الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده كتاباً محفوظاً في الصدور لا يخلق ولا يبلى على مر الدهور، وأثاب على قراءة كل حرف منه بأعظم الأجور والله يضاعف لمن يشاء وهو العليم بذات الصدور، وأصلي وأسلم على محمد سيد ولد آدم الذي نعته ونعت أمته في كتبه المتقدمة مذكور، وعلى آله وصحبه الذين حملوا القرآن وسعوا في تعليمه فسعيهم مشكور، والتابعين لهم بإحسان ممن تلاه حق تلاوته ما تعاقب الظلام والنور.
وبعد؛ منذ نزل القرآن العظيم وهو محاط برعاية الله وعنايته حتى أكمله الله لهذه الأمة ورضيه لها دينا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (1)
وشاءت عناية الله عز وجل أن لا يكل حفظ هذا الكتاب إلى عباده حتى لا يضيع، كما أضاع أهل التوراة كتابهم حينما وكل حفظه إليهم كما في قوله تعالى:{بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} (2) وهذا الحفظ باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تزال طائفة من هذه الأمة حاملة للواء الحق ظاهرة به لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله.
وإن من وسائل حفظ الله لهذا الكتاب ما سخره له في كل عصر ومصر من علماء عاملين، وقراء مجودين - وحفظة مسندين، وطلبة مجدّين جعلوا القرآن مسلاتهم بالغدو والآصال فهم وإياه دائماً في حل وترحال.
(1) سورة المائدة آية: 3.
(2)
سورة المائدة آية: 44.
عصابة منتخبة وفقهم الله لطلاب كتابه، وقواهم على رعايته وحراسته، وحبب إليهم قراءاته ومدارسته، وهون عليهم الدأب والكلال، وبذل النفس مع الأموال، وركوب الخوف مع الأهوال، فهم يرحلون من البلاد إلى البلاد خائضين في تحصيل قراءاته وأسانيده كل واد.
لا يقطعهم عنه جوع ولا ظمأ، ولا يملهم منه صيف ولا شتاء، مائزين لصحيح القراءات من السقيم، والشاذ من الفاذ وإن المرء ليعجب أشد العجب حين يطالع أسانيد رجال القراءات، ويعلم الجهد الذي بذلوه في تحصيلها، وتمييزهم صحيحها من سقيمها، ومتواترها من شاذها، وتخليصها من كل الشوائب والضعف حتى غدت منتظمة في سلسلة هي أعز من الذهب متماسكة آخذ بعضها بحجز بعض حتى تصل بصاحبها إلى رسول الله صلى الله عيه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل، فهنيئاً لمن حازه، وهنيئاً لأهل القرآن بالقرآن يوم عرضهم على الملك الديان
قال ابن الجزري (1) :
…
وبعد فالإنسان ليس يشرف
إلا بما يحفظه ويعرف
لذاك كان حاملو القرآن
أشراف الأمة أولى الإحسان
وإنهم في الناس أهل الله
وإن ربنا بهم يباهي
وقال في القرآن عنهم وكفى
بأنه أورثه من اصطفى
وهو في الأخرى شافع مشفع
فيه وقوله عليه يسمع
يعطى به الملك مع الخلد إذا
توجه تاج الكرامة كذا
يقرا ويرقى درج الجنان
وأبواه منه يكسيان
(1) طيبة النشر: 2.
فليحرص السعيد في تحصيله
…
ولا يمل قط من ترتيله
وليجتهد فيه وفي تصحيحه
…
على الذي نقل من صحيحه
عن هذا الجهد الذي بذل في تحصيل هذه الأسانيد والعناية الفائقة التي ميّزت صحيحها من ضعيفها، وعاليها من نازلها وقع اختياري على الكتابة في هذا البحث الذي لم تتناوله الأقلام بعد فلا أعلم فيه مؤلفا، وليعلم المطالع من خلاله مدى عناية القراء بالسند وصحته وتواتره والحفاظ عليه، كما عني به علماء الحديث.
فالله أسأل أن يعين على التمام وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعلنا من أهل القرآن أهل الله وخاصته، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو مولانا ونعم النصير.
خطة البحث:
المقدمة.
الفصل الأول: السند عند المسلمين، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف السند لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: عناية علماء المسلمين بالإسناد
المبحث الثالث: عناية علماء القراءات بالأسانيد
الفصل الثاني: مكانة السند عند علماء القراءات، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تواتر السند وصحته شرط في قبول القراءة
المبحث الثاني: رحلة علماء القراءات في طلب الأسانيد
المبحث الثالث: بيان علماء القراءات لبعض الأسانيد الضعيفة والواهية.
الخاتمة.