الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر غزوة بدر: من مغازي موسى بن عقبة فإنها من أصح المغازي
قد قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثني مطرف ومعن وغيرهما أن مالكا إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصح المغازي.
قال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب "ح" وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة -وهذا لفظه- عن عمه موسى بن عقبة، قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين، ثم أقبل أبو سفيان في عير لقريش، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش؛ منهم: مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، وكانوا تجارا بالشام، ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال: كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقية فما فوقها إلا بعثوا بها مع أبي سفيان؛ إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك تخلف عن بدر فلم يشهدها. فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك، فبعث عدي ابن أبي الزغباء الأنصاري، وبسبس بن عمرو، إلى العير، عينا له، فسارا، حتى أتيا حيا من جهينة، قريبا من ساحل البحر، فسألوهم عن العير، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير، في رمضان.
قدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من المسلمين، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين، فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيريهما. ففته فوجد النوى فقال: هذه علائف أهل يثرب.
فأسرع وبعث رجلا من بني غفار يقال له، ضمضم بن عمرو، إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه. وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم؛ فذكر رؤيا عاتكة،
إلى أن قال: فقدم ضمضم فصاح: يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان. ففزعوا، وأشفقوا من رؤيا عاتكة، ونفروا على كل صعب وذلول، وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا؟
فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقوا مائة فرس، ولم يتركوا كارها للخروج. فأشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وأخاه عقيلا، إلى أن نزلوا الجحفة.
فوضع جهيم بن الصلت بن مخرمة المطلبي رأسه فأغفى، ثم نزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا. قالوا: لا، إنك مجنون فقال: قد وقف عليَّ فارس فقال: قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف، فعد جماعة. فقالوا: إنما لعب بك الشيطان. فرفع حديثه إلى أبي جهل، فقال: قد جئتمونا بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم، سترون غدا من يقتل.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العير، فسلك على نقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع، فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر
رجلا، وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا. وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام.
فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد.
وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، ليس مع الثلاثة إلا بعير واحد فساروا، حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة، فسألوه عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به. فقالوا: سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. وأشاروا إليه فقال له: أنت رسول الله؟ قال: "نعم". قال: إن كنت رسول الله فحدثني بما في بطن ناقتي هذه فغضب سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري، فقال: وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه.
ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علينا. فقال أبو بكر: أنا أعلم بمسافة الأرض، أخبرنا عدي بن أبي الزغباء: أن العير كانت بوادي كذا.
وقال عمر: يا رسول الله، إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك، فتأهب لذلك.
فقال: "أشيروا عليَّ".
قال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون.
فقال: "أشيروا عليَّ".
فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه، أو قال: أن لا يستجلبوا معه على ما يريد، فقال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك، ولا يرونها حقا عليهم، إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركته علينا، فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن لسرنا معك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على اسم الله عز وجل فإني قد أريت مصارع القوم. فعمد لبدر.
وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر، وأحرز ما معه، فأرسل إلى قريش، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة، فأبوا وعصوه، فرجع ببني زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى شيء من بدر، ثم بعث عليا والزبير وجماعة يكشفون الخبر، فوجدوا وارد قريش عند القليب، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير، فطفقا يحدثانهم عن قريش، فضربوهما. وذكر الحديث، إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا عليَّ في المنزل.
فقام الحباب بن المنذر السلمي: أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها؛
إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة، فتنزل عليها وتسبق القوم إليها ونغوِّر ما سواها.
فقال: سيروا، فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين.
فوقع في قلوب ناس كثير الخوف، فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا؛ فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم الأرض، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل، فاقتحم القوم في القليب فماحوها حتى كثر ماؤها، وصنعوا حوضا عظيما، ثم غوروا ما سواه من المياه.
ويقال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان؛ على أحدهما: مصعب بن عمير، وعلى الآخر: سعد بن خيثمة. ومرة الزبير بن العوام، والمقداد.
ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض، فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما زعموا:"اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك". واستنصر المسلمون الله واستغاثوه، فاستجاب الله لهم.
فنزل المشركون وتعبئوا للقتال، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم.
قال: فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت؟ قال: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس وتحمل دية بن الحضرمي، وبما أصاب محمد في تلك العير، فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذا. قال عتبة: نعم قد فعلت، ونعما قلت،
فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك.
وركب عتبة جملا له، فسار عليه في صفوف المشركين فقال: يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل؛ فإن كان كاذبا ولى قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحنا وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبيا لم تقتلوا النبي فتسبوا بهز ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادكم، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم.
فحسده أبو جهل على مقالته: وأبى الله إلا أن ينفذ أمره، وعتبة يومئذ سيد المشركين.
فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي -وهو أخو المقتول- فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معهن وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم وقال لعتبة: انتفخ سحرك. وأمر النساء أن يعولن عمرا، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه؛ تحريضا على القتال.
وقام رجال فتكشفوا؛ يعيرون بذلك قريشا، فأخذت قريش مصافها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال: فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري، فإنه أبى أن يستأسر، فذكروا له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر، فأبى. ويزعم ناس أن
أبا اليسر قتل أبا البختري، ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. بل قتله أبو داود المازني.
قال: ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا، بينه وبين المعركة غير كثير، مقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا، وهو منكب ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه، وأبو جهل مقنع بالحديد، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحا، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا، فأتاه من ورائه، فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا، وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك ضرب الملائكة.
قال: وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين، فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر. وكان ذلك يوم الفرقان؛ يوم فرق الله بين الشرك والإيمان.
وقالت اليهود: تيقنا أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة، والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت.
وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح بمكة شهرا.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فدخل من ثنية الوداع.
ونزل القرآن فعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقال:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] ، وثلاث آيات معها.
ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها.
وقال رجال ممن أسر: يا رسول الله، إنا كنا مسلمين، وإنما أخرجنا كرها، فعلام يؤخذ منا الفداء؟ فنزلت:{قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70] .
حذفت من هذه القصة كثيرا مما سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدم.
وقد ذكر هذه القصة -بنحو قول موسى بن عقبة- ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري، وزاد يسيرا.
وقال هو وابن عقبة: إن عدد من قتل من المسلمين ستة من قريش، وثمانية من الأنصار.
وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا، وأسر تسعة وثلاثون رجلا. كذا قالا.
وقال ابن إسحاق: استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا.
وقال الزهري عن عروة: هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر مثل ذلك.
ويشهد لهذا القول حديث البراء الذي في البخاري؛ قال:
أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة؛ سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، وأصابوا منا يوم أحد سبعين.
وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقية أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة على العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة. قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه.
وقال عبدان بن عثمان: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن -رجل من أهل صنعاء- قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت، عليه خلقان جالس على التراب. قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فقال: أبشركم بما يسركم؛ إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي -رجل من بني ضمرة- إبله. فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أن حقا على عباد الله أن يحدثوا تواضعا عندما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت له هذا التواضع.
ذكر مثل هذه الحكاية الواقدي في مغازيه بلا سند.
في غنائم بدر والأسرى:
قال خالد الطحان، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا". قال: فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات. فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءا لكم، لو انهزمتم، فئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى. فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، فأنزل الله -تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} إلى قوله: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 1-5]، يقول: فكان ذلك خيرا لهم. فكذلك أيضا: أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم. أخرجه أبو داود.
ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده. وقال: فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء.
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر.
وقال عمر بن يونس: حدثني عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني عمر قال: لما كان يوم بدر، فذكر القصة.
قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترون في هؤلاء"؟. فقال أبو بكر: هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم
فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ترى يابن الخطاب"؟. قلت: لا والله يا رسول الله لا أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم؛ فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان؛ نسيب لعمر؛ فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت: فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكيان، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما. فقال:"أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة"؛ شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 67-69] ، فأحل الله لهم الغنيمة. أخرجه مسلم.
وقال جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: لما كان يوم بدر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى"؟. فقال عبد الله بن رواحة: أنت في واد كثير الحطب فأضرم نارا ثم ألقهم فيها. فقال العباس: قطع الله رحمك. فقال عمر: قادتهم ورءوسهم قاتلوك وكذبوك، فاضرب أعناقهم. فقال أبو بكر: عشيرتك وقومك.
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته. فقالت طائفة: القول ما قال عمر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما تقولون في هؤلاء إن مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم؛ قال نوح: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِن
َ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، وقال موسى:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88]، وقال إبراهيم:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقال عيسى:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية، وأنتم قوم بكم عيلة، فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو بضربة عنق". فقلت: إلا سهيل بن بيضاء فإنه لا يقتل، قد سمعته يتكلم بالإسلام. فسكت، فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله عليَّ حجارة من السماء
من يومي ذلك، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إلا سهيل بن بيضاء".
وقال ابن إسحاق، عن البراء أو غيره، قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس: ليس هذا أسرني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد آزرك الله بملك كريم".
وقال ابن إسحاق: حدثني من سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو السلمي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كيف أسرته"؟. فقال: لقد أغلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد، هيئته كذا وكذا. فقال:"لقد أعانك عليه ملك كريم". وقال للعباس: "افد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث". فأبى وقال: إني
كنت مسلما وإنما استكرهوني. قال: "الله أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك".
وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهبا، فقال: يا رسول الله احسبها لي من فدائي. قال:
"لا، ذاك شيء أعطانا الله منك".
وقال عبد العزيز بن عمران الزهري، وهو ضعيف: حدثني محمد بن
موسى، عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر، عن أبيه، عن جده قال: نظرت إلى العباس يوم بدر، وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان، فقلت: جزاك الله من ذي رحم شرا، تقاتل ابن أخيك مع عدوه؟ قال: ما فعل، أقتل؟ قلت: الله أعز له وأنصر من ذلك. قال: ما تريد إليَّ؟ قلت: إسار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك. قال: ليست بأول صلته. فأسرته.
وروى ابن إسحاق، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: فبعثت قريش في فداء أسراهم. وقال العباس: إني كنت مسلما. فنزل فيه: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70]، قال العباس: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من المغفرة.
وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة، عن علي، وبعضهم يرسله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر: "إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم".
وكان آخر السبعين ثابت بن قيس، قتل يوم اليمامة.
هذا الحديث داخل في معجزاته صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد، فكان كما قال.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني نبيه بن وهب العبدري، قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فرقهم على المسلمين، وقال:"استوصوا بهم خيرا". قال نبيه: فسمعت من يذكر عن أبي عزيز، قال: كنت في الأسارى يوم بدر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"استوصوا بالأسارى خيرا". فإن كان ليقدم إليهم الطعام فما تقع
بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلى أسيره، ويأكلون التمر. فكنت أستحيي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الذي رمى بها إليَّ، فيرمي بها إليَّ.
أبو عزيز هو أخو مصعب بن عمير، يقال: إنه أسلم. وقال ابن الكلبي وغيره: إنه قتل يوم أحد كافرا.
وعن ابن عباس، قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة.
أخرجه أبو داود من حديث شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشعثاء عنه.
وقال أسباط، عن إسماعيل السدي: كان فداء أهل بدر: العباس، وعقيل ابن أخيه، ونوفل، كل رجل أربعمائة دينار.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"إني قد عرفت أن ناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا منهم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها". فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب:"يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف"؟. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة بعد يقول: والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال منها خائفا، إلا أن يكفرها الله عني بشهادة. فاستشهد يوم اليمامة.
قال ابن إسحاق: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.
وكان العباس أكثر الأسرى فداء لكونه موسرا، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب.
وقال ابن شهاب: حدثني أنس أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا فداءه. فقال: "لا والله لا تذرن درهما". أخرجه البخاري.
وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالوا: يا رسول الله، بعدما فرغ من بدر، عليك بالعير ليس دونها شيء. فقال العباس وهو في وثاقه: لا يصلح. قال: "ولِمَ"؟. قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك.
وقد ذكر إرسال زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادتها في فداء أبي العاص زوجها، رضي الله عنهما.
وقال سعيد بن أبي مريم: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا ابن الهاد، قال: حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة -أو ابن كنانة- فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها وأهريقت دما. فتحملت فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية. فقالت بنو أمية: نحن أحق بها. وكانت تحت أبي العاص، فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة، وكانت تقول لها هند: ها من سبب أبيك.
قالت: فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "ألا تنطلق فتأتي بزينب"! فقال: بلى يا رسول الله قال: "فخذ خاتمي فأعطها إياه". فانطلق زيد، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال له: لمن ترعى؟ قال: لأبي العاص قال: فلمن هذه الغنم؟ قال: لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه، ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم فأعطاه الخاتم وانطلق الراعي حتى داخل فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم، فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا. فسكتت، حتى إذا كان الليل خرجت إليه فقال لها: اركبي بين يدي على بعيره. فقالت: لا، ولكن اركب أنت بين يدي. وركبت وراءه حتى أتت المدينة.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي أفضل بناتي، أصيبت فيَّ".
قال: فبلغ ذلك علي بن الحسين، فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تنتقص به فاطمة؟ فقال عروة: والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأني أتنقص فاطمة حقا هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدثه أبدا.
أسماء من شهد بدرا:
جمعها الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد في جزء كبير. فذكر من أجمع عليه ومن اختلف فيه من البدريين، ورتبهم على حروف المعجم. فبلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة وثلاثين رجلا. وإنما وقعت هذه الزيادة في عددهم من جهة الاختلاف في بعضهم.
وقد جاء في فضلهم حديث سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرث الغنوي، والزبير، والمقداد، وكلنا فارس، فقال:"انطلقوا حتى تأتو روضة خاخ". وهو موضع بين مكة والمدينة فذكرت الحديث، ومكاتبة حاطب بن أبي بلتعة قريشا، قال عمر: دعني أضرب عنقه فقد خان الله ورسوله. فقال:
"أليس هو من أهل بدر؟ وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم". فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. متفق عليه.
وقال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكوه فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال: "كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية". أخرجه مسلم.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي -وكان أبوه بدريا- أنه كان يقول لابنه: ما أحب أني شهدت بدرا ولم أشهد العقبة قال: سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أهل بدر فيكم؟ قال: "خيارنا". قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة. أخرجه البخاري.
ذكر طائفة من أعيان البدريين:
أبو بكر، وعمر، وعلي، واحتبس عنها عثمان يمرض زوجته رقية
بنت النبي صلى الله عليه وسلم فتوفيت في العشر الأخير من رمضان يوم قدوم المسلمين المدينة من بدر، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
ومن البدريين: سعد بن أبي وقاص وأما سعيد بن زيد، وطلحة بن عبيد الله فكانا بالشام فقدما بعد بدر وأسهم لهما النبي صلى الله عليه وسلم.
الزبير بن العوام، أبو عبيدة بن الجراح، عبد الرحمن بن عوف، حمزة بن عبد المطلب،
زيد بن حارثة، عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخواه: الطفيل، والحصين، وابن عمه: مسطح بن أثاثه بن عباد بن المطلب، وأربعتهم لم يعقبوا، مصعب بن عمير العبدري، المقداد بن الأسود، عبد الله بن مسعود، صهيب بن سنان، أبو سلمة بن عبد الأسد، عمار بن ياسر، زيد بن الخطاب أخو عمر.
ومن أعيان الأنصار، من الأوس: سعد بن معاذ.
ومن بني عبد الأشهل: عباد بن بشر، محمد بن مسلمة أبو الهيثم بن التيهان.
ومن بني ظفر: قتادة بن النعمان.
ومن بني عمرو بن عوف: مبشر بن عبد المنذر، وأخوه: رفاعة. ولم يحضرها أخوهما أبو لبابة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رده فاستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره.
ومن بني النجار:
أبو أيوب خالد بن زيد، عوف، ومعوذ، ومعاذ، بنو الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن عوف، وهم بنو عفراء، أبي بن كعب، أبو طلحة زيد بن سهل، بلال مولى أبي بكر، عبادة بن الصامت، معاذ بن جبل الخزرجي، عاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح، عتبان بن مالك الخزرجي، عكاشة بن محصن، كعب بن عمرو أبو اليسر السلمي، معاذ بن عمرو بن الجموح حشرنا الله في زمرتهم وقد ذكرنا من استشهد منهم.
وقتل من المشركين:
حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، وعبيد بن سعيد بن العاص، وأخوه: العاص، وعتبة، وشيبة، ابنا ربيعة، وولد عتبة: الوليد، وعقبة بن أبي معيط، قتل صبرا، والحارث بن عامر النوفلي، وابن عمه طعيمة بن عدي، وزمعة بن الأسود، وابنه: الحارث، وأخوه: عقيل، وأبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد -واسمه العاص- ونوفل بن خويلد أخو خديجة، والنضر بن الحارث، قتل صبرا بعد يومين، وعمير بن عثمان التيمي عم طلحة بن عبيد الله، وأبو جهل، وأخوه: العاص بن هشام، ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد، والسائب بن أبي السائب المخزوم، وقيل: لم يقتل، بل أسلم بعد ذلك، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي، وولدا منبه: الحارث والعاص، وأمية بن خلف الجمحي، وابنه: علي.
وذكر ابن إسحاق وغيره سائر المقتولين، وكذا سمى الذين أسروا. تركتهم خوفا من التطويل.
وفي رمضان: فرض الله صوم رمضان، ونسخ فرضية يوم عاشوراء. وفي آخره: فرضت الفطرة.
وفي شوال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، وهي بنت تسع سنين.
وفي صفر: توفي أبو جبير المطعم بن عدي بن نوفل -ونوفل هو أخو هاشم بن عبد مناف بن قصي- توفي مشركا عن سن عالية، وكان من عقلاء قريش وأشرافهم. وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو كان المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء النتن لأجبته". وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد، لأنه قام في نقض الصحيفة.
وفيها توفي أبو السائب عثمان بن مظعون رضي الله عنه ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي، بعد بدر بيسير. وقد شهدها هو وأخواه: قدامة، وعبد الله.
وعثمان هذا أحد السابقين، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ولما قدم أجاره الوليد بن المغيرة أياما. ثم رد على الوليد جواره. وكان صواما قواما قانتا لله.
وفيها: توفي أبو سلمة "ت ق" عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم رضي الله عنه مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وأمه برة بنت عبد المطلب. من السابقين الأولين، شهد بدرا، وتزوجت أم سلمة بعده بالنبي صلى الله عليه وسلم، وروت عنه القول عند المصيبة، وقيل: توفي سنة ثلاث بعد أحد أو قبلها.
وفيها: ولد عبد الله بن الزبير، بالمدينة، والمسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: بمكة.
قصة النجاشي: من السيرة
ثم إن قريشا قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة، فانتدب إليها عمرو بن العاص، وابن أبي ربيعة.
قال الزهري: بلغني أن مخرجهما كان بعد وقعة بدر.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مخرجهما، بعث عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي.
وقال سعيد بن المسيب وغيره: فبعث الكفار مع عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي
ربيعة للنجاشي، ولعظماء الحبشة هدايا فلما قدما على النجاشي قبل الهدايا، وأجلس عمرو بن العاص على سريره. فكلم النجاشي فقال: إن بأرضكم رجالا منا ليسوا على دينك ولا على ديننا، فادفعهم إلينا. فقال عظماء الحبشة للنجاشي: صدق، فادفعهم إليه فقال: حتى أكلمهم.
وقال الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، قالت: نزلنا الحبشة، فجاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله عز وجل لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريش ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي مع رجلين بما يستطرف من مكة. وكان من أعجب ما يأتيه منها: الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا بطريقا عنده إلا أهدوا له. وبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص وقالوا: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي
فقدما، وقالا لكل بطريق: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، خالفوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم. وقد بعثنا أشرافنا إلى الملك ليردهم، فإذا كلمناه فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا. فقالوا: نعم.
ثم قربا هداياهما إلى النجاشي فقبلها، فكلماه فقالت بطارقته: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فغضب النجاشي، ثم قال: لاها الله أبدا، لا أرسلهم إليهم. قوم جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولون.
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاء رسوله اجتمعوا، وقال بعضهم لبعض: ما تقولون إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا الله، وأمرنا به نبينا، كائن في ذلك ما كان، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته ونشروا مصاحفهم حوله سألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل.
قالت: فكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنعبده وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله
ولا نشرك به شيئا،
وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعد أمور الإسلام. قال: فصدقناه واتبعناه، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك.
قال: فهل معك شيء مما جاء به عن الله؟ قال جعفر: نعم فقرأ: {كهيعص} .
قالت: فبكى النجاشي وأساقفته حتى أخضلوا لحاهم، حين سمعوا القرآن.
فقال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا.
قالت: فلما خرجنا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما أستاصل به خضراءهم. فقال له ابن أبي ربيعة؛ وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: فوالله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد.
قالت: ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إلينا ليسألنا. قالت: ولم ينزل بنا مثلها.
فقال: ما تقولون في عيسى؟
فقال جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، وأخذ منها عودا، وقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار.
قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم
والله ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهوا آمنين. ما أحب أن لي دبر ذهب، وأني آذيت واحدا منكم -والدبر بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هديتهما، فلا حاجة لنا فيها، فوالله ما أخذ الله فيَّ الرشوة فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.
قالت: فوالله إنا لعلى ذلك، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا
حزنا قط أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر عليه من لا يعرف حقنا. فسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل.
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا؟ فقال الزبير بن العوام: أنا أخرج. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، وسبح عليها إلى الناحية التي فيها الوقعة، ودعونا الله للنجاشي، فوالله إنا لعلى ذلك، متوقعون لما هو كائن، إذ طلع علينا الزبير يسعى ويلوح بثوبه: ألا أبشروا، فقد ظهر النجاشي، وأهلك الله عدوه فوالله ما علمنا فرحة مثلها قط.
ورجع النجاشي سالما، واستوسق له أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
أخرجه أبو داود من حديث ابن إسحاق عن الزهري.
وهؤلاء قدموا مكة، ثم هاجروا إلى المدينة، وبقي جعفر وطائفة بالحبشة إلى عام خيبر.
وقد قيل إن إرسال قريش إلى النجاشي كان مرتين، وأن المرة الثانية كان مع عمرو: عمارة بن الوليد المخزومي أخو خالد ذكر ذلك
ابن إسحاق أيضا وذكر ما دار لعمرو بن العاص مع عمارة بن الوليد من رميه إياه في البحر، وسعي عمرو به إلى النجاشي في وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله. فتبرر ولزم البرية، وهام، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه فمات.
وقال ابن إسحاق، قال الزهري: حدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر عن أم سلمة، فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه؟ قلت: لا. قال: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، لم يكن له ولد إلا النجاشي. وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلا، وكانوا أهل بيت
مملكة الحبشة. فقالت الحبشة: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده، ولبقيت الحبشة دهرا. قالت: فقتلوه وملكوا أخاه. فنشأ النجاشي مع عمه وكان لبيبا حازما، فغلب على أمر عمه. فلما رأت الحبشة ذلك قالت: إنا نتخوف أن يملكه بعده، ولئن ملك ليقتلنا بأبيه فشموا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا فقال: ويلكم! قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم؟ بل أخرجه قال: فخرجوا به فباعوه من تاجر بستمائة درهم فانطلق به في سفينة فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو محمق ليس في ولده خير فمرج
على الحبشة أمرهم وضاق عليهم ما هم فيه. فقال بعضهم لبعض: تعلموا، والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم قال: فخرجوا في طلبه وطلب الذي باعوه منه، حتى أدركوه فأخذوه منه. ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سرير الملك فجاء التاجر فقال: إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك فقالوا: لا نعطيك شيئا قال: إذن والله أكلمه قالوا: فدونك. فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم حتى إذا سرت به أدركوني فأخذوه ومنعوني دراهمي فقال النجاشي: لتعطنه غلامه أو دراهمه. قالوا: بل نعطيه دراهمه.
قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين رد عليَّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه.
وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله.
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور.
قال: وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا، وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا، وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب: هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته.
ثم جعله في قبائه وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا
معشر الحبشة، ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة. قال: فما
بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون أنتم؟ قالوا: هو ابن الله فوضع يده على صدره، على قبائه، وقال: هو يشهد أن عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئا. وإنما يعني على ما كتب. فرضوا وانصرفوا.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات صلى عليه واستغفر له رضي الله عنه وإنما ذكرنا بعد بدر استطرادا، والله أعلم.
سرية عمير بن عدي الخطمي:
ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه لخمس بقين من رمضان، إلى عصماء بنت مروان، من بني أمية بن زيد، وكانت تعيب الإسلام، وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول الشعر، فجاءها عمير بالليل فقتلها غيلة.
غزوة بني سليم:
قال ابن إسحاق: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم، منصرفه عن بدر بالمدينة، إلا سبعة أيام. ثم خرج بنفسه يريد بني سليم، واستخلف على المدينة سباع عرفطة الغفاري، وقيل: ابن أم مكتوم. فبلغ ماء يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاثا، ثم انصرف، ولم يلق أحدا.