الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمع التكسير
أفْعِلّةٌ أفعُلُ ثم فِعْلَهْ ثُمَّتَ أفعالٌ جموعُ قِلَهْ
وبعضُ ذي بكثرةٍ وضعاً يفي كأرجلٍ والعكسُ جاء كالصُّفي
لما كانت الجموع على قسمين: جمع سلامةٍ، وجمع تسيرٍ، وجمع السلامة: ما سَلِمَ فيه بناء الواحد. وهو قسمان: جمعٌ بالواو والنون، وجمعٌ بالألف والتاء، وأتمَّ الكلامَ على حكمهما - أخَذَ في ذكر الجمع المكسَّر، وهو الباقي قسمي الجع.
وجمع التكسير: ما تغير فيه بناء الإسم تغيُّراً (1) يدل على أنك تريد مما يدل عليه ذلك الاسم دلالة واحدة ثلاثة فأكثر، أو ما أصله ذلك، لكن استعمل في أقلَّ من الثلاثة مجازاً. ولما كان بناء الاسم يتغير فيه عن حاله بخلاف جمع السلامة سمي تكسيراً تشبيهاً بتكسير الآنية (2)، كما قال الفارسي (3).
وهذا التغيير على سبعة أقسام: تغييرٌ بزيادةٍ وتبدُّلِ شكلٍ نحو:
(1) في (أ): تغييراً.
(2)
في الأصل: الأبنية.
(3)
التكملة: 147.
(جمل و)(1) جمال، أو بنقص وتبدلِ شكل نحو: رغيف ورُغُفان، أو بزيادة مجردة نحو: صِنو وصِنوان، أو بنقص مجرد نحو: تُخَمَة وتُخَم، أو بتبدل شكلٍ وحده لكن لفظاً نحو: وَرْدٍ وورُدْ (2)، أو بتبدلٍ وحده في النية نحو: فُلْكٍ في نحو قوله تعالى: {في الفلك المشحون} (3)، وفلك في نحو قوله تعالى:{حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} (4). وهذا على جهة التقريب، وإلا فالبِنيةُ هي المحوَّلة (5) من أصلها، ولم تجمع مثلاً فُعلاً على فُعْلٍ بأن غيَّرت حركة الفاء فقط، بل أزالت (6) البناءَ بجملته وصيرتْهُ إلى بناء آخر مستقلاً / بنفسه.
ولما كانت جموع التكسير على نوعين، أحدهما: ما كان جمع يرادُ به العشرة فما دونها، والثاني جمع كثرة يرادُ به ما فوق ذلك_ أراد أن يبيِّنَ (ذلك) (7) على عادة النحويين في أمثال هذا فقال:
أفعلةٌ أفعُلُ ثم فِعْلَهْ
(1) سقط من الأصل، و (أ).
(2)
الوَرْدُ من الخيل بين الكميت والأشقر، ويجمع على وُرْدٍ.
(3)
من الآية: 41 من سورة يس.
(4)
من الآية: 22 من سورة يونس.
(5)
في الأصل و (أ): المحولة.
(6)
كذا في النسخ. وفي العربية ما يحمل عليه مثل هذا، الضمير عائد على العرب.
(7)
عن (أ) و (س).
إلى آخره، يعني أن هذه الأبنية الأربعة من أبنية التكسير جموع اختصت بالقلة، يعني في الأصل، فلا تطلق بحكم الأصل إلا على العشرة فما دونها، فتقول في جمع بُرْد إذا أردت القلة: أبراد. وفي جمع عَبد إذا أردت القلة: أعْبُد. وجمع بناءٍ: أبنية. وفي جمع فتىً: فتية. وكأنَّ العرب أرادت التفرقة بين البابين كما فرقوا بين التثنية وبين ما يراد به أكثر من ذلك؛ وذلك لأن (1) التثنية أول الأعداد، لأن الواحد ليس بعدد (2)، فخصُّوه ببنية لا تكون لغيره من الجموع، لأن التثنية في المعنى جمع، فكذلك لما كانت العشرة أول العقود خصوها وآحادها بأبنية، وهي هذه الأربعة، خصوا اثنين منها في الأكثر بالثلاثية، وهما أفعُلٌ وأفعال، وخصوا الباقِييم بالمزيد (3)، وهما أفعِلة وفِعْلَة، وهذا في الأكثر أيضاً، وإلا فالجميع قد يستعمل للكثرة، كما سيأتي إثر هذا إن شاء الله. فلا يُعنَى بأنها للقلة أن ذلك لازمٌ فيها،
(1)(س): أنَّ.
(2)
في تاج العروس مادة (عدد): "العدد هو الكمية المتألفة من الوحدات، فيختص بالمتعدد في ذاته، وعلى هذا فالواحد ليس بعدد؛ لأنه غير متعدد؛ إذ التعدد الكثرة. وقال النحاة: الواحد من العدد؛ لأنه الأصل المبني منه، ويبعد أن يكون أصل الشيء ليس منه، ولأن له كمية في نفسه، فإنه إذا قيل: كم عندك؟ صح أن يقال في الجواب: واحدٌ، كما يقال: ثلاثة وغيرها".
(3)
أي: ما كان من المفردات على ثلاثة أحرف. والمراد بالمزيد ما زاد على الثلاثة. وسيأتي تفصيل ذلك في الشرح.
وأن ما عداها لازمٌ للكثير، فإن كلام العرب جاء فيه وضع القليل موضع الكثير وبالعكس.
فإن قلت: فما فائدة التنبيه على هذه المسألة إذا كان (1) الأمران جائزين في النوعين؟
فالجواب: أن فائدته ألا يخرج عن الوضع الأكثري (2) الأول إلا أن تخرجه العرب، فتتبعها (3) حتى إذا لم تجد لها فيه عملاً أعملت كلاً في موضعه؛ لأن الغالب في الاستعمال أن تستعمل هذه الأربعة في القلة وما عداها في الكثرة، وأيضاً فللأحكام (4) أُخَرَ لفظية، سيأتي ذكرها.
واقتصر الناظم على ذكر هذه الأبنية الأربعة في جموع القلة فلم يذكر معها غيرها، فدل على أن مذهبه في فُعَل وفِعَل وفِعَلة نحو: ظُلَم ونِعَم وقِرَرَة [قردة] أنها جموع كثرة كما يقوله الجمهور، لا جموع قلة كما يقوله الفراء. وسكت أيضا عن ذكر الجمعين السالمين، وهما عند
(1) في (أ): كانت جائزان، ورسم فوقها: كذا. وفي (س): كانت الأمران.
(2)
في (س): الأكثر في الأول.
(3)
في (س): فنتبعها حتى إذا لم نجد
…
أعملت.
(4)
في (س): فالأحكام.
(5)
نقل ذلك عن ابن الدهان كما في شرح الأشموني 4/ 121 وانظر التسهيل 268.
سيبويه والمحققين جمعا قلة في أصل الوضع، فلم ينبه فيهما على شيء، إما لأنه قصد السكوت عنها؛ إذ ليس بضروري ذكر ذلك في باب التكسير، وإما لظهور مذهب غير سيبويه عنده، وذلك أن طائفة تزعم أن جمعي السلامة يستعملان في القلة والكثرة، وهو رأي ابن خروف.
ومن استعمالها في الكثرة قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى آخر الآية، وذلك في القرآن كثير، ومن عادة المؤلف الأخذ بالظاهر في أمثال هذه الأشياء، فلعلهما عنده كذلك، والأظهر عنده مذهب سيبويه في المسألة، قال ابن الضائع: هو أضبط لما ينقل. واعتذر عما جاء منه للكثرة بأن كثيرا من الأسماء لا سيما الصفات يقتصر فيها على جمع السلامة، وحملت الأسماء عليها للأنس بذلك فيها، ولذلك قال:{وهم في الغرفات آمنون} ، وفي شعر حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وقد اعترضه التابغة فقال: لقد قللتَ جفانك وأسيافك؟ ! فقال: من كلامنا وضعُ القليل موضع الكثير. وكلا الكلامين دليلٌ على مذهب سيبويه، والتطويلُ في هذا خارج عما نحن بسبيله.
وأما فعَل وفِعَل وفِعلة فالصحيح فيها - والله أعلم - مذهب الجماعة؛ لوجود الدليل على ذلك دون الأبنية الأربعة.
فإن قيل: ما الدليل على أن هذه الأبنية الأربعة موضوعة للقلة، وأنها المقتصر بها من جموع التكسير على ذلك؟
فالجواب: أنهم استدلوا على ذلك بأمرين:
أحدهما: تصغير هذه الأبنية على ألفاظها دون سائر أبنية الجموع فقالوا في أثواب: أثياب، وفي أكلب: أكليب، وفي أرغفة: أريغفة، وفي غلمة: غليمة، فصغروها على ألفاظها، والجموع التي بخلافها لا تصغر كذلك على ألفاظها، وإنما ترد إلى الواحد، وما ذلك إلا أن تصغير الجمع بدل على التقليل، فهذه الأبنية المذكورة لما لم تناقض التصغير دل على مناسبتها له، بخلاف سائر أبنية الجمع التي تدل على الكثرة لما كانت مناقضة للتصغير لم يصغروها. وأيضاً
فإن تكسيرها جائز كالآحاد، فلولا تقاربها منها لما كانت كذلك.
وثانيهما: أنه إذا كان للكلمة جمعان، جمع مما ذكر، وجمع من غيره، ثم أردنا أن نفسر بها العدد من ثلاثة إلى عشرة، لم نفسره في أكثر الكلام إلا بجمع من الجموع المذكورة دون سائر الجموع، فدل على أنها عندهم موضوعة للقليل دون الكثير، وأن / غيرها على العكس منها، إذ لو ساوت غيرها لكانت مساوية لها في التفسير للعدد القليل، فإذا لو كانت فِعل وفُعل وفِعلة كما قاله الفراء لصُغرت على ألفاظها، ولَفُسِّرَ بها العدد من ثلاثة إلى عشرة، فأن لم يفعلوا ذلك دليل على صحة ما ذهب إليه الناظم والجماعة، وهذا ظاهر.
ثم أخذ يستدرك في هذه الأبنية حكماً لا بد من ذكره، وهو مجيئها للكثرة في بعض المواضع، كما أن جموع الكثرة قد يأتي بعضها مراداً به القلة فقال:
وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي
يعني أن هذه الأبنية الأربعة لا يقتصر فيها على القلة البتة حتى لا يجوز استعمالها لغيرها، بل يأتي بعضها دالاً على الكثرة وضعاً وإن كان الأصل فيه القلة، وأراد بالوضع الاستغناء به عن وضع جمع الكثرة كأرجل الممثل به، وهو جمع رجل، فإن العرب اقتصرت في جمعه على أفعل في القلة والكثرة، فلم تستعمل فيها غيره. ومثله كفٌّ وأكُفٌّ، ورَسَنٌ وأرسان، وشبه ذلك. وقد يطرد هذا في بعض الأبنية كفعل وفُعُل وفَعِل وفِعَال المعتل اللام أو المضاعف نحو: عنب وأعناب، وطنب وأطناب، وكتف وأكتاف، وبناء وأبنية، وعنان وأعنة. فإن العرب اقتصرت في هذه الأبنية على جمع القلة فلم تضع لها بناء كثرة.
وأما مجيء بعض أبنية الكثرة للقلة فنبه عليه بقوله:
والعكسُ جاء كالصفي
يعني أنه قد جاء من كلام العرب عكس ما تقدم من الحكم، وهو أن بعض أبنية الكثرة قد يفي بالقلة وضعاً، أي: يجيء دالاً على القلة، وحقيقة العكس أن تقول: وبعض جموع الكثرة قد يفي بالقلة، لأن قوله:"وبعض ذي" في تقدير: وبعض ما وضع للقلة قد
يفي بكثرة، فـ "ذي" إشارة إلى جموع القلة، وفي قوله:"وبعض ذي" تنبيه على أنه لا يلتزم نقلاً أن كل بناء قلة يأتي للكثرة، وإنما التزم أن بعضها يأتي كذلك من حيث السماع، ولم يعين موضع السماع فبقي موقوفاً على النقل، ولا شك في وجود النقل في البعض كما تقدم تمثيله، ولو قال:
وهذه بكثرة وضعاً تفي
لكان ملتزماً أن العرب / فعلت ذلك في كل بناء من الأبنية الأربعة، وذلك يحتاج إلى تتبع النقل في ذلك، ولعله يتعذر الوفاء بهذه الكلية فلم يرتهن فيها.
مثل ما جاء في جمع الكثرة مراداً به القلة وضعاً: رجل ورجال، إذ لم يقولوا: أرجال. ودرهم ودراهم، وجميع الرباعي والخماسي. ومثل الناظم هذا الضرب بالصُّفِيّ، والصفي جمع صفاة، وهي الصخرة الملساء، ومنها ما أنشده الفارسي وغيره:
كأن متنّيه من النفي مواقع الطير على الصفي
وفي هذا التمثيل نظر من وجهين، أحدهما: أنه قيد الوفاء بالوضع فقال:
وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي
وعطف عليه العكس، ولا شك في بقاء التقييد والحكم بمقتضاه، والصفي إذا اعتبرته إنما هو مما يفي استعمالاً لا وضعاً، من حيث إن حقيقة الوضع أن تكون العرب لم تضع أحد البنائين استغناء بالآخر، والاستعمال أن تكون وضعتهما معاً لكنها استغنت في بعض المواضع عن أحدهما بالآخر، فمثال ذلك في الأول قول حسان رضي الله عنه:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فإنهم قد قالوا: جفنة وجفان، وسيف وسيوف. ومثاله في الثاني قوله تعالى:"ثلاثة قروء" مع أنهم قالوا: أقراء، وفي الحديث:"دعي الصلاة أيام أقرائِك"، ففسر ثلاثة بجمع الكثرة مع
وجود جمع القلة، فهذا من الوفاء الاستعمالي لا الوضعي؛ إذ قد جعلهما في التسهيل متاينين فقال لما ذكر جموع القلة، وأن ما عداها للكثرة:"وربما استغني بما لإحداهما عمَّا للأخرى وضعاً أو استعمالاً اتكالاً على قرينة" فالصفي من الضرب الاستعمالي لأن الفارسي وغيره حكوا في جمع الصفاة: أصفاء وصُفِيّ، فكان تمثيل الناظم على هذا غير مطابق لما قصد.
والنظر الثاني أن التقييد بالوضع قد أخرج أحد الضربين، وهو الاستعمالي، وكلاهما محتاج إلى التنبيه عليه كما فعل في التسهيل، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فكان الأولى به أن يذكر الضربين معاً، وذلك يحصل له إما بالنص عليهما معاً، وإما بترك التقييد بالوضع، لأنه إذا تركه أُخِذَ الحكم على / إطلاقه في الوضع والاستعمال، فصار هذا القيد زيادة عادت بنقص، وذلك مماا لا ينبغي!
والجواب عن الأول أن الاستغناء الاستعمالي إما أن يكون مع كثرة ما استغني عنه كأسياف في بيت حسان، وكلاب في قولهم: ثلاثة كلاب، لكثرة استعمال سيوف وأكلب، وإما أن يكون مع
قلته كثلاثة قروء، فإن أقراء قليل، فأما الأول فلا شك في قلة وجوده في كلام العرب، ولذلك اعترض النابغة حسان لأنه لو كان معتاداً عندهم الاستغناء في مثل أسياف لم يصح الاعتراض، ولما كان قليلاً أهمل الناظم اعتباره فبقي الثاني، وهو أن يكون المستغنى عنه قليل الاستعمال، وإذا كان قليلاً فيما شأنه أن يشتهر استعماله فيه، ويكثر دوره، فهو جدير أن يكون مستغنى عنه بما يكثر استعماله في ذلك الباب، وقلة المستغنى عنه مع كثرة المستغنى به دليل على صحة الاستغناء. وقد قال النحويون في "ترك" إنه مستغنى به عن "ودع"رمع أنه قد سُمع، وقرئ:{ما ودعك ربك} لكنه نادر، فلم يخرجه ذلك الندور عن أن يكون مستغنى عنه بترك، فكذلك مسألتنا، وهذا من باب الاستدلال بالأحكام، فأصفاء في صفاة قليل، والشهير في جمعها مطلقاً صفي، وعلى هذا الترتيب يلحق هذا الضرب الاستعمالي بالضرب الوضعي إلحاقاً لما استعمل نادراً بحكم ما لم يستعمل.
وإذا ثبت هذا كان تمثيل الناظم بالصفي حسناً من حيث كان
داخلاً تحت التقييد بالوضع، فالوضعي إذا عنده على وجهين، وضعي حقيقة نبه عليه بأرجل، ووضعي حكما، وهو الاستعمالي، نبه عليه بالصفي، والله أعلم.
وقول الناظم: "أفعلُ ثم فِعْلَه" منع فيه صرف أفعُلَ إذ قد توفر فيه موجب المنع، وذلك الوزن والعلمية، لأن الأمثلة الموزون بها أعلام. وقوله:"أفعلُ" هو على حذف العاطف، أي: وأفعُلُ. وقوله: "أفعلةُ" وما بعده مبتدآت خبرها "جموع قله". و "بعض ذي" مبتدأ خبره "يفيء"، و "بكثرة" يتعلق به، و "وضعاً" مصدر في موضع الحال، أي: ذا وضع.
***
لفعلٍ اسماً صح عينا أفعُلُ وللرباعي اسما أيضاً يُجعَل
إن كان كالعناق والذراع في مد وتأنيث وعدّ الأحرف
هذا ابتداء ذكر أبنية جموع التكسير وما يختص بها من أبنية المفردات. وللناس في وجه ترتيب الكلام على جموع التكسير طريقان:
أحدهما: المتداول عند الجمهور، وهو أن تُجعل أبنية المفردات موضوعات للحكم عليها فيقولون: فَعلٌ يجمع على كذا
وكذا من أبنية الجمع، وفُعالٌ يجمع على كذا، وهي الطريقة الأولى في وضع النحو.
والثاني: طريقٌ أولُ من مشى عليه - فيما علمت - ابن السراج، وهو أن يجعل أبنية الجموع موضوعات للحكم عليها، فيقال: أفعُلُ يجمعُ عليه من أبنية المفردات كذا، وأفعالٌ يجمع عليه كذا، وهو الذي جرى عليه الناظم في هذا النظم وفي سائر كتبه، وكأن هذه الطريقة أقرب على الضبط؛ إذ كانت أبنية الجموع أقل من أبنية المفردات بكثير، فجعلها أصولاً للفروع المنتشرة أولى من العكس.
وجملة ما ذكر من أبنية جموع التكسير ستة وعشرون بناء، أربعة منها للقلة، كما ذكر، وسائرها للكثرة. وابتدأ بذكر أبنية القلة وبأفعُلَ منها فقال:
لفعل اسما صح عينا أفعُلُ
إلى آخره، يعني أن أفعُلَ من أبنية جموع القلة يجمع عليه من الأسماء صنفان:
أحدهما: ما كان من الأسماء الثلاثية على وزن فَعْلٍ، بفتح الفاء
وإسكان العين، وكان اسماً لا صفةً، وكان صحيح العين لا معتلها، فهذه ثلاثة أوصاف، أحدها: كونه على فَعْل، فإنه إذا كان فَعْل صح له ذلك الجم'، يريد في القياس، إنما تكلم هنا في القياس المجرد وما قاربه، وأما المسموع فلم يرتهن فيه ولا جعله من قصده في هذا النظم، وإن كان ربما يأتي به بالانجرار لا بالقصد، وقد تقدم المعنى المراد بالقياس في مثل هذا في باب أبنية المصادر. فأما إن لم يكن الاسم على فَعْل فإن له جمعاً آخر يذكره كأفعال في فَعَل، وفِعلان في فُعَل ونحو ذلك. وقد جمعوا غير الثلاثي على أفعُلَ، قالوا في أنبوب: أَنُبٌّ، وقال الشاعر:
أصهبُ هدَّار لكلِّ أركبِ بغيلةٍ تنسّلُّ بين الأنببِ
يريد: الأنبَّ، ففكَّ ضرورة، وجمعوا الثلاثي غير فَعل على أفعُل لكن قليلاً، قالوا: رُكْنٌ وأركن، وزمنٌ وأزمنٌ. وأنشد سيبويه لذي الرمة:
أمنزِلتي مي سلام / عليكما هل الأزمنُ اللائي مضينَ رواجعُ
قال سيبويه: "وبلغنا أن بعضهم يقول: جبَلٌ وأجبُلٌ، وقالوا:
ضِلَعٌ وأضلُعٌ، وذئبٌ وأذؤبٌ، وضَبُعٌ وأضْبُعٌ، وقُرْطٌ وأقرُطٌ، ورِجْلٌ وأرجلٌ، وكل هذا محفوظ، إلا فيما ذكر الناظم.
والثاني: كونه اسماً لا صفة، فإنه إذا كان صفة لم يجمع على أفعُل، بل زعم سيبويه أنه لا يجمع جمع قلة رأساً، وعلل ذلك السيرافي بأن الأصل في الصفة أن تجمع جمع السلامة، لأن الأصل فيها جريانها على الفعل فتلحقها علامة التذكير والتأنيث كالفعل، فيجب أن تجمع جمع السلامة ليتبين في الجمع أيضاً علامة التذكير والتأنيث، ويكون الجمع منها نظير الضمائر أو العلامات، فلما كان الأصل فيها جمع السلامة وهو يقع للعدد القليل، استغنوا به عن أبنية القلة، قال ابن الضائع: ويظهر من سيبويه تعليل آخر، وهو أن الصفة الأصل فيها جريانها على موصوفها، فالعدد القليل لا يضاف إليها لقبح إقامة الصفة مقام الموصوف، وكأن العدد القليل لما كان نصاً في القلة، ولم يكن يضاف إليها، استغني فيها عن جموع القلة، قال: غير أن سيبويه أضاف إلى ذلك أنها لما كانت يوصف بهن فاستعملت على غير الأصل في الأسماء، خولف بهن الأسماء.
وقال ابن خروف: قد تنفرد الصفة ببناء جمع كما قد ينفرد الاسم أيضاً.
والثالث: كون الاسم صحيح العين لا معتلها، فإنه إن كان معتل العين بالياء نحو: بيت أو بالواو نحو: ثوب، فليس القياس فيه أفعُلَ، وإنما قياسه أفعالٌ كما سيذكره.
فإن جاء فيه أفعل فمحفوظ نحو: سيف أو أسيُف، قال الشاعر:
كأنهم أسيف بيض يمانية عضُبٌ مضاربها باقٍ بها الأثُرُ
وقالوا: ثوب وأثواب، قال الراجز:
لكل دهر قد لبستُ أثوبا
حتى اكتسى الرأسُ قناعاً أشهَبَا
وقالوا: عينٌ وأعين، وأيْرٌ وآيُرٌ.
فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة كان أفعُلُ في فَعْلٍ قياساً
جارياً، سواءٌ أكان مذكراً أم مؤنثاً، وسواءٌ أكان مضاعفاً أم غير مضاعف، معتل اللام أم غير معتلها نحو: كلب وأكلُب، وكعب وأكعُب، وفَلس وأفلُس/، ونسر وأنسُر، وفرخ وأفرُخ، وبطن وأبطُن، وشبه ذلك. وكذلك ضبٌ وأضبٌّ، وصكٌ وأصُكٌّ، وبَتٌّ وأبُتٌّ. وكذلك ظبيٌ وأظْبٍ، وثديٌ وأثْدٍ، ودَلْوٌ وأدْلٍ، هذا كله قياسٌ، وقد يأتي على أفعال، وهو قليل كما سيذكر إن شاء الله.
ولم يذكر الناظم لأفعُلَ من الثلاثي إلا فَعَلاً المذكور، فدل على أن مذهبه مذهب سيبويه والجمهور أن فَعَلاً المؤنث إذا كان معتل العين فقياسه أفعالٌ كغير المؤنث والمعتل، وليس أفعُلُ فيه بقياس خلافاً ليونس القائل بأنه قياس فيه، وذلك نحو نارٍ وأنوُر، ودارٍ وأدوُرٍ، وساقٍ وأسْوُقٍ، ونحو ذلك. قال سيبويه: "ونظنه إنما جاء على نظائره في الكلام نحو: جَبَل وأجبُل، وزمن وأزمُن، وعصا وأعصٍ. يعني: أنه جاء على الندور، ثم ألزمه على مذهبه أنه لو كان هذا الحكم إنما هو للتأنيث لما قال: رحًى وأرحاء، وفي قفا: أقفاء، في قول من أنث القفا، وفي قدَم: أقدام، ولما قالوا: غنم وأغنام.
وفرق ابن طاهر: بأن يونس إنما زعمه في المعتل العين، قال: وليس أرجاء بمنزلته لأنه معتل اللام، فقد صار إلى فَعَلٍ وقياسه أفعال. ورجحه ابن خروف أيضاً بكثرة الاستعمال، وسيبويه جعل ذلك قليلاً فلم يقبل القياس فيه.
فـ "عيناً" من قوله: "صح عيناً" تمييز منقول من الفاعل، وأصله: صحت عينه. و"أفعُلُ" مبتدأ، خبره "لفعل".
والصنف الثاني من صنفي ما يجمع على أفعُلَ قياساً ما كان الرباعي الذي نص عليه بقوله:
وللرباعي اسماً أيضاً يُجعل
إلى آخره. يعني أن بناء أفعُلَ يجعل أيضاً جمعاً قياساً لكل رباعي كان اسماً لا صفة، ويشبه العناق والذراع ونحوهما في كونه مؤنثاً لا مذكراً بمدة قبل الآخر، موافقاً في عدة الحروف، فإنه إذا كان على هذا الوصف يجمع في القلة على أفعُلَ، بل الغالب فيه ألا يجمع جمع قلة إلا بالواو والنون، كقولك: ظريفون وشريفون. هذا إذا كان واقعاً على من يعقل، وإلا بالألف/ والتاء لمؤنثه إن قبلهما، والاستغناء بجمع الكثرة في الباقي.
والثاني: كونه يشبه العَناق والذِّراع في المد قبل الآخر. وهذا الوصف فيه أمران: أحدهما: حصول المد في تحرزاً من نحو: جعفر وردهم وضفدع، فإنه رباعي مع أنه لا يُجمع على أفعُلَ أصلاً، لأن أفعُلَ بناء ثلاثي الأصول، وجعفر ونحوه رباعي أو ملحق به، فلا يمكن أن يجمع عليه ولا على غيره من أبنية القلة إلا أن يجمع بالواو والنون، أو بالألف والتاء.
والآخر: كون المد فيه قبل الآخر كما في الذراع والعناق، تحرزاً من نحو: حائطٍ وحاجزٍ وجانٍ، وما أشبه ذلك مما هو على فاعلٍ. وكذلك فاعَلٌ نحو: تابَلٍ وطابَقٍ، فإن مثل هذا لا يجمع على أفعُلَ أيضاً من نحو فِعلًى أو فَعْلًى اسماً نحو: ذِفرى وأرطًى ونحوهما، فإن حرف المد فيه وهو الألف جاء آخراً، فمثل هذا لا يجمع على أفعُلَ.
والوصف الثالث: كونه مؤنثاً لا مذكراً، فإنه إذا كان مذكراً يجمع في القلة على أفعِلَة لا على أفعُلَ، فإن جاء فيه أفعُلُ فعلى غير قياس نحو: طِحالٍ وأطحُل، وقالوا: مكان وأمكُنٌ، وجنينٌ، وأجُنٌّ، وفكَّه الشاعر؛ إذ قال:
إذا رمى مجهولَهُ بالأجنُنِ
وحكى الفارسي في قليبٍ وأقلِبَة، وهو يذكر ويؤنث، وجعله محتملاً أن يكون على القياس، كما قالوا في سماء: أسمية، وأرادوا التأنيث بدليل قولهم: ثلاث أسمية، وقولهم: أصابتنا السماء.
والوصف الرابع: كون الاسم موافقاً للذراع ونحوه في عدة الأحرف، تحرزاً من أن يكون على أكثر من أربعة أحرف، فإنه إذا كان كذلك لم يُجمع على أفعُلَ.
فإذا اجتمعت هذه الأوصاف قياساً على أفعُلَ، فتقول: ذراع وأذرُعٌ، وشمال وأشمُلٌ، ولسان وألسُنٌ - فيمن أنَّث - وعناقٌ وأعنُقٌ، وأتانٌ وآتُنٌ، وعقابٌ وأعقُبٌ، وكُراعٌ وأكرُعٌ، ويمينٌ وأيمُنٌ. وقال أبو النجم أنشده سيبويه:
يأتي لها من أيمُنٍ وأشمُلِ
والعَناق: الأنثى من ولد المعز.
وعلى كلام الناظم هنا سؤالان من وجهين؛ أحدهما: أن تشبيه المد بمد العناق والذراع يوهم أن ذلك مخصوص بكونه ألفاً؛ لأنه قال: / إن كان كالعناق في المد، ومدُّ العَناق بالألف، وكذلك الذراع، فقد يتوهم أنه مخصوص بذلك. ويرشِّحُ الإبهام تكراره في المثال الثاني وهو الذراع، إذ يقول القائل: لو أراد غير الألف لأتى بالمثال الثاني مؤذناً بذلك، كما لو قال: إن كان كالعناق واليمين في كذا وكذا. فاقتصاره على الألف يؤذن بقصر الحكم عليه، وذلك غير صحيح.
والثاني: أن قوله: "وعدِّ الأحرف" تكرار وحشوٌ لا فائدة فيه؛ إذ كان قد قدم التعريف بأنه رباعي، بقوله:
وللرباعي اسماً ايضاً يُجعل
ولا شك أن الموافقة لذراع في عد الأحرف هي كونه رباعياً مثله، فصار قوله: وعدِّ الأحرف" ضائعاً من الفائدة.
والجواب عن الأول: أن المثالين إنما أتى بهما تنويعاً لما فيه المد من الأبنية، فإنه جاء بفَعَالٍ وفِعَالٍ، ولم يأت بالمثالين على وزنٍ واحدٍ، ولو أتى بهما على وزنٍ واحدٍ لكن ذلك موهماً ولا بدَّ، فلم يدل المثالان معاً على التزام الألف. وأيضاً فلو كان القصد ذلك لقال عوض المد "الألف" فكان يقول مثلاً: إن كان كالعناق والذراع في
الألف قبل الآخر، ونحو ذلك. فلما قال:"في مدٍّ" دل على أن المراد مجرد المد، ولا شك أن المد غير مقتصَر به على الألف، فيدخل له يمينٌ وأيمُنٌ، ونحو ذلك.
والجواب عن الثاني: أن قوله: "وعدِّ الأحرف" ليس بحشو، بل هو محرزٌ لفائدة حسنة، وذلك أن الاسم قد يطلق عليه رباعي مع أن عدة حروفه أكثر من أربعة، وذلك أن الرباعي الأصول، وإن كان مزيداً فيه نحو: صَلصالٍ، وقرطاسٍ، وقَرَبوسٍ. كما أنه يطلق ويراد به ما مثَّل به، فكان قوله:"وللرباعي" مجملاً، فبينه بقوله: إن كان كالعَناق والذراع في كذا وكذا. وإذا كان كذلك فلو اقتصر على قوله:
إن كان كالعَناق والذراع في مدٍّ وتأنيثٍ
…
...
…
...
لم يخرج عن كلامه ما كان من المؤنث على نحو قَرَبوس أو قِرطاس مثلاً، فاضطر إلى قوله:"وعدِّ الأحرف" ليخرج له الرباعي الأصول مزيداً فيه.
وليس قول الناظم: "والذراعفي" مع قوله: "الأحرف" بسنادٍ، وإن كان قبل روي الأول الألف في موضع التأسيس، وليس / في الثاني ألفٌ، لأن من شرط عدِّ الألف تأسيساً أن يكون مع الرويِّ
في كلمة واحدة، أو يكون الرويُّ بعض ضمير على ما هو مذكور في علم القوافي.
***
وغيرها ما أفعُلُ فيه مطّردْ من الثلاثي اسماً بأفعال يَرِدْ
وغالباً أغناهم فِعلانُ في فُعَلٍ كقولهم: صِرْدانُ
هذا هو البناء الثاني وهو من أبنية القلة، وذلك أفعالٌ، وجعله قياساً في كل ما كان من الأسماء الثلاثية التي لم يطرد فيها الجمع على أفعُلَ إلا في فُعَل الذي يستثنيه فقال:
وغيرُ ما أفعُلُ فيه مطّردْ
إلى آخره، يعني أن ما عدا ما ذَكر أن أفعَلَ فيه مطردٌ من الثلاثي يطرد في أفعالٌ في جمع القلة، هذا بشرط أن يكون الثلاثي اسماً، وذلك أن الأبنية الشهيرة من الثلاثي اسماً، وذلك أن الأبنية الشهيرة من الثلاثي عشرة كما سيذكره في النصريف:(فعل) مثلث الفاء، و (فعل) مثلث أيضاً، و (فعل) مثلث الفاء ما عدا فِعُلاً، و (فعل) مثلثاً أيضاً ما عدا فُعِلاً، تقدم له ذكر في فَعْلٍ الصحيح العين، وأنه الذي يقاس فيه أفعُلُ، فبقي له فَعْلٌ المعتل العين وسائر الأبنية، فإذا كانت أسماءً قلت في فَعْلٍ المعتل العين: بيتٌ وأبياتٌ، وسيفٌ وأسيافٌ، وخيطٌ وأخياطٌ، وقيدٌ وأقيادٌ، وفي
ذي الواو: فرجٌ وأفواجٌ، وزوجٌ وأزواجٌ، وقوسٌ وأقواسٌ، وحوضٌ وأحواضٌ، وسوطٌ وأسواطٌ، ونوعٌ وأنواعٌ. هذا القياس فيه، بخلاف الصحيح العين فإن أفعالاً فيه قليل نحو: زندٌ وأزنادٌ، أنشد سيبويه للأعشى:
وجدتَ إذا اصطلحوا خيرهم وزندكَ أثقبُ أزنادِها
وقالوا: فرخٌ وأفراخٌ، قال:
ماذا تقول لافراخ بذي مرخٍ حمر الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
وقالوا: أنف وآنافٌ، أنشد سيبويه للأعشى:
إذا روَّح الراعي اللقاحُ معزِّباً وأمست على آنافها عّبّراتُها
وقالوا: فردٌ وأفرادٌ، وجدٌ وأجدادٌ، ورأدٌ وآرادٌ، وعمٌ وأعمامٌ، وذلك قليل محفوظ لا مقيسٌ مطلقاً بمقتضي كلام الناظم، سواء كانت فاؤه همزة أو واواً أم لا تكون كذلك. ونقل عن الفراء أنه يجعله قياساً فيما فاؤه همزة نحو: أنفٍ وآنافٍ، وأهلٍ وآهالٍ، وألف وآلافٍ، وأثْر وآثار، وهو الفرند، وأرضٍ وآراضٍ. وفيما / فاؤه واوٌ نحو: وهمٍ وآوهام، ووقتٍ وأوقاتٍ. والذي يحتج به الفراء أكثره ما جاء من هذا النوع فيقاس على ما جاء عملاً بالكثرة. مذهب الجمهور أن ما جاء من ذلك لم يبلغ القياس، ولم يكثر كثرةً تعتبر فيه.
وتقول في الصحيح من فِعْلٍ/ حِملٌ وأحمالٌ، وعِدلٌ وأعدالٌ، وجِذعٌ وأجذاعٌ، وعرقٌ وأعراقٌ، وبِئرٌ وآبارٌ، وفي المضاعف: زقٌ وأزقاق، وفي المعتل: نِحيٌ وأنحاءٌ، وفيلٌ وأفيالٌ، وميلٌ وأميالٌ، وجيدٌ وأجيادٌ، وريحٌ وأرياحٌ.
وتقول في الصحيح من فُعْل: جندٌ وأجناد، وقُرط وأقراط، وبُرد وأبراد، وبرج وأبراج. وفي المضاعف: خُصٌّ وأخصاص،
وعشٌّ وأعشاش، وخفٌّ وأخفاف، وقفٌّ وأقفاف. وفي المعتل: عُودٌ وأعواد، وغُول وأغوال، وحوت وأحوات، وكوزٌ وأكواز.
وتقول في الصحيح من فَعَلٍ: جبل وأجبال، وجمل وأجمال، وأسدٌ وآسادٌ، ورَسَن وأرسان، وورلٌ وأورال، وقَتَبٌ وأقتاب، وسَلَقٌ وأسلاق،\. وفي المعتل: قفاً وأقفاء، وصفاً وأصفاء، ورحىً وأرحاء، ورجاً وأرجاء، وتاجٌ وأتواجٌ، وقاع أقواعٌ، وجارٌ وأجوار. وفي المضاعف: لَبَبٌ وألباب، وطللٌ وأطلالٌ، وفَنَنٌ وأفنان.
وتقول في الصحيح من فِعَلٍ: قَمِعٌ وأقماع، وضِلَعٌ وأضلاع، وعنب وأعناب، وإِرَمٌ وآرامٌ، ونِطَع وأنطاع. وفي المعتل: مِعىٌ وأمعاء، وكباُ وأكباءٌ، وإِنًى وآناء، وإِلًى وآلاء.
وتقول في الصحيح من فُعُلٍ: طُنُبٌ وأطناب، وعنق وأعناق، وأذن وآذان، وعُمُرٌ وأعمار.
وتقول في الصحيح من فَعُلٍ: عَضُدٌ وأعضادٌ، وعَجُزٌ وأعجاز. وهذان المثالان قليلا الاستعمال.
وتقول ي فِعِلٍ: إِبِلٍ وآبال.
وفي الصحيح من فَعِل: كَبِدٌ أكباد، وكتف أكتاف، وفخذ أفخاذ، ونمر أنمار، ووَعِل أوعال.
وهذا البناء مع ما قبله أيضاً قليل الاستعمال.
وأما فُعَلٌ فهو في قياس الجمع مخالف لهذه الأبنية.
وأما فُعِلٌ وفِعُلٌ فلا كلام عليهما هنا.
وقد تم تمثيل الاسم، فلو كان صفةٌ فمقتضى كلام الناظم ألا يجمع قياساً على أفعال، وذلك صحيح، وقد تقدم وجه امتناع تكسير الثلاثي من الصفات على بناء أدنى العدد، إذ لا يضاف إلى أدنى العدد، ولكنهم قد قالوا: حَدَثٌ وأحداثٌ، وخَلَقٌ وأخلاق، وسمل وأسمال، وبطل / وأبطال، وعزب وأعزاب، وبرم وأبرام. وقالوا: جُنُبٌ وأجنابٌ، فيمن جمع جنباً، وحرٌ وأحرار، ويَقُظٌ وأيقاظ، ونّكِدٌ وأنكادٌ، وجلف وأجلاف. وهذا كله قليل يحفظ.
ثم ذكر ما هو مستثنى من هذه الأبنية عن الحكم المذكور، وهو فُعَلٌ - بضم الفاء وفتح العين - فقال:
وغالباً أغناهم فعلان في فُعَلٍ
…
...
…
...
يعني أن العرب غلب في كلامها الاستغناء بـ (فِعلانَ) عن أفعال
وغيره من جمع قلة أو كثيرة في فُعَل، فلم يقولوا في الغالب: أفعال، في القلة، بل قالوا في صُرَد: صِردان، وفي نُغَرٍ: نِغران، وفي جُرَذ: جِرذان، وفي جُعَل: جِعلان، وكذلك في المضاعف قالوا: خُزَزٌ وخِزَّان. وقد جاء في أفعال على غير الغالب فقالوا: رُطَب وأرطاب، ورُبَع وأرباع، كأنهم أجروا "فُعَل" مُجرى فَعَلٍ فجمعوه جمعه.
وصِردان في كلام الناظم جمع صُرَد، والصُّرَدُ: طائر. وقال الشاعر، أنشد الفارسي:
كأن وَحَى الصِّردان في جوف ضالةٍ تَلَهْجُمُ لَحييْهِ إذا ما تَلَهْجَمَا
وبقي هنا نظر من جهة أن المؤلف زعم في التسهيل أن أفعالاً في
فَعَلٍ المعتل العين قليل، فنحو مالٍ وأموالٍ، وحالٍ وأحوال، ونابٍ وأنياب، ليس بالكثير، فليس إذاً بقياس عنده، لأن الشأن في هذا الباب أن القليل يوقف على محله. وإطلاقه في هذا النظم يقتضي أنه قياس في كل ما لم يطرد فيه أفعُلُ، ومن جملته فَعَلٌ المعتل العين، فلا بد من أحد أمرين، إما فساد زعمه في التسهيل، وإما فساد إطلاقه هنا.
والجواب أن ما قاله في التسهيل خلاف ما يقتضيه كلام سيبويه، إذ كان ظاهره أنه مطرد في المذكر إذا أريد (به) القلة، هكذا قال شيخنا القاضي رحمه الله في عَرْضِ الجموع له، وهكذا غيره من النحويين يطلقون القول فيه من غير تقييد بقلة فإطلاقه هنا أوفق بكلام النحويين، وكثيراً ما يقف في هذا النظم مع مذهب سيبويه والجمهور في مسائل يخالفها في التسهيل، والظاهر مذهبه هنا فإنه في السماع كثير، ومن مُثُله: مالٌ وأموالٌ، وخالٌ وأخوالٌ، وناب /
وأنياب، وتاج وأتواج، وباب وأبواب، وحال وأحوال، وباع وأبواع، وقاع وأقواع. وإذا كان كذلك فالقول بقياسه أوفق بالسماع.
***
في اسم مذكر رباعي بمد ثالث أفعلة عنهم اطّرَدْ
والزمهُ في فَعال او فِعال مصاحبي تضعيف أو إعلال
هذا هو البناء الثالث، وهو أفعِلة، وهو من أبنية القلة، وجعله قياساً في كل اسم مذكر رباعي فيه مدة ثالثة، فهذه أربعة أوصاف معتبرة في هذا الجمع لا يكون قياساً إلا عند وجودها، فأما كونه اسماً فمعتبر، إذ لو كان صفة لم يجمع قياساً إلا عند وجودها، فأما كونه اسماً فمعتبر، إذا لو كان صفة لم يجمع قياساً على أفعِلة، فإن جاء عليه فمحفوظ لا يقاس عليه، قالوا في فَعيل: شحيح وأشحَّة، وظنين وأظنة، قال تعالى:{أشحَّةً عليكم} . وقال أبو طالب:
وقد حالفوا قوماً علينا أظنة يعضون غيضاً خلفنا بالأنامل
وحبيب وأحبَّة، وعزيز وأعزة، وذليل وأذلة، وعيِيٌّ وأعْيِيَةٌ
وأعِيَّةٌ، ونجيٌّ وأنجِيَةٌ. ويكثر هذا كثرةً ما في المضاعف، قال سيبويه:"وقد يكسرون المضاعف - يعني في الصفة - على أفعِلَةَ كما كسَّروه على أفعلاء، وإنما هذان البناءان للأسماء - يعني أفعِلة وأفعلاء - فلما جاز أفعلاء جاز أفعلة، وهي بعد بمنزلتها في البناء، وفي أن آخره حرف تأنيث، كما أن آخر هذا حرف تأنيث نحو أشحة" انتهى. ومع هذا فلم يبلغ في المضاعف مبلغ القياس عليه، فلذلك أخرجه الناظم بقيد الاسمية.
وأما كونه مذكراً فلأنه إذا كان مؤنثاً فجمعه في القلة على أفعل نحو: عقاب وأعقُب، ويمين وأيمُن، وشمال وأشمُل، وقد تقدم ذكر ذلك، وكأنهم أرادوا بذلك التفرقة بين المذكر والمؤنث. وإنما خصُّوا أفعُلَ بالمؤنث؛ لأنه لما تنزلت زيادته منزلة تاء التأنيث في التحقير فعاقبتها، كسروها تكسير ما فيه الهاء نحو نعمة وأنعُم، وأَمَة وآمٍ. وقد جاء شيء من المؤنث على أفعِلة، قالوا: عقاب وأعقبة، وسماء وأسمِية، للسماء بمعنى المطر، وهي مؤنثة. وقد نقل عن البغداديين أنه مذكر، ورد عليهم بقول العرب: أصابتنا سماء، وقولهم: ثلاث أسمية.
وأما كونه رباعياً فتحرز من الخماسي والثلاثي، أما الخماسي فله
طريقة مفاعِل ومفاعيل أو غيرهما كما سيأتي. وأما الثلاثي فغير مجموع على أفعِلة قياساً، بل / إن جاء فيه ذلك فمحفوظ لا يقاس، كما قالوا في وَهْيٍ: أوهِيَة، قال الشاعر:
حمال ألويةٍ شهَّاد أنجية سدَّاد أوهية فرَّاج أسدادِ
وقالوا: سَدٌّ، والجمع أسِدَّة، وهي العيوب مثل العمى والصمم والبكم، ومنه قولهم: لا تجعلنَّ لجنبك الأسِدَّة "، أي: لا تضيق صدرك فتسكت عن الجواب. وقال الكميت:
وما بجنبيَ من صفحٍ وعائدةٍ عند الأسِدة إن العي كالعضب
وقالوا: خالٌ وأخْوِلَة، وقفا وأقفية، وجرة وأجِرَّة، وأنشد
الفارسي في "التذكرة":
وقطعنا مشافرها وخفنا أجِرَّتَها فما اجتزَّت بعودِ
وقد جاء أيضاً في الخماسي أفعِلَةُ نادراً، قالوا: أخدود وأخِدَّة، ورَمَضَان وأرمِضَة، وخوَّان - وهو ربيع الأول - والجمع أخْوِنَة.
وأما كونه ذا مَدَّةٍ فتحرز مما ليست فيه، فإنه لا يجمع قياساً على أفعِلَة نحو: جعفر، ونحو: جَوْهَر وسُلَّم، ونحو ذلك.
وأما كون المدة فيه ثالثة فتحرز مما كانت فيه ثانية نحو: طابَق، وتابَل، وكاهِل، وغارِب، وحائِط، وخاتَم، فإنه لا يجمع على أفعِلة قياساً، فإن جاء ذلك وقف على محله لقلته، فمن ذلك قولهم: جائز للخشبة المعترضة بين الحائطين، وجمعوه على أجوِزَة، والمد هنا لم يقيده بصورة، فيؤخذ له فيه ما كان من الحروف فيه المد، وذلك الألف، والواو إذا انضم ما قبلها، والياء إذا انكسر ما قبلها، لأنها مداتٌ ناشئة عن الحركات قبلها.
فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الخمسة استتب القياس في الجمع على أفعِلة في الصحيح والمضاعف والمعتل، فتقول في الصحيح:
حمارٌ وأحْمِرَةٌ، وخمار وأخمرة، وإزار وآزِرَة، ومثال وأمثلة، وفراش وأفرِشة. وفي المضاعف: جلال وأجِلَّة، وعِنان وأعنة، وكنان وأكنة. وفي المعتل: بناء وأبنية، وسقاء وأسقية، ورشاء وأرشية، وخوان وأخْوِنَةٌ، ورواقٌ وأروقة، وبوان وأبْوِنَةٌ.
فتقول في الصحيح من فَعَالٍ: قَذَالٌ وأقذِلة، وزمان وأزمنة، ومكان وأمكنة، وفدان وأفدنة. وفي المعتل: عطاءٌ وأعطية، وقضاء وأقضية، وعراء وأعرية، وقباء وأقبية. وتقول في الصحيح من فُعَال: غُرَاب وأغربة، وخُرَاج وأخرجة، وبغاث وأبغثة /، قال الهذلي:
من فوقه أنسرٌ سود وأغربةٌ وتحته أعنُزٌ كُلْفٌ وأتياسُ
وفي المضاعف: ذباب وأذبة، وزقاق وأزقة. وفي المعتل: حُوَار وأحوِرَة.
وتقول في الصحيح من فَعِيل: رغيف وأرغفَة، وقليب وأقلبة، وكثيب وأكثبة، وجريب وأجربة. وفي المعتل: قَرِيٌّ وأقرية، وسري وأسرية. وفي المضاعف: حزيز وأحِزَّةٌ، وسرير وأسِرَّة.
وتقول في الصحيح من فَعُول: قَعُود وأقعدة، وعمود وأعمدة، وخروف وأخرِفة.
وقوله: " عنهم اطَّرَدَ" يعني عن العرب، أي: اطرد أفعلة في كلامهم جمعاً لكل اسم اتصف بتلك الأوصاف.
ثم ذكر لبعض ما يحتوي عليه هذا العقد حكماً خاصاً فقال:
والزمه في فَعالٍ أو فِعالِ
إلى آخره. يعني أن هذا الجمع لازم في بناءين من الأبنية التي تضمنها العِقْدُ، وهما فَعال - بفتح الفاء - وفِعالٍ - بكسرها - وهذا بشرط أن يكون فيهما تضعيف أو إعلال. فإذا كان واحدٌ منهما مضاعفاً أو معتلاً فهذا الجمع فيه لازم، لا يعدل عنه إلى غيره، بخلاف غيرهما من الأبنية المعلومة فإن أفعلة فيها ليس بلازم، بل يدخل معه
غيره، فتقول في بناء: أبنية، وفي سقاء: أسقية، وفي رشاء: أرشية، وفي إناء: آنية، وحِواء: أحوية، وغطاء: أغطية، وتقول في عطاء: أعطية، وفي قضاء: أقضية، وعراء وأعرية، وقباء وأقبية. وتقول في المضاعف: عِنان وأعنة، وسِنان وأسنة، وكنان وأكنة، وجلال وأجلة. وما أشبه ذلك.
فإن قيل: ما المراد باللزوم هناك؟
فالجواب: أن مراده أن العرب ألزمت هذين البناءين هذا الجمع في إرادة القلة والكثرة، فلا يجمع واحد منها قياساً جمع كثرة إلا على ما يجمع عليه جمع القلة، لا يجاوزون بهما بناء أفعلة إلى بناء كثرة، بل تقول: أسْقِية، وفي القليل والكثير، وكذلك: أبنية وأجِلة، ونحو ذلك مما تقدم، بخلاف غيرهما من الأبنية فإن جمعها للكثرة له بناء كثرة، كما تقول في فعال في الكثرة: فُعُل، نحو حمار وحُمُر، وإزار وأُزُر.
وكذا في فَعَال، تقول: فَدَان وفُدُن، وقذال وقذل، وكما تقول فُعال /: فِعلان، نحو غُراب وغِربان، وبُغَاث وبغثان. وكما تقول في فعيل: فعلان وفعل، نحو: كثيب وكُثبان وكُثُب،
وكذلك سائرها.
أما فَعال وفِعال المذكوران فليس لهما جمع كثرة، فمن ههنا التزمناه في القياس اتباعاً لالتزام العرب له، كما التزموا جمع الكثرة في فُعَل حين قالوا فيه: فِعْلان نحو صُرَد وصِرْدان، ولم يقولوا في القلة: أصراداً استغناءً، فكذلك هنا. قال سيبويه في فِعَالٍ:"وأما ما كان منه مضاعفاً فإنهم لم يجاوزوا به أدنى العدد وإن عنوا الكثير، تركوا ذلك كراهية التضعيف، إذ كان من كلامهم ألا يجاوزوا بناء أدنى العدد فيما هو غير معتل". يعني أنهم اقتصروا على بناء القلة. لأجل أنهم لو جمعوا على فعل لقالوا في كِنَان: كُنُن، فكان يجتمع المثلان، وذلك مستثقل. وأيضاً فإن من كلامهم الاقتصار على بناء أدنى العدد في نحو: إِبِل وآبال، وفَخِذ وأفخاذ، وقمع وأقماع، ونحو ذلك من غير سبب داعٍ إلى ذلك من تضعيف أو غيره.
قال: "وأما ما كان منه من بنات الياء والواو فإنه لا يجاوز به أدنى العدد، كراهية هذه الياء مع الكسرة والضمة لو ثقَّلوا، والياء مع
الضمة لو خففوا". قال: " فلما كان كذلك لم يجاوزوا به بناء أدنى العدد؛ إذ كانوا لا يجاوزون في غير المعتل بناء أدنى العدد" يعني أنهم لو جمعوا الرشاء على فُعُل لكان اللفظ به "رُشُوٌ" فيلزم أن يرجع إلى "رشٍ". وكذلك في رداء رُدُءٌ، فتنقلب الضمة كسرة فيقال: رديءٌ ورُدْيٌ، فكرهوا الضمة مع الياء وليس بينهما حاجز حصين، فرفضوا ذلك، بهذه فسره ابن خروف.
وقال السيرافيُّ: إن فُعُلاً لو بقي على أصله لوجب أن يكون آخره واواً لانضمام ما قبله، فيكون كُسُوٌ وسُقُوٌ فيهما، ثم تقلب الواو قبلها في أَدْلُوٍ، فلما أداهم إلى هذا التغيير تجنبوا، ولم يخففوا إلا والتخفيف فرع عن التثقيل وفيه ما فيه. قال أبو الحسن: والدليل على أن الأصل التثقيل أن لغة من يقول: ظَرْفَ وعَلْمَ، وهؤلاء إذا ردُّوا / الفعل إلى المتكلم ضموا وكسروا، فدل ذلك على أنه الأصل. هذا ما علل به هذا الموضع، وهو راجع إلى باب الاستغناء،
وإليه رده سيبويه بعد التعليل بما ذكر.
وقد بقي على الناظم في هذا الحكم الذي ذكره اعتراضان واردان على لفظه:
أحدهما: أنه حكم باللزوم على ذي الإعلال مطلقاً، وذو الإعلال على وجهين، معتل اللام، ولا شك أن الحكم فيه ما ذكر، ومعتل العين، وليس حكمه كذلك، بل هو جارٍ مَجرى الصحيح مطلقاً، قال سيبويه:"وأما ما كان فيه - يعني من فِعَال - من بنات الواو التي الواوات فيهن عينات، فإنك إذا أردتَ بناء أدنى العدد كسَّرته على أفْعِلَة، وذلك: خِوان وأخْوِنة، وروَاق وأَرْوِقة، وبِوَان وأَبْوِنة"، قال:"فإذا أردتَ بناء أكثر العدد لم تثقِّل، وجاء على فُعْلٍ كلغة بني تميم في الحُمُر، وذلك قولك: خُوْنٌ، ورُوْقٌ، وبُوْنٌ"، ثم ذكر التعليل، ثم قال:"وإذا كان في موضع الواو من خِوان ياءٌ ثُقِّل في لغة من يثقل، وذلك قولك: عِيانٌ وعُيُنٌ".
فأنت تراه قد طرد حكم الصحيح في بنات الياء والواو، ثم ذكر فَعالاً وأجرى فيه حكم فِعالٍ من كل وجهٍ، فكلام الناظم فيه ما ترى من عدم تحرير العبارة.
والاعتراض الثاني: أنه قال: "والزمه في فَعالٍ" فذكر لفظ اللزوم، فإما أن يريد به: الزمه مطلقاً قياساً وسماعاً، فلا يجوز الانتقال عندنا عنه، ولم تنتقل العرب عنه أيضاً. وهذا باطلٌ، فإن العرب قد انتقلت عنه كما تقدم ذكره في أسْوَاءٍ في سواء، وأحياءٍ، وأحياءٍ في حياء، وأجْنَانٍ في جَنانٍ، وعُنُنٍ في عِنان. والقاعدة أنه لا بد من اتباع العرب في المسموع كله، وترك القياس معه، فإذن لم تلتزم العرب ذلك في هذه الألفاظ، ولا نلتزمه نحن أيضاً، وإن قلنا بالقياس في غيرها. وإما أن يريد القياس فقط، فما الفرق بين هذا الموضع والموضع المتقدم في فُعَلٍ حيث قال هنالك:
وغالباً أغناهم فِعُلانُ
فنبَّه على السماع غير الغالب، ولم ينبِّه عليه هنا، بل جعل حكم القياس لازماً، فكان الوجه أحد أمرينك / إما أن يقول في
الموضعين غالباً، وإما أن يترك ذلك في الموضعين.
وثمَّ اعتراض ثالثٌ، وهو أن هذا الموضع نبَّه في على استغناء العرب بأحد بناءَي الجمع عن الآخر، وكذلك في فُعَل. وهذا التنبيه في غاية التأكيد، لأن إطلاق القياس فيه خطأ؛ إذ كان واجباً علينا أن نستغني عما استغنت عنه العرب، وإن كان القياس يعطيه، كما قالوا في: وذَرَ ووَدَعَ ونحو ذلك، فلا يجوز لنا نحن أن نتكلم بما تركته العرب مما علِمْنَا قصدها لتركِهِ، وإذا كان كذلك كان من حق الناظم أن يلتزم التنبيه على هذا في مواضع الاستغناء في هذا الباب، إذ كان فيه كثيراً جداً، ولم يفعل هذا، ألا ترى أن من أبنية الثلاثي التي تقدم له ذكرها ما يقتصر فيه على أفعال في القلة والكثرة، وذلك خمسة أبنية.
أحدها: فَعِلٌ نحو: كَبِدٍ وأكباد، قالوا: قلَّما يجاوَزُ به أدنى العدد، والذي خرج منه قولُ: وَعِلٌ ووعُولٌ، ونمرٌ ونمور، قال سيبويه:"شبهوها بالأسود". وعلى أن الناظم يظهر منه بعدُ أن فُعولاً قياس فيه، وسيأتي ذكره، إن شاء الله.
والثاني: فِعَل نحو: قَمِع وأقماع. والذي خرج عن قولهم:
ضِلَعٌ وضُلُوع، وإرَم وأُرُوم، قال سيبويه:"كما قالوا النمور".
والثالث: فَعُلٌ نحو: عَجُزُ وأعجازٌ. والذي خرج منه قولهم: رجُلٌ ورجالٌ، وسَبُعٌ وسِبَاعٌ، قال سيبويه:"جاءوا به على فِعال كما جاءوا بالضِّلَع على فُعُول".
والرابع: فِعِلٌ، قالوا: إِبِلٌ وآبالٌ. ولم يجاوزوه.
والخامس: فُعُل نحو: طُنُبٌ وأطنابٌ. ولم يجاوزوه على ظاهر نقلهم.
وإذا ثبت هذا كان تركه التنبيه على هذا إخلالاً، مع أنه ربما كان له في هذا الباب من هذا النوع لم ينبه عليها.
والجواب عن الأول لا أتحقُّقُهُ الآن، وعن الثاني أنه أراد بقوله:"الزمه" أي: قياساً، لا تتعدَّه إلى غيره. ولا تناقض بين هذا الكلام وبين ما تقدم له، لأنه آمرٌ هنا بالتزام ما يجب التزامه، وكونه وُجِدَ في السماع شيءٌ ويخالفه نادراً لا يضرُّ عدم التعرض له. وأما قوله:
وغالباً أغناهم فِعْلان
فهو لم يخبر بالقياس، وإنما أخبر / بمحصول السِّماع فيه، ولا شك أن المحصول فيه ما قال من غلبة فِعْلان على فُعَلٍ، ووجود أفعال
فيه قليلاً. ثم في هذا الإخبار ما يعطي أن القياس هو الاستغناء بفعلان مطلقاً، وأنه الملتزَمُ لا غيره، لأن القياس إنما يكون على الشائع دون النادر، فاتفق الموضعان في الحكم بالتزام القياس، وإن اختلف الإيرادان. وهذا ظاهر.
وأما الثالث فإن الاستغناء فيما ذكره وفيما لم يذكره أكيدٌ كما ذكر، فإنه يحتاج إلى ذكره لعدم حصول المقصود عند عدم التعرض له، ولا سيما فيما إذا كان الاسم مما يُجمع جمعَ سلامة لا بالألف والتاء ولا بالواو والنون، فإنه إن كان مما يجمع جمع سلامة فبناء التكثير فيه لا يقوم مقام بناء القليل، وإنما للقليل فيه التسليم لا التكثير. هذا ظاهر كلام النحويين، وهو الذي يعطيه القياس أيضاً، إذ لا يُعدل في إرادة القليل عما يدل عليه من الصيغ بخصوصه إلى ما لا يدل عليه بخصوصه إلا لموجب، ولا موجب فيما يسوغ فيه جمع السلامة، وهو دال على التقليل، أن يؤتى فيه ببناء التكثير إذا أريد
القليل إلا عند فهم الاستغناء، فهاهنا يصير كلام الناظم مشكلاً جداً! والذي أوجب ورود هذا الإشكال أمران:
أحدهما: تركه ذكر موضع استعمال جمع السلامة، وأن يستعمل للقليل إما في الأصل والغالب من الاستعمال على مذهب سيبويه والأكثر، وإما على الاشتراك على مذهب غيرهم.
والثاني: عدم ذكر التنبيه على جميع مواضع الاستغناء فيما ذكر من الجموع.
والضمير في قوله: "والزَمْهُ" عائدٌ إلى "أفْعِلَة". و"في فَعَال أو فِعالِ" على حذف مضاف، و"مصاحبي" حال من المثالين، أي: الزم هذا البناء في جمع فَعال أو فِعالٍ حالة كونهما مصاحبين للتضعيف أو للإعلال.
***
فُعْلٌ لنحو أحمرٍ وحَمْرا وفِعْلةٌ جمعاً بنقلٍ يُدْرَى
أتى في هذين المزدوجين ببناءي جمع، أحدهما للقلة وهو فِعْلة،
وهو رابع الأبنية التي للقلة، والآخر "فُعْلٌ"، وهو خامس / أبنية الجموع وأول أبنية الكثرة. وكان اللائق بحسن الترتيب أن يذكر "فِعْلة" أولاً ليضمه إلى أشكاله من جوع القلة، ثم يذكر "فُعْلاً". ولم يفعل ذلك، ولعله أخَّرَ ذكره تنبيهاً على كونه لا يقاس عليه، بل يوقف فيه على السماع، فلم يحفِل به أن يكون مرتباً في الذكر على أشكاله، ولم يترك ذكره لشهرته على السنة المعربين المختصرين وغيرهم، والله أعلم.
فأما فِعْلَة فذكر أنه يُدرى بالنقل، فقوله:
وفِعْلَةٌ جمعاً بنقل يُدرى
يعني أن هذا البناء على فِعْلَة - بكسر الفاء وسكون العين - إذا كان جمعاً فإنه إنما يدرى، أي يعلم، ما هو جمع له من المفردات، بالنقل من كلام العرب، ولا يعلم بالقياس كما يعلم سائر ما ذكر بالقياس، بل لم يطرد فيه حال يبنى عليه، فوقف على محله. والذي استقرئ في السماع منه أن يكون جمعاً لفَعيلٍ، قالوا: صَبيٌّ وصِبْيَةٌ، وعليٌ وعِلْيَة، وجليل وجِلَّةٌ، قال النمر:
أزمان لم تأخذ إليّ سلاحها (إبلي) بِجِلّتها ولا أبكارها
ولفَعَل، (قالوا): فتىً وفِتْيَة، وأخٌ وإِخوَة، وولد ووِلدة. على هذا حمل الفارسي في التذكرة وِلْدَة وشبهه بأخٍ وإخوة. قال: وإذا كان كذلك فليس للإعلال عليه طريق، لأنه ليس بمصدر. فإنا لِدَةٌ فمصدر.
ولِفَعْلٍ، قالوا: شيخ وشيخة. ولِفُعَال - بضم الفاء - قالوا: غلام وغِلْمَة، وشجاع وشجعة، ولفَعَال - بفتح الواو - قالوا: غزال وغِزْلَةٌ، وشجاعٌ وشجعة. ولفِعَل - بكسر الفاء وفتح العين - قالوا: ثِنًى وثِنْيَةٌ، والثنى: الذي يكون دون السيد، يثنى به الأمور، أنشد الفارسي في التذكرة:
طويل اليدين رهطُهُ غيرُ ثِنْيَةٍ أشَمُّ كريمٌ جارُهُ لا يُرهَّبُ
كذا قيدته من كتاب شيخنا القاضي. وفي الصحاح: "جارُهُ لا يُرَهَّقُ"، ونسبه الجوهري للأعشى، وجعل ثِنْيَة جمع ثُنْيَان، قال:"والثُّنيان بالضم: الذي يكون السيد في المرتبة، والجمع ثِنْيَة". وأنشد البيت. فلم يجعله الجوهري جمع ثِنى كما حكاه شيخنا القاضي عن بعض الشيوخ، لكنه حكى أثر ذلك أنه يقال أيضاً: ثِنًى وثُنًى، بالكسر والصم، ولم يذكر أن يجمع ذلك الجمع. فقد حصل من الجوهري أن فِعْلَةَ جمعٌ لفُعلان.
ويكون أيضاً / جمعاً لفَعُل بفتح الفاء وضم العين، قالوا: رِجْلَة في جمع رجل، بمعنى راجل، وهو الذي لا ظهر له يركبه في سفره.
فهذه ثمانية أبنية جاء فيها الجمع على فِعْلَة، وكل ذلك سماع لم يبلغ القياس عليه.
فإن قيل: لم قال: "وفِعْلَةٌ جمعاً" فقيده بكونه جمعاً؟ فإن الظاهر أنه فضلٌ لا حاجة إليه، إذا قد تقدم له أن هذا البناء جمع من جموع القلة، ثم ذكره مع أمثاله، ولا يقال: إنه تحرز من كونه بناء مفرد فخاف أن يلتبس به، لأنا نقول: هذا فاسد، لأن أكثر أبنية الجموع مشتركة بينها وبيم المفردات كفِعالٍ وفُعُولٍ وفُعُلٍ وفُعَلٍ،
وما أشبهها، فهذا العقد عنده مطَّرَحٌ، فبقي الموضع وارد السؤال.
والجواب عن ذلك: أنه نبه بقوله جمعاً على مذهب من زعم أن فعلة من أسماء الجموع مثل: صَحْب ورهط ونَفَر وجامل وباقر، ونقل المؤلف هذا المذهب عن ابن السراج.
ومذهب الجمهور أنه جمع حقيقة، والحاكم بين الفريقين في هذا جريان ضابط أسماء الجموع في هذا البناء أو عدم جريانه، وذلك أن اسم الجمع تحكم له العرب بحكم المفرد في أحكام كثيرة، فتخبر عنه إخبار المفرد المذكر فتقول: الصحب جاء، والرهط أقبل، ومن ذلك جريان نعت المفرد نحو قول الشاعر:
أخشى رُكيباً أو رُجَيلاً عاديا
وكذلك النسب إليه على لفظه، وغير ذلك من الأحكام الخاصة باسم الجمع، دون حقيقي الجمع، فإن كانت العرب قد عاملت فِعْلَةَ
هذه المعاملة في غير اضطرار شعري أو ندور فلا شك أنه اسم جمع، وإلا فهو جمع بلا شك أيضاً، فلأجل هذا المعنى نبه الناظم على كونه جمعاً. وأيضاً فإنه حكم على هذا البناء بالحكم الموجود لأسماء الجموع القليل في الجموع الحقيقية، لأن أسماء الجموع موقوفة على السماع لم تطرد في مستعملاتها، ولا حصل فيها كثرة توجب القياس. وبهذا الحكم حكم على فِعْلَةَ إذ قال:"بنقلٍ يُدرى" ولم يذكر أنه قياس في شيء. وهذا قليل في الجموع، كما حكوا فِعْلَى في الجموع، ولم يأت في كلام العرب جمعاً إلا لِحَجَلٍ وظَرِبَانٍ، قالوا: / حِجْلَى وظِرْبَى، قال عبد الله بن حجاج الثعلبي:
فارجم أُصِيْبِيَتي الذين كأنهم حَجْلَى تدرّج بالشربة وُقَع
وقال الفرزدق:
وما جعل الظربى القصار أنوفها إلى الطم من موج البحار الخضارم
فلما كان الموضع موهماً باسم الجمع احترز من ذلك بقوله: "جمعاً" وهو حال من ضمير "يدرى" أي: يُدرَى بالنقل حالة كونه
جمعاً. ودَرَيتُ الشيء، ودريتُ به، أي: علمتُ به.
وأما فُعْل، ٌ فقال فيه:
فُعْلٌ لنحو أحمرٍ وحَمْرَا
يعني أن هذا البناء من أبنية جمع الكثرة يكون لنحو أحمرَ حمراء، وما كان (على وزنهما و) على حالهما. وكونه خَصَّ هذين المثالين يدل على أن جمع غيرهما من الأمثلة المعلومة للمفردات على فُعْلٍ إما معدومٌ أو محفوظٌ، فممَّا هو فيه محفوظ قولهم في فُلُوٍّ: فُلْوٌ، قال الشاعر:
فُلْوٌ ترى فيهن سر العِتْقِ
بين كماتيّ وَحْوٍّ بُلْقِ
وفي مَنِيٍّ: مُنْيٌ، قال الشاعر:
أسلمتموها فباتت غير طاهرة مُنْيُ الرجال على الفخذين كالمومِ
وقالوا: سَقف وسُقف، وفَرس وَردٌ، وخَيلٌ وَردٌ، وعائذ وعُوذٌ، وحاجٌّ وحُجٌّ، قال الشاعر:
وكأن عافية النُّسور عليهم حُجٌّ بأسفل ذي المجاز نُزُولُ
وأسَدٌ وأُسْدٌ، وبَدَنةٌ وبُدْنٌ. وذلك ونحوه لم يكثر فيقاس.
وهذان المثالان من باب أفْعَل وفَعْلاء، ولهما في مثاله أوصاف لأجلها مثل بهما، وباجتماعهما يحصل القياس في جمعهما على فُعلٍ، وذلك وصفان:
أحدهما: أن يكونا وصفين.
والثاني: أن يكونا متقابلين بالتذكير والتأنيث، فيكون أفعَلٌ للمذكَّر، وفَعْلاء للمؤنث.
فأما كونهما وصفين فلا بد منه، فإن أفعل إذا كان اسماً لم يجمع
قياساً على فُعْل، وإنما قياسه على أفاعِلَ نحو: أفْكَلٍ وأفاكِلَ، وأيْدَعٍ وأيادِعَ. وكذلك فَعْلاءُ اسماً نحو: العَزْلاء، لفمِ المزَادة، والعَوْصَاء للشدة، والحَوجَاء للحاجة، لا تُجمع على فُعْلٍ. وأما كونهما متقابلين بالتذكير والتأنيث فهو أن يكون أفعَلُ المذكَّرُ يقابله فَعْلاء، وفَعْلاء المؤنث يقابله أفْعَلُ، وهو تحرز من الأفعل الذي يقابله الفُعْلَى، فإنه إذا كان يقابله الفُعْلَى لم يُجمع على فُعْل، وإنما قياسه الأفاعل / في المذكر والفُعَل في المؤنث نحو الأفضل والأفاضل، والفُضْلَى والفُضَل. وسيأتي ذلك في كلامه إن شاء الله.
وأيضاً فتحرز من أفعل وفعلاء اللذين لا يتقابلان أصلاً في كلام العرب، بل كل واحدٍ منهما في الاستعمال غير مقابل بصاحبه، فمثل هذا لا يجمع على فُعْلٍ قياساً، وإنما لكل واحدٍ جمع يختص به غير هذا لا يُجمع على فُعْل قياساً، وإنما لكل واحدٍ جمع يختص به غير هذا إن كان نحو حُلَّةٍ شوكاء، ودِيمةٍ هَطْلاء، وامرأةٍ عَجْزاء، ورجلٍ آلَى، وما أشبه ذلك مما لم تستعمل العرب له مقابلاً بذلك اللفظ، فإن سمع في مثل هذا فُعْلٍ فموقوف على السماع، كقولهم: حدائقُ غُلْبٌ، ولم يقولوا: أغلب، ونوقٌ كُومٌ، ولم يقولوا: جَمَلٌ
أكْوَم، قال تعالى:{وحدائق غلبا} . وقال الفرزدق أنشده سيبويه:
وكُومٍ تُنعِمُ الأضيافُ عَيْناً وتُصبِحُ في مَبَارِكِهَا ثِقالا
فإذا اجتمع الوصفان جمع أفعل وفعلاء على فعل نحو: أحمر وحمراء، وأصفر وصفراء، وأبيض وبيضاء، تقول: حُمْرٌ وصُفْرٌ وبيضٌ. وكذلك أصمُّ وصمَّاء، وأبكَمُ وبكماء، وأعمى وعمياء، تقول: صمٌّ وبُممٌ وعُمْيٌ. وكذلك سائر ما كان مثل ذلك. هذا هو القياس، وقد يجمع على فعلان نحو: سودان، وحمران، وبيضان. وعلى فُعْلى أيضاً نحو: أجرب وجرْبى، وأحمقَ وحمقى. وهو قليلٌ أيضاً.
إلا أن الناظم هنا دَرَكاً من أوجه:
أحدهما: أن قوله: "لنحو أحْمَر وحمرا" يوهم عدم اشتراط التقابل؛ لأنه إنما يؤذِنُ أنه أتى جمعاً لهذين المثالين خاصة لعطفه أحدهما على الآخر، فصار كقولك: أفعال لنحو بَيتٍ وطَلَلٍ. فهذا ليس فيه ما يوهم تقابلاً البتَّةَ، فكذلك أحمرُ وحمراءُ فسواءٌ ما مثَّل به،
وقولك: أحمرُ وأدماءُ. والذي يعطي التقابل المراد قولك: لنحو أحمر حمراء، وحمراء أحمر. وإذا كان لا يعطي معنى التقابل مع أنه قد تقدم اشتراطه، وما تقدم من تفسير كلامه باعتبار الوصفين فغير متعين، فأشكل إذاً وأوهم.
والوجه الثاني: أن ما مثَّلَ به لا يخلو إما أن يراعى فيه وصف التقابل على ما مضى أو لا يراعى، فإن كان مراعًى اقتضى أن كل ما ليس له مقابل من أفعل وفعلاء وصفين فلا يجمع على فُعْل قياساً. وقد مضى / هذى، لكنه غير صحيح في إطلاقه، لأن أفعلَ وفعلاءَ إذا لم يتقابلا فإنهما على قسمين، أحدهما: أن يكون ذلك لمجرد السماع لا لمانع سواه، وهذا لا يجمع على فُعْلٍ إلا سماعاً كما تقدم، نحو: حلَّةٍ شوكاء ولم يقولوا: ثَوْبٌ أشوَك. وديمةٍ هطلاء كما تقدم، ولم يقولوا: سحاب أهطل. وامرأةٍ عجزاء ولم يقولوا: أعجز. وكذلك رجلٌ آلي ولم يقولوا: أَلْيَاءُ. فكلام الناظم في هذا القسم غير صحيح.
والثاني: أن يكون عدم التقابل لمانع في الخلقة، أي لعدم المعنى الذي اشتق له الوصف من أحدهما ووجوده في الآخر، كقولهم: عَذْراء، ولم يقولوا: أعْذَر، لعدم العُذرة في المذكر، وعَفْلاء، ولم
يقولوا أعْفَل. ورجلٌ آدَرُ، ولم يقولوا: أدراءُ. فهذا ونحوه يجمع على فُعْل قياساً، ألا ترى قال في التسهيل حين ذكر فُعْلاً:"وهو لأفعلَ وفَعْلاء وصفَين متقابلين أو منفردين لمانعٍ في الخِلقة، فإن كان المانع الاستعمال ففُعْلٌ فيه محفوظ". فأنت ترى أن ما أعطاه المثال من التقييد بالتقابل غير صحيح في هذا القسم، فإن كان وصف التقابل غير مراعًى اقتضى أن كل ما كان على أفعل أو على فَعْلاء من الأوصاف يجمع على فُعْلٍ في القياس، وهذا باطلٌ لما تقدم في نحو: آلَى وشَوْكاء وهطلاء وشبهه.
والوجه الثالث: أنَّ من أفْعَلَ وفَعْلاء المتقابلين بالتذكير والتأنيث ما لا يُجمع على فُعْلٍ قياساً، وذلك ما كان من نحو الأبرق والبرقاء، والأجرع والجرعاء، والأبطح والبطحاء، ونحو ذلك، فإنه إنما يُجمع المذكر فيه على أفاعل فتقول: أباطِحُ وأبارقُ وأجارعُ، قال:
وكائِن بالأباطحِ من صديق يراني - لو أصبت - هو المصابا
ويجمع المؤنث على فِعَالٍ نحو: بطاح وبراق. أما فُعْلٌ فلا يجمع عليه، وإذا كان كذلك فإطلاقه المقتضى لجمع هذا النوع على فُعْلٍ مفتقر إلى التقييد.
والجواب عن الأول: أن اشتراط التقابل مقصودٌ لهن وكلامه يعطيه بالتمثيل، لأن قوله:"لنحو أحمرٍ" يتضمن أنه مذكر حمراء، لأن من وصفِ أحمرَ أن يكون مؤنثه على حمراء، وكذلك قوله:"وحمرا" يتضمن أنه مؤنث أحمر، لأن ذلك من وصف حمراء. وإذا كان / على هذا الترتيب لم يبق إشكالٌ في كلامه.
والجواب عن الثاني: أن كلامه في أحمر وحمراء موافقٌ لكلام سيبويه والفارسي وغيرهما، إذ يطلقون القول بذلك، وأن أفعلَ وفَعْلاء يُجمعان على فُعْلٍ مطلقاً، ويمثلون بنحو ما مثَّل به الناظم، ولا يستثنون من ذلك شيئاً، قال سيبويه:"وأما أفعلُ إذا كان صفة فإنه يُكسَّرُ على فُعْلٍ [كما كسَّروا فَعُولا على فُعُلٍ]، لأن أفعل من الثلاثة، وفيه زائدةٌ، كما أنَّ فَعُولاً فيه زائدةٌ، وعدة حروفه كعدَّة حروف فَعُول". ثم قال: "وذلك أحمر وحُمْر، وأخضر
وخُضُر" .. إلى آخر التمثيل، ثم حكى جمعه على فُعْلان، ثم قال: "والمؤنث من هذا يُجمع على فُعْلٍ، وذلك حمراء وحُمْرٌ، وصفراء وصُفْرٌ" انتهى.
فلم يتعرض لغير ذلك مما ذكره المؤلف في التسهيل، وذلك - والله أعلم - لقلة ما كان له مانع من الخِلقة، فالقول بالقياس لا ينبغي أن يُقدم عليه، والأحوطُ وقفه على السَّماع. وأما ما كان المانع فيه الاستعمال فقد ثبت أنه محفوظٌ، فكلام الناظم إذ ذاك لا اعتراضَ فيه.
والجواب عن الثالث: أن الأبطح ونحوه من النظائر أصلها الصفة، إلا أن العرب استعملتها استعمال الأسماء، قال سيبويه في مسألة أفعل فُعْلَى، وأنه استعمل استعمال أَفْكَلٍ وأجْدَلٍ، كما قالوا: الأساود والأباطح حيث استعمل استعمال الأسماء، فلما كان كذلك الحق بالأسماء حكماً، فليس إذاً من الصفات، فلا يدخل على كلام الناظم، والله أعلم.
***
وفُعُلٌ لاسم رباعيَ بِمَد قد زيد قبل لامٍ اعلالاً فَقَدْ
ما لم يضاعف في الأعمِّ ذو الألف وفُعَلٍ جمعاً لفعْلة عُرِفْ
ونحوِ كبرى، ولفَعْلةٍ فِعَلْ وقد يجيء جمعُهُ على فُعَلْ
في نحو رامٍ ذو اطراد فُعَلَهْ وشاع نحو كاملٍ وكَمَلَهْ
هذا الفصلُ يحتوي على ذكر جموع من جموع الكثرة، وهي: فُعُلٌ، وفُعَلٌ، وفِعَلٌ، وفُعَلَةُ، وفَعَلَةُ.
فأما فُعُلٌ - بضم الفاء والعين - و (وهو) السادس من أبنية الجموع فذكَرَ أنه يُجمع عليه قياساً ما كان اسماً غير صفة رباعياً بمدة زائدة قبل اللام، ولم تعتل لامه، ولا ضوعف منه ذو المد بالألف. وهذا العقد من كلامه قد اشتمل على أوصاف بحصولها يقاس هذا الجمع.
/ أحدهما: أن يكون اسماً غير صفة، وذلك قوله:"وفَعَلٌ لاسم"، فإنه إن كان اسماً جرى فيه فُعُلٌ قياساً، فلو كان صفةً لم يجمع على فُعُلٍ، فلا تقول في كريم: كُرُم، ولا في قتيل: قُتُل، ولا في رَكُوب: رُكُب، ولا في جبان: جُبُن، ولا في ضَنَاكِ - وهي المرأة المكتنزة:
ضُنُك، ولا ما أشبه ذلك. وما جاء منه على فُعُلٍ فمسموعٌ، كما قالوا: نذير ونُذُر، قال تعالى:{هذا نذير من النذر الأولى} . وقالوا: جديد وجُدُد، وسَدِيس وسُدُس، وثَنِيٌّ وثُنٍ، وفصيح وفُصُح. شُبِّهَ ذلك بالأسماء حيث استعملوه كما تستعمل الأسماء.
والثاني: أن يكون رباعياً، وذلك قوله:"لاسمٍ رباعي" فههنا يُجمع على فُعُل، فإن كان ثلاثياً لم يُجمع على فُعُل إلا سماعاً، نحو قولهم: رَهْنٌ ورُهُنٌ، وقُرئ:{فرُهُنٌ مَقبوضة} - وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو - وسَقْفٌ وسُقُف، قال تعالى:{سُقُفاً من فضة} . وقالوا: نَمِرٌ ونُمُرٌ (قال الشاعر:
فيها عيايِيْلُ أسُودٌ ونُمُرْ)
وقالوا: ثمرة وثُمُر، قال تعالى:{وكان له ثُمُر} .
وحِدْجٌ وحُدُج، وسِتر وسُتُر، قال:
والمسجدان وبيتٌ نحن عامِرُهُ لنا وزَمْزَمُ والأحواضُ والسُّتُرُ
والثالث: أن يكون بمدة زائدة، فإنه إن لم يكن كذلك فليس له فُعُل، وإنما له فعائل، كجعفر وجعافر، وجوهر وجواهر.
والرابع: أن تكون مزيدة قبل اللام فتقع ثالثة، وذلك قوله:"بمدّ قد زيدَ قبل لام"، أي: زيد ذلك المد قبل لام الكلمة، تحرزاً من زيادته قبل ذلك كفاعلٍ، فإنه لا يُجمع على فُعُلٍ، وإنما بابه فواعل كحائِطٍ وحوائِطَ، وكاهلٍ وكواهل.
والخامس: أن تكون اللام غير معتلة. وذلك قوله: "إعلالاً فقدْ". فقوله: "فقدْ" فعلٌ ماضٍ، فاعله ضمير اللام، وإعلالاً مفعول
به، والجملة في موضع الصفة أي: قد زيد قبل لامٍ فاقدة الإعلال. فإذا كان كذلك جمع على فُعُل، تحرُّزاً من أن تكون اللامُ معتلَّةً، فإنَّ الاسم إذ ذاك لا يجمع على هذا البناء، نحو: عَدُوٍّ وحِباءٍ وسَماءٍ وسريٍّ للنهر، فلا تقول: عُدٍ، ولا: حبٍ، ولا: سمٍ، ولا: سرٍ، ولا ما أشبه ذلك، وإنما لم يجمعوه على فُعُل كراهية اعتلال الياء والواو في هذه الأشياء.
/ والسادس: ألا يضاعف منه ما كانت المدة فيه ألفاً، وذلك قوله:
ما لم يضاعف في الأعمِّ ذو الألف
أي: هذا الحكم جارٍ ومستتبٌّ إذ لم يكن ذو الألف الزائدة قبل الآخر مضاعفاً، فإنه إذا كان كذلك لم يجمع على فُعُل في الأغلب الأعم، فلا تقول في نحو مداد: مُدُد، ولا في جَنان: جُنُن، ولا في رَباب: رُبُب، ولا ما أشبه ذلك كراهية التضعيف.
وقوله: "في الأعم" تنبيه على أن امتناع فُعُل في هذا النوع أكثريٌّ ليس بممنوع البتة، بل قد جاء في كلام العرب منه شيء،
قالوا في عِنان: عُنُن، وقالوا: ذُباب وذُبٌّ. فأما إذا اجتمعت هذه الأوصاف فيقتضى كلام الناظم إطلاق القياس في الجمع على فُعُل، سواء أكان مضاعفاً أم غير مضاعف، ألا ترى أنه استثنى نحو جَنان وعِنان من هذا، فدل على قصده لدخول ما عداه. وكذلك أيضاً يقتضي إطلاقه القياس سواء أكان الاسم معتل العين أم صحيحهما، لتقييده فقْدَ الإعلال باللام. وكذلك يقتضى القياس سواءٌ أكان مذكراً أم مؤنثاً، فتقول في الصحيح: قضيبٌ وقُضُبٌ، وكثيب وكُثُبٌ، ورغيفٌ ورُغُفٌ، وعمود وعمد، وزبُور وزبر، وجدار وجدر، وكتاب وكتب، وقُراد وقُرُد، وفَدَانٌ وفُدُنٌ، وقَذَالٌ وقُذُلٌ.
وتقول: في المضاعف: سريرٌ وسُرُر.
وفي المعتل العين: خِوَان وخُوْنٌ، ورواقٌ ورُوْثٌ، وعِيانٌ وعُيُنٌ، وسوارٌ وسُورٌ. ونحو ذلك.
وتقول في المؤنث: شمالٌ وشُمُل، قال الأزرق العنبري، أنشده سيبويه:
طِرْنَ انقطاعَة أوتارٍ محظرَبةٍ في أقْوُسٍ نازعتها أيمُنٌ شُمُلا
وأتانٌ وأُتُنٌ، وقَلُوصٌ وقُلُصٌ. فهذا كله مما يتناوله لفظ الناظم كما ذكر.
ثم قال: "وفُعَلٌ جمعاً لفُعلةٍ عُرف ونحو كبرى". هذا هو الجمع الثاني من الجموع التي يحتوي عليها هذا الفصل، وهو فُعَلٌ - بضم الفاء (وفتح العين - وذكر أنه يكون جمعاً لنوعين:
أحدهما: ما كان من الأسماء على فُعْلَة - بضم الفاء) وذلك قوله: "جمعاً لفُعْلَةٍ عرف" أي: عُرف هذا الجمع لهذا النوع من الأسماء. ويقتضي هذا الإطلاق / شُمولَ ما كان منه صحيحاً، أو معتلاً، أو مضاعفاً، أو غير ذلك، ومثال ذلك: غُرفةٌ وغُرَف، وخَصلةٌ وخُصَلٌ، وحفرة وحفر، ونقرة ونُقَرٌ، وسورة وسورٌ، ودولة ودُوَل، وتومةٌ وتُوَمٌ، ودرة ودرر، وصرة وصرر، وسُرَّةٌ وسُرَرٌ، (وجُدَّةٌ وجُدَدٌ)، وقوة الحبل والجمع قُوًى، وكوَّةٌ وكوًى، ومديَةٌ
ومُدًى، وخطوة وخطًى. وتقييده بفُعْلَةَ دليل على أن غيره مما لا يكون ثلاثيا مضموم الفاء مؤنثاً بالهاء لا يجمع على فُعَل قياساً، وما جاء كذلك فشاذ، فمما جُمع على فُعَل وهو فَعْلَة قولهم: دولة ودول، ونَوبة ونُوَب، وقرية وقرْى. أو على فِعْلةَ قولهم: حِليةٌ وحُلًى، وسيذكره أو مؤنثاً بالألف المقصورة نحو الرؤيا والرُّؤَى، والسقيا والسُّقَى، وسيذكر ذلك أيضاً. وقالوا في غير الثلاثي: عُجَايةٌ وعُجًى، وهي عصبة تتصل بالحافر - وعَدُوٌّ وعُدًى.
وفي هذا الكلام ما دل على مخالفة الناظم للفرَّاء والمبرد. أمَّا مخالفته للفراء فلأنَّ الفراء يجمع ما كان فَعَلة - بفتح العين - على فُعَل قياساً إذا كان واويَّ العين نحو ما ذكر من دَولة ودُوَل، ونوبة ونُوَب. فيقول قياساً على ذلك في جَوبة - للفرجة بين السحابة: جُوَب، وفي حُوَب، وفي روثة الأنف: رُوَث - وما أشبه ذلك. والسَّماع هذا الشاهد في هذه المسائل، وقد علمت أن مثل هذا قليل لا يعتد بمثله في القياس.
وأما مخالفته المبرد فلأن المبرد يقيس على فُعْلة بالتاء ما كان مؤنثاً دون تاء نحو: جُمْل، فيقول في جمعه: جُمَل، قال في المقتضب: فإن سَميتَها جُمْلاً أو حُسْناً قلت: حُسُنات وجُمُلات، كما تقول: ظُلَماتٌ وغُرَفاتٌ. قال: فإن قلتَ في هِنْد: هِنَد كما تقول: كِسَر وجُمَل وحُسَن، كما تقول: ظُلَم وغُرَف - فجيد بالغ" انتهى.
وكأنه اعتبر في فُعلَةَ التأنيث فقاس عليه المؤنث وإن لم يكن بالتاء. ولم يرتضِ غيره هذا، بل اتبع السَّماعَ / كسيبويه وغيره. وظاهر كلام المبرد أن هذا الجمع في نحو: هِنْدٍ وجُمْلٍ مختص بالأعلام، إذ لم يذكره إلا فيها، وحيث ذكر نحو: بِئْرٍ ورِجْلٍ وأُذْنٍ وغُوْلٍ، أعني مما ليس بعلَم لم ينبِّه فيه على هذا الجميع، بل على طريقة الجمهور،
فانظر في ذلك، فإن المؤلف في التسهيل إنما حكى الخلاف عنه على الإطلاق.
وعلى الناظم في هذا النوع درك من وجهين:
أحدهما: أنه لم يقيِّدْه بكونه اسماً لا صفةً، بل أطلق القول بأن ما كان على فِعْلة فجمعُهُ قياساً فُعَلٌ. وهو في الأسماء صحيحٌ كما تقدم تمثيلُهُ، وأما الصفات فقد نصَّ في التسهيل على كون هذا الجمع فيها نادراً محفوظاً فقال: "ويُحفظ أيضاً - يعني فُعَلاً - في نحو فُعْلةٍ وصفاً بعد ما قيَّد أولاً أنه جمعٌ لفُعْلَة اسماً. فيقتضي إطلاقه هنا أن يكون في الصفة أيضاً قياساً. وإنما هو محفوظٌ، قالوا: بُهمة وبُهَم، وسُوقةٌ وسُوَقٌ، والبُهمة: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه.
والثاني: (وأنه) لم يقيده بكونه غير مضاعف، فإنه إن كان مضاعفاً فالقياس فيه فِعَالٌ نحو: قَبةٍ وقبابٍ، وجُبَّةٍ وجِبَابٍ، (وقُلَّةٍ) وقِلال. كذا يقول ابن أبي الربيع وغيره. وقد يظهر من كلام سيبويه
إذ قال: "والمضاعف بمنزلة رُكْبَةٍ، قال: والفِعَالُ كثيرٌ في المضاعف نحو: جِلالٍ وقِبابٍ وجِبابٍ". وكذا قال الفارسي.
والجواب أن يقال: أما الأول فالظاهر لزومه، وأما الثاني فالذي يظهر من كلام سيبويه أن القياس فيه فُعَلٌ لا فِعَالٌ، لأنه قال:"والمضاعف بنزلة رُكْبَةٍ" يعني في اقتباسه، ثم ذكر أنه يجمه أيضاً على فِعال كثيراً، ولا يلزم من ذلك كون فُعَل غير كثير، بل نقول: لو كان فِعالٌ عنده قياساً لقال: إنه يُجمع أيضاً قياساً على فِعالٍ. فليس في حكاية الكثرة دليل على قياسه، وعبارة الفارسي كعبارة سيبويه.
والنوع الثاني مما يُجمع على فُعَلٍ ما كان نحو الكبرى، وذلك قوله:"ونحو كبرى" وهذا المثال ينبئ عما كان من الصفات على الفُعْلى أنثى الأفعل / فهو يُجمع وصفين:
أحدهما: أن يكون وصفاً لا اسماً، فإن كان اسماً لم يُجمع هذا الجمع نحو: أُبُلَى - اسم وادٍ - والحمّى، وحُزْوى، والقصوى، وسُعدى، وبُهمى. وما جاء على فُعَل من هذا فشاذ نحو الرؤيا والرؤَى والسقيا والسقى، وقال عبدالله بن حجاج أبو الأقرع أنشده ابن الأعرابي:
وإن أراد النومَ لم يَقضِ الكرى من هم ما لاقَى وأهوالِ الرؤى
والثاني: أن يكون مؤنث الأفعل، أي: إن المذكر إذا كان على الأفعل والمؤنث على الفُعْلى فإن فُعَلاً قياسٌ في هذا المؤنث، فلو كان
الفُعْلى غير تأنيث الأفعل لم يُجمع على فُعَل نحو: حُبْلَى وأنثى وأخرى - أنثى آخر بكسر الخاء - ومنه ما أنشده القالي رحمه الله:
وغادرنا يزيدُ لدى خُوَيّ فليس بآيبٍ آخرى الليالي
أراد: آخر الدهر. وشاةٌ رُبَّى، فمثل هذا لا يجمع على فُعَل.
فإذا اجتمع الوصفان جَمَعْتَ على فعل فقلت في الكبرى: الكُبَر، وفي الصغرى: الصُّغَر، وفي الأولى: الأُوَل، وفي الأخرى - تأنيث الآخر - الأخر، وفي الفضلى: الفُضَل، وفي العليا: العُلَى، وفي الدنيا - تأنيث الأدنى -: الدُّنَى، ونحو ذلك.
وقد تحصَّل من كلام الناظم هنا مخالفة الفراء في كونه يجيز جمع الفُعلى وإن لم يكن تأنيث الأفعل على الفُعَل قياساً كالرؤيا والرؤى، والسقيا والسُّقى، فيجوز عنده على ما نقل عنه في التسهيل أن يقال في أُبْلَى: أُبَل، وفي حُمَّى: حُمَم، وفي رُبَّى: رُبَب، وفي حُبْلَى: حُبَل. وخالفه في التسهيل فقال بعد ما ذكر: إنه "يحفظ في نحو الرؤيا ونوبة، ولا يقاس عليهما خلافاً للفراء" وفي لقلة السماع في
المسألة؛ إذ لا يقاس إلا ما اشتهر واطَّرد في كلام العرب لاسيما في أبواب التكسير والمصادر ونحوها مما هو أدخل في نقل اللغة منه في القياس.
وفي كلامه شيء من جهة اللفظ والمعنى، أما جهة اللفظ فإنه قال:"ونحو كبرى" فأتى دون ألف ولام، وفُعْلى الأفعل لا تُفارق الألف واللام، فلا يقال: امرأة كبرى ولا صغرى، وإنما يقال بالألف واللام أو الإضافة، ولذلك تأوَّلوا قراءة مَن قرأ:{وقولوا للناس حسنى} حكاها الأخفش أنها مصدر كالبشرى والرجعى / وقد لُحِّنَ ابن الرومي في قوله:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب
وأما ما فيه من جهة المعنى فإن فعلى على ثلاثة أقسام: صفة محضة، وهي الكبرى على مذهبه وسائر ما كان من فُعْلى الأفعل.
وهذا هو الذي مثل به. والثاني اسم محض كأُبلى ونحوه، ومنه تحرز. والثالث: صفة جرى مجرى الأسماء كالدنيا لهذه الدار. فمثاله يعطى أن الحكم المذكور مختصٌ بالصفة المحضة، فتخرج المستعملة استعمال الأسماء عن ذلك.
فأما الأول فالجواب عنه أنه جعل كبرى اسماً؛ إذ لم يقصد بها معنى الصفة، والصفة إذا استعملت استعمال الأسماء استعملت نكرة. وهذا معروف من مذهب ابن مالك، وسيأتي التنبيه عليه في التصريف، إن شاء الله.
وأما الثاني فلعل الصفة الجارية مجرى الأسماء عنده لا تُجمع على فُعَل قياساً، ولذلك قال في التسهيل:"والفُعلى أنثى الأفعل" فأخرج ما ليس كذلك. ويحتمل أنه عاملها معاملة أصلها فجعل لها فُعَلاً قياساً، كما جعل لها إبدال الواو من يائها التي هي لام قياساً. وأنا الآن لا أذكر في هذا نصاً لأحد، فانظر فيه.
ثم ذكر الجمع الثالث في هذا الفصل وهو فِعَل فقال: "ولفِعْلَةٍ فِعَلْ" يعني أن فِعَلاً - بكسر الفاء وفتح العين - جمعٌ لما كان من المفردات على فِعْلةَ - بكسر الفاء وإسكان العين - ويجمع هذا المثال في اعتبار القياس شرطين:
أحدهما: كسر الفاء وإسكان العين نحو: قِرْبَة وقِرَب، وعصمة وعِصَم، وإبرة وإبر، وعبرة وعبر. وكذلك المعتل نحو: قِيْمة وقِيَم، وديمة وديم، وحيلة وحيل، وسيرة وسير. وكذلك رِشْوَة ورشًى، وفرية وفرًى، وبنية وبنًى، وفدية وفدى. وكذلك المضاعف نحو: عِدَّة وعِدَد، وقِدَّة وقدد، ورِبَّة وربب.
فإن كان غير مكسور الفاء أو محرك العين فلا يُجمع قياساً هذا الجمع إلا بالسماع، نحو: مَعِدةٍ ومِعَدٍ، ونقمة ونقم، وضيعة وضيع، وقد قاس الفراء على هذا فأجاز أن يقال مثلاً في ضَرْبَة: ضِرَب، وفي صَحْفَةٍ: صِحَف. ومنه في كلامهم أيضاً: طال طِيَل فلان، والجمع الطِّيَلُ. وقالوا: هَضْبةٌ وهِضَبٌ، للمطرة الدائمة /
العظيمة القَطْر، قال ذو الرمة:
فَبَاتَ يُشْئِزُهُ ثأْدٌ ويُسْهِرُهُ تذاؤُبُ الرِّيحِ والوسواس والهِضَبُ
وهذا كله نادر.
ومن المسموع أيضاً (قامةٌ) وقِيَم للبكرة بأداتها، ولقامة الإنسان أيضاً، وصورةٌ وصِوَر، وحِدَأَةٌ وحِدَأ للفأس ذ 1 ات الرأسين.
والشرط الثاني: أن يكون مؤنثاً بالتاء كما تقدم في التمثيل، فإن كان غير مؤنث، أو مؤنثاً بغير التاء، لم يجمع كذلك إلا سماعاً، فمن الأول: قِشْع وقِشَع، وذِئْب وذِئَب، وهِدْم وهِدَم - للثوب الخلق - ومن الثاني: ذِكْرى وذِكَر. وقد قاس عليه الفراء كما قاس على هَضْبة ونحوه، فيجوز عنده أن يقال في السِّيْمَى: سِيَمٌ، وفي السِّعْلَى: سِعَلٌ، وفي الشِّعْرَى شِعَرٌ. ولم يرتضِ الناظ هذا كلَّه.
ثم قال:
وقد يجيءُ جَمْعُهُ على فُعَلْ
يعني أن فِعْلَةَ - بكسر الفاء - قد يأتي جمعه في السماع في فُعَل - بضم الفاء - كجمع فُعْلةَ، لكنه قليل، ولذلك أدخل قد في الكلام، ومثاله: إسْوَةٌ وأُسًى. وأنشد الأصمعي:
ولقد علمت وإن ضربتَ لي الأسَى أنَّ الرزيَّةَ كان يوم ذؤاب
وقال متمم بن نويرة:
لعمري وما دهري بتأبين هالك ولا جزع والدهر يعثر بالفتى
لئن مالكٌ خلَّى عليَّ مكانه لفي أسوةٍ إن كان ينفعني الأُسَى
يقال: أُسْوَةٌ وإسْوَةٌ. والعُدى: جمع عُدوة وعِدوة، وقد قرئ:{إذ أنتم بالعُدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} بالكسر والضم. والرُّشى: جمع رِشوة. قال أبو عبيدة: رِشْوةٌ ورِشى - بكسر الراء - ورُشْوة ورُشًى - بضم الراء - قال وقوم يَكسِرون أولها، يقولون:
رِشْوة، فإذا جمَعُوا ضَمُّوا أولها فقالوا: رُشًى، فيجعلونها باللغتين، وقومٌ يضمون أولها فإذا جمعوا قالوا: رِشًى بكسر الراء.
والصفى: جمع صِفوة وصَفوة، والذُّرى جع ذِروة. وأكثر ما يجيء هذا النوع في المعتل اللام. وعلى الناظم هنا نظر من أوجهٍ:
أحدها: أن هذا الجمع مختص بالأسماء، ولا تجمع الصفات عليه في القياس، وإنما للصفة الجمع بالألف والتاء، ولذلك قال في التسهيل:"ومنها فَعِل، وهو لفِعْلة اسماً" فأخرج الصفة عن ذلك نحو: نِقضَة ونِضْوة، وفلانٌ من كِبْرة / ولَدِ فلان ومن صِغْرته، فلا يقال: نضًى ولا نِقَض، ولا كِبَر ولا صِغَر، ولا نحو ذلك. وقد شذ من ذلك قولهم: ذِرْبَةٌ للمرأة الصخَّابة، قال الراجز:
يا سيد الناس وديَّان العربْ
أشكو إليكَ ذِرْبةً من الذّرَبْ
وظاهر الناظم أن ذلك قياس، إذ لم يقيد فعلة بكونه اسماً غير صفة.
والثاني: أن ما كان من الأسماء فاء الكلمة فيه ياء لم يجع على فِعَلٍ ولا على فِعَالٍ على حالٍ، لأن الكسرة في الياء أول الكلمة مستثقلة، ولذلك لم يجيء منه إلا لفظان في فِعَال وهما: يِعَارٌ - جمع يَعْر، وهو الجَدْيُ يُربَطُ في زبية الأسد -، ويِقَاظٌ جمعُ يَقُظٍ ويَقْظَان - ولم يستثن الناظم هذا، وقد نبه على ذلك في التسهيل فقال:" ولا يكون فِعَلٌ ولا فِعالٌ لما فاؤه ياءٌ إلا ما ندر كيِعارٍ".
والثالث: أن الاسم الناقص لا يُجمع وإن كان على فِعْلةَ إلا قليلاً غير مقيسٍ. وكذلك قيَّد الاسم المجموع هذا الجمع في التسهيل بكونه تاماً تحرزاً من نو: عِضَةٍ وعِدَةٍ ورِقَةٍ وفئةٍ ونحو ذلك، فلا يقال فيه: عِدًى، ولا رِقًى ولا: فِئًى، وسواءٌ أكان محذوف
الفاء أم اللام. وقالوا: قِضَةٌ - لضربٍ من الحمض - والجمع: قِضًى، ولِثَةٌ ولِثًى.
والجواب عن ذلك، أما الأول فالظاهر وروده. وأما الثاني فغير وارد، لأن ما فاؤه ياء من الأسماء غير داخل عليه، إذ كان إنما كان من المفردات على فِعْلة، وما كان هكذا فلا يوجد فاء الكلمة فيه ياء أصلاً للصلة التي لأجلها امتنع الجمع على فِعَل وفِعال، وهو استثقال الكسرة في الياء أول الكلمة، وإنما توجد الياء فاء الكلمة إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وليس كلام الناظم فيه، فلا اعتراضَ.
وأما الثالث فلم يحضرني الآن عليه جوابٌ، فلو كان مثلاً عِوَضَ "وفُعَل جمعاً" إلى آخره:
…
...
…
...
…
وفعلة اسماً فُعَلٌ له عُرِفْ
ونحو كبرى، ولفعلةٍ فِعَلْ اسماً متمًّا وأتى فيه فُعَل
لكان أسلم مما اعتُرض به عليه. ثم ذكر الجمع الرابع في هذا الفصل، وهو فُعَلَةُ فقال:
في نحو رامٍ ذو اطرادٍ فُعَلَة
إلى آخره. يعني أن ما كان من المفردات نحو رام، وهو اسم الفاعل من رمى يرمي، فإن جمعه المطرد فيه فُعَلَة - بضم الفاء وفتح العين - وإنما قال:"ذو اطرادٍ" فقيد / يهذا المعنى لأجل أنه قياسٌ لا ينكسر، فكل ما أتى على هذا النوع فإن فُعَلَة فيه سائغٌ. وقد يدخل
على هذا الجمع غيره، لكنه نادر وغير قادحٍ في الاطراد، فإذا قلتَ مثلاً: غازٍ وغُزًى، وعافٍ وعُفًى، وداعٍ ودواعٍ، قال الشاعر، أنشده الفارسي عن أبي زيدٍ:
ألا إن جيراني العشية رائحٌ دعتْهُم دواعٍ من هوًى ومَنادحُ
وما كان نحو هذا فإن ذلك لا يصرفنا عن جمعه على فُعَلة نحو غزاة وعُفاة ودُعاة، وقلَّما يطلق الناظم في هذا الباب لفظ الاطراد إلا تنبيهاً على هذا المعنى، كما قال:
في اسمٍ مذكّرٍ رباعي بمدَ ثالثٍ افْعِلَةُ عنهم اطَّرَدْ
فإن "أفعِلَةَ" هناك لا تكاد تجد غيره إلا مشاركاً له. فإذا تقرر هذا فقد نبه الناظم بمثاله على أن الذي يجمع على "فُعَلَةَ" باطرادٍ كل ما كان على فاعل (صفة لمذكر عاقل) معتل اللام.
أما كونه صفة فتحرز من الاسم نحو كاهل وغارب، فإن لهذا الصنف جمعاً سيذكره.
وأما كون الصفة لمذكر فلأنها إن كانت لمؤنث لم يجمع على "فُعَلَةَ" كحائضٍ وطاهرٍ وطامثٍ، وإنما يجمع على فُعَّلٍ أو فواعلَ كما سيذكره. وكذلك إذا كان التأنيث بالتاء نحو: راميةٍ وقاضيةٍ وداعيةٍ لا يُجمع على "فُعَلَة"، وإنما بابه فواعِلُ كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
وأما كونها لعاقل فمعتبر أيضاً، فإن فاعلاً إذا كان لما لا يعقل لم يُجمع على فُعَلَة إلا نادراً نحو: بازٍ وبُزاة، وشذوذه من جهة عدم العقل ومن جهة الاسمية.
وأما كون الصفة على فاعل فلأن غير فاعل لا يُجمع على "فُعَلَة" إلا نادراً نحو: غُوِيٍّ وغُوَاة، وقال أبو الأسود الدؤلي:
دع الخمر تشربها الغُواةُ فإنني رأيتُ أخاها مُغنياً لمكانها
وقالوا: عَدُوٌّ وعُدَاةٌ، أنشد سيبويه:
سَقَوني الخمرَ ثم تكنفوني عُدَاة الله من كذبٍ وزورِ
ونصَّ سيبويه على أن عُرَاة جمع عُريان. وهذا كله قليل.
وأما كونه معتل اللام فتحرزاً من الصحيحها نحو: قائمٍ ونائمٍ وصائمٍ وشاربٍ ونحو ذلك، فإن لها جموعاً أُخَرَ على ما سيذكره من فُعَّل وفُعَّال وغيرهما، فمثال ما اجتمعت فيه الشروط الخمسة: رامٍ ورُماةٍ /، وغازٍ وغُزَاةٌ، وقاضٍ وقضاة، وداعٍ ودعاةٌ، وبانٍ وبناةٌ، ورجلٌ سارٍ، وقومٌ سُرَاةٌ، وهادٍ وهُدَاةٌ. ومن ذلك كثير.
ثم ذكر الجمع الخامس فقال:
وشاع نحوُ كاملٍ وكَمَلَهْ
يعني أن ما كان من المفردات صفة تشبه كاملاً فإن الشائع في جمعه فَعَلة - بفتح الفاء - ولم يقل: إنه مطرد، كما قال ذلك في نحو رامٍ؛ لأنه لم يطرد اطراده. وإتيانه بكامل يخرج وصف اعتلال اللام من الأوصاف المذكورة في رام فيعوض منه وصف صحتها، فنقول: أشعر المثال بأن كل صفة لمذكر عاقل على فاعلٍ صحيح اللام فإنه يجمع على "فَعَلَة"، فأما كونها صفة فلأن الاسم لا يجمع على "فَعَلَة"، وإنما بابه فواعل نحو كواهل وغوارب.
وأما كونها على فاعل فتحرز مما كان على غير هذا الوزن فإنه لا يُجمع هذا الجمع إلا ما شذ من نحو: خبيثٍ وخَبَثَةٍ، وسيدٍ
وسادةٍ، وخيِّرٍ وخِيَرَةٍ، حكى الفراء: قومٌ خِيَرةٌ بَرَرَةٌ. وهذا نادر.
وأما كونها لمذكر فإنها إن كانت لمؤنث فجمعه على فواعل وفُعَّل نحو: حائضٍ وطاهرٍ. وكذلك إن كان بالتاء نحو: ضاربةٍ وخارجةٍ، فإن جمعه على فواعِلَ لا على "فّعّلّة".
وأما كونها عاقل فلأن غير العاقل يندر فيه هذا الجمع كما قالوا: طائِطٌ للفحل الهائج، وجمعوه على طاطة. وكذا قال في التسهيل:"ويقل فيما لا يعقل".
وأما كونه صحيح اللام فلأن المعتل اللام قد تقدم كيف يجمع. فإذا توافرت هذه الشروط جاز أن تجمعه على "فَعَلَة" نحو: كافر وكَفَرَة، وفاجر وفجرة، وظالم ظلمة، وبائع وباعة، وحائك وحاكَة وحَوَكة، وخائن وخَوَنة، وكاتب وكَتَبة، وسافر وسَفَرَة، وبارٌ وبررة، وطالب وطلبة، وعائل وعالة، وما أشبه ذلك.
واعلم أن هذا المثال الذي هو كامل مع المثال الآخر الذي هو رام قد نبَّهَا أيضاً على شرط ربما يخفى على الناظر، وهو ضروري الاعتبار وذلك أنه دل على شرط الوصفية، ويدل أيضاً في الوصفية
على معنى، لأن الصفة في هذا الفصل على ضربين، أحدهما: ما لم يستعمل استعمال الأسماء، وهو جميع ما تقدم ذِكرُهُ في "فُعَلَة" و"فَعَلَة".
والآخر: ما / استعمل استعمال الأسماء نحو: صاحبٍ وشاهد الحكم - في هذا النوع - وارعٍ وناوٍ للسمين من الإبل - في النوع المتقدم - فهذا لا يدخل في الحكم تحت القسم الآخر المذكور، لأن هذا لا يجمع على "فَعَلَة" إن كان معتل اللام، ولا على "فُعَلَة" إن كان صحيحها، فلا يقال: صاحبٌ وصَحَبة، ولا: شاهدٌ وشَهَدة، ولا يقال أيضاً: ناوٍ ونُواة، ولا راعٍ - لراعي الشاء - ورعاة، إلا مسموعاً. وقد قالوا هنا: رُعاة، لكن لا يقاس عليه، وإنما باب هذا "فُعلان" و "فِعال" كما سيأتي، إن شاء الله. فلا بد من اعتبار هذى المعنى، وهو ألا تحري الصفة مَجرى الاسم، وقد أشار المثال إليه؛ لأن "رام" و "كامل" مما لم يستعمل استعمال الأسماء. وهذا حسن.
وإنما فرقوا بين جمع "رام" وجمع "كامل" فضموا فاء المعتل ليخصوه بالتمييز من الصحيح، وهو عند البصريين - أعني فُعَلَة - من المثل التي اختصت بالمعتل كما اختص به فيعل كسيِّد وميِّت.
والكوفيون يزعمون أنه مخفف من فُعَّل؛ لأنه أصل في فاعل نحو صائم وصوَّم، وقائم وقوَّم، وضارب وضرَّب، لكن عوضوا من إحدى العينين التاء لما حذفوها تخفيفاً فقالوا: قضاة ورماة. قال البصريون: وهذا دعوى لا دليل عليها.
***
فَعْلَى لوصفٍ كقتيل وزَمِنْ وهالكٍ، وميتٌ به قَمِنْ
فَعْلَى - بفتح الفاء - من أبنية الجموع، مختص بالآفات والمكاره التي يصاب بها الحمى وهو لها كاره، ولذلك أتى بهذه الأمثلة لتشعر بهذا المعنى، وهو معنى قوله:"لوصف قتيل". وكذا يعني أن فَعْلَى جمعٌ لكل ما كان من الأوصاف يعطي المعنى ما تعطيه هذه الأوصاف الأربعة، وليس إلا ذلك المعنى المتقدم، لكنه على نوعين: ما يعطي معنى آفة الموت، وما يعطي معنى آفة الوجع، وهو المرض ونحوه، فأتى من النوع الأول بثلاثة أمثلة:
أحدهما: قَتيلٌ، وجمعه قّتْلَى، ومثله: عَقيرٌ وعَقْرى، وصَريعٌ وصَرْعى، وشاة ذبيحٌ وشياهٌ ذَبْحَى، حكاه السيرافيّ.
والثاني: هالكٌ، وجمعه هَلْكَى.
والثالث: ميِّتٌ، وجمعه موتى. وأتى من النوع الثاني بمثال واحد، وهو زَمِنٌ، وجمعه زَمْنَى. والزَّمِنُ: المبتلى، زَمِنَ زَمَانَةً، / وهي الآفة في الحيوانات. ومقله: هِرَم وهَرْمَى، وضمِنٌ وضَمْنَى، ووَجٍ ووَجْيَا، ووجِعٌ ووَجْعَى. ومن هذا النوع في المثل الأول: جريح وجَرْحى، ولديغ ولَدْغَى، ومريض ومرضى، وكسير وكَسرى، ، ورهيص ورَهْصَى، وحسير وحَسْرَى - من الكلال - وكذلك مائق ومَوْقى - وهو الأحمق في غباوة - ورائب ورَوْبَى - وهو الذي أثخنه السفر والوجع - وساقط وسَقْطَى، وفاسد وفَسْدَى. وعلة هذا كله في الجمع على فَعْلَى أن هذه الأشياء أمور يبتلون بها، وهم لها كارهون.
وقوله: "وميتٌ به قَمِنْ"، أي: هذا اللفظ أيضاً حقيق بهذا الجمع لها فيه من معنى الآفة الداخلة على غير إرادة. ورجل قمن بكذا، (وقَمَنٌ بكذا)، وقمين به، أي: حقيق. ورجال قمنون، فإذا
فتحت الميم قلت: رجال قَمَنٌ، فتفرد لا غير، وكذا في التثنية والتأنيث.
هذا تفسير كلام الناظم على الإجمال، إلا أن فيه نظراً على التفصيل، وذلك أنه لا يخلوا أن يريد بقوله: إن فَعْلى لكل وصف يشبه كذا أن يشبهه في البناء وحده دون اعتبار معنى الآفة الداخلة كرهاً، أو في ذلك المعنى وحده، أو فيهما معاً. وعلى كل تقدير يشكل كلامه، أما إن قلت: إنه يريد ما أشبه قتيلاً وكذا في البناء المخصوص ففاسد، إذ كان يعطي أن ما كان مثل قتيل في كونه على فعيل بمعنى مفعول مطلقاً يجمع على فعلى، فكان يقال في لحية دَهِين: دَهْنَى، وخَضِيب: خَضْبَى، ولَسِيع: لَسْعَى، ولَدِيغ: لَدْغَى، وسَتِير - بمعنى مستور -: سَتْرَى، وبَقِير - بمعنى مبقورة -: بَقْرَى. وكذلك كنت تقول في قلق: قَلْقَى، وفي خَصِم: خَصْمَى، وفي حَذِر: حَذْرَى، وأيضاً كنت تقول بالقياس في نحو: كيِّسٍ وكَيْسَى كما قال:
وكنْ أكيَسَ الكَيْسَى إذا ما لقيتهم
وإن كنتَ في الحمقَى فكنْ أنتَ أحمَقَا
وكل هذا فاسدٌ، وكذلك سائر المثل.
وأما إن قلتَ: إنه يريد ما أشبه قتيلا وإخوته في معنى الآفة الداخلة كرهاً دون اعتبار الأمثلة اللفظية - ففاسدٌ أيضاً، إذ كان يجب على هذا أن يقال في دامِرٍ: دَمْرى، وفي سقيم: سَقْمى، وفي ضامرٍ: ضَمْرى، وفي هزيل: هَزْلى، وفي أهوج: هَوْجى، وفي عَمٍ: / عَمْيا، وفي شَجٍ: شَجْوى. وما أشبه هذا المعنى. وهذا كله لا يقال سماعاً فضلاً عن أن يكون قياساً.
وأما إن قلتَ: إنه يريد ما أشبه الأمثلة في اللفظ والمعنى معاً. فهو أيضاً غير صحيح من وجهين:
أحدهما: أن يوهم أن قتيلاً يعتبر فيه مجموع معناه - من كونه آفة داخلة عليه وكونه مثلاً قوياً على الخصوص، فلا يدخل لنا تحته ما كان مثل جريح وجَرْحَى، ومريض ومرضى، ورهيص ورَهْصَى، ونحو ذلك. وكذلك يقال في هالك: إنه لا يدخل فيه إلا ما كان من
الإماتة فقط، فلا يدخل تحته: رائب ورَوْبَى، ومائق ومَوْقَى، ولا نحو ذلك. وكذلك سائر الأمثلة. وكل هذا فاسد؛ إذ ليس قصده إلا ما هو أعم من الإماتة والإيجاع. وعلى هذا يدل كلامه في التسهيل وكلام غيره، وليس في هذا النظم ما يمنعنا من اعتبار المعنى المخصوص في كل مثال من المثل الأربعة، بل عادته أن يحيلك بالمثال على جميع ما يتصور فيه من الاعتبارات.
والثاني: أن هذا الجمع على ما سلك في التسهيل لا يختص قياساً بهذه الأمثلة فقط، بل ذكر معها أفعل نحو: أحمق وحمقى، كقوله:
وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا
وأنْوَكُ ونَوْكَى.
وفَعْلان، قالوا: كسلان وكَسْلَى، وسكران وسكرى، ورَوْبان وروبى بمعنى المستغرق نوماً قاله الجوهري.
فعلي كل تقدير فكلام الناظم مشكِلٌ في المسألة جداً، وكلامه في التسهيل أقرب إذ قال: "ومنها فَعْلَى لفَعِيل بمعنى مصاب أو
موجَع. ويُحمل عليه ما دل على ذلك من "فَعِل"، و "فَعِلة"، و "فَعْلان"، و "فّيعل"، و "فاعل". ومع هذا فالكلامان معاً يُشكلان من جهة أخرى، وذلك أن حقيقة فَعْلَى في القياس أن يكون جمعاً لفَعِيلٍ بمعنى مفعول، وهو الذي يأتي فعله في التصريف على فُعَلَ - مبنياً للمفعول - لكن إذا اختص بالآفات الداخلة على الحيِّ كَرْهاً فهذا هو الذي أطلق القياس فيه سيبويه وغيره من النحويين، قال سيبويه:"وإذا كسَّرته - يعني فَعِيلاً بمعنى مفعول - كسَّرته على فَعْلَى". ثم أتى بالمُثُل، ووجه ما أتى قليلاً على خلاف ذلك، ثم أخذ يذكر ما جاء من "فَعِيل" لا بمعنى "مفعول" أو بغيره من الأبنية التي يأتي فعلُها على "فَعَل" المبني للفاعل في جُمع / على "فَعْلَى"، وأن ذلك بالحمل على المعني، إذ كان معناه معنى المفعول، وإن لم يكن في الاستعمال كذلك، وأنه مع ذلك قليلٌ، وعلى غير القياس والأكثر، فقال: "وقال الخليل رحمه الله: إنما قالوا: مرضى، وهلكى، وموتى، وجربى، وأشباه ذلك، لأن هذا أمر
يُبْتلون به، وأُدخلوا فيه وهم له كارهون وأصيبوا به، فلما كان المعنى معنى المفعول كسَّروه على هذا المعنى. يعني أنهم اعتبروا في جمعه على فَعْلَى كونَ المرض والهلاك والموت مما يدخل الإنسان فيه غيرَ مختارٍ ولا مريد له، فصار كمَن فُعِلَ به ذلك، أي صار كالجاري على فُعِل كقتيل، وإن كان إنما جرى على فَعَل وهو مَرِضَ، وهلك، ومات، ولم يأت على مُرِضَ، ولا هُلِكَ، ولا مِيْتَ. هذا معنى كلامه.
ثم قال: "وقد قالوا: هُلَاّك وهالكون، فجاءوا به على قياس هذا البناء وعلى الأصل، فلم يكسِّروا على المعنى، إذ كان بمنزلة جالس في البناء وفي الفعل"، يعني أنهم جمعوه على الأصل والقياس، وهو التسليم أو التكسير على ما يُكسَّرُ عليه اسم الفاعل، فقالوا: هالكون، كما قالوا: جالسون وقائمون. وقالوا: هُلَاّك، كما قالوا: قُوَّامٌ، لأنه اسمُ فاعلٍ جارٍ على فَعَلَ، لا اسم مفعول جارٍ على فُعِلَ. فلم يعتبروا فيه إلا أصل معناه وبابه، لا الشَّبه بالمفعول. ولا شك أن
هذا هو الأصل والقياس.
ثم قال: وهو على هذا أكثر في الكلام". يعني اعتبار الأصل من تكسيره على فُعَّال، أو جمعه بالواو والنون على اطراد باب اسم الفاعل؛ "ألا ترى أنهم قالوا: دامِرٌ ودُمَّارٌ ودامرون، وضامرٌ وضُمَّرٌ، ولا يقولون: ضَمْرَى. فهذا يجري مجرى هذا". يعني أن "دامر" و "ضامر" عليه يجري هالكٌ في الحكم لا على المعنى.
ثم قال: "إلا أنهم قد قالوا ما سمعت على هذا المعنى". قال: ومثل الهُلَاّك قولهم: مِرَاض وسِقَام، ولم يقولوا: سَقْمَى". قال: "فالمجرى الغالب في هذا النحو غير فَعْلَى". يعني أن الغالب في هذا النحو كله أن يجري على حكم نفسه لا على حكم فَعِيل بمعنى مفعول الذي باب جمعه فَعْلَى. وهذا الكلام ظاهرُ الدلالة في أنَّ غيرَ فَعيل بمعنى مفعول لا يجمع على فَعْلَى قياساً أصلاً. ثم أتى سيبويه في بقية الباب بنظائر تخدم هذا المعنى. وهكذا يقول غير سيبويه من النحويين. / ويقفون ما عدا فعيلاً بمعنى مفعول على السَّماع.
وقد اتضحت المسألة ولله الحمد، وظهر منها إشكال كلام ابن مالك هنا وفي التسهيل، وله في الفوائد أيضاً نحو مما في التسهيل، والذي يظهر من قوة كلامه في كتبه أن ذلك قياس في فعيل بمعنى
مفعول وفيما حُمل عليه للشبه المعنوي، وليس بمقتصر به على السماع إلا فيما ليس يُتصور فيه معنى الإماتة والإيجاع وشبه ذلك. وعلى هذا المقصد نحاول في الجواب عن التخليط الذي وقع في المسألة في هذا النظم فنقول:
إن هذه المُثُل الأربعة المذكورة من حيث أتى بها مكررة المعنى وغير مكررة، يتحصل من معنى مجموعها معنى الإماتة والإيجاع في أربعة أمثلة، وهي: فَعِيلٌ بمعنى مفعول، وأتى به مقدماً دلالةً على أنه معتنًى به، وأنه أصل الباب. ثم فَعِلٌ، ثم فاعلٌ، ثم فَيعِلٌ. وتركَ ذكرَ أفْعَلَ وفَعْلان لقلة السماع فيهما بالنسبة إلى الأربعة التي ذكر، وهكذا الأمر في نفسه، فإذا استقام كلامه على هذا التنزيل اتحد مع كلامه في التسهيل وغيره، ولم يبق عليه إلا مخالفته في القياس في غير فَعِيلٍ بمعنى مفعولٍ.
***
لفِعْلٍ اسماً صح لاماً فِعَلَه والوضعُ في فَعْلٍ وفِعْلٍ قلَّلَهْ
بيَّنَ في هذين المزدوجين أن "فِعَلَة" - بكسر الفاء وفتح العين - بناءٌ يُجمع عليه من المفردات ثلاثةُ أبنية: فُعْلٌ - بضم الفاء - وفَعْلٌ - بفتحها - وفِعْلٌ - بكسرها، إلا أنَّ فُعْلاً يطردُ هذا الجمع فيه بخلاف
الباقيين، فإن جمعهما عليه قليل في الاستعمال. فقوله:"فِعَلَة" مبتدأٌ خبره المجرور أولَ البيت وهو "لفُعْل"، أي: إن هذا البناء من الجموع مستقر لهذا البناء من المفردات، وهو فُعْل، لكن شرط فيه شرطين:
أحدهما: أن يكون اسماً لا صفة بقوله: "لفُعْلٍ اسماً" أي: حالة كونه اسماً، فلو كان صفة لم يجمع على فِعَلَةَ قياساً، وإنما جمعه على أفعال كما تقدم، وإن جاء فيه فِعَلَةُ فشاذ.
والثاني: أن يكون صحيح اللام لا معتلها، فإن كان معتل اللام فلا يُجمع على فِعَلَةَ قياساً أيضاً، وإنما بابه أفعالٌ نحو: مُدْيٍ وأمْدَاء. وهذا قليل أيضاً. فإذا اجتمع الشرطان جاز القياس، فتقول: جُحْرٌ وجِحَرَة، وقُرطٌ وقِرَطة، وخُرْجٌ وخِرَجة، وقُلْبٌ وقِلَبَة، وصُلْبٌ / وصِلَبَة، وكُرْزٌ وكِرَزَة. وفي المضاعف: عشٌ وعِشَشَه، حكاه الجَرمي، وحُبٌ وحِبَبَة.
فإن قيل: جمع فُعْل على فِعَلَة قليلٌ، وذلك قال سيبويه:"وقد يجيء إذا جاوز بناء أدنى العدد على فِعَلَة". فأتى بعد المشعر بالتقليل، وكذلك فعَلَ غيره، جعلها من المسموع ولم يُدخلها في القياس كابن أبي الربيع، وكذلك ابن عصفور لم يعدُّهُ في قياس جمع فُعْل. وعلى نحو من طريقة سيبويه جرى الفارسي في الإيضاح، فكان حق الناظم أن يُلحِق فُعْلا في هذا الجمع بأخويه ولا يجعله قياساً.
فالجواب: أن الناظم اعتمد على القياس فيه ثقة بشهادة سيبويه حيث أتى بِمُثُلِ فِعَلَةَ في فُعْل، ثم قال آخراً: وذلك كثير. فاعتمد الناظم على الكثرة فقاس ولم يحفل بدلالة "قد" في أول كلامه، لأن هذا الكلام الأخير أصرح دلالة في المقصود عنده، وأيضاً فعلى القياس فيه بَنَى الجوزلي في كراسته، فعلى هذا بَنَى والله أعلم.
ثم قال:
والوضع في فَعْلٍ وفِعْلٍ قَلَّلَه
الوضع، يريد به وضع العرب، والضمير البارز في "قلله" عائدٌ
على بناء فِعَلَة، يعني أن جمع فَعْل - بفتح العين - وفِعْل بكسرها جاء وضعه كلام العرب قليلاً، وإذا كان قليلاً فالنتيجة المقصودة أنه لا يُقاسُ على ما جاء منه.
فإن قيل: هل يكونُ هذان المثالان مقيَّدَين بالاشتراط المتقدم، وحينئذ يكون هذا الجمع فيهما قليلاً، أم يكون السَّماهُ فيهما مطلَقاً سواءٌ أكانا اسمين أم صفتين، وسواءٌ أصحَّ لامُهُما أم لا؟
فالجواب: أنه لا بد من اشتراط الشرطين في صحة نقل السماع القليل فيهما، وعلى ذلك اعتمد في التسهيل حيث قال:"ومنها فِعَلَة لاسم صحيح اللام على فُعْل كثيراً، وعلى فَعْل وفِعْل قليلاً".
فإن قيل: ما الدليل على هذه الدعوى؟
فالجواب: أن السماع دون الشرطين إما معدومٌ وإما شاذٌ، وهو إنما قال: إن ذلك قليل لا شاذ ولا معدوم، وفرقٌ عند الناظم بين القليل والشاذ، وقد مرَّ من ذلك في هذا التقييد مواضعُ تدل على هذا القصد، وأيضاً فالصفة من فَعْلٍ المفتوح الفاء لم يذكر سيبويه فيه فِعَلَة بوجه، ولا رأيتُ من حكى ذلك فيه /.
وأما "فِعْلٌ" المكسورِ الفاء فلم يحك سيبويه منه ولا غيره - فيما رأيت - إلا لفظةً واحدة، وهل عِلْجٌ وعِلَجَةُ، مع أن العلجَ جارٍ مجرى الأسماء. وكذلك القول في صحة اللام، إذ المعتل اللام يقلُّ في نفسه فضلاً عن أن يكون فيه هذا البناء قليلاً. نعم إذا اجتمع الشرطان وُجِدَ من ذلك ألفاظ فقالوا: في فَعْل: جبْء وجِبَأَة - وهي الكمأة - وفَقْع وفِقَعَةن وقَعْب وقِعَبَة. وقالوا في المعتل العين: ثَورٌ وثِوَرةٌ وثِيَرةٌ، وعَودٌ وعِوَدَةٌ، وزَوجٌ وزِوَجَةٌ.
وقالوا في فِعْل: حِسْل وحِسَلةٌ، وقردٌ وقردة، وفي المعتل العين: ديكٌ وديكةٌ، وفيلٌ وفيلةٌ، وكيسٌ وكيسةٌ. فهذا الذي أراد الناظم، وهو كما قال قليل، لكنه لا يُعَدُّ في حيز النادر الشاذ، ولذلك أطلق الجزولي القول فيهما، فلم يقيد جمعهما على فِعَلَة بقلةٍ ولا
بوقوفٍ على سماع، لكن في الأسماء لا في الصفات.
***
وفُعلٌ لفاعلٍ وفاعله وَصْفَين نحو عاذلٍ وعاذله
ومثله الفُعَّال فيما ذكّرا وذان في المعَلِّ لاماً نَدَراً
فُعَّلٌ وفُعَّالٌ بناءان من أبنية الجمع، يشتركان في الغالب في أحكام الجمع، ولذلك قال حين ذكر "فُعَّل":"ومثله الفُعَّال" لكنهما يفترقان في بعضها فلذلك فرَّقهما على ما ستراه إن شاء الله.
فقوله:
وفُعلٌ لفاعلٍ وفاعله
إلى آخره، يعني أن هذا البناء من أبنية الجمع يُجمع عليه ما كان من المفردات على بناء فاعِلٍ أو فاعِلَة، وحقيقة فاعِلٍ وفاعِلَةَ أنه فاعلٌ ومؤنَّثُهُ بالهاء. وإنما بين هذا المعنى؛ لأنه ليس كل ما له مؤنث من الصِّفات بالهاء أو غيرها يُجمع على ما يُجمع عليه المذكر، ألا ترى إلى ما تقدم قبل هذا في "فُعَلة" و "فَعَلة" جمع فاعل كيف قيده بالتذكير على ما سبق التنبيه عليه؟ فلأجل هذا نبه على التأنيث بالهاء هنا. وإلا فقد يقول من نَظَر ببادئ الرأي: ما باله أتى بالمؤنث وكان ذكر المذكر في الحكم يُجزئ عن المؤنث؟ والجواب ما ذُكِر.
ثم قيد كون فاعلٍ وفاعلة يجمعان هذا الجمع قياساً بثلاثة أوصاف:
أحدها: كونهما وصفين، فإن فاعلاً كما تقدم على قسمين: اسم نحو: كاهل وغارب، والعافية والعاقبة، وليسا مما يُجمع على فُعَّل، وصفة / نحو ما مثَّل به من عاذل وعاذلة - والعاذل: اللائم، يقال: عذله يعذِله عذلاً - بالإسكان - أي: لامه، والاسم العَذْلُ - بالفتح - فإذا كان فاعل وفاعلة وصفين فحينئذٍ يصلحان للجمع على فُعَّلٍ.
والثاني: كون الصفة لم تستعمل استعمال الأسماء، وإنما بقيت على أصلها من الوصفية، فإن كان قد استعملت استعمال الأسماء لم تُجمع قياساً على فُعَّلٍ كصاحبٍ وصاحبةٍ، وفارسٍ وامرأةٍ فارسة. والذي دل من كلام الناظم على هذا تمثيله بعاذلٍ وعاذلةٍ، فإن عاذلاً صفةٌ محضةٌ لم تجرِ مَجرى الأسماء.
والثالث: ألا تكون الصفة معتلة اللام، وسواءٌ أكانت صحيحةَ العين أم معتلتها لا مبالاة بالعين، وإنما المبالاة باللام، فإنها إن كانت كذلك لم تُجمع على فُعَّل إلا نادراً، وذلك قوله:
وذاك في المعتلِّ لاماً نَدَرا
أي: الجمعُ على فُعَّل أو فُعَّال، وإذا اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة جاز على مقتضى كلام الناظم أن يجمع قياساً، وذلك نحو قولك: شاهد المصر وشُهَّدٌ، وبازلٌ وبُزَّلٌ، وشاردٌ وشُرَّدٌ، وسابقٌ
وسُبَّقٌ، وقارحٌ وقُرَّحٌ، وضاربٌ وضُرَّبٌ.
ومثال المعتل العين: غائب ٌ وغُيَّبٌ، وصائمٌ وصُوَّمٌ، ونائمٌ ونُوَّمٌ، وعائدٌ وعُوَّدٌ، ونائحٌ ونُوَّحٌ ونحو ذلك، وكذلك فاعلةُ في ذلك كله، قال سيبويه بعد ما ذَكَر حكم فاعِل في فُعَّلٍ: " وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كُسِّر على فواعِلَ، قال: وكذلك إن كان صفةً للمؤنث ولم تكن فيه هاءُ التأنيث وذلك حواسِرُ وحوائِضُ. قال: ويكسِّرونه على فُعَّلٍ نحو: حُيَّضٍ، وحُسَّرٍ، ومُخَّضٍ، ونائمةٍ ونُوَّمٍ، وزائرةٍ وزُوَّرٍ.
ثم أخذ يُلحق فُعَّالا بفُعَّل في هذا الحكم، فقال:
ومثله الفُعَّال فيما ذُكِّرا
يعني أن الفُعَّال من أبنية الجموع مثل الفُعَّل في أنه يكون جمعاً لفاعل لكن للمذكر خاصة، فيخرج عن ذلك الحكم فاعلة - بالهاء - فلا يكون فُعَّالٌ جمعاً له قياساً. ولم سيبويه ذلك في المؤنث بالهاء، وإنما ذكر فُعَّلاً وفواعِلَ خاصة بعدما ذَكَرَ للمذكر زيادة
عليهما فُعَّالا فقال: ويكسِّرونه أيضاً على فُعَّال - يعني فاعلاً - وذلك قولك: سُهَّادٌ، وجُهَّالٌ، وركَّابٌ، وعُرَّاضٌ، وزُوَّارٌ، وغُيَّابٌ. قال:"وهذا النحو كثيرٌ" انتهى.
فإن جاء في المؤنث فُعَّالٌ فقليل نحو: امرأةٍ صادَّةٍ من نِسوةٍ صُدَّادٍ. / قال القُطامي:
أبصارُهُن إلى الشبان مائلة وقدْ أراُهنَّ عني غير صُدَّادِ
وإلى هذا أشار بقوله في التسهيل: "وشاركه فُعَّالٌ قياساً في المذكر وسماعاً في المؤنث.
هذا بيان كلامه على الجملة إلا أنَّ فيه شيئاً، وذلك أنَّ فاعلاً الصَّفةَ المحضة على قسمين: صفةٌ لمذكر نحو: عاذلٍ وضاربٍ، وصفةٌ (للمؤنث. وصفةُ) المؤنث على قسمين: ما كانت فيها الهاء، وما لم تكن فيها الهاء، فأما ما كانت فيها الهاء فكلامُهُ عليها صحيحٌ، وإياها عنى بمفهوم قوله:
ومثله الفُعَّال فيما ذُكّرا
أي فيما كان صفة بغير هاء، و (الذي) دلَّ على هذا القصد من كلامه قولُهُ أولاً:
وفُعَّلٌ لفاعلٍ وفاعِلَهْ
فأتى بقسمي المذكر والمؤنث، فلا بد أن يكون قوله هنا:"وفيما ذُكّرا" أي: فيما لم تكن فيها الهاء، ويدخل إذاً ما كان صفة للمؤنث بغير هاء تحت فاعل المذكر؛ لأنه مذكَّرُ اللفظ، فيقتضي أن نحو: حائضٍ، وطامثٍ، وحاسرٍ، وماخضٍ مما جاء للمؤنث بغير هاء يُجمع على فُعَّلٍ وفُعَّالٍ قياساً. وذلك غير صحيح؛ لأنَّ هذا لا يُجمع على فُعَّالٍ أصلاً، وإنما حكمه حكم المؤنث بالهاء، وإن فُرِضَ هذا القسم غير داخلٍ تحت المذكر، بقي حكم الصفة ناقصاً لسقوطِ قسمٍ من أقسامها، وذلك إخلالٌ مع إيهامه الدخول في حكم ما ذكر. ولا يمكن أن يقال: إنه داخل تحت قسم المؤنث "اعتباراً بمعنى التأنيث فيه، وعلى ذلك يصحُّ؛ لأن المؤنث إنما يُجمع على فُعَّل خاصةً، لأنا نقول: هذا مخلٌّ بتقسيمه الأول الذي دلَّ عليه التمثيل، لأن قوله:
وفُعَّلٌ لفاعل وفاعِلَهْ
في قوة أن لو قال: وفُعَّلٌ لاسم الفاعل المذكر والمؤنث بالهاء، فلا يصح أن يرجع قوله:"فيما ذُكِّرا" إلا إلى أحد القسمين المذكورين، وإلا تناقضَ نظم الكلام. وأيضاً فإن فاعلاً المراد به المؤنث مذكر عند سيبويه، ألا تراه حين مثل قسم المذكر أتى بحائضٍ وحُيَّضٍ، (فقال:"ومثله من بنات الياء والواو التي هي عيناتٌ: صائمٌ وصُوَّمٌ، ونائمٌ ونُوَّمٌ، وغائب وغُيَّبٌ، وحائض وحُيَّضٌ")، وذلك لأنه عنده جارٍ في التقدير على مذكر، لأنه قدره بقوله: شيءٌ حائضٌ، لكنه قاصر عن المذكر المحض بكونه لا يُجمَعُ على فُعَّال. فصار كلام الناظم هنا غيرَ محرَّر!
وقد يجاب عن هذا بأنه داخلٌ تحت حكم المؤنث إما على أن يكون قوله:
/ وفُعَّلٌ لفاعلٍ وفاعِلَهْ
لا يريد به خصوصية التأنيث بالهاء، بل يُقدَّر كأنه قال: للمذكر والمؤنث مطلقاً، وإما على أن يريد خصوصية التأنيث بالهاء، لكن يكون قوله:"فيما ذُكِّرا" لا يرجعُ إلى ما تقدم من التقسيم على الخصوص، بل يكون معناه: فيما كان مما تقدم لمذكر، فيبقى ما
كان للمؤنث مما فيه الهاء أو لا هاء فيه منفرداً بفعلٍ. وأيضاً فإن حملنا قوله: "لفاعلٍ وفاعِلَهْ" على وجهٍ آخرَ من التفسير، وهو أن يكون الأول يشمل ما جرى على المذكر وما جرى على المؤنث بغير هاء، وفاعلة الذي فيه الهاء - لم يبق إشكالٌ، لبقاء قوله:"فاعله" على أصله من التقييد بالهاء، وهذا أولى ما يُحمل عليه كلامه.
وأما كون فاعلٍ المراد به المؤنث مذكراً عند سيبويه فذلك أمرٌ لفظيٌّ والمراد به المؤنث بلا شكٍّ، فهو ذو وجهين، ولذلك عومل معاملة المذكر في الجمع على فُعَّلٍ، لأنه (جمع المذكر دون فواعل، ومعاملة المؤنث في الجمع على فواعل لأنه)(باب) فاعلة، دون فُعَّلٍ، وإنما فُعَّلٌ دخيلٌ فيه، وذلك يجعله بعضهم في حيز القليل، وإلى هذا المعنى أشار ابنُ الضَّائع في "شرح الجمل" وإذا ثبت هذا كان كلام الناظم صحيحاً مستتباً، جارياً على ما ينبغي. وبهذا التفسير الأخير فسَّر حيث قال ابن مالك: "وشاركه فُعَّال قياساً في المذكر
وسماعاً في المؤنث"، بعد أن قال: "من أمثلة الكثرة فُعَّل، وهو لفاعلٍ وفاعلةَ وصْفَين". قال شيخنا: وقال: "قياساً في المذكر وسماعاً في المؤنث، لأنه لو قال: "في الأول والثاني" فكان راجعاً إلى فاعلٍ وفاعلةَ، لأوهَمَ أن فُعَّالاً قياسٌ في فاعِلٍ سواءٌ كان للمذكر أو للمؤنث. وليس كذلك، فلذلك قيده بالتذكير والتأنيث". هذا نصُّ كلامه في عرض الجموع، وهو حسن.
ثم قال الناظم:
وذان في المعلِّ لاماً نَدَرا
ذان: إشارةٌ إلى صيغ الجمعين، وهما فُعَّلٌ وفُعَّالٌ. يعني أن هذين الجمعين قياسٌ في فاعلٍ وفاعلة مطلقاً، سواءٌ أكان معتلّ العين أم صحيحهما أم مضاعفاً إلا المعتل اللام، فإنهما فيه / نادران، فلا يُجمع عليهما ولا على أحدهما قياساً، وإنما القياس فيه ما تقدم من فُعَلَة نحو: غزاة ورُماة. وأشار بالنادر إلى ما جاء منه في السماع على فُعَّلٍ أو فُعَّالٍ، أما فُعَّلٌ فقالوا: غازٍ وغُزًّى، وعافٍ وعُفًّى، قال تعالى:{أو كانوا غزًّى} . وقال ابن مقبلٍ:
ولا أشتم العفًّى ولا يَجْدِبونني إذا هرَّ دون اللحم الفرثِ جازِرُهْ
والعافي هنا: الذي يُلِمُّ بك، والعافي أيضاً: الدارس جُمَعَ (على) عفًّى.
وحكى الشلوبين عن المفضل بن سلمة: أنه لم يأت من فاعِلٍ المعتل اللام على فُعَّلٍ إلا ثلاثة ألفاظ: هابٍ وهبًّى، وغازٍ وغُزًّى، وعافٍ وعفًّى. وزاد أبو علي القالي: الجلَّى جمع جالٍ.
وأما فُعَّالٌ فقالوا: جانٍ، للذي يَجُرُّ الذَّنبَ، والجمعُ جُنَّاءٌ. وغازٍ وغُزَّاءٌ بالمد. قال تأبط شراً، أنشده الجوهري:
فيوماً بغزاءٍ ويوماً بسُربة ويوماً بخشخاشٍ من الرجل هيْضَل
***
فَعْلٌ وفَعْلَة، فِعَال لهما وقلَّ فيما عينُهُ اليا منهما
وفّعّلٌ أيضاً له فِعَال ما لم يكن في لامه اعتلال
أو يك مُضْعَفاً ومثلُ فّعّل ذو التا وفُعْلٌ مع فِعْلٍ فاقبل
وفي فعيلٍ وصفَ فاعلٍ وَرَدْ كذاك في أنثاه أيضاً اطَّرَد
وشاع في وصفٍ علا فَعْلانا أو أنثَيَيْهِ أو على فُعْلانا
ومثله فُعْلانةُ والزَمْهُ في نحوِ طويلٍ وطويلةٍ تَفِي
بناء فِعَالٍ - بكسر الفاء - من الجموع التي كثر استعمالها وجمع عليها كثير من الأبنية كبناء مفاعِل ومفاعيل في بابه. وقد ذكر الناظم هنا من أبنية المفردات التي تجمع على فِعَالٍ ثلاثة عشر بناء، وذلك مما يجمع قياساً أو قريباً من أن يكون قياساً لشهرته في السماع وكثرته:
البناء الأول: فَعْل، بفتح الفاء وإسكان العين.
والثاني: فَعْلة، وهو الأول بزيادة هاء، وذلك قوله:
فَعْلٌ وفَعْلَةُ فِعالٌ لهما
أي: إن فِعَالاً من أبنية الجموع يجمع عليه هذان البناءان، يعني قياساً، لأنه إنما يطلق، جواز الجمع إذا كان قياساً، لكن شَرَطَ (في)
كونه قياساً شرطاً واحداً، وهو ألا يكون واحد منهما معتل العين بالياء، فإنه إن كان كذلك يم يجمع قياساً على فِعَال، ودل على هذا الشرط إخبارُهُ بقلة السماع في جمعهما على فِعَالٍ بقوله:
وقلَّ فيما عينه اليا منهما
أي: قلَّ السماع / فيما كان من فَعْلٍ أو فَعْلَةَ معتل العين بالياء، فلا يجوز أن يقال في بَيْت: بِيَات، ولا في غَيْب: غِيَاب، ولا في غَيث: غِياث إلا ما ندر، فممَّا ندر في فَعْلٍ قولهم في ضَيْفٍ: ضِيَاف. أنشد الفارسي في التذكرة:
أنارُ أبينا غير أن ضيافَهُ قليلٌ وقد يُؤوى إليها فيكثُرُ
هكذا أنشده بالياء، ثم قال: أضمر ما دلَّ عليه الضياف لا الجمع الذي هو الضياف.
ومما قلَّ في "فَعْلَةَ" قولهم: ضَيْعَةٌ وضِيَاعٌ، وعيبة وعياب. وهذا على ما قاله الناظم قليل، وإنما م يستتب فِعَالٌ في فَعْلٍ اليائيِّ العين لأنه لما كان فِعَالٌ وفَعُول شريكين في فَعْل الصحيح العين، كما سيذكره الناظم، وانفرد فَعُلٌ من ذوات الواو بفِعالٍ؛ لثقل فُعُول فيه لو قلنا في ثوب: ثُوُوب، مثلاً - أفردوا - فَعْلاً أخاه من ذوات الياء بفُعُول أخي فِعَال؛ لأنهم لو أجازوا في بناء الياء البناءَين معاً لَغَلَب أحد الأخوين على الآخر يتعادلا، فكأنهم عوَّضوا فِعَالاً في ذوات الواو من فُعُول لمكان الثقل، وعوضوا فُعُول في ذوات الياء من فِعال لضربٍ من الموازنة بينهما، وهذا معنى تعليل سيبويه، وما عدا ما ذكره الناظم مما كان على فَعْل أو فَعْلَة فإنه يجمع على فِعَال قياساً، كان مضاعفاً أو معتل اللام، أو غير ذلك، سواء أكان اسماً أم صفة، إذ لم يقيد بناء منهما باسمية ولا وصفية، فتقول في فَعْل في الاسم: كَعْبٌ وكِعَابٌ، وكلب وكلاب، وكبش وكباش، وفرخ وفراخ. والمضاعف: صكٌّ وصِكَاك، وضب وضِباب، وبتٌّ وبِتَاتٌ. والمعتل العين بالواو: حَوضٌ وحِياضٌ، وسَوط وسِياطٌ، وثَوب
وثِيابٌ. والمعتل اللام: ظَبي وظِباءٌ، ودلوٌ ودِلاءٌ، وحَقْو وحِقاءٌ. وأما الصفة فنحو: فَسْلٌ وفِسَالٌ، وصَعبٌ وصِعاب، وعبلٌ وعِبالٌ، وجَذلٌ وجِذالٌ.
وتقول في "فَعْلَةَ": صَحْفة وصِحَافٌ، وجَفْنةٌ وجِفَانٌ. والمضاعف: نحو: سَلَّةٌ وسِلال، ودَبَّةٌ ودِباب. والمعتل اللام: غَلْوة وغِلاء، وظَبية وظِباء، وحَظْوَةٌ وحِظاء، قال أبو صعصعة العامري:
إلى ضُمَّرٍ زرق العيون كأنها حِظاءُ غلامٍ ليس يخطينَ / مُهْرَأَ
وعَجْوة وعِجَاء، وخَطْوة وخِطَاء، قال امرؤ القيس:
لها وثباتٌ كوثب الضباء فَوَادٍ خِطاءٌ ووَاد مَطَرْ
وأما الصفة فخَدْلَةٌ وخِدَال، وفَسْلَة وفِسال، وعَبْلَ ة وعِبال، وكمشة وكِماش، وجعدة وجِعاد.
البناء الثالث مما يجمع على فِعَال: فَعَل - بفتح الفاء والعين - وذلك قوله:
وَفَعَلٌ أيضاً له فِعَالُ
أي: إنه جَمْعٌ له في القياس، ولم يقيد باسمية ولا وصفية، فدل أن عنده على إطلاقه في الأسماء والصفات، لكن شَرَط فيه شرطين:
أحدهما: ألا يكون معتل اللام، وذلك قوله:
ما لم يكن في لامه اعتلالُ
فإنه إذا كان معتل اللام لم يجمع على فِعَال قياساً، فلا تقول في فَتًى: فِتَاء، ولا في رحًى: رِحَاء، ولا في قفًا: قِفاء، وإنما قياسه في الكثير فُعُول، على ما سيذكر.
والثاني: ألا يكون فَعَلٌ مضاعفاً، وذلك قوله:"أو يَكُ مُضْعَفاً". و "يك" معطوف على "يكن" الأول، أي: ما لم يكن مضاعفاً. وإذا أطلق المضاعف في الثلاثي فإنما يطلق على ما تماثل عينه
ولامه، فإذا كان كذلك لم يجمع قياساً على فِعَال، فلا تقول في طلل: طِلال، ولا في لَبَب: لِبَاب، ولا نحو ذلك، إذ لم يجاوزوا به الأفعال نحو: طلَلَ وأطلالٍ، كما لم يجاوزوا الأقدام والأرسانَ بقدم ورَسَنٍ.
فإذا اجتمع الوصفان قيس فِعَال على مقتضى كلامه، فتقول في الاسم: جَمَل وجِمَال، وجَبَل وجِبال، وحَجَر وحِجار، ودار ودِيار. وفي الصفة: حَسَن وحِسَان، وسَبَط وسِباط.
البناء الرابع: فَعَلةُ - بالهاء - وذلك قوله: "ومثلُ فَعَل ذو التاء"، يعني أنه مثله في الجمع على فِعَال قياساً، كان اسماً أيضاً أو صفة، فالاسم نحو: رَحَبَة ورِحَاب، ورَقَبَة ورِقَاب، وأَكَمَة وإكَام، وناقة ونِيَاق. قال:
أبْعَدكُنَّ الله من نياقِ
إن لم تُنجِّيْنِ من الوثاقِ
والصفة نحو: حَسَنة وحِسَان، هو جار عند سيبويه مَجرى ما لا هاء فيه.
البناء الخامس: فُعْلٌ - بضم الفاء - وهو معطوفٌ على قوله: "ذو التاء"، أي: ومثل فَعَلٍ في الجمع على فِعَال قياساً فُعْل، وذلك: قُرْطٌ وقِرَاط، وجُمْد وجِماد، وفي المضاعف: عُشٌّ وعِشَاش، وخُصٌ وخِصاص، وقُفٌّ وقِفاف، وخفٌّ وخِفاف.
البناء السادس: فِعْلٌ - بكسر الفاء - وذلك قوله: "مع فعل"، / أي: هو مثل فَعَل أيضاً في الجمع على فِعَال أيضاً نحو: ذئب وذئاب، وبئر وبئار، وزِق وزقاق، وريح ورياح، وجِرْو وجِراء، ونِهْي ونِهاء.
وقوله: "فاقبل"، أي: فاقبل هذا كله في القياس، لا توقفه على السماع.
البناء السابع: فَعِيل بمعنى فاعل، وذلك قوله:
وفي فَعيلٍ وصفِ (فاعلٍ) وَرَدْ
ضمير "ورد" عائد على فِعَال، يعن أن فِعَالاً ورد من كلام العرب في فعيل وصف فاعل، أي: في جمعه. وقوله: "وصفِ فاعل" يريد الوصف الجاري على الفاعل في المعنى لا على المفعول كالطويل والقصير لا كالقتيل والجريح، فإن ذلك لا يجمع على هذا قياساً، فإن جاء كذلك فشاذ نحو: فَصيل وفِصَال، وجذيذ وجِذاذ، وقرأ علي بن حمزة الكسائي:{فجعلهم جِذَاذاً} بكسر الجيم جمع جَذيذ بمعنى مجذوذ. وهذا قليلٌ. فإذا كان بمعنى فاعل قلتَ في كريم: كِرام، وفي طويل: طِوال، وفي قصير: قِصار، وفي كبير: كِبار، وفي صغير: صِغار، وفي مريض: مِراض، وفي شديد: شِداد، وفي جديد: جِداد، وفي بطيء: بِطاء، قال بشر:
وقد أضحت حبالكم رثاثاً بِطَاءَ الوصل قد خَلُقَت قُواها
وبَرِيءٌ وبِرَاء، قال الحطيئة:
فإن أباهم الأدنى أبوكم وإن صدورهم لكم بِرَاءُ
وقوله: "ورد" لا يُعطى زيادة على أن ذلك وارد من كلام العرب، مسموع منها، فهو مسكوت عن جريان القياس فيه، وقد أجرى فيه القياس في التسهيل، وعلى ذلك جرى غيره من النحويين. ولعله يريد بقوله:"ورد" أنه ورد القياس فيه عن النحويين، كأنه قال: ورد هذا الجمع قياساً في فعيل بمعنى فاعل عن النحويين. وهو بعيد ولكنه أولى من أن يكون أحال فيه على السماع، (إذ عادته في الغالب أنه لا يحيل على السماع)، إلا فيما يكون عدم قياسه ممكناً أو متنازعاً فيه، وقد مضى من ذلك مواضع، كما أنه إذا أطلق لفظ الشهرة فإنه توقف فيه عن القطع بالقياس. وهذا الموضع ليس من ذلك لكثرته في السماع، ولتصريح النحويين بالقياس فيه، قال سيبويه:"وأما ما كان فَعِيلاً فإنه يكسر على فُعَلاء وعلى فِعَال". ثم مثل ذلك، ثم قال:"فأما ما كان من هذا مضاعفاً / فإنه يكسَّرُ على فِعَال كما كُسِّرَ غير المضاعف". ثم مثله، ثم قال:
"وأما ما كان من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن عينات فإنه لم يكسَّر على فُعَلاء ولا أفعلاء، استغنوا عنهما بفِعَال، لأنه أقل مما ذكرنا". ثم مثله، وعلى هذا النحو جرى غيره.
البناء الثامن: فَعيلة بمعنى فاعلة، وهو أنثى فَعيِيل الذي أشار غليه بقوله:
كذاك في أنثاه أيضاً اطّرَدْ
فالضمير في "أنثاه" عائد على فَعِيل المذكور، وضمير "اطرد" عائد لفِعَال، أي: اطرد فِعَالٌ جمعاً لأنثى فَعِيل، وذلك نحو كريمة وكِرام، وظريفة وظِراف، وطويلة وطِوال، وقصيرة وقِصار، وصغيرة وصِغار، ونحو ذلك. وكذلك المضاعف والمعتل العين، قال سيبويه:"وإذا لحقت الهاء فَعِيلاً للتأنيث فإن المؤنث يوافق المذكر على فِعَال، وذلك صبيحة وصِباح، وظريفة وظِراف".
البناء التاسع: فَعْلان - بفتح الفاء - وذلك قوله:
وشاع في وصفٍ على فَعْلانا
يعني أن بناء فِعَال شاع فيه وكَثُرَ أن يجمع عليه بناء فَعْلان إذا
كان من الصفات، ولذلك قال:"في وصف" فإنه إن كان من الأسماء نحو السَّعدان والضَّمران لم يكن هذا الجمع قياساً. وإنما قال: "وشاع" مع أنه عنده في التسهيل وعند غيره قياس، وعادته في مثل هذا الإطلاق ألا يرتهن في النقل فيه إذا كانت كثرته لا تبلغ أن يُقْطَع معها بالقياس، لأنه - والله أعلم - رأى كثيراً من الصفات على فَعْلان لا تجمعه العرب على فِعَال، كسكران لا يقال فيه: سِكار، وغَيران وحَيران وخَزيانن لا يقال فيه: غِيار ولا حِيار ولا خِزاء. فهذه وأمثالها ألفاظ مشهورة مع أنه لم يسمع فيها فعال. فقد يقصد التنبيه على هذا، ولكن النحويين جعلوه قياساً كغيره، ولا يبعد أن يطلق لفظ الشياع ويريد ما يستلزمه من إطلاق القياس، لأن القياس أصله شياع السماع، والله أعلم.
وفَعْلان الذي ذكره مشترك لما كان له فُعْلَى، ولما كان له فَعْلانة، فمثال الأول: عَجلان وعِجَال، وعطشان وعِطَاش، وغَرثان وغِراث. ومثال الثاني: نَدمان ونِدَام، وخَمصان - بالفتح - وخِمَاص، والأشهر خُمصان بالضم.
البناء العاشر والحادي عشر: فَعْلانة / وفَعْلَى، وهما مؤنثاً فَعْلان، وذلك قوله:"أو أنثَيَيْه" يعني أنثيَي فَعلان، لأن فَعْلان يستعمل على وجهين، مصروفاً وغير مصروف، فالمصروف هو الذي مؤنثه بالهاء، (جرى مجرى ضارب وضاربة، وغير المصروف هو الذي مؤنثه فَعْلَى) جرت الألف والنون فيه مجرى ألِفَي حمراء. وكلا المؤنثين يجمع قياساً على فِعَال، قال سيبويه:"وأما فَعْلان إذا كان صفة، وكانت له فَعْلى، فإنه يكسَّرُ على فِعَال، تحذف الزيادة التي في أواخره، كما حذفت ألف إناث وألف رُباب، وذلك قولك: عَجلان وعِجَال، وعَطشان وعِطاش، وغرثَان وغِراث". قال: "وكذلك مؤنَّثُهُ" - يعني يجمع على فِعَال أيضاً - "كما وافق فَعيلٌ فَعِيلة في فِعَال". انتهى. فتقول في عَطْشَى: عِطَاشٌ، وفي عَجْلَى: عِجَال. وكذلك سائر الأمثلة. وأنا فَعْلانة فكذلك نحو: نَدْمانة ونِدَام،
وخَمْصَانة وخِمَاص، حكمه أيضاً حكم المذكر، قال سيبويه:"وقد قالوا في الذي مؤنثه تلحقه الهاء كما قالوا في هذا فجعلوه مثله" - يعني في فِعَال- "وذلك قولهم: نَدْمَانة ونَدْمَان ونِدَام ونَدَامى". ووجه هذا ما تقدم في فَعْلان فَعْلَى من الموافقة، كما وافق فعيلٌ فَعِيلة في فِعال أيضاً.
البناء الثاني عشر: فُعْلان - بضم الفاء - وذلك قوله: "أو على فُعْلانا" يعني أن فِعَالاً شاع أيضاً في فُعْلان إذا كان صفة، فإن كان اسماً لم يجمع عليه نحو: دُكَّان وذُبْيان، فتقول في الصفة: خُمْصان وخِمَاص، وكذلك في أنثاه، ولا يكون إلا على فُعْلانة نحو: خُمصانة وخِماص، وكذلك في أنثاه، ولا يكون إلا على فُعْلانة نحو: خُمصانة وخِماص، فلذلك قال:"ومثله فُعْلانة"(وهو) البناء الثالث عشر.
واعلمْ أن فُعْلان هنا وجدته مضبوطاً بضم الفاء، وهو محتَمِلٌ أن يكون كذلك أو بكسرها، والحكم في الجميع واحد، لأن فِعلان - بالكسر - يجمع على فِعَال قياساً نحو: سِرْحان وسِرَاح، وضِبْعان وضِبَاع، إلا أنه لم يقصده لأنه اسم غير صفة، ولا مؤنث له على فِعْلانة. وإنما ذكر هنا فُعْلان الصفة فيتعين الضم في الفاء بلا بُدٍّ.
فإن قلت: إن الناظم منع صَرْفَ فُعْلان أيضاً مع أنه (فَعلان) هنا له اعتباران بحسب معناه، اعتبار يصرف فيه موزونه كنَدْمان، واعتبار لا يصرف فيه كسَكْران. وفُعْلان باعتبار موزونه / على وجه واحد، وهو أن يصرف موزونه، فلِمَ منع الصرفَ فيهما معاً؟
فالجواب: أن ما فَعَل من منع الصرف هو الواجب، وذلك أن الأمثلة الموزون بها إذا لم تنزل منزلة الموزون فهي أعلام مطلقاً، ولذلك توصف بالمعرفة، وتنصب بعدها النكرة حالاً، وإذا كانت كذلك اعتُبرت في أنفسها، فإن كان فيها مانع من الصرف منعت، وإلا فلا، فلا تقول: فُعَلُ المعدول لا ينصرف. فتصرف فُعَلاً وإن كان عبارةً عن عُمَرَ مثلاً، لأنه في نفسه لا مانع له إلا العلمية وحدها، فكذلك فَعْلان في كلام الناظم وفُعْلان، هما علمان مزيدٌ آخرهما ألف ونون، فصار حكمهما حكم سلمان وعثمان، ولا اعتبار بفَعْلانة وفُعْلانة؛ لأنهما ليسا بمؤنثيهما؛ لأن ذلك إنما يكون في الصفات، وقد صارت هذه أعلاماً.
وإنما تنزل الأمثلة منزلة الممثّل بها إذا جعلت في موضعها، كقولك: هذا رجلٌ فَعْلان - إذا قصدت مذكر فَعْلى - وهذا رجل فَعْلان - إذا قصدت مذكر فَعْلانة - وهذا مبيِّنٌ في أبواب ما لا ينصرف.
ثم قال:
…
... والزَمْهُ في نحو طويل وطويلة تفي
الضمير في "الزمه" عائدٌ على فِعَال، يعني أن فِعالاً لازمٌ فيما كان من الصفات على نحوٍ طويلٍ وطويلةٍ، مما هو صفةٌ معتل العين بالواو على فَعِيل أو فَعِيلة بمعنى فاعل وفاعلة. وقد تقدم له الكلام على الصحيح العين وغيره. وإنما قصد ها هنا أن يتكلم على أن فِعالاً لازم في هذا النوع. ومعنى اللزوم فيه يحتمل أن يكون معناه أنه لا يأتي لهما جمع تكسير على غير هذه البنية، بخلاف ما تقدم من الأمثلة، فإنها قد يشارك فِعَالاً فيها غيره، كما تقول فَعْل وفِعْل: إنهما يجمعان أيضاً قياساً على فُعُول فتقول: كعب وكُعُوب، وفُلْس وفُلُوس، وجِذع وجُذُوع، وعِرق وعُرُوق. وكما تقول في فعيل الصفة ما عدا طويلاً وطويلة: إنه يجمع على فُعَلاء أيضاً نحو: حليم وحُلَماء، وفقيه وفُقهاء، ونبيه ونُبَهَاء، وكريم وكُرَمَاء، وما كان
نحو هذا فيشاركك فِعَالاً فيها غيره، فلهذا نبَّه على هذا المعنى في طويل وطويلة، ويعني أنه لا يتجاوز فِعَالٌ في كل فَعِيل وفَعِيلة بمعنى فاعل وفاعلة إذا كانت / عينه وواً إلى جمع تكسير سواه. نعم يجوز أن يجمع جمع تصحيح إذا اجتمعت شروط التصحيح، ولا كلام فيه هنا، بخلاف غيره مما هو من الصفات على فعيل فإنه يأتي أيضاً على فعلاء أو أفعلاء، كما يأتي في موضعه، فلذلك نبه على اللزوم لفعال.
ونظير طويل وطويلة قويم وقويمة تقول فيهما: قوام، لا غير. وعلى هذا المعنى نبه أيضاً في التسهيل بقوله:"ولم يجاوز في نحو طويل وطويلة إلا إلى التصحيح". وقال سيبويه: "وأما من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن عينات فإنه لم يكسر على فُعَلاء ولا أفعلاء، استغنوا عنهما بفعال، لأنه أقل مما ذكرنا، وذلك قولك: طويل وطوال، وقويم وقوام".
ويحتمل أن يكون مراد الناظم التنبيه على أن مثل طويل وطويلة لم تأت له العرب بجمع قلة إلا جمع التصحيح، فيكون قصده مقصوراً
على التنبيه على جمع التكسير الموضوع للقلة، وأنه لم يسمع في هذا النوع، فلا ينبغي أن يجمع على غير فعال في القلة والكثرة إلا إن ذهبت مذهب جمع التصحيح بالواو والنون، أو بالألف والتاء.
ويستشعر هذا من التسهيل، وفي هذا النظم ما يدل عليه بقوله:"تفي"، أي: تفِ بالمقصود حتى لا ينقصك منه مطلب، لأن العرب وضعته للقليل والكثير، فدلالته وافية بالغرض المقصود من القلة أو الكثرة، ويكون هذا البناء من جملة ما نبَّه عليه أول الباب بقوله:
وبعض ذي بكثرة وضعاً كُفِي كأرجلٍ والعكسُ جاء كالصُّفِي
فهذا من العكس الذي جاء. وقد تم الكلام على تفسير هذا الفصل على ظاهر كلامه فيه، وبقي النظر فيه من جهة صحة ما قاله فيه:
فاعلم أن فيه - فيما يظهر - إخلالاً كثيراً بأحكام هذا الجمع الذي هو فِعَال، ومخالفة لكلامه في التسهيل وكلام غيره من النحويين:
فأما البناء الأول، وهو فَعْلٌ، فلم يستثنِ من القياس فيه إلا يائي العين، وأما في التسهيل فاستثنى شيئين: اليائيَّ العين، واليائيَّ الفاء
نحو يَعْرٍ، قالوا: يِعَار، وهو نادر، فلا يقال على قياسه في يَتْنٍ: يِتَان. بل نقول: لا يقال في كل ما كانت فاؤه ياء: على أي الأبنية كان، فيِقَاظٌ في / جمع يَقُظ أو يقظان نادر سماعاً، وإنما ذلك لثقل الكسرة على الياء، ولذلك يقول بعضهم: لم يأتِ في الكلام كلمة أولها ياء مكسورة إلا يِعَار ويِقَاظ خاصة.
فالحاصل أن اليائيَّ الفاء لا يجمع على فِعَال بوجه، وكذلك لا يجمع أيضاً على فِعَل للعلَّة المذكورة. وظاهر إطلاق الناظم الجواز فيهما.
وقد يجاب عنه بأن هذا لما كان نادراً وشاذاً في المفرد والجمع معاً لم يحتج إلى التنبيه عليه في الجمع لامتناعه لغة لا لامتناعه في الجمع خاصة.
وأما البناء الثاني، وهو فَعْلَة، فعليه فيه من الاعتراض أنه أخرج من القياس ما كان منه معتل العين بالياء، لقوله بعد ما قدم فَعْلاً
وفَعْلَةَ:
وقلَّ فيما عينه الياء منهما
وإخراجه عن القياس غير مستقيم، وقد أدخله في القياس في التسهيل، ونبه عليه بقوله:"ولفَعْلَةَ مطلقاً" يعني سواءٌ أكان معتل العين بالياء أم لا، وكذلك يقول النحويون، قال سيبويه:"وإذا كسَّرْتَ فَعْلَةَ من بناء الياء والواو على بناء أكثر العدد كسَّرتها على البناء الذي كسَّرتَ عليه غير المعتل، وذلك قولك: عَيبة وعَيبات وعِياب، وضَيعة وضَيعات وضِياع، وروضة وروضات ورياض، وقوله: "على البناء الذي كسَّرتَ عليه غير المعتل" يعني نحو صَحفة وصِحاف، وقَصْعة وقِصَاع.
هذا (ما) قال في الاسم، وكذلك ذكر في الصفة أن جميع ما لحقه الهاء من فَعْل يجمع على فِعَال نحو عَبْلَة وعِبَال، وغيره. ولم يستثن من ذلك يائي العين من غيره، فالظاهر أن هذا التقييد من الناظم جرى على وهمٍ لا على تحقيق، والله أعلم.
وأما البناء الثالث، وهو فَعَلٌ، فالاعتراض عليه من وجهين:
أحدهما: أن ظاهر إطلاقه أن يكون قياس فِعَال فيه في الاسم والصفة معاً، إذ لم يقيد باسمية، ولأن ما قبله مطلقٌ في الاسم والصفة. ولم ير ذلك في التسهيل، بل قيد هذا الحكم بالاسمية فقال:"ولِفَعَلٍ اسماً غير مضاعف ولا معتل اللام".
فأخرج الصفة عن هذا الحكم، وهنا أطلق القول، فكلامه منتقضٌ.
والجواب عن هذا: أن كلامه في هذا النظم أجرى على كلام النحويين، فإنهم (في ذلك) يطلقون القول بالقياس في الاسم والصفة على الجملة، نص على ذلك سيبويه وغيره، وليس عندهم في ذلك / خلاف فيما أذكر الآن، وإنما الذي جاء مخالفاً لهم كلامه في التسهيل، ألا ترى كيف قال سيبويه في الصفة:"وأما ما كان فَعَلاً فإنهم يكسِّرونه على فِعَال كما كسَّروا الفعل، واتفقا عليه كما أنهما متفقان عليه في الأسماء" ثم مثَّل ذلك بِحسان وسِباط وقِطاط. وكذا قال غيره، فلا اعتراض على الناظم هنا.
والوجه الثاني من الاعتراض: إطلاقه القول في استثناء المضاعف في الاسم والصفة معاً، وأن فِعالاً فيه قليلٌ فيهما أو معدوم، وذلك ليس على إطلاقه، وإننما يصح ذلك في الاسم خاصة، حيث اقتصروا في تكسيره على أفعال نحو: فَنَن وأفنان، وطَلَل وأطلال، ولَبَب وألباب. فلم يجاوزوه كما لم يجاوزوه في الأقدام والأرسان سماعاً من العرب. وأما الصفة فظاهر كلام سيبويه أن فِعَالاً قياسٌ فيه، حيث أطلق في أن فَعَلاً يجمع على فِعَال، ولم يُقَيِّدْهُ بعدم تضعيف، بل أتى بمثال منه في قاعدة الجواز، وهو قَطَطٌ وقِطَاطٌ. فدل بظاهره القريب من النص أن المضاعف مع غيره في فِعَال سواءٌ في أنه قياسٌ، وهو أيضاً لم يستثن معتلاً من غيره. فظاهره أن فِعَالاً جارٍ في الجميع، وعليه يدل إطلاقه. وهو خلاف ما ذكره الناظم، ومثل كلام سيبويه يأتي كلام النحويين، وهو اعتراض ثالث على كلام الناظم. ووجه رابع من الاعتراض، وهو أنه استثنى اعتلال اللام بقوله:
ما لم يكن في لامه اعتلال
ولم يستثن اعتلال العين، فدل أنه عنده مما يجمع على فِعَال قياساً. وليس كذلك. وفَعَلٌ المعتل العين عند سيبويه وغيره على قسمين -
أعني الاسم دون الصفة -:
أحدهما: أن يكون مذكراً نحو: تاجٍ وقاعٍ. وهذا إنما يجمع في الكثير على فِعْلان نحو: قِيعان وتِيجان.
والثاني: أن يكون مؤنثاً كنارٍ وساقٍ. وهذا أيضاً إنما يجمع في الكثير على فُعْل نحو: نُورٍ وسُوقٍ. ولم يذكر أحد منهم - فيما رأيت - أنه يجمع على فِعَال. وعلى هذا السبيل جرى في التسهيل. وهو مخالف لغيره كما ترى.
وأما البناء الرابع وهو فَعَلة، فإنه جعله في الحكم مثل فَعَل العديم الهاء، وقد تقدم له في فَعَلٍ حكمان، أحدهما: عموم فِعَال له اسماً كان أو صفة، والثاني: استثناء المعتل اللام والمضاعف.
فأما الحكم الأول فصحيح؛ لأن "فَعَلة" في الصفة جمعها على فِعَال كحَسَنة وحِسَان. وأما الحكم الثاني فغير صحيح؛ لأنه لم / يستثن في كتاب التسهيل المضاعف ولا المعتل اللام، بل جعل فِعَالاً جمعاً له على الإطلاق، وسواءٌ أكان مضاعفاً أم لا، وسواءٌ أكان معتل اللام أم لا. وكذلك يقول غيره.
وأما البناء الخامس، وهو فُعْلٌ، فعليه فيه اعتراضان:
أحدهما: أن ظاهره جريان القياس فيه في الاسم والصفة معاً؛
إذ لم يقيد ذلك بالاسمية (ولا بالوصفية، فيجري في ظاهره على حكم ما تقدم. وذلك غير صحيحن وإنما يجمع قياساً الاسم لا الصفة، وقد قيده في التسهيل بالاسمية)، ولا بد من ذلك، لأن الصفة لا تجمع قياساً إلا بالواو والنون إن وجدت الشروط، أو بالألف والتاء. وأما التكسير فلم يكسر إلا قليلاً، حكى سيبويه: مُرٌّ وأمرار. فلا يصح هذا الإطلاق على حال.
والثاني: أن الاسم أيضاً لا يقاس فيه فِعَالٌ هكذا مطلقاً، بل لا بد من اشتراط ألا يكون معتل العين، وألا يكون معتل اللام، فإنه إن كان معتل العين مثل: حوت وكوب وكوز لم يجمع على فِعَال أصلاً، وإنما يجمع على فِعْلان في الكثرة نحو: حيتان وكِيزان. وإن كان معتل اللام لم يجاوز أفعالاً نحو: مُدْيٍ وأمْداء، نصَّ عليه سيبويه وغيره، بل المؤلف في التسهيل في قوله:"ولاسمٍ على فِعْلٍ أو فُعْلٍ ما لم يكن كمُدْيٍ أو حوتٍ" فهذا إخلال كما ترى.
وأما البناء السادس، وهو فِعْلٌ، فيرِدُ عليه مثل ما ورد على ما
قبله من الاعتراضين:
أحدهما: أن ظاهره جريان القياس في الاسم والصفة. وليس كذلك، لأن سيبويه أخبر أنهم يقتصرون في الصفة على أفعال في القلة والكثرة، نحو جِلْف وأجلاف، ونِضْو وأنضاء. هذا هو الغالب في إلا ما شذَّ مما جاء على غير فِعَال، وأما فِعَال فمعدوم فيه رأساً فيما نقل. وقد تحرز منه في التسهيل فقيده بكونه اسماً كما تقدم نقله فوق هذا.
والثاني: أن الاسم لا يجتمع على "فِعال" هكذا مطلقاً إلا الصحيح والمضاعف والمعتل اللام، وأما المعتل العين فعلي وجهين: معتل بالواو، ومعتل بالياء. فالمعتل بالياء بابه فُعُول لا فِعال كفُيُول ودُيُوك وجُيُود. ولا يقال: فِيَال ولا دِيَاك، إلا أن يُسمع. وقالوا في المعتل بالواو: ريح ورياح. ولم يقولوا: رُوُوح. / والعلة في ذلك أن العرب حكموا لهما بحكم فَعْلٍ، حيث خصُّوا بنات الياء بفُعُول، وبنات الواو بفِعَال كبُيُوت وحِيَاض. ولا أرتهنُ في المعتل بالواو أن فِعَالاً فيه فاشٍ في السماع، ولكنه قياسه. ولم يذكره سيبويه إلا في
مساق السماع فيما قد يظهر منه، لأنه قال:"وقالوا في فِعْلٍ من بنات الواو: رِيح وأرْواح ورِياح، ونظيره: أبْآر وبِئَار" ثم علل ذلك بمعنى ما تقدم آنفاً. وكلامه يحتمل، يمكن أن يُحمل محمل القياس، فلا يبقى على الناظم إلا المعتل العين بالياء، فكلامه فيه على غير وجهه. فهذه الأبنية فيها ما ترى من النظر، والله أعلم.
***
وبفُعُولٍ فَعِلٌ نحو كَبِد يُخصُّ غالباً كذاك يَطَّرِدْ
في فَعْلٍ اسماً مطلق الفا وفَعَلْ له وللفُعَالِ فِعْلان حصلْ
وشاع في حوتٍ وقاعٍ مَعَ ما ضاهاهُمَا وقُلَّ في غيرهما
فُعُولٌ: بناءٌ من أبنية الجمع، جعله في هذا النظم جمعاً لأبنية، قدم منه الكلام على فَعِل، فقوله:"وبفُعُول" متعلق بـ "يُخَص"، و "فَعِلٌ" مبتداٌ خبره "يُخَصُّ" وقدم معمول الخبر على المبتدأ على ما تقدم من عادته. ويعني أن فُعُولاً يُخصُّ به من المفردات فَعِلٌ - بفتح الفاء وكسر العين - فيكون فيه قياساً. ومعنى الاختصاص أنه لم يأت له في الكثرة إلا فُعُول، فلم يكسَّر على غيره كما كُسِّرَ غيره من
الأبنية. وإنما له في القلة أفعالٌ خاصة، وفي الكثرة فُعُول، وذلك لقلته في الأبنية - أعني فَعِلاً - فلم يجاوزوا ذلك فيه. وقوله:"نحو كَبِدْ" تمثيلٌ أحرز به شرطاً في جمع فَعِلٍ على فُعُولٍ، وهو أن يكون اسماً لا صفة، فإنه إن كان صفة لم يجمع على فُعُولٍ أصلاً. وإنما اقتصر به على أفعال نحو: نَكِدٍ وأنكاد، هذا إن كُسِّرَ، وهو قليلٌ، وإلا فالقياس فيه التصحيح لا التكسير. هكذا يقول سيبويه؛ لأن باب الصفات التصحيح، وباب الأسماء التكسير. فأما إذا كان فَعِلٌ اسماً فحينئذٍ يجمع على الفُعُول قياساً عند الناظم، وذلك قولهم: كَبِد وكُبُود، ونمر ونُمُور، ووَعِل ووُعُول، ونحو ذلك.
واعلم أن الناظم في قياس هذا الجمع في فَعِلٍ مخالف في ظاهر أمره للنحويين من وجهين:
/ أحدهما: جعله إياه قياساً فيه، وليس كذلك عند غيره، بل هو موقوفٌ على السماع لقلته، وقلما يجاوزون به بناء أدنى العدد، وذلك أفعالٌ، فيقولون: أكبادٌ، وأنمارٌ، وأوعالٌ، وأكتافٌ. وهذا نقل سيبويه، والناظم صرَّح هنا وفي التسهيل بالقياس كما ترى.
والثاني: أن كلامه يعطى أن فعلاً في الكثرة يُخصُّ بفُعُول ولا يجمع على غيره عند إرادتها. وهذا ليس كذلك، لما نقله سيبويه من أن العرب يجمعونه على أفعال إذا أرادوا الكثرة، ألا تراه كيف قال:"وأما ما كان على ثلاثة أحرف وكان فَعِلاً فإنك تكسِّره من أبنية أدنى العدد على أفعالٍ". ولم يقل: تُكسِّره إذا أردتَ أدنى العدد، أو في أدنى العدد. قال:"وقلما يجاوزون هذا البناء". ثم ذكر ما نقل من تكسيره على فُعُول، وأن ذلك قليلٌ. فأنت ترى بناء الأقل قد أغنى عن بناء الأكثر، فلم يُخصَّ فُعُولٌ إذا بالدلالة على الكثرة في فَعِل لمشاركة أفعالٍ له في ذلك. وذلك خلاف ما يظهر من هذا النظم.
والجواب عن الأول أن يقال: لعل ابن مالك استقرأ فيه من كلام العرب كثرة أدَّتْهُ على القول بالقياس، وله من هذا النحو في كتبه كثير.
وعن الثاني: أن الخصوصية المقصودة هنا إنما هي بالنسبة إلى جمعٍ آخرَ من جموع الكثرة، لا بالنسبة إلى ما يدل على الكثرة عند العرب، ولا شك أن فَعِلاً لم يأت له في الغالب مثلاُ كثرة إلا فُعُول، فكلامه صحيح.
وقوله: "يُخَصُّ غالباً" نكَّتَ بالغلبيَّة على ما جاء من جموع الكثرة مشاركاً لفُعُول، وهو غير غالب، وذلك فِعَالٌ، فإنه قد جاء في فَعِلٍ قليلاً، قالوا: ظَرِبٌ وظِرابٌ. (والظَّربُ: ما نتأ من الحجارة وحُدَّ طَرَفُهُ، ونظيره من الصفات: طَرِبٌ وطِرَابٌ) أنشد سيبويه:
حتى شآها كليلٌ مَوهِناً عَمِلٌ باتت طِرَاباً وبات الليل لم يَنَمِ
وشاركه أيضاً قليلاً: فُعُلٌ، قالوا: نَمِرٌ ونُمُر، أنشد سيبويه:
فيها عَيائيلُ أُسُودٌ ونُمُر
وحرَّكَ الميم وأصلها السكون كأُسْدٍ.
وتنبيهه بالغلبة على هذا أحسنُ في التحرز من إطلاقه في
التسهيل، إذ قال:"وانفرد - يعني فُعُولٌ - مقيساً بنحو كَبِدٍ". ولم يذكر المشاركة. فاعترض عليه شيخنا القاضي في عرض الجموع بأنه كان ينبغي له أن يذكر فَعِلاً فيما وقعت (فيه) المشاركة، فإنه قد ذكر في فصل فِعَال - يعني في التسهيل - أن فَعِلاً يجمع عليه، / قال: فوجه الصواب أن يكون من جنس ما شارك فيه فُعُولٌ فِعَالاً، وهو قياسٌ في فُعُولٍ، وسماعٌ في فِعَالٍ". فعبارته ها هنا أحسنُ.
ثم قال:
…
...
…
...
…
...
…
كذاك يطردْ
في فَعْلٍ اسماً مطلق الفا
…
...
…
...
…
... "
ضمير "يطَّرد" عائد على فُعُول، يعني أنه يطَّردُ أيضاً الجمع على فُعُول في فَعْلٍ ساكن العين، سواءٌ أكان مفتوحَ الفاء أم مضمومها أن مكسورها، وهو المراد بقوله:"مطلقَ الفا" أي: مطلقَ الفاء بالنسبة إلى الحركات. وقد انتظم هذا الإطلاق ثلاثة أبنية: فَعْلٌ، فِعْلٌ،
وفُعْلٌ، ولكن قيَّدها بالاسميَّة في قوله: اسماً"، فخرج بذلك فَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ إذا كانت صفات. أما فَعْلٌ - بفتح الفاء - إذا كانت اسماً فمثاله: نَسْرٌ ونُسُورٌ، وفهد وفهود، وكعب وكعوب، وفحل وفحول. وفي المضاعف: صَكٌّ وصُكُوكٌ، وبتٌّ وبُتُوتٌ. وفي المعتل: عينٌ وعُيُونٌ، وبيتٌ وبيوت، ودلو ودُليٌّ، وثَدْيٌ وثُدُيٌّ، ونحو ذلك. لكن المعتل تارةً يكون معتلَّ اللام، - وما قال فيه صحيحٌ - وتارةً يكون معتل العين، واعتلالها إما بالياء، وكلامه فيه صحيحٌ أيضاً، وإما بالواو، وكلامه في غير صحيح؛ لأن الواويَّ العين لا يجمع على فُعُول قياساً، لثقل الضم مع الواوات فعوَّضوا عنه فِعَالاً كثوب وثياب، وما جاء منه على فُعُول شاذٌّ، حكى سيبويه: "فَوْجٌ وفُئُوجٌ"، قال: "كما قالوا: نَحُوٌّ ونُحُوٌّ كثيرةٌ".
قال: "وهذا لا يكاد يكون في الأسماء ولكن في المصادر". ثم بين علة ذلك بما تقدم معناه. فالناظم لم يستثن في فُعُولٍ ما عينه واو من فَعْلٍ، فلزمه الاعتراض لذلك.
وأما إذا كان فَعْلٍ صفة ففُعُولٌ فيه غير قياس، وذلك نحو: كَهْل
وكهُول، وفسْل وفُسُول، وإنما بابه فِعَالٌ خاصة.
وأما فِعْلٌ - بكسر الفاء - فمثاله عِدْل وعُدُول، وحِمْل وحُمُولن وجذع وجُذُوع، وعِذْق وعُذُوق، وعِرق وعُرُوق، وفي المضاعف: لِصٌّ ولُصُوصٌ. وفي المعتل نِحْيٌ ونُحِيٌّ. وما أشبه ذلك.
وأما إذا كان صفة فلا يجمع على فُعُول ولا على غيره قياساً، وإنما يقتصر به على أفعال في القليل والكثير، قال سيبويه:"وجعلوه بدلاً من فُعُولٍ وفِعَالٍ".
وأما فُعْلٌ - بضم الفاء - فمثاله: بُرْدٌ وبُرُودٌ، وجُنْدٌ / وجُنُودٌ، وبرج وبروج، وجرح وجروح. وظاهر هذا الكلام جريانه في المضاعف والمعتل العين والمعتل اللام، أما المضاعف فليس قياسه إلا فِعَالاً في الكثير، وقد جاء: خُصَّ وخُصُوص، وحُصٌّ وحُصُوصٌ،
ولكنه نادر، فكيف يجعله الناظم قياساً على ما اقتضاه إطلاقه. وقد استثنى في التسهيل المضاعف من فُعْلٍ فأخرجه عن كونه قياساً، ثم جعله من قبيل الشذوذات، وهو موافق هناك لغيره. وأما المعتل العين نحو حُوْتٌ ففُعُولٌ فيه معدوم أو شاذ إن كان، وإنما جمعه في الكثير على فِعْلان كما سيأتي على فُعُولٍ ولا فِعَال
…
" إلى آخره. وقد تقدم نقل هذا قبل. وأما المعتل فانفرد به أفعالٌ كمُدْيٍ وأمداء. وقد تقدم أيضاً. فإطلاق الناظم في هذه المسألة وقع على غير احتراز كالفصل قبله.
وأما إن كان صفةً فقد تقدم أنه قليل، وأنهم إنما جمعوه على أفعال، فلذلك قيده الناظم بقوله:"اسماً" ليخرج الصفة.
ثم قال: "وفَعَلْ له". هذا البناء يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون راجعاً إلى حكم فِعْلان، كأن الكلام على فعول قد تم ثم ابتدأ الكلام على فِعْلان، ويعني أن بناء فِعْلان - بكسر الفاء - من جموع التكسير يكون قياساً لأبنيةٍ أحدها فَعَلٌ - بفتح الفاء والعين - هكذا رأيته مضبوطاً هنا، وفي التسهيل تكلم عليه أيضاً
وقاسه. وفيه من النظر ما أذكره إثر هذا إن شاء الله. ولم يقيد هذا النوع بقيد، ومثاله: خَرَبٌ وخِرْبانٌ، وبَرَقٌ وبِرْقانٌ، وشَبَثٌ وشِبْثَانٌ، وورَل ووِرْلان. وفي المعتل: فتًى وفِتيان، وقاع وقيعان، وساجٌ وسيجان، ونارٌ ونيران، ونحو ذلك. وسيذكر المعتل العين، لكن إطلاقه في هذا النوع غير معترض، وذلك أنه لم يقيده بكونه اسماً، فيفهم له أن هذا الحكم عام في الاسم والصفة، وليس كذلك، وإنما هو مختص بالاسم، وبذلك قيده في التسهيل، ولم يذكر غيره قياسه في الصفة أصلاً، بل هو فيه إما معدوم، وإما شاذ إن وجد. ووجه ثانٍ في هذا الإطلاقن وهو اقتضاؤه جمع جميع أصنافه من صحيح ومعتل ومضاعف. وليس / كذلك، بل هو في الصحيح وحده، أما المضاعف فبابه أفعال خاصة، وأما المعتل اللام فباباه فُعُولٌ لا فِعْلان، وإنما فِعْلانُ فيه قليل، وأما المعتل العين فقد ذكره إثر هذا، فهو الذي نبه على ما فيه وحده.
ثم إن الناظم على مقتضى هذا التفسير ينازع في كونه جعل فِعْلان قياساً في فَعَلٍ، مع أن النحويين سيبويه وغيره إنما ظاهر
كلامهم أنه سماع لا قياس، لأنهم إنما يسوقونه مساق المنقول خاصة، قال سيبويه:"وما كان على ثلاثة أحرف وكان فَعَلاً فإنك إذا كسَّرتها لأدنى العدد فإنه يجيء على فِعَالٍ وفُعُولٍ". ثم قال: "وقد يجيء إذا جاوزوا أدنى العدد على فُعْلانَ وفِعْلانَ". فظاهر هذا المساق يقتضي أنه مسموع، وبذلك صرح غيره. لكن يجاب عن هذا الأخير بأنه مذهب له، ذكره في التسهيل، ولم يقيد أنه سماع بل أطلق القياس فيه، والخلاف ففي المسألة خلاف في شهادةٍ بشهرة السماع فيه حتى يصح القياس أو عدم شهرته فلا يقاس. ولا شك أن قول الجمهور أولى. والله أعلم.
الاحتمال الثاني في تفسير كلام الناظم أن يكون فَعَلٌ في قوله: "وفَعَلْ له" راجعاً إلى فُعُول أولاً، كأنه قال: وفَعَلٌ ثابتٌ لفُعُول، يُجمع عليه قياساً، فيقال: أَسَدٌ وأُسُودٌ، وذكر وذكور، والقياس في هذا ذكره النحويون، إلا أن الاعتراض على إطلاقه بالصفة وارد على هذا التفسير أيضاً؛ إذ ليس فُعُولٌ في الصفة جمعاً لفَعَل، وإنما بابه فِعَالٌ كما تقدم بيانه.
وأما الاعتراض بالمعتل فيرد أيضاً على نوع آخر، وذلك لأن المعتل العين بابه فِعْلان كما سيذكره إثر هذا عند تمثيله بقاع، ففُعُولٌ غير داخل فيه. وكذلك المضاعف يرد عليه؛ إذ لا يجمع عل فُعُولٍ كما لا يجمع على فِعْلان، وإنما يصح كلامه في المعتل اللام.
وأما الاعتراض عليه بمخالفة النحويين في التفسير الأول فلا يرد عليه في هذا التفسير، ولهذا لما كانت هذه الاعتراضات الثلاثة واردة عليه في كلا التفسيرين حملتهما كلامه، ولم أقتصر في شرح كلامه على أحدهما.
ثم التحقيق في الموضع أنه إنما قصد هذا التفسير الثاني / لأنه قد عد بعد ذلك فَعَلاً على وجهين، معتل العين وغير معتلها، فالمعتل شائع مقيس، وهو الذي مثل بقاع، والصحيح قليل، وهو الذي أشار إليه بقوله:"وقل في غيرهما"، على ما يذكر إن شاء الله، وإذا كان كذلك تعيَّن هذا الثاني، وإنما ذكر الأول على حسب الفهم السابق لبادِي الرأين وعلى الثاني حمله ابن الناظم، إلا أنه استشعر من قوله:"وفَعَلْ له" أيضاً حيث أطلق القول فيه ولم يقيده باطرادٍ أنه محفوظٌ فيه. وما قاله خلاف الظاهر من كلام أبيه، فقد مر
له مواضعُ كثيرة، وتأتي أُخَرُ، لا يقيدها باطراد مع أنها مطَّردة، فما فسَّرَ به ضعيفٌ، والله أعلم.
ثم قال: "وللفعال فِعْلان حَصَلْ"
…
إلى آخره، من ها هنا ابتدأ حكمُ فِعْلانَ، فذكر له ثلاثة أبنية:
البناء الأول: فُعَالٌ - بضم الفاء - يعني أنه يُجمع على فِعْلان قياساً ومثاله: غُرابٌ وغِرْبانٌ، وعقاب وعقبان، وغلام وغِلمان، وبُغاث وبِغثان، وخُراج وخِرجان. ولم يقيده بصحيح من غيره فيجري القياس، فتقول في المضاعف: ذُبابٌ وذِبَّانٌ، وفي المعتل: حُوارٌ وحِيرانٌ. وكذلك أيضاً لم يقيده بالاسم فيعطي أن الصفة كذلك أيضاً. وهو غير صحيح، وإنما ذلك في الاسم لا في الصفة كما تقدم تمثيله، وبذلك قيده في التسهيل، وإنما جمع فُعَال الصفة على فُعَلاء أو أفْعِلاء على تفصيل يذكره الناظم بعد في فَعِيلٍ، وإن كان لم يذكره في فُعَالٍ ولم ينبه عليه، لأن فَعِيلاً وفُعالاً أخَوان يجريان في الصفة مجرًى واحداً.
البناء الثاني: فُعْلٌ إذا كان معتل العين، وهو الذي نبه عليه بالمثال في قوله:"وشاع في حُوتٍ"، أي: فيما أشبه هذا المثال،
وجمع ما جمع من الأوصاف، ولذلك قال بعد ذكر "قاعٍ": وما ضاهاهما، أي: وما أشبههما في أوصافهما. والذي جَمَعَ حوتٌ من الأوصاف ثلاثةُ أوصاف: أن يكون معتل العين، وأن يكون اعتلاله بالواو، وأن يكون اسماً لا صفة. وأما كونه اسماً فلأنه إن كان صفة فهو قليلٌ، ولم يتوسعوا في جمعه بغير الواو والنون، وإنما جمعوه على أفعالٍ، وقد تقدم ذلك /. وأما كونه معتل العين فلأنه إن كان صحيحها لم يجمع على "فِعْلان" قياساً، وإنما جاء بالسَّماع كما سيذكر إذا نبه عليه إن شاء الله. وأمَّا كونه معتل العين بالواو فلأنه إن كان معتلاً بالياء لم يجمع قياساً على ذلك.
فإن قيل: وأن يُتصور أن يكون فُعْلٌ عينه ياءٌ؟
فالجواب: أن سيبويه لما تكلَّم على فِعْلٍ - بكسر الفاء - وذكر فيه المعتل العين من ذوات الياء نحو مِيْلٍ وأميال، وفيل وأفيال، وجيد وأجياد، وذكر أحكامه في الجمع على أنه فِعْلٌ، جوز أن يكون فُعْلاً بالضم، لكن العرب قلبت ضمة الفاء كسرة لتصبح الياء التي هي ياء، كما فعلوا ذلك في بِيْضٍ جمع أبيض؛ لأن أصله بُيْضٌ على فُعْلٍ كحُمْرٍ وصُفْرٍ، فصُيِّرَ إلى بِيْضٍ. قال سيبويه: "فيكون فُيُول
ودُيُوك بمنزلة - خُرْج وخُرُوج، بُرْج وبُرُوج، ويكون فِيَلة بمنزلة - خِرَجَة وجِحَرَة، يعني في أن الجمع لفُعْلٍ لا لِفِعْلٍ. وأبو الحسن يخالف في هذا، ويأبى أن يكون دِيكٌ وفِيلٌ ونحوه إلا فِعْلاً - بكسر الفاء - إذ لا يجوز عنده ذلك الاعتلال الذي ذكره سيبويه إلا في الجمع خاصة كبِيْضٍ، فلو بنيتَ فُعْلاً من البيع قلت على مذهب سيبويه: بِيْعٌ، وعلى مذهب الأخفش: بُوْعٌ، وموضع بسط هذا التصريف. والتفريع هنا على مذهب سيبويه، وإن بنيتَ على مذهب الأخفش وهو الذي يظهر من الناظم في التصريف فيكون هذا القيد معيناً لمحل السماع لا مخرجاً لشيء. وهذا أيضاً صحيحٌ من التقييد. والحاصلُ أن الناظم تحرز بالمثال من اليائي العين وُجِدَ أو لا، لأن حكمه على ما فرع عليه سيبويه حكم فِعْلٍ، وفِعْلٌ لا يجمع قياساً على فِعْلان. فإذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة قيس جمعه على فِعْلان نحو: حُوْتٍ وحِيتان، وهو مثاله، وعُودٍ وعِيدان، وكُوزٍ وكِيزان، وغُولٍ وغِيلان، ونُونٍ ونِينانٍ. فرقوا بينه وبين فُعْلٍ من اليائيِّ أن جمع الذي من الياء على فُعُولٍ، وجمع هذا على فِعْلان، كما فرقوا بين فِعْلٍ من الياء وفِعْلٍ من الواو، فجمعوا ذا الواو على فِعَال، وذا الياء على فُعُولٍ. هذا تعليل سيبويه، وهو حسَنٌ.
البناء الثالث: فَعَلٌ إذا كان معتل العينن وهو الذي أشار إليه / تمثيله بقاعٍ - والقاعُ: المستوي من الأرض، وعينه واو لقولهم في الجمع: أقواعٌ - ومعنى كلامه أن شاع أيضاً بناء فِعْلان جمعاً لما كان نحو قاعٍ، والشياع هنا يريد به الشياع الذي يقاس عليه، لا أنه يريد به التنبيه على الكثرة مع التوقف عن بلوغه مبلغ القياس، لأنه كثير جداً بحيث لا يتوقف في القياس عليه. ونبَّه بالمثال على أوصاف إذا اجتمعت في فَعَلٍ كان الجمع قياساً، وهي: أن يكون اسماً لا صفة، وأن يكون معتل العين، وأن يكون اعتلاله بالواو لا بالياء، وأن يكون مذكراً لا مؤنثاً. أما كونه اسماً لا صفة فلأن الصفة لا تجمع على ذلك، وقد تقدم التنبيه على هذا. وأما كونه معتل العين فلأنه إن كان صحيحها لم يجمع كذلك قياساً، وسواء أكان معتل العين اللام أم مضاعفاً أم لا، وما جاء بخلاف هذا فقليل، كما نبه عليه إثر هذا. وأما كونه معتلاً بالواو فلأنه إن كان معتلاً بالياء لم يجمع على "فِعْلان" وإنما يجمع على فُعُولٍ، أي ثبت له قياس نحو: نابٍ ونُيُوبٍ، وكأنهم جعلوا "فِعْلانَ" في ذوات الواو عوضاً من فُعُول لثقله، كما فرَّقوا في فُعْلٍ المتقدم. وأما كونه مذكراً فلأنه إن كان
مؤنثاً لم يكن ليجمع قياساً على فِعْلان، وإنما كثر فيه فُعْلٌ نحو: دارٍ ودورٍ، وساقٍ وسُوقٍ، ونحو ذلك. فإذا اجتمعت هذه الأوصاف شاع القياس فتقول في قاع: قيعان، وفي تاج: تيجان، وفي غار: غِيران، وفي جار: جيران، وفي ساج: سِيجانٌ، وما أشبه ذلك.
والمضاهاة معناها لغة: المشاكلة، يقال: ضاهيت - بغير همز - وعليه كلام الناظم. ويقال: ضاهأت - مهموزاً أيضاً - وعليه القراءتان: {يضاهُونُ قولَ الذينَ كفروا} وهي قراءة من عدا عاصماً، وقرأ عاصم:{يضاهِئونَ} . والمعنى واحد فيهما.
وقوله: "وقلَّ في غيرهما". الضمير راجع إلى حُوتٍ وقاعٍ وشبههما. يعني أن "فِعْلان" قَلَّ في غير هذين المثالين المقيدين وما كان مثلهما كالصحيح على فُعْلٍ أو فَعَلٍ أو معتل اللام، أما في / فُعْلٍ فقالوا: حُشٌّ وحِشَّانٌ. وأما في فَعَلٍ ففيه كثرة، قالوا: شَبَثٌ
وشِبْثانٌ، وخَرَبٌ وخِربان، وبَرَقٌ وبِرْقان، ووَرَلٌ ووِرْلانٌ، وفتى وفتيان. وفي المؤنث: نارٌ ونيرانٌ، ودارٌ ودِيران وقالوا: حائطٌ وحِيطان، وظَليم وظِلمان، وخروف وخرفان، وصِنْوٌ وصِنوان، وقِنْوٌ وقِنْوانٌ.
وقد تحصَّل من كلامه أنه وافق الجماعة في أن فِعْلان لا يقاس في فَعَلٍ مطلقاً، وإنما يختص قياسه بما خصَّه به، خلافاً لما ذكر في التسهيل من القياس مطلقاً؛ إذ قال:"ومنها فِعْلانُ لاسمٍ على فُعَلٍ أو فُعَالٍ أو فَعَلٍ مطلقاً، أو فُعْلٍ واويَّ العين" فلم يقيد فَعَلاً بما قيده به هنا وجعلها شائعاً، ولا شك أن فيه كثرة ولكن لا تبلغ عندهم غيرها، فما ذهب إليه هنا أسَدُّ مما ذهب إليه هنالك.
***
وفَعْلاً اسماً وفَعِيلاً وفَعَلْ غيرَ مُعَلِّ العين فُعْلانُ شَمَا
فَعْلاً: منصوب على المفعولية بقوله آخراً: "شَمَل"، أي: شمل فَعْلاً وكذا وكذا. ومعنى شَمَلَ: عَمَّ، تقول: شَمَلَهم بالعطاء أو بالدعاء: إذا عمَّهم به. فلا يكون إلا في متعدِّد. واللغة الشُّهرَى فيه
شَمِلَ - بالكسر - يَشْمَلُ. وفيه لغة ثانية: شَمَلَهُم - بالفتح - يَشمَلُهُم - بالضم - ولم يعرفها الأصمعي فيما قالوا. ويحتمل أن يكون الناظم أتى بشَمَلَ على هذه اللغة، لأن الأخرى يلز فيها السِّنادُ على مذهب الخليل، وذلك باختلاف بالتوجيه، وهي حركة ما قبل الرَّويِّ المقيد، والمنع هنا أشد؛ لأنه فتح مع كسر، وقد أجاز ذلك بعض أهل القوافي، فعليه يمشي كلام الناظم إن كان أتى بشَمِلَ من أبنية المفردات أن يجمع عليه قياساً ثلاثة أبنية: فَعْلٌ - بفتح الفاء وفَعِيلٌ، وفَعَلٌ - بفتح الفاء والعين -، فأما فَعْلٌ فقيَّده بالاسمية فلا يكون عنده قياساً في الصفة، فلا تقول في كَهْلٍ: كُهْلان، ولا في صَعْبٍ: صُعْبَان، إلا ما ندر كقولهم: وَغْدٌ ووُغْدانٌ. وإنما يجمع على فُعْلان الاسم فتقول في ظَهْرٍ: ظُهْران، وفي بَطْنٍ: بُطْنَانٌ. وفي تَمْرٍ: تُمْرانٌ، وفي عَبْدٍ: عُبْدان. وهو أيضاً لم يقيد بصحة واعتلال، فيجري حكمه في الصحيح / (كما مثَّل، وهو صحيح) وفي المعتل
والمضاعف أيضاً، وهو غير صحيح؛ فإن المعتل العين بالواو بابه في الكثير فِعَال، وهو قليل في ذي الياء والكثير فيه فُعُولٌ. وقد تقدم ذلك. وكذلك في المضاعف، ولم أر من ذكر في المعتل هنا فُعلان لا قياساً ولا سماعاً، وإنما حُكي في ذي الواو فِعْلان - بكسر الفاء - نحو: ثَورٍ وثِيرانٍ، وقَوْزٍ وقِيزَانٍ. فهذا الإطلاق فيه ما ترى! .
وأما "فَعيِلٌ" فداخل تحت قيد الاسمية، لأنه عطفه على فَعْلٍ، وهو مقيد. وكذلك فعَلَ في التسهيل - أعني أنه قيَّده بالاسمية - وهو صحيحٌ، فإنه إذا كان صفة لم يجمع على فُعْلان قياساً، فإن جاء منه شيءٌ فمسموعٌ، وذلك نحو: ثِنِيٍّ وثِنْيانٍ، وشَجيعٍ وشِجعانٍ، وبعيدٍ وبُعدانٍ، وقريبٍ قِربانٍ، (يقال: فلانٌ من بُعدانِ الملك أو من قربانه). فإذا كان اسماً جاز القياس، سواءٌ أكان معتلاً أم مضاعفاً أم لا، فتقول: رُغيفٌ ورُغفانٌ، وقضيبٌ وقُضبانٌ، وكثيب وكُثبانٌ، وصليبٌ وصُلبان، وعسيبٌ وعُسبان، وجريبٌ وجُربانٌ. وفي المعتل:
سَرِيٌّ وسُريانٌ، وقَرِيٌّ وقُرْيانٌ. وفي المضاعف: حَزِيزٌ وحُزَّانٌ.
وأما فَعَلٌ فداخل أيضاً تحت قيد الاسمية لعطفه على ما هو مقيد بها، ونص على ذلك في التسهيل أيضاً، فلو كان صفة لم يجز جمعه على فُعْلان، فإن جاء من ذلك شيء فهو موقوفٌ على محله، قالوا: ثوبٌ خَلَقٌ وجمعوه على خُلْقان. وقالوا: جَذَعٌ وجُذْعانٌ. وأما الاسم فهو الذي له هذا الجمع لكن شَرَطَ فيه زيادة على الاسمية صحة العين، وذلك بقوله:"غيرَ معتلِّ العين". وهو حالٌ من "فَعَل" وحده، أي: شِمَل هذا الجمع فَعَلاً حال كونه غيرَ معلِّ العين، فلو اعتلَّت عينه فلا يجمع هذا الجمع، لأنه إن كان مذكَّراً فقد ثبت له فِعْلان كما تقدَّم، وإن كان مؤنثاً فإنما له فُعْلٌ. وقد مر أيضاً هذا،
فإذا صحت العين فحينئذ يسوغ القياس، فتقول: حَمَلٌ وحُمْلانٌ، وسَلَقٌ وسُلْقانٌ، وذَكَرٌ وذُكْرانٌ، ونحو ذلك.
وما قاله في فَعَلٍ من القياس هو قوله في التسهيل، وغيره يجعله سماعاً، وقد جعله / سيبويه في طبقة فِعْلان في الصحيح، إذ قال منبهاً على قلتهما:"وقد يجيء إذا جاوز أدنى العدد على فُعْلانَ وفِعْلانَن فأما فِعْلانُ فنحو: خِربانٍ وبِرقانٍ ووِرلانٍ، وأما فُعْلانَ فنحو: حُمْلانٍ وسُلْقانٍ". فمن الغريب كونُ الناظم فرَّقَ بينهما فجعل فِعْلانَ سماعاً حين قال قبل هذا: "وقلَّ في غيرهما" وجعل فُعْلانَ قياساً، فكان الأولى أن يعتمد على رأيٍ واحد فيهما، إما إجراءُ القياس كما فعل في التسهيل، وإما بالوقوف عندما سُمِعَ كالجماعة. فهذا اضطرابٌ، إلا أن يكون استقرأ في فُعْلانَ كثرةً لم يجدها في فِعْلانَ. وهذا بعيدٌ، والله أعلم.
***
ولِكَريمٍ وبخيلٍ فُعَلا كَذَا لِمَا ضاهاهُمَا قد جُعِلا
وناب عنه أفعلاءُ في المعَل لاماً ومُضْعَفٍ وغيرُ ذاك قَل
يعني أن فُعَلاء الممدود بناءُ جمعٍ جُعِلَ لما كان من الصفات على شاكلة كريمٍ وبخيلٍ ونحوهما، فهو جمعٌ لذلك في القياس، وذلك أن هذين المثالين يعطيان بقوتهما التنبيه على ما كان من المفردات صفة لمذكر عاقل على فَعيلٍ بمعنى فاعِلٍ. فهذه خمسةُ أوصاف، وينضاف إليها كون تلك الصفة صحيحة اللام غير مضاعفة، وذلك من قوله إثر هذا:
وناب عنه أفعلاءُ في المعل لاماً ومضعف
…
...
…
فالجميع سبعةُ أوصاف:
أحدها: أن يكون صفة، فإنه إن كان اسماً فقد تقدَّم حكمه قبل هذا الفصل، وأنه فُعْلانُ.
والثاني: أن تكون تلك الصفة لمذكر، فإن كانت لمؤنث نحو: كريمةٍ وبخيلةٍ، فقياسها الجمع على فَعَالٍ وفعائِلَ، كما تقدم، وكما سيُذكر إن شاء الله.
والثالث: أن يكون المذكر عاقلاً، فإنه إن كان غير عاقل لم يجمع هذا الجمع، فلا يقال في نحو كبشٍ سمينٍ: سُمَناءُ، ولا في
هزيل: هُزَلاءُ، ولا نحو ذلك.
والرابع: أن تكون الصفةُ على فَعِيلٍ، فإنها إن كانت على غير فَعِيلٍ لم يكن فيها فُعَلاءُ قياساً، كفاعلٍ مثلاً في قولهم: شاعِرٌ وشُعَراءُ، وعالمٌ وعُلَماءُ، هكذا يجمعَ من يقول: عالِم، على ما نبه عليه سيبويه، وأمثلة غير هذه ينبه عليها إثر هذا إن شاء الله عند قوله:"وغير ذاك قَلّ".
والخامس أن يكون فَعِيلٌ بمعنى / فاعِل، وهو الذي يدل عليه المثالان، فإنهما بمعنى فاعِلٍ، فلو كان بمعنى مفعولٍ لم يجمع هذا الجمع، بل قد تقدم حكمه التي تُذكر إثر هذا.
والسابع: كونها غير مضاعفة، فإن ضوعِفت لم تجمع على فُعَلاء قياساً.
ولا بد مع هذا من وص ثامنٍ معتبر له ينبِّه عليه هاهنا، وإنما نبه عليه قبل هذا، وهو كون الصفة صحيحة العين، فإن المعتلة العين مختصة بفِعَال نحو: طَوِيلٍ وطِوَالٍ، وقويمٍ وقِوَامٍ. وذكر ذلك في
فصل فِعَال فلم يحتج إلى التنبيه عليه.
فإن قلتَ: هو وإن ذكره هناك فلا يبعُدُ أن يفهم له حصول الجمعين لمعتل العين: فِعَالٌ وفُعَلاءُ، كما كان ذلك في أمثلة كثيرة كفَعْلٍ وفِعْلٍ وفَعَلٍ ونحو ذلك.
وإذا كان هذا موهِماً كان مشكِلاً، لأن المعتل العين مقتصر على فِعَالٍ خاصَّةً، نص على ذلك سيبويه وغيره.
فالجواب: أن الناظم قد بيَّن اختصاصه بفِعَالٍ إذ قال:
…
...
…
والزمْهُ في نحوُ طويلٍ وطويلةٍ تَفِي
فلا اعتراض عليه، فأما إذا استُوفيت الأوصاف فيجوز الجمعُ فتقول: كريمٌ وكُرَماءُ، وظريف وظرفاء، وشريف وشرفاء، وفقيهٌ وفقهاء، ونبيهٌ ونُبَهَاء، وفقير وفقراء، وبخيل وبخلاء، وحليم وحُلَمَاء، ونحو ذلك. وقوله:
كذا لما ضاهاهُمَا قد جُعِلا
يعني أن فُعَلاءَ قد جُعِل أيضاً لما شابه كريماً وبخيلاً في أوصافه المتقدمة، وفسَّرهُ ابنُ الناظم بمعنى آخر، وهو أن قال: "وكثُرَ - يعني فُعَلاء - فيما دلَّ على مَدح أو ذَمِّ كعاقلٍ وعُقَلاءَ، وصالحٍ وصُلَحَاءَ،
وشاعرٍ وشعراء". قال: "وإلى هذا الإشارة بقوله:
كذا لما ضاهاهُمَا قد جُعَلا"
يعني أن نحو صالحٍ وعاقلٍ وشاعرٍ مشابهٌ لنحو كريمٍ وبخيلٍ في الدلالة على معنًى هو كالغزيرة". قال: "فهو كالنائب عن فَعِيلٍ فلهذا جرى مجراه". (هذا ما قاله ابن الناظم)، فالمضاهاة عنده ليست في الأوصاف اللفظية، وإنما هي من جهة المعنى.
وجرى بهذا التفسير على طريقة أبيه في التسهيل حيث قال: "وحمل عليه - يعني على فَعِيلٍ المذكور - خَلِيفةٌ، وما دل على سجيَّةِ حَمْدٍ أو ذمٍ من فَعَالٍ / أو فُعَالٍ أو فاعل" ومثال ذلك: جَبَانٌ وجُبَنَاءُ، وشجاعٌ وشُجَعَاءُ، وصالحٌ وصُلَحَاءُ. وهو تفسيرٌ صالح إلا أنه يبقى فيه صحة القياس في هذا المحمول. فإن أراد الناظم بقوله:"قد جُعِلا" يعني قياساً، فليس كذلك إلا في فُعَالٍ المضمومِ الفاء من
حيث هو مرادفُ فَعِيلٍ، تقول: طويلٌ وطُوالٌ، وخفيفٌ وخُفَافٌ، وبعيدٌ وبُعَادٌ، وشجيعٌ وشجاعٌ، وكبيرٌ وكُبَارٌ، وعجيبٌ وعُجَابٌ. قال سيبويه:"وفُعَالٌ بمنزلة فَعِيلٍ لأنهما أختان".
وأما فاعلٌ ففُعَلاءُ فيه قليلٌ عند سيبويه وغيره.
وأما فَعَالٌ فهو عندهم مما ندر فيه فُعَلاءُ، فكيف يجعل مثل هذا قياساً؟ ! فالظاهر إن كان أراد ما قاله ابنُهُ أنه يريد ما جاء مسموعاً، وإلا فيقع البحث فيما قال، فلا يتخلص كلامه عن الاعتراض، فتأمل ذلك.
ثم في هذا التمثيل نظرٌ من وجهين:
أحدهما: أنه أتى بمثالين مماثلين يفيدان مقصوداً واحداً، وهو متحر للاختصار كما مر في أثناء الشرح، فكان الأولى به أن يقتصر على أحدهما لإفادته المقصود وحده.
والثاني: أنه ترك من فَعِيلٍ المجموع قياساً على فُعَلاء ما كان بمعنى مُفعَلٍ وبمعنى مفاعِلٍ، وكل واحد منهما عنده يقاس فيه، نص
على ذلك في التسهيل، فمثال مُفْعِلٍ: نَبِيءٌ - على لغة مَن هَمَزَ - وجمعُهُ: نُبَآء، قال الشاعر:
يا خاتم النُبَآءِ إنكَ مرسلٌ بالحقِّ كل هدى السَّبيلِ هُدَاكا
ومثال مُفاعِلٍ: نديمٌ ونُدَماءُ، وجليسٌ وجُلَساءُ، وخليطٌ وخُلَطاءُ. وهذان لا يدخلان تحت تمثيله بكريم وبخيل، إذ ليس واحد منهما بمعنى مُفْعِلٍ ولا بمعنى مُفاعِلٍ، وإذا كان كذلك كان تطويلُهُ بالمثال الثاني تقصيراً.
وهذا الاعتراض الثاني إنما هو مبني على الأول في القصد، فإن كثيراً من الجموع يجمع عليها ما لم ينبَّه عليه، ويكون ذلك قياساً إما عنده على ما نص عليه في التسهيل اختياراً له، وإمَّا عند غيره. وإذا تتبَّعْتَ ذلك في كلامه وجدتَه، ولم أكن لأُورِدَ عليه الاعتراض بما نقصه من ذلك لكون هذا المختصر لا يحتمله، إذ لا يتأتى فيه الاستيفاء، ولا قصد الناظم ذلك، وإنما جيء بالاعتراض هنا / بالنقص من جهة أنَّه كان قادراً على أن يأتي بمثالٍ وكان المثال الثاني يشير به إلى معنى مُفْعِلْ أو إلى معنى مُفاعِلٍ، فيقول: "ولِكَرِيمٍ
ونَبِيءٍ"، أو يقول: "ولِكَريمٍ وجَلِيسٍ" فيعطى زيادةَ معنًى وتمامَ فائدةٍ. ثم قال:
وناب عنه أفْعِلاءُ في المعل لاماً ومُضْعَفٍ
…
...
…
...
يعني أن أفعِلاءَ من أبنية الجمع نابَ عن فُعَلاء في موضعين:
أحدهما: حيث كان لامُ فَعِيلٍ الصفةِ معتلاً، وذلك قوله:"في المعلِّ لاماً" ولاماً: منصوبٌ على التمييز المنقول من الفاعل، وأصله: المعلِّ لامُهُ. فتقول في وليٍّ: أولياء، وفي نبيٍّ: - عند من لا يهمز -: أنبياء، وفي سَرِيٍّ: أسرياء، وفي صفيٍّ: أصفياء، وفي غنيٍّ: أغنياء. وفي غويٍّ: أغوياء. وما أشبه ذلك. وإنما نابَ أفعلاءُ هنا عن فُعَلاءَ لأنهم مما يكرهون تحرك حروف العلة وقبلها فتحةٌ، ولذلك كان حكمها ألا تبقى على حالها، وأن تقلب ألفاً على ما يتبيَّن في التصريف إن شاء الله، مع أن لهم مندوحةً عن ذلك، وهو الجمع على أفْعِلاءَ، فاقتصروا عليه. هذا معنى تعليل سيبويه، ولأجل التنبيه على هذه العلة أتى الناظم بلفظ النيابة؛ إذ كانت النيابة تؤذن بعلةٍ لأجلها تُرِكَ الأصل، وهو ما ذُكِرَ.
الموضع الثاني من موضعي النيابة: المضاعف، وهو الذي أراد
بقوله: "ومُضْعُفٍ". فأتى به من "أضْعَفَ". وعادةُ النحويين الإتيان به من "ضاعَفَ" وإنما خلافهم للضرورة، مع أن المعنى فيهما واحدٌ، يقال: ضَعَفْتُ الشيء وأضعفتُهُ، وضاعفتُهُ، بمعنى. فإذا كان فَعِيلٌ مضاعفاً - أي: متماثل العين واللام - فإنه ينوب فيه أفْعِلاءُ عن فُعَلاءَ، فتقول: شديدٌ وأشِدَّاءُ، وشحيحٌ وأشحَّاءُ، وعزيزٌ وأعزَّاءُ، ولبيبٌ وألبَّاءُ، وحبيبٌ وأحِبَّاءُ، وطبيبٌ وأطبَّاءُ" ونحو ذلك.
ووجه الهروب عن فُعَلاءَ أنهم كرهوا فُعَلاءَ لاجتماع المِثلين لو قالوا: شُدَداءُ وشُحَماءُ، وعُزَزاءُ، ولا يمكن إدغامه ليخفَّ اللفظ به، لأنه فُعَلٌ، وفُعَلٌ ليس على وزن الفعل كدُرَرٍ وطُرَرٍ وقُلُلٍ.
فإن قيل: لعل هذا حكمٌ مختص بالثلاثي غير المزيد - أعني امتناع الإدغام - بخلاف المزيد فإنه يمككن فيه الإدغام، وإنما المانع المحقق أنهم لو قالوا في المضاعف /: فُعَلاءٌ لكان يصير إلى مثال ما ينصرف، لأنه ليس في الكلام فُعَلاءُ إلا مصروفاً، فعدلوا عنه، لأنهم لو
جمعوه على فُعَلاءَ للزم الإدغام وسكون الحرف الأول من الحرفين فتقول: شُدَّاءٌ، فيأتي على مثال ما ينصرف، فيلزمُ صرفه.
فالجواب: أنَّ هذا التعليل علَّلَ به ابن خروف، وليس بتعليل سيبويه، وإنما تعليلُ سيبويه ما تقدم من كراهية التضعيف. وكذلك قال السيرافي: أنهم رهوا فُعَلاءَ لتكرير حرف غير مدغم، وبه يلزم لو جمع على شُدَدَاءَ، وهو مستثقلٌ. وردَّ ابنُ الضائع تعليلَ ابن خروف وزعمه أن الإدغام يجب بأنه فُعَلٌ، وفُعَلٌ لا يُدغم. وأجاب عن الاختصاص بالثلاثي بأن سيبويه قد نص على أنك لو بنيت فُعَلانَ من رددتُ لقلتَ: رُدَدَان ولم تدغم، قال: لأنه فُعَلٌ زيدت عليه الألف والنون. قال: والدليل على ذلك قولهم: خُشَشَاءُ. قال ابن الضائع: وهذا نصٌّ في محل النزاع. قال: فهذه سقطةٌ من ابن خروف؛ لأنه خالف العرب والإمام. قال: وكأنه أراد أن يغرب بذلك التعليل فوقع كما ترى.
ثم قال الناظم: "وغيرُ ذاك قَلَّ" ذاك: إشارة إلى جميع ما تقدم في أفْعلاء وفُعَلاءَ، فنرجع عليه بالتنقير فنقول:
أما ما خالف قيد الوصفية فقولهم: نَصِيبٌ وأنصِبَاءُ. وقلَّته من
وجهين، من هذا، ومن كونه غير معتل اللام ولا مضاعف، جُمِعَ على أفعِلاء.
وأما ما خالف قيد الوزن فقولهم: هَيِّنٌ وأهْوِنَاءُ، وكذلك: سَمْحٌ وسُمَحاء، وخِلْم - بالخاء المعجمة - وخُلَماء، ورسولٌ ورُسَلاء، ووَدُودٌ، وُدَدَاءُ، وحَدَثٌ وحُدَثَاء. وقد تقدم في ما نحو شاعر وشعراء، وعالم وعلماء، وجبان وجبناء، وشُجَاعٍ وشُجَعَاء، وبُعادٍ وبُعَدَاءَ.
وأما ما خالف قيد كونه بمعنى فاعلٍ فقولهم: أسيرٌ وأُسَراءُ، وظَنينٌ - بالظاء المشالة - وأظِنَّاء. وفي هذا أيضاً ما يقتضي أن فَعِيلاً بمعنى مُفْعَلٍ أو مفاعل سماعٌ. وهو خلاف ما ذكر في التسهيل، والظاهر أنه قياس كما قال هنالك. وقد يقال: إن الاعتراض بالذي في معنى مفاعل لا يلزم؛ لأنه راجع إلى معنى فاعل. / وأما إذا كان بمعنى مُفْعَلٍ فهو قليل فلم يعتبره، ويكون تكراره للمثال أولاً في قوله:"ولِكَريمٍ وبخيلٍ" تنبيهاً على أن الاقتصار على ذلك المعنى وحده مقصود لرجوع ما كثر إلى معنى فاعلٍ، ولإخراج معنى مُفْعَلٍ
عن القياس، ويكون هذا حسناً من التوجيه لكلامه؛ إذ قد تقدم في بعض مواضعَ من هذا الشرح التنبيهُ على أن الناظم يقصد الإتيان بما ظاهره التكرارُ أو الحشو لفائدة كما تقدم في باب الإضافة في قوله في الإضافة غير المحضة:
كَرُبٌ راجينا عظيم الأملِ مُرَوَّعٌ القلبِ قليلُ الحِيَلِ
وأما ما خالف قيد التذكير فقولهم: : خليفةٌ وخُلَفاءُ، قال سيبويه:"من أجل أن لا يقع إلا على مذكَّر، فحملوه على المعنى، وصاروا كأنهم جمعوا "خَلِيفٌ" حيث علموا أن الهاء لا تثبت في تكسير". وقد جمع الشاعر بين خليفة وخليف، أنشد الفارسي لأوسٍ:
إن من القوم موجوداً خليفتُهُ وما خليفُ أبي ليلى بموجودِ
لكن هذا في غير الخليفة المشهور. وقالوا: فقيرةٌ وفُقَراء، وسَفيهةٌ وسُفَهاء.
وأما ما خالف قيد العقل فلا أعرف الآن له مثالاً.
وأما ما خالف قيد صحة اللام فقولهم: تقيٌّ وتُقَواءُ، حكاه
السيرافي، وهو نادر، قال:"ولشذوذه غيَّره"، والأصل: تُقَياءُ. قال ابن الضائع: لأنه من وقيت. وحكى الفراء: سَرِيٌّ وسُرَوَاءُ، وقال: سَخِيٌّ وسُخَوَاءُ.
وأما ما خالف قيد عدم التضعيف فلا أعلم الآن له مثالاً. وكذلك ما خالف قيد صة العين.
وأما ما خالف قيد اعتلال اللام في أفْعِلاءَ فقولهم: نِصِيبٌ وأنصِبَاءُ، - وقد تقدم - وصديقٌ وأصدقاءُ، وهما أيضاً مثالان لما خالف قيد التضعيف في أفعلاء، فإن المثالين غيرُ مضاعفين ولا معتلَّي اللام،
فحصلت النيابةُ لأفعِلاءَ عن فُعَلاءَ لغير علة كما أنهم بَقَّوا على الأصل من غير نيابة في المعتل اللام في نحو: تُقَوَاءَ. وقد أنابوا أيضاً أفعِلاءَ في الصحيح في قولهم نبيءٌ - بالهمز - (وأنبياء) وهي قراءة نافع، وذلك مطردٌ في جميع القرآن، ولكنه لفظ واحد، فلا يخرجه ذلك عن كون الجميع / على أفعلاء في الصحيح قليلاً.
***
فَوَاعِلٌ لِفَوعَلٍ وفاعَلٍ وفاعلاءَ مَعَ نحو كَاهِلِ
وحائضٍ وصاهلٍ وفاعِلَهْ وشذَّ في الفارسِ معْ ما مثَلَهْ
ذكر هنا فواعِلَ وما يجمع عليه من المفردات، وذلك فَوعَلٌ، وفاعلٌ المفتوحُ العين، وفاعلاءُ، وفاعلٌ اسماً وصفةً على تفصيل، يعني: أنَّ هذه الأبنية تجمع قياساً على فواعِلَ.
أما فَوعَلٌ فهو عبارة عما كانت الواو فيه ثانية زائدةً للإلحاق، وإطلاقه إياه يدل على أن ذلك فيه ثابت، سواء أكان اسماً نحو كوكب وتولَب، أم صفة نحو توأم وحَومَل، فإن فواعِلَ فيه قياسٌ،
فتقول في كوكَب: كواكب، وفي تَولَب: توالِب، وفي عوسج: عواسِج، وفي جَوهَر: جَوَاهِر، وفي حَومَل: حَوَامِل، وفي توأم: توائِم، وفي هَوزَب: هَوازِب. وما أشبه ذلك. لكن نبَّه بالتمثيل على أن ذلك إنما يكون فيما كانت الواو تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة، فإن "فَوْعلاً" هكذا حقيقته، فلو كانت الواو تلحقها ببنات الخمسة مثلا لم يصح جمعها على فواعِلَ مثل: خَوَرْنَق وكَوَأْلَلٍ، فإن الواو هنا لا بد من حذفها للجمع فيصير الجميع إلى فعالِلَ لا إلى فواعِلَ.
فإن قيل: إن كلام الناظم في فَوْعَلٍ غير مطرد، وذلك أن فَوعلاً على قسمين، أحدهما ما يُجمع كما قال، والآخرُ ما تلحق الجمع فيه هاء التأنيث ولا يجيء في الكلام دونها إلا قليلاً، فالأول ما كان على فَوْعَل من العربي الأصيل كما ذكر من الأمثلة.
والآخر ما كان أصله أعجمياً فعُرِّبَ نحو: مَوْزَجٍ وجَوْرَبٍ
وصَوْلَجٍ، فإنك تقول: مَوازِجَةٌ وجَوَارِبَةٌ وصَوَالِجَةٌ. وقد قالوا: جَوَارِبُ، كما قالوا في العربي المحض: صَيَاقِلة فألحقوا الهاء، وكذلك صَيَارفة، وهو نظير فَوَاعِلَة لو سُمِع، فقد صار كلام الناظم يوهم أنك لا تقول إلا جَوَارِبَ ومَوَازِجَ وصَوَالِجَ خاصةً، وذلك غير مستقيم من الفهم.
فالجواب من وجهين، أحدهما: أن المعرَّب في جنب العربي نادر قليل كالأشياء النادرة في العربي المحض، ولا معتبر بها، فلم يحتج إلى التنبيه عليها لذلك.
والثاني: أن فواعِلَ حتمٌ فيه وإن كان أعجمياً، وإنما تلحق التاءُ بعد حصول الجمع بياناً لأن المعرب عرَّبته (وصيرته) من كلامها بعد أنْ لم يكن. وأيضاً فإن التاء لا يخرج الجمع عن كونه / على فواعِل، بل هو فواعِلُ لحقته الهاء، فلم يخرج ذلك عما قرره الناظم من جمعه على فواعِلَ.
وأما فاعَلٌ فهو بفتح العين، وقد اجتمع في القافية مع كاهِلٍ
المكسور العين، وقد أجازه الخليل، وهو اختلاف الإشباع في حرف الدخيل، وغيره يرى أن مثل هذا ممنوع، إلا أنه قد جاء منه في كلام العرب شواهدُ تدل على تسويغه لِمُثُل ابن مالك في هذا النظم وإن كان قليلاً، وإنما أجازه الخليل حملاً على المجرد من الرِّدْف والتأسيس، ومن ذلك في الشعر قول الشاعر:
يا نخلَ ذاتُ السِّدر والجراوِلِ
تَطَاوَلِي ما شئتِ أن تَطَاوَلِي
وهو في الفتح أقبح من غيره، ومثل هذا العيب موجود في الشطرين اللذين بعد هذين، وذلك قوله:"وفاعِلَهْ" و "مَعْ ما ماثَلَهْ".
ودلَّ كلام الناظم على أنه يجمع على فواعِلَ كان اسماً أو صفة، إلا أن الصفة فيه غير محفوظة عن العرب، ذكر سيبويه أنه لا يعلم أن فاعَلَ جاء صفة، فبقي الاسم، ومثاله: طابَقٌ وطوابِقٌ، وخاتَمٌ وخواتِمٌ، ودانَقٌ ودوانِقٌ، وتابَلٌ وتوابِلُ.
وأما فاعِلاء فإنه يجمع أيضاً على فَواعِلَ، وظاهر كلام الناظم إطلاقه كان اسماً أو صفة، ولم يأتي صفة فلذلك لم يحتج إلى تقييده بكوه اسماً كالمثال الذي قبله، ومثاله: قاصِعَاءُ وقَوَاصِعُ، ونافقاء ونَوَافِقُ، وسَابياء وسَوَاب، وحانِيَاءُ وحَوَانٍ، ودامَّاءُ ودَوَامٍ، وراهِطَاءُ ورَوَاهِطُ، ونحو ذلك. ووجه هذا الجمع الذي حذف فيه ألف التأنيث أنهم شبهوها بالهاء وحكموا لها بحكمها، ألا ترى أنها لا تحذف في التصغير كما لا تحذف الهاء، فإذا كان ذلك كذلك فكأنهم إنما كسروا فاعلاً المؤنث بالهاء، وبابه فواعل كما سيذكر إثر هذا بحول الله ومشيئته.
ثم قال: "مع نحو كاهلٍ وحائضٍ وصاهلٍ"
…
إلى آخره، يعني أن هذه المثل وما أشبهها مما جمع أوصافها تجمع أيضاً على فواعِلَ، وأصلها كلها فاعِلٌ. ولا بد من تقديم مقدمة تكون كالشرح لمقصوده في افتراق مُثَلِهِ، وذلك أنَّ بناءَ فاعل على قسمين اسم وصفة، فالاسم نحو كاهل، وهذا الذي أشار غليه بالمثال، والصفة على
قسمين أيضاً، مؤنثة بالهاء ومجردة من الهاء، فالمؤنثة بالهاء نحو ضاربة وصاحبة، وهي التي أشار إليها بـ"فاعِلَهْ".
والمجردةُ من الهاء على قسمين: واقعٌ على / مذكر، وواقع على مؤنث، فالواقع على المؤنث نحو: طامِثٍ وطاهِرٍ، وهو المشار إليه بحائِضٍ.
والواقعُ على المذكر على قسمين، واقعٌ على مذكر غير عاقل، وواقعٌ على مذكر عاقل، فالواقع على المذكر العاقل هو المشار إليه بمثال الفارس، ومثاله أيضاً: قائمٌ وقاعِدٌ، والواقع على المذكر غير العاقل نحو: ضامِرٍ وبازِلٍ، وهو المشار إليه بصاهلٍ.
فهذه خمسة أقسام أشار إليها بخمسة أمثلة، حكمها جميعاً جواز الجمع على فواعِلَ فيه شاذ. فقوله:"مع نحو كاهِلِ" يعني أن ما كان من أمثلة فاعل اسماً غير صفة فيجمع قياساً على فواعِلَ، فتقول: كاهِلٌ وكواهِلٌ. والكاهلُ: الحاركُ، وهو ما بين الكتفين، وفي الحديث:"تميمٌ كاهِلُ مُضَرَ". وكاهلٌ أيضاً أبو قبيلة من العربي، وليس هو
المراد هنا. ومثله: غاربٌ وغواربُ، وحائطٌ وحوائِطُ، وحاجزٌ وحواجِزُ، وطابِقٌ - بالكسر - وطوابِقُ، ودانِقٌ ودوانِقُ، وخاتِمٌ وخواتِمُ، وما أشبه ذلك.
وقوله: "وحائضٍ" يعني أنه يجمع أيضاً على فواعِلَ كل ما كان صفة لمؤنث لم تلحقه التاء نحو: حائض، فتقولُ: حوائضُ. وفي القاعد عن الحيض: قواعِدُ. وفي طامثٍ طوامِثُ. وفي حاسِرٍ: حواسِرُ. ووجهه أنه عُومل معاملة ما فيه التاء لما كان مؤنثاً مثله. ولذلك كان حائض وبابه له جهتان، فجهة اللفظ إذا اعتبرت، وهو مذكر جُمِعَ على فُعَّل. وجهة المعنى إذا اعتبرت، وهو مؤنث جُمِعَ على فواعِلَ. وأصل فواعِلَ في فاعِلٍ إنما هو للمؤنث، وما عداه محمول عليه كما سيتبين آخر الفصل إن شاء الله.
فإن كان كذلك ظهر وجه حوائِضَ، إلا أن هذا المثال قاصِرٌ، فإنه يشير إلى قصر هذا الحكم على ما كان لمؤنث عاقل، وليس كذلك، بل هو جارٍ قياساً في غير العاقل، فتقول: ناقةٌ فارِقٌ، ونوقٌ فوارِقُ، وراجعٌ ورواجِعُ، وفاسِجٌ وفواسِجُ، أنشد ابنُ
الأنباري لهِمْيَان بن قحافة:
يظلُّ يدعو نيبَهَا الضَّماعِجَا
والبَكَرَاتِ اللقَحَ الفواسِجَا
وناقةٌ ماخِضٌ، ونوقٌ مواخِضٌ، وعائذٌ وعوائِذُ، وريح عاصفٌ ورياحٌ عواصِفُ، ومن ذلك كثير، فليس بمختص بصفة المؤنث العاقل، وقد شرح / ابنُهُ هذا الموضع فأشار إلى ما يظهر منه من الاختصاص، والذي ذكر سيبويه وغيره أن ذلك عام، قال:"وإذا لحقت الهاء فاعلاً للتأنيث كُسِّرَ على فَوَاعِلَ". ثم قال: "وكذلك إن كان صفة للمؤنث ولم تكن فيه هاء التأنيث، وذلك حواسِرُ وحوائِضُ". فأطلق كما ترى، ومثل بالعاقل وغيره، لأن الحاسر فسَّروه بأنه من حَسِرَت العينُ والناقة: إذا اَعْيَتَا، ولكتاهما حاسِرٌ. وكان الأولى بالناظم أن يأتيَ بمثال يشمل العاقل وغيره، أو
بمثال يشمل العاقل وغيره، أو بمثال لكل واحد منهما.
وقوله: "وصاهِلِ" يريد: أن ما كان مثل صاهِلٍ أيضاً في كونه صفة لمذكر غير عاقل فإن فواعِلَ قياسٌ فيه أيضاً فتقول: صاهِلٌ وصواهِلُ، والصاهل: اسم فاعل من صَهَلَ الفرس: إذا صوَّتَ، ومثله: بازِلٌ وبوازِلُ، وضامِرٌ وضوامِرُ، وبعيرٌ حاسِرٌ وحواسِرُ. وإنما جُمِعَ جمع المؤنث وإن كان مذكَّراً لأنه لا يجوز فيه ما جاز فيما هو للمذكر العاقل من الواو والنون، فإشبه لذلك المؤنث، ولم يقْوَ قوَّةَ ما كان للعاقل. هذا تعليل سيبويه، وأيضاً فإنهم يعاملون غير العاقل معاملة المؤنث في التصغير وغير غيره، كقولهم: دُرَيهماتٌ ودُنَينيراتٌ، وقولهم: حمَّاماتٌ وسِجِلاتٌ وسُرَادِقاتٌ، ونحو ذلك، فلذلك جُمِعَ جمع المؤنث.
وقوله: "وفاعِلَهْ". وهذا أيضاً يريد به أن ما كان من الصفات قد لحقته تاء التأنيث فجمعه على فواعِلَ، نحو: ضاربةٍ وضوارِبَ، وسائبةٍ وسوائِبَ، وقاطعةٍ وقواطِعَ، ورابيةٍ وروابٍ، وباكيةٍ وبَوَاكٍ، وعاملةٍ وعوامِلَ، ونحو ذلك. قال سيبويه: "وإذا لحقت الهاء فاعلاً
للتأنيث كُسِّرَ على فواعِلَ". ثم مثَّلَه، قالوا: وهو الأصل، لأن الجمع هنا على فواعل للفرق بين جمع المذكر وجمع المؤنث، فخصوا المؤنث بفواعِلَ، ولم يجمعوا المذكَّرَ عليه، وخصُّوا المذكَّرَ بفُعَّلٍ وفُعَّالٍ كما تقدم في كلام الناظم ولم يجمعوا المؤنث عليه إلا قليلاً، كقولهم: نائمةٌ ونُوَّمٌ، وزائرةٌ وزُوَّرٌ. وأما حُيَّضٌ في حائض ونحوه فلأن له وجهين، وقد تقدم بيان هذا، ولذلك أتى به سيبويه - أعني إتيانه بحائض - في فصل المذكر وفصل المؤنث. ونظيرُ حائضٍ في اعتبار الوجهين فيه الصفة المستعملة استعمال الأسماء من هذا الفصل، نحو صاحبٍ وشابٍّ وفارسٍ وراكبٍ، فمن حيث له مؤنثٌ على فاعلة يُجمع ذلك المؤنث على فواعِلَ، لذلك لم يُجمع مذكَّرهُ على فواعل لأجلس اللَّبس، اعتباراً بأصله من الوصفية، ولم يجمعوه / (أيضاً) على فُعَّلٍ ولكن على فُعْلانَ اعتباراً بحاله من عدم الوصفية، بل أخرجوه عن فُعَّلٍ الذي هو للوصف إلى فُعْلان الذي هو للاسم المبني على فَعِيلٍ إذ هو قريبٌ من فاعل، وفَعِيلٌ يجمع على فُعْلانَ نحو: جَريبٌ وجُرْبان. هذا أصل الاختصاص، وهو التفرقة بين المذكر والمؤنث وخوف اللبس في الجمع، فلو جُمع المذكر على فواعِلَ
لأوهَمَ أنه فاعلة، لكن اختص هذا بالمذكر العاقل خاصة، لأن غير العاقل في حكم المؤنث كما تقدم من كلام سيبويه وغيره. وكذلك ما ليس فيه الهاء من المؤنث محمولٌ على ما فيه الهاء، وهذا في الصفات، وأما الأسماء فإنما جاز جمعها على فواعِلَ على أصل هذا التعليل لعدم احتياجهم إلى التفرقة؛ إذ لا فاعلةَ له، فلم يكونوا ليفرَّوا من فواعِلَ؛ إذ لا لبس، بخلاف ماله فاعلة، وهو الصفة.
ثم قال:
وشَذْ في الفارس مَعْ ما ماثَلَهْ
قال ابن السكيت: إذا كان الرجلُ على حافِرٍ برْذَوناً كان أو فرساً أو بغلاً أو حماراً قلتَ: مرَّ بنا فارسٌ على بغل، أو مرَّ بنا فارسٌ على حمار، قال الشاعر:
وإني امرؤ للخيل عندي مزيَّةٌ على فارسِ البِرذَونِ أو فارسِ البغلِ
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: لا أقول لصاحب البغل: فارسٌ، ولكني أقول: بغَّالٌ، ولا أقولُ لصاحب الحمار: فارسٌ، ولكني أقولُ: حَمَّارٌ. نقل هذا الجوهري.
ويعني الناظم أنَّ فواعل شذَّ وجودُهُ فيما كان من الصفات لمذكر
عاقل كالفارس وما أشبه ذلك مما اتصف بصفته، وإنما شذ لمخالفته ما تقدم من قصد التفرقة وارتفاع اللبس الواقع بين المذكر والمؤنث، على أنهم قد وجهوا ما جاء من ذلك؛ إذ "ليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً، هذا في الاضطرار فما ظنك به في حالة الاختيار؟ فمما جاء من ذلك جمعهم الفارس على فوارِسَ، قال:
لولا فوارسُ من نُعْمٍ وأسرَتِهم يومَ الصُّلَيفاء لو يُوفُون بالجارِ
وهو في الكلام كثيرٌ، ووجه هذا الجمع بعد أن يقال: إنه من الصفات التي استعملت استعمال الأسماء، فقرُبَ بذلك منها أنَّ اللبس فيه لا يكون لِمَا ذكَرَ سيبويه من أن الفارس لا يقع في كلامهم إلا للرجال، قال:"وليس في أصل كلامهم (أن يكون) إلا لهم، / فلمَّا لم يخافوا الالتباس قالوا فواعِلَ، كما قالوا: فُعلاء" - يعني لكونه استعمل استعمال الأسماء - "وكما قالوا: حوارِثُ، حيث كان
اسماً خاصاً كزيد"، يعني بسبب اختصاصه وإن كان صفة بالمذكور كزيد، وكحارث إذا سميت به، وقوله: "في أصل كلامهم"، تنبيه حسن؛ لأنه قد كان في غير العرب نساءٌ يركبون الخيل ويحاربون، على أن ذلك قليلٌ في الكل فلم يعتد به. ومن ذلك قولهم: "هالكٌ في الهوالك" جمعوا هالكاً وإن كان لمذكر على هوالك، ووجهه أنه جرى عندهم مجرى المثل، ومن عادة الأمثال أن تُغيَّرَ عن أصلها وعمَّا تستحقه في الكلام، أنشد السيرافي:
تجاوزْتُ هنداً رغبةً عن قتاله إلى مالكٍ أعشو إلى ذكر مالكِ
وأيقنتُ أني عند ذلك ثائرٌ غداتئذٍ أو هالكٌ في الهوالكِ
وأنشد سيبويه للفرزدق:
وإذا الرجالُ رأوا يزيدَ رأيتهم خُضُعَ الرِّقاب نواكِسَ الأبصارِ
فجمع ناسكاً على نواكِسَ، والمراد الرجال، وحملَه سيبويه على اعتبار التأنيث في الرجال، قال: لأنك تقول: هي الرجال، كما تقول: هي الجمال، فشُبِّهَ". وطريقة المبرد في هذا النوع أن فواعِلَ هو الأصل في الجميع، وإنما منع منه هنا هو خوف اللبس، فإذا اضطروا راجعوا الأصل كما يراجعون في سائر الضرورات، وكذلك حيث أمنوا الالتباس. وقد وجه "نواكس" ابنُ الضائع على وجه آخرَ، وهو أن يكون صفةً للأبصار من جهة المعنى، لأن الأصل قبل النقل: نواكسٌ أبصارُهُم، والجمع في هذا قبل النقل على فواعل سائغ لأنه غير عاقل، فلما نقل تركوا الأمر على ما كان عليه، لأن المعنى لم ينتقل، قال: ونطير هذا توجيه الفارسي قوله:
يا ليلةً خُرْسَ الدجاج سهرتها ببغداذَ ما ما كادت عن الصبح تنجلي
على ما هو مذكور في الإيضاح. وذكر السيرافي أنه وَجَدَ غير
ذلك، قال عُتَيبة بن الحارث لجَزْءِ بن سعد:
أُحامي عن ذمار بني أبيكمْ ومثلي في غوائِبُكُمْ قليل
فقال جَزْءٌ: نعم، وفي شواهدنا. قال: وهذا جمع غائبٍ وشاهد من الناس.
وقد نزع الشلوبين في / هوال ونواكس منزَعاً يجري في جميع ما جاء من هذا مما تقدم ذكره، وهو أن قال: قد عُرِف بقوله أولاً: هالك أنه إنما يريد المذكر، وكذا بقوله:"وإذا الرجال رأوا يزيد"، قال: فصار ذلك مما تقدم ذكره من قولهم: فارس، في الفوارس، وإن لم يكن مثله بالجملة، لأن المعنى الذي يتضمنه نواكِسُ يصلح للمذكر والمؤنث، والمعنى الذي يتضمنه الفوارس لا يصلح إلا للمذكر. هذا ما قال، وهو جارٍ في قوله:
ومثلي في غوائبكم قليل
لأنه إنما يريد فيمن غاب من رجالكم، ولم يرد أن مثله في نسائهم قليلٌ، أو فيمن إليهم من رجال ونساء. فتعين أنه يريد المذكر من جهة قصده، فصار كالفوارس بهذا اللحظ.
***
وبفَعَائلَ اجْمَعَنْ فَعَالَهْ وَشِبْهُهُ ذا تاءٍ أو مُزَالَهْ
يعني أن فعائلَ من أبنية الجمع، يجمع عليه من كان من المفردات على وزن فَعَالَة، وعلى وزن يشبه ذلك، وذلك قياس على ما يقتضي إطلاقه، والذي يشبه فَعَالَة هو كل ما كان من الأبنية ثالثُهُ رف مد ولينٍ زائد، فيدخل له فيه خمسة أبنية: فَعَالة - مثلث الفاء بالضم والفتح والكسر - فهذه ثلاثة، وفعِيلة، وفَعُولة، هذا الذي يشبه فَعَالَة، (ولا يقال: إنما عنى بفَعَالَة ما كان ثالثه ألفاً، فلا يدخل له إلا ثلاثة أبنية: فَعَالَة و) فُعَالَة وفِعَالَةُ؛ لأنه فَعُولَةَ وفَعِيلةَ لا يشبه فَعَالَةَ لاختلاف ما بين الألف وبين الواو والياء، ولاختلاف حركة ما قبلها. لأنا نقول كذلك أيضاً: فُعَالَة المضموم الفاء أو المكسورها لا يشبه المفتوحها، فقد حصل الاختلاف، فيلزم ألا يقصد إليها، قيبقى فَعَالَةُ المفتوح الفاء وحده، فلا يكون لقوله:"وشبهَهُ" فائدة أصلاً.
فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين ما تقدم له في التشبيه كقوله:
وشاعَ في حوتٍ وقاعٍ مع ما ضاهاهما
…
...
…
...
…
فحملتَ المضاهاة على أنها مع بقاء واو حوتٍ وألفِ قاعٍ، ولم
تحمِل عليه ما أشبهه من نحو: فِيلٍ ومِيلٍ، وكذلك قوله:
ولكريم وبخيلٍ فُعَلا كذا لما ضاهاهما قد جُعلا
فل تجعل فَعُولاً ولا فَعَالاً نحو: ضَروبٍ وجبانٍ مما ضاهى كريماً وبخيلاً، وغير هذا من المواضع.
فالجواب أن الفرق ظاهر، وذلك أن مثال فَعَالة مثلاً أتى به مطلقاً غير مقيد، وليس له فيه ما يعتبر من الأوصاف المقصودة إلا ما يكون فيه من حرف لين أو تحريك فاء أو / نحو ذلك مما اعتبر في تفسير كلام الناظم، ولو لم يعتبر فيه ذلك لم يكن له شبه، إذ لا يدخل تحته إلا أمثلةٌ ليست في الحقيقة غيرَه. والممثَّل الذي هو مثلاً كحمامةٍ ودجاجةٍ داخلٌ تحته سواءٌ فرضْتَهُ اسماً أم صفة، صحيحاً أم معتلاً، فإذا قال القائل: حكم فَعَالَة كذا. فقد دخل تحته كل ما يمثِّلُ على كل اعتبار كان فيه، فلم يبق لقوله:"وشبهه" معنى بالنسبة إلى ما يدخل تحت المثال إلا أن يعتبر وصفه في نفسه من حيث هو مثال من كونه ثلاثياً أو رباعياً أو مفتوح الفاء أو مكسورها، أو ما أشبه ذلك. وعلى ذلك يصح قول من قال: وشبه ذلك. وأما قاعٌ وحوتٌ وكريمٌ ونحوها في قوة الأمثلة المقيدة، فكأنه قال في قاع: في
اسم على فَعَل معتل العين مذكراً. وكذا إلى آخر الأوصاف. وكذلك حوتٌ في قوة أن لو قال: في اسمٍ على فَعْلٍ عتل العين بالواو إلى آخر الأوصاف. فإذن لا يدخل له إلا ما كان مطابقاً لتلك الأوصاف، فامتنع أن يدخل تحتها نحو فيل وديك، إذ لم يستوفِ الأوصاف المذكورة، فحصل الفرق بين إتيانه بالأمثلة الموزون بها، وإتيانه بنفس الموزون، وهو فرق ظاهر، والله أعلم، فإذن لا بد من التفسير بما تقدم من دخول فَعيلةَ وفَعُولَةَ مع فَعَالَةَ وفُعَالَةَ (وفِعَالة).
وإذا تقرر هذا فنرجع إلى تمثيلها فنقول:
أما فَعَالَةُ - بالفتح - فنحو: حمامةٍ ودجاجةٍ، وبهما مثَّل سيبويه، فنقول: حمائِمٌ ودجائجٌ، ومنه: سحابةٌ وسحائبٌ.
وأما فُعَالَةُ - بالضم - فمثلُ ذؤَابةٍ وذَوَائِبَ، وذبابة وذبائب.
وأما فِعَالَةُ - بالكسر - فنحو: كِنَانَةٍ وكَنَائِنَ، وعمامة وعمائم، وجنازة وجنائز، ورسالة ورسائل، وربابة وربائب، (ودلالة ودلائل. وأما فَعُولَةُ فنحو: حَلُوبةٍ وحلائب، وركوبة وركائب)،
وحمولة وحمائل.
وأما فَعِيلة فنحو: كتيبة وكتائب، وسفينة وسفائن، وصحيفة وصحائف، وقبيلة وقبائل، وحديدةٍ وحدائد، وهو كثير.
وقوله: "ذا تاءٍ أو مُزَالَهْ" ذا: منصوبٌ على الحال من فَعَالَة، أي: حالة كون فَعَالَة ذا تاء، أي: مؤنثاً بالتاء. وقوله: "أو مُزَالَهْ" الهاء الموقوف عليها (هاء) ضمير عائدٌ على تاء، كأنه قال: ذا تاء أو مُزالَ التاء. والحروف تُذكَّرُ، وتؤنث ومن التذكير قوله:
كافاً وميمَين وسيناً طاسما
وقد تقدم لذلك نظائر في هذا النظم مما استعمله الناظم فيه، وذلك عبارة عن كونه فعالة بلا تاء تأنيث، فكأنه يقول: هذا البناء يجمع على فعائِلَ سواءٌ كان بالتاء كما وقع في المثال أم لم تكن فيه تاء، إلا أنه يبقى النظر في هذين الشطرين من وجهين:
أحدهما: أن ظاهر إطلاق هذا الحكم أنه جار في الاسم والصفة معاً لا في الاسم وحده، ولا في الصفة وحدها.
والثاني: النص منه على أن الحكم جاء مع عدم التاء في تلك الأمثلة الخمسة التي أشار إليها بفَعَالَة بقوله: "ذا تاء أو مُزَالَهْ".
أما النظر الأول فإن ذلك الحكم إنما هو في الأسماء لا في الصفات في فَعِيلٍ كان أو في غيره على مذاهب الجمهور أو فيما دون فَعِيل على ظاهر التسهيل، إذ أطلق في فَعيل الذي ليس بمعنى مفعول، وقيد الأربعة الباقية بالاسمية، وهو ظاهر كلام ابن أبي الربيع. فعلي كل تقدير لم يوافق كلامه هنا واحداً من المذهبين، فصار في محصوله غير مستقيم، قال سيبويه في فَعيلٍ الصفة إذا لحقته التاء لمَّا ذكر له فِعالاً في التكسير:"وقد يُكسَّرُ على فَعائِلَ كما كسِّرت عليه الأسماء". قال: وذلك صبائح وصحائحُ وطبائب"، يعني في جمع صبيحةٍ وصحيحةٍ وطبيبةٍ، قال: "وقالوا: خليفة وخلائف، فجاءوا بها على الأصل". فهذا يدل على أنه عنده سماع. وقال ابن أبي الربيع في القوانين في فصل فَعيل: وإذا لحقته التاء كُسِّرَ على فعائِلَ، قالوا: ظرائِفُ. ثم ذكر أنه يجري مجرى المذكر في الجمع على فِعَال.
وأما النظر الثاني، وهو الحكم لما ليس فيه تاء بحكم ما هي فيه، فإن النحويين ينصون على خلاف ذلك، وأنه موقوف على السماع إلا في فَعُول الذي هو صفة لمؤنث فإنه عند طائفة من العلماء قياس لكثرة ما جاء منه نحو: عجوز وعجائز، وجَدُودٍ وجدائد، وصعود وصعائد، وسلوب وسلائب، وفرس عَقوقٍ وعقائقَ. وإطلاق القياس مذهب ابن أبي الربيع. وكذلك الاسم عنده إذا كان مؤنثاً بغير تاء فهو على حكمه مع التاء، يجري القياس فيه، نحو: قَلوصٍ وقلائِصَ، وذَنوب وذنائِبَ، وقَدومٍ وقدائِم. وقال / سيبويه في الصفة:"وأما ما كان وصفاً للمؤنث فإنهم قد يجمعونه على فعائل كما جمعوا عليه فَعِيلة؛ لأنه مؤنث مثله: قال: "وذلك
عَجوزٌ وعجائِزُ"، ثم أتى بالمُثُل. أما غير فعول فلا أعلم أحداً يقول بكون فعائِلَ قياساً فيها، إلا ما في هذا النظم، لكن ينقل في بعضها سماع، قالوا في سماء "سمائي" قال:
سماءُ الإله فوق سبعِ سمائِيَا
وقالوا: أفِيلٌ وأفائِلُ، وجَزورٌ وجزائِرُ. ونقل شيخنا القاضي رحمه الله عن شيخه أبي عبد الله بن هانئ، أنه سمع سبائِرَ في السبار الذي يراد به المسبار. قال: ولا أحققه الآن عنه، وذكر أثير الدين أبو حيان بن حيان أنهم يقولون في رهين المذكر: رهائِن. فهذا في فَعِيل بمعنى مفعول. وقالوا: شِمالٌ للريح المعروفة وشَمائل، وشِمالٌ لليد وشمائل، وعُقابٌ وعقائِبُ. قال شيخنا القاضي: ولا أذكر الآن عقائِبَ إلا عن بعض الشيوخ. هذه جملة من المسموع، وأشبه المواضع بوجود هذا المسموع في هذه الأمثلة المؤنَّثُ منها، وإن
كان بغير تاء، في التسهيل بعد ما ذكر الأمثلة المذكورة سوى فَعيلة:"وإن خلون من التاء مع انتفاء التذكير حفظ فيهن، وأحقُّهن به فَعُولُ، وقد يثبت له ولفَعيِل وفَعَال مذكرات". فجعل ثبوت فعائل للمذكر أقلياً بالنسبة إلى المؤنث، وفي أمثلة مخصوصة دون الجميع، وقد مرَّت أمثلتها آنفاً في الجملة، ووجه ذلك ما ذكره سيبويه في فَعُولَ من أن ما ليس فيه تاء مؤنث مثل ما هي فيه، وهو تعليل المسموع خاصةً. فأنت ترى ما في كلام الناظم من الشَّغْب الذي يضعُفُ الاعتذار عنه، وبالله التوفيق.
وحكم ما لامه من هذه الأمثلة حرفُ علَّة حكمُ الصحيح، إلا أنه يلزمه الاعتلال كمطيَّةٍ ومطايا، ورَوِيَّةٍ ورَوَايا، وأصله: مطائِيُ ورَوائِيُ إلا أنه دخله الإعلال على ما يذكره في التصريف، فلم يحتج (إلى) ذكره هنا، لأنه ليس من الباب
***
وبالفَعَالِي والفَعَالى جُمِعَا صحراءُ والعَذْرَاءُ والقيْسَ اتْبَعَا
يعني أن هذين البناءين من أبنية الجمع، وهما الفَعَالِي - بياء خفيفة - والفَعَالَى - بالألف- جُمع عليهما ما كان من المفردات / مثل صحراءَ والعذراءِ قياساً، وهذان المثالان لا يدلان على ما كان نحوهما من حيث التمثيل، لأنه إنما ذَكَر أن ذلك الجمع ثابت لهذين المثالين، فلا يعطي أنه يجري في سواهما إلا بقوله:"والقيسَ اتْبَعَا" والقيس هو القياس، فإذ ذاك نعتبر أوصاف المثالين فنقول:
كل ما كان على مثال فعلاءَ سواءٌ أكان اسماً أم صفة مما آخره ألف التأنيث فإنه يجمع على مثال فَعَالٍ وفَعَالَى، فالاسم يُشعر به مثال صحراء، تقول فيه: صحارٍ وصحارَى، وفي العوصاء: عَوَاصٍ وعواصَى، وفي الحرْشَاء: حَرَاشٍ وحرَاشَى، وفي الحَوجَاء: حَوَاجٍ وحوَاجَي، وفي الحُوباء: حوابٍ وحَوَابَى، وما أشبه ذلك. والصفة يشعر بها مثالُ عذراء، تقول فيه: عذارٍ وعَذارَى، وفي الأرض المرداء:
مَرَادٍ ومَرَادَى، قال:
فليتك حالَ البحر دونكَ كلُّهُ ومَن بالمرادِي من فصيحٍ وأعْجمِ
ووَحْفاء ووَحَافَى ووَحَافٍ، ووَجْناء ووَجَانَى ووَجَانٍ، ونحو ذلك. لكن في الصفة التي تُجمع هذا الجمعَ قيدٌ أشار إليه الناظم بالمثال، وهو العذراء، وذلك فَعلاءُ تارة يكون تأنيث أفعل، وتارة لا يكون كذلك. وهذا الثاني هو المجموع على فَعَالَى، ومنه عَذراءُ الممثَّلُ به، إذ ليس له أفعَلُ، فإن كان له أفعَلُ كحمراءَ وصفراءَ وعسراءَ وخرساءَ وعمياءَ وما أشبه ذلك، فجمعه على فُعْلٍ. وقد تقدم، وفي هذا الإطلاق ما يدل على مخالفته لما ذهب إليه في التسهيل من أن الصفة لا يقاس فيها هذا الجمع، بل هو موقوف على السماع، ألا ترى أنه قال:"منها فَعَالَى لاسمٍ على فَعلاءَ". فقيد بالاسمية، ثم قال: "ويُحفظ في نحو حَبِط
…
" وكذا وكذا "وعذراءَ". فجعله في نحو عذراء محفوظاً، كما جعله محفوظاً في أَيِّمٍ ويتيمٍ ونحو ذلك. وظاهر كلام سيبويه وغيره من النحويين أنه قياسٌ لا مسموع ومذهب الجمهور أولى.
وكان الأصل في هذا الجمع أن يكون على فَعَاليَّ - بالتشديد -
وقد سُمع كذلك، لكنه قليل، ولذلك لم يعتبره الناظم، ومنه قول الشاعر:
لقد أغدو على أشقر يغتال الصَّحاريا
وإنما كان الأصل لأن ألف الجمع تقع في صحراء / بين الحاء والراء، ثم تكسَرُ بعد ألف الجمع في كل موضعٍ نحو مساج، فلا بدَّ إذ ذاك من قلب ألف المد ياءً للكسرة قبلها، وتقلب ألف التأنيث التي صارت همزة ياءً أيضاً، فتدغم في الأخرى، فتقول: صَحَاريُّ. لكنهم حذفوا ألفَ المد، وقلبوا الياء المنقلبة عن ألف التأنيث ألفاً، كما فعلوا في المقصورة في نحو: حُبْلى وحَبَالَى. وإنما حذفت ألف المد ولم تترك على ما يوجبه التصريف ليكون آخره آخر ما فيه ألف التأنيث المقصورة، لأنهم لو قالوا: صحاريُّ - بالتشديد - لم يمكنهم القلب، لأن الألف إنما تقلب من الياء الخفيفة، وأيضاً فليكون آخرُ صحراءَ مخالفاً لآخر عَلباءٍ وحِرباءٍ. لأن هذه للتأنيث وهذه للإلحاق، فإذا خففوا حصل الفرق بينهما، فقالوا: عَلابيُّ وحَرابيَُ - بالتشديد - على الأصل، وخففوا في الآخر. قال ابن الضائع: وأيضاً فإذا كانوا يستثقلون الياء المشددة في آخر هذا
الجمع فيخففونها كأثافٍ في أُثفيَّة، فهذه أحرى بالتخفيف، لزيادة ثقل التأنيث. قال: ويكون هذا تعليلاً لمن قال: صحارٍ وعَذارٍ، ولم يقلِبْ. قال السيرافي: وقد يكملون على الأصل، قالوا: صحاريُّ، لكنه قليل. وأما عِلباءٌ وحِرباءٌ فلا ينبغي أن يخفف لأنه ملحق بسِرْداحٍ، والملحق به لا يخفَّفُ، فكذلك ما ألحق به، قال السيرافي: فكما لا يقال في الجمع: سَرَادِح، دون ياءٍ، وإنما يقال بالياء، فكذلك ما ألحق (به) وهذا حسنٌ من التعليل:
والقيسُ: التقديرُ، قِستُ الشيء قَوساً وقَيساً وقِياساً: إذا قدَّرتَهُ.
***
واجعلْ فَعَالِيَّ لغيرِ ذي نسبْ جُدِّدَ كالكرسي تَتْبَعِ العربْ
جُدِّدَ: جملةٌ في موضع الصفة لنَسَبْ، أي: لغير ذي نسب مجدَّدٍ، وغير ذي النسب هو الاسمُ الذي تلحقه ياءُ النسب، ومعنى كونه جُدِّد أي: أُدخل في الكلمة بعد أن لم يكن فصار فيها جديداً، فبَصْرِيٌّ وقيسيٌّ مثلاً كان أصله "بصرة" و "قيس"، ثم ألحق بهما
أداةُ النسب تجديداً لمعناه، فصار موجوداً فيهما بعد أن لم يكن، ويريد أن بناء فَعَاليَّ المشدد الياء من أبنية الجموع يُجعل في الحكم جمعاً لما كان من المفردات قد / لحقته ياءُ النسب غير المجدد، فإنه إنما نَفَى ذا النسب بقيد كونه مجدَّداً، فلا تقول في قيسيٍّ: قَيَاسيٌّ، ولا في بصريٍّ: بَصَاريُّ. وعلى هذا فقولهم: أناسيُّ ليس بجمع لإنسيٍّ، وإلا لقيل في قيسيٍّ: قَيَاسيٌّ. وإنما هو جمع إنسان، وأصله أناسين، فأُبدلت النون ياءً كما أبدلت في ظرابيَّ جمع ظَرِبان.
ويُفهم منه إذا لم يكن النسب مجدَّداً لكنَّ ياءَيه لحقتا من أول الاستعمال أمراً لفظياً، فهو الذي يُجمع هذا الجمع قياساً، ومثل ذلك بالكرسيِّ، فإن الياءين فيه لم تُفيدا معنى زائداً على الوضع الأول، إذ لم يستعمل كُرسٌ ثم لحقتاه، ومثال ذلك: كرسيٌّ وكراسيُّ، وبُختيٌّ وبَخاتِيُّ، وقُمْرِيٌّ وقماريُّ، وبُردِيٌّ وبرادِيُّ، وأُثفِيَّةٌ وأثافيُّ - على قول من جعلها فُعْليَّةً - على أنهم قالوا في هذا: أثافٍ، بالتخفيف أيضاً.
فإن قيل: ما فائدةُ تمثيله بالكرسي وقد حصل المقصود بقوله: "لغير ذي نسب جُدِّد"؟
(فالجواب: أن له فائدةً في الموضع ضرورية، وذلك أن قوله: "لغير ذي نسبٍ جُدِّدَ") يشمل بنفيِهِ قسمين، أحدهما: ما كان ذا نسب مجدَّد، وقد انتفى بلا شك. والآخر: ما لم يكن ذا نسب أصلاً، لأن زيداً وجعفراً مثلاً يصدُقُ عليهما أنهما غيرُ ذي نسب مجدَّد؛ إذ ليس لهما نسبٌ مجدَّد ولا غيرُ مجدَّد. فلما كان المفهوم هذين الاحتمالين صرَّح بمقتضى التمثيل بأحد الاحتمالين. وأيضاً فقد قيَّد في التسهيل ما كان ذا نسب غير مجدَّد بقيدين آخرين، وهما كونه ثلاثياً، وكونه ساكنَ العين، فقال:"ومنها فَعَالِيُّ لثلاثيٍّ ساكن العين زائدٍ آخره ياءٌ مشددة لا لتجديد نسبٍ". ولا أحقِّقُ الآن ما أراد بهذين القيدين، ولعله أراد بكونه ثلاثياً التحرُّز من الرباعي الذي لحقته ياءُ النسب، كما إذا سميت رجلاً بِجَعْفريٍّ فإنه يصير بالعلمية مثل كرسيٍّ، فإذا جمعت هذا قلتَ: جعافِرٌ. فتعامِلُ الياءين معاملةَ هاء التأنيث في نحو فَعِيلةٍ وفَعَالَةَ، إذ كنت تقول: فعائِلُ فتحذفها. أو كما تحذف ألِفَي التأنيث فيما زاد على الثلاثي نحو: قاصعاءَ، إذا قلتَ: قواصِعُ. وكثيراً ما يشبِّهُ سيبويه / ياءي النسب بهاء التأنيث. وكما إذا سميتَ بجعْفَرُون قلتَ: جعافِرُ أيضاً.
وأما كونه ساكن العين فلا يظهر لي وجهه، إذ لو سَمَّيْتَ بنحو شَرَفيٍّ وقَدَريٍّ ونَدُسيٍّ لقلتَ في الجمع: شرافيُّ وقَداريُّ ونداسيُّ. وكذلك ما أشبهه. فتأمل ذلك.
وإذا تقرر هذا ظهر لما مثَّلَ به فائدةٌ لا بد منها ومن التنبيه عليها.
وقوله: "تَتْبَعِ العَرَبْ"، أي: تكن بذلك العمل مُتَّبعاً للعرب، جارياً على قياس كلامها، غير خارج عن ذلك.
***
وبِفَعالِلَ وشبهِهِ انْطِقَا في جمع ما فوق الثلاثةِ ارْتَقَى
من غير ما مضى ومن خماسِي جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بالقياسِ
والرَّابعُ الشَّبيهُ بالمزيدِ قَدْ يُحْذَفُ دون ما به تَمَّ العَدَدْ
لما كانت أمثلة مفاعِلَ ومفاعِيلَ وما أشبهها تختلفُ باختلاف المجموعات، والأسماء المجموعة كثيرة تختلف باختلاف الأصول والزوائد، وباختلاف الزيادات في أنفسها كمفاعيلَ وفعالِلَ وفياعِلَ وفواعِلَ وتفاعِلَ وفعاوِلَ وأفاعِلَ وفعاعِلَ، وغير ذلك من الأبنية التي هي راجعةٌ إلى مفرداتها، وكانت لا تنضبط إلا بالمفردات، أعطى فيها حكماً كلياً يشمل جميعها بعد ما ذكر منها بعضاً مما تنتظم ضابطاً كلياً كفواعِلَ وفعائِلَ فإنه يدخل تحتهما أشياءٌ، أو كان فيها
حكمٌ مخالف لصورة مَفاعِلَ ونحوه كالفَعَالِي والفَعَالَى، ثم كرَّ على ما بقي بقوله:
وبفعالِلَ وشبهِهِ انْطِقَا
إلى آخره، يعني أن هذا المثال الذي هو على فعالل وما أشبهه مما هو على زِنَتِهِ خاصة كمفاعِلَ وتفاعِلَ وسائر ما ذكر من الأمثلة جمعٌ لكلِّ ما ارتقى فوق الثلاثة أي: زادت حروفه على ثلاثة أحرف، فكان رباعياً أو خماسياً أو سداسياً أو سباعياً. أما كونه أراد بما أشبه فعالِلَ ما هو على زِنَتِهِ فلا بد منه، إذ لو أراد ما أشبه فعالِلَ في تعيين الحروف لم يكن ثَمَّ غيره، إذ لا شبيه له في تعيين الفاء والعين واللامين، إلا أن يقال: إنه أراد بالشَّبَهَ الملحَقَ بالتضعيف فإنه يقال فيه: فعالِلُ، كما إذا بَنَيتَ من ضَرَبَ مثلَ جعفرٍ أو دِرهمٍ أو فَرَزْدَقٍ ثم جمعتَه فإنك تقول: ضَرابِبُ، ووزنُهُ فعالِلُ. / ولو أراد هذا لكان قاصراً جداً، إذ يبقى له من هذه الأمثلة أشياءُ كثيرةٌ جداً، كما تقدم تمثيل بعضه. فلا بد أن يريد بما أشبهه ما كان على زِنَتِهِ، فيدخل تحته كل ما زاد على الثلاثة، وهو المقصود.
وأما كونه جمعاً لما زاد على الثلاثة فلا بد منه، لأنَّ الثلاثي لا
يُجمع على فعالِلَ وشبهه، فإن جاء يوماً ما فإنه نادرٌ غير مقيس، كقولهم في أهل:"أهالِي"، وقد حكى المؤلف عن جعفر بن محمد أنه قرأ:{مِنْ أوسَطِ ما تُطعمونَ أهالِيْكُمْ} . وقالوا: ليلة وليالي، وكيْكَةٍ - وهي البيضة - وكَيَاكِي. وهذه عند النحويين جمعٌ لمفرد لم يُنطق به، كأنهم جمعوه على أَهْلاةٍ ولَيْلاةٍ وكَيْكاةٍ. وعلى أنه قد سُمع ليلاةٌ شاذاً، وقد صُغِّرَ على لُيَيْلِيَةٍ على اعتبار ليلاة. وقالوا: أرضٌ وأراض، وحِقَّةٌ وحقائقُ، وصَرَّةٌ وصرائِرُ. أنشد في التذكرة:
وانصاعتِ الحُقْبُ لم تَقْصَعْ صَرائرَهَا
وكَنَّةٌ وكنائِنُ، وضَرَّةٌ وضرائِرُ، وحُرَّةٌ وحرائِرُ. وهذا كله نادرٌ، فإنما المعتبر ما زاد على الثلاثة. قالوا: والأصل فيما زاد على ثلاثة أحرف في العدد أن يجمع هذا الجمع: يُفتح الحرفان الأولان منه، وتُزاد ألف الجمع ثالثة، ويُكسَرُ ما بعدها. وما جاء على غير ذلك فمستثنى من هذا الأصل، وهو الذي يستثنيه بقوله:"من غير ما مضى".
وقوله: "انطقا" يعني أن النُّطقَ على هذا النوع يكونُ من كسر ما بعد ألف الجمع وغير ذلك، فيخرج له ما يُكسَّرُ على فَعَالَى وما أشبهه مما لا يكون النطق به كالنطق بفعالِلَ. فأما ما كان من نحو: مطيَّةٍ ومطايا، وخطيَّةٍ وخطايا، ورَويَّةٍ ورَوايا، فإنه في الأصل فعائِلُ. وقد تقدم له الكلام عليه، ولم يقل هنالك: انطِقْ بفعائِلَ، وبينهما فرقٌ، وقد قال هنا:"من غير ما مضى"، فإن ما مضى قد يكون فيه ما النطق به على نحو فَعَالِلَ، وعلى غيره، إلا أنه الأصلُ
فيه. وأما ما ذكر في هذا الفصل فلا. ثم قوله: "من غير ما مضى" إخراجٌ مما تقدم، لكنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يرجع إلى شبه من قوله: "وشبهه"، فيكون المخرج ما تقدم ذكره من مشبه فعالِلَ، إذ قد مضى بحكمه مفصلاً فلا يعاد، كأنه قال: / انطق بفعالِلَ وما كان مثله من غير ما مضى ذكره.
الثاني: أن يرجع إلى "ما" من قوله:
في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى
يعني من المفردات، فيكون المخرج كل رباعي تقدم الكلام على جمعه كأفعل مؤنث فعلى وفَعَالِ، وما كان مثله من المثل الخمسة، وهي فُعالٌ وفِعالٌ وفَعُولٌ وفَعِيلٌ، بالتاء كانت أو بغير تاء. وفُعْلَى مؤنث أفعل، وفاعلٌ الصفة، وفاعِلَةُ وفَعْلانُ، ومؤنثاه: فَعْلَى وفَعْلانَة، وفُعْلانُ ومؤنثه فُعْلانَةُ، وفَوعَلٌ وفاعَلٌ، وفاعلاءُ، وفَعُلاءُ، وفُعْليٌّ. هذه هي التي تقدمت مما فوق الثلاثي من الرباعي والخماسي وغيره، وقد تقدمت أحكامها، فكأنه يقول: اجمع على فعالِلَ ما
عدا هذه الأبنية فإن جموعها القياسية قد تقدمت، فإن جاء منها ما جمع على فعالِلَ وشبهه ولم يُذكر في خمسة الأبنية التي هي فواعِلُ وفعالِلُ وفعالَى وفعالىُّ فليس ذلك فيه بقياس، كان ثلاثياً أو زائداً على الثلاثي، نحو قولهم في دخان: دواخِنُ، وفي حاجٍ: حوائِجُ، قال الشاعر أنشده صاحب الصحاح:
نهارُ المرء أمثل حين يقضي حوائجَهُ من الليل الطّويلِ
وأظنُّ المبردَ يخطئ الناسَ في حوائِجَ ويقول: إنه لحنٌ. واتبع في ذلك الأصمعي، وإنما جمعُه الحاجُ، وغيره يُثبته من كلام العرب، وثُؤاجُ وثوائِجُ، أنشد الفارسي في التذكرة:
إذا الشَّوِيُّ كَثُرَتْ ثَوَائِجُهْ
وقد تقدم من ذلك أشياءُ نبَّه عليها في أثناء الكلام على خمسة الأبنية المشبهة لفعالِلَ. فإذا ثبت هذا فنرجع إلى ما قصده الناظم من الجمع، فالذي ارتقى فوق الثلاثة إما غيرُ مزيد وإما مزيدٌ، فأما غير المزيد فرباعي مجردٌ وخماسي مجردٌ كذلك. فأما الرباعي فمثاله جَعْفَرٌ وجعافِرُ، وجَندَلٌ وجنادِلُ. هذا في الاسم، والصفة أيضاً كذلك، إذ لم يقيد الناظم ذلك باسم ولا غيره نحو: سَلْهَبٍ وسلاهِبَ، وشَجْعَمٍ وشَجاعِمَ. ومثل ذلك: زِبْرَج وزبارِجُ، ودِرهَمٌ ودراهِمُ، وفِطَحْلٌ وفحطاحِلُ، وجُندُبٌ وجنادِبُ، وفي الصفة عِنفِصٌ وعنافِصُ، وهِجرَعٌ وهجارِعُ، وهِزْبَرٌ وهزابِرُ، وما أشبه ذلك.
وأما الخماسيُّ فنحو: سَفَرْجَلٍ وفرزْدَقٍ / وقِرْطَعْبٍ وحِنْبَتْرٍ، تقول: سفارِجُ وفرازِدُ وقراطِعُ وحنابِتُ. وكذلك الصفات أيضاً
كجَحْمَرِشٍ وقَهْبَلِسٍ وخُزَعْبلٍ، تقول فيه: جَحَامِرُ وقَهابِلُ وخزاعِبُ أيضاً. وهذا لا يتأتى إلا بحذف الحرف الأخير كما ترى، على ما يتبين إذا تكلم عليه الناظم إثر هذا إن شاء الله.
وأما المزيد فعلى ثلاثة أقسام: ثلاثي مزيد، ورباعي كذلك، وخماسي كذلك أيضاً، والحكم واحد، فأما الثلاثي المزيد فمنه ما لحقته زيادة واحدة للإلحاق بالرباعي، ومنه ما ليس كذلك. فالأول نحو: عَنْسَلٍ وعناسِلَ، وبِلَغْنٍ وبلاغِنَ، وخَيْعَلٍ وخياعِلَ، وصَيرَفٍ وصيارِفَ، وشَأمَلٍ وشآمِلَ، وشمألٍ وشمائِلَ، وجدْوَلٍ وجداوِلَ، وحَشْوَرٍ وحشاوِرَ.
والثاني نحو: سُلَّم وسلالم، وأفْكل وأفاكِلَ، وأيْدَعٍ وأيادِعَ، وتُرتُبٍ وتراتبَ، وتَنْضُبٍ وتناضِبَ، وتَتْفُلٍ وتتافِلَ، ويَرْمَعٍ ويرامِعَ،
ويّلْمَقٍ ويلامِقَ. وما أشبه ذلك. ومنه ما ألحق بالخماسي وما فوقه نحو: حِنْطَأْوٍ، تقول: حناطِيٌّ، وفي عقَنْقَل: عقاقِلُ، وفي ضَفَنْدَد: ضفادِدٌ، وفي خُنْفَساء: خنافِسُ، وفي عُنْصَلاء: عناصِلُ. ونحو ذلك. وسيذكر حكم حذف بعض الحروف عند إقامة بنية التكسير بعد هذا. وكذلك الرباعي المزيد حكمه هذا الحكم، وكذلك الخماسي المزيد فيه أيضاً، نحو: عُذَافِرُ، وفي فَدَوْكَسٍ: فَداكِسُ، وفي جَحَنْفَل: جحافل، وفي كَنَهْوَرٍ: كَنَاهِرُ، وفي فِرْدَوسٍِ: فرادِسُ، وفي قَلَنْسُوَة: قلانِس أو قَلاسٍ. وفي قَبَعْثَرًى: قباعِثُ، وفي ضَبَغْطَرًى: ضباغِطُ، وما أشبه ذلك. ثم في هذه الجملة نظر، ذلك أنها قد صرَّحتْ بأن فعالِلَ وشبهَه مما سوى الخمسة المتقدمة لِمَا زاد على الثلاثة مطلقاً ما عدا ما تقدم حكمه،
فيقضي أن فُوعالاً نحو طًومَارٍ، وفَاعُولاً نحو ساقُورٍ، وفاعالاً نحو خاتامٍ، وفَوْعالاً نحو ساباطٍ تُجمع على فعالِلَ وشبهه مما عدا ما تقدم، وكذلك يقتضي أن فُعْلَى نحو حُبْلَى، وفِعْلَى نحو ذِفْرَى يجمع على فعالِلَ وشبهه أيضاً أنها تخرج عن حكم الفعالي والفعالى. وأن فُعْلاء وفِعْلا نحو قُوباءٍ / وعِلْباء وفَعْلايا نحو حَوْلايا لا تُجمع على فَعَالِيَّ - بتشديد الياء - وليس كذلك، بل الأمر على خلاف ما اقتضاه النظم، فإنك إنما تجمع "طومار" على فواعيل، و"ساقور" على سواقير و"خاتام" على خواتيم و"ساباط" على سوابيط. وقد نص على ذلك في التسهيل في فصل فواعل لا في غيره، وهو الأولى. وليس بين ما ذكره هنا من نحو كوكب وجورب وبين هذه الأشياء
فرق إلا في المد قبل الآخر، وسيذكره إثر هذا، فلا يلتبس له بشيء، ولا يفوته فيه حكم. وكذلك أيضاً يقال في حُبْلَى: حَبَالَى وحبالِي، لكن حبالي نادر. وجماعة من النحويين ينكرونه. وذِفرًى وذفارَى وذفارِي، لكن ذفاري قليلٌ فيمن لم ينون. وكذلك فُعْلاء نحو قُوباء، وفِعْلاء نحو عِلباءٍ وحِرباءٍ لا يجمع إلا على فعالِيَّ ككرسيٍّ، فتقول: قَوَابيُّ وعَلَا بِيُّن وفي حَوْلايا: حواليٌّ وكذلك ما أشبهه. هذا وجه من الاعتراض.
ووجه ثانٍ، وهو أن كثيراً من الصفات الزائدة على الثلاثة دون ما تقدم لا يجمع على فعالِلَ وشبهه، وإن وجد فموقوفٌ على السماع، وذلك الصفات مما عدا ما ذكر. وقد ضبطوا ذلك بأن كل ما كان من الصفات جارياً على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، أو يكون مختصاً بالمؤنث فإن جمعه في الأمر العام يكون على فعالِلَ وشبهه، كما ظهر من إطلاق الناظم، وكل ما كان منها يؤنث بالتاء إذا أريد المؤنث، ولا يؤنث إذا أريد المذكر، فهذا بابه التسليم بالواو والنون في المذكر، والألف والتاء في المؤنث، ولا يُجمع على مفاعِلَ أو غيره إلا نادراً. ويتبين ذلك بالتفصيل، فمن ذلك مُفْعِلٌ ومُفْعَلٌ
نحو: مُكرِم ومُكرَم بابه الجمع المسلَّم، وشذ من ذلك: مُنكَرٌ ومناكيرُ، ومُفطرٌ ومفاطيرُ، وموسِرٌ ومياسيرُ، فإن كان مُفْعِلٌ للمؤنث بلفظ التذكير، وأكثره مما يقع للمؤنث فما قال الناظم فيه صحيح، ومنه مفعولٌ نحو: مضروبٍ ومقتولٍ، لا يكسَّرُ على بناء من أبنية التكسير قياساً فضلاً عن أن يكسَّرَ على فعالِلَ وشبهه، وإنما بابه التسليم، / لكنهم قالوا: مكسورٌ ومكاسيرُ، وملعونٌ وملاعينُ، ومشئومٌ ومشائيمُ، قال الأخوص الرياحي أنشده سيبويه:
مشائيمُ ليسوا مُصلِحينَ عشيرةٌ ولا ناعباً إلا ببينٍ غُرابُهَا
وقالوا: مسلوخةٌ ومساليخُ. وهو نادرٌ، وشبهوه بالأسماء التي تقرُبُ من هذا الوزن كمُغرُودٍ ومغاريدُ، ومنه كل صفة على
مُنْفَعِلٍ أو مُفتَعِلٍ، أو مستَفعِلٍ، أو متفاعِلٍ، أو مُتفَعِّلٍ. وبالجملة: كل صفة جارية على فعلها فبابها أن تجمع جمع السلامة لأجل الجريان على الفعل. ومنه فَيعِل نحو: سيِّدٍ وميِّسٍ وفَيْلٍ ونحوه، وهو مما لا يجمع على فعالِلَ وشبهه أيضاً، وإنما له التسليم أو الجمع على أفعالٍ نحو: أمواتٍ وأفيالٍ وأكياسٍ، إلا شاذاً نحو:(عَيِّلٍ وعيائِلَ. ومنه فَعَّالٌ فإن بابه التسليم ولا يجمع على ما قال الناظم، وكذلك فُعَّالٌ نحو: ) حُسَّانٍ وكُرَّامٍ وقُرَّاءٍ، إلا أنهم قالوا: عُوَّارٌ وعَوَاويرُ، شبهوه بالأسماء، لأنه قلَّما يصفون به (المؤنث)، لأن العُوَّار هو الجبان، قال الأعشى:
غيرُ مِيلٍ ولا عواويرَ في الهيْـ ـجَا ولا عُزَّلٍ ولا أكفالِ
وقال الكميت:
لا عواويرُ في الحروب تنابيـ ـلُ ولا رائمونَ بُرَّ اهتضامِ
وكذلك فُعَّلٌ نحو جُبَّأٌ، وفُعَّيْلٌ نحو زُمَّيْلٍ. هذه كلها مما بابه التسليم لا التكسير، وكلام الناظم - كما ذكر - يقتضي الجمع على فعالِلَ وشبهه، وهو غير صحيح. وأما مِفْعَلٌ ومِفعَالٌ ومِفْعيلٌ فإن فعالِلَ وشبهه قياس فيه، إذ لا تدخله التاء، فتقول: مِطْعَنٌ ومَطاعينُ، ومِهْذارٌ ومَهاذِيرُ. وقال:
يظلُّ مقاليتُ النساء يطَأْنَهُ يقلْنُ ألا يُلْقَى على المرءِ مِئْزَرُ
فجمع مِقْلاتاً على مقاليتَ، لأن التاء لا تلحقه. فهذا كله فيه ما ترى.
ووجه ثالث: وذلك من حيث شمل كلامه الخماسيَّ الأصول، يقتضي أنه يُكَسَّرُ قياساً لا مقال فيه، ومطلقاً لا تقييد فيه. وليس كذلك، بل نص النحويون على أن الأولى فيه التصحيح إن أمكن وألَاّ يُكسَّرَ، (بل يقل تكسيره)، لما يلزم من حذف حرفٍ أصلي
من الكلمة، وهو مستكرَهٌ عندهم، ولذلك يقول النحويون: لا يُكسَّرُ إلا على استكراه، وفسَّر لنا شيخنا القاضي / رحمه الله كيف وجه استكراههم، وذلك أن يقال لهم: كيف تجمع سَفَرْجَلاً على حدِّ ما تجمع جَعْفَراً فتقول: جعافِرُ؟ فحينئذ يقول: سفارِجُ. فكأنَّ العرب لا يُكسِّرونه إلا كارهين لذلك؛ لأنه لهم عن تكسيره واقتطاع جزء من الكلمة مندوحةً، فيسلم إن كان فيه شرط جمع السلامة، وإن كان اسمَ جنسٍ لم يحتج إلى جمعه كفرزدق وسفرجل، قالوا: وعلى ذلك أكثر ما جاء من الخماسيِّ، فإذا حملوا عليه وأُكرِهوا جمعوه وحذفوا. وإذا كان كذلك، وكان في جمعه هذا الشَّغْبُ، ولم يكن في كلام العرب إلا قليلاً، فكلام الناظم في إطلاقه جوازَ الجمع غير سديد.
فأما الاعتراض الأول فقد يجاب عن بعض ما فيه، فأما فُوعالٌ وفاعُولٌ وما ذكر معهما فحكمهما مأخوذ من كلامه، وذلك أنه تكلم هنا على ما ليس قبل آخره حرف لين، ثم استدرك الحكم بعد ذلك على أن ما آخره حرف لين فحكم ذلك الحرف أن يبقى مبدلاً منه الياء، فإذا جمعت بين الموضعين جاء منه أنَّ فاعَال هو فاعلٌ، وقد
ذكره، وأن فَوعال هو فَوعل وفي حكمه، وقد ذكره أيضاً، وكذلك فاعول في حكم فاعل، إذ هو يشبهه، وفوعال هو فوعل بزيادة اللين، فقد حصل له حكمه من الجمع على فواعل، ولكن بزيادةٍ قبل آخره، فما ذكره من الأمثلة في فواعل يشمل ما كان في حيِّزها.
وأما قُوباءٌ وحِرباءٌ ونحوهما فليس فَعالِيُّ فيه بأصل، وإنما هي أصل في مثل كراسيٍّ، وبيان هذا أن الياءين في كراسيَّ ونحوه زيادتان زيدتا معاً في كرسيّ كياءي بَصْريٍّ، ففَعاليُّ فيه على أصله، بخلاف الياءين في قَوابيَّ فإنَّ المفرد على قُوباء، وهو مما ثبت قبل آخره حرف لين، فيثبت لذلك على ما يذكر بعد، فإذا ثبت كان على شبه مفاعيل كطومار وطوامير، لكن إذا قلت: قوابيي، اجتمع ياءان فوجب إدغام إحداهما بالأخرى، فصار فعاليَّ، فالإدغام هنا غير أصيل، بخلاف الإدغام في كراسيَّ فإنه أصيل، فليس قوابيُّ وعِلابيُّ بفعاليَّ في الحقيقة، وإنما هو مثل مفاعيلَ، فلذلك أخرج قُوباءً ونحوه عن فصل فعاليَّ، وما فعله في التسهيل من الجمع بينهما في فعاليَّ فاعتباراً / بالظاهر، وما فعله هنا فهو التحقيق. وعلى هذا يجري القول في حَولايا؛ إذ لا بدَّ في هذا الجمع من حذف الألف الأخيرة،
فيبقى حولايَ، فيجري مجرى عِلباءٍ.
وأما الاعتراض الثاني فلا جواب عنه، إلا أن يكون قائلاً بالقياس في جمع تلك الصفات على فعالِلَ وشبهه. وهذا بعيدٌ ومردودٌ على من قال به، لأن العرب قد استغنت بالتصحيح، وكونه في الأصل للجمع القليل، ثم اقتصرت العرب عليه، دليل قصد الاستغناء، وحيث قصد الاستغناء فلا يجوز إجراء القياس، لأنه نقض الغرض، ونقض الغرض ممنوع على ما ثبت في الأصول. أو يقال: إن الصفات التي زادت على الثلاثة قد تقدم جواز التصحيح فيها من باب المعرب والمبني، فنحمل قوله هنا:"من غير ما مضى" يريد به ما مضى في هذا الباب وغيره من هذا النظم. وعلى هذا يكون مُفْتَعِلٌ ومستفعِلٌ ونحوهما مما تقدم، مقتصراً به على ما قدم فيه من تصحيح فقط، أو مع التكسير الذي قدم في فَعيلٍ ونحوه. وهذا ممكن في الاعتذار عنه على ضعفه، والله أعلم.
وأما الاعتراض الثالث فلا جواب عندي فيه أيضاً، إلا أن يقول بالقياس فيه كما تقدم قبل هذا، ولو عين ما يجمع بالواو والنون،
أو بالألف والتاء، لسَلِم من هذا كله.
ولما أتمَّ الكلام على هذا النحو، وكان فيه ما لا بد من حذف بعض حروفه لتقوم بنية التكسير على فعالِلَ وشبهه، وهي رباعية، فلا بد في الخماسي وما فوقه من الحذف، وسواءٌ أكانت الحروف أصولاً كلها أم فيها زوائد - أخذ يذكر ذلك، وابتدأ بحذف الحرف الأصلي فقال:"انف" والنفي ضد الإثبات، أي: أزل الآخر واحذفه من الاسم الخماسيِّ الذي جُرِّدَ. ومعنى كونه جُرِّدَ: أنه جُرِّدَ من لحاق الزوائد، تحرزاً من الخماسي الذي أصله الرباعي نحو: عُذافِرٍ وفَدَوكَسٍ، أو الثلاثي نحو: صَمَحْمَحٍ وعَقَنْقَلٍ، فإن هذه لا يُنفى منها الآخر، بل يبقى آخرها على حاله ثابتاً ويحذف غيره من الزوائد، على ما يتبين إثر هذا إن شاء الله، / فتقول: عَذَافِرُ وفَدَاكِسُ وصَمَامِحُ وعَقَاقِلُ، ونحو ذلك، ولا تقول: عَذَائِفُ ولا فَدَائِكُ ولا صَمَاصِمُ ولا عَقَانِقُ، لما يؤدي إليه من حذف حرفٍ أصلي من غير حاجة.
فإن قلتَ: فيقتضي بمفهومه أن الخماسيَّ غير المجرد على الإطلاق
لا يحذف الآخر، وليس كذلك، فإن الخماسي الأصول إذا لحقته الزيادة حذف أيضاً آخره كعَضْرَفُوطٍ وعَرْطَبيلٍ وقَبَعْثَرًى. تقول: عَضارِفُ، وعَرَاطِبُ، وقَبَاعِثُ، ولا تُبقي الآخر أصلاً، لأن بِنيةَ التكسير لا تقوم به.
فالجواب: أنه إنما يريد بالتجريد تجريد الأحرف الخمسة خاصة من الزوائد، فلا يكون فيها زائدٌ معدود منها، فالخماسي المجرد عنده هو الذي جُردت حروفه الخمسة التي سمى بها خماسياً من زائد فيها، فعلى هذا فالخماسي غير المجرد ما كان على خمسة أحرف لم يتجرد عن زائد، ولو كان يريد بالخماسي غير المجرد ما هو كعَضْرَفُوطٍ وعَرْطَبيلٍ لم يكن خماسياً، ولم يطلق عليه لفظ الخماسي، إذ ليست حروفه خمسة، وإذا أطلق لفظ الخماسي أو الرباعي في كلامهم فالمراد به ذو الحروف الأصول وحدها أو مع غيرها، فهو إطلاق عام، فإذا
قُيَّدَ فهو على ما قُيِّدَ من انفراد بالأصول أو اشتراط مع الزوائد، فالحاصل أن نحو عَضْرَفُوطٍ من قبيل الخماسي المجرد.
وقوله: "الآخرَ انفِ بالقياس"، أي: احذف آخره قياساً إذا جمعته فتقول في فرزدق: فرازِدُ. وفي سفرجل: سفارِجُ، وفي قُذْعْمِل: قَذَاعِمُ، وفي جِرْدَحْلٍ: جرادِحُ، وفي صَهْصَلِقٍ: صهاصِلُ، وتقول أيضاً في عَضْرَفُوطٍ: عضارِفُ، وفي قَبَعْثرًى: قباعِثُ، فتحذف الآخر من الأصول. فأما حذف الزائد معه فيؤخذ له مما يأتي إثر هذا.
وإنما قال: "بالقياس" لأنه هو القياس كما قال، لأن الحذف والتغيير موضعه الأواخر لا الأوائل، لأن أول الكلمة أقوى من آخرها، ولذلك (لا) تسهل فيه الهمزات، بخلاف الآخر إذ هو محل الوقف والتغيير والحذف بالترخيم وغيره، فإن بنية التكسير قد كلمت قبل الآخر، فلا حاجة إلى ما بعد ذلك. والناظم هنا على مذهب البصريين في الحذف حتماً، وقد أجاز الكوفيون بقاءَ الآخر في التصغير، ولا يبعد أن يقولوا به في التكسير؛ لأنه جار مجراه،
وكلاهما ليس من كلام العرب كما قال الخليل في التصغير، قال: لو كنتُ محقِّراً الخماسي / لا أحذف منه شيئاً لقلت: سُفَيرِجْلٌ، ليكون بزِنَةِ دُنَينِيرٌ. قال: هذا أقرب وإن لم يكن من كلام العرب. يعني أن هذا هو القياس لو قيل.
ووجه ما فعلوا من حذف الحرف الخامس، وكانوا قادرين على أن يأتوا ببنية تشمل الخمسة: أن التكسير والتصغير ضربٌ من التصرف، والتصرف أصله للأفعال وحدها، وما دخل من التصرف للأسماء فبالحمل على الأفعال، والأفعال إنما تنتهي في أحرفها الأصول إلى أربعة خاصة كقَرْطَسَ وسَرْهَفَ، فإذا أرادوا أن يبنوا من خماسيٍّ فِعْلاً ردوه إلى الرباعي، ألا ترى إلى قوله:
وَدَرْدَبَتْ والشيخُ دَرْدَبيسُ
فدَرْدَبَتْ مبني من دَرْدَبِيسٍ، وليس على حد الاشتقاق مع ذلك، لأن الاشتقاق لا يدخل الخماسي، فلما كان عامة التصرف إنما هو
للفعل، ولا ينتهي إلا إلى أربعة، قصروا التصرف على ذلك، فأتوا ببنية التكسير والتصغير رباعيةٌ رجوعاً إلى بنية ما أصله التصرف.
ثم ذكر الناظم أن ما قبل الآخر قد (يحذف دون الآخر إن كان شبيهاً بالحرف الزائد، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة، فقال:
والرابعُ الشَّبيه بالمزيدِ قدْ يُحذَفُ)
…
...
…
...
…
يعني أن الحرف الرابع من الاسم الخماسي قد يحذف في التكسير لتقوم بنيتُهُ فيه، لكن بشرط شَبَهِ ذلك الرابع بحرف من حروف الزيادة التي يجمعها سألتمونيها، فإذا كان كذلك جاز حذفه، فتقول في خَدَرْنَق: خُدَيرن - على حذف الآخر - وخُدَيرِق - على حذف ما قبل الآخر وهو النون، لأنه شبيه بالمزيد؛ إذ النون من حروف الزيادة. وكذلك تقول في قُذَعْمِل: قُذَيعِم -، إن حذفتَ الآخر، وإن حذفت ما قبل الآخر قلت: قُذَيعِل، وما أشبه ذلك.
والشبه بالمزيد على وجهين، شبهٌ في نفس الصورة كما ذكر في خَدَرنق، ومثله لو جمعتَ صَهْصَلِق لقلتَ: صهاصِقُ، وفي قَهْبَلس: قهابِسُ، ونحو ذلك. وشبَهٌ في الصفة، كالدال الشبية بالتاء لأنها
من مخرجها، وهي مثلها في الصفة التي هي الشدة، فقالوا في فرزدق: فرازِقُ، فحذفوا الدال، قال ابن عصفور: إلا أن يكون الآخر حرفاً من حروف الزيادة، فإنك لا تحذف غيره، كقولك: شَمَرْدَل، فإن اللام من حروف الزيادة. فكأنه يقول: إذا كانوا مما يحذفون / ما قبل الآخر لشبهه حرفَ الزيادة في الصفة كالدال في فرزدق، فأولى أن يحذفوا ما أشبهه في الصورة والحقيقة، وذلك اللام، فلا تحذف الدال من شَمَرْدَلٍ وجَعَنْدَلٍ. وما قاله ابن عصفور ظاهره مخالفةُ سيبويه إذا أجاز في قُذَعْمِلٍ قُذَيعِل بحذف ما قبل الآخر، مع أن الآخر من حروف الزيادة، لكن له وجه من القياس إن ساعده عليه السماع. ولم يأخذ الناظم بقول ابن عصفور هذا، بل أجرى القاعدة على مذهب الجمهور. وعلى كل حالٍ فحذف ما قبل الآخر قليل، وهو أقل من حذف الآخر على كل حال، وحذف ما قبل الآخر إذا كان من حروف الزيادة أولى منه إذا كان يشبهها. ولم ينبه الناظم على هذا الترتيب، بل أجاز الوجهين على قلةٍ، نبَّهَ عليها بقَدْ،
مع أنهما غير متساويين في الجواز، وذلك على عادته في بعض المواضع حيث يطلق الجواز في حكمين وإن كان أحدهما أولى من الآخر، وهذا قريب. واعتبار حقيقة التشبيه الذي نبه عليه يبيّنُ أن ما قبل الآخر لا يحذف مطلقاً، فلا يقال: في سفرجل: سفارِلُ. ولا في هَمَرْجَل: همارل. وقد أجاز الكوفيون في التصغير حذف ما قبل الآخر كيف كان، فيقولون: سُفيرِلَة في سَفَرْجَلَة. وكأنه قياس على فُرَيزِق في فرزدق. وقد بان الفرق بينهما، فالصحيح أنه لا يجوز في تصغير ولا تكسير. وأجاز الكوفيون أيضاً والأخفش حذفَ ما قبل الحرف الرابع إن كان يشبه حروف الزيادة في الحقيقة أو في الصفة، فيقولون في جَحْمَرِش، جَحَارِشُ. وكذلك ما كان مثله، وهو غير صحيح أيضاً، إذ لا سماع معهم، والقياس يأبى ذلك؛ لأن ميم جَحْمَرِش ليست بطرف ولا تلي الطرف، والتغيير إنما يلحق الطرف أو ما يليه، قال سيبويه: "ولا يجوز في جَحَمْرِش حذف الميم وإن كانت تزاد، لأنه لا يُستنكر أن يكون بعد الميم حرف يُنتهى إليه في
التصغير كما كان ذلك في جُعَيْفِر، وإنما يستنكر أن يجاوَزَ إلى الخامس". قال:"فهو لا يزال في سهولة حتى يبلغ الخامس ثم يرتَدِع، فإنما حَذَفت الذي ارتُدِع عنده حيث أشبه حروف الزوائد، لأنه منتهى التحقير، وهو يمنع المجاوَزَة".
وقوله: "دون ما به تمَّ العدد" احترازٌ حسنٌ، لأنه لما ذكر أولاً حذف الآخر، / ثم عطف عليه حذْفَ ما قبله، خاف أن يُتوهم حذفه مع حذف الآخر أيضاً، فرفع هذا الإيهام بقوله:(دون) ما به تم العَدَدْ"، أي: إنهما في الحذف متعاقبان لا متلازمان. والعدد: أراد به الخماسي المذكور.
وإنما حذفوا ما قبل الآخر لأن حكمه في التصريف حكمُ الآخر، إذ من عادتهم إيقاع الإعلال به كما يقع بالآخر، بخلاف ما إذا بَعُدَ من الآخر، كما قالوا في صائم وقائم: صُيَّمٌ وقُيَّمٌ. والأصل: صُوَّمٌ وقُوَّمٌ، لكنهم قلبوا الواو ياءً لقربها من الآخر، ولما قالوا: صُوَّامٌ وقُوَّامٌ بَعُدَ من الآخر، فلم يقلبوا الواو أصلاً، فكذلك هنا. وقال
السيرافي: مَن حذف الدال من فرزدق لم يحذف ميم جَحْمَرِش لبُعْدِها من الطرف، قال: والحرف الثالث يؤتَى به في التصغير ضرورةً، وقد يكون التصغير ولا حرف رابع، قال: فلما جاز أن يوجد وألَاّ يُوجد شُبِّهَ بالزوائد إذا كان من جنسها أو من مخرجها.
***
ولما أتم الكلام على حذف الحرف الأصلي أخذ في ذكر حذف الحرف الزائد فقال:
وزائدَ العادي الرباعي احْذِفْهُ ما لم يكن لِيناً اثرَهُ اللذ خَتَما
العادي: اسم فاعل من عدا الشي يعدوه: إذا جاوزه، وهو صفةٌ لموصوف محذوفٍ تقديره: وزائدَ الاسم العادي الرباعي. و"زائدَ": منصوب بفعل مضمر من باب الاشتغال مفسره قوله: احذفْهُ. و"الرباعي": منصوب بالعادي، أي: العادي الرباعي، لكنه حذف إحدى ياءَيِ النسب للضرورة، ثم لم يُظهِر الفتحة فيه أيضاً، فارتكب ما هو في الشعر كثيرٌ، نحو قول النابغة:
ردَّت عليه أقاصيه ولبَّدَهُ ضرْبُ الوليدة بالمسحاةِ في الثأدِ
وفي الكلام نادرٌ، ومنه القراءة وهي:{من أوسط ما تطعمون أهاليكم} هكذا بإسكان الياء.
وضمير "يك" عائدٌ على الزائد. و"اللذ" لغةٌ في الذي كقوله:
فكان والأمر الذي قد كِيدا كاللذ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصطيدا
ومعنى الكلام: أن ما كان من الأسماء زائداً على الأربعة، وذلك الخماسي وما فوقه، فإن الزائد فيه من الحروف يُحذف مطلقاً، سواءٌ كان (زائداً واحداً أم أكثر من ذلك، وسواءٌ أكان في أول الكلمة أو في وسطها أم في آخرها، وسواء أكان) الزائد حرف لين أم غيره، إلا إذا كان حرف اللين قبل الآخر فإنك لا تحذفه / أصلاً، بل تبقيه وإن كان الاسم به فوق الرباعي.
أما الرباعي فقد أخرجه عن أن يحذف منه شيء بوجه فتقول في أفْكَلٍ: أفاكِلُ، وفي صيرَفٍ: صيارِفُ، وفي كوكبٍ: كواكبُ،
وفي تنضُبٍ: تناضِبُ، وفي عَنْسَلٍ: عناسِلُ، وفي أرْطًى: أراطٍ، وفي جَدْولٍ: جداوِلُ. فقد قامت بنية التكسير مع وجود الزائد، فلا ضرورة تدعو إلى حذف شيء.
فإذا زاد على الأربعة فلا بد من الحذف، لأن بنية التكسير لا تقوم به، لأنها رباعية كما تقدم، لكن إنما يحذف الزائد إذا كان ثم زائد لا الأصلي، إذ كان حذف الأصلي هدماً لأصل الكلمة.
والمحذوف الزائد تارة يكون حرفاً واحداً، وتارة يكون أكثر، وذلك داخل تحت إطلاقه وعموم قوله:"وزائد" لأنه اسم جنس مضاف.
فإذا كان الاسم خماسياً حذف منه حرف واحد خاصة، فتقول في منطلقٍ: مَطَالقُ، وفي مقتدرٍ: مقادِرُ، وفي مُسَلَّمٍ: مَسالِم، وفي جَحْجَبَى: جحاجِبُ، وفي جَحَنْفَل: جحافِلُ، وفي فَدَوكَسُ: فداكِسُ. فإن كان ما قبل الآخر حرف لين أُبقي كما قال، فتقول في قنديل: قناديل، وفي شِملال: شماليل، وفي كُرسوع: كراسيع، ولكن إن كان حرف اللين ألفاً قلبت ياءً، وكذلك إن كان واواً قلبت أيضاً ياءً. وإنما لم تحذف لأن بقاءها لا يُخِلُّ ببنية التصغير بخلاف الحرف الأصلي والزائد غير اللين.
وإذا كان سداسياً حذف منه حرفان حتى يصير رباعياً، فتقول في مستكبر: مكابر، وفي مستخرج: مخارج، وفي مُسْحَنْكِك: مسَاحِك، وفي مُغْدَودِنٍ: مغادِنُ، وفي مُقشَعرٍّ: قشاعِرُ. وما أشبه ذلك. فتحذف حرفين إلا أن يكون الثاني من الزائدين قبل الآخر فإنك لا تحذف إلا واحداً لقيام بناء التكسير مع وجوده، فتقول في منجنيق: مجانيقٌ، وفي عيطموس: عطاميس، وفي عنتريس: عتاريس، وفي عيضموز: عضاميز.
وإذا كان الاسم سباعياً حذفتَ إلا أن يكون الرابع من الحروف حرف لين فإنه يبقى لحصوله في بنية التكسير قبل الآخر، فمثال ما عَدِمَ اللين رابعاً: بَرْدَرَايا، فإنك تقول فيه: برادِرُ. ومثال ما رابعه اللين: اشْهِيبابٌ، تقول فيه: شهابيبُ، وفي احرنجامٍ: حراجيمُ، وفي اقشعرارٍ: قشاعيرُ. وما أشبه ذلك.
وقد ثبت في بعض النسخ هنا عوض قوله:
/ وزائدَ العادي الرباعي احذِفْهُ ما
قوله:
وزائدَ الرباعي احْذِفَنْهُ ما
وهو يريد ذلك المعنى إلا أن الأولى أحسن، لأن هذه الأخيرة موهمة أن يكون أراد بزائد الرباعي ما كان نحو صيرفٍ وكوكبٍ وقذالٍ. وهذا المفهوم غير صحيح، مع ما فيه من تحريك ياء" الرباعي" بعد تخفيفها، وذلك من الضرورة نحو قول ابن قيس الرقيات:
لا بارك الله في الغوانيِ هلْ يُصبحْنَ إلا لهنَّ مُطّلَبُ
فما تقدم هو الأصح. ثم في قوله:
…
...
…
... ما لم يكُنْ ليناً إثْرَهُ اللذ خُتِمَا
إحداها: أن هذا الحكم منسحب على كل ما كان على فعالل وشبهه مما تقدم أو تأخر، فيدخل تحته: فواعلُ، وفعائِلُ، وفَعَال، وغير ذلك، فيكون جمعُ خاتامٍ وطومارٍ وجاسوسٍ وتَوْرابٍ ونحو ذلك داخلاً تحت حكم فواعِلَ المتقدم، فتقول: خواتيمُ وطواميرُ وجواسيسُ وتواريبُ، بمقتضى كلامه في فواعل، لكن لا من أمثله ثَمَّةَ، ولكن من هذا الموضه ومن هناك معاً كما تقدم التنبيه عليه.
فإن قلتَ: ويظهرُ أن الحكم جارٍ في "فَعَاليّ"، وهو جمع
صحراء المتقدم، لأنه خماسي، ما قبل آخره حرف لين، فيقتضي ألا يُحذف حرف اللين منه، فيقال: صحاريُّ. ولم يحكه الناظم، فهو نقض عليه به.
فالجواب أن نقول: نعم، كان الأصل ذلك، وعليه جاء صحاريُّ بالتشديد، لكنه لما خصه الناظم بحكم غير ما تقتضي هذه القاعدة، كان موضعاً مستثنًى منها، من غير أن يحمل على تناقض، والدليل على أنه استثناء نصه على الحكم فيه، إذ لو كان داخلاً لم يحتج إلى ذكره، وقد مرَّ في التوجيه أن المحذوفة هي الألف الزائدة لا ألف التأنيث. وكذلك تبين من هذا أن عِلباءً وحِرباءً وقُوباءً تُجمع على فعاليَّ، لأنه وإن كان خماسياً فقد وقع حرف اللين فيه قبل الآخر، فلا يحذف، فإذا جمع قيل: عَلابييُّ، فتجتمع ياءان، فتدغم إحداهما في الأخرى فيقال: عَلابيُّ. ففَعاليُّ في بالعرض كما تقول في حَوْلايَا: حَوَاليُّ، كذلك أيضاً.
المسألة الثانية: أن حرف اللين المبقَى لا بد أن يكون زائداً، ويدل على ذلك من كلامه قوله:"ما لم يكُ ليناً" أي: ما لم يكن ذلك الزائد. فإذاً لا بد من كونه زائداً، فلو كان أصلياً - ويتأتى ذلك في الألف بكونها منقلبة عن أصل، وهو سهل في الياء والواو لكونهما
يكونان أصليين بأنفسهما - فلا يجوز إثباته مدة (كمختار / فلا تقول: مخاتير، ولا في منقادٍ: مناقيدُ. بل تحذف تاء مُفتَعِلٍ ونون مُنفَعِلٍ، وتقول: مخايِرُ ومقايِدُ). هذا إن لم تعوِّض. وكذلك تقول مفي مستزاد: مزايد، ولا تُبقَّى الألف؛ لأنها أصلية لا زائدة، وذلك لأن بنية التكسير التي هي مفاعيل الياءُ فيه زائدة، فلا يجوز أن يُحكم للأصلي بحكم الزائد.
المسألة الثالثة: أن قوله"ليناً" يريد به حروف اللين الثلاثة، ولكن لم يقل:"ما لم يكن مداً" ليدخل له ما كان من الواو والياء قبلهما مفتوح نحو قولك: كَنَهْوَرٍ وقِلَّوْبٍ وسِنَّوْرٍ وعُلَّيْقٍ وسُكَّيْتٍ وسُرَّيْطٍ، وشبه ذلك، فإنك كما تقول في قنديلٍ وبُهلولٍ وشملال: قناديلُ وبهاليلُ وشماليلُ، كذلك تقول في كَنَهْوَرٍ: كناهِرُ، وفي قِلَّوْبٍ: قلاليبُ، وفي سِنَّوْرٍ: سنانير، وفي عُلَّيْقٍ: علاليقُ، وفي
سُكَّيْتٍ: سكاكيت، وفي سُرَّيْطٍ: سراريط. فلا تحذف حرف اللين لأنه زائد وإن كان غير حرف مد، لأنه إذا حذف منه الحركة إذا كان متحركاً وكسر ما قبله؛ على ما يقتضيه بناء التكسير، صار كحرف مد، فصح إبقاؤه؛ إذ لم تخرج البنية عن حقيقتها وأصلها من فعاليلَ وشبهه. وعلى هذا تقول إذا كسَّرت مثل مغدودِنٍ قلتَ: مغادينُ - بالياء - إن قدَّرْتَ أنك حذفت الدال الثانية، قال سيبويه:"كأنك في التصغير حقَّرت مُغْدَوْن"، قال:"لأنها تبقى خمسة أحرف رابعتها الواو، فتصير بمنزلة بُهلولٍ وأشباه ذلك". وأما إذا قدَّرتَ حذف الدال الأولى فتقول: مغادِنُ، بمنزلة عُذافِرٍ، إذ لم تقع الألف رابعة قبل الآخر. لكن إطلاق الناظم يقتضي أن حرف اللين هذا حكمه، سواءً أكان مدغماً إدغاماً أصلياً أو غير أصلي أم كان غير مدغم، أما غير المدغم فقد مر، وأما المدغم إدغاماً أصلياً فكعَطَوَّد، وهَبَيَّخ - والإدغام الأصلي هو الذي ليس أصله الفك - فواو عَطَوَّدٍ زيادتان زيدتا معاً كياءَي النسب، وكذلك ياءا هَبَيَّخٍ،
بخلاف واوَي مُقَوَّل إذا بنيت من القول مثل مُسَرْوَلٍ، فإن الواوين ليستا بزائدتين، بل الأولى أصلية، وهي في مقابلة الراء في مُسَرْوَلٍ، والثانية هي الزائدة للإلحاق بِمُدَحْرَجٍ، فإحدى الواوين مفصولة إحداهما من الأخرى، فليس الإدغام فيها / إدغاماً أصلياً، فكلا المدغمين داخل تحت كلام الناظم، أما إذا كانت الواو والياء مدغمة إدغاماً غير أصلي فاتفقوا على أن اللين لا يُحذف لأنه كواو كَنَهْوَر، فتقول في مُقَوَّل المذكور: مقاويلُ، بالياء من غير حذف، وفي مُبَيَّع - إذا بنيت من البيع مثل مُرَهْيَأٍ، على من قال: إنَّ رَهْيَأَ فَعْيَلُ - تقول: مباييع، فلا تحذف وإن كانت مدغمة، إذ ليست الياءان بمزيدتين معاً، بل الياء الأولى أصلية في مقابلة الهاء من مُرَهْيَأ، والثانية هي الزائدة وحدها كمُقوَّلٍ من كل وجه. وأما المدغمة إدغاماً أصلياً كعَطَوَّدٍ وهَبَيَّخٍ فتقول على مقتضي النظم: عطاويدٌ وهباييخُ ليس إلا، وهو مذهب المبرد، قال: لأنه رابعه واوٌ زائدة، يعني في عَطَوَّدٍ كواو كَنَهْوَر/ فكما لا يجوز في كَنَهْوَر إلا أن يقال: كناهيرُ، كذلك لا يجوز في عَطَوَّدٍ إلا عطاويدُ. وكذلك الياء على مذهبه، والمنقول من
هذا عنه إنما رأيته في التصغير، ولا شك في جريانه في التكسير، لأن أحدهما عند الجميع محمولٌ على الآخر. ومذهب سيبويه أن الواو لا تبقى، وإنما تقول: عُطَيِّيد، في التصغير بحكم التعويض، ويجوز عُطَيِّدٌ. والفرق بين المدغمة إدغاماً أصلياً على مذهبه والمدغمة إدغاماً غير أصليٍّ أن الواوين في عَطَوَّد، والياءين في هَبَيَّخٍ ونحوهما، زيدا معاً فلا يقع مع الواو الثانية والياء الثانية غيرهما، وليست واو مُقَوَّلٍ ومُبَيَّعٍ كذلك، بدليل وقوع الراء قبل الواو في مُسَرْوَل، والهاء قبل الياء في مُرَهْيَأ، فلهذا كان قول سيبويه أولى. ومع هذا فإن الشلوبين يرى أن سيبويه مستندٌ في ذلك إلى السماع لأنه قال في التصغير:"وإذا حقَّرتَ عَطَوَّداً قلتَ: عُطّيِّدٌ وعُطَيَّيْد، لأنك لو كسَّرته للجمع قلتَ: عَطاوِد. قال الشلوبين: قوله: "لأنك لو كسَّرتَ للجمع قلتَ: عطاوِد" توقيفٌ، وجعل قول سيبويه أخيراً: "وكذلك قول العرب والخليل" راجعاً إلى المسائل المتقدمة. والذي رجح قول سيبويه، وهو الذي ذهب إليه في التسهيل، وهو راجٌح؛ لأن الأصل في
حرف اللين الذي يثبت هو أن يكون زائداً ساكناً، فإذا تحرك فينبغي أن يبقى بحركته، وإذ ذاك يخرج به البناء عن أبنية التكسير/، فإذا كان متحركاً ومنفرداً سهل عليهم حذف حركته فيثبت؛ لأنه ساكنٌ زائدٌ، فإذا كان ملحقاً بالأصل وزيد مع ذلك أن ضوعف كما تضاعَفُ الأصول زيادةً إلى كونه متحركاً، بَعُدَ كثيراً عن حرف اللين الزائد، فوجب لذلك حذف الحرف المدغم فيه.
وما قاله الشلوبين محتمل، فإن كان كما قال فلا مَعدَلَ عنه، وإلا فما ذهب إليه الناظم يظهَرُ وجهه، لأن حرف اللين لا ينبغي أن يحذف بإطلاق إذا أمكن إبقاؤه، وقد أمكن هاهنا، وأصالة الإدغام لا تمنع.
المسألة الرابعة: أن قوله: "ما لم يكُ ليناً" يقتضي أن الحذف فيه لا يجوز. وذلك صحيح، إذ لا يقال في سِربال: سَرابِلُ، ولا في قنديل: قنادِلُ، ولا في سُرْحوبٍ: سَراحِبُ، إلا أن يُضطرَّ شاعرٌ، نحو ما أنشده سيبويه من قوله:
وكَحَّلَ العينين بالعَوَاوِرِ
أراد: العواويرَ، فحذف ضرورةً. وسيأتي التنبيه عليه إن شاء
الله في الباب بعد هذا، وهو باب التصغير.
المسألة الخامسة: أن قوله: "إثرَهُ اللّذْ خُتِمَا" فيه إشكال لفظي وإشكال معنوي، فأما الإشكال اللفظي ففَقْدُ الضمير العائد على الذي، لأن الضمير في "ختم" إما أن يكون هو العائد على الذي، وكأنه يريد: إثره الحرف المختوم، وهذا غير مستقيم، لأن الحرف ليس هو المختوم، وإما أن يكون عائداً على غير الحرف، فإذ ذاك يبقى الذي دون ضمير، وكأن حقيقة المعنى إنما هو: إثره الذي ختم به، أي: الذي ختم اللفظ (به)، ولا يقال أعجبني الذي مررت!
والجواب: أنه حذف الضمير المجرور بالباء وإن لم تتوفر شروطه ضرورة، والمعنى على: ختم به. ومثل ذلك قد ورد في الشعر، مثل ما أنشده الفارسي في الشيرازيات:
فقلت له لا والذي حجَّ حاتمٌ أخونُُكَ عهداً إنني غير خَوَّانِ
أي: حج حاتمٌ له، فحذف ضرورة. ومثل ذلك في النظم
مغتَفَرٌ، هذا كله إن كان "خُتِم" مبنياً للمفعول، وأما إن كان مبيناً للفاعل، ومرفوعه ضمير الحرف الذي خَتَمَ الكلمة فلا إشكال. ولم يأت إلى بلادنا من الرجز نسخةٌ مرويَّةٌ، فالعذر في نحو (هذا) مقبولٌ.
وأما الإشكال المعنوي فإن ظاهره أنه يريد بضمير "خُتِم" العودَ على ما عدا الرباعي من الأسماء، وهو مرادُه بالعادي، فكأنه يقول: / إثره الحرف الذي ختم اللفظ الخماسي به. وإذا كان كذلك فحرف اللين الذي يثبت لا يلزم أن يكون إثره الحرف الآخر، بل قد يكون بعده أكثر من حرف واحد، وذلك نحو حولايا، فإن اللين الذي يثبت فيه ليس قبل الآخر، وإنما هو قبل ما قبل الآخر، وكذلك: هِجِّيْرَى، وحِثِّيْثَى، وإِهْجِيْرَى، ومُغدَوْدِن، ولُغَّيزَى، وبُقَّيْرَى، وخُضَّارى، وشُعَّارى، ومعلوجاءُ، ومشيوخاءُ، فإنك تقول: حواليُّ، وهجاجيرُ، وأهاجيرُ، ومغادينُ، - إن حذفت الدال الثانية -
ولغاغيز، وبقاقيرُ، وخضاضيرُ، وشقاقيرُ، ومعاليجُ، ومشاييخُ. وكثير من ذلك، فليس اللين الثابت فيه ما قبل الآخر، فقول الناظم:"إثْرَهُ الذي خُتِما" فيه ما ترى.
والجواب: أن جميع ما ذكر في السؤال من الأسماء أقَلِّيٌّ بالنسبة إلى ما اللين فيه قبل الحرف الآخر. وأيضاً فإنه قبل الآخر بالنسبة إلى صيغة جمع التكسير، لأنك إنما تكسير الاسم الخماسي فما فوقه بعد أن تحذف ما يحتاج إلى حذفه تقديراً وتصيره اسماً تقوم به بنية التكسير، وهكذا يقرِّرُ الأمر فيه سيبويه، فهِجِّيْرَى وحِثَّيْثَى وما ذكر معه يقدر أولاً محذوفاً منه ما يفتقرُ فيه إلى الحذف، وهو الألف فيما آخره ألف، وحذف الدال الثانية من مُغْدَودِن حتى تصير في التقدير "مُغْدَون"، وسيتبين شيءٌ من هذا إثر هذا بحول الله، وقاعدةُ بيانه الأصولُ، فإذاً لا اعتراض بذلك والله أعلم.
***
ثم ذكر ما يحذف من الزوائد إذا اجتمع منها اثنين فأكثر، وكانت الحاجة في حذف البعض فقال:
والسين والتاء من كَمُسْتَدْعٍ أزِلْ إذ ببنا الجمع بَقَاهُما مخِلّ
والميم أولى من سواه بالبَقَا والهمزُ والياء مثلُهُ إن سَبَقَا
والياء لا الواو احذفِ ان جَمَعْتَ ما كحيزبُونٍ فَهْوَ حُكْمٌ حُتِمَا
هذا الفصل يستدعي تمهيدَ أصلٍ، وذلك أن الخماسي إن كان فيه زائدٌ واحدٌ ليس قبل الآخر فلا بد من حذفه، فإن كان فيه زيادتان فلا بدَّ من حذف إحداهما، وكذل السداسي إن كان فيه زيادة أو زيادتين فلا بد من حذفهما معاً، فإن كان فيه ثلاثُ زوائدَ فإنك تحذف زيادتين وتُبقِي الثالث. وإذا ثبت أن بعض الزوائد يُحذف دون بعض فلا بدَّ لبقاء المبقَّى وحذف / المحذوف من علةٍ توجبُ ذلك وترجح أحدهما على الآخر في الإثبات إن كان ثمَّ مرجَّحٌ، أو يقع التخيير إن امتنع الترجيح أو تقابلت المرجحات.
والأوجه المذكورة في الترجيح سبعة: التقدم، والتحرك، والدلالة على المعنى، ومقابلة الأصول - وهو كونه للإلحاق - والخروج عن حروف سألتمونيها، وأن يكون لا يؤدِّي إلى مقال غير موجود، وألا يؤدي حذفه إلى حذف الآخر الذي ساواه في جواز الحذف.
فأما التقدُّمُ فنحو أَلَنْدَدٍ وأَلَنْجَجٍ، وكذلك يَلَنْدَدٌ ويَلَنْجَجٌ،
فالهمزة والياء هنا المثبتتان لأل تقدُّمها، فتقول: ألاجُّ وألادُّ، وكذلك: يَلاجُّ ويَلادُّ، ولا تقول: لنَادِدُ، ولا: لَنَاجِجُ، لتقدُّمِ الهمزة والياء. ومثل ذلك: أَرَنْدَجٌ، تقول فيه: أرادِجُ، فتثبتُ الهمزة لتقدمها.
وأما التحركُ فمثل ما ذُكر من المُثُل، ومن ذلك: كَوَأْلَلٌ، الظاهر على ما يأتي أن تُحذفَ الواو وتبقى اللامان، فتقول: كآلِلُ على مثال: كعاِلُ، لأن الواو من حروف سألتمونيها، بخلاف اللام، فلو حذفت إحدى اللامين فقلت: كوائِلُ، كنت قد آثرتَ ما هو من سألتمونيها على ما هو بخلاف ذلك، وهو مخالفٌ لما سيذكره في عَفَنْجَجٍ ونحوه، لكن لما كانت الواو في كَوَأْلَلٍ قد قويت بالتحرك جعلها سيبويه مكافئة للام فخيَّرَ فيهما.
وأما الدلالة على المعنى فنحو منطلقٌ، فالميم دالَّةٌ على اسم الفاعل بخلاف النون، فكانت أولى، مع الترجيح أيضاً بالتقدم والتحرك،
فتقول: مَطَالِقُ. وكذلك مصطبر تقول: مصابِرُ. وفي مقتدر: مقادر. وكذلك تقول على مذهب سيبويه في مُجَلْبِبٍ: مَجَالِبُ؛ لأن الميم زائدةٌ لمعنًى، وإحدى الباءين زائدةٌ لغير معنى. والمبرد يفضل الحرف الملحق بالأصل على حرف المعنى فيقول: جلابيبُ، قال: لأن مجلبباً ملحق بمدحرج، ولا يجوز في مدحرج إلا حذف الميم، فكذلك ما ألحق به. فعنده أن ما كان في مقابلة أصلٍ فهو كالحرف الأصلي. قالوا: ومذهب سيبويه أولى؛ لأن إحدى الباءين زائدة، وقصاراها في الفضل أن تفضل ما ليس بملحق إذا لم تكن فيه صفة أخرى تقابل الإلحاق. وأيضاً الإلحاق ليس بمعنى بالحقيقة، وإنما هو أمر لفظي، فالميم أقوى، قالوا: وأيضاً فتزيد الميم بالتقدم، وغاية الإلحاق أمر لفظي فيرجح به / إذا لم يكن غيره. ولهذا الوجه التزَمَ المبرِّدُ في حُبارى أن يقال في التصغير: حُبَيرَى. فأثبت ألف التأنيث لأنها لمعنى، وكذلك يقول في التكسير: حَبَارٍ أو: حَبارَى، فيحذف الألف الأولى دون ما جاء لمعنًى كميم منطلق، هذا إن أجاز القياس
في التكسير، إذ لم يكسِّرُوا فُعَالى. وأما سيبويه فيخيِّرُ في التصغير، والتخيير على مذهبه جارٍ في التكسير لو قيل بقياسه. ووجهوا قول سيبويه في حذف ألف التأنيث أنَّ كونها للتأنيث أمر لفظي، قال ابن الضائع: لأن التأنيث لا يحتاج إلى علامة، بل جاء منه بغير علامة في أسماء الأجناس أكثرُ مما جاء بعلامة، والحذف إلى الأواخر أسرع، فلذلك تساوت هنا الزيادتان، لا سيما على التعويض من الألف تاء، وهو مذهب أبي عمرو، قال سيبويه: لما كان هاتان الزيادتان ليستا للإلحاق فاستوتا في ذلك كما استوتا في حَبَنْطًى في كونهما للإلحاق سُوِّيَ بينهما في خيار الحذف كا سوَّوا بين الملحقتين. قال ابنُ الضائع وهو تشبيهٌ جيَّدٌ. وأما الترجيح بكون الحرف للإلحاق فمثاله قولك في قُمارصٍ: قَمَارصُ، وفي دُلامِصٍ: دَلامِصُ، تحذف الألف وتبقى الميم؛ لأنها ملحقةٌ بعُذافِرٍن بخلاف الألف.
وأما الترجيح بالخروج عن سألتمونيها فمثاله: خَفَيْدَدٌ وعَفَنْجَجٌ، تحذف الياء والنون في الجمع فتقول: خَفادِدُ وعفاجِجُ؛
لأنهما من حروفُ سألتمونيها، ولا تحذف الدال ولا الجيم؛ لأنهما خارجان عن حروف سألتمونيها، فكان ما هو من جنس ما يُحذف أولى بالحذف من غيره. ومن ذلك على رأيٍ قولهم: عِثْوَل، يجمعه سيبويه على عثاوِلَ، فيحذف إحدى اللامين، قال ابن خروف: لأنها ليست للإلحاق، والواو إلحاق. وأما المبرد فيحذف الواو دون اللام فيقول: عثالِلُ، لأنهما معاً - الواو واللام - للإلحاق، فيرجح إثبات اللام بأن زيادتها ليست زيادة سألتمونيها، وإنما هي تضعيفُ أصلٍ، وهو المرجح الآتي إثر هذا. قال ابن الضائع مرجّحاً لما قاله ابن خروف: ويظهر من سيبويه أن إلحاق الثلاثي لا يكون بالخماسي دفعةً، بل ينبغي أن يُلحق بما يليه، فجَعَل عِثْوَلاً ملحقاً بقِرْشَبٍّ، وجعل الواو إزاء الشين، وضوعفت اللام كما ضوعفت في قِرْشَبٍّ، فليست للإلحاق بقِرْشَبٍّ، والواو للإلحاق بقِرْشَبٍّ قال: فيكون / ملحقاً بما يليه أولى من أن يكون ملحقاً بالخماسي وهو جِرْدَحْلٍ، فحذفت اللام من عِثْوَل كما حذفت الباء من قِرْشَبٍّ.
فعلى هذا مذهب سيبويه يكون هذا من باب الترجيح بكون الحرف للإلحاق.
ومن أيضاً ما رجح به سيبويه حذف الياء والنون من خَفَيْدَدٍ وعَفَنْجَجٍ، إذ قال: خفادِدُ وعفاجِجُ، بأن الجيم والدال ليسا من حروف سألتمونيها، بخلاف الياء والنون. وكذلك غَدَوْدَنٌ وعَثَوْثَلٌ، تقول: غدادِن وعثاثِل، وما أشبه ذلك.
وأما الترجيح بكونه لا يؤدي إلى مثال غير موجود فمثالُ استضراب واستخراج، تقول: تضاريبُ وتخاريجُ، فتحذف همزة الوصل، لأن ما بعدها لا بدَّ أن يتحرك، وتُحذف السين أيضاً وتبقي التاء، لأنك لو أبقيت السين وحذفت التاء فقالت: سخاريجُ، وسضاريبُ، لكن على مثال سفاعيل، وسفاعيل مثال غير موجود. وأما إذا أتبث التاء دون السين فإنه يكون على مثال تفاعيلَ، وتفاعيلُ مثال موجود نحو: تمثيلُ وتجافيفُ. وإلى نوع من هذا النحو ذهب المازني في تصغير انطلاق، فيحذف الهمزة والنون فيقول: طلائِقُ، وفي التصغير: طُلَيِّقٌ، لأن تطاليق نفاعيل، ونفاعيل غير موجود، بخلاف طلائِقَ فإن مثاله موجود. ومذهب سيبويه أن يقال: نطاليقُ،
والتزمه وإن كان غير موجود. وفرَّق ابن الضائع بين الموضعين بأن استضراب استوت فيه السين والتاء في جواز الحذف في كل واحدة منهما، فكان حذف السين أولى. قال: فغاية هذا المعنى أن يكون مرجِّحاً. قال: وأما أن تحذف ما لا تضُم الضرورة إلى حذفه فلا، لأن بناء التصغير ليس أصلاً بل هو فرع لا يُلتفت إليه، كما أن الترخيم يجوز في جميع الأسماء على شروطه على اللغتين وإن أدَّى في اللفظ إلى مثال غير موجود، كترخيم طَيْلَسَان بالكسر. ثم احتج عليه بما في كتاب التصغير من شرحه للجمل، وليس هذا موضع بسط ذلك على وجهه.
والحاصل أن تحاميَ المثال غير موجود مرجِّحٌ على الجملة، لكن مع اعتبار جواز الحذف في كل واحد من الزائدين. وذكر الفارسي في التذكرة مما علَّقه إسماعيل بن نصر، عن أبي العباس قال: حدثني أبو العباس قال: سألت أبا عثمان عن تصغير انطلاق فقال: طُلَيِّقٌ،
لأنه ليس في الكلام نِفْعَالٌ، وكذلك في افتقار: فُقَيِّرٌ، لأنه ليس في الكلام فِتْعَال /، فحكيت ذلك للرياشي فعجبَ من ذلك، وجاء بأعظم من خطأ المازني فقال: قولُكَ: اقتِتَالٌ إذا أدغمتَ قلتَ: قِتَّالٌ فِتْعَالٌ. وقول المازني غلطٌ كبير، وقول الرياشي كذلك، ألا ترى أنك إذا قلت نُطَيليقٌ فلسنا نريد نِفْعَال، وإنما أردنا "انفعال" فحذفنا منه لما تحرك الساكن ونحن نقدر ما حذفنا، ألا ترى أنك إذا صغَّرتَ سفرجلا قلت: سُفَيرجُ، لم أقل: إني صغرت "سَفْرَج"، فكذلك فُتَيْقِير، ليس تصغير فِتْعَال، وإنما هو تصغير الاسم الذي حَذَفْتَ.
وقول الرياشي: قِتَّالٌ فِتعَالٌ، ليس كما ذكر، لأن المدغم أيضاً يقدر فيه الأصل وإظهاره، ألا ترى أنك لو قيل لك: ما وزن ود قلت: فَعَل. ولكن الإدغام صيره كذا. وكذلك أصمُّ أفْعَلُ، ولو كان كما قاله الرياشي لكان أصمُّ أفَعْلُ، وردَّ: فَعْلٌ. وهذا لا يقوله أحد، لأن الأشياء ترد إلى أصولها. انتهت الحكاية.
قال الفارسي: كل هذا يقوله أبو الحسن على اللفظ الذي هو
عليه ولا يفسِّرُ الأصل. انتهى. وهذا الكلام من أبي العباس ردٌّ في وجه سيبويه حيث يمنع سفاعِيلَ ونحوه.
وأما الترجيح بألا يؤدي حذف المحذوف إلى حذف المثبت أيضاً فمثاله: عَيْطَمُوسٌ وعَيْضَمُوزٌ، فالمحذوف الياء دون الواو، لأن لو حذفتَ الواو لم يكن بد من حذف الياء، إذ لا تقوم بنية التكسير دون حذفها؛ إذ كان يبقى الاسم معها على خمسة أحرف ليس ما قبل الآخر حرف لين، وبنية التكسير رباعية، فلا بد من الحذف، ولو حذف الياء لم يحتج إلى حذف غيرها؛ إذ كانت الواو واقعة قبل الآخر، فتستقيم بنية التكسير معها. وكذلك خَنْشَليل، فإنك تحذف النون فتقول: خشاليلُ، فيُغني حذفها عن حذف الياء لقيام بنية التكسير، ولو حذفت الياء لم يكن بد بعد من حذف النون، فلذلك أوثرت الياء بالإثبات دون النون، ومن هذا كثير. ولسيبويه ترجيحات أُخَرُ ذكرها في كتابه، وهذه هي المشهورة عند المتأخرين، والذي ذكر في التسهيل ثلاثة؛ المزية من جهة المعنى، أو من جهة
اللفظ، أو من كونه لا يغني حذفه عن حذف غيره. وأما في هذا النظم فذكر أربعة:
أحدها: الترجيح بكونه لا يؤدي إلى الإخلال بالبِنية ومثالٍ غير موجود، وذلك قوله:
والسينَ والتا من كمُسْتَدْعٍ أَزِلْ
إلى آخره، يعني أن إذا كسَّرت ما هو على مثال مسْتَفْعِلٍ مثل مسْتَدْعٍ فإنك تحذف حرفين لا بد من ذلك؛ لأنه سداسي، وقد أخبر أن ما عدا الرباعي يحذف زائده حتى يصير إلى مثال الرباعي، وذانك الحرفان هما السين والتاء على التعيين دون الميم، لأنك إذا حذفتهما صار إلى مثال مدعى فتقول: مَدَاعٍ، فصحَّت معه بنية التكسير، لأنه مفاعِلَ موجودٌ في الكلام كمغَارٍ ومَرَامٍ، فلو تركتهما لقلتَ: مساتِدْع. وهذا بناء فاسدٌ لا يوجد مثله، وهذا معنى قوله:
إذ بِبِنَا الجمعِ بَقَاهُمَا مُخِلّ
وعلى هذا يجري ما لو حذفت الميم مع التاء فقلت: سَدَاعٍ، لكان وزنه على سَفاعِلَ، وذلك بناءٌ غير موجود. ولو قلتَ: تَدَاعٍ،
فحذفتَ الميم والسين، لكان على مثالٍ موجودٍ وهو تفاعِلُ نحو تناضِبَ، لكن الميم ذهبت وهي دالة على بنية الفاعل أو المفعول، فإذا حُذفت اختلت بنيته من حيث هي لاسم فاعل أو مفعول، وأيضاً فإنها حرف معنى، وقد قال:
والميمُ أولى من سواه بالبقا
وهو المرجح الثاني، لكون الميم دالة على معنى اسم الفاعل أو المفعول، وما دل على معنى أولى بالإثبات مما ليس كذلك.
فإن قلتَ: لِمَ قال: "والميمُ أولى من سواه"، وقد فُهِمَ له ذلك من تعيينه ما يحذف من مسْتَدْعٍ؛ إذ قال:
والسينَ والتا من كمُسْتَدْعٍ أزِلْ
أن الميم تثبتُ ولا بدَّ، فالظاهر أن هذا الكلام فضلٌ لا يُحتاج إليه؟
فالجواب: أن ذلك ليس بحشوٍ، بل هو مفيدٌ لفوائدَ:
إحداها: التنصيص على بقاء الميم بخصوصها، إذ لو لم يذكر ذلك لفهم من العلة جواز حذف الميم مع السين وإبقاء التاء، لأن ذلك أيضاً لا يخل ببناء الجمع لبقائه على تَفاعِلَ، وذلك موجودٌ، فكان يكون قوله:"والسينَ والتا أَزِلْ" غير مقصودٍ في نفسه. وهذا
خطأٌ في نفسه، إذ زوالهما يتعين لِمَا قال من الإخلال بالبِنية، ولوجهٍ آخرَ وهو حذف المعنى من غير فائدة ولا ضرورة، فلذلك نص على إثبات الميم.
والثانية: التنبيه على الترجيح بالدلالة على معنى، لأنا لو فرضنا أنه يُفهم مما تقدم بقاء الميم لم يُعَين لابقائها معنًى زائد على ما ذكر من الإخلال، بخلاف ما إذا نص عليها فإن الفهم ينصرف إلى وجه خلاف ما تقدم، وهذا هو / الدلالة على المعنى، وقد تقدمت أمثلة ذلك.
والفائدة الثالثة: أنه نص على ذلك ليدخل له بالمعنى كل ميم موجودة أول الكلمة دالة على معنى، فتقول في مُقتَدِرٍ: مقادِرُ، وفي منطَلِقٍ: مطالِقُ، وفي متكاسِلٍ: مكاسِلُ، ونحو ذلك، ولا تعكس الأمر.
والفائدة الرابعة: الإشارة إلى قَصْرِ حرف المعنى على الميم رداً لاختيار المبرد في ألف التأنيث في حُبَارى، إذ زعم أنها لمعنًى فتثبت دون الألف الأولى، فكأنه يَرُدُّ على المبرد إما بكون ألف التأنيث ليست بحرف معنى، وإما بكون معناها لا يعتبر أخذاً بقياس
سيبويه للألفين على حرفي الإلحاق في حَبَنْطًى ونحوه.
المرجح الثالث: السبقيَّةُ، وذلك قوله:
والهمزُ والياء مثلُهُ إن سَبَقَا
يعني أن الهمزة والياء مثلُ الميم في كونهما أحقَّ وأولى بالبقاء من غيرهما، كما كانت الميم أولى بالبقاء من غيرها، إن كانت الهمزة والياء قد سبقتا غيرهما من الزوائد، ومثال ذلك ما تقدم من أَلَنْدَدٍ ويَلَنْدَدٍ، وأَلَنْجَجٍ ويَلَنْجَجٍ، فالهمزة والياء أولى بالإثبات لمرجِّحِ السبقية.
فإن قلتَ: لِمَ عيَّنَ هذين الحرفين والترجيحُ بالسبقية عام في كلام النحويين، إذ لا يُعينون ذلك في همزة أو ياء ولا غيرهما، بل يطلقون القول إطلاقاً، فكلام الناظم مخالف لكلامهم.
فالجواب: أن ما قاله الناظم صحيح، وذلك لأن الترجيح بالتقدم لا تكاد تجده إلا في هذين المثالين، لاتفاق حرفي الزيادة في كونهما في الكلمة للإلحاق، وليس في أحد الموضعين مرجِّحٌ إلا بالتحرك، وهو مرجِّحٌ ضعيف، وأما غير هذين فقد يقع السبق ولا يحصل الترجيح به، كما قالوا في خَفَيدَدٍ، فعينوا إبقاء الدال مع إمكان ترجيح الياء
بالتقدم، ولا أقل من أن يكون التقدم مكافئاً لكون الدال ليس من حروف سألتمونيها، فكان يكون محل تخيير كما خيروا بين نون حنبطًى وألفه، إذ تكافآ بسبقية النون وتحرك الألف، فكون النحويين لم يقولوا ذلك في خَفَيدَدٍ دليل على عدم اعتبار السبقية وحدها اعتباراً مطلقاً كغيرها، أو لا ترى إلى تخييرهم في عَفَرْنًى بين حذف النون والألف، وكلاهما ملحَقٌ ومتحرك، وانفردت النون بمزية السبق، ثم لم يجعلوا ذلك مؤثراً، بل قالوا: العَفَارَى / والعفارِنُ على الجواز. وإذا استقرأتَ أكثر مسائل الباب وجدتَ الترجيح بالتقدم تابعاً لغيره، وأما هذان الحرفان فيظهر للتقدم فيهما مزية، فلذلك عينها. ووجه ذلك - والله أعلم - أن مجرد سبقية أحد الحرفين للآخر ليست هي المعتبرة وحدها، بل السبقية أو الكلمة ما لم يعارض معارضٌ أقوى، لأن أول الكلمة محلٌ لوقوع حروف المعاني كهمزة التعدية، وحروف المضارعة، وكالميم الدال على الفاعل والمفعول، ولذلك قالوا في إستبرق: أبارِقُ وأُبَيرقٌ، وهو داخل تحت نظم الناظم، لموافقته أفاكِلَ مع وقوعه موضع الميم من اسم الفاعل؛ لأن أصله الفعل. وهذه السبقية هي التي أراد الناظم، إذ لم يرد مجرد
السبقية على الزائد الآخر، وإنما أراد التقدم أول الكلمة، فهذا ممكن في توجيه هذا الموضع.
المرجّحُ الرابع: كون أحد الزائدين لا يًغني حذفه عن حذف غيره، وهو قوله:
والياءَ لا الواوَ احذفِ انْ جَمَعْتَ ما
كحيزبونٍ
…
...
…
...
…
...
"الياء": مفعولٌ بـ "احذف"، و "ما": موصولة صلتها بالمجرور بالكاف. يريد أن ما كان من الأسماء مثل حيزبون في كونه سداسياً ذا زائدين، أحدهما لين قبل الآخر، فإنك إذا أردت جمعه فحذفت الياء الأولى، ولا تحذف الواو أصلاً، فتقول: حزابين. ومثله عيطموس تقول فيه: عطاميسُ، فتحذف الياء، وفي عيضموزٍ: عضاميزُ، وفي عيسجورٍ: عساجيرُ، وفي خَيْسفوجٍ: خسافيجُ، وفي خيْتَعُورٍ: ختاعير. وكذلك تقول في خَنْقَقِيقٍ: خفاقيقُ فتحذف النون، وفي خنشليلٍ: خشاليلُ، وفي منجنيق: مجانيقُ، وفي عنتريس: عتاريسُ. وكذلك تقول في الجِحْنِبَار: جحابيرُ. فتحذف النون أيضاً،
وفي جِعْنِبَار: جعابير، وفي فِرِنْدَادٍ: فراديدُ.
ولا يجوز: حذف الحرف الذي قبل الآخر ويترك الأول لقوله: "فهو حكمٌ حُتِمَا"، أي حذف الأول، ووجه هذا الانحتام ما تقدم من أنه لو حذف الثاني لم يُغنِ حذفه عن حذف الأول، إذ كانت بنية التكسير لا تقوم بحذف الثاني وحده، وتقوم بحذف الأول وحده.
والحيزبون في كلامه معناه: العجوز.
هذه جملة ما ذكر من المرجحات، وعليه فيها نظر، وهو أنه وقع له فيما ذكر تكرار لا يحتاج إليه، وترك ذكر ما يحتاج إليه. أما وقوع التكرار فلأن هذا المرجح الأخير إنما / اعتبر لعدم قيام بنية التكسير كما ذكر آنفاً، وهذا المعنى راجع إلى ما ذكر أولاً، ألا ترى أنك لو حذفت واو "حيزبون" وحدها لقلت: حيازِبْنُ، فوقع بعد الألف ثلاثة أحرف ليس ثانيها مدة، كما أنك لو تركت السين والتاء من مُسْتَدْعٍ أو حذفت واحداً لم تقُم بنية التكسير، فلا فرق بين هذا وذاك في محصول الأمر.
وأما تركه ما يحتاج إليه فإنه ترَكَ من مشهور ما ذكر الناس ثلاثة أشياء: التحرك، ومقابلة الأصول، والخروج عن حروف سألتمونيها،
وترك ذلك يوهم القول بأشياء لا يقول بها من عدم اعتبار هذه الأمور في التكسير، وقد اعتبروها على ما تقدم في بيانها.
والجواب عن الأول: أن النوعين، وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد، قد ذكرهما النحويون على انفراد كل واحد منهما، فاتبعهم في ذلك.
وعن الثاني: أن هذا النظم ليس قصده الاستيفاء، وإنما قصده الإتيان بالجليل من الأحكام، والمشهور منها، والتنبيه على جملة من المسائل. وأيضاً فالتي ذكَرَ هي الضروريات في الموضع أو ما يقرب منها، وأما ما ترك فليس مثل ذلك، والله أعلم.
وقوله: "والسينَ والتا من كمُسْتَدْعٍ"، أدخل حرف الجر على الكاف، وذلك لا يكون إلا في الضرورة، إذ لا يقال: مررت بكالأسد، ولا: ركبت على كالطير، ولكن لما كانت الكاف تعطي معنى مثل عوملت معاملته، كأنه قال: من مثل مُسْتَدْعٍ، ومثله في الشعر قول ابن عادية السلمي:
ورَعْتُ بكالهراوةِ أعْوَجِي إذا وَنَتِ الركابُ جرى وتابا
وقال امرؤ القيس، ويروى لعمرو بن عمار الطائي:
ورُحْنا بكابِن الماء يُجنَبُ وسطُنا تَصَوَّبُ فيه العين طوراً وترتقي
وقال خطام المجاشعي أنشده سيبويه:
وصالياتٍ كَكما يؤثفينْ
وفيه كثرةٌ في الشعر.
وقوله: "إذ بِبِنَا الجمع"، أراد "ببناء" فقَصَر. وهذه عادته في أكثر هذا النظم، ومنه في هذين الشطرين ثلاثة مواضع، وهو قياس في الشعر.
والحرف الجار متعلق بـ "مخلّ". وقد مرَّ له من هذا النوع من
تقديم معمول الخبر على المبتدأ مواضع كثيرة.
وقوله: "من سواه" بإدخال الجار على سوى / على رأيه في تصرُّف سوى. وهاء "سواه" عائد على "الميم"، وهو يذكَّر ويؤنث.
وكذلك الضمير في "مثله" للميم أيضاً. والألف في "سَبَقَا" ضمير التثنية عائد على الهمز والياء.
***
ثم ذكر موضع التكافؤ بين الزيادتين فقال:
وخيَّروا في زائدي سَرَنْدَى وكل ما ضاهاه كالعَلَنْدَى
يعني أن النحويين جعلوا الحرفين الزائدين في هذا الاسم الذي هو سرندى مخيراً فيهما، فيجوز لك حذف النون دون الألف، ويجوز حذف الألف دون النون، فتقول على الأول: سرانِدُ، وتقول على الثاني: سرادٍ، وكذلك ما ضاهاهما وأشبهه مثل العلندى، فلك أن تقول فيه: علانِدُ وعلادٍ، ومثل حبنْطًى، تقول: حبانِطُ إن شئت وحباطٍ. وكذلك العَكَنْبَى، والقرْنَبى، والدلَنْظَى، والسَّبَنْدَى،
والسَّبنْتَى، وما أشبه ذلك. وهذه الأسماء كلها مما وقعت النون والألف فيهما ملحقتين معاً فاستوتا في هذا الوصف، قالوا: لكن رَجَحت النون بالتقدم، ورَجَحت الألف بتقدير الحركة فتكافأتا، فصارتا في الحذف والإثبات سواء، فصار الحاذف مخيراً. فالوصف الخاص بهذين المثالين اللذين مثل بهما الناظم أن الحرفين معاً فيهما لقصد واحد وهو الإلحاق، وليس أحدهما خارجاً عن حروف "سألتمونيها"، فاستويا في ذلك، ولم يرجح أحدهما على الآخر بوجه من الترجيح إلا والآخر قد ترجح بوجه آخر، فيلحق بهما ما كان في معناهما، فمن ذلك قلنسوة، أنت مخير في أن تقول: قلانِسُ فتحذف الواو، أو قلاسٍ فتثبتها، ومع أن النون ترجُح بالتقدم والواو بالتحرك. ومن ذلك عند سيبويه حُبَارَى كما تقدم، ووجه التخيير في الألفين بأنهما زيادتان متساويتان في أنهما ليسا للإلحاق، كما استوت الزيادتان في حَبَنْطَى في أنهما للإلحاق تساويا في حكم التخيير. ويلحق بهذه المسائل غيرها، والحكم فيها موكولٌ إلى نظر الناظر في الترجيح، ولكن أكثر ما يكون التخيير فيما أشار إليه الناظم.
والسَّرندى من الرجال: الشديد، ويقال: الجريء، والأنثى سَرَنْداةٌ. وأنشد يعقوب عن أبي عمرو لأبي مساوِرٍ الفَقْعسي:
سرينا وفينا صارم متغطرس سرندى خشوفٌ في الدجى مؤلِفُ / القَفْرِ
وقال رؤبة:
كل سَرَنْداةِ السُّرى نَعُوفِ
بَوَّاعةٍ أو بَشَكَى زَيُوفِ
والعلندى: الجمل الضخم، والأنثى علنداةٌ. وقال الأصمعي: العلندى الغليظ من كل شيء، وقال ذو الرمة:
فعاجا علندى ناجياً ذا بُرايةٍ وعوَّجْتُ مِذْعَاناً لَمُوعاً زِمَامُهَا
والعلندى أيضاً: نبتٌ. قال عنترة:
ستأتيكمُ مني وإن كُنْتُ نائياً دخانُ العلندى دون بيتي مِذْوَدُ
وقد انتهى كلامه في الجموع، وسقط له منه معنى ضروري التنبيه عليه، وهو بيان التعويض قبل الآخر مما حذف من الاسم لإقامة بنية التكسير، لكن سيأتي التنبيه على ذلك بعد هذا في باب التصغير، فثمَّ ذكر هذا الحكم، وبالله التوفيق.