقاد وقد قامت عليها

ص: 22

كتاباتهم في (حياة محمد وهامش السيرة والعبقريات) وكانت لها جذور ممتدة في كتابات الشيخ محمد عبده وفريد وجدي وقد هاجمها الشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية في كتابه الضخم (موقف العلم والعالم من رب العالمين) .

وقد جرى الكتاب الثلاثة هذا المجرى باسم (المنهج العلمي الغربي) .

والحقيقة أن المنهج العلمي هو منهج إسلامي الأصل والمصدر على خلاف دعوى بعض المتأثرين بالدراسات الغربية. ولقد كان من أبرز أهداف التغريب التأثير في أسلوب كتابة التاريخ الإسلامي وفي مقدمة ذلك (سيرة النبي الأعظم) إيمانا منهم بأن هذه الصفحات الباهرة من شأنها إذا عرضت عرضا صحيحا أن تبعث الأحاسيس العميقة في قلوب شباب المسلمين ومن هنا كانت محاولتهم المسمومة في إدخال أسلوب عصري له طابع براق ولكنه يخفي من وراء ذلك إطفاء الأضواء التي يقدمها هذا التاريخ من حيث الصلة بالله تبارك وتعالى والإعجاز الرباني الواضح في كل مواقف حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ الإسلام وفتوحاته. ولما كان هذا العمل هو بمثابة هدف واضح الدلالة في مخطط الاحتواء الغربي الذي يرمي إلى التقليل من شأن البطولات الإسلامية ووضعها موضع المقارنة مع البطولات الغربية من خلال النواحي المادية وحدها فقد حجبت هذه الدراسات جانبا كبيرا من أثرها المعنوي والروحي الذي يهز النفوس ويملؤها بالثقة واليقين في عظمة هذا الدين الخاتم وفي سعة العطاء الرباني لنبيه.

ومن هنا كان ذلك الأسلوب المسمى بالعلمي الذي اصطنعه كتاب لهم أسماء لامعة ولم تكن سابقة في الدراسات الإسلامية بل كانوا غارقين في دراسات الغرب وبطولات رجاله (جان جاك روسو، فولتير، مونتسكيو، أرسطو إلخ) في محاولة للتقليل من قدر أحداث السيرة النبوية تحت اسم العقلانية وإنكار المعجزات والجوانب الغيبية والإعراض عن الجوانب ذات الصلة بالإيمان والعقيدة واليقين والتقوى وغيرها.

ولقد استطال الدكتور هيكل في مقدمة كتابه بإعجابه وتبنيه للطريقة العلمية الحديثة وأشار إلى ميزاتها وأفضليتها. ولكن الشيخ محمد مصطفى المراغي في مقدمته لكتاب حياة محمد لم يخف عليه هدف هذا فقال: «أما إن هذه الطريقة حديثة فهذا ما يعتذر عنه وقد ساير الدكتور (هيكل) غيره من العلماء في هذا، ذلك لأنها طريقة القرآن كما اعترف هو ولأنها طريقة علماء سلف المسلمين. انظر كتب الكلام تراهم يقررون أن أول واجب على المكلف معرفة الله. فيقول آخرون: لا، إن أول واجب هو الشك، ثم إنه لا طريق للمعرفة إلا البرهان وقد جرى الإمام الغزالي على الطريقة نفسها، وقد قرر في أحد كتبه أنه جرد نفسه من جميع الآراء ثم فكر وقدّر ورتب ووازن وقرب وباعد ثم اهتدى بعد ذلك كله إلى أن الإسلام حق وإلى ما

ص: 23

اهتدى إليه من الآراء. وأنت واجد في كتب الكلام في مواضع كثيرة حكاية (تجريد النفس) عما ألفته من العقائد. ثم البحث والنظر فطريق التجريد طريق قديم وطريق التجربة والاستقراء طريق قديم، والتجربة والاستقراء التام وليدا الملاحظة فليس هناك جديد عندنا. ولكن هذه الطريقة القديمة بعد أن نسيت في التطبيق العلمي والعملي في الشرق وبعد أن فشا التقليد وأهدر العقل وبعد أن أبرزها الغربيون في ثوب ناصع وأفادوا منها في العلم والعمل رجعنا نأخذها ونراها طريقا في العلم جديدة» اه.

وهكذا تبين للمدرسة الحديثة أن الإسلام هو واضع الأسس لهذا المنهج العلمي الذي أخذوا به، وإن لم يعطوه حقه من الأصالة الإسلامية بل قصروه على الجوانب المادية ففاتهم خير كثير، نظرا لأن خلفياتهم مع الأسف كانت عربية ولم يكونوا قد قرأوا من التراث الإسلامي ما يمكنهم من معرفة الحقيقة كاملة.

لقد كتبت هذه الدراسات بالرغم من حسن النية عند البعض بصورة قاصرة خالية من الإيمان اليقين تحت اسم العلم الذي لا يعترف للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بمعجزة واحدة هي القرآن، وكان من رأي فريد وجدي وهيكل الإعراض عن الخبر الصادق الذي ثبت في الكتاب والسنة إذا عارض طريق العلم وبذلك حجبوا عن السيرة النبوية أهم جوانبها وأخطرها على الإطلاق وهو (جانب معجزة الوحي الإلهي وعالم الغيب) .

ولطالما ردد هيكل وطه حسين وغيرهما كلمة العلم والمنهج العلمي. والحقيقة أنهم ما كانوا يقصدون (العلم التجريبي) الذي يقوم في المعامل على أساس الأنابيق. وإنما العلم الذي قصدوا إليه والذي لقن لهم هو الفلسفة المادية التي قدمها التلموديون وكانت قد استفحلت في الغرب بعد القضاء على الفلسفة المثالية المسيحية، وهي فلسفة التنوير كما يقولون. قامت على إنكار جوانب الإنسان الروحية والمعنوية وتصويره بصورة الحيوان والحيوان الناطق والخاضع لشهوتي الطعام والجنس (ماركس وفرويد) وقد امتد هذا الأثر إلى علوم الاجتماع والأخلاق والتربية والأدب والسياسة جميعا ولم يكن هذا في الحقيقة هو العلم، وما كانت هذه الصيحات تساوي شيئا لأن هذه المفاهيم كانت سرعان ما تتعثر وتسقط أمام المتغيرات فضلا عن إنه قد ثبت- من بعد- عجز العلم التجريبي عن أن يقول (كيف) وعجز الدراسات المادية أن تكشف سرائر العلوم الإنسانية.

ولقد كانت هذه الدراسات مع الأسف خاضعة لفكرتين مسمومتين قائمتين في نفوس وعقول كتاب الغرب والتغريب هما:

1-

فكرة (إخضاع الدين لمقاييس العلم) في أفق الفكر الإسلامي كما فعل الغرب وهي

ص: 24