المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - المقدمة

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌تقديم

- ‌ما يتصل بنسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

- ‌فيما يتصل بمولده الشريف

- ‌فيما يتصل برضاعه

- ‌كفالته صلى الله عليه وسلم

- ‌زواجه من خديجة

- ‌في كسبه- صلى الله عليه وسلم

- ‌في ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة

- ‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

- ‌في تعبده قبل البعثة

- ‌في بعثته- صلى الله عليه وسلم وبدء الوحي

- ‌في أطوار دعوته- صلى الله عليه وسلم

- ‌المرحلة الفردية:

- ‌دعوة بني عبد المطلب

- ‌الدعوة العامة

- ‌السيرة بين السلف والخلف

- ‌تقبل وجهات نظر درمنجم في مسائل أساسية:

- ‌ثانيا: ظاهرة إنكار المعجزات وتأويلها إرضاء للمنهج الغربي وباسم إعلاء نظرة العقل:

- ‌ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة:

- ‌رابعا: إحياء الأساطير في سيرة النبي:

- ‌خامسا: الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:

- ‌سادسا: تطور جديد: التفسير الماركسي للسيرة:

- ‌سقوط المدرسة المادية في السيرة:

- ‌حال العالم في القرن العاشر الهجري

- ‌المؤلف والكتاب اسمه وكنيته

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌كلمة شكر

- ‌وصف المخطوط

الفصل: ‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

كساكها محمد بن عبد الله ختنك وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاءوه فكلموه. فقال أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه قال إن كنت زوجته فسبيل ذاك وإن لم أكن فعلت فقد زوجته.

وقد ذكر الزهري في سيره أن أباها زوجها منه وهو سكران نحو ما تقدم حكاه السهيلي.

قال المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه وهذا هو الذي رجحه السهيلي. وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت وكان خويلد مات قبل الفجار، وهو الذي نازع تبعا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد، وقام معه جماعة من قريش ثم رأى تبع في منامه ما روعه، فنزع عن ذلك وترك الحجر الأسود مكانه.

‌في شهادة الخصوم له صلى الله عليه وسلم قديما وجديدا

وشهادة الخصوم في هذا الباب لها وزنها الكبير إذ تدلك على مبلغ الثقة التي كان يتمتع بها رسول الله عند الجميع، ولكن بعض الناس استغرب واستكبر فأنكر دون وجود مبرر لهذا الإنكار وهذه نصوص تؤكد لك هذا الذي قلناه.

«أخرج البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: «يا أبا الحكم هلم إلى الله ورسوله أدعوك إلى الله» . فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إلا أن نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت، فو الله لو أني أعلم أنا ما تقول حق لاتبعتك فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليّ فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء. إن بني قصى قالوا: فينا الحجابة. قلنا نعم ثم قالوا: فينا السقاية قلنا نعم، ثم قالوا فينا الندوة فقلنا نعم، ثم قالوا فينا اللواء فقلنا نعم، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي، والله لا أفعل» وأخرجه ابن أبي شيبة بنحوه.

وأخرج الترمذي عن علي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنّا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به فانزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.

«وأخرج ابن عساكر عن معاوية رضي الله عنه قال: خرج أبو سفيان إلى بادية له مردفا هندا وخرجت أسير أمامهما وأنا غلام على حمارة لي إذ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان: انزل يا معاوية حتى يركب محمد فنزلت عن الحمارة وركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار أمامنا هنيهة ثم التفت إلينا فقال: يا أبا سفيان بن حرب ويا هند بنت عتبة والله لتموتن ثم لتبعثن ثم ليدخلن المسحن الجنة والمسيء النار، وأنا أقول لكم بحق وإنكم لأول من أنذرتم

ص: 11

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.. حتى بلغ- قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» فقال له أبو سفيان: أفرغت يا محمد؟ قال نعم ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمارة وركبتها وأقبلت هند على أبي سفيان: ألهذا الساحر أنزلت ابني قال: لا والله ما هو بساحر ولا كذاب» وأخرجه الطبراني أيضا.

وروى البخاري ومسلم قصة أبي سفيان عند هرقل كما حدث بها أبو سفيان ابن عباس ومنها سؤاله لأبي سفيان هذا: «قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قلت لا» وفي آخر القصة يقول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا فعرفت إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى» .

وأخرج الشيخان والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟

قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد! قال أبو لهب:

تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.

من هذه النصوص يتبين لك أن الثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم كانت متوفرة ولم يكن هذا الموضوع فيه شك أبدا وهذا الذي يعلل لنا:

ظاهرة الإيمان به من قبل من حاربوه واحدا فواحدا طوعا لا إكراها أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب.. ذلك لأنهم ما كانوا يشكون في أن محمدا صادق، ولكن فاجأهم بشيء لم يسمعوا به هم ولا آباؤهم فأنكروه، حتى إذا ذهب هول المفاجأة وحكموا عقولهم التقى صدق الفكر بالثقة الأساسية بشخص محمد صلى الله عليه وسلم فتولد عن ذلك إيمان.

ظاهرة الإخلاص له بعد الإيمان: فبعضهم لم يؤمن إلا آخرا بعد أن غلب كبقايا قريش فإنهم أخيرا غلبوا للإسلام، وكان يمنعهم من ذلك ثارات وأحقاد وشبهات وشهوات، حتى إذا دخلوا فيه تسليما للأمر الواقع وإذا بهم مخلصون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأتم ما يكون الإخلاص، ومتفانون في الإسلام بعد أن زالت عن أعينهم غشاوات، من بعدها تبينوا أن محمدا هو الأخ الكريم والابن الكريم فكانت معرفتهم به وثقتهم بشخصيته أساسا لإخلاصهم في طريقهم الجديد الذي ساروا به بعد ذلك فرحين.

وبعد فهذه شهادة خصوم: بعضهم أسلم بعد خصومة شديدة وبعضهم مات على كفره ولكن الجميع حتى في أشد حالات الخصومة كانوا مؤمنين أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق.

ص: 12