الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة أحد: وكانت في شوال
قال شيبان، عن قتادة: واقَعَ نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوال، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال وكان أصحابه يومئذ سبعمائة والمشركون ألفين أو ما شاء الله من ذلك.
وقال ابن إسحاق: للنصف من شوال.
وقال مالك: كان القتال يومئذ في أول النهار.
وقال بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رأيت أني قد هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت في رؤياي بقرا، والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا يوم بدر". أخرجاه.
وقال ابن وهب: أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. وذلك أنه لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: تخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد،
ورجوا من الفضيلة أن يصيبوا ما أصاب أهل بدر فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله، أقم فالرأي رأيك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه". قالوا: وكان ما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلبس أداته: "إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وأني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير".
وقال يونس عن الزهري في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، قال: حتى إذا كان بالشوط من الجنانة، انخزل عبد الله بن أبي بقريب من ثل الجيش ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في سبعمائة وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، وجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وهم ألف، والمشركون ثلاثة آلاف. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، ورجع عنه عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فسقط في أيدي الطائفتين، وهمتا أن تفشلا، والطائفتان: بنو سلمة وبنو حارثة.
وقال ابن عيينة، عن عمرو عن جابر:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران: 122] ، بنو سلمة وبنو حارثة، ما أحب أنها لم تنزل لقوله:{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] . متفق عليه.
وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، سمع عبد الله بن يزيد يحدث، عن زيد بن ثابت، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، رجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم. وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة. متفق عليه.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، قال: ميزهم يوم أحد.
وقال البكائي، عن ابن إسحاق قال: كان من حديث أحد، كما حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر، والحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم كل قد حدث بعض الحديث، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد، أن كفار قريش لما أصيب منهم أصحاب القليب، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بالعير، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم، فكلموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش! إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة.
وكان أبو عزة الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذا عيال وحاجة، فقال: يا رسول الله! إني فقير ذو عيال وحاجة، فامنن عليَّ. فقال له صفوان: يا أبا عزة، إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا. فقال: إن محمدا قد منَّ عليَّ فلا أريد أن أظاهر عليه.
قالوا: بلى، فأعنا بنفسك، فلك الله عليَّ إن رجعت أن أعينك، وإن أصبت أن أجعل بناتك
مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر. فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة، ويقول:
إيهًا بني عبد مناة الرزام
…
أنتم حماة وأبوكم حام
لا تعدوني نصركم بعد العام
…
لا تسلموني لا يحل إسلام
وخرج مسافع بن عبد مناف الجمحي إلى بني مالك بن كنانة يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول شعرا. ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق. فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها، وخرجوا معهم بالظُعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا. وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس، بهند بنت عتبة، وخرج عكرمة بأم حكيم بنت الحارث بن هشام، حتى نزلوا بعينين بجبل أحد ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قتلناهم فيها وكان يكره الخروج إليهم. فقال رجال ممن فاته يوم بدر: يا رسول الله! اخرج بنا إليهم لا يرون أنا جبنا عنهم. فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته، وذلك يوم
الجمعة حين فرغ الناس من الصلاة فذكر خروجه وانخزال ابن أبي بثلث الناس، فاتبعهم عبد الله والد جابر، يقول: أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. وقالت الأنصار: يا رسول الله، ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ قال:"لا حاجة لنا فيهم". ومضى حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال: لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال. وتعبأ للقتال وهو في سبعمائة، وأمَّر على الرماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلا، فقال:"انضحوا عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك". وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على الميمنة خالدا، وعلى الميسرة عكرمة.
وقال سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كانت راية
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطا أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام كان على الرجال، ويقال: المقداد بن الأسواد، وكان حمزة على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير، فقتل، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عليا، قال: ويقال: كانت له ثلاثة ألوية، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين، ولواء إلى علي، ولواء إلى المنذر.
وقال ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال:"من يأخذ مني هذا السيف بحقه"؟. فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا، أنا. فقال:"من يأخذه بحقه"؟. فأحجم القوم، فقال له أبو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين. أخرجه مسلم.
وقال ابن إسحاق: حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه؟ قال: "تضرب به في العدو حتى ينحني". قال: فأنا آخذه يا رسول الله. فأعطاه إياه، وكان رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان إذا قاتل علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها على رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصفين. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رآه يبختر:"إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن".
وقال عمرو بن عاصم الكلابي: حدثني عبيد الله بن الوازع، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام، قال: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد فقال: "من يأخذه بحقه"؟. فقمت فقلت: أنا يا رسول الله! فأعرض عني، ثم قال:"من يأخذ هذا السيف بحقه"؟. فقام أبو دجانة
سماك بن خرشة فقال: أنا يا رسول الله! فما حقه؟ قال: "أن لا تقتل به مسلما ولا تفر به عن كافر". قال: فدفعه إليه، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة، فقلت:
لأنظرن إليه كيف يصنع؟ قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن، فيهن امرأة وهي تقول:
نحن بنات طارق
…
نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق
…
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
قال: فاهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها. فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل به امرأة.
وروى جعفر بن عبد الله بن أسلم، مولى عمر، عن معاوية بن معبد بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن.
وقال ابن إسحاق، عن الزهري وغيره: إن رجلا من المشركين خرج يوم أحد، فدعا إلى البراز، فأحجم الناس عنه حتى دعا ثلاثا، وهو على جمل له، فقام إليه الزبير فوثب حتى استوى معه على بعيره، ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذي يلي حضيض الأرض مقتول". فوقع المشرك ووقع عليه الزبير فذبحه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قرب الزبير فأجلسه على فخذه وقال: "إن لكل نبي حواريا والزبير حواريي".
قال ابن إسحاق: واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وآخرون.
وقال زهير بن معاوية: حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يحدث قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد، وكانوا خمسين، عبد الله بن جبير، وقال:"إذا رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم". قال: فهزمهم فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل
قد بدت خلاخيلهن وسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم، الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله لهم: أنسيتم ما قال لكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. فأتوهم فصرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين. فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم. فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين.
فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاثا. ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك. فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: اعل هبل، اعل هبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبوه"؟. قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل".
ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبوه"؟. قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم". أخرجه البخاري.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: فحدثني الحصين بن عبد الرحمن، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين غشيه القوم: من رجل يشري لنا نفسه؟ فقام زياد
بن السكن في خمسة من الأنصار، وبعض الناس يقول: هو عمارة ابن زياد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل ثم رجل يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة. ثم فاءت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أدنوه مني". فأدنوه منه، فوسده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وترَّسَ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النبل في ظهره، وهو منحنٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثرت فيه النبل.
وقال حماد بن سلمة عن ثابت، وغيره، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال:"من يردهم عنا وله الجنة -أو- هو رفيقي في الجنة"؟. فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، وتقدم آخر فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال لصاحبيه:"ما أنصفنا أصحابنا". رواه مسلم.
وقال سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن غير طلحة بن عبيد الله وسعد، عن حديثهما. متفق عليه.
وقال قيس بن أبي حازم: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يوم أحد. أخرجه البخاري.
وقال عبد الله بن صالح: حدثني يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير مولى حكيم بن حزام، عن جابر قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار،
وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون فقال:"ألا أحد لهؤلاء"؟. فقال طلحة: أنا يا رسول الله! قال: "كما أنت يا طلحة". فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله! فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ثم قتل الأنصار فلحقوه، فقال:"ألا أحد لهؤلاء"؟. فقال طلحة مثل قوله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فأذن له فقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصعدون، ثم قتل، فلحقوه فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله ويقول طلحة: أنا. فيحبسه ويستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من لهؤلاء"؟. فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله، فقال: حس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء". ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون.
وقال عبد الوارث: حدثنا عبد العزيز، عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفة معه. وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر بالجعبة فيها النبل فينثرها لأبي طلحة ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم فينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما
مشمرتان أرى خدم سوقهما، تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم.
ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة من النعاس إما مرتين أو ثلاثة. متفق عليه.
وقال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل، قتله ابن قميئة الليثي، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدا.
ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ورجالا من المسلمين.
وقال موسى بن عقبة: واستجلبت قريش من شاءوا من مشركي العرب، وسار أبو سفيان
في جمع قريش. ثم ذكر نحو ما تقدم، وفيه: فأصابوا وجهه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقصموا رباعيته، وخرقوا شفته. يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص.
وعنده -يعني عند ابن عقبة- المنام، وفيه:"فأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام، فإن دخلوا علينا في الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت". وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى كانت كالحصن. فأبى كثير من الناس إلا الخروج، وعامتهم لم يشهدوا بدرا. قال: وليس مع المسلمين فرس.
وكان حامل لواء المشركين طلحة بن عثمان، أخو شيبة العبدري،
وحامل لواء المسلمين رجل من المهاجرين، فقال: أنا عاصم إن شاء الله لما معي. فقال له طلحة بن عثمان: هل لك في المبارزة؟ قال: نعم. فبدره ذلك الرجل فضرب بالسيف على رأسه حتى وقع السيف في لحيته.
فكان قتل صاحب المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "أراني أني مردف كبشا".
فلما صرع انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصاروا كتائب متفرقة فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم. وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله قد فتح، قالوا: والله ما نجلس ههنا لشيء. فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتركوها، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فأوجفت الخيل فيهم قتلا، وكان عامتهم في العسكر فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا، وصرخ صارخ: أخراكم أخراكم، قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسقط في أيديهم، فقتل منهم من قتل، وأكرمهم الله بالشهادة. وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد، وثبت الله نبيه، وأقبل يدعو أصحابه مصعدا في الشعب، والمشركون على طريقه، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزبير، وجعلوا يسترونه حتى قُتِلوا إلا ستة أو سبعة.
ويقال: كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين فقد، من وراء المغفر فنادى بصوته الأعلى: الله أكبر، هذا رسول الله، فأشار إليه -زعموا- رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اسكت. وجرح رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته.
وكان أبي بن خلف قال حين افتدى: والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة، ولأقتلن عليها محمدا. فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"بل أنا أقتله إن شاء الله". فأقبل أبي
مقنعا في الحديد على فرسه تلك يقول: لا نجوت إن نجا محمد فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال موسى: قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل مصعبا. وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه فيها بحربته، فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم.
قال سعيد: فكُسِرَ ضلع من أضلاعه، ففي ذلك نزلت:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا: ما جزعك؟ إنما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أنا أقتل أبيا". ثم قال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة.
وقال ان إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، أن الزبير قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم، حتى ما يدنو
منه أحد من القوم.
قال ابن إسحاق: لم يزل لواؤهم صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فلاذوا به.
وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله تعالى:{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي: تقتلونهم، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} يعني: إقبال من أقبل منهم على الغنيمة، {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} ، {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152-153] ، يعني النصر. ثم أديل للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى السدي، عن عبد خير، عن عبد الله، قال: ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152] .
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: هُزم المشركون يوم أحد هزيمة بينة، فصرخ إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم. فنظر حذيفة فإذا هو
بأبيه اليمان، فقال: أبي، أبي. فوالله ما نحجزوا عنه حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لقي الله. أخرجه البخاري.
وقال ابن عون عن عمير بن إسحاق، عن سعد بن أبي وقاص، قال: كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، ويقول: أنا أسد الله رواه يونس بن بكير، عن ابن عون عن عمير مرسلا وزاد: فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدرع عن بطنه، فزرقه الحبشي
العبد، فبقره.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما أن قدمنا حمص قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم. وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلمنا فرد علينا السلام وكان عبيد الله معتجرا بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي تعرفني؟ فنظر إليه فقال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم فثال بنت أبي العيص، فولدت غلاما بمكة فاسترضعته، فحملتُ ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، لكأني نظرت إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر. فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر فلما خرج الناس عن عينين -وعينون جبل تحت أحد، بينه وبين أحد واد- خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع، فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة فقال: يا سباع يابن مقطعة البظور، تحاد الله ورسوله؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال فمكنت لحمزة تحت صخرة حتى مر عليَّ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من وركه، فكان ذاك العهد به،
فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف. قال: وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا، وقيل: إنه لا يهيج الرسل، فخرجت معهم، فلما رآني قال:"أنت وحشي"؟. قلت: نعم. قال: "الذي قتل حمزة"؟. قلت: نعم، قد كان الأمر الذي بلغك. قال:"ما تستطيع أن تغيب عني وجهك"؟. قال: فرجعت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة، قلت: لأخرجن إليه لعلي أقتله فأكافئ به حمزة. فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه. قال: فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته.
قال سليمان بن يسار: فسمعت ابن عمر يقول: قالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود. أخرجه البخاري.
وقال ابن إسحاق: ذكر الزهري، قال: كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة، وقول الناس: قُتِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. كعبُ بن مالك، قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت: يا معشر المسلمين! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليَّ: أن انصت. ومعه جماعة فلما أسند في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: يا محمد! لا نجوتُ إن نجوتَ
…
الحديث.
وقال هاشم بن هاشم الزهري: سمعت سعيد بن المسيب، سمع سعدا يقول: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد، وقال:"ارم، فداك أبي وأمي". أخرجه البخاري.
وقال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن الزبير، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظاهر بين درعين يومئذ، فلم يستطع أن ينهض إليها، يعني إلى صخرة في الجبل، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استوى عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوجب طلحة".
وقال حميد وغيره، عن أنس، قال: غاب أنس بن النضر، عم أنس بن مالك عن قتال بدر فقال: غبت عن أول قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن الله أشهدني قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين من الهزيمة فمشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد واهًا لريح الجنة! فقال سعد: يا رسول الله! فما استطعت أن أصنع كما صنع. قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فما عرفناه، حتى عرفته أخته ببنانه، فكنا نتحدث أن هذه الآية:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] ، نزلت فيه وفي أصحابه. متفق عليه، لكن مسلم من حديث ثابت البناني، عن أنس.
وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن عمرو بن أقيش كان له ربًا في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد.
فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا. قال: إني قد آمنت.
فقاتل حتى جرح، فحمل جريحا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه، حمية
لقومك أو غضبا لله؟ قال: بل غضبا لله ورسوله فمات فدخل الجنة وما صلى صلاة. أخرجه أبو داود.
وقال حيوة بن شريح المصري: حدثني أبو صخر حميد بن زياد، أن يحيى بن النضر حدثه عن أبي قتادة، قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة وكان أعرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم". فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"كأني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة". وأمر بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد.
وقال ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: قال عبد الله بن جحش: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني: بم ذاك؟ فأقول: فيك. قال سعيد بن المسيب: إني لأرجو أن يبر الله آخر قسمه كما أبر أوله.
وروى الزبير بن بكار في "الموفَّقيات"، أن عبد الله بن جحش، انقطع سيفه، قال: فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجونا فصار في يده سيفا. فكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناول حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار. وكان عبد الله من السابقين، أسلم قبل دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة هو وإخوته وشهد بدرا.
وقال معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي: حدثنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه،
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا. مرسل.
عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع، وقال لي:"إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك"؟. فجعلت أطواف بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: "خبرني كيف تجدك"؟. قال: على رسول الله السلام وعليك، قل له: يا رسول الله! أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر يطرف. قال: وفاضت نفسه. أخرجه البيهقي، ثم ساقه فيما بعد من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني، منقطعا، فهو شاهد لما رواه خارجة.
وقال موسى بن عقبة: ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنبوا الخيل فهم يريدون الفرار". فلما أدبروا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في آثارهم. فلما رجع قال: رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال: فطابت أنفس القوم، وانتشروا يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر، وكان أبوه مع المشركين فترك لأجله. وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره برجله ثم قال: ذنبان أصبتهما، قد تقدمتُ إليك في
مصرعك هذا يا دبيس، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد.
ووجدوا حمزة بن عبد المطلب قد بُقِرَ بطنه وحُمِلَت كبده، احتملها وحشي وهو الذي قتله، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدمية بشيء من الشجر.
وقال الزهري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زملوهم بدمائهم، فإنه ليس أحد يكلم في الله إلا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي، لونه لون الدم وريحه ريح المسك".
وقال: إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون: إن موعدكم الموسم، موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كل عام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قولوا له: نعم".
قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وإذا النَّوْح في الدور. قال:"ما هذا"؟. قالوا: نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما، وحُمِلَ قتلى، فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم عن ذلك وقال:"واروهم حيث أصيبوا".
وقال لما سمع البكاء: "لكن حمزة لا بواكي له". واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما، فجمعوا كل نائحة وباكية بالمدينة، فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله بالبكاء، قال:"ما هذا"؟. قال: فأخبر، فاستغفر لهم وقال لهم خيرا، وقال:"ما هذا أردت وما أحب البكاء". ونهى عنه.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن نافع الأنصاري، قال: انتهى أنس بن النضر إلى عمر، وطلحة، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ فقالوا:
قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتِلَ.
قال ابن إسحاق: وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقي هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود فضرب حنظلة بالسيف فقتله. وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن صاحبكم لتغسله الملائكة". يعني حنظلة، فسألوا أهله: ما شأنه؟ فسئلت صاحبته قالت: خرج وهو جنب حين سمع الهيعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لذلك غسلته الملائكة".
وقال البكَّائي، عن ابن إسحاق: وخلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. فحدثني حميد الطويل عن أنس، قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وشج في وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول: "كيف يفلح
قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم"؟. فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] .
وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم، وعليٌّ يسكب الماء عليه بالمجن. فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة حصير أحرقته، حتى إذا صار رمادا ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم. أخرجاه.
ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم، عن سهل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أصيبت رباعيته وهشمت بيضته. وذكر باقي الحديث.
وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله"، وهو يشير إلى رباعيته، "اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله". متفق عليه.
وللبخاري مثله من حديث عكرمة، عن ابن عباس. لكن فيه:"دموا وجه رسول الله"، بدل ذكر رباعيته.
وقال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله: أخبرني عيسى بن طلحة، عن عائشة، قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك يوم كان كله يوم طلحة. ثم أنشأ يحدث، قال:
كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلا يقاتل مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه. وأراه قال: يحميه، فقلت: كن طلحة، حيث فاتني، قلت: يكون رجلا من قومي أحب إليَّ، وبيني وبين المشرق رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه. إذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كسرت رباعيته، وشج في وجهه، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"عليكما صاحبكما". يريد طلحة، وقد نزف، فلم نلتفت إلى قوله، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي، فأزم عليهما بفيه، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيته مع الحلقة وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا، فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا بضع وسبعون، أقل أو أكثر، من بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه.
وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبير، قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحدا، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد، ثم تجاوزه فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله إنه منا ممنوع، خرجنا أربعة
فتعاهدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك.
قال الواقدي: الثبت عندنا أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه: ابن قمئة، والذي رمى شفتيه وأصاب رباعيته: عتبة بن أبي وقاص.
وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن سعد بن أبي وقاص، قال: والله ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمته لسيئ الخلق مبغضا في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله".
وقال معمر، عن الزهري، عن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة حين كسر رباعيته:"اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا". فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار. مرسل.
ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث قال: حدثني عمر بن السائب، أنه بلغه أن والد
أبي سعيد الخدري، لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، مص جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض، قيل له: مجه فقال: لا والله لا أمجه أبدا ثم أدبر فقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا". فاستشهد.
قال ابن إسحاق قال حسان بن ثابت:
إذا الله جازى معشرا بفعالهم
…
ونصرهم الرحمن رب المشارق
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك
…
ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
بسطت يمينا للنبي تعمدا
…
فأدميت فاه قطعت بالبوارق
فهلا ذكرت الله والمنزل الذي
…
تصير إليه عند إحدى البوائق
قال ابن إسحاق: وعن أبي سعيد الخدري، أن عتبة كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وأن عبد الله بن شهاب شجه في جبهته، وأن ابن قمئة جرح وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون، فأخذ عليَّ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه طلحة حتى استوى قائما. ومص مالك بن سنان، أبو أبي سعيد، الدم عن وجهه ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من مس دمه دمي لم تمسه النار". منقطع.
قال البكائي: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سِيتُها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة، حتى وقعت على وجنته فحدثني عاصم بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده، وكانت أحسن عينيه وأحدهما.
وقال الواقدي: حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن عمته، عن أمها، عن المقداد بن عمرو قال: فربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يوم أحد يرمي عن قوسه، ويرمي بالحجر، حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في عصابة صبروا معه.
هذا الحديثان ضعيفان، وفيهما أنه رمى بالقوس.
وقال سليمان بن أحمد نزيل واسط: حدثنا محمد بن شعيب، قال: سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، يحدث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة بن النعمان، وكان
أخا أبي سعيد لأمه، أن عينه ذهبت يوم أحد، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها، فاستقامت.
وقال يحيى الحماني: حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا". فدعا به فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
كذا قال ابن الغسيل: يوم بدر.
وقال موسى بن عقبة: إن أبا حذيفة بن اليمان، واسمه حسيل بن جبير حليف للأنصار، أصابه المسلمون -زعموا- في المعركة لا يدرون من أصابه فتصدق حذيفة بدمه على من أصابه.
قال موسى: وجميع من استشهد من المسلمين تسعة وأربعون رجلا.
وقتل من المشركين ستة عشر رجلا.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: حمل أبي بن خلف على النبي صلى الله عليه وسلم يريد قتله، فاستقبله مصعب بن عمير، فقتل مصعبا وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي فطعنه بحربته فوقع عن فرسه، ولم يخرج منها دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور.
وروى نحوه الزهري، عن ابن المسيب.
وذكره الواقدي، عن يونس بن محمد، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه.
قال الواقدي: وكان ابن عمر يقول: مات أبي ببطن رابغ، فإني
لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل إذا نار تأجج لي فهبتُها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش. ورجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أبي بن خلف.
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: ما نُصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نُصر يوم أحد فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله، إن الله تعالى يقول في يوم أحد:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} والحس: القتل، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] الآية، وإنما عني بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع وقال:"احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا". فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكفأ عسكر المشركين، نزلت
الرماة دخلوا في العسكر ينتهبون، وقد التفت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا، وشبك أصابعه، والتبسوا. فلما خلى الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، وصاح الشيطان: قُتل محمد. فلم يشك فيه أنه حق، وساق الحديث.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، قال: كنت ممن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي
مرارا. أخرجه البخاري.
وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة، قال: رفعت رأسي يوم أحد، فجعلت أنظر، وما منهم أحد إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس. فذلك قوله:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] .
وقال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، عن الزبير، قال: والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير، وإن النعاس ليغشاني ما أسمعها منه إلا كالحلم، وهو يقول:{لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154] .
وروى الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه، عن أبيه، قال: ألقي علينا النوم يوم أحد.
وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر، والزهري وجماعة، قالوا: كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر إسلامه بلسانه، ويوم أكرم الله فيه بالشهادة غير واحد، وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران.
وقال المدائني، عن سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مرطا أسود كان
لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى الميمنة علي، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد بن عمرو، وحمزة بن عبد المطلب على القلب.
ولواء قريش مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي رضي الله عنه فأخذ اللواء سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن مالك، فأخذه عثمان بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فأخذه الجلاس بن طلحة، فقتله ابن أبي الأقلح أيضا، ثم كلاب والحارث ابنا
طلحة، فقتلها قزمان حليف بني ظفر، وأرطاة بن عبد شرحبيل العبدري قتله مصعب بن عمير، وأخذه أبو يزيد بن عمير العبدري، وقيل: عبد حبشي لبني عبد الدار، قتله قزمان.
قال ابن إسحاق: وبقي اللواء ما يأخذه أحد، وكانت الهزيمة على قريش.
وقال مروان بن معاوية الفزاري: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: حدثنا عبيد بن رفاعة الزرقي، عن أبيه، قال: لما كان يوم أحد انكفأ المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استووا حتى أثني على ربي". فصاروا خلفه صفوفا فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، اللهم ابسط علينا من بركاتك، أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم عائذا بك من سوء ما أعطيتنا وشر ما منعت منا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا
مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق".
هذا حديث غريب منكر، رواه البخاري في الأدب، عن علي بن المديني، عن مروان.
عدد الشهداء:
قد مر أن البخاري أخرج من حديث البراء، أن المشركين أصابوا منا سبعين.
وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: يا رب السبعين من الأنصار، سبعين يوم أحد، وسبعين يوم بئر معونة، وسبعين يوم مؤتة، وسبعين يوم اليمامة.
وقال عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون: يوم أحد، ويوم اليمامة، ويوم جسر أبي عبيد.
وقال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله تعالى:{قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165]، قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.
وأما ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، فقال: جميع من قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، من قريش والأنصار: أربعة، أو قال: سبعة
وأربعون رجلا. وجميع من قتل يوم أحد، يعني من المشركين تسعة عشر رجلا.
وقال موسى بن عقبة: جميع من استشهد من المسلمين، من قريش والأنصار سبعة وأربعون رجلا.
وقال ابن إسحاق: جميع من استشهد من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، يوم أحد، خمسة وستون رجلا وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون.
قلت: قول من قال سبعين أصح ويحمل قول أصحاب المغازي هذا على عدد من عرف اسمه من الشهداء، فإنهم عدوا أسماء الشهداء بأنسابهم.
قال ابن إسحاق: استشهد من المهاجرين:
حمزة، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، حليف بني عبد شمس، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دفن مع حمزة في قبر واحد، ومصعب بن عمير، وعثمان بن عثمان، ولقبه شماس، وهو عثمان بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي، ابن أخت عتبة بن ربيعة، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا، ولقب شماسا لملاحته.
ومن الأنصار: عمرو بن معاذ بن النعمان الأوسي، أخو سعد، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ، والحارث بن أنيس بن رافع، وعمارة بن زياد بن السكن، وسلمة، وعمرو، ابنا ثابت بن وقش، وعمهما: رفاعة بن وقش، وصيفي بن قيظي، وأخوه: حباب، وعباد بن سهل، وعبيد بن التيهان، وحبيب بن زيد، وإياس بن أوس، الأشهليون، واليمان أبو حذيفة، حليف لهم، ويزيد بن حاطب بن أمية الظفري، وأبو سفيان بن الحارث بن قيس، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الراهب، ومالك بن أمية؛ وعوف بن عمرو، وأبو حية بن عمرو بن ثابت، وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة، وأنس بن قتادة وخيثمة والد سعد بن خيثمة وحليفه: عبد الله بن سلمة العجلاني، وسبيع بن حاطب بن الحارث، وحليفه: مالك بن أوس، وعمير بن عدي الخطمي. وكلهم من الأوس.
واستشهد من الخزرج: عمرو بن قيس النجاري، وابنه: قيس، وثابت بن عمرو بن زيد، وعامر بن مخلد، وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة، وعمرو بن مطرف، وإياس بن عدي، وأوس أخو حسان بن ثابت، وهو والد شداد بن أوس، وأنس بن النضر بن ضمضم، وقيس بن مخلد، وعشرتهم من بني النجار، وعبد لهم اسمه: كيسان، وسليم بن الحارث، ونعمان بن عبد عمرو، وهما من بني دينار بن الحارث.
ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبي زهير، وسعد بن الربيع بن عمرو ابن أبي زهير، وأوس بن أرقم بن زيد، أخو زيد بن أرقم.
ومن بني خدرة: مالك بن سنان، وسعيد بن سويد، وعتبة بن ربيع.
ومن بني ساعدة: ثعلبة بن سعد بن مالك، وثقف بن فروة، وعبد الله بن عمرو بن وهب وضمرة، حليف لهم من جهينة.
ومن بني عوف بن الخزرج، ثم من بني سالم: عمرو بن إياس، ونوفل بن عبد الله، وعبادة بن الحسحاس، والعباس بن عبادة بن نضلة، والنعمان بن مالك، والمجذر ذياد البلوي، حليف لهم.
ومن بني الحبلى: رفاعة بن عمرو.
ومن بني سواد بن مالك: مالك بن إياس.
ومن بني سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وكانا متواخيين وصهرين، فدفنا في قبر واحد، وخلاد بن عمرو بن الجموح، ومولاه أسير، أبو أيمن، مولى عمرو.
ومن بني سواد بن غنم: سليم بن عمرو بن حديدة، ومولاه عنترة، وسهيل بن قيس.
ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، وعبيد بن المعلى بن لوذان.
قال ابن إسحاق: وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أن ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه.
وذكر الواقدي جماعة قتلوا سوى من ذكرنا.
وقال البكائي: قال ابن إسحاق، عن محمود بن لبيد، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر -والد حذيفة بن اليمان- وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه -وهما شيخان كبيران: لا أبا لك، ما ننتظر؟ فوالله ما بقي
لواحدنا من عمره إلا ظمء حمار، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة مع رسوله؟ فخرجا حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما فأما ثابت فقتله المشركون، وأما حسيل فقتله المسلمون ولا يعرفونه.
قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان فينا رجل أتى لا يدرى ممن هو، يقال له قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له:"إنه لمن أهل النار". فلما كان يوم أحد قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني ظفر،
فجعلوا يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر. قال: بماذا أبشر؟ والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك لما قاتلت. فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما فقتل به نفسه.
قال ابن إسحاق: وكان ممن قتل يومئذ مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن العيطون، قال لما كان يوم أحد: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا: إن اليوم يوم السبت قال: لا سبت فأخذ سيفه وعدته وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: "مخيريق خير يهود".
ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى؛ يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما،
وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة، فصرخت بأعلى صوتها:
نحن جزيناكم بيوم بدر
…
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
…
ولا أخي وعمه وبكري
شفيتُ صدري وقضيت نذري
…
شفيتَ وحشي غليل صدري
وقتل من المشركين -على ما ذكر ابن إسحاق- أحد عشر رجلا من بني عبد الدار، وهم:
طلحة وأبو سعيد وعثمان: بنو أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى ومولاهم: صؤاب، وبنو طلحة المذكور: مسافع، والحارث، والجلاس، وكلاب. وأبو زيد بن عمير أخو مصعب بن عمير وابن عمه: أرطاة بن شرحبيل بن هاشم، وابن عمهم: قاسط بن شريح.
ومن بني أسد: عبد الله بن حميد بن زهير الأسدي، وسباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني أسد.
وأربعة من بني مخزوم: أخو أم سلمة: هشام بن أبي أمية بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة، وحليفهم خالد بن الأعلم.
ومن بني زهرة: أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، حليف لهم.
ومن بني جمح: أبي بن خلف، وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عمير، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا، وذلك أنه أسر يوم بدر، وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم بلا فداء لفقره، وأخذ
عليه أن لا يعين عليه، فنقض العهد وأسر يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا تمسح عارضيك
بمكة تقول خدعت محمدا مرتين وأمر به فضربت عنقه". وقيل: لم يؤسر سواه.
ومن بني عامر بن لؤي: عبيد بن جابر، وشيبة بن مالك.
وقال سليمان بن بلال، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهب، عن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة ورواه حاتم بن إسماعيل، عن عبد الأعلى -فأرسله مرة وأسنده مرة- عن أبي ذر عوض أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول -على طريقه- فوقف عليه ودعا له ثم قرأ:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]، ثم قال:"أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام".
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، وحدثنيه بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب، قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بحمزة من المثل -جدع أنف ولعب به- قال: "لولا أن تجزع صفية وتكون سنة من بعدي ما غيب حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير".
وحدثني بريدة، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم". فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما به من الجزع قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} [النحل: 126] ، إلى آخر السورة فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق، عن شيوخه الذين روى عنهم قصة أحد، أن صفية أقبلت لتنظر إلى حمزة -وهو أخوها لأبويها- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير:"القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها". فلقيها فقال: أي أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم؟ فقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فجاء الزبير فأخبره قولها، قال:"فخل سبيلها". فأتته، فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به فدفن.
وقال أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال: لما قتل حمزة أقبلت صفية فلقيت عليا والزبير فأرياها أنهما لا يدريان. فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فإني أخاف على عقلها". فوضع يده على صدرها ودعا لها، فاسترجعت وبكت ثم جاء فقام
عليه وقد مثل به فقال: "لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع". ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم سبع تكبيرات، ويرفعون ويترك حمزة، ثم يجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعا، حتى فرغ منهم.
وحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم أصح.
وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد صلاته على الميت. فالله أعلم.
عثمان بن عمر، وروح بن عبادة، بإسناد الحاكم في "المستدرك" إليهما: حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس
قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد جدع ومثل به فقال: "لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع". فكفنه في نمرة ولم يصل على أحد من الشهداء غيره
…
الحديث.
وقال يحيى الحماني: حدثنا قيس -هو ابن الربيع- عن ابن أبي ليلى، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به:"لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين منهم". فنزلت: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل نصبر يا رب". إسناده ضعيف من قبل قيس.
وقد روى نحوه حجاج بن منهال وغيره عن صالح المري -وهو ضعيف- عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة، وزاد: فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط أوجع لقلبه منه.
أخبرنا محمد بن محمد بن صاعد القاضي، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الزاهد ببيت المقدس سنة تسع وعشرين وستمائة قال: أخبرنا أحمد بن محمد السلفي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الفارسي قال: حدثنا يعقوب الفسوي قال: حدثنا عبد الله بن عثمان قال: حدثنا عيسى بن عبيد الكندي، قال: حدثني ربيع بن أنس، قال: حدثني أبو العالية عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون وأصيب من المهاجرين ستة، منهم حمزة فمثلوا بقتلاهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنربين عليهم.
فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كفوا عن القوم".
وقال يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: جاءت صفية يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن ترى حمزة على حاله، فبعث إليها الزبير يحبسها وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل من الأنصار، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة، فقال:"أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له". فأسهموا بينهما، فكفن حمزة في ثوب والأنصاري في ثوب.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد، قال:"أنا الشهيد على هؤلاء، ما من جريح يجرح في الله إلا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما، اللون لون الدم والريح ريح المسك، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر". فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر.
قال ابن إسحاق: وحدثني والدي، عن رجال من بني سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو بن حرام:"اجمعوا بينهما، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا". قال أبي: فحدثني أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء استصرخنا عليهم وقد انفجرت عليهما في قبرهما، فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما، وعلى أقدامهما
شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان كأنما دفنا بالأمس.
وهذا هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السلمي، سيد بني سلمة قال ابن سعد وغيره: شهد بدرا. وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي قطع رجل أبي جهل وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ. وكان عمرو بن الجموح زوج أخت عبد الله بن عمرو بن حرام.
ثابت البناني، عن عكرمة قال: كان مناف في بيت عمرو بن الجموح فلما قدم مصعب بن عمير المدينة بعث إليهم عمرو: ما هذا الذي جئتمونا به؟ قالوا: إن شئت جئنا وأسمعناك، فواعدهم فجاءوا فقرأ عليه:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1] فقرأ ما شاء الله أن يقرأ، فقال: إن لنا مؤامرة في قومنا -وكان سيد بني سلمة- فخرجوا، فدخل على مناف، فقال: يا مناف! تعلم والله ما يريد القوم غيرك فهل عندك من نكير؟ قال: فقلده سيفا وخرج فقام أهله فأخذوا السيف فجاء فوجدهم أخذوا السيف، فقال: يا مناف أين السيف ويحك، إن العنز لتمنع استها، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير. ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا فذهب فكسروا مناف وربطوه
مع كلب ميت. فلما جاء رأى مناف، فبعث إلى قومه فجاءوه، فقال: ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا: بلى، أنت سيدنا. قال: فإني أشهدكم أني قد آمنت بمحمد فلما كان يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض". فقام وهو أعرج، فقاتل حتى قتل.
أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عمرو بن الجموح".
وروى محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، وروى فطر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بني سلمة من سيدكم؟ قالوا: الجد بن قيس، وإنا لنبخله، قال: وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح.
وقد قال الواقدي: لم يشهد بدرا، ولما أراد الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا: قد عذرك الله وبك عرج، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال:"أما أنت فقد عذرك الله". وقال لبنيه: "لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة". فخرج فاستشهد هو وابنه خلاد.
إسرائيل عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، أن عمرو بن الجموح قال لبنيه: منعتموني الجنة يوم بدر والله لئن بقيت لأدخلن الجنة. فكان يوم أحد في الرعيل الأول.
وقال حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال: استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد وذلك حين أجرى معاوية العين فأتيناهم فأخرجناهم تتثنى أطرافهم رطابا، على رأس أربعين سنة. قال حماد: وزادني صاحب لي في الحديث: أصاب قدم حمزة فانثعب دما.
وقال ابن عيينة عن الأسود، عن نبيح العنزى، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم.
وقال أبو عوانة: حدثنا الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المشركين لقتالهم فقال لي أبي:
ما عليك أن تكون في النظارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فوالله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا، فجاء رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها فبينما أنا في خلافة معاوية، إذ جاءني رجل فقال: يا جابر، قد والله أثار أباك عمال معاوية فبدت طائفة منه قال: فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته لم يتغير منه شيء إلا ما لم يدع القتيل، فواريته.
وقال حسين المعلم، عن عطاء عن جابر، قال: لما حضر أحد قال أبي: ما أراني إلا مقتولا، وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دينا فاقض واستوص بأخواتك خيرا فأصبحنا فكان أول قتيل فدفنت معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه.
أخرجه البخاري.
وقال الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. أخرجه البخاري عن قتيبة عن الليث عنه.
وقال أيوب، عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: قالوا يوم أحد: يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر؟ قال: "احفروا
وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا".
ومنهم من يقول: حميد بن هلال، عن سعيد بن هشام بن عامر، عن أبيه.
وقال شعبة، عن ابن المنكدر: سمعت جابرا يقول: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه، وجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقال:"لا تبكيه -أو- ما تبكيه، فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه". أخرجاه.
وأخرج البخاري من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد.
وقال علي بن المديني: حدثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري، سمع طلحة بن خراش، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: نظر إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما لي أراك مهتما"؟. قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا، فقال:"ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا، فقال له: يا عبدي سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال يا رب فأبلغ من ورائي". فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] .
ويروى نحوه عن عروة، عن عائشة.
وكان أبو جابر من سادة الأنصار شهد بدرا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وأمه الرباب بنت قيس من بني سلمة شهد معه العقبة ولده جابر.
وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه، عن جده، قال: أتي ابن عوف بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير -وكان خيرا مني- فلم يوجد له إلا بردة يكفن فيها، ما أظننا إلا قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا. أخرجه البخاري.
وقال الأعمش عن أبي وائل عن خباب قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله فمنا من ذهب لم يأكل من أجره، وكان منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، ولم يكن له إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر". ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. متفق عليه.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: كانت امرأة من الأنصار من بني دينار قد أصيب زوجها وأخوها يوم أحد فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرا، يا أم فلان. فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشاروا لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك
جلل؛ أي: هين. ويكون في غير ذا بمعنى عظيم.
وعن أبي برزة أن جليبيبا كان من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل: "زوجني ابنتك" قال: نعم ونعمة عين. قال: "لست أريده لنفسي" قال: فلمن؟ قال: "لجليبيب" قال: حتى أستأمر أمها. فأتاها فأجابت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنما يريد ابنتك لجليبيب. قالت: ألجليبيب؟ لا لعمر الله لا أزوجه فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني؟ قالا: رسول الله. قالت: أفتردون عليه أمره؟ ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شأنك بها فزوجها جليبيبا، ودعا لهما. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال:"هل تفقدون من أحد"؟. قالوا: نفقد فلانا ونفقد فلانا قال: "لكني أفقد جليبيبا". فاطلبوه، فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا مني وأنا منه قتل سبعة ثم قتلوه". فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له، ماله سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره. قال ثابت البناني: فما في الأنصار أنفق منها.
أخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نعيم، عن أبي برزة.
وقال الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169]، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.
قال: فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: سلوني ما شئتم. فقالوا: يا ربنا وما نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟ فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا. قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك.
فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا، تركوا. أخرجه مسلم.
وقال عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزلت: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] ".
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر أصحاب أحد: "أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب نحص الجبل". يقول: قتلت معهم.
وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال:"إني فرطكم وأنا شهيد عليكم"