المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المنهج المتبع في تأليف سلم الوصول - سلم الوصول إلى طبقات الفحول - مقدمة

[حاجي خليفة]

فهرس الكتاب

- ‌تقديمالدكتور خالد أرن

- ‌كاتب جلبي أو حاجي خليفة حياته ومؤلفاته *

- ‌حياته:

- ‌شخصيته:

- ‌أعماله:

- ‌1 - فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار (بالعريية):

- ‌2 - فذلكه (بالتركية):

- ‌3 - تحفة الكبار في أسفار البحار (بالتركية):

- ‌4 - تقويم التواريخ (بالتركية):

- ‌5 - تاريخ فرنكى ترجمه سى (بالتركية):

- ‌6 - تاريخ قسطنطينيه وقياصره (رونق السلطنة) (بالتركية):

- ‌7 - إرشاد الحيارى إلى تاريخ اليونان والروم والنصارى (بالتركية):

- ‌8 - جهاننما (ومعناه: مرآة العالم) (بالتركية):

- ‌9 - لوامع النور في ظلمات أطلس مينور (بالتركية):

- ‌10 - إلهام المُقَدَّس في فيض الأقدس (بالتركية):

- ‌11 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (بالعربية):

- ‌12 - تحفة الأخيار في الحكم والأمثال والأشعار (باللغات الثلاث):

- ‌13 - دُرر منتثرة وغرر منتشرة (بالعربية):

- ‌14 - دستور العمل في إصلاح الخلل (بالتركية):

- ‌15 - رجم الرجيم بالسين والجيم:

- ‌16 - بيضاوي تفسيرينك شرحي (شرح تفسير البيضاوي) (بالتركية):

- ‌17 - شرح المحمدية (بالتركية):

- ‌18 - جامع المتون من جل الفنون:

- ‌19 - ميزان الحق في اختيار الأحق (بالتركية):

- ‌كاتب جلبي وكتابه سلم الوصول

- ‌النسخ المخطوطة من سلم الوصول

- ‌مسودة المؤلف المحفوظة في قسم شهيد علي باشا (1887) بمكتبة سليمانية

- ‌نسخة القاهرة

- ‌مقارنة بين النسختين

- ‌المنهج المتبع في تأليف سلم الوصول

- ‌أهمية سلم الوصول

- ‌مصادر سلم الوصول

- ‌1 - رموز القسم الأول من الكتاب

- ‌2 - رموز مصادر القسم الثاني

- ‌المنهج المتبع في التحقيق

الفصل: ‌المنهج المتبع في تأليف سلم الوصول

وبسبب سقوط وضياع البطاقات الملصقة على الورقة (26 b) التي تأتي عقب الترجمة رقم (475) الموجودة في الورقة (26 a) من مسودة المؤلف والخاصة (بالإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي) فإن صحة ترتيب الترجمة رقم (476) التي هي أولى الترجمات الثماني المنقولة إلى نسخة القاهرة والخاصة (بالشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي) إنما تتأكد بلفظ التعقيب الموجود في نهاية الورقة (27 a). ومن الأمور التي تلفت الأنظار عند المقارنة بين النسختين أيضًا عدم احتواء نسخة القاهرة على الترجمة الواردة تحت رقم (983) في هذا الكتاب والخاصة بأحد علماء العثمانيين (إلياس ابن الشيخ مجد الدين عيسى الآقْحِصَاري البيرامي الجفّار)، وعند الإمعان بدقة في نسخة المؤلف الموجودة بين أيدينا سوف نلحظ أن هذه الترجمة قد أضيفت فيما بعد من قبل المؤلف إلى الفراغ الموجود. والخلاصة هي اعتقادنا بوجود مجلد أول قام بتبييضه كاتب جلبي وكان الأساس لنسخة القاهرة، وما ذكرناه هو الإثبات على صحته، ونأمل أن يظهر للناس في يوم من الأيام. كما يمكننا القول إن كاتب جلبي ظل يعمل حتى وفاته على المسودة المحفوظة ضمن مجموعة الشهيد علي باشا، فكان يضيف إليها الإضافات ويملأ فيها بعض الفراغات بين الحين والآخر.

‌المنهج المتبع في تأليف سلم الوصول

نحن على قناعة أن كاتب جلبي قد أعد هذا الكتاب بالتوازي مع إعداده لكتاب "كشف الظنون"، وسعى في هذا الكتاب لوضع تراجم موجزة للحكام الذين عاشوا حتى عصره، وتراجم كبار العلماء (من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين)، وتراجم المتصوفة والأدباء والشعراء والمؤرخين والحكماء والأطباء وغيرهم، كما ترجم للأنبياء والصحابة والشخصيات التي اشتهرت من قدماء ما قبل الإسلام. وهو كتاب يشمل مرحلة زمنية وبقعة جغرافية شاسعتين، واعتمد فيه صاحبه على مصادر كتبت باللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية، وهو أمر لم يكن من نصيب عالم مسلم قبله.

فقد كان كاتب جلبي عالمًا يجيد الألسنة الثلاثة، واستطاع الاستفادة من تلك الميزة، إذ وضع كتبه باللغتين التركية والعربية، وزوّدها بالعبارات والأبيات الفارسية. وقد استفاد عند تأليفه لكتاب "سلم الوصول" من المصادر المكتوبة باللغات الثلاث، بل ومن بعض المصادر اللاتينية. والكتاب يضم نحو فى 8561 ترجمة، وهو عدد لم يحدث أن رأيناه في كتاب للتراجم بهذا الحجم والإتساع في التاريخ العثماني قبل كاتب جلبي. فقد كانت العادة حتى زمن كاتب جلبي أن تحتوي مثل هذه الأعمال على تراجم لأشخاص معروفين في أدبيات لغة واحدة بوجه عام، ومثلما أوجز أدبيات اللغات الثلاث في كتاب "كشف الظنون" فقد استطاع أن

ص: 44

يوجز أيضًا أدبيات التراجم والطبقات باللغات الثلاث في هذا الكتاب. وأضاف لهذين الكتابين ما توصل إليه من نتائج وما، حظات لاحصر لها مما خرج به في نهاية مطالعات وقراءات لكتب قام بها على مدى السنين. وذلك نتيجة طبيعية لمعرفته الجيدة للألسنة الثلاثة التي هي من الخصائص الهامة في المثقف العثماني وتَعَرُّفِهِ بالتالي على المصادر المكتوبة بتلك اللغات.

وكنا قد ذكرنا قبل ذلك أن الكتاب يضم المقدمة ثم القسم الأول والقسم الثاني والخاتمة. وسجل فيه المؤلف تاريخين، أولهما وضعه وهو يذكر الانتهاء من كتابة القسم الثاني اليلة القدر سنة 1053 هـ) (9 ديسمبر 1643 م)، وثانيهما يوجد في سطور الكولوفون الذي يبشر بانتهاء الكتاب في آخر الخاتمة (أواخر ذي الحجة 1058 هـ)(14 يناير 1649 م). ورغم افتقارنا لدليل واضح على التاريخ الذي بدأ فيه المؤلف كتابه إلّا أن سيرته الذاتية التي أدرجها في نهاية القسم الأول قد تدلنا على طرف الخيط. إذ سَجّل في نهاية القسم الأول منه ذلك الجانب الذي يبدأ من مولده في عام 1017 هـ / 1609 م حتى وفاة والده في عام 1035 هـ / 1626 م (7)، ووقوفه هنا عند تاريخ 1035 هـ (1626 م) أمر يبعث على التفكير. وأول ما يرد على الخاطر كونه بدأ في هذه السن المبكرة في كتاب "سلم الوصول". والواضح أنه عكف سنين طويلة على تأليف "سلم الوصول"، وبعد أن وضع هيكله الأساسي راح يكتب المقدمة والخاتمة. وبعد أن انتهى من كتابة القسم الثاني في سنة 1053 هـ (1643 م) والخاتمة في سنة 1058 هـ (1649 م) قام في سنتي 1061 - 1062 هـ (1651 - 1652 م) بتبييض الجزء الذي خطط له أن يكون المجلد الأول في الكتاب، ثم واصل وضع الإضافات على المسودة. والواضح للعيان أن الأجل قد وَافاه قبل أن يأخذَ الكتابُ شَكْلَهُ النهائي. وقام مستقيم زاده سليمان سعد الدين (ت 1788 م) بعد قرن من الزمان بوضع كتابه "مجلة النصاب" ليتلافى به النقص الذي رآه في "سلم الوصول"، ووصل بالأنساب والألقاب حتى زمانه (8). ومع ذلك فإن كتابه لا يعدل كتاب "سلم الوصول" في تفاصيله ودقته.

ويبدأ كاتب جلبي مقدمة هذا المعجم البيوغرافي الشامل بالحديث عن سبب تأليفه والغاية منه، فيقول بلسان وجيز: "لا يخفى أن الله تعالى جعل العلم فخرًا باقيًا على مر الدهور والأعصار، وذخرًا روحانيًا إلى دار القرار، تمتد إليه أعناق الأذهان في كل زمان ومكان، ولا

(7) أورد كاتب جلبي الجانب المتبقي من حياته في كتابه "مزان الحق". فقد سجل فيه بالتفصيل الجانب الذي يلي عام 1035 هـ دون الدخول في تفاصيل الجانب الذي ذكره في سلم الوصول.

(8)

أنظر في هذا الموضوع:

Orhan Saik Gokyay، Katib Celebi'den Semeler i، s. 43 - 44. Ahmet Yilmaz Mustakim -zade Suleyman

Sadedin Efendi، hayati، Eserleri ve Mecelletu'n- Nisab'i،

وقد تحدث الأخير في رسالة الدكتوراه هذه عن الصلة بين مجلة النصاب وسلم الوصول.

ص: 45

تكسد سوقه حيثما قام وأينما كان". ثم يذكر هنا أنه بعد أن انتهى من تأليف الكتاب جعل اسمه "سلم الوصول إلى طبقات الفحول". ثم يقول كاتب جلبي إن غايته الأخلاقية من ذلك العمل الموسوعي الذي استغرق إعْدَادُهُ سنواتٍ طويلةٍ وجهودًا كبيرة إنما هي "التبرك بذكر خيارهم والتوسل إلى الله بالاقتفاء على آثارهم". ولم يكن كاتب جلبي ليترك طيلة حياته كتابًا في التاريخ والتراجم دون أن يقرأه أو يطلع عليه ويتصفحه، ثم يقول حول جهوده التي استمرت سنوات طويلة ما يلي: " .. ولما كثر عندي عَددها وعُددها، واجتمع لدي أسبابها وسندها أردت أن أجمع من جملتها كتابًا وسطًا على وفق خير الأمور، بحذف الزوائد وإثبات المهم والفوائد مع إلحاق فوايد يقف دونها الفحول وتنجذب إليها الأذهان والعقول، فإني جمعت فيه أساطين الأوائل والأواخر، وبذلت جهدي في بيان مبهمات الأسماء والأنساب فلم أغادر، حسبما يقتضيه الحال من التفصيل والإجمال، ورتبته على حروف أسماء الأشخاص وأسماء آبائهم كما هو الواجب فيه، وكذا الأنساب في القسم الذي يليه باعتبار الخط دون اللفظ والأصل، فإنه محسوس بديهي بالقياس إليهما عند العقل".

ويتحدث كاتب جلبي في صدر مقدمته عن ضرورة علم التاريخ والتراجم، وحاجة الكثير من العلوم إليه، وأن هناك أمورًا عديدة لا يمكن تفسيرها وفهمها إلّا بعلم التاريخ. وينقل في هذا السياق عن سفيان الثوري (ت 161 هـ / 778 م) قوله:"لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"، ثم ما روي عن الإمام الشافعي (ت 204 هـ / 820 م) أنه "أقام على تعلم أيام الناس والأدب عشرين سنة، وقال ما أردت بذلك إلّا الاستعانة على الفقه". ثم نراه ينقل بعد ذلك آراء النووي (ت 676 هـ / 1277 م) حول الفوائد الجمة من معرفة أسماء الرجال وأحوالهم

ومراتبهم.

فقد عبر كاتب جلبي في المقدمة عن آرائه وأفكاره الأساسية حول علم التاريخ والتراجم في المقدمة، وتوقف عند تعريف التاريخ من الناحية اللغوية، وأهميته بالنسبة لبقية فروع العلم. كما أشار إلى وجود العديد من المؤلفات والمصنفات في هذا المجال. ولكننا نشهد فوق هامش نسخة القاهرة التي هي النسخة الوحيدة الموجودة في أيدينا لمقدمة الكتاب عبارةً على الورقة الثانية تقول:"من أراد أن يطلع على الكتب المؤلفة في الوفيات والطبقات وغيرها فليرجع إلى تأليفنا المسمى بكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون".

ونرى كاتب جلبي بعد ذلك يجعل فهمه الأساسي في موضوع التاريخ مرتكزًا على طريقة الإمام الرافعي مؤلف كتاب "تاريخ قزوين"، (9) وينقل عنه قوله:

(9) منقول من كتاب "التدوين في ذكر أخبار قزوين" لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت 623 هـ / 1226 م)(كشف الظنون، ص 382).

ص: 46

"كتب التاريخ ضربان، ضرب يقع العناية فيه بذكر الملوك والسادات والحروب والغزوات وبناء البلدان وفتوحها والحوادث العامة كالأسعار والأمطار وانتقال الدول وتبدل الملل والنحل وأحوال أكابر الناس في المواليد والتهاني والتعازي، وضرب يكون القصد فيه بيان أحوال أهل العلم والقضاة وفضلاء الرؤساء والولاة وأهل المقامات الشريفة والسير المحمودة من أوقات ولادتهم ووفاتهم، وطرف من مقالاتهم ورواياتهم، وبهذا الضرب اهتمام علماء الحديث".

ويقدم لنا كاتب جلبي أيضًا معلوماتٍ موجزةً في موضوع التقاويم المختلفة المستخدمة في أدبيات التاريخ، ويضع إلى جانب ذلك جدولًا يوضح المراحل الزمنية بين "التواريخ والوقائع ". وهو جدول أخذه عن كتاب "المختصر"(10) للملك المؤيد أبي الفدا، ثم أضاف إليه بعض الإضافات.

ويقوم كاتب جلبي بعد ذلك ليشرح لنا بالتفصيل في مقدمته الأسس النحوية التي ترتكز عليها أسماء الأشخاص والأنساب والألقاب والكنى في اللغة العربية، فنراه يثبت لنا مقدرته الكبيرة في اللغة العربية وآدابها، فيتحدث هنا عن النظام الذي استخدمه لترتيب الأسماء في هذا المعجم البيوغرافي الكبير ذاكرًا المثال التالي (11) نقلًا عن أبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، فيقول:"حكى أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني قال: حججت في سنة وكنت بمنى أيام التشريق فسمعت مناديًا ينادي: يا أبا الفرج، فقلت لعله يريدني لكن لم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى، فهممت بإجابته ثم قلت في الناس قد يوجد من اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج فلم أجبه، فنادى يا أبا الفرج المعافى ابن زكريا فلم أجبه، فنادى بضم النهرواني فقلت لم يبق شك في مناداته إياي إذ ذكر كنيتي واسمي واسم أبي وبلدي، فقلت ها أنا ذا فلما رآني قال لعلك من نهروان الشرق فقلت نعم فقال نحن نريد نهروان الغرب فعجبت من اتفاق ذلك، ولهذا نرى كثيرًا من أهل العلم بالتاريخ لا يفرقون بين أمثال ذلك ويظنون الاثنين واحد وهو خبط عظيم". وبهذا المثال يوضح لنا كاتب جلبي ما هي المبادئ التي وضعها نصب عينيه وهو يكتب أسماء الأشخاص الذين ترجم لهم في كتابه، وكيف اندرجت تلك المبادئ ضمن قاعدة منتظمة.

ويؤكد كاتب جلبي في مقدمته على ضرورة احترام المعايير الموضوعية اللازمة عند كتابة التراجم، وهو يكشف عن حساسية كبيرة في هذا الموضوع، إذ يذكر أن كتب التاريخ تَغُصُّ

(10) كتاب: المختصر في أخبار البشر.

(11)

لعله نقل هذا من كتاب: "الجليس والأنيس" للمعافى بن زكريا (ت 390 هـ / 1000 م)(أنظر: شذرات الذهب 4/ 483؛ الأعلام 7/ 260).

ص: 47

بالأخطاء بسبب التعصب والجهل، ثم يتحدث عن ضرورة أن يراعي كُتّابُ التاريخ والتراجم أربعةَ أسسٍ رئيسية في هذا، فيقول:

"ولذلك اشترطوا فيمن يكتب التراجم والتاريخ شروطًا منها الصدق، وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة وكتبه بعد ذلك، وأن يسمي المنقول عنه. فهذه شروط أربعة فيما ينقله ويشترك فيه أيضًا لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في التراجم من المنقول ويقصر أن يكون عارفًا بحال صاحب الترجمة علمًا ودينًا وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جدًا وأن يكون حسن العبارة عارفًا بمدلولات الألفاظ وأن يكون حسن التصور حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه وأن لا يطلبه الهوى فيخيل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره والتحرز عن الهوى عزيز جدًا وذلك إذا كان عنده من العدل ما يقهر به هواه ويسلك طريق الإنصاف فهذه أربعة شروط أخرى ولك أن تجعلها خمسة بزيادة الاستحضار على العلم وحسن التصور لأنه قد لا يحصل معهما حين التصنيف فهي تسعة شروط في المؤرخ وأصعبها الاطلاع على حال الشخص في العلم فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعلم مرتبته".

وكان المؤلف وهو يُعِدُّ القسم الأول من كتابه قد قام بإعداد المسودة الموجودة بين أيدينا من خلال الملاحظات والمعلومات التي جمعها على شكل بطاقات ودفاتر، وقام أولًا بوضع الأسماء ضمن ترتيب ألفبائي دقيق، ثم شرع في كتابة تلك الأسماء في الكراسات التي تشكل المسودة الموجودة بين أيدينا. ولأن المعلومات اللازمة حول بعض المواد لم تتيسر له، أو لأنه أرجأ كتابتها لمرحلة لاحقة فقد بقيت تلك المواد على شكل عناوين فقط. واستخدم المؤلفُ المدادَ الأسود في كتابة المسودة، لكنه استخدم إلى جانبه المداد الأحمر أيضًا بقصد لفت نظر القارئ لعناوين الأقسام والأبواب والخاتمة وغير ذلك من الأمور التي رأى أهمية إبرازها، مثل:

القسم الأول، القسم الثاني، الخاتمه في فوائد متفرقة، باب الألف، باب الباء، باب التاء. ويُلاحظ وهو يكتب المواد الخاصة بأشخاص ترجم لهم أنه كتب اسم الشخص ثم ما اشتهر به من ألقاب وكنى بالمداد الأحمر. ومن ذلك مثلًا:

إبراهيم خليل الله،

الشيخ أبو إسحق إبراهيم بن السري

الزجاج،

العلامة شهاب الدين أحمد بن إسمعيل بن عثمان الكوراني،

الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله

بن سينا،

ص: 48

الشيخ أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي،

أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك

الأصمعي،

القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن هبة الله

المعروف بابن العديم.

وإذا كان معروفًا باسمه فقط فإنه لا يكتب بالمداد الأحمر إلّا الاسم، مثل:

الشيخ الأديب محمد الصالحي الهلالي،

دياسقوريدس،

بقراط.

وفي القسم الثاني من الكتاب استخدم المؤلف المداد الأحمر في كتابة أسماء الأشخاص من أصحاب التراجم، والأسماء المشهورة للأشخاص الآخرين، وكذلك العائلات والمذاهب وعناوين بعض المباحث، مثل:

فصل في ما اشتهر من النسب،

آل عباس،

ابن سينا،

آل مازه.

بل وقد نراه أحيانًا يستخدم المداد الأحمر في كتابة رموز المصادر، أو في كتابة واو العطف وهو يتحدث عن عدد من الأشخاص البارزين ورد ذكرهم في إحدى المواد، وكذلك عند ذكره للأشخاص الذين يكنون بنفس الكنية أو ينتسبون إلى نفس المكان فإنه يبرز واو العطف بين هذه الأسماء فيكتبها باللون الأحمر. ولاحظنا في الخاتمة كذلك أن رؤس المباحث والنكات، وواو العطف المستخدمة للربط بين الأشخاص المشهورين في مجال بعينه قد كتبت بالمداد الأحمر. والقصد من كل ذلك هو جذب انتباه القارئ. وبقيت مصادر المواد مكتوبة فوق رؤس المواد على شكل رموز. وقد ترك المؤلف لكل اسم فراغًا مناسبًا لكتابة ترجمته، ثم قام بعد ذلك بملء هذه الفراغات بشكل قد يتساوى أحيانًا مع تلك الفراغات أو قد يفيض على الهوامش يمينًا أو يسارًا، كما يحدث أن تأتي كتابة بعض التراجم قصيرة بحيث يصبح ما تحت العناوين فارغًا إلى حدٍ ما، وهناك إلى جانب ذلك عناوين بقي أسفلها فارغًا تمامًا:

ص: 49

وهناك إشارات واختصارات على شكل (علاوه 1، علاوة 2، علاوة 3 .. ) قد يكتبها المؤلف فيما بين التراجم الموجودة للإشارة إلى ترجمة جديدة يود إضافتها فيكتبها تحت هذه الإشارة على هامش الصفحة نفسها، أو في صفحة أخرى.

ص: 51

ويلاحظ في القسم الذي يبدأ من حرف الألف حتى حرف التاء - والذي خصَّ به المؤلف المجلد الأول الذي قام بتبيضه - أن المؤلف شطب بخطٍ أفقي واحد على رؤس المواد التي لم يكتب لها ترجمة، ورؤوس هذا المواد لم تنتقل إلى المجلد المبيض. وتكررت منه كتابه بعض المواد دون ان يتنبه لها، فلما أدركها بعد ذلك قام بإلغائها بسحب خط بالمداد الأسود عليها:

أو قام بكتابة كلمة (مكرر) بالمداد الأحمر تبدأ من الركن الأيمن للترجمة وتمتد حتى الركن الأيسر منها:

كما نشهد في مسودة المؤلف بعض ترجماتٍ شُطِبَتْ بخطوط مائلة. والترجمات التي تضمنها المجلد الأول نراها موجودة في نسخة القاهرة أيضًا. وتُشَاهَدُ أمثلة مشابهة أيضًا في مواضع أخرى من المسودة. ولا نستطيع أن نفهم لماذا قام المؤلف بشطب تلك الترجمات. ولأنها لم تتكرر في أماكن أخرى من الكتاب فقد رأينا الإبقاء عليها ضمن نص الكتاب:

ص: 52

وقد تم تنظيم القسم الأول من "سلم الوصول" بحيث يشكل كُلُّ حرفٍ بابًا، وهو يبدأ بمادة (أبان)، وينتهي بمادة (يونس بن يونس). ثم يرد في النهاية جانب من سيرة المؤلف الذاتية. وفي كل باب تأتي الترجمات الخاصة بذلك الحرف مرتبة بحسب الترتيب الألفبائي للأسماء. وهو يضم نحو 5542 ترجمة. ويراعي المؤلف في ترتيب الأسماء أن يكون اسم الشخص نفسه واسم أبيه هما الأساس، ثم يردف ذلك بلقبه وكنيته ونسبته وتاريخ وفاته ثم يذكر حياته بإيجاز شديد وشخصيته العلمية وأسماء مؤلفاته. فإذا كان الشخص من أصحاب الانتاج الغزير اكتفى بذكر بعض إنتاجه، وكتب اسم الشخصي ثم اسم الشهرة الذي عُرف به بالمداد الأحمر. ويوجد من بين التراجم ما هو لنساء أيضاً. ويكون من المفيد أن نقدم المثالين التاليين لإيضاح الطريقة التي يكتب بها المؤلف تراجمه، والأول هو ابن سينا الذي يذكره في مادة (حسين بن عبد الله) علي شكل:

الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبد الله بن علي بن سينا البخاري.

والثاني هو المقريزي الذي يذكره في مادة (أحمد بن علي) على شكل:

الشيخ العلامة تقي الدين أبو محمد أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد

المقريزي. ثم يتحدث باختصار عن حياة المترجم له وأعماله.

ص: 53

ويُلاحظ نقصُ جانبٍ من التراجم التي تلي الورقة (a 67)، بينما اقتصر بعض المواد على الاسم فقط. كما اكتفى المؤلف في جانب من المواد التي لم يكتب منها إلَّا الاسم فقط بأن يضع فوقها رمز (فذلكه) للإحالة إلى كتابه العربي المعروف بهذا الاسم. أما حول تراجم بعض الأشخاص البارزين مثل ابن سينا فقد قدم معلومات مقتضبة جدًا. ولعله كان ينوي نقل ملخص لبعض المواد من كتاب "فذلكة" والمصادر الأخرى عند مرحلة تبييض تلك المواد.

وقد رأى كاتب حلبي بعد الانتهاء من القسم الأول في "سلم الوصول"، أي قسم التراجم أن يكتب قسمًا ثانيًا يتناول فيه الكنى والألقاب والأنساب، فشرع في كتابته. وهو قسم جرى ترتيبه بوجه عام بحسب الكنى والألقاب والأنساب التي اشتهر بها الأشخاص، كما وضع بين كل ذلك أيضًا مواد للمذاهب والأديان والأعراق والحِرَف. وقد استعان وهو يكتب هذا القسم إلى حد كبير بكتاب السيوطي المعروف باسم تحرير اللباب (لب اللباب). وهو يضم الأوراق

(b 272 - a 563) من مسودة المؤلف، وتأتي فيه الأنساب والألقاب والكنى وما اشتهر به أصحاب التراجم كالعبادلة وآل كذا والفرق الدينية وغيرها مرتبة ترتيبًا ألفبائيًا. لكن المواد قصيرة وموجزة جدًا في هذا القسم، إلَّا بعض المواد الخاصة بنحو 3019 شخصًا ممن لم يتحدث عن حياتهم في القسم الأول. ونلاحظ في هذا القسم الذي يمثل كشافًا للأسماء الواردة في قسم التراجم الأول أن الشخص الواحد قد يرد في أكثر من مادة تحت عنوان مختلف، فنرى ابن سينا وابن تيمية واردَيْن في مادة (ابن .. )، ونرى المقريزي واردًا في نسبة (المقريزي)، ثم نعود فنرى الاسمين الأخيرين ابن تيمية والمقريزي واردين تحت لقب (تقي الدين):

ص: 54

كما سعى المؤلف وهو يذكر الأنساب إلى شرح المنسوب إليه في الغالب، فإن كان مكانًا عَرّفَهُ جغرافيًا، وإن كان شخصًا أو فرقة أو غير ذلك شرح أصلها بإيجاز. ونلاحظ في هذا القسم وجود عدد من الأشخاص ليس بالقليل لم يُذكروا في القسم الأول ولكن وردت أسماؤهم في التراجم التي جرى الحديث عن نسبتها. وبقيت المخالص الشعرية [جمع مَخْلَص] * للشعراء العثمانيين كرؤس مواد دون تعريف على الإطلاق. كما نشهد في هذا القسم قلة عدد الرموز الخاصة بمصادر المؤلف، حيث تظهر في البداية بشكل كثيف ثم تعود فتقل كثيرًا. ويبدو أن المؤلف كتب هذا القسم ليكون متممًا للقسم الأول، وانتهى من تأليفه في ليلة القدر سنة 1053 هـ. (9 ديسمبر 1643 م).

ويتبين من كل ذلك أن كاتب جلبي قد جرى على طريقة منظمة واستخدم أسلوبًا منهجيًا معينًا وهو يعد هذا العمل الموسوعي، فقد قضى حياته حسبما أسلفنا في مطالعة كتب التاريخ والطبقات والتراجم، وكان خلال هذه المطالعات يقوم بتسجيل ما يراه من ملاحظات تتعلق بتراجم الرجال في دفاتر وبطاقات خاصة، واستخدم -وهو يشير إلى المصادر- نظامًا ثابتًا لها، إذ استقر رأيه على قائمة معينة منها ووضع لكل مصدر رمزًا خاصًا. وقد أدرجنا جانبًا مهمًا من تلك الرموز في قائمة سوف ترد فيما بعد، وهذه الأرقام التي وردت مع الرموز تدل على رقم المجلد إذا كان الكتاب له أكثر من مجلد وكذلك على رقم الورقة. وقد وضعت رموز المصادر بالترتيب فوق رؤس المواد، بينما ورد اسم المصدر الذي اعتمد عليه المؤلف صريحًا في نهايات التراجم الطويلة. فإذا ما استخدم مصدرًا من المصادر قام بشطب رمزه الموجود فوق رأس المادة. وهذه الرموز التي تدل على المصادر إنما تبدأ من نهاية حرف التاء الذي يتهي عنده المجلد الأول الذي قام كاتب جلبي بتبيضه (بعد الورقة a 66). ومن ثم يتضح لنا أن المؤلف لم ير داعيًا لكتابة الرموز فوق ترجمة أخذت شكلها النهائي.

وتقع خاتمة الكتاب فيما بين الأوراق (a 563 - 577 a)، وهي طويلة نسبياً. ويذكر فيها المؤلف معلومات متفرقة حول بغداد، والمدرسة النظامية، ورواة الحديث، ومجالس العلم، ورواة الحديث الكبار، ورواة الحديث من الصحابة، والمذاهب، ثم آراء المؤلف حول بعض

* المخلص في المصطلح الأدبى العثماني هو الاسم المستعار الذي يختاره الشاعر لنفسه لكي يضمنه في أشعاره وغزلياته فيما يعرف بأدب الديوان والأدب الشعبي.

ص: 55