المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزوة بني قريظة: - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - سيرة ١

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[السيرة النبوية]

- ‌من مولده صلى الله عليه وسلم إلى هجرته الشريفة:

- ‌ذكر نسب سيد البشر:

- ‌مولده المبارك صلى الله عليه وسلم:

- ‌أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته:

- ‌ذكر ما ورد في قصة سطيح

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، رحمه الله:

- ‌قصة سلمان الفارسي:

- ‌ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم:

- ‌فأول من آمن به خديجة رضي الله عنها:

- ‌من معجزاته الأول:

- ‌إسلام السابقين الأولين:

- ‌فصل: في دعوة النبي صلى الله عليه وسله عشيرته إلى الله وما لقى من قومه

- ‌إسلام أبي ذر، رضي الله عنه:

- ‌إسلام حمزة، رضي الله عنه:

- ‌إسلام عمر، رضي الله عنه:

- ‌الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية:

- ‌إسلام ضماد:

- ‌إسلام الجن:

- ‌انشقاق القمر:

- ‌باب: ويسألونك عن الروح

- ‌ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين:

- ‌ذكر شعب أبي طالب والصحيفة:

- ‌باب: إنا كفيناك المستهزئين

- ‌دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالسِّنَة:

- ‌ذكر الروم:

- ‌ثم توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة:

- ‌ذكر الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى:

- ‌ذكر معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء:

- ‌زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة أمي المؤمنين:

- ‌عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل:

- ‌ذكر مبدأ خبر الأنصار والعقبة الأولى:

- ‌العقبة الثانية:

- ‌ذكر أول من هاجر إلى المدينة:

- ‌سياق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا:

- ‌السنة الأولى من الهجرة:

- ‌قصة إسلام ابن سلام:

- ‌قصة بناء المسجد:

- ‌سنة اثنتين من الهجرة:

- ‌غزوة الأبواء:

- ‌‌‌غزوة بواط، و‌‌غزوة العشيرة

- ‌غزوة بواط

- ‌غزوة العشيرة

- ‌بدر الأولى:

- ‌غزوة بدر الكبرى: من السيرة لابن إسحاق، رواية البكائي

- ‌ذكر غزوة بدر: من مغازي موسى بن عقبة فإنها من أصح المغازي

- ‌غزوة السويق: في ذي الحجة

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث من الهجرة:

- ‌‌‌غزوة ذي أمر، و‌‌غزوة بحران

- ‌غزوة ذي أمر

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة قرقرة الكدر:

- ‌غزوة أحد: وكانت في شوال

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌السنة الرابعة من الهجرة:

- ‌غزوة الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني لحيان:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الموعد:

- ‌غزوة الخندق:

- ‌السنة الخامسة من الهجرة:

- ‌غزوات ذات الرقاع، و‌‌غزوة دُومة الجندلبضم الدال

- ‌غزوة دُومة الجندل

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة المريسيع:

- ‌غزوة الخندق:

- ‌غزوة بني قريظة:

- ‌إسلام ابني سعية وأسد بن عبيد:

الفصل: ‌غزوة بني قريظة:

ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته".

‌غزوة بني قريظة:

وكانوا قد ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيهم نزلت: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26، 27] .

قال هشام، عن أبيه، عن عاشة، قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم. قال:"فأين"؟. قال: ههنا. وأشار إلى بني قريظة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

وقال حميد بن هلال، عن أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا من سكة بني غنم، موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة. البخاري.

وقال جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف من الأحزاب أن: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون قريظة. وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. فما عنف واحدا من الفريقين. متفق عليه.

وعند مسلم في بعض طرقه: الظهر بدل العصر، وكأنه وهم.

وقال بشر بن شعيب، عن أبيه قال: حدثنا الزهري قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبيد الله بن كعب

ص: 506

أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر، فتبدى له جبريل عليه السلام فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة. فلبسوا السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروبها، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس علينا إثم. وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة حتى غربت الشمس فصلوا حين جاءوا بني قريظة. فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين.

وروى نحوه عبد الله بن عمر، عن أخيه عبد الله، عن القاسم عن عائشة، وفيه أن رجلا سلم علينا ونحن في البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا، فقمت في إثره فإذا بدحية الكلبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة". وقال: وضعتم السلاح لكنا لم نضع السلاح طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد وفيه: فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال:"هل مر بكم من أحد"؟. قالوا: مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج قال: "ليس ذاك بدحية الكلبي ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب". فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر أصحابه أن يستروه بالحجف حتى يسمعهم كلامه فناداهم:"يا إخوة القردة والخنازير". فقالوا: يا أبا

القاسم لم تك فحاشا. فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم.

ص: 507

وقال محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة، عن عائشة قالت: جاء جبريل وعلى ثناياه النقع، فقال: أوضعت السلاح؟ والله ما وضعته الملائكة، اخرج إلى بني قريظة. فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن بالرحيل، ثم مر على بني عمرو فقال:"من مر بكم"؟. قالوا: دحية. وكان دحية يشبه لحيته ووجهه جبريل فأتاهم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد، وذكر الحديث بطوله في مسند أحمد.

وقال يونس، عن ابن إسحاق: قدَّم رسول الله عليا معه رايته وابتدر الناس.

وقال موسى بن عقبة: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثر جبريل، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم:"مر عليكم فارس آنفا"؟. فقالوا: مر علينا دحية على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة من ديباج عليه اللأمة. قال: "ذاك جبريل". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية بجبريل قال: ولما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود وكان علي سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه. فكره عليٌّ أن يسمع ذلك، فقال: لم تأمرني بالرجوع؟ فكتمه ما سمع منهم. قال: "أظنك سمعت لي منهم أذى؟ فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت".

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم، وكانوا في أعلاه، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافها حتى أسمعهم فقال: "أجيبونا يا معشر يهود يا

ص: 508

إخوة القردة، لقد نزل بكم خزي الله". فحاصرهم صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصنهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، واشتد عليهم الحصار، صرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأنصار فقال: لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "قد أذنت لك فأتاهم". فبكوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة ماذا ترى فأشار بيده إلى حلقه يريهم أن ما يراد بكم القتل، فلما انصرف سُقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد فزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذُكِرَ، حين راث عليه أبو لبابة: "أما فرغ أبو لبابة من

حلفائه"؟. قالوا: يا رسول الله! قد والله انصرف من عند الحصن وما ندري أين سلك؟ فقال:

"قد حدث له أمر". فأقبل رجل فقال: يا رسول الله! رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أصابته بعدي فتنة". ولو جاءني لاستغفرت له، فإذ فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء".

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فذكر نحو ما قص موسى بن عقبة، وعنده: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن بالخروج، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ففزع الناس للحرب وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على آثارهم.

ولم يقل بضع عشرة ليلة.

ص: 509

وقال يونس بن بكير والبكائي -واللفظ له- عن ابن إسحاق قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه، فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد: يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال: فإذ أبيتم عليَّ هذه، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما.

رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، لكنه قال عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك، فذكره وزاد فيه: ثم بعثوا يطلبون أبا لبابة، وذكر ربطه نفسه.

ص: 510

وزعم سعيد بن المسيب: أن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك حين أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه عاتب، بما فعل يوم قريظة، ثم تخلف عن غزوة تبوك فيمن تخلف. والله أعلم.

وفي رواية علي بن أبي طلحة، وعطية العوفي، عن ابن عباس في ارتباطه حين تخلف عن تبوك ما يؤكد قول ابن المسيب وقيل: نزلت هذه الآية في أبي لبابة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال: 27] .

وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك، فقلت: مم تضحك؟ قال: "تيب على أبي لبابة". قلت: أفلا أبشره؟ قال: "إن شئتِ". قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهم الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة! أبشر فقد تاب الله عليك. قالت: فثار إليه الناس ليطلقوه. فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.

قال عبد الملك بن هشام: أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال؛ تأته امرأته في وقت كل صلاة تحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، فيما حدثني بعض أهل العلم الآية التي نزلت في توبته:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] .

قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من هدل، أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو قريظة

ص: 511

على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شعبة: أخبرني سعد بن إبراهيم قال: أبا أمامة بن سهل يحدث عن أبي سعيد قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم -أو- إلى خيركم". فقال: "إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك". فقال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت عليهم بحكم الله". وربما قال: "بحكم الملك". متفق عليه.

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: قاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو! قد ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مواليك لتحكم فيهم. فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا:

نعم. قال: وعلى من ههنا من الناحية التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم". فقال سعد: أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري.

شعبة وغيره: عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي، قال: كنت في سبي قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أنبت أن يقتل، فكنت فيمن لم ينبت.

موسى بن عقبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا: "اختاروا من شئتم من أصحابي"؟. فاختاروا سعد بن معاذ، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكمه. فأمر عليه السلام بسلاحهم فجعل في قبته، وأمر بهم فكتفوا وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة وبعث

ص: 512

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأقبل على حمار أعرابي يزعمون أن وطاءه برذعة من ليف، واتبعه رجل من بني عبد الأشهل، فجعل يمشي معه ويعظم حق بني قريظة ويذكر حلفهم والذي أبلوه يوم بعاث، ويقول: اختاروك على من سواك رجاء رحمتك وتحننك عليهم، فاستبقهم فإنهم لك جمال وعدد فأكثر ذلك الرجل، وسعد لا يرجع إليه شيئا، حتى دنوا، فقال الرجل: ألا ترجع إليَّ فيما أكلمك فيه؟ فقال سعد: قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم. ففارقه الرجل، فأتى قومه فقالوا: ما وراءك؟ فأخبرهم أنه غير مستبقيهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مقاتلتهم، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل قتلوا عند دار أبي جهم بالبلاط، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت التي كانت بالسوق، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بين من حضر من المسلمين. وكانت خيل المسلمين ستة وثلاثين فرسا. وأخرج حيي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل أخزاك الله"؟. قال له: لقد ظهرت عليَّ وما ألوم إلا نفسي في جهادك والشدة عليك. فأمر به فضربت عنقه كل ذلك بعين سعد.

وكان عمرو بن سعدى اليهودي في الأسرى، فلما قدموه ليقتلوه فقدوه، فقيل: أين عمرو؟ قالوا: والله ما نراه، وإن هذه لرمته التي كان فيها، فما ندري كيف انفلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلتنا بما علم الله في نفسه". وأقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي الزبير. يعني ابن باطا وامرأته فوهبهما له، فرجع ثابت إلى الزبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني -وكان الزبير يومئذ أعمى كبيرا- قال: هل ينكر الرجل أخاه؟ قال ثابت: أردت أن أجزيك اليوم بيدك، قال: افعل فإن الكريم يجزى الكريم. فأطلقه فقال: ليس لي

ص: 513

قائد، وقد أخذتم امرأتي وبني، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله

ذرية الزبير وامرأته، فوهبهم له، فرجع إليه فقال: قد رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك قال الزبير: فحائط لي فيه أعذق ليس لي ولأهلي عيش إلا به. فوهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ثابت: أسلم. قال: ما فعل المجلسان؟ فذكر رجالا من قومه بأسمائهم، فقال ثابت: قد قتلوا وفرغ منهم، ولعل الله أن يهديك. فقال الزبير: أسألك بالله وبيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم، فما في العيش خير بعدهم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بالزبير فقتل.

وقال الله تعالى في بني قريظة في سياق أمر الأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ} يعني: الذين ظاهروا قريشا: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26] .

وقال عروة في قوله: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَأُوهَا} [الأحزاب: 27] ، هي خيبر.

وقال البكائي، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة".

وقال البكائي، عن ابن إسحاق: فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث النجارية، وخرج إلى سوق المدينة، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة،

ص: 514

والمكثر يقول: كانوا بين الثمان والتسعمائة. وقد قالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل وأتي بحيي بن أخطب وعليه حلة فقاحية قد شقها من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله. كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه.

وقال ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عمه عروة، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: إنها والله لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف: يا بنت فلانة! قالت: أنا والله. قلت: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل. قلت: ولم؟ قالت: حدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها.

قال عكرمة وغيره: صياصيهم: حصونهم.

وقال يونس، عن ابن إسحاق: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد، أخا بني عبد الأشهل بسبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع له بهم خيلا وسلاحا. وكان صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة، وكانت عنده حتى توفي وهي في ملكه، وعرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله بل تتركني في مالك فهو

ص: 515

أخف عليك وعليَّ. فتركها وقد كانت أولا توقفت عن الإسلام ثم أسلمت، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والله أعلم.

وفي ذي الحجة: وفاة سعد بن معاذ من سنة خمس

هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع من الخندق؛ وذكر الحديث، وفيه قالت عائشة: ثم إن كلمه تحجر للبرء فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها. قال: فانفجر من لبته، فلم يرعهم -ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار- إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها. متفق عليه.

وقال الليث: حدثني أبو الزبير، عن جابر، قال: رمي سعد يوم الأحزاب، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده، فتركه، فنزفه الدم فحسمه أخرى. فانتفخت يده، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما

ص: 516

قطرت منه قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم، قال: وكانوا أربعمائة. فلما فرغ من قتلهم، انفتق عرقه فمات. حديث صحيح.

وقال ابن راهويه: حدثنا عمرو بن محمد القرشي، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن

عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الذي تحرك له العرش -يعني سعد بن معاذ- وشيع جناته سبعون ألف ملك، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه".

وقال سليمان التيمي، عن الحسن: اهتز عرش الرحمن فرحا بروحه.

وقال يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن معاذ بن رفاعة، عن جابر، قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات؛ فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش؟ قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وهو يدفن، فبينما هو جالس قال:"سبحان الله". مرتين، فسبح القوم. ثم قال:"الله أكبر الله أكبر". فكبر القوم فقال: "عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له".

روى بعضه محمد بن إسحاق، عن معاذ بن رفاعة، قال: أخبرني

ص: 517

محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر.

وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني معاذ بن رفاعة الزرقي، قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق، فقال: يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض.

وقال البكائي عن ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: كان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرش".

وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا؟ فقالوا: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: "كان يقصر في بعض الطهور من البول".

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس، فسمعت وئيد الأرض، تعني حس الأرض، ورائي، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه. فجلست،

ص: 518

فمر سعد وهو يقول:

لبث قليلا يدرك الهيجا حمل

ما أحسن الموت إذا حان الأجل

قالت: وعليه درع قد خرجت منها أطرافه، فتخوفت على أطرافه، وكان من أطول الناس وأعظمهم. قالت: فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر فيهم عمر، وفيهم رجل عليه مغفر فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون تحوزا وبلاء. فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرجل المغفر عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: ويحكَ، قد أكثرت وأين التحوز والفرار إلا إلى الله؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من قريش، يقال له: ابن العرقة بسهم، قال: خذها، وأنا ابن العرقه، فأصاب أكحله. فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة. وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين. وساق الحديث بطوله، وفيه قالت: فانفجر كلمه وقد كان برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص. ورجع إلى قبته. قالت: وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فإني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله تعالى:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، قال: فقلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عيناه لا تدمع على أحد ولكنه إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته.

وقال حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتى به محمولا على حمار وهو مضني من جرحه، فقال له:"أشر عليَّ في هؤلاء". فقال: إني أعلم أن الله قد أمرك

ص: 519

فيهم بأمر أنت فاعله. قال: "أجل، ولكن أشر عليَّ فيهم". فقال: لو وليت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم. فقال: "والذي نفسي بيده لقد أشرت عليَّ فيهم بالذي أمرني الله به".

وقال محمد بن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد، قال: حدثني محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، سمع عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لما حكم سعد بن معاذ في قريظة أن

يقتل من جرت عليه الموسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات".

وقال ابن سعد: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل من الأنصار قال: لما قضى سعد في قريظة ثم رجع انفجر جرحه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره، وسجي بثوب أبيض إذا مد على وجهه بدت رجلاه، وكان رجلا أبيض جسيما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك وصدق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت روح رجل". فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح عينيه، فقال: السلام عليك يا رسول الله! أشهد أنك رسول الله. قال: وأمه تبكي وتقول:

ويل أم سعد سعدا

حزامة وجدا

فقيل لها: أتقولين الشعر على سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فغيرها من الشعراء أكذب".

وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، قال: لما أصيب أكحل سعد حولوه عند امرأة يقال لها:

ص: 520

رفيدة، وكانت تداوي الجرحي، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: "كيف أمسيت"؟. وإذا أصبح قال: "كيف أصبحت"؟. فيخبره، فذكر القصة. وقال: فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي إلى سعد، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال:"إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة". فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول:

ويل أم سعد سعدا

حزامة وجدا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل نائحة تكذب إلا أم سعد". ثم خرج به فقالوا: ما حملنا ميتا أخف منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يمنعكم أن يخف عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط، قد حملوه معكم".

وقال شعبة: أخبرني سماك بن حرب، قال: سمعت عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن معاذ وهو يكيد بنفسه فقال: "جزاك الله خيرا من سيد قوم، فقد أنجزت الله ما وعدته ولينجزنك الله ما وعدك".

وقال ابن نمير: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: بلغني أنه شهد سعدا سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض.

رواه غيره: عن عبيد الله، عن نافع، فقال: عن ابن عمر.

وقال شبابة: أخبرنا أبو معشر، عن المقبري، قال: لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا قال: "لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول".

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن محمد بن

ص: 521

المنكدر، عن محمد بن شرحبيل، أن رجلا أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن، فتحها بعد فإذا هي مسك.

وقال محمد بن موسى الفطري: أخبرنا معاذ بن رفاعة الزرقي، قال: دفن سعد بن معاذ إلى أس دار عقيل بن أبي طالب.

قال محمد بن عمرو بن علقمة: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ فجاءه جبريل، أو قال: ملك. فقال: من رجل من أمتك مات الليلة استبشر بموته أهل السماء؟ قال: "لا أعلمه إلا أن سعد بن معاذ أمسى قريبا، ما فعل سعد"؟. قالوا: يا رسول الله قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح، ثم خرج وخرج الناس مشيا حتى إن شسوع نعالهم تقطع من أرجلهم وإن أرديتم لتسقط من عوائقهم، فقال قائل: يا رسول الله قد بتتَّ الناس مشيا، قال:"أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة".

شعبة: حدثنا سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ".

شعبة: حدثني أبو إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، قال: لما انفجر جرح سعد بن معاذ التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت الدماء تسيل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فقال: واكسر ظهرناه. فقال: "مه يا أبا بكر". ثم جاء

ص: 522

عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

روى عقبة بن مكرم: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة مرفوعا:"لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد". وقد تقدم هذا، وما فيه صفية.

وليس هذا الضغط من عذاب القبر في شيء، بل هو من روعات المؤمن كنزع روحه، وكألمه من بكاء حميمه عليه، وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه، وكروعته يوم الموقف وساعة ورود جهنم، ونحو ذلك نسأل الله أن يؤمن روعاتنا.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا حمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة، قالت: ما كان أحد أشد فقدا على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ.

وقال الواقدي: أخبرنا عتبة بن جَبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: كان سعد بن معاذ أبيض طوالا، جميلا، حسن الوجه، أعين، حسن اللحية.

فرمي يوم الخندق سنة خمس فمات منها، وهو ابن سبع وثلاثين سنة. ودفن بالبقيع.

وقال أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اهتز عرش الله لموت سعد بن معاذ".

وقال عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اهتز العرش لموت سعد بن معاذ".

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن إسحاق بن راشد، عن امرأة من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السكن،

ص: 523

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك بأن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش"؟.

وقال يوسف بن الماجشون عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولو أشاء أن أقبل الخاتم الذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت- يقول لسعد بن معاذ يوم مات: "اهتز له عرش الرحمن".

وقال محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا قال: إنما يعني السرير قال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100]، قال: تفسخت أعواده. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فاحتبس، فلما خرج قيل له: يا رسول الله! ما حبسك؟ قال: "ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله يكشف عنه".

وقال الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير، فجعل أصحابه يتعجبون من لينه فقال:"إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة ألين من هذا". متفق على صحته.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: دخلت على أنس بن مالك؛ وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم؛ فقال لي: من أنت؟

قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. فقال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى فأكثر البكاء. ثم قال: يرحم الله سعدا، كان من أعظم الناس وأطولهم. ثم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله بجبة من ديباج

ص: 524

منسوج فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها، فقال:"أتعجبون من هذه الجبة"؟. قالوا: يا رسول الله ما رأينا ثوبا قط أحسن منه. قال: "فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون".

قلت: هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو، ولقبه النبيت، ابن مالك بن الأوس؛ أخي الخزرج وهما ابنا حارثة بن عمرو؛ ويدعى حارثة العنقاء؛ وإليه جماع الأوس والخزرج أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويكنى سعد أبا عمرو، وأمه كبشة بنت رافع الأنصاري، من المبايعات أسلم هو وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير، وكان مصعب قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو إلى الإسلام ويقرئ القرآن. فلما أسلم سعد لم يبق من بني عبد الأشهل -عشيرة سعد- أحد إلا أسلم يومئذ ثم كان مصعب في دار سعد هو وأسعد بن زرارة، يدعوان إلى الله. وكان سعد وأسعد ابني خالة. وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح. قاله ابن إسحاق.

وقال الواقدي، عن عبد الله بن جعفر، عن سعد بن إبراهيم، وغيره: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقاص.

شهد سعد بدرا، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس.

وقال أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي: حدثنا أبو المتوكل، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحمى، فقال: من كانت به فهي حظه من النار فسألها سعد بن معاذ ربه، فلزمته فلم تفارقه حتى فارق الدنيا.

ص: 525

وكان لسعد من الولد: عمرو، وعبد الله، وأمهما: عمة أسيد بن الحضير هند بنت سماك من بني عبد الأشهل، صحابية. وكان تزوجها أوس بن معاذ أخو سعد -وقتل عبد الله بن عمرو بن سعد- يوم الحرة.

وكان لعمرو من الولد: واقد بن عمرو، وجماعة قيل إنهم تسعة.

وقتل عمرو أخو سعد بن معاذ يوم أحد، وقتل ابن أخيهما الحارث بن أوس يومئذ شابا،

وقد شهدوا بدرا، والحارث أصابه السيف ليلة قتلوا كعب بن الأشرف، واحتمله أصحابه.

وشهد بعد ذلك أحدا.

روى عن سعد بن معاذ: عبد الله بن مسعود قصته بمكة مع أمية بن خلف، وذلك في صحيح البخاري.

وحصن بني قريظة على أميال من المدينة، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة.

واستشهد من المسلمين: خلاد بن سويد الأنصاري الخزرجي، طرحت عليه رحى، فشدخته.

ومات في مدة الحصار أبو سنان بن محصن، بدري مهاجري، وهو أخو عكاشة بن محصن الأسدي. شهد هو وابنه سنان بدرا. ودفن بمقبرة بني قريظة التي يتدافن بها من نزل دورهم من المسلمين، وعاش أربعين سنة، ومنهم من قال: بقي إلى أن بايع تحت الشجرة.

ص: 526