المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - سيرة ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[السيرة النبوية]

- ‌من مولده صلى الله عليه وسلم إلى هجرته الشريفة:

- ‌ذكر نسب سيد البشر:

- ‌مولده المبارك صلى الله عليه وسلم:

- ‌أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته:

- ‌ذكر ما ورد في قصة سطيح

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، رحمه الله:

- ‌قصة سلمان الفارسي:

- ‌ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم:

- ‌فأول من آمن به خديجة رضي الله عنها:

- ‌من معجزاته الأول:

- ‌إسلام السابقين الأولين:

- ‌فصل: في دعوة النبي صلى الله عليه وسله عشيرته إلى الله وما لقى من قومه

- ‌إسلام أبي ذر، رضي الله عنه:

- ‌إسلام حمزة، رضي الله عنه:

- ‌إسلام عمر، رضي الله عنه:

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية:

- ‌إسلام ضماد:

- ‌إسلام الجن:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌باب: ويسألونك عن الروح

- ‌ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين:

- ‌ذكر شعب أبي طالب والصحيفة:

- ‌باب: إنا كفيناك المستهزئين

- ‌دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالسِّنَة:

- ‌ذكر الروم:

- ‌ثم توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة:

- ‌ذكر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى:

- ‌ذكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء:

- ‌زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة أمي المؤمنين:

- ‌عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل:

- ‌ذكر مبدأ خبر الأنصار والعقبة الأولى:

- ‌العقبة الثانية:

- ‌ذكر أول من هاجر إلى المدينة:

- ‌سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا:

- ‌السنة الأولى من الهجرة:

- ‌قصة إسلام ابن سلام:

- ‌قصة بناء المسجد:

- ‌سنة اثنتين من الهجرة:

- ‌غزوة الأبواء:

- ‌‌‌غزوة بواط، و‌‌غزوة العشيرة

- ‌غزوة بواط

- ‌غزوة العشيرة

- ‌بدر الأولى:

- ‌غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي

- ‌ذكر غزوة بدر: من مغازي موسى بن عقبة فإنها من أصح المغازي

- ‌غزوة السويق: في ذي الحجة

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث من الهجرة:

- ‌‌‌غزوة ذي أمر، و‌‌غزوة بحران

- ‌غزوة ذي أمر

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة قرقرة الكدر:

- ‌غزوة أحد: وكانت في شوال

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌السنة الرابعة من الهجرة:

- ‌غزوة الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني لحيان:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الموعد:

- ‌غزوة الخندق:

- ‌السنة الخامسة من الهجرة:

- ‌غزوات ذات الرقاع، و‌‌غزوة دُومة الجندلبضم الدال

- ‌غزوة دُومة الجندل

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة المريسيع:

- ‌غزوة الخندق:

- ‌غزوة بني قريظة:

- ‌إسلام ابني سعية وأسد بن عبيد:

الفصل: ‌غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي

عثمان فمات بمكة كافرا، وأما الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة.

وصرفت القبلة في رجب، أو قريبا منه، والله أعلم.

‌غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي

قال ابن إسحاق: سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام في عير لقريش وتجارة عظيمة، فيها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش، منهم: مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها". فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعض، ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلقى حربا. واستشعر أبو سفيان فجهز منذرا إلى قريش يستنفرهم إلى أموالهم. فأسرعوا الخروج، ولم يتخلف من أشرافهم أحد، إلا أن أبا لهب قد بعث مكانه العاص أخا أبي جهل. ولم يخرج أحد من بني عدي بن كعب. وكان أمية بن خلف شيخا جسيما فأجمع القعود. فأتاه عقبة بن أبي معيط -وهو في المسجد- بمجمرة وبخور وضعها بين يديه، وقال: أبا علي، استجمر! فإنما أنت من النساء. قال: قبحك الله، ثم تجهز وخرج معهم. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثامن رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم على الصلاة. ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان؛ إحداهما مع علي، والأخرى مع رجل أنصاري. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ.

ص: 301

فكان مع المسلمين سبعون بعيرا يعتقبونها، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي، ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا. وكان أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. فلما قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الصفراء بعث اثنين يتجسسان أمر أبي سفيان. وأتاه الخبر بخروج نفير قريش، فاستشار الناس، فقالوا خيرا. وقال المقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو

إسرائيل لموسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم له خيرا ودعا له.

وقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وقال:"سيروا وأبشروا، فإن ربي قد وعدني إحدى الطائفتين: إما العير وإما النفير".

وسار حتى نزل قريبا من بدر. فلما أمسى بعث عليا والزبير وسعدا في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر. فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم وأبو يسار من مواليهم، فأتوا بهما النبي صلى الله عليه وسلم. فسألوهما فقالا: نحن سقاة لقريش. فكره الصحابة هذا الخبر ورجوا أن يكونوا سقاة للعير. فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما سلم قال:"إذا صدقا ضربتموهما، وإذا كذبا تركتموهما". ثم قال: "أخبراني أين قريش"؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب. فسألهما: "كم ينحرون كل يوم"؟ قالا: عشرا من الإبل أو تسعا: فقال: "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف".

وأما اللذان بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم يتجسسان، فأناخا بقرب ماء بدر واستقيا في شنهما، ومجدي بن عمرو بقربهما لم يفطنا به، فسمعا

ص: 302

جاريتين من حواري الحي تقول إحداهما للأخرى: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك. فصرفهما مجدي، وكان عينا لأبي سفيان. فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فذكر له الراكبين، فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب. فرجع سريعا فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجى، وأرسل يخبر قريشا أنه قد نجا فارجعوا. فأبى أبو جهل، وقال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم عليه ثلاثا، فتهابنا العرب أبدا.

ورجع الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ببني زهرة كلهم، وكان فيهم مطاعا.

ثم نزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادي.

وسبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم لم يصب المسلمين منه إلا ما لبد لهم الأرض. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فقال الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال:"بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول الله، إنّ هذا ليس لك بمنزِل، فانهضْ بنا حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزله ونُغَورَ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماءً، فنشرب ولا يشربون.

فاستحسن النَبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك من رأيه، وفعل ما أشار به، وأمر بالقُلُب فغُوّرت، وبنى حوضاً وملأه ماءً. وبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ يكون فيه، ومشى النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الوقعة، فأرى أصحابَه مَصَارعَ قُريش، يقول: هذا مَصْرع فلان، وهذا مَصْرع فلان. قال: فما عدا واحدٌ منهم مصرعه ذلك.

ص: 303

ثم بعثت قُرَيش فَحَزَرُوا المسلمين، وكان فيهم فارسان: المِقداد والزُّبير. وأراد عُتبة بن ربيعة، وحكيم بن حِزام قُريشأ على الرجوع فأبَوْا، وكان الذي صمّم على القتال أبو جهل. فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقْبلين قال: اللهم هذه قُريش قد أقبلت بخُيَلائها وفخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولَك، اللهم فنصْرك الذي وعدتني، الفهئمَ أحْتِفْهم الغَدَاة. وقال صلى الله عليه وسلم وقد رأى عُتْبة ابن ربيعة في القوم على جملٍ أحمر- إنْ يكن في أحدٍ من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إنْ يُطيعوه يَرْشُدُوا.

وكان خُفَاف بن إيماء بن رَحَضة الغِفاريّ بعث إلى قُرَيش، حين مَرّوا به، ابناً بجزائر هديّة، وقال: إنْ أحببتم أن نمدّكم بسلاحٍ ورجالٍ فَعَلْنا. فأرسلوا إليه: أنْ وصلتك رَحِمٌ، قد قضيتَ الذي ينبغي، فَلَعَمْري لئنْ كنّا إنّما نقاتل النّاسَ فما بنا ضَعْفٌ، وإنْ كنّا إنّما نقاتل الله، كما يزعُمُ محمد، ما لأحدٍ بالله من طاقة.

فلمّا نزل النّاس أقبل نفرٌ من قُرَيش حتى وردوا حوْضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوهم. فما شرب رجل يومئذٍ إلاّ قُتل، إلاّ ما كان من حكيم بن حزام، ثم إنّه أسلم بعد ذلك، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نَجاني يوم بدر.

ثم بعثتْ قُريشٌ عُمَيْر بن وهب الجُمَحي ليَحْزر المسلمين، فجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع فقال: هم ثلاث مئة يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتى أنظر لِلقَومِ كمينٌ أو مَدَد؟ وضرب في الوادي، فلم ير شيئاً. فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئاً، ولكني قد رأيتُ- يا معشر قريش- البلايا تحملُ المنايا، نواضحُ يثرب تحملُ

ص: 304

الموتَ النّاقع، قومٌ ليس لهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أنْ يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خيرُ العيش بعد ذلك؟ فَرَوْا رأيَكم. فلما سمع حكيم بن حِزام ذلك مشى في النّاس، فأتى عُتْبة بن رَبيعة فقال: يا أبا الوليد إنّك كبير قريش وسيّدها والمُطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تُذكر بخيرٍ إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت، أنت علي بذلك، إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية -والحنظلية أم أبي جهل- فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره. ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه وابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

قال حكيم: فأتيت أبا جهل فوجدته قد شد درعا من جرابها فهو يهيؤها فقلت له: يا أبا الحكم، إن عتبة قد أرسلني بكذا وكذا. فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلا، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه قد تخوفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك. فقام عامر فكشف رأسه وصرخ: واعمراه، واعمراه. فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس رأي عتبة الذي دعاهم إليه.

ص: 305

فلما بلغ عتبة قول أبي جهل: انتفخ والله سحره، قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره. ثم التمس عتبة بيضة لرأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته، فاعتجر على رأسه ببرد له.

وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي -وكان شرسا سيئ الخلق- فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. وأتاه فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فالتقيا فضربه حمزة فقطع ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما. ثم جاء إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبر يمينه، واتبعه حمزة فقتله في الحوض.

ثم إن عتبة بن ربيعة خرج للمبارزة بين أخيه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، ودعوا للمبارزة، فخرج إليه عوف ومعوذ ابنا عفراء وآخر من الأنصار. فقالوا: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم من حاجة، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا عبيدة بن الحارث، ويا حمزة، ويا علي". فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فتسموا لهم. فقال: أكفاء كرام فبارز عبيدة -وكان أسن القوم- عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله. واختلف عتبة

وعبيدة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه. وكر علي وحمزة على عتبة فدففا عليه.

واحتملا عبيدة إلى أصحابهما.

والصحيح كما سيأتي إنما بارز حمزة عتبة، وعلي شيبة، والله أعلم. ثم تزاحف الجمعان. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى

ص: 306

يأمرهم وقال: "انضحوهم عنكم بالنبل". وهو صلى الله عليه وسلم في العريش، ومعه أبو بكر، وذلك يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة رمضان.

قال سفيان، عن قتادة: إن وقعة بدر صبيحة يوم الجمعة سابع عشر رمضان. وقال قرة بن خالد: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن ليلة القدر، فقال: كان زيد بن ثابت يعظم سابع عشرة ويقول: هي وقعة بدر. وكذلك قال إسماعيل السدي وغيره في تاريخ يوم بدر، وقاله عروة بن الزبير، ورواه خالد بن عبد الله الواسطي عن عمرو بن يحيى عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: كانت صبيحة بدر سبع عشرة من رمضان؛ لكن روى قتيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود في ليلة القدر قال: تحروها لإحدى عشرة بقين، صبيحتها يوم بدر، كذا قال ابن مسعود والمشهور ما قبله.

ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف بنفسه، ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر فقط، فجعل يناشد ربه ويقول:"يا رب إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض". وأبو بكر يقول: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك. ثم خفق صلى الله عليه وسلم فانتبه وقال:"أبشر يا أبا بكر، أتاك النصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثنايا النقع".

فرمي مهجع -مولى عمر- بسهم، فكان أول قتيل في سبيل الله. ثم رمي حارثة بن سراقة النجاري بسهم وهو يشرب من الحوض، فقتل.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يحرضهم على القتال، فقاتل

ص: 307

عمير بن الحمام حتى قتل، ثم قاتل عوف ابن عفراء -وهي أمه- حتى قتل.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى المشركين بحفنة من الحصباء وقال: "شاهت الوجوه". وقال لأصحابه: "شدوا عليهم". فكانت الهزيمة، وقتل الله من قتل من صناديد الكفر: فقتل سبعون وأسر مثلهم.

ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى العريش، وقام سعد بن معاذ على الباب بالسيف في نفر من الأنصار، يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث فلا يقتله، ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها". فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر:"يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف"؟. فقال عمر: دعني فلأضرب عنق هذا المنافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا، إلا أن تكفرها عني الشهادة. فاستشهد يوم اليمامة.

وكان أبو البختري أكف القوم عن رسول الله، وقام في نقض الصحيفة، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك. فقال: وزميلي جنادة الليثي؟ فقال المجذر: لا والله ما أمرنا إلا بك وحدك. فقال: لأموتن أنا وهو، لا يتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا،

ص: 308

فقتله المجذر. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر، فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني.

وعن عبد الرحمن بن عوف: كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة، قال: فمررت به ومعي أدراع قد استلبتها، فقال لي: هل لك فيَّ، فأنا خير لك من الأدراع؟ قلت: نعم، ها الله إذًا.

وطرحت الأدراع، فأخذت بيده ويد ابنه، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط. أما لكم حاجة في اللبن؟ يعني: من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن. ثم جئت أمشي بهما، قال لي أمية:

من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: حمزة قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

فوالله إني لأقودهما، إذ رآه بلال؛ وكان يعذب بلالا بمكة، فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف؟ لا نجوت إن نجا. قلت: أي بلال، أبأسيري؟ قال: لا نجوت إن نجا. قال: أتسمع يابن السوداء ما تقول؟ ثم صرخ بلال بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: فأحاطوا بنا، وأنا أذب عنه. فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة عظيمة، فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء، فوالله ما أغني عنك شيئا.

فهبروهما بأسيافهم، فكان يقول: رحم الله بلالا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري.

وعن ابن عباس، عن رجل من غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل

يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الدائرة على من تكون، فننتهب مع من ينتهب.

فبينا نحن في الجبل، إذ دنت منا سحابة، فسمعت فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا

ص: 309

فكدت أهلك ثم تماسكت.

رواه عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عمن حدثه، عن ابن عباس.

وروى الذي بعده ابن حزم عمن حدثه من بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال:

لو كان معي بصري وكنت ببدر لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة.

قال ابن إسحاق: فحدثني أبي، عن رجال، عن أبي داود المازني، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري.

وعن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر.

وأما أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة -وهو الشجر الملتف- وبقي أصحابه يقولون: أبو الحكم لا يوصل إليه. قال معاذ بن عمرو بن الجموح: فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه. فوالله ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي. فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. قال: ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان.

ثم مر بأبي جهل معوذ ابن عفراء، فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، وقتل أخوه عوف قبله، واسم أبيهما: الحارث بن رفاعة بن الحارث الزرقي.

ص: 310

ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه، وقال فيما بلغنا: "إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان، ونحن غلامان؛ وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبته

فجحش فيها". قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه. وقد كان ضبث بي مرة بمكة، فآذاني ولكزني. فقلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني، وهل فوق رجل قتلتموه؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قلت: لله ولرسوله، ثم قال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا. قال: فاحتززت رأسه وجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! هذا رأس عدو الله أبي جهل. قال: "آلله الذي لا إله غيره"؟. قلت: نعم. وألقيت رأسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب هناك. فطرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل، فأقروه به، وألقوا عليه التراب فغيبوه.

فلما ألقوا في القليب، وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقالوا: يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا؟ فقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا".

ص: 311

وفي رواية: فناداهم في جوف الليل: "يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام". فعدد من كان في القليب.

زاد ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس".

وعن أنس: لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه، فإذا هو كئيب متغير. فقال:"لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء"؟. قال: لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف منه رأيا وحلما، فكنت أرجو أن يسلم، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا.

وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج قد أسلموا، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم، وفتنوهم عن الدين فافتتنوا -نعوذ بالله من فتنة الدين-

ثم ساروا مع قومهم يوم بدر، فقتلوا جميعا. وفيهم نزلت:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] .

وعن عبادة بن الصامت قال: فينا أهل بدر نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله، فقسمه بين المسلمين على السواء. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، بشيرين إلى

ص: 312

المدينة. قال أسامة: أتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.

ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأسارى؛ فيهم: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل، فلما أتى الروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بالفتح، فقال لهم سلمة بن سلامة: ما الذي تهنئونا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة فنحرناها. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أي ابن أخي، أولئك الملأ". يعني الأشراف والرؤساء.

ثم قتل النضر بن الحارث العبدري بالصفراء، وقتل بعرق الظبية عقبة بن أبي معيط، فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وقيل: علي.

وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: "نعم، أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها، فما رفع حتى ظننت أن عيني ستندران، وجاء مرة أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي".

واستشهد يوم بدر:

مهجع وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي، وعاقل بن البكير، وصفوان بن بيضاء، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد، وعبيدة بن

ص: 313

الحارث بن المطلب بن عبد مناف المطلبي الذي قطع رجله عتبة، مات بعد يومين بالصفراء. وهؤلاء من المهاجرين.

وعمير بن الحمام، وابنا عفراء، وحارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث فُسحُم، ورافع بن المعلى الزرقي، وسعد بن خيثمة الأوسي، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة.

فالجملة أربعة عشر رجلا.

وقتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وهما ابنا أربعين ومائة سنة. وكان شيبة أكبر بثلاث سنين.

قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش: الحسمان بن عبد الله الخزاعي.

فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأمية، وزمعة بن الأسود، ونبيه، ومنبه، وأبو البختري بن هشام. فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني. فقالوا: ما فعل صفوان؟ قال: ها هو ذاك جالسا، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.

وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره الخلاف ويكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه. وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر بمصاب قريش كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزة، وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أنحت الأقداح في حجرة زمزم، فإني لجالس أنحت

ص: 314

أقداحي، وعندي أم الفضل، وقد سرنا الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم. فقال أبو لهب: إليَّ، فعندك الخبر. قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه، فقال: يابن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسرونا، وايم الله ما لمت الناس، لقينا "رجالا بيضا" على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء.

قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة قال: وثاورته، فحملني وضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا. فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة، فلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده؟ فقام موليا ذليلا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال، حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما يتقى الطاعون، حتى قال رجل من قريش لابنيه: ويحكما؟ ألا تستحيان أن أباكما

قد أنتن في بيته ألا تدفنانه؟ فقالا: نخشى عدوى هذه القرحة. فقال: انطلقا فأنا أعينكما فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه

ص: 315

الحجارة.

رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: حدثني أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاها ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم.

وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث فكان يحب أن يبكي عليهم.

قال ابن إسحاق: ثم بعثت قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فقال عمر: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا، فقال:"لا أمثل به فيمثل الله بي، وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه". فقام في أهل مكة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من خطبة أبي بكر الصديق، وحسن إسلامه.

وانسل المطلب بن أبي وداعة، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، وانطلق به.

وبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة

ص: 316

أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها، وقال:"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها". قالوا: نعم، يا رسول الله. وأطلقوه.

فأخذ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب، وكانت من المستضعفين من النساء، واستكتمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وبعث زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر.

فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فتجهزت فقدم أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا، فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقودها. فتحدث بذلك رجال، فخرجوا في طلبها، فبرك كنانة ونثر كنانته لما أدركوها لذي طوى، فروعها هبار بن الأسود بالرمح. فقال كنانة: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما. فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان في جلة من قريش، فقال: أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك. فكف فوقف

عليه أبو سفيان فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا خرجت بابنته إليه علانية أن ذلك على ذل أصابنا، وأن ذلك منا وهن وضعف، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ولكن ارجع بالمرأة، حتى إذا هدأت الأصوات، وتحدث الناس أنا رددناها، فسلها سرا وألحقها بأبيها. قال: ففعل، ثم خرج بها ليلا، بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه، فقدما بها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقامت عنده.

ص: 317

فلما كان قبل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله، وبمال كثير لقريش، فلما رجع لقيته سرية فأصابوا ما معه، وأعجزهم هاربا، فقدموا بما أصابوا. وأقبل أبو العاص في الليل، حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، وجاء في طلب ماله. فلما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.

وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا ماله فقال: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحق به". قالوا: بل نرده فردوه كله. ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله. ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم.

ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس قال: رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول، لم يحدث شيئا.

ومن الأسارى: الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أسره عبد الله بن جحش، وقيل: سليط المازني.

وقدم في فدائه أخواه: خالد بن الوليد، وهشام بن الوليد، فافتكاه بأربعة آلاف درهم، وذهبا به.

فلما افتدي أسلم، فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن يظنوا بي أني

ص: 318

جزعت من الأسر، فحبسوه بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت، ثم هرب ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وتوفي قديما؛ لعل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبكته أم سلمة، وهي بنت عمه:

يا عين فابكي للوليـ

ـد بن الوليد بن المغيره

قد كان عيثا في السنيـ

ـن ورحمة فينا وميره

ضخم الدسيعة ماجدا

يسمو إلى طلب الوتيره

مثل الوليد بن الوليد

أبي الوليد كفى العشيره

ومن الأسرى: أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي. كان محتاجا ذا بنات، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قد عرفت أني لا مال لي، وأني ذو حاجة وعيال، فامنن عليَّ. فمن عليه، وشرط عليه أن لا يظاهر عليه أحدا.

وقال عروة بن الزبير: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية، بعد مصاب أهل بدر بيسير، في الحجر، وكان عمير من شياطين قريش، وممن يؤذي المسلمين، وكان ابنه وهيب في الأسرى، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان:"والله ما في العيش بعدهم خير". فقال عمير: صدقت، والله لولا دين عليّ ليس عندي له قضاء، وعيال أخشى عليهم، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة؛ ابني أسير في أيديهم. فاغتنمها صفوان فقال: عليّ دينك وعيالك. قال: فاكتم عليّ. ثم شحذ سيفه وسمه، ومضى إلى المدينة.

فبينا عمر في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، إذ نظر عمر إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف. فقال: هذا الكلب عدو الله عمير، قال: وهو الذي حزرنا يوم بدر. ثم دخل على

ص: 319

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عمير. قال: أدخله عليّ. فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلببه به، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث. ثم دخل به، فقال عليه السلام:"أرسله يا عمر، ادن يا عمير". فدنا، ثم قال: أنعموا صباحا، قال:"فما جاء بك"؟. قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم. قال: "فما بال السيف في عنقك"؟. قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال:"اصدقني ما الذي جئت له". قال: ما جئت إلا لذلك. قال: "بلى، قعدت أنت وصفوان في الحجر". وقص له ما قالا. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتينا به من خبر السماء، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا

وصفوان فوالله لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره". ففعلوا.

ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله، لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم. فأذن له ولحق بمكة. وكان صفوان يعد قريشا يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكبا فأخبره عن إسلامه، فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بشيء أبدا. ثم أقام يدعو إلى الإسلام، ويؤذي المشركين، فأسلم على يديه ناس كثير.

ص: 320

بقية أحديث غزوة بدر:

وهي كالشرح لما قدمناه، منها:

قال إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا: فنزل على أمية بن خلف -وكان أمية ينزل عليه إذا سافر إلى الشام- فقال لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس فطف قال: فبينما هو يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال: من أنت. قال: سعد. قال: أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه، وتلاحيا. فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. فقال: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك بالشام. وجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك. فغضب وقال: دعنا منكم، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد فكاد أن يحدث، فرجع فقال لامرأته: أتعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي. قالت: فوالله ما يكذب. فلما خرجوا لبدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما علمت ما قال اليثربي! قال: فإني إذن لا أخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوما أو يومين. فسار معهم، فقتل. أخرجه البخاري.

وأخرجه أيضا من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، وفيه: فلما استنفر أبو جهل الناس وقال:

ص: 321

أدركوا عيركم، كره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس تخلفت -وأنت سيد أهل الوادي- تخلفوا

معك فلم يزل به حتى قال: إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير مكة. ثم قال: يا أم صفوان جهزيني فما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا. فلما خرج أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذاك حتى قتله الله ببدر. البخاري.

وذكر الزهري قال: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن خرج من أصحابه يريدون عير قريش التي قدم بها أبو سفيان من الشام، حتى جمع الله بين الفئتين من غير ميعاد. قال الله تعالى:{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: 42] .

رؤيا عاتكة:

قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس.

"ح" قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، قالا:

رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش مكة بثلاث ليال، رؤيا، فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة

ص: 322

رؤيا ليدخلن منها على قومك شر وبلاء. فقال: وما هي؟ قالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلا أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فاجتمعوا إليه، ثم أرى بعيره دخل به المسجد واجتمع الناس إليه. ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أرى بعيره مثل به على رأس أبي قبيس، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت في أسفله ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها.

فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها. فقالت: أنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذننا. فخرج العباس من عندها، فلقي الوليد بن عتبة -وكان له صديقا- فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه، فتحدث بها، ففشا الحديث، فقال العباس: والله إني لغاد

إلى الكعبة لأطوف بها، فإذا أبو جهل في نفر يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل تعال. فجلست إليه فقال: متى حدثت هذه النبية فيكم؟ ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن ينبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم، سنتربص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقا فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.

قال: فوالله ما كان إليه مني من كبير، إلا أني أنكرت ما قالت، وقلت: ما رأت شيئا ولا سمعت بهذا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلى أتتني فقلن: صبرتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في

ص: 323

رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، فلم يكن عندك في ذلك غير. فقلت: قد والله صدقتن وما كان عندي في ذلك من غير إلا أني أنكرت، ولا تعرضن له، فإن عاد لأكفينه.

فغدوت في اليوم الثالث أتعرض له ليقول شيئا فأشاتمه، فوالله إني لمقبل نحوه، وكان رجلا حديد الوجه، حديد النظر، حديد اللسان، إذ ولى نحو باب المسجد يشتد، فقلت في نفسي: اللهم العنه، كل هذا فرقا أن أشاتمه. وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو، وهو واقف بعيره بالأبطح؛ قد حول رحله وشق قميصه وجدع بعيره؛ يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد، فالغوث الغوث! فشغله ذلك عني، وشغلني عنه، فلم يكن إلا الجهاز حتى خرجنا، فأصاب قريشا ما أصابهم يوم بدر، فقالت عاتكة:

ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم

بتصديقها فل من القوم هارب

فقلتم ولم أكذب كذبت وإنما

يكذبنا بالصدق من هو كاذب

وقال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وكنا -أصحاب محمد- نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، وما جازه إلا مؤمن. أخرجه البخاري.

وقال: سمعت البراء يقول: كان المهاجرون يوم بدر نيفا وثمانين.

ص: 324

أخرجه البخاري.

وقال ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثني أسلم أبو عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: "هل لكم أن نخرج فنلقى العير لعل الله يغنمنا"؟. قلنا: نعم. فخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا أن نتعاد، ففعلنا، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأخبرناه بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله، وقال:"عدة أصحاب طالوت".

وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر بثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج فقال:"اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم". ففتح الله لهم، فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا.

وقال أبو إسحاق، عن البراء، قال: لم يكن يوم بدر فارس غير المقداد.

وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب: إن عليا قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا أحد إلا وهو نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح، ولقد رأيتنا وما منا أحد فارس يومئذ إلا المقداد. رواه شعبة عنه.

ومن وجه آخر عن علي، قال: ما كان معنا إلا فرسان. فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود.

ص: 325

وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي، قال: كان يوم بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسان، الزبير على الميمنة، والمقداد على الميسرة.

وقال عروة: كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيما الزبير.

وقال حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، فكان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان إذا حانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان له: اركب حتى نمشي فيقول: "إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني".

المشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد الغنوي بدل أبي لبابة، فإن أبا لبابة رده النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه على المدينة.

وقال معمر: سمعت الزهري يقول: لم يشهد بدرا إلا قرشي أو أنصاري أو حليف لهما.

وعن الحسن، قال: كان فيهم اثنا عشر من الموالي.

وقال عمرو العنقزي: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي عنه قال: أخذنا رجلين يوم بدر، أحدهما عربي والآخر مولى، فأفلت العربي وأخذنا المولى؛ مولى لعقبة بن أبي معيط؛ فقلنا: كم هم؟ قال: كثير عددهم شديد بأسهم، فجعلنا نضربه، حتى انتهينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كم ينحرون من الجزر"؟. فقال: في كل يوم عشرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، لكل جزور مائة".

وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، أن

ص: 326

سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نبني لك عريشا، فتكون فيه، وننيخ لك ركائبك ونلقى عدونا، فإن أظهرنا الله عليهم فذاك، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، ويوادونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له. فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما.

وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، سمع ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه كان أحب إلي مما عدل به: أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق لذلك، وسره.

وقال مسلم وأبو داود: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه فانطلق إلى بدر، فإذا هم بروايا قريش، فيها عبد أسود لبني الحجاج، فأخذه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان؟ فيقول: والله ما لي بشيء من أمره علم، ولكن هذه قريش قد جاءت، فيهم أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف. قال: فإذا قال لهم ذلك ضربوه، فيقول: دعوني دعوني

ص: 327

أخبركم. فإذا تركوه قال كقوله سواء، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يسمع ذلك فلما انصرف، قال:"والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم، هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان".

قال أنس: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرع فلان غدا". ووضع يده على الأرض، "وهذا مصرع فلان" ، ووضع يده على الأرض، "وهذا مصرع فلان"، ووضع يده على الأرض.

قال: والذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم قال: فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأرجلهم، فسحبوا فألقوا في قليب بدر. صحيح.

وقال حماد أيضا، عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة -كذا قال، والمعروف ابن معاذ- فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم.

ورواه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة أخصر منه عن ثابت، عن أنس: حدثنا عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا عن مصارع القوم بالأمس: هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا، هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا. فوالذي بعثه بالحق، ما أخطئوا تلك الحدود، وجعلوا يصرعون حولها، ثم ألقوا في القليب.

ص: 328

وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقلت: يا رسول الله أتكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ".

وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة يصلي ويبكي، حتى أصبح.

وقال أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال: أخبرني إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل، فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضا. غريب.

وقال الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول:"اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد". ثم التفت وكأن شق وجهه القمر؛ فقال: "كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية".

وقال خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في

ص: 329

قبته يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا". فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك؛ وهو في الدرع. فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45، 46] ، أخرجه البخاري.

وقال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، قال: حدثني ابن عباس، عن عمر، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] ، فأمده الله بالملائكة فحدثني ابن

عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس: أقدم حيزوم. إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري، فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة". فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم.

وقال سلامة بن روح، عن عقيل، حدثني ابن شهاب قال: قال أبو

ص: 330

حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال أبو أسيد الساعدي بعدما ذهب بصره: يابن أخي، والله لو كنت أنا وأنت ببدر، ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة، غير شك ولا تمار.

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وحدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا أبا بكر أبشر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض، تغيب عني ساعة ثم طلع، على ثناياه النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته".

وقال عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب". أخرجه البخاري.

وقال موسى بن يعقوب الزمعي: حدثني أبو الحويرث، قال: حدثني محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا رضي الله عنه خطب الناس فقال: بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها، فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة، وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرافيل في ألف. فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فجرت بي، فوقعت على عقبي، فدعوت الله فأمسكت، فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا، وأشار إلى إبطه. غريب، وموسى فيه

ص: 331

ضعف.

وقوله: "حملني على فرسه" لا يعرف إلا من هذا الوجه.

وقال يحيى بن بكير: حدثني محمد بن يحيى بن زكريا الحميري، قال: حدثنا العلاء بن كثير، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال: حدثني أبو أمامة بن سهل، قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا.

وجاء في قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12] ؛ ذكر الواقدي، عن إبراهيم بن أبي حبيبة؛ حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس، يثبتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا. إلى غير ذلك من القول.

وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي، قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر. فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وهي بئر- فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها

ص: 332

رجلين: رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. أما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"كم القوم"؟ قال: هم كثير عددهم شديد بأسهم، فجهد أن يخبره كم هم فأبى، ثم سأله:"كم ينحرون كل يوم من الجزور"؟ فقال: عشرة. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ألف، كل جزور بمائة وتبعها".

ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها. وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في

الأرض". فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة جامعة". فجاء الناس من تحت الشجر والحجف والجرف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض على القتال، ثم قال: "إن جمع قريش عند هذه الضلع الحمراء من الجبل". فلما دنا القوم منا وضايقناهم إذا رجل منهم يسير في القوم على جمل أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي ناد لي حمزة -وكان أقربهم من المشركين- من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم"؟. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر". فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول: يا قوم إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة. وقد تعلمون أني لست

ص: 333

بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته. قد ملئت جوفك رعبا، فقال: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا أجبن؟

فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه حمية، فقال: من يبارز؟ فخرج من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث". فقتل الله عتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل: إن هذا والله ما أسرني، ولقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله فقال: "اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم". قال: فأسر من بني عبد المطلب: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث.

وقال إسحاق بن منصور السلولي: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. فأسرنا رجلا، فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفا.

وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض". قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله عرضها السموات والأرض؟ فقال: "نعم". قال: بخ بخ! قال: "ما يحملك على قولك: بخ بخ"؟. قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها".

ص: 334

فأخرج

تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بهن، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم.

وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر: إذا أكثبوهم؛ يعني: إذا غشوكم، فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم. أخرجه البخاري.

وروى عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة بن الزبير، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وسمى خيله: خيل الله.

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، وابنة عمه ست الأهل بنت علوان -سنة ثلاث وتسعين- وآخرون قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه، قال: أنبأتنا شهدة بنت أحمد، قالت: أخبرنا الحسين بن طلحة، قال: أخبرنا أبو عمر بعد الواحد بن مهدي، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمود بن خداش، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقسم قسما: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]، أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة.

ص: 335

أخرجه البخاري عن يعقوب الدورقي وغيره، ومسلم عن عمرو بن زرارة، عن هشيم، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرماني الواسطي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي.

وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، أمه ثقفية، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت.

وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مربوعا مليحا، توفي بالصفراء. وهو الذي بارز عتبة بن ربيعة، فاختلفا ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، كما تقدم. وقد جهزه النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا من المهاجرين أمره عليهم؛ فكان أول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم لواء عبيدة، فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق.

وقال ابن إسحاق وغيره عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن المستفتح يوم بدر أبو جهل، قال لما التقى الجمعان: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة.

فقتل، ففيه أنزلت:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] .

وقال معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنسا يقول: قال أبو جهل: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ

ص: 336

فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، [الأنفال: 32] ، فنزلت:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 32]، فنزلت:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] ، متفق عليه.

وعن ابن عباس في قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34]، قال: يوم بدر بالسيف قاله عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عنه.

وبه عنه في قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7]، قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام -كذا قال- فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين. وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة وأحضر مغنما.

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل؛ يعني ملبدا. وأمدهم الله بألف من الملائكة.

وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في

صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال للمشركين:{لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48]، فلما اصطف القوم قال أبو جهل:

ص: 337

اللهم أولانا بالحق فانصره.

ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: "يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا". فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين، وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبرا وشيعته. فقال الرجل: يا سراقة، أما زعمت أنك لنا جار؟ قال:{إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} [الأنفال: 48] .

وقال يوسف بن الماجشون: أخبرنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يمين وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا.

فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: "هل مسحتما سيفيكما"؟ قالا: لا. قال: فنظر في السيفين، فقال:"كلاهما قتله". وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو، والآخر معاذ بن عفراء. متفق عليه.

ص: 338

وقال زهير بن معاوية: حدثنا سليمان التيمي، قال: حدثني أنس، عنه قال: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته. فقال: هل فوق رجل قتلتموه، أو قتله قومه؟ أخرجه البخاري ومسلم.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عبد الله أنه أتى أبا جهل فقال: قد أخزاك الله. فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه؟ أخرجه البخاري.

وقال عثام بن علي: حدثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع، وعليه بيضة، ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث.

فجعلت أنقف رأسه بسيفين وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة، حتى ضعفت يده، فأخذت سيفه، فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة، لنا أو علينا؟ ألست رويعينا بمكة؟ قال: فقتلته. ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: قتلت أبا جهل. فقال: "آلله الذي لا إله إلا هو"؟. فاستحلفني ثلاث مرار. ثم قام معي إليهم، فدعا عليهم.

وروي نحوه عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق وفيه: فاستحلفني

ص: 339

وقال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه". فانطلقت فأريته. فقال: "هذا فرعون هذه الأمة".

وروي عن أبي إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله خر ساجدا.

وقال الواقدي: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال: "يرحم الله ابني عفراء، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر". فقيل: يا رسول الله، ومن قتله معهما؟ قال:"الملائكة، وابن مسعود قد شرك في قتله".

وقال أبو نعيم: حدثنا سلمة بن رجاء، عن الشعثاء؛ امرأة من بني أسد، قالت: دخلت على عبد الله بن أبي أوفى، فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل.

وقال مجالد، عن الشعبي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر، فرأيت رجلا يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة".

وقال البخاري ومسلم من حديث ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس، عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث، أمر براحلته فشد عليها، ثم مشى ما تبعه أصحابه، فقالوا:

ص: 340

ما نراه إلا ينطلق لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم:"يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حق ا"؟. فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال:"والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".

قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. صحيح.

وقال هشام، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: إنهم ليسمعون ما أقول. قال عروة: فبلغ عائشة فقالت: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق، إنهم قد تبوءوا مقاعدهم من جهنم، إن الله يقول:{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22، 23] ، أخرجه البخاري.

ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم قوله عليه السلام وأما إنك لا تسمع الموتى، فحق لأن الله أحياهم ذلك الوقت كما يحيي الميت لسؤال منكر ونكير.

وقال عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله:{بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]، قال: هم كفار من قريش {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] ؛ قال: النار يوم بدر. أخرجه البخاري.

ص: 341

وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك. قال: لم؟ قال: لأن الله عز وجل وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك. هذا إسناد صحيح، رواه جعفر بن محمد بن شاكر، عن أبي نعيم، عنه.

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب بن عدي يوم بدر فمال شقه، فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأمه ورده، فانطبق.

أحمد بن الأزهر: حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس أو غيره قال: شهد عمير بن وهب الجمحي بدرا كافرا، وكان في القتلى. فمر به رجل فوضع سيفه في بطنه، فخرج من ظهره. فلما برد عليه الليل لحق بمكة فصح. فاجتمع هو وصفوان بن أمية فقال: لولا عيالي ودَيني لكنت الذي أقتل محمدا. فقال صفوان: وكيف تقتله؟ قال: أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال: عيالك في عيالي ودَينك عليَّ. فانطلق فشحذ سيفه وسمه، وأتى المدينة، فرآه عمر فقال للصحابة: احفظوا أنفسكم فإني أخاف عميرا إنه رجل فاتك، ولا أدر ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمير، متقلدا سيفه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنعم صباحا. قال: "ما جاء بك يا عمير"؟. قال: حاجة. قال: "فما بال السيف"؟. قال: قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال: "فما قولك لصفوان وأنت في الحجر"؟. وأخبره بالقصة فقال عمير: قد كنت تحدثنا عن خبر السماء فنكذبك،

ص: 342

وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، بأبي أنت وأمي، أعطني منك علما يعلم أهل مكة أني أسلمت. فأعطاه، فقال عمر: لقد جاء عمير وإنه لأضل من خنزير، ثم رجع وهو أحب إليَّ من ولدي.

وقال يونس، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عكاشة الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب، فقال:"قاتل بهذا". فلما أخذه هزه فعاد سيفا في يده، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة. فقاتل بها، حتى فتح الله على رسوله،

ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قتل في قتال أهل الردة وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى القوي.

هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند.

وقد رواه الواقدي، قال: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، عن عمته، قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت به.

وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن داود بن الحصين، عن جماعة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين، فقال: اضرب به. فإذا هو سيف جيد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد.

ص: 343