المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النَّسب تحقيق أ. د. سليمان بن إبراهيم العايد - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٧

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌النَّسب تحقيق أ. د. سليمان بن إبراهيم العايد

‌النَّسب

تحقيق

أ. د. سليمان بن إبراهيم العايد

ص: 429

النَّسب

ياءً كَيَا الكُرْسيِّ زادوا للنسب وكلُّ ما تليه كسرُهُ وَجَبْ

الإضافة والنِّسبة: لفظان اصطلح النحويون على إطلاقهما على نسبة الشيء إلى الشيء بنوعٍ من أنواع النسبة، لكن على ترتيب مخصوصٍ، وقد أتى الناظم بكلامٍ يُشعر بتعريفه عند النحويين، وذلك قوله:

"ياءً كَيَا الكُرْسيِّ زادوا للنسب"

فـ"ياء" منصوبٌ على المفعولية بـ"زادوا" يعني: أنهم زادوا في آخر الاسم ياء مشددة لتدلَّ على نسبة معنى ما لذلك الاسم، هذا معنى قوله:"للنسب" أي: لتنسب إلى ذلك الاسم، فالنسب في كلامه على معناه الأصلي؛ لأنه تعريفٌ للنسب الاصطلاحي، فلا يمكن أن يكون النسب في لفظه إلا على أصل اللغة، وإلا كان تعريفاً للشيء بنفسه، ويلزم منه الدَّورُ المجتنب في الحدود والتعريفات، فكأنه يقول: النسب الاصطلاحي هو: أن تزيد في آخر الاسم ياءً مشددة علامة على أنك تنسب لذلك الاسم معنى ما لتعلقه به ضرباً من التعليق، وهذا تعريف بعض المتأخرين.

فقوله: "أن تزيد في آخر الاسم ياءً مشددة" قيدان دل عليهما

ص: 431

قول الناظم: "كيا الكرسي"؛ لأن ياء الكرسي في آخر الاسم في ياءٌ مشددة.

وقوله: "علامةً على أنك تنسِبُ لذلك الاسم إلى آخره"ردلَّ عليه قوله: "للنسب"؛ أي: لتنسب إليه معنىً من المعاني، فقولك: تميميٌّ أصله: تميمٌ، فألحقته الياء لتنسب إليه الرجل لتعلقه به من حيث هو منهم، وكذلك بصريٌّ وزيديٌّ، ونحو ذلك، وقوله:"ياءً كيا الكرسي زادوا" فقدَّم المفعول إشعاراً بالحصر؛ أي: أن هذه الياء هي الدالة في كلامهم / على النسب، والمشهورة عندهم لا غيرها. وهذا تنكيت على أن ما دل على النسب من غير الياء فهو قليل بالنسبة إلى دلالة الياء، وذلك كدلالة (فاعل) نحو: حائض، وطامث، أي: ذا حيضٍ وطمثٍ عند القائل به، وكذلك لابنٌ وتامرٌ، و (فعَّال) نحو: فكَّاه ونجَّار، ونحو ذلك، و (فَعِل) نحو: نَهِر، وسيذكر ذلك كله، فالياء هي المعتدة في الباب لا غيرها، ثم قال:

"وكلُّ ما تليه كسرُهُ وَجَبْ"

هذا ذكر بعض التغايير اللاحقة للاسم المنسوب، وذلك أن هذه الياء المشددة يلزمها أيضاً في الكلام أربعة تغاييرَ مطَّردةٌ لا بدَّ منها:

تغييران لفظيان وهما:

كسر ما قبل هذه الياء، وهو الذي ذكره الناظم، ولا بدَّ من ذلك، فالكسر هنا نظير الفتح قبل تاء التأنيث فتقول: زيديٌّ،

ص: 432

وعمريٌّ، وغرناطيٌّ، فتكسر ما قبل الياء.

ونقل الإعراب إلى الياء؛ لأنها صارت في الكلمة كهاء التأنيث.

وتغييران معنويان وهما:

صيرورة الاسم صفة، يرفع الفاعل كما ترفعه الصفة المشبهة باسم الفاعل تقول: مررتُ برجل تميميٍ أبوه، وتميميِّ الأبَ، وتميميِّ الأبِ، وجميع ما ذكر في باب الصفة (الصفة المشبهة) من الأحكام جارٍ هنا في المنسوب.

وصيرورته واقعاً على غيره؛ إذ كان قبل لحاق الياء واقعاً على المنسوب إليه، فلمَّا لحقت صار واقعاً على المنسوب، فغرناطة اسمٌ واقعٌ على المدينة المعروفة، وغرناطيٌّ واقعٌ على الرجل المنسوب إليها.

ولما كانت هذه التغايير الأربعة لا يتعلق منها بباب (النسب) إلا الأول، اقتصر الناظم عليه، فلم يذكر غيره، ويعني أن ما يليه الياء المشددة، وهو آخر الكلمة كسرُهُ معها واجب، كان الاسم صحيحاً أو معتلاً، أو على أيِّ وجهٍ كان، لا بد من ذلك، وإنما أطلق الناظم عليها ياء واحدة، وهما ياءان في الحقيقة أدغمت إحداهما في الأخرى؛ توسعاً في العبارة لارتفاع اللسان بهما ارتفاعة واحدة، وذلك في باب التغيير قريب، والضمير المرفوع بـ"يليه" عائدٌ على الياء، والهاء في "يليه" عائدة على "ما" ومدلولها آخر الاسم المنسوب.

***

ص: 433

ومثله مما حواه احذِفْ وَتَا تأنيثٍ او مدَّتَهُ لا تُثْبِتَا

وإن تَكُنْ تربَعُ ذا ثانٍ سَكَنْ فقَلْبُها واواً وحَذْفُها حَسَنْ

/ لما ذكر أوّلاً التغييرَ اللازم للاسم المنسوب في كل حال، أردف ذلك بما يلحقه من التغايير التي لا تلزم إلا لموجِبٍ، وذلك أن الأصل فيه ألا يتغير عما كان عليه إلا ما تقدم من التغيير، فكل تغيير زاد على ذلك فإنما هو لعلة، فيُسأل عن سببه، لكن هذا التغيير على ضربين:

أحدهما: تغيير علم من استقراء كلام العرب اطِّرادُهُ وقياسُهُ.

والآخر: تغيير لم يُعلم له اطِّرادٌ، بل عُلِمَ قصره على السماع، وأن غيره هو المطرد.

فأما الأول: فهو الجزء الذي يجب على النحوي التعرض له من حيث هو نحوي، وهو الذي أخذ الناظم في الكلام عليه، وأما الثاني فليس للنحوي من حيث هو نحوي، وإنما هو للُّغويِّ؛ إذ كان شأن النحوي أن يتكلم فيما اطَّرد لا فيما خرج عن باب الاطراد، فإذا تكلم على المطرد علم أن ما خرج عنه مقصور على السماع، فلذلك لم يتعرض له الناظن لا سيما في هذا المختصر، وإنما أشار إليه آخر الباب إشارة على عادته في الإشارة إلى الشذوذات، وقد تعرض النحويون لذكر بعض هذا الذي لم يطرد، وأولهم في ذلك سيبويه،

ص: 434

واتبعه أرباب المطولات، واقتدى بهم بعض أرباب المختصرات كأبي القاسم الزجاجي وغيره، وهم في ذكر ذلك لغويون لا نحويون، فالناظم بقي على طريقته لم يتعدها، وغير أنس بذكر بعض المسموع على جهة التمثيل والتوجيه لما سُمِع، وكل في طريقته على صواب.

وبدأ الناظم بذكر التغيير بالحذف فقال: "ومثله"، الضمير في "مثله" عائدٌ على الياء المشددة، وذكِّرَ اعتباراً بالحرف، و"ما" الموصولة واقعة على الاسم الذي فيه الياء المشددة، والضمير العائد على "ما" هو الفاعل بـ"حوى"، وهاء "حواه" عائدٌ على الياء أيضاً، ونصب "مثله" بـ"احذف"، يعني: أن الاسم إذا كان في آخره ياءٌ مشددة على وجهين:

أحدهما: أن تكون الياء المشددة في أصلها زائدة أي: أن أصلها ياءان زيدتا معاً كما زيدت ياءا النسب معاً، وهو الذي أراد هنا، وإليه أشار بمثاله، فهو قد أعطى قيداً وهو الثاني من القيود؛ إذ قال:"ومثله مما حواه" فقيَّد بالمماثلة، فيقتضي أنهما زائدتان زِيدتا / معاً، وذلك نحو: كرسيّ، وبُختيّ، وقُمريّ، فالحكم الذي أعطاه فيه

ص: 435

أنك تحذف الياء المشددة، ثم تلحق ياء النسب، فتقول في النسب: كرسيٌّ، وبُختيٌّ، وقُمريٌّ، وكذلك إذا لحقته ياء النسب لا بد أن تحذفها؛ إذ صارت بالتسمية مستهلكة المعنى، فأشبهت كرسياً فتحذفها وتلحق ياءَ النسب، إلا أن اللفظ في ذلك كله قبل النسب وبعده واحد، لكن يقع الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن الاسم بعد النسب من قبيل الصفات المشبهة باسم الفاعل، وجارٍ على أحكامها بخلاف ما قبل النسب، فإنه اسم جامد لا عملَ له.

والثاني: أن الاسم بعد النسب مصروف على كل حال، وإن كان قبل النسب غير مصروفٍ، فكراسيُّ، وبخاتيُّ إذا سميتَ بهما، ثم نسبت إليهما قلتَ: بخاتيٌّ، وكراسيٌّ، فصرفت كما تصرف: مدائنيّاً ومَعَافِرِيّاً؛ لأن الياءين الآن غير الياءين اللتين كانتا قبل التسمية، بهذا المعنى استدل سيبويه على أن الياءين بعد النسب غير الياءين قبله، وهو من الأدلة الحِسَان.

وأما الوجه الثاني: وهو ألا تكون الياء المشدد بمنزلة ياء النسب

ص: 436

فلم يُرِدْهُ هنا، وسيذكره بعد، وإنما حُذِفَ الياءان معاً لزوماً، ولم يُفعل بهما ما فُعل بمرميٍّ وبابه؛ لأنهما زيادتان معاً، فيجب أن يحذفا معاً، بمنزلة كل زيادتين زيدتا معاً، ولا يجوز أن يقال: كُرْسَويٌّ، بُخْتَويٌّ، على من قال في "مرمي"/ مَرْمَوِيٌّ؛ لما ذكر، وقد وقع لابن خروف في هذا الموضع من شرح الكتاب أن قياس مَرْمَوِيّ: بُخْتَويّ، وقال في موقع آخر: ومن قال: مَرْمَويّ قال: بُختويٌّ وكُرْسَويٌّ؛ لأنهما ليسا بنسب. وما قاله غير صحيح، وياءا مرميٍّ منفصلتان في الحقيقة؛ لأن إحداهما أصلية، والأخرى زائدة، فالقياس يقتضي ألا تُحذفا معاً، وإنما حذفتا معاً تشبيهاً بكرسيٍّ: معاملة للأصلي معاملة الزائد، فكيف يُعْكس الأمر في المسألة، ويلزم عليه أن يفعلَ مثل هذا في كل زيادتين زيدتا معاً كعلامي التثنية والجمع ونحو ذلك، فالصحيح ما حَتَمَ بع الناظم من لزوم الحذف، وهو مذهب النحويين، ثم قال الناظم:

...

... وتَا تأنيثٍ أو / مدَّتَهُ لا تُثْبَتا

"تا" مقصور على حد قولهم: شربت ما يا هذا، وهو منصوب بـ"لا تثبت"، وقوله:"أو مدته" معطوف عليه، يريد: أن تاء التأنيث ومدَّته لا يجوز إثباتها في النسب، بل تحذفهما فيه بلا بدٍّ.

ص: 437

فأما التاء: فإنها تحذف كما قال، فتقول في النسب إلى طلحة: طَلحيٌّ، وإلى بصرة: بصريٌّ، وإلى غرناطة: غَرناطيٌّ، ولا تقول: طلحَتيٌّ، ولا بصرتيٌّ، ولا غَرناطتيٌّ، وذكر النحويون في توجيه حذف التاء هنا وجوهاً منها: أن تاء التأنيث مع ما لحقته بمنزلة الثاني من المركبين؛ لأنه زيادة على ما قبله ما عدد حروفه، فكما أن ياء النسب لا تلحق بعد الثاني من المركبين، فكذلك لا تلحق بعد تاء التأنيث، وإذا كانوا مما يحذفون في النسب الحرف الأصلي إذا كان خامساً على ما سيأتي - إن شاء الله تعالى - فهذا أولى بالحذف.

ومنها: أن ياء النسب تجتمع مع تاء التأنيث في أن كل واحد منهما يُفرَّقُ به بين الجنس والواحد، فتقول: يهوديٌّ ويهود، وزنجيٌّ وزنجٌ، كما تقول: تمرةٌ وتمرٌ، وشجرةٌ وشجرٌ، وأيضاً فتجتمعان في الدلالة على معنى النسب كمهلَّبٍّ ومهالبةن وبربريٍّ وبرابرة، لما زالت ياء النسب بالجمع صارت التاء عوضاً منها على معناها، وأيضاً - فكل واحدة منهما علامة تلحق آخر الاسم، تنقله عن معناه إلى معنى آخر، وينتقل الإعراب إليها، فلمَّا اشتبهتا من هذه الأوجه حُكِمَ للتاء بحكم الياء، فلم يجمعوا بينهما؛ لأن الجمع بينهما كان يكون كالجمع بين حرفين لمعنى واحدٍ. قال ابن الضائع بعد ما ذكر بعض هذه الأوجه المشابهة: وهذا كما ترى (يعني في الضعف)، قال: وإذ لا بدَّ من تعليل فالأولى ما قال بعضهم: إنَّ الاسم المنسوب

ص: 438

يصير بياء النسب صفة، فتدخله تاء التأنيث إذا جرى على مؤنثٍ، تقول: امرأة تميميَّةٌ، وقَيسيَّةٌ، قال: فلو لم تحذِف من الاسم المنسوب إليه علامة التأنيث، فقيل في النسب إلى فاطمة: فاطمتيٌّ لوجب إذا جرى على مؤنثٍ [أن يقال]: فاطتيَّةٌ، فيجمع بين علامتي تأنيث في كلمةٍ واحدةٍ، فتجنَّبوه، مع أن تاء التأنيث إن كانت للتأنيث في الاسم المنسوب إليه فيصير وزنُهُ يقعُ على المنسوب زال ذلك التأينث له، فيصير حكم الاسم حكم المنسوب لا حكم المنسوب إليه، قال: وحذف تاء التأنيث / من الاسم مطرد لم ينكسر، ولم يشذَّ منه شيء، ولذلك وجب في أختٍ وبنتٍ حذف التاء لشبههما بها، وتركهم الجمع بينهما البتَّة.

وقول الناظم: "وتا تأنيث" يدخل له من حيث العبارة تاء التأنيث في: أخت وبنت كما تقدم له ذلك في باب (التصغير)، إلا أنه قد خصَّهما بالذكر بعد هذا، وحكى خلاف يونس فيهما، فيصير هذا الموضع مقيداً بذلك، فيريد هنا التاء التي هي على أصلها.

وأما مدة التأنيث: فهي الألف التي للتأنيث؛ لأن حقيقة الألف مدَّةُ صوتٍ ناشئةٌ عن الفتحة، فيريد: أنها لا تثبت في النسب أيضاً، بل يجب حذفها على الإطلاق إلا ما يُستثنى من ذلك إثر هذا، وألف

ص: 439

التأنيث لا تكون إلا رابعةً فصاعداً، ولا تقع ثالثة أبداً، وإذا كانت كذلك فهي في الأسماء إما رابعةٌ وإما خامسةٌ وإما سادسةٌ وإما سابعةٌ، وهي الغاية.

فالخامسة لا بدَّ من حذفها، كما ذكر، فتقول في النسب إلى جَحْجَبًى: جَحْجَبِيٌّ، وفي سُمَّهى: سُمَّهِيٌّ، وفي حُبارى: حُباريٌّ، وفي سِبَطرى: سِبَطْرِيٌّ، وما أشبه ذلك.

وكذلك السادسة لا بد من حذفها، فتقول في شُقَّارَى: شُقَّاريٌّ، وفي فَيْضُوْضَى: فَيْضُوضِيٌّ، وفي يَهْيَرَّى: يَهْيَرِّيٌّ، وفي حَوْلايا: حَوْلائِيٌّ.

ص: 440

وكذلك السابعة، فتقول في أربعاوى: أربعاويٌّ، وفي حَنْدَقُوقي: حَنْدَقُوقِيٌّ، وفي بَرْدَرَايا: بَرْدَرَائِيٌّ، وما أشبه ذلك، ولا تثبت الألف، وإنما لم يثبتوا ألف هنا استثقالاً لثبوتها، لو قالوا مثلاً: شُقَّارَوِيٌّ، وفَيْضُوضَوِيٌّ، ونحو ذلك، وأيضاً فإذا كان الحذف في نحو: حُبْلى أحسنَ على ما نص عليه سيبويه، فمن باب أولى أن يكون فيما فوق ذلك أوجب، قال سيبويه: وإنما ألزموا ما كان على خمسة فصاعداً الحذف؛ لأنه حين كان رابعاً في الاسم بمنزلة ما ألفه منه، كان الحذف فيه جيداً، وجاز الحذف فيما كانت ألفه من نفسه، فلما كثر العدد كان الحذف لازماً؛ إذ كان من كلامهم أن يحذفوه في المنزلة الأولى، فإذا ازداد الاسم ثِقلاً كان الحذف ألزمَ.

فأما إذا كانت الالف رابعةً، فقد أعطى كلامه فيها تقسيماً، وهو أن الاسم الذي هي فيه على وجهين:

أحدهما: أن يكون محرك الثاني.

والآخر: أن يكون ساكن الثاني، فقوله:

ص: 441

وإنْ تكُنْ تربَعُ / ذا ثانٍ سَكَنْ

دالٌّ على أن الحكم المذكور إنما هو ثابت فيما لم يكن كذلك، فإذا ما كان منه محرك الثاني، فحكمه حكم ما كانت ألفه فيه خامسةٌ فصاعداً، وهو وجوب الحذف، فتقول في بَشَكَى: بَشَكِيٌّ، وفي مَرَطَى: مَرَطِيٌّ، وفي جَمَزَى: جَمَزِيٌّ، ولا يجوز أن تقول: جَمَزَوٍيٌّ؛ وذلك لاستثقال توالي أربع متحركات، وإذا كان الحذف في نحو: حُبْلَى جيداً كما سيأتي، فالواجب أن يُلتَزم الحذف في نحو: جَمَزَى، وهذا مما جعل النحويون الحركةَ فيه تنزل منزلة الحرف؛ إذ عاملوا نحو: جَمَزَى معاملة نحو: حُبَارى في لزوم حذف الألف.

والوجه الثاني: أن يكون الحرف الثاني ساكناً، وذلك قوله"وإنْ تكُنْ تربَعُ اثانٍ سَكَنْ" إلى آخره، تربُع: معناه تصيِّره ذا أربعة أحرف، ولا يكون الاسم إذ ذاك إلا ثلاثياً، تقول: رَبَعتُ الثلاثة: إذا صيَّرتَهُم أربعة، فيريد: أن الألف التي للتأنيث إذا كانت رابعةً في اسمٍ ساكنِ الثاني فإن لك فيه وجهين حسنين عنده:

أحدهما: قلب الألف واواً في حُبْلَى: حُبْلَوِيٌّ، وفي بُشْرى: بُشْرَويٌّ، وفي ذكرى: ذِكْرَويٌّ، ونحو ذلك، ووجه هذا العمل

ص: 442

إلحاقُ الألف الزائدة بالمنقبلة عن أصل؛ إذ حكمها القلب في الوجه المختار لا الحذف، كما سيذكره إثر هذا، فكما قالوا في مَلْهًى: مَلْهَوِيٌّ، كذلك قالوا في حُبْلَى: حُبْلَويٌّ، وفي حقيقة التدريج إنما قُلِبت حملاً على ألف الإلحاق المحمولةِ على الالف المنقلبة عن الأصل، ولكنَّ سيبويه إنما ذكر ما تقدم، إذ كانت ألف التأنيث قد بنيت عليها الكلمة، والكلمة شبيهةٌ بملهًى ونحوه، في الحركة والسكون وعدة الحروف، فحملوها عليه لذلك.

والثاني: حذف الألف رأساً كالخامسة والسادسة، فتقول: حُبْلِيٌّ، وبُشْرِيٌّ، وذِكْرِيٌّ في: حُبلى، وبُشرى، وذِكرى، ومن السماع في ذلك قولهم في سِلَّى: سِلِّيٌّ، وأنشد سيبويه لساعدةَ بن جؤيَّةَ:

كأنما يقع البصري بينهمُ من الطوائفِ والأعناقِ بالوَذَمِ

وأنشد أو عبيد لأوس بن حجر:

ص: 443

يعْلُونَ بالقَلَعِ البصري هامَهُمُ ويَخرجُ الفَسْوُ من تحت الدَّقاريرِ

فنسب إلى بُصْرَى بالحذف، ووجه الحذف أن الألف زائدة غير أصلة، ولا ملحقة بأصل، فأرادوا أن يفرقوا بينهما، ويجعلوا الحذف حظ الزائد على الإطلاق؛ لأنه أولى به من / الأصلي؛ إذ كان في حذف الأصل خرمُ البنية. هذا تعليل سيبويه بالمعنى، وأيضاً فحُمِلت ألف التأنيث في الحذف على التاء، وقد تقدم وجوب حذفها لاختصاصها بعلةٍ تناسب الوجوبَ بخلاف هذه، فكان الحذفُ فيها جائزاً لا واجباً، وقوله:

فقَلبُهَا واواً وحَذْفُها حَسَنْ

تسويةٌ منه بين الوجهين، وليس في تقديم ما قُدِّمَ ما يُشعر برجحانه، بل الظاهر فيه التسوية بينهما في الاستحسان، إلا أنه معتَرَضٌ عليه من أوجه: أنه ذكر وجهين من ثلاثة، وكان من حقِّه إذا أراد الاقتصار على بعضها أن يقتصر على ما هو أشهر من غيره، ويتركَ الأقلَّ في الاستعمال، وهو لم يفعل ذلك، بل ذكر الأقلَّ، وتركَ ما هو أكثر وأشهر منها، وذلك أن النسب إلى نحو: حُبْلَى

ص: 444

ثلاثة أوجه:

أحدها: الحذفُ، كما تقدم ذكره.

والثاني: إثباتها وزيادةُ ألفٍ قبلها، فتقول: حُبْلاويٌّ، ودِفْلاوِيٌّ، وقالت العرب في النسب إلى دهنا: دَهْناوِيٌّ، وإلى دنيا: دُنْياويٌّ، فرَّقوا بزيادة هذه الألف بين هذه الألف والألف المنقلبة عن أصلٍ، كذا قال سيبويه، وأيضاً فعاملوه معاملة الممدود كما سوَّوا بينهما في الجمع، إذ قالوا في صحراء: صَحَارَى، كما قالوا في حُبْلى: حَبَالَى.

والثالث: قلبها واواً من غير زادة ألفٍ، كما تقدم.

وهذه الأوجه الثلاثة في الجودة والكثرة على هذا الترتيب، فالأول أجودها، ثم يليه الثاني، ثم الثالث، وبهذا الترتيب رتبها سيبويه في الذكر، وأشار المؤلف إلى هذا الترتيب في التسهيل فذَكَرَ الحذف في ألف التأنيث مطلقاً في الرابعة فما زاد، ثم قال:"وربَّما حذفت الألف الرابعة كائنةً لغير التأنيث، وقلبت كائنة له فيما يسكنُ ثانيه، وقد تُزاد ألفٌ قبل بدلها وبدل الرابعة التي للإلحاق"، فجعل

ص: 445

القلب [في] نحو: حُبْلَى نادراً؛ إذ أتى فيه بـ"ربَّما"، وجهل زيادة الألف مع القلب أكثر قليلاً من القلب وحده؛ إذ قال:"وقد"، والتعبير بـ"ربَّما" يعطي من الندور والقلة ما لا يعطيه التعبير بـ"قد"، فهو موافق لما ذكره غيره، فالدَّرَكُ عليه في هذا الموضع من وجهين:

أحدهما: أنه جعل الأقل مساوياً في الحسن للأكثر.

والثاني: أنه ترك ذكر ما هو أكثر من ذلك الأقلِّ /، على أن كلام السيرافي يشعر بأن القلبَ مع إلحاق ألفٍ وعدمِ إلحاقها متساويان؛ إذ قال: إنَّ الأجودَ حُبلِيٌّ ثم حُبلاويٌّ، وقد يعتذرُ عنه بعذرٍ بعيدٍ، وإن كان ممكناً، وهو أن ما ذكر من الوجهين مسموهٌ مقيسٌ، وإن كان أحدهما أكثرَ وأشهرَ من الآخر، لكن ذلك لا يُخرج الآخرَ عن كونه مقيساً، فأطلق عليهما لفظ الحسن بهذا الاعتبار، وأيضاً فهما في النظر القياسي كما قال؛ لأن كل واحد من الحذف والقلب على نظر مستقيمٍ اعتباراً بالشبه بالأصلية، فلا تحذف بل تقلب، أو إلحاقاً للرابعة بما فوقها بخلاف زيادة الالف من غير موجب، فإنه على غير قياس، بل هو شبيه بتغييرات النسب السَّماعية، كقولهم في زبينة: زَبَانيٌّ، وما أشبه ذلك، ومن هنا يخرج الجواب عن الاعتراض الثاني، فإنه لما خرج عن الحكم القياسي لم يعتبره،

ص: 446

وجعله داخلاً تحت قوله:

وغيرُ ما أسْلفتُهُ مقرراً على الذي يُنقَلُ فيه اقتُصرا

ثم أخذ يذكر باقي أقسام الألف؛ لأن الألف في آخر الاسم على ثلاثة أقسام: زائدة للتأنيث، وهي التي فرغ من ذكرها، وزائدة للإلحاق، ومنقلبة عن أصل، وضمهما في كلامه فقال:

لشِبْهِهَا المُلحِقِ والأصلي ما لها وللأصلي قَلْبٌ يُعْتَمَى

والألفَ الحائزَ أربعاً أَزِلْ كذاكَ يا المنقوصِ خامساً عُزِلْ

والحذفُ في اليا رابعاً أحقُّ مِنْ قلبٍ وحَتْمٌ قلبٌ ثالثٍ يَعِنّ

الضمير في "شبهها" عائدٌ على الألف التي تربع الكلمة، وهي التي قال فيها:

وإنْ تكُنْ ترْبَعُ ذا ثانٍ سَكَنْ

فيعني أن ما كان من الألفات الزائدة للإلحاق، أو التي هي أصلية غير زائدة شبيهاً بالالف المتقدمة الذكر قريباً، فإن حكمها في الحذف أو القلب في النسب حكم تلك الألف، إذا وُجد الشبه المشارُ إليه؛ وهو كون الألف رابعة، وقد تقدم هنالك أن فيها وجهين: حذفَ الألف، وقلبها واواً، فكذلك يكون الأمر هنا، فأما الأصلية فنحو: ملهًى، ومغزًى، ومدعًى، ومرمًى، فتعاملها معاملة الزائدة للتأنيث، تشبيها لها بها؛ لأنها رابعة مثلها، قبلها ثلاثة أحرف، وهي أيضاً غير أصل

ص: 447

بنفسها؛ لأن حقيقتها أنها منقلبة عن أصلٍ؛ إذ لا تكون / الألف أصلاً بنفسها، في معربٍ أصلاً، ولذلك يكون قول الناظم:"والأصلي" مجازاً؛ إذ ليس بأصليٍّ، بل هو منقلبٌ عنه، لكن مثل هذا التوسُّع قريبٌ /، وتقول في القلب: مَلْهَوِيٌّ، ومَغْزَويٌّ، ومَدْعَوِيٌّ، ومَرَمَوِيٌّ، فتقلب الألف واواً مطلقاً، وسواءٌ في هذا القلب ما كان أصله الواو أو الياء، كما تقدم تمثيله لاستثقال توالي الياءات، لو قلت في مرمًى: مَرْمَيِيٌّ، وكذلك إذا عاملت في مَدْعًى ومَغْزًى أصلها القريب، وهو الياء؛ لأن حقيقة الألف فيها الانقلاب عن الياء المنقلبة عن الواو لوقوعها رابعةٌ بعد فتحةٍ في اسمٍ على مثال الفعل/ كما سيأتي في التصريف، إن شاء الله تعالى.

فالواو في: مَلْهوِيٌّ بدل من ألفٍ بدلٍ من ياءٍ بدلٍ من واوٍ، وفي مرْمَوِيٌّ بدل من ألف بدلٍ من ياء، وترك الحذف هنا هو الأصل؛ لأن الألف من أصل الكلمة، فالحذف فيها على غير الأصل، قال سيبويه:"فهذا يجري مَجْرى ما كان على ثلاثة أحرف، وكأن آخرُهُ ألفاً مبدَلةً من حرفٍ من نفس الكلمة، نحو: حصًى، ورحًى"، وحكى من هذا في أعيا: أعْيَوِيٌّ، وفي أحوَى: أَحْوَوِيٌّ.

ص: 448

وأما الألف التي للإلحاق فنحو: مِعْزًى، وأرْطًى على من قال: أديمٌ مأروطٌ، وتقول في الحذف: مِعْزِيٌّ، وأَرْطِيٌّ، وإنما حذفت لشبهها بألف التأنيث من الوجه الذي أشبهتها الألف الأصلية، وتزيد عليها ألف الإلحاق بالاجتماع في الزيادة، فتمكن وجه الحذف، وتقول في الإثبات والقلب مَعْزَوِيٌّ، وأرْطَوِيٌّ، وهو الأجود عندهم، ووجهُهُ معاملتها معاملة ما هو منقلب عن أصل؛ لأن الألف هنا في مقابلة الأصل، كما أن الهمزة المنقلبة عن الملحق بالأصل كعِلْبَاءٍ، بمنزلة الألف المنقلبة عن الأصل ككساءٍ، على ما سيأتي ذكره، إن شاء الله. وهذا معنى تعليل سيبويه على ما نقل عن يونس قال:"ولا يكون أسوأ حالاً في ذا من حُبْلَى" يعني أن حُبْلَى قد أُثبتت فيها الألفُ وهي زائدة زيادة محضة لا في مقابلة أصلٍ في أحد الوجهين، فلو لم تثْبت ألف الإلحاق مع أنها في مقابلة أصل لكانت أسوأ حالاً منها، وهو تعليل ظاهر، ولما ذكر حكم هذين الألفين، وأحال بذلك على ألف التأنيث، وكان قد قدم في ألف التأنيث / وجهين على تساوٍ كما تقرر قبل، خاف أن يُتوهمَ مثل ذلك هنا، فبيَّنَ ما أراد من تفضلي أحد الوجهين على الآخر، فقال:"وللأصليِّ قلبٌ يُعْتَمَى" أي: يختار، يعني: أن الألف الأصلي أي: المنقلبَ عن

ص: 449

الأصل، يختار فيه من الوجهين القلب. وأما الحذف فليس بمختار، وما اختاره هو المختار عند غيره؛ وذلك أن سيبويه قرر أولاً في مثل هذا القلب، ثم قال بعد ذلك:"فإن قلت في مَلْهًى: مَلْهِيٌّ لم أر بذلك بأساً"، فجعل الحذفَ تابعاً لما تقدم أولاً أنه الباب وهو القلبُ، وكذلك نصَّ غيره على أنه الأجود، ووجهُهُ ظاهر من جهة كونه أصلاً، بخلاف الزائد؛ فإن الحذف فيه أجودُ من جهة كونه زائداً، وقد تقدم هذا المعنى، وهذا في الأصلي.

وأما الملحق فلم يختر فيه هنا شيئاً، فالظاهر أنه الوجهين فيه عنده متساويان أو مسكوتٌ عنهما كما تقدم تفسيره عند قوله:

فقَلبُهَا واواً وحَذْفُها حَسَنْ

ولا شك أن الحذف في ألف الإلحاق أمثلُ منه في الأصلية، والإثباتُ فيها أجودُ منه في ألف التأنيث، وإحالته في الألفين معاً على ما تقدم من الوجهيم في ألف التأنيث، يؤذِنُ بأن الوجه الثالث فيهما غير معتبرٍ عنده، أما في ألف الإلحاق فلأنه لم يحكِ فيه سيبويه أرْطاويٌّ، وإنما حكاه أبو علي عن أبي زيد الأنصاري، فهو على

ص: 450

الجملة قليلٌ، وأما في الألف الأصلية فلم يُسْمَع، وإنما قاسه السيرافي على مسألة حُبْلاوي، فأجاز: مَلْهَاوي، قالوا: وهو قياس ضعيف، فلم يتعرض الناظم لهذا الوجه لما فيه من مخالفة القياس، ولقلته أو عدمه سماعاً، ويقال: اعتَمَيتُ الشَّيءَ بمعنى: اخترتُهُ، قال الجوهري: وهو قلب الاعتيام، فيقال: اعتام الرجل: إذا أخذ العِيمَةَ بالكسر، وهو خيال المال، ورجلٌ عَيْمَانُ أيْمَانُ أي: ذهبت إبِلُهُ، وماتت امرأتُهُ.

ثم يتصدى النظر إلى كلام الناظم هنا من جهة أن ما تقدم من الحكم في هذه الألف الأصلية والملحقة هو غيرُ مقيَّدٍ عند النحويين بشيء، غير بكون الألف رابعةً خاصةً، وقد نص عليه، والناظم قد أحال به على ما يعطي بنصه قيداً ثانياً زائداً إلى الأول، وذلك أنه أحال على قوله أولاً:

وإن تَكُنْ تربَعُ ذا ثانٍ سَكَنْ

وهذا له قيدان: / كون الألف رابعةً، وكون الاسم الذي هي فيه

ص: 451

ساكنَ الثاني، وإذا كان كذلك فهو قد قال بعد:

لشِبْهِهَا المُلحِقِ والأصلي ما لها

...

...

...

والشبهُ إنما يكون مع استيفاء كلا القيدين، لكن قيد سكون الثاني غير معتبرٍ في المشبَّه أصلاً، بل الحكم كذلك، ولو فرَضْتَهُ مُحرَّكَ الثاني، فظهر الخلل في هذه الإحالة التي أحالها.

والجواب: أن يقال: إنما نلتزمُ أولاً القيدين معاً، ونقول: لا بدَّ منهما وإن لم يذكر النحويون الثاني منهما، وذلك أن ما فيه الألف رابعةً إذا كانت للتأنيث فإن سكون الثاني وتحريكه موجودٌ فيه، كما تقدم، نحو: مرطًى، وحُبْلًى؛ إذ لا يلزم على ذلك محذورٌ بخلاف ما إذا كانت أصليَّةٌ أو ملحَقَةً، فإن تحريك الثاني غير موجودٍ في كلام العرب لما يلزمُ عليه من توالي أربع حركات في كلمة واحدة، وقد حصر الناظم أبنية الرباعي في أول التصريف، فلم يذكر فيها نحو: جَعَفَرٍ، وإنما يأتي ذلك لعارض حذفٍ كعُلَبْطٍ وذَلَذِلٍ، أو زيادة في تقدير الانفصال كشجرةٍ، وأما أن يأتي في أصل بناءٍ فلا، فنحو:

ص: 452

ملْهًى، الألف فيها منقلبةٌ عن حرفٍ متحركٍ، وألف أرطًى في مقابلة متحرك، فلو قدَّرنا تحريك الثاني منهما، لكان تقديراً لوجود أربع حركات متوالية في بناءٍ أصليٍّ.

فإن قلتَ: قد توالت أربعُ حركاتٍ في نحو: مَرَطًى؛ لأن ألف التأنيث لا بدَّ من تقدير الإعراب فيها فتساويا، فلِمَ نفيتَ ذلك عن الوجود؟ فهذا ليس من المعاني المرادة في هذا الباب، وإنما موضعها التصريف، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

فإذا ثبت ذلك لم يضرنا التقييد بسكون الثاني، إذ ليس ثمَّ متحركٌ يُتَوَهَّمُ مخالفةُ حكمه لهذا الحكم، وعلى هذا نقول ثانياً: إنَّ ذلك القيدَ في كلامه غيرُ معتَبَرٍ؛ إذ ليس ثَمَّ ما يتحرزُ به منه بنصِّ كلامه في حصر الأبنية في التصريف، فكلامه مفسَّرٌ بكلامه، فرجع الأمر إلى ما ذكره النحويون من إهمال قيدِ سكون الثاني، والاقتصار على اعتبار القيد الآخر، وكل ما تقدم إنما هو فيما إذا كانت الألف رابعةً، فإن زادت الأحرفُ قبلها بأن تكون خامسةً، فذلك قوله:

والألِفَ الحائِزَ أربعاً أَزِلْ

الألف منصوبٌ بأزِلْ، أي: / أزِلِ الألفَ الحائزَ أربعاً، والأربع أتى به مؤنثاً، والمراد الأحرف؛ لأن ذلك جائز، وقد تقدم مثلُهُ، والاستشهاد عليه، والحائز للشيء هو الذي يضمُّه إلى نفسه، وكل من ضمَّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه حوزاً وحِيازةً واحتازه أيضاً، وأصلُهُ

ص: 453

الجمع، فالألف الحائز في كلامه هو الذي جمع إليه أربعة أحرفٍ، فيكون هو الخامس، يريد: أن الألف إذا كانت خامسة في الكلمة، فإن حذفها في النسب واجبٌ مطلقاً؛ لقوله:"أزِل"، ولم يقيد ذلك بقيدٍ، ولا ذكر وجهاً آخر من الإثبات، والألف في كلامه هي: ما عدا ألف التأنيث، فإن ألف التأنيث قد تقدم ذكرها، فلا وجه لإعادة ذكرها، فبقي ما كان من الألفات دون ذلك، فالأصلية نحو: مُرَامًى، ومُشْتَرًى، ومُقْتَنًى، تقول في النسب إليه: مُرَامِيٌّ، وفي مُشْتَرًى: مُشْتَريٌّ، وفي مُقْتَنًى: مُقْتَنِيٌّ، ونحو ذلك، والملحقة نحو: حَبَرْكًى، وجَلَعْبًى، وحَبَنْطًى، تقول فيه: حَبَرْكِيٌّ، وجَلَعْبِيٌّ، وحَبَنْطِيٌّ، فتحذف ولا تثبتها أصلاً، وإنماحذفت، وقد كان لإثباتها وجهٌ لمكان الأصلية، أو مقابلة الأصلي، استثقالاً للكلمة مع ثبوتها؛ إذ كانوا قد حذفوا الرابعة جوازاً في مَلْهًى وحُبْلَى، فليجب هنا؛ لأنها خاسمة، فالثقل مع إثباتها أكثر، وأيضاً فشبهوا هذه الألفات بألف التأنيث فحذفوها، كما حذفوها، وعلَّةُ الحذف في ألف التأنيث متمكنة وحملوا هذه عليها؛ إذا كان من شأنهم تشبيه الشيء بالشيء، وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء، وأيضاً فقال يونس

ص: 454

وسأله سيبويه عن المسألة: لو قلتَ: مُرَامَوِيٌّ لقلتَ في حبارى: حُبارَوِيٌّ، يعني: أنه كان يجب أن تحمل ألف التأنيث على الأصلية في الإثبات كما أجازوا في حُبْلَى: حُبْلَوِيٌّ، حملاً على قولهم في مَلْهًى: مَلْهَوِيٌّ، ثم قال: ولو قلتَ ذا لقلتَ في مُقْلَوْلًى: مُقْلَولَوِيٌّ، وهذا لا يقوله أحدٌ؛ إنما يقولون: مُقْلَوْلِيٌّ كما تقول: في يَهْيَرَّى: يَهْيَرِّيٌّ، يعني: لو لم تستثقل الخامسة، فأثبتها لم تستثقل السادسة، ولا يقول هذا أحدٌ من العرب قال: فإذا سُوِّيَ بين هذا رابعاً وبين ما الألف فيه زائدةٌ، نحو: حُبْلَى، لم يجز إلا أن تجعلَ ما كان من نفس الحرف إذا كان خامساً بمنزلة حُبَارَى، ثم يتعلق النظر هنا في مسألتين:

إحداهما: / أن ما ذكر من الحكم في الألف الخامسة حكم مطلق لم يقيد بشيء، وهذا مذهب الجمهور، وذهب يونس إلى التفرقة بين أن يكون ما قبل الألف مشدداً أو لا، فإن لم يكن كذلك فالحكم ما تقدَّم، وإن كان ما قبلها مشدداً نحو: مُثَنًّى ومُعَلًّى

ص: 455

ومُعَدًّى، وما أشبهه مما الألف فيه أصلية، فحكمه عنده حكم ما الألف فيه رابعة، نحو: مِعْزًى، ومُعْطًى، فيجوز فيه الوجهان على ما تقدَّم، ولا يلزم الحذف، أما إن كانت الألف فيه زائدةً نحو: زِمِكَّى، وعِبِدَّى، فإن السيرافي قد أشار إلى أن مذهب يونس فيها كمذهب غيره، ولذلك ألزمه سيبويه أن يقول في عِبِدَّى: عِبِدَّوِي، كما جاز في حُبْلَى: حُبْلَويٌّ، وذلك أن يونس اعتبر الصورة في الدال وهي صورة لحرف واحد، وأن اللسان يرتفع بالمدغم ارتفاعةً واحدةً فأُجريَ مُجْرَى الحرف الواحد، قال سيبويه: "ينبغي له أن يجيز في عِبِدَّى: عِبِدَّوِيٌّ، كما جاز في حُبْلَى: حُبْلَوِيٌّ، ثم ألزمه أيضاً أنه إن سمَّى رجلاً باسمٍ مؤنث على وزن معَدٍّ مدغم أن يصرفه كما يصرف قَدَماً اسم رجل، فيجعل المدغم كحرف واحد، وهو

ص: 456

إلزامٌ من سيبويه صحيح، ثم بين سيبويه أن الحرف المدغم حرفان لا حرف واحد، وكذلك هو في بناء الشعر مسحوب بحرفين. وقد انتصر الفارسي ليونس، وأجاب عمَّا ألزمه سيبويه، فانظر فيه ثَمَّة.

فالناظم لمَّا لم يفرق في هذه الألف اقتضى أن مذهبه مذهب الجماعة، وكذلك مذهبه في "التسهيل".

والمسألة الثانية: فيما يقتضيه هذا النظم في الألف السادسة والسابعة، والذي يظهر أولاً أنه سكت عن حكم ذلك اتكالاً على فهم حكمه مما تقدم؛ لأنه إذا كان حكم الخامسة وجوبَ الحذف، فمن باب أولى أن يكون الحذف ثابتاً للسادسة والسابعة، وهذا المنزَع ظاهر، وقد يقال إن حكم السادسة والسابعة نصوصٌ عليه بحسب مقتضى اللفظ، وذلك أن الألف الحائزة للخمسة فصاعداً حائزة للأربعة، وهو قد قال:

والألِفَ الحائزَ أربعاً أَزِلْ

فاقتضى محصول هذا اللفظ الحذف في الحائز للخمسة لأنه ما كان حائزاً لها إلا وهو حائز لما تحتها، فهذا أيضاً قد يقال، وهو منزَعٌ لفظيٌّ، / والأول منزَعٌ معنويٌّ.

ص: 457

والمسألة الثالثة: وهي أن لفظه يدخل له تحته ألف التكثير، فيكون حكمها الحذف، وذلك أنه قال:"والألف الحائز أربعاً"، فدخل تحته كل ألف إلا ما قدم من ألف التأنيث. والألفات أربعُ أنواع: ألف التأنيث، وألف الإلحاق، والألف الأصلية، وألف التكسير، نحو: قَبَعْثَرًى، وضَبَغْطَرًى، فتقول فيه: قَبَعْثَرِيٌّ، وضَبَغْطَرِيٌّ بمقتضى لفظه، وهو صحيح، ووجه الحذف ما تقدم من الاستثقال مع أنها زائدة، فهي أولى بالحذف من الأصلية كألف التأنيث، ثمَّ لما أتمَّ الكلا على الألف انتقل منها إلى حكم الياء فقال:

كَذَاكَ يا المنقوصِ خامساً عُزِلْ

إلى آخره. المنقوص في كلامه المراد به ما كان آخره ياء قبلها كسرةٌ، وهو عند المتأخرين المنقوص بقياس، وذلك لنقصان يائه إذا التقت ساكنةً مع التنوين، نحو: قاضٍ، وغازٍ، وإذا ثبت هذا عَلِمَ أن النحويين يقسمون الاسم ههنا إلى أربعة أقسام:

أحدها: ما كانت الياء فيه ثانيةً، نحو: في زيدٍ، وذي مالٍ، وشِيَة، وما أشبه ذلك.

والثاني: ما كانت الياء فيه ثالثة، نحو: عَمٍ، وشَجٍ.

ص: 458

والثالث: ما كانت فيه رابعةً نحو: قاضٍ وغازٍ وداعٍ.

والرابع: ما كانت فيه خامسةً فصاعداً، نحو: مُشَترٍ، ومُهْتَدٍ، ومُسْتَدْعٍ، ومتقاضٍ، وما أشبه ذلك، ولكلِّ واحد من هذه الأقسام حكمٌ مختصٌّ به ذكروه، والناظم إنما ذكر هنا ثلاثة أقسام، وهي: ما كانت الياء ثالثة وما بعده، ولم يذكر الأول هنا، بل ذكره قريباً من آخر الباب في قوله:

وَضَاعِفِ الثاني مِن ثُنَائِيّ ثانِيهِ ذُو لينٍ كَلَا ولَائِيّ

إلى آخر المسألة.

وكان من حقه أن يذكره هنا، كما فعل غيره من هؤلاء المتأخرين، لكن اتبع الناظم في ذلك لفظ المنقوص، وذلك أن ما الياء فيه ثانيةٌ ما حُذف منه حرفٌ فصار لذل ثنائياً كشِيَةٍ، أصله: وِشْيَةٌ، وفي زَيدٍ، أصله: فو زَيدٍ، وفا زَيدٍ، وذو مال، وذا مال، فكأن الناظم لم يأت هنا إلا بما دخل تحت لفظ المنقوص، ثم ذكر الثنائي على حده، وأما من أتى / من النحويين بأربعة الأقسام، فإنا أتى بها من حيث قَسَمَ ما آخره ياء، لا المنقوص المصطلح عليه، فكلٌّ اتبع طريقاً صحيحاً.

وبدأ الناظم بالخماسي، وهو الذي الياء فيه خامسةٌ فقال:

كَذَاكَ يا المنقوصِ خامساً عُزِلْ

وقد دخل له بالمعنى ما فوق الخماسي؛ لأنه إذا كان الحذف

ص: 459

يتوجّه على الياء خامسةً للاستثقال، فأولى أن يتوجّه إذا كانت سادسةً، ويعني: أن الياء التي قبلها كسرة إذا كان قبلها أربعة أحرف فوقعت خامسة، فإنها تُعزل في النسب؛ أي: تحذف وجوباً، فتقول في مشترٍ: مُشْتَرِيٌّ، وفي مُعْتَدٍ: مُعْتَدِيٌّ، وفي منقض: منقضيٌّ، ونحو ذلك، ولا تقول: مشتَرَوِيٌّ، ولا مُعتَدَوِيٌّ، ولا مُنقَضَوِيٌّ، وفي صحارٍ: صحاريٌّ، وفي ثمانٍ: ثمانيٌّ، وفي يمانٍ: يمانيٌّ، إذا سميتَ بذلك كله، إلا أن الحذف في ثمانٍ ويمان على غير جهة الحذف في صحارٍ ومشترٍ، كما سيذكر، وكذلك تقول في مستدعٍ: مستدعيٌّ، وفي متقاضٍ: متقاضيٌّ، وما أشبه ذلك، ولا تبقي الياء؛ لِمَا في بقائها من الثقل، ولِمَا في الياء من السكون مع سكون ياء النسب الأولى فيلتقي ساكنان، والقلب لا يكن؛ لأنه لا يكون إلا مع فتح ما قبلها، وهو غير جائزٍ؛ إذ لا موجب له، وأما الفتح في تغلَبيٌّ فله وجهٌ، على أنه مسموعٌ على ظاهر كلام الخليل، كما سيذكر بحول الله تعالى، ولا يمكن أيضاً تحريك الياء بالكسر؛ لما في ذلك من الثقل، كذلك لم يجيزوا في رحًى: رحَيِيٌّ، فلم يبق إلا الحذف فحذفوها، وأما ياء يمانٍ فهي ياء نسب، فوب أن تحذف لدخول ياء النسب الطارئة، كما تقدم ذكره، وياء ثمان لاحقةٌ في الحكم

ص: 460

بيمان، وكلامه شامل لهما من جهة أنهما كالاسم المنقوص فدخلا في حكمه، و"عُزل" معناه: نُحِّي وأزيل، يقال: عزلتُهُ عن العمل والولاية أي: أزلته ونحَّيتُهُ، ثم قال:

والحذفُ في اليا رابعاً أحقُّ مِنْ قلبٍ

...

...

...

وهذا هو القسم الثاني من أقسام المنقوص، وهو ما كانت الياء في رابعة، فيعني: أن المنقوص إذا كان رباعياً وقعت الياء فيه رابعةً، فإن لك فيه وجهين:

أحدهما: حذف الياء وجعله أحق وأولى، فتقول في قاضٍ: قاضيٌّ، وغازٍ: غازيٌّ، وفي داعٍ: داعيٌّ، وحكى سيبويه أنهم قالوا في رجل من بني ناجية: ناجيٌّ، ومثل ذلك لو / سميتَ بيَرْمِي ويقضي لقلتَ: يرمِيٌّ ويقضِيٌّ، وأنشد سيبويه لعلقمة بن عَبْدَة:

كأسُ عزيزٍ من الأعنابِ عتَّقها لبعضِ أربابها حانيَّةٌ حُومُ

ص: 461

وذكر أنه أضاف إلى مثل: ناجية وقاض، قال السيرافي: ذكر بعض أصحابنا أنه يقال: حانيَّة للموضع الذي تباع فيه الخمر كناحية، قال السيرافي: والمعروف حانة، كما قال الأخطل:

وخمرةٍ من جبال الروم جاء بها ذو حانةٍ ماجدٌ أكْرِمْ بها حَانَا

ووجه هذا الحذف ما تقدم من سكونها فتلتقي ساكنة مع ياء النسب، وذلك لا يجوز، وأيضاً تحريكها بالكسر لا يجوز لثقله، فحذفوا لأجل ذلك.

والوجه الثاني: وهو الوجه المرجوح قلب الياء واواً، ولا يدفع ذلك من تحويل كسرة ما قبل الياء فتحةً فتقول: قاضَوِيٌّ، وداعَوِيٌّ، وأُمَوِيٌّ، وما أشبه ذلك، وكذلك تقول في يرمي: يرمَويٌّ، ونظيره ما أنشده سيبويه من قول الشاعر:

فكيف لنا بالشُّربِ إنْ لمْ تكنْ لنا دوانِقُ عند الحانَوِيِّ ولا نَقْدُ

وهذا الوجه محمول على من قال في تغلب: تغلَبِيٌّ، وفي يثرب:

ص: 462

يَثْرَبِيٌّ، فكأن قاضياً وغازياً مثل: يثرب وتغلب، وهم قد فتحوا ما قبل الآخر لتوالي الكسرات مع عدم الاعتداد بالساكن، فصار كنَمَرِيّ وشَقَرِيَ في نَمِر وشَقِر، فكذلك قاض ونحوه، تُقلب كسرته فتحة، فتنقلب ياؤه واواً، وقولهم: تغلَبِيٌّ ليس بكثير ولا بلغ عند سيبويه مبلغ القياس، ولذلك قال فيه: إلا أن ذا ليس بالقياس اللازم، وإنما هو تغيير، يعني بالتغيير: التغيير الشاذُّ كسُهْلِيٍّ ونحوه، وهو عند المبرد قياسٌ، لأنه لا يعتدُّ بالساكن، ولمَّا كان قاضويٌّ مفرعاً على ذلك كله، كان وزانه في القلة وعدم الاطراد، فلذلك صار مرجوحاً عند الناظم.

وبعد فهاهنا نظران:

الأول: أن الناظم جعل الحذف في المنقوص المذكور هو الأجود على الإطلاق؛ إذ لم يستثن من ذلك شيئاً، وليس كذلك عند غيره؛ لأنهم يقولون: إذا تحولت كسرة ما قبل الياء فتحةً قياساً على تغلَبِي، انقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فيصير في التقدير: قاضَيّ وغازَيّ، فمن قال في ملهًى وبابه: ملهَوِيٌّ، قال في هذا: قاضَويّ وغازَويّ، وهو أحسن الوجهين، ومن قال في ملهٍى: ملهِيٌّ /

ص: 463

فحذف حملاً على باب (حُبلى)، قال في هذا: قاضِيٌّ وغازيٌّ، وهو أضعف الوجهين، قالوا: فقد صار قاضِيٌّ على وجهين - أحدهما أحسن الأوجه الثلاثة وهو الأصل -: الأول والثاني، والوجه الثالث وهو أضعفها، وهو فرع الفرع، والوجه الثاني فرعٌ بين أصل وفرعٍ، هذا ما قالوه، فإذن ليس قولهم: قاضيٌّ بأحقَّ على الإطلاق من قاضَوِيٍّ، والناظم قد أطلق القول بأنه أحق، فهو مشكل، والجواب: أن هذه الطريقة جرى عليها ابن أبي الربيع وبعض المتأخرين، وإنما قالوا ذلك بالقياس، وأما غيرهم فعلى ما قاله الناظم من إطلاق القول براجحية الحذف، وقد يقال: لا يلزم من كون قاضٍ إذا صار بعد التحويل على قاضًى تقديراً أن يجريَ مجرى ملهًى في جميع وجوهه، وإنما ذكر سيبويه جريانه مجرى تَغْلَبِيٍّ في القلب لا في الحذف، فلنقتصر عليه حتى يقوم دليل على غير ذلك.

والنظر الثاني: أن المنقوص في باب النسب على وجهين:

أحدهما: أن يكون مستعملاً قبله، وهذا هو الباب والأعمُّ كقاضٍ وغازٍ ومستدعٍ، ونحو ذلك، وحكمه ما تقدم.

والثاني: أن يكون مقدراً في باب النسب خاصة لم يستعمل في

ص: 464

غيره، وذلك يتصور في كل اسم كان آخره واواً قبلها ضمة، إلا أنه لم يرفض لبناء الكلمة على تاء التأنيث كقَلَنسُوَةٍ، وقَمَحدُوَةٍ، وقَرْنُوَةٍ لنبْتٍ يُدبغ به، وعَرْقُوَةٍ، ونحو ذلك، فهذا إذا أرادوا النسب إليه فلا بدَّ من حذف التاء كما تقدم، فيصير اسماً آخره واوٌ قبلها ضمة فلا بد أن يرجع إلى القياس من قلب الضمة كسرة والواو ياء فيصير في التقدير قَلَنْسٍ، وقَمَحْدٍ، وقَرْنٍ، وعَرْقٍ، كما قالوا: أدْلٍ، وأجْرٍ، وإذا صار كذلك كان حكمه حكمَ المنقوص في الاستعمال، إن كانت الياء خامسةً، فلا بد من حذفها، فتقول: قَلَنْسِيٌّ، وقَمَحْدِيٌّ، وإن كانت رابعة فالوجهان، فتقول في الأجود: عَرْقِيٌّ، وقَرْنِسٌّ، وفي غيره: عَرْقَوِيٌّ، وقَرْنَوِيٌّ، وقد نص السيرافي على جواز ذلك في: عَرْقَوِيٍّ، وحكاه سماعاً في قَرْنَوِيٍّ، وإذا ثبتَ هذا وأن المنقوص / تقديراً كالمنقوص تحقيقاً، فقد يقال: إن الناظم لم يتعرَّض له، وإنما تكلم في المنقوص المستعمل، وترك غيره لبعد فهمِه من كلامه، إذ لا يسبق الذهب في المنقوص إلا إلى المستعمل،

ص: 465

وقد يقال: إنه قصد ما هو أعمُّ من المستعمل؛ إذ كان المقدَّرُ النقص منقوصاً، وعليه يجري حكمه، والقياس مؤدٍّ إليه، ويطلق عليه لفظ المنقوص؛ لأنه مما آخره ياءٌ قبلها كسرةٌ، أعني: عند النسب إليه، وإذا حملناه على هذا، كان أكثرَ فائدةً وأقربَ إلى مقاصد الناظم في الحصر والاستيفاء للقوانين مع الاختصار، والله أعلم.

ثم قال:

وحَتْمٌ قلبُ ثالثٍ يعِنّ

هذا هو القسم / الثالث من أقسام المنقوص وهو ما كانت الياء فيه ثالثة، فيريد أن الياء إذا وقعت في المنقوص ثالثة، فإن القلب فيها واواً حتمٌ لازمٌ لا يجوز غيره، فلا تحذف فيه الياء كما حذفت فيما تقدم، فتقول في شجٍ وعمٍ ورَدٍ: شَجَوِيٌّ، وعَمَوِيٌّ، ورَدَوِيٌّ، وكذلك ما أشبهه، ووجهه أنه لما كان هذا القسم من باب نَمِرٍ وشَقِرٍ يجب أن تحوَّلَ كسرتُهُ في النسب فتحةً وياؤُهُ الفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ما سيأتي، صار من باب المقصور الذي الألف فيه ثالثة، فقد تقدم منه الحذف فيه ووجوب القلب، فكذلك هذا، وتقول عنَّ الشيءُ لي يعنُّ بالكسر، ويَعُنُّ بالضم عنّاً، أي: اعترضَ لي، يقال: لا أفعله ما عنَّ في السماء نجمٌ، أي: ما عرَضَ، ورجلٌ مِعَنٌّ، وامرأةٌ مِعَنَّةٌ من ذلك.

واعلم أن الثلاثي المقصور، نحو: عصًى ورحًى لا يدخل له هنا،

ص: 466

ولا يشمله لفظ ثالث، وإن كانت الألف ثالثة؛ لأن "ثالثاً" في كلامه على حذف الموصوف، فإما أن يقدر الياء حتى كأنه قال: وحتمٌ قلب ياء ثالثٍ، وإما أن يقدر الحرف المعتلُّ كأنه قال: قلبُ معتلّ ثالث، أما الأول فصحيح، ومما يدل عليه ما قبله؛ إذ قال:

والحذفُ في اليا رابعاً أحقُّ مِنْ قلبٍ

...

...

...

فهذا حكم الياء الرابع، وقد تقدم حكم الخامس، فلم يبق إلا الثالث فذكره، وأما الثاني فلا دليل عليه، فوجب اطَّراحه، وعلى هذا يبقى له حكم المقصور الذي ألفه ثالث، فانظر من أين يؤخذ له الحكم فيه، وإلا فمسألته ناقصة، / والله أعلم.

ولما حكم على الياء الثالثة بوجوب القلب واواً ثم ما يلزم عن ذلك من فتح ما قبل ذلك المنقلب؛ إذ لا يمكن بقاءُ الواو مع كسر ما قبلها، فقال:

وأولِ ذا القلبِ انفِتَاحاً وفَعِلْ وَفِعِلٌ عينُهما افْتَحْ وَفُعِلْ

ذو القلب هو الياء الذي حكم عليه بالقلب أي: اجعل الفتح والياء للياء المنقلب واواً، وقد تقدم تمثيله، إلا أن في كلامه ما يظهر منه عكس القياس الصناعي، وذلك أنه حكم أولاً بقلب الياء واواً، ثم ذكر أن الحرف المنقلب إلى الواو لا بدَّ من إيلائه الفتح، فحصل من كلامه أن القلب كأنه سابقٌ على الفتح لاحقٌ بالحرف المقلوب، هذا ظاهر ما يفهم من كلامه، وهو مفهوم على غير وضع الصناعة

ص: 467

وغير ممكن فيها، ؛ لأن القلب إذا فرض حصوله قبل الفتح لم يمكن استقراره لمكان الكسر قبل الواو، والواو لا تثبت معه، فلا بد من رجوعها إلى أصلها من الياء؛ لأنها المناسبة للكسرة. فحصل نقض الغرض من القلب واواً، بل وضع الصناعة فيه ما قالوه من أنَّ "شجٍّ وقاضٍ" ونحوهما لما عُلِمَ أن الياء تلحقه أعني: ياء النسب، فتصير ياؤه مكسورة في التقدير، فتتوالى كسرتان، فيلحق بباب نَمِر ونحوه، عمِلوا على إزالة هذا العارض من النقل، فحوَّلوا كسرته الأولى فتحة، فانقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار في التقدير شجًى كفتًى ورحًى وما أشبه ذلك، ومن شأن النسب إلى مثل هذا أن تقلب الألف فيه واواً لا ياءً، لما يلزم من الثقل باجتماع الياءات والكسر، فكذلك العمل في شجٍ، هذا وجه الصناعة عندهم، وهو سبق تحويل الكسرة فتحة لقلب الياء واواً، وهو الجاري على الأمر المعقول والمتعارف لا ما ظهر من كلامه - وأيضاً - فليس القلب في هذه الياء كما قال، بل انقلبت الياء ألفاً لوجود موجب القلب، ثم انقلبت الألف واواً؛ لأنهم إنما يغيرون ما يغيرون في الاسم قبل لحاق ياء النسب في التقدير، فكل ما أمكن لحاقُهُ من الإعلال قبل لحاقها فلو استعمل كذلك دون ياء، فهو الذي يلحقونه في الاسم المنسوب، ألا ترى إلى ما تقدم من كلامهم في عَرْقُوَة، وقَمَحْدُوَة، ونحوهما، وقد نصوا على أن النسب إلى عَبَايَة، وهِرَاوَة، ونحوهما، / مما يبنى

ص: 468

على التاء: عَبَائيٌّ وهَرَائيٌّ بالهمز لما كانوا يقدرون حذف التاء قبل لحاق ياء النسب، واستعماله على ذلك وتقدير الاستعمال كذلك موجب لقلب الواو والياء همزةً لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة، هذه قاعدة معلومة لسيبويه وغيره في باب النسب، وفي باب جمع التكسير، وغير ذلك، ولا أحد يمنعها فيما أذكره، فكيف يجعل الواو هنا منقلبة عن الياء من غير ذلك التدريج المذكور، فهذا أيضاً عدم اعتبارٍ لقوانين الصناعة ووجوه التعليم.

والجواب عن الأول: أنه لا يتعيَّنُ من كلامه سَبْقِيَّةُ قلب الياء واواً لتحويل الكسرة فتحةً؛ لأنه معطوف عليه بالواو التي لا تقتضي ترتيباً، كما نص هو عليه في باب العطف، وأما قوله:"وأَوْلِ ذا القلب" فلا يقتضي أيضاً حصول القلب إلى الفتحة، إذ لم يمكن أن يسمَّى ذا القلب مع عدم حصوله في الوقت؛ لأنه سيحصل بعد

ص: 469

ذلك، كما لو قلت: وأوْلِ الياء التي ستقلب واواً فتحت؛ ليكون هو المسوِّغَ لقلبها، وإذا أمكنَ حملُهُ على هذا لم ينبغِ حملُهُ على غير تحصيل.

والجواب عن الثاني:

إن انقلاب الواو عن الألف المنقلبة عن الياء مسوِّغٌ لأن يقال: انقلبت عن الياء، وإلغاء الواسطة في اللفظ وإن كان الأصلُ النطقَ بذلك، اختصار تلك لا يضر، وأيضاً فذلك تقديري، والظاهر عدم الواسطة، ومن عادة الناظم اعتبار الظاهر في كتبه، والبناء على ذلك، ولا شك أن الظاهر قلب الواو عن الياء وأن لا واسطة، ثم قال:

...

... وَفَعِلْ وَفِعِل عينَهُما افْتَحْ وَفُعِلْ

يعني أن هذه الأبنية الثلاثة وهي (فَعِل) على كَتِف، و (فِعِل) على وزن إِبِل، و (فُعِل) على وزن دُئِل، إذا نسبتَ إلى ما كان من الأسماء على وزنها فلا د من فتح عينها، فيصير (فَعِل) إلى (فَعَل) كطَلَل، و (فِعِل) إلى (فِعَل) كعِنَب، و (فَعِل) إلى (فُعَل) نحو صُرَر، فتقول في نَمِر: نَمَري، وفي كَتِف: كَتَفي، وفي شَقِر: شَقَريّ، كأنك نسيتَ إلى نَمَر وكَتَف، وتقول في إبل: إِبَلي، كأنك نسبتَ إلى إِبَل،

ص: 470

وتقول في دُئِل: دُؤَلي، ومن ذلك: أبو الأسود الدؤلي، وفي رُئِم: رُؤَمي كأنك نسبتَ إلى دُؤَل ورُؤَم، وكذلك إذا سميتَ بضُرِبَ أو قُتِلَ، تقول فيه: ضُرَبي وقُتَلي، ووجه ذلك أنها لو تركت كسرتها غير محوَّلة / لكان الثِّقلٌ أغلبَ على الكلمة من حيث توالت فيها الحركاتُ، واجتمع فيها كسرتان متواليتان، وياءان، ولم يبق من الكلمة غير مكسور إلا حرف واحد، فكان ذلك أثقلَ عليهم، ولذلك حولوا الكسرة فتحة، وأما (فَعُل) و (فُعُل) فلم يذكر الناظم فيهما، ولا فيما كان نحوهما تغييراً، فدل بذلك على بقائها على أصلها، فتقول في سَمُر: سَمُري، وفي طُنُب: طُنُبي، قال سيبويه:"وإن أضفتَ إلى (فَعُل) لم تغيره؛ لأنها إنما هي كسرة واحدة، كلهم يقولون: سَمُري"، يعني: يبقونه على حاله، وهنا مسألتان:

إحداهما: أنه إنما ذكر في هذا التحويل والقلب ما كان على ثلاثة أحرف، وترك ما كان على أكثر من ذلك، ولم ينصَّ على حكمه مع تأكُّدِ النظر فيه، فدل ذلك من قصده على أنه يبقى على أصله دون تغيير، وإن توالت فيه كسرتان مع الياءين وذلك إذا كان

ص: 471

الاسم رباعياً نحو: تَغلِب، فإنه يقتضي أنه تبقيه على أصله، وإن توالت الكسرتان فتقول فيه: تَغلِبي، وكذلك إذا سميتَ بتَضْرِبُ تقول فيه: تضرِبي، وهذا أحد الوجهين فيه، وهو أجودهما، بل هو القياس والأصل عند سيبويه والخليل والجمهور، ووجه ذلك: أن الثقل بتوالي الكسرات لم يغلب على الكلمة لمكان الساكن الموجود، والساكن معتد به فلم يكن كنَمِر وشَقِر، في غلبة الكسرات، فلم يلحق به.

والوجه الثاني: - وتركه الناظم - فتح اللام وهو مسموع من كلامهم في تغلِب، فإنهم قالوا: تَغلَبيّ، وجعله سيبويه والخليل موقوفاً على السماع كالتغيير اللاحق في نحو: سُهْليّ وأُمَويّ في: أمية، وما أشبهها، مما هو معدود غير مقيس، فلذلك لم يذكره الناظم، ولا نبَّه عليه، ولا ارتضى مذهب المبرد فيه أن يجعله مقيساً، فالفتح والكسر عنده وجهان جائزان، ووجه ذلك عنده عدم الاعتداد بالساكن لضعفه، فصار كالعدم، فأشبه ذلك نَمِر وشَقِر، كما لم يعتدوا به في

ص: 472

قولهم: صبيَة وقِنية، فقلبوا الواو ياءً لأجل الكسرة مع وجود الحاجز، فلولا أنه كالعدم لم يفعلوا ذلك.

قال الشلوبين: ألا يعتدَّ بالساكن ليس بالأصل، بل هو توجيه شذوذ، فكيف يجعل قياساً، وإنما هو كقول العرب في البصرة: بَصْرِيّ، كما قال الخليل.

ووقع للجزولي / في تغلِب مذهبٌ ثالث لم يرتضِهِ أيضاً الناظم، وهو أن يجعل البناء على الكسر هو المختار مع جواز الآخر قياساً. قال أبو علي الشلوبين: هذا مذهب ثالث غير مذهب المبرد وسيبويه؛ لأن المبرد يجيز الوجهين، ولا يختار الكسر ما اختاره أبو موسى، وسيبويه لا يجيز الفتح إلا فيما سُمع كتَغْلَبيّ، قال: وهذا المذهب مذهب مَن توسط بين القولين، ولا أحفظه لغير أبي موسى. وتقول على هذا في مكتسب ومتماسك وما أشبه ذلك: مكتسِبي ومتماسِكيّ، ولا تغير شيئاً عن حاله، وهو أولى بعدم التغيير لعدم الثقل؛ إذ فيه ثلاثة أحرف غير مكسور، فخفَّ الأمر فيه في توالي الكسرتين، فل يكن ثقله مثله في نَمِر ونحوه، ولا خلاف في هذا،

ص: 473

وإنما الخلاف في الرباعي ما تقدم.

والمسألة الثانية: أن كلامه يقتضي في النسب إلى صَعِق بفتح الصاد أن تقول: صَعَقِيّ بفتحهما معاً، كما تقول في نَمِر: نَمَريّ، وعلى من كسر الصاد إتباعاً فقال: صِعِق أن تقول: صِعَقيّ بكسر الصاد وفتح العين كما تقول في إِبِل: إِبَليّ؛ لأن الناظم أطلق القول في تلك الأبنية، وهذا فيه نظران:

أحدهما: أن يقال: أما النسب إلى صعِق المفتوح الصاد فظاهر لا إشكال فيه، وأما النسب إلى المكسور الصاد فإنه إتباع لكسرة العين، فالقياس إذ زالت كسرة العين في النسب أن تزول كسرة الصاد لا أن تبقى، فتقول إذن فيه: صَعَقيّ بفتحهما إلا أن تقول: صِعِقيّ كإِبِليّ، ويدلك على ذلك قول سيبويه لما حكى الإتباع في النسب سماعاً. قال بعد ذلك:"والوجه الجيد: : صَعَقيّ" يعني: بفتحهما لما تقدم من ارتفاع علة الإتباع، هذا نظر.

والنظر الثاني في كلامه: اقتضاؤه للقياس في ذلك كغيره مما هو عل مثاله، وذلك غير سديد؛ لأنه عنده على السماع، ولذلك لما قال

ص: 474

سيبويه: "وصَعِقِي جيدٌ" اعتذروا عن هذا الكلام فقالوا: ليس في قوله: "إنه جيد" نص على أنه مقيس، بل يمكن أن نقول ذلك بالنظر إلى السماع، قاله ابن الضائع.

والجواب عن الأول أنا لا نسلم أن الناظم تعرض لما كانت صورة البناء فيه / إتباعاً؛ لأن ذلك عارض في الكلمة، وإنما تكلم على ما هو أصل بناء كإِبِل، وعلى هذا يزول الإشكالان معاً، نعم لو سميت بذلك المتبع لقلت في النسب إليه: صِعَقِي، ودخل تحت كلامه؛ لأنه الآن أصل بناء زال فيه حكم الإتباع بالتسمية، ثم إنه يجاب عن الثاني بأن كون ذلك سماعاً غير مسلَّم، بل هو قياس، وإن ذهب ذاهب إلى القول بكونه سماعاً، فقد ذهب ابن خروف إلى جواز القياس؛ لأن الفتح في العين عارض، فلا يعتدُّ به كالكسر في قولهم: اُدْعِي، في خطاب المؤنث، ألا ترى أن ضمَّ الهمزة باقٍ، وإن كان موجبه قد زال، وهو ضم العين، ثم ذكر أن من فتح الصاد فعلى مراعاة العارض، والاعتداد به، وكذلك جعل العلة صاحب الترشيح أبو بكر الماردي صِعَقي بكسر الصاد وفتح العين هو

ص: 475

الأقيس تفريعاً على لغة من قال: صِعِقي بالإتباع، وهو ظاهر؛ لأنها لغةٌ ثانية، فلا يبعد فيها مراعاة العارض، إن سلم أنه عند أهلها عارضٌ. ويرشد إلى قول ابن خروف قول سيبويه:"وصِعِقي جيدٌ"، ولم يقل: إنه نادر، ولا شاذ، ولا موقوف على السماع، كما قال أولاً في: صِعِقي المكسور الصاد والعين؛ إذ قال: وقد سمعنا بعضهم يقول: في الصَّعِق: صِعِقي، يدعه على حاله وكسر الصاد؛ لأنه يقول: صِعِق، فأحال فيه على السماع، بخلاف الوجهين الأخيرين، وهذا كله على رواية مَن روى صِعَقي، وهو الذي اعتمد السيرافي في شرحه لكلام سيبويه.

وفي المسألة كلام متعلق بلفظ الكتاب لا حاجة بنا إليه، وإنما يتكلم في لفظ سيبويه في هذا الشرح إن اتفق ذلك لتعلقه بكلام ابن مالك في هذه الخلاصة؛ إذ الشرط أن لا يتعرض إلى غير الشرح لها،

ص: 476

والكلام مع الناظم في ألفاظها، والله المستعان.

***

وقيلَ في المرمِيِّ: مَرْمَوِي واخْتِيرَ في استعمالهمِ مَرْمِيُّ

ونحوُ: حيَّ فتحُ ثانيهِ يجبْ وارْدُدْهُ واواً إنْ يَكُنْ عَنهُ قُلِبْ

هذا الفصل من تمام مسألةِ ما آخره ياءٌ مشددة، وقد تقدم أنه على قسمين، وتقدم الكلام القسم الأول فيهما، وهو ما كانت الياء المشدَّدة فيه زائدة وهي: ياء النسب، وما أشبهها، وآخُذُ الآن في الكلام على القسم الثاني؛ وهو ما لم تكن الياء المشددة فيه كذلك، وهذا على نوعين:

أحدهما: ما كانت إحدى الياءين/ فيه زائدة والأخرى أصلية.

والآخر: ما كانتا في أصليتين. والأول على نوعين أيضاً:

أحدهما: ما كان على (فَعِيل) أو (فُعَيل)، وهذا سيذكر إثر هذا.

والآخر: ما ليس كذلك، وهو الذي شرع فيه فقال:

وقيلَ في المرمِيِّ: مَرْمَوِي

إلى آخره. يريد: أن العرب تنسب إلى مرميّ، وما كان نحوه مما آخره ياءٌ مشددة إلا أن إحدى الياءين فيه أصلية على وجهين:

أحدهما: أن تقول: مرميٌّ فتحذف الياءين معاً كما تحذفها من كرسيّ، فصورة اللفظ بعد النسب كصورته قبله، إلا أنه يفرق

ص: 477

بينهما بما تقدم، وهذا هو المختار عند الناظم؛ إذ قال:

واخْتِيرَ في استعمالهمِ مَرْمِيُّ

أي: في استعمال العرب، وحذف الياءين هنا ليس على قياس حذف ياء كرسي، وإن وقع الحذف فيهما معاً على صورةٍ واحدةٍ، بل حذفتَ هنا الياء الساكنة كما حذفتها في عديّ، وعليّ، وهذا أولى بالحذف منه من عديّ وعليّ؛ إذ كان هذا خماسياً، وذلك رباعيٌّ، فإذا حذفتها بقي اللفظ على وزن (مَرْمٍ) بمنزلة قاضٍ.

والثاني: أن تحوّلَ الكسرة فتحة كما حولتها في تغِلبَ، فتقول: قاضَوِيٌّ، كما تقول في مرمِيّ: مَرمِيٌّ، كما ترى، وعلى الثاني تقول: مَرْمَوِيٌّ، وهذا الذي قال فيه الناظم:

وقيلَ في المرمِيِّ: مَرْمَوِي

وليس بالمختار، كما لم يكن في قاض: قاضَوِيٌّ هو المختار، بل هذا أولى ألا يكون مختاراً لزيادة حروفه على حروف قاضٍ، قال سيبويه:"ومَن قال: حانَوِيٌّ قال: مَرْمَوِيٌّ"، ومن ذلك: مَقْضيٌّ، ومعْنِيٌّ، ومَدْحِيٌّ، تقول فيه: مَقْضيٌّ ومقضَوِيٌّ، ومَعْنِيٌّ ومعْنَويٌّ، ومَدْحِيٌّ ومَدْحَوِيٌّ، وكذلك ما أشبهه، ثم ذكر النوع الثاني فقال:

ونحوُ: حيَّ فتحُ ثانيهِ يجبْ

يعني: أن ما كان آخره ياء مشددة أصلية، حكمُهُ إذا نسيتَ إليه أن يفتَحَ ثانيه مطلقاً وهي الياء المدغمة، فإذا فعلت ذلك رددتَهَا إلى

ص: 478

أصلها، فإن كان أصلُهَا الياءَ تركتَها على حالها، وإن كان أصلها الواوَ رددتَهَا واواً، ولا تتركها ياء كما كانت حالة الإدغام، وذلك معنى قوله:

وارْدُدْهُ واواً إنْ يَكُنْ عَنهُ قُلِبْ

وضمير "اردده" المنصوب عائدٌ على الثاني في قوله: "فتْحُ ثانيهِ يجبْ"، وكذلك ضمير "يكن" و"قُلِب"، وأما ضمير "عنه" / فعائدٌ على الواو، والتقدير: وارْدُد ثانيَ نحو: حيٍّ واواً إن يكن ذلك الثاني منقلباً عن الواو، ومفهوم هذا الشرط أن الثاني إن لم يكن منقلباً عن الواو لم يُردَّ واواً، بل يبقى على حاله، وأما ردُّ الياء الثالثة واواً فقد تقدم ذكره، فلم يحتج إلى إعادته، وإنما رُدت الياء إلى أصلها من الواو في النسب؛ لأن الموجب قلبها ياءً، وهي: واوٌ في الأصل، إنما كان اجتماعها مع الياء الثانية، وسبق إحداهما بالسكون، فما زال الموجِب زال الموجَب، وهو القلب فرجعت إلى أصلها، وأما الياء الثانية فلا بدَّ من قلبها واواً لأجل ياء النسب في حيٍّ: حَيوِيٌّ؛ لأنه من حَيِيَ، وحكى سيبويه عن العرب في حيَّةَ بن بهدَلَةَ: حَيَوِيٌّ، وتقول في طيّ: طَوَوِيٌّ؛ لأنه من طويتُ، وقالوا في ليَّة: لَوَوِيٌّ، وكذلك تقول: في شيّ: شَوَوِيٌّ، وفي كيّ: كَوَوِيٌّ، ونحو ذلك، وإنما فتحوا وأصله السكون؛ إذ كانوا في الصحيح في يفتحون

ص: 479

من غير ضرورة، وذلك قولهم في الحمْض: حَمَضي، وفي الرمْل: رَمَليٌّ، فلما لم يمكنهم أن يجمعوا بين أربع ياءات لثقل جمعها، ولا أن يردوا إلى أصلها مع بقاء السكون في لوَّيّ مثلاً ونحوه، فتحوا ليتوصّلوا إلى التخفيف بذلك التحريك، ثم على الناظم هنا سؤالٌ: وهو أنه حَتَمَ هنا بوجهٍ واحدٍ، وهو ما ذكره، والناس قد ذكروا فيه وجهين: أحدهما: هذا، والثاني: إبقاؤه على حاله، والجمع بين أربع ياءات، فتقول على هذا: حيِّيٌّ، وليِّيٌّ، وطيِّيٌّ، وما أشبه ذلك، وعليه طائفة من العرب، وهو قول أبي عمرو بن العلاء، قال سيبويه: "ومن قال: أُمَيِّيٌّ قال: حيِّيٌّ، وكان أبو عمرو يقول: حيِّيٌّ ولَيِّيٌّ، فأنت ترى كيف ذكر الناس الوجهين على الجواز، فحَتَمَ الناظم بأحدهما، ولم يجز غيره، وهذا خلاف ما عليه العرب والنحويون، ولا يقال: إن ما ذكره هو القياس؛ لأن عادة العرب الفرار من اجتماع الياءات في هذا الباب؛ لأنا نقول: التعليل إنما يكون من وراء السماع، ولا سيما على عادته في التمسك بالسماع كيفما كان.

والجواب عن ذلك: أن نحو: حيِّيٌّ وليِّيٌّ - وإن أجازه غيرُهُ - شاذٌّ عنده، لم يبلغ في السماع مبلغ القياس، ولا ما يقرب من ذلك، ألا

ص: 480

تراه قال في التسهيل: "وشذ نحو: حيِّيٌّ وأُمَيِّيٌّ، وفي كلام سيبويه / ما يشعر بقلته في الموضعين، فقال في: أُميَّة لمَّا ذكر حكمه وأنه أُمويٌّ: "وزعم يونس أن ناساً من العرب يقولون: أُميِّيٌّ فلا يغيرون لمَّا صار إعرابها كإعراب ما لا يعتلّ شبهوه به". فهذا الكلام مشعرٌ بالقلة بلا بدّ، وقد جعل بعد ذلك حيِّيّ قياساً على أُمَيِّيَ، فالمسألتان من باب واحد، ولذلك لما ذكر الناظم هنا حكم (فُعَيلة) لم يذكر فيها إلا (فُعَليٌّ) خاصة، وألزم ذلك، فقال: "وفُعَليٌّ في فُعَيلَةَ حُتِمَ"، فلا اعتراضَ إذن عليه، إذْ كانت طريقته هذه، وقوله:

وارْدُدْهُ واواً إنْ يَكُنْ عَنهُ قُلِبْ

فيه من الضرورة إتيانه بفعل الشرط مضارعاً مع تقدم ما يدل على الجواب، نحو:

فلم أرْقِهِ إنْ ينْجُ منها وإنْ يمُتْ فطَعْنَةُ لا غسٍّ ولا بِمُغْمَّرِ

وقد تقدم له شيء من هذا، وتقدم التنبيه عليه.

***

ص: 481

وَعَلَمَ التَّثنيةِ احْذِفْ للنَّسَبْ ومِثلُ ذا في جمعِ تصحيحٍ وَجَبْ

كلامه هنا فيما يُحذف من المثنى والمجموع على حدِّه أو بالألف والتاء؛ لأنه جمع التصحيح شامل الجمعين معاً، وأما جمع التكسير فسيذكر بعد هذا، فقوله:

وَعَلَمَ التَّثنيةِ احْذِفْ للنَّسَبْ

"علم" منصوب بـ"احذف"، يعني: أنك تحذف العلامتين اللاحقتين للاسم المثنى، فتقول في النسب إلى رجُلان أو رَجُلين: رَجُلِيٌّ، فتحذف الألف والنون والياء والنون أيضاً، وكذلك إذا نسبتَ إلى أي مثنَّى كان، ويجري مجراه في هذا الحكم كلُّ ما جرى مجراه في الإعراب كاثنين واثنتين، وكما إذا سميتَ بالمثنى، فإن العلامتين إذ ذاك علمٌ للمثنى في الأصل كالمسمَّى به، أو في الحكم كاثنين، فكأنهما هما، فصحَّ دخول ذلك تحت إطلاق الناظم، وأفرد الناظم العلامة وإن كانتا علامتين؛ لأنهما زيادتان زيدتا معاً فكانتا كالزيادة الواحدة، وأيضاً فهما كالعلم على التثنية في الحقيقة الواحدة لا إحداهما، كما أن ياءي النسب هما العلم على النسب لا إحداهما، ثم قال:

ومِثلُ ذا في جمعِ تصحيحٍ وَجَبْ

يعني: أن مثل هذا الحكم الذي هو حذف العلامتين معاً للنسب واجبٌ في جمع التصحيح، يريد في قسميه معاً، فأما جمع المذكر

ص: 482

فتقول في مسلمين: مسلِمِيّ، وفي زيدون: زَيدِيّ، وما أشبه ذلك، ويجري هذا المجرى ما كنا نحوه من الأسماء الجارية مجرى الجمع، وليست / بجمع في الحقيقة، كأسماء العدد، تقول في عشرين: عِشرِيّ، وفي ثلاثين: ثَلاثِيٌّ، وكذا إلى آخرها ويدخل تحت كلام الناظم كل ما لحقته هاتان العلامتان بحكم الأصل، وكل ما جرى مجراهما من واوٍ ونونٍ، أو ياء ونونٍ، كما إذا سميتَ بالمجموع فتقول في مسلمين مُسَمًّى به: مُسْلِمِيٌّ، كما تقول: لو لم تُسَمِّ، وكذلك تقول في قِنَّسْرون ويَبْرون فيمن أجراه مُجرى الجمع: قِنَّسْرِيّ، ويَبْرِيّ، قال:

أَطَرَباً وأنتَ قِنَّسْرِيُّ

وأما مَن جعل الإعراب في النون فلا إشكال في جريانه مجرى

ص: 483

غِسْلين وحين وبابه، وكذلك ما كانت الواو والنون فيه عوضاً نحو: سنين، ومئين، وقِلين، وما أشبه ذلك، هذه كلُّها حكمها هنا واحدٌ، تحذف العلامتان منهما في النسب وإنما حُذفت العلامة؛ لأنها لو لم تُحذف لاجتمع على الاسم الواحد إعرابان: إعرابٌ بالواو أو الألف أو الياء، وإعراب في ياء النسب، لأن تلك الحروف في الجمع حروفُ إعرابٍ، وإن سُمِّيَ به، فكرهوا ذلك. هذا في الألف والواو والياء، وأما النون فإنما حذفت؛ لأنها لا يمكن أن تثبتَ إذا ذهب ما قبلها، لأنهما زيادتان زيدتا معاً، مثل: ألِفَي التأنيث، وياءي النسب، وما أشبه ذلك. وهذا معنى تعليل سيبويه، قال السيرافي: لو ثبتت علامتا التثنية والجمع مع ياء النسب لجاز أن تثنِّيَ المنسوب وتجمعه، وذلك باطل؛ لأن في التثنية إعراباً في التقدير بلفظ الألف، وكذلك الجمع، فكان يجتمع في التقدير إعرابان. انتهى. وكأنه فسَّر بهذا تعليل سيبويه. وأما الجمع المؤنث فتقول في مسلماتٍ: مسلِميٌّ، وفي هندات: هِنديٌّ، وإنما حذفت هاتان العلامتان عند سيبويه لأمرين:

أحدهما: أن هذه العلامة قد صارت كالتاء في المفرد، والتاء لا تجتمع مع ياء النسب، فكذلك ما كان مثلها.

ص: 484

والثاني: تشبيه هاتين العلامتين بعلامتي جمع المذكر، فحذفوهما هنا كما حذفوهما هناك، ألا ترى الشبه بينهما في الإعراب من حيث جُعل النصب والجر فيهما سواء، كأن الألف والتاء حُملت في الإعراب على الواو والنون. وقال السيرافي:"لو قيل: أذرعاتيٌّ لجاز أن تنسب إليهما مؤنثاً، فتقول: أذرعاتِيَّة، وذلك ممتنع، ألا / ترى امتناع تمرتات".

ثم في عبارة الناظم نظر، وهو أنه ذكر أن عَلَمَ التثنية هو المحذوف في النسب، وكذلك علَمُ جمع التصحيح، ولا يخلو أن يريد ظاهر الكلام من أنه يحذف العلامتين من التثنية والجمع، وهما على أصلهما لا مسمًّى بهما، وإما أن يريد أن ذلك بعد ما سُمِّيَ بهما، فإن كان المرادُ الأولَ فغير صحيحٍ، إذ ليس هذا حكمَ المثنى والمجموع، وإنما حكمهما الردُّ إلى الواحد، كما سيذكره بعد، فليس العمل فيه إزالةَ العلامتين، وإنما ذلك في المسمَّى به، وما جرى مجراه فقط، وهو إنما قال: إنك تحذف العلامتين من التثنية والجمع، والتثنية والجمع مردودان إلى الواحد، ففي هذا الحمل ما ترى، وإن كان المراد الثانيَ فهو صحيحُ المعنى لكنه غير مفهومِ الدخول تحت لفظه؛ لأنه إنما أضاف العلامتين للتثنية والجمع، ولفظ التثنية إنما يطلق على ما كانت

ص: 485

حقيقتهما فيه، لا على ما خرج عن ذلك، فلفظه يأبى هذا التفسير.

فإن قيل: إنَّ علَمَ التثنية والجمع قد يضاف إليهما وإن كان في غيرهما من مسمًّى بهما أو محمولٍ عليهما في الإعراب، فتقول في "رجلان" مسمًّى به: إنه قد تضمن علم التثنية، وفي "مسلمون" مسمًّى به كذلك، إنه قد تضمن علم الجمع المسلَّم، وكذلك في قِنَّسْرين وما أشبهه من الأسماء الجارية مجرى الجمع السالم، وإنما صحت إضافة العلَم لغير التثنية والجمع اعتباراً بأصل التسمية؛ إذ كان قبلها علماً على التثنية والجمع، ولغلبته عليهما واختصاصه بهما في أكثر الأمر ومحصول الكلام، وأيضاً فالمسمى بهما يجري عند العرب مجرى الأصل، وأما قنَّسرين فعلى تقدير النقل، أو اعتباراً بالشبه، فإذا ثبت هذا لم يكن في قوله:"وعلَم التثنية" ما ينفي دخولَ المسمَّى بالتثنية مع التثنية الحقيقية، ولا المسمى بالمجموع مع المجموع الحقيقي، وكذلك ما جرى مجراهما، فيؤخذ له الحكم على أعم من ذلك حتى كأنه يقول: احذف العلامتين من المثنى والمجموع كانا على حقيقتهما، أو مسمًّى بهما، أو جارياً مجرى ذلك، وأما قوله في السؤال: إنما حكم التثنية والجمع الردُّ إلى الواحد لا حذف العلامتين، فلا يلزم؛ لأن الصورة في ردهما إلى واحدهما في النسب أو حذف علمهما / واحدٌ؛ إذ لا فرق في ذلك بين المفرد وغيره إلا بالعلامتين، فإذا أزلتهما رجع إلى صورة المفرد، فيستوي عند ذلك قولنا: إنهما رُدَّا إلى

ص: 486

الواحد، وقولنا: حذف منها العلامتان فقط، كل ذلك صحيحٌ، ألا ترى أنك إذا نسبتَ إلى "رجلان" وهو على أصله قلتَ: رَجُليٌّ، فإن نسبتَ إليه مسمًّى به قلتَ: رَجُليٌّ، فالصورة واحدة، وإن كان العمل في الحكم مختلفاً، فالأول على أنك رددْتَهُ إلى المفرد، والثاني على أنك حذفتَ علامتَيه، واختلاف العمل لا يوجب اختلاف الصورة، وهذا في التثنية والجمع إذا كانا على أصلهما، أو بعد التسمية اعتباراً بالأصل، أو حملاً عليهما، كما حُمل عليهما في الإعراب حُمل عليهما في توابعه، وهذا من توابعه؛ لأنه متعلق بالعلامتين، فإذا كان كذلك حصل منه حكم النسب إلى التثنية والجمع على أصلهما أو مسمًّى بهما، وكان ما ذُكر في آخر الفصل مختصاً بجموع التكسير، وما جرى مجراهما من جمع التصحيح، وذلك ذو الألف والتاء، وإلا لزم من ذلك التكرار، وحمل كلامه على كلامه، وتفسير بعضه ببعض هو الواجب.

فالجواب: أن في هذا المحمل ارتكابَ سوء التعليم، والجريَ على غير طريق مستقيم؛ لأن ذلك موهمٌ أن يكون النسب إلى الجمع أو إلى التثنية مع اعتقاد بقاء معناهما، وإن زالت العلامة لأن هذا شأن النسبِ في المختلفين في الأصل إذا اتفقت صورتهما في النسب، ألا تراهم إذا نسبوا إلى (خمسة عشر) قالوا: خَمْسِيٌّ، وإلى (خمسةٍ) قالوا: خَمْسِيٌّ، وكذلك إذا نسبوا إلى (عبدٍ) قالوا: عَبْدِيٌّ، وإذا

ص: 487

نسبوا إلى (عبد قيس) قالوا: عَبْدِيٌّ، وهم مع ذلك معتقدون للأصل، فيقولون: هذا منسوبٌ إلى خمسة عشر، وهذا منسوب إلى خمسةٍ، وكذلك النسب إلى عبدٍ، أو عبد القيس، ولا يعتقدون ما هو ظاهر الحال في النَّسَبَين من أنهما معاً منسوبان إلى خمسةٍ فقط، أو إلى عبدٍ فقط، هذا لا يعتقدونه ولا يقولون به، وكذلك مسألتنا إذا قيل لك: إذا نسبتَ على التثنية حذفتَ علَمَهَا، لم يحصل لك من ذلك إلا أنك تعتقد بناءها على أصلها من التثنية في المعنى، وكذلك في النسب إلى الجمع/، وهو خلاف ما يقول الناس، فليس ما اعتذر به عن الناظم باعتذارٍ يُسَلَّمُ.

والجواب عن ذلك: من وجهين: أحدهما: أن ما ذكر من الإيهام غيرُ مخلص، فقد يمكن أن يكون القصد بالنسب إلى المفرد على حقيقته كما قال، وقد يمكن أن يكون على خلاف ذلك، وهو موظع نظر يبحثُ فيه عما يُفهم من كلام الأئمة المتقدمين.

والثاني: إذا سلمنا ذلك فهذا الموضع لا يؤخذ منه للناظم حقيقة النسب إلى المثنى والمجموع، وإنما يؤخذ منه ما نصَّ عليه من حذف العلامتين فقط، ويبقى اعتماد البناء على الأصل من معنى التثنية أو الجمع، أو عدم البقاء، لم يتعرض إليه هنا فاستدركه بقوله:

والواحد اذكر ناسباً للجمعِ

إلى آخره، حسبما يأتي، إن شاء الله تعالى.

ص: 488

***

وثالثٌ من نحوِ طيِّبٍ حُذِفْ وشَذَّ طائِيٌّ مَقُولاً بالألفْ

يعني: أن ما كان من الأسماء مثل: طيِّب وعلى صفته، فالنسب إليه أن تحذفَ ثالث حروفه وهو الياء المتحركة بالكسر المدغم فيها، فتقول: طَيْبِيٌّ، واعتبر هنا في هذا الحذف أن يَقَع قبل الحرف المكسور لياءَي النسب، وهو آخر الاسم، ياء مدغم فيها، وأن تكونَ مكسورةً، وأن تكون غير مفصولٍ بينها وبين آخر الاسم، فهذه ثلاثة أوصافٍ.

فأما الأول: فلا بدَّ منه؛ لأن الحذفَ موجبُهُ كثرُ الأمثال، ولا يكون ذلك مع كون الياء غير مدغمٍ فيها، فإذا نسبتَ إلى بيتٍ وحُمَيْدٍ قلتَ: بيتِيٌّ وحُمَيدِيٌّ، وكذلك إذا نسبتَ إلى إلى (أَفْعِلْ) من البيع قلتَ: أبْيعي، ولا تحذف شيئاً، ومثله ما إذا لم يكن ما قبلَ الآخرِ ياءً نحو: عَطَوَّد، ومُهَوَّم، فإنك تقول: عَطَوَّدِيٌّ، ومُهَوَّمِيٌّ، من غير حذفٍ؛ إذ لا موجب له، وإنما الموجب في الياء المدغمة كانت واواً في الأصل كهيِّن وميِّت وسيِّد، فانقلبت ياءً للعلة التصريفية، أو لم تكن كذلك كبيِّن من بانَ يبينُ، وطيِّب من طاب يطيبُ.

وأما الثاني: فمعتبرٌ أيضاً في علة الحذف؛ لأن الكسرة مع الياءات كياءٍ أخرى، فكثرت الأمثال فلو كانت الياء المدغم فيها

ص: 489

مفتوحةً، لم ينهض اجتماع المثال علةً في الحذف، فتقول في هَبَيَّخ: هَبَيَّخيٌّ، ولا تحذفُ شيئاً.

وأما الوصف الثالث: وهو أن تكون الياء غير مفصول بينها وبين / الطرف فمعتبر أيضاً، فإن لم يكن كذلك لم يجب الحذف، ومن ثمَّ قالوا في النسب إلى مُهَيِّيهم تصغير مُهَيِّم أو مُهَوِّم: مُهَيِّيمِيٌّ، ولم يحذفوا شيئاً لوجهين:

أحدهما: أن سبب الحذف في طيِّبٍ ونحوه: ما فيه من الثقل باجتماع أربع ياءات وكسرتين، ففروا من ذلك الحذفِ، فحذفوا إحدى الياءات وكسرتَهَا فخفَّ، ولم يحذفوا الياء الساكنةَ؛ لأنهم لا يصلون بحذفها إلى ما يريدون من التخفيف، كما لم يخفِّفوا قبل النسب إلا بحذف المتحرِّك حينَ قالوا: هَيْنٌ، ولَيْنٌ، ومَيْتٌ، فإذا كان كذلك فذاك الثِّقَل لا يكون في مُهَيِّيمٍ؛ لأن الفصل بين الياءات بالمدِّ يزيل الثقل؛ إذ المدُّ في الحرف بمنزلة الحركة، أو هو أكثرُ من الحركة، كما سيذكُرُ في الإدغام، إن شاء الله تعالى.

فسَهُلَ الأمرُ بسببه كما سَهُلَ بسببه اجتماع الساكنين كدابَّة، وتُمُودَّ الثَّوبُ، ونحوه، وهذا هو المقصودُ هنا في اشتراط وقوع المحذوف قبلَ آخرِ الكلمة الذي يلي ياءَ النسب.

ص: 490

والثاني: خارجٌ عن هذا، وهو أنهم لو حذفوا، فإما أن يحذفوا الياء الأخيرة التي للمدِّ، وهذا لا ينجيهم من حذفٍ آخرَ؛ إذ تصير الكلمة على مثال: أسيِّد، والحذف فيه واجبٌ، كما تقدم، فلو قلتَ: مُهَيْمِيٌّ لكان إخلالاً لكثرة الحذف، وإما أن يحذفوا المتحركة المحذوفة من أُسَيِّدٍ، وهذا لا يصحُّ؛ لما يلزم من التقاء الياءين ساكنين، وذلك مرفوضٌ، وإما أن يحذفوا الأولى الساكنة، وهو أيضاً غير سائغ؛ لوجوبِ قلبِ ما بعدها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وذلك إعلالٌ وتغييرٌ غير محتاج إليه، فرأوا أن بقاء الكلمة على حالها أيسر من هذا كلِّه، فصاروا إليه واجتنبوا ما عداه، فإذا اجتمعت هذه الأوصافُ الثلاثةُ لزم حذف تلك الياءات، فقلت في طيِّب: وهو مثاله: طَيْبِيٌّ، وفي ميِّت: مَيْتِّيٌّ، وفي هيِّن: هَيْنِيٌّ، وفي سيِّد: سَيْدِيٌّ، وما أشبه ذلك، ويدخل له في هذا العقد ما إذا نسبتَ إلى أُسَيِّد، وأُبَيِّض، ولُبَيِّد، وحُمَيِّر مصغَّراتٍ، فتقول على مقتضى كلامه: أُسَيديٌّ، وأُبَيْضِيٌّ، ولُبَيْدِيٌّ، وحُمَيْرِيٌّ، ونحو ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى تعليل الحذف. ثم قال:

وشَذَّ طائِيٌّ مَقُولاً بالألفْ

يعني: أن قولهم في النسب إلى طيِّئ/: طائيٌّ شاذٌّ عما تقدم من القاعدة، يُحفظُ ولا يقاسُ عليه، ووجه شذوذه مجيئُهُ بالألف، ولذلك قال:"مقولاً بالألف" أي: شذَّ في هذه الحال، فشذوذه من

ص: 491

أجل إتيانه بالألف؛ لأن طيِّئاً مثل: طيِّبن فكان قياسُهُ أن تقول: طَيْئِيٌّ كطَيْبِيٍّ، لكن العرب قلبت الياء ألفاً على حد ما قلبتها ألفاً في (يَيْجَل)؛ إذ قالوا: ياجَلُ، وهذا باب محفوظٌ ليس بقياس، وكذلك طائيٌّ، وطَيِّئٌّ أبو قبيلة من اليمن وهو طيِّئ بن أُدد بن زيد ابن كهلان بن سبأ بن حمير.

***

وفَعَلِيٌّ في فَعِيْلَةَ التُزِمْ وفُعَلِيٌّ في فُعَيْلَةَ حُتِمْ

وألحَقُوا مُعَلَّ لامٍ عَرِيا مِنَ المثالَيْنِ بما التَّا أُولِيَا

وتمَّمُوا مَا كانَ كالطَّوِيلَهْ وهَكَذَا مَا كَانَ كالجلِيْلَهْ

اعلمْ أنَّ النحويون المتأخرين يذكرون في هذا الفصل أبنيةً اربعة: البناءان المذكوران وهما: (فَعِيلَة) على وزنِ قبيلة، و (فُعَيْلَة) على وزن جُهينة، ويزيدون بناءين آخرين:(فَعُولَة) على وزن حلُوبَة، و (فُعُولَة) على وزن خُئُولَة، ولا يقتصرون على ما ذكره الناظم؛ إذ كان الحكم فيها واحداً عندهم، فما ثبت في (فَعِيلة) و (فُعَيلة) فهو ثابت في (فَعُولة) و (فُعُولة)، وقد ذكر (فَعُولة) في "التسهيل" ولم يذكر (فُعُولة) فكان من حقه أن يتمِّمَ الفصلَ، ويأتي على أمثلته، أو يذكر (فَعُولة) فقط، كما فعل في "التسهيل"، وهو الذي ذكر سيبويه

ص: 492

وغيره من المتقدمين.

والجوابُ: أن ما ذكر الناظم هو أصل الباب المتفقُ عليه، وهو الذي ذكر غيره، حتى قال بعض من عقد في المسألة عقداً كلياً من حذاق المتأخرين:"إذا كان اسمٌ على أربعة أحرفٍ ثالثه ياءٌ زائدةٌ ساكنةٌ، وفي آخره تاء التأنيث، وليس قبل الياء حرفُ علة، ولا ما قبل الياء من جنس ما بعدها؛ فإن الياء تُحذف قياساً مطرداً، ويفتح الحرف الذي قبلها إن لم يكن مفتوحاً"، فتأمل كيف لم يأت فيه إلا بالياء، وترك الواو التي في (فَعُولَة) و (فُعُولة) بناءً على الإلحاق؛ إذ ليس الحكم فيهما على القياس الأصلي كما سيتبين عند ذكر التعليل، إن شاء الله تعالى، مع أن غير ذَينِكَ المثالين مختلفٌ فيهما، فالمبرد يجعل (شنوءة) في (فَعُولة) شاذاً؛ إذ لم يُسمع غيره، وأيضاً فهو ضعيف في القياس بدليل أن / (فَعُولاً) لم يجز فيه ما جاز في (فَعِيل)، كما لم يجز أيضاً في (فَعُل) كسَمُر ما جاز في (فَعِل) كنَمِر؛ لأن

ص: 493

المستثقل مع ياءَي النسب الياءاتُ والكسراتُ فقط، فهذا شاذٌّ سماعاً وقياساً.

وأما (فُعُولة) فلم يذكره المتقدمون، وإنما يظهر من الفارسي في "الإيضاح" ظهوراً ما لا نصاً؛ إذ قال في باب ما يطرد فيه الحذف في النسب: وكلُّ اسمٍ ثالثه ياءٌ أو واوٌ ساكنةٌ وآخرهُ هاءُ التأنيث، ثمَّمثَّل ولم يأت بمثال لـ (فُعُولة)، وإنما مثَّل لـ (فَعُولة) كما فعل سيبويه، وأما ابن أبي الربيع ومَن تبعه فإنهم اعتمدوا على إلحاق البناء الرابع، فانظر كيف أهمل ذكره المتقدمون، فلم يعتنوا به، فلذلك ترك ذكره هنا، وفي "التسهيل"، ونِعْمَ ما فعَلَ هنا، فإنه على فرض إثباته محمولٌ على (فَعُولة)، وهو أحرى به، فقد يحتَمِلُ أن يكون الناظمُ تركَ (فَعُولة)؛ لأنه قائل بمذهب أبي العباس المبرد، وإن لم يكن رأيه في "التسهيل"، وقد تقدم لذلك نظائر، ويكون وجه ما ذهَبَ إليه ما تقدم ذكرُهُ للمبرد، وهو ظاهرٌ من التعليل في نفسه، حتى وإن السيرافي لم يصحِّحْ هنا مذهبَ سيبويه، ومن عادته تصحيحُهُ، وترك النظر في قياس المبرد بعد إيراده له، وما ذاك إلا لظهوره عنده، وإن

ص: 494

كان قياسُ سيبويه أولى عندهم، ونظرُهُ أدقُّ، ويحتَمِلُ أن يكون تَرْكُ ذكرِ (فَعُولة) محلاً للنظر؛ إذ كانت المسألة اجتهادية، وللنظر فيها مجال؛ فلم ير في الوقت فيها مذهباً بعينه، فأضرب عنها لتكون للناظر في كتابه في محل الاجتهاد؛ إذ هي محمولةٌ على ما نصَّ عليه، وليس لها قياسٌ بخصوصها - والله أعلم -.

فإذا ثبتَ هذا فنرجعُ إلى بيان لفظه فنقول: قوله:

وفَعَلِيٌّ في فَعِيلَةَ التُزِمْ

يعني: أن كلَّ ما كان من الأسماء على وزن (فَعِيلَةَ) بفتح الفاء وكسر العين، فإن النسب إليه بحذف الياء التي بعد العين، وفتح العين المكسورة، فتقول:(فَعَلِيٌّ)، وذلك قولهم في ربيعة: رَبَعِيٌّ، وفي جَذِيمَةَ: جَذَمِيٌّ، وفي حنيفة: حَنَفِيٌّ، وفي قبيلة: قَبَلِيٌّ، وما أشبه ذلك، ومن هنا يكون قولُ العامة في النسب إلى المَرِيَّة: مَرِينيٌّ أو مَرَنِيٌّ، وفي النسب إلى الجزيرة: جَزِيريٌّ خطأً إلا أن يسمع من ذلك شيء فيكون / محفوظاً، وكذلك قول الحكماء في النسب إلى الطبيعة: طبيعيٌّ، وإنما القياس في ذلك: مَرَوِيٌّ، وجَزَريٌّ، وطَبَعيٌّ، إلا أنهم

ص: 495

قالوا في معنى طبيعي: سَلِيقيٌّ، وفي النسب إلى السليقة وهي: الطِّبيعة، فهذا مؤنس بعض تأنيس، وهو مع ذلك لا يقاس.

وقوله: "التزم" خبرا المبتدأ الذي هو "فَعَلِيٌّ" أي: أنَّ هذا البناءَ وهو (فَعَليٌّ)، التُزِمَ في بناء (فَعِيلة)، فلا يتعدَّى إلى غيره، ويعني بذلك في القياس، وهو التزامٌ متفقٌ عليه فيما أعلم.

وأما [في] السماع فقد جاء ما يخالف هذا الحكم، لكنه نادرٌ لا يعتد به، وذلك بالبقاء على الأصل من غير تغييرٍ، قال سيبويه: وقد تركوا التغيير في مثل حنيفة، ولكنه شاذٌّ قليلٌ، قالوا في سَلِيمة: سَليميٌّ، وفي عَمِيرة كلب يعني بخصوصها: عَمِيريٌّ، وقال يونس: هذا قليلٌ خبيثٌ، قال: وقالوا: سَلِيقيٌّ للرجل يكون من أهل السَّليقة، يعني من أهل الطبيعة، وهو الذي يتكلم بطبعه، فهذه ألفاظ نادرةٌ يوقف على محلها.

ثم قال:

وفُعَلِيٌّ في فُعَيلة حُتِمْ

يعني: أن كل ما كان أيضاً من الأسماء على وزن (فُعَيلَة) بضم الفاء وفتح العين على بِنية التصغير، فإن النسب إلي بحذف الياء، فتقول:(فُعَليٌّ) نحو: جُهَينة: جُهَني، وفي قُتيبة: قُتَبيٌّ، وفي أمية:

ص: 496

أُمَويٌّ، وما أشبه ذلك. وقوله:"حُتِم" كقوله: "التزم"، أي: أن هذا هو الواجب في القياس، فلا قياس إلا عليه، فإن جاء ما يخالف ذلك فموقوفٌ على السماع، نحو ما حكى سيبويه من قولهم: خُرَيبة: خُرَيْبيٌّ بالإتمام، وقالوا أيضاً: رماحٌ رُدَينيَّةٌ منسوبة إلى رُدَينة، ـ وقالوا في أمية: أُمَيِّيٌّ، وهذا كله شاذٌّ، ووجه ما فعلوا في ذلك أن هذه الياء قد تحذف، وإن لم تكن في الكلمة تاء التأنيث، كما حذفوها في قرشيٍّ، وثقفي، فلما لزم الحذف إذا كان في آخره التاء لزم حذف التاء أيضاً؛ لأن الحذف لما يتغيَّر في كلامهم ألزمُ منه لما لا يتغيَّرُ، ألا ترى لزوم الترخيم لما فيه الياء؛ لأنها حرف تغيير؛ إذ تبدل في الوقف هاءً، ألا ترى لزوم الترخيم لما فيه الياء؛ لأنها حرف تغيير؛ إذ تبدل في الوقف هاءً، ثم إنهم اسثقلوا حَنيفيٌّ؛ لأن الكلمة كلها كسر إلا حرفاً واحداً، وفي جُهَنيٌّ إلا حرفين، فحذفوا الياء؛ لأجل ذلك، هذا معنى تعليل سيبويه، وفتحوا عين (فَعِيلَة)؛ لأنه صار إلى (فَعِلَة) وليشاكل / (فُعَيلَة)، ولما قرر حكم هذين البناءين على الجملة عقَّب بالكلام على شروط تقرر ذلك الحكم المذكور، وهي ثلاثة تضمنها قولُهُ:

ص: 497

وأَلْحَقُوا مُعَلَّ لامٍ عَرِيَا

إلى آخر الفصل.

الشرط الأول: كون البناءين يلزمهما التاء.

الشرط الثاني: ألا يكونا مضاعفين.

الشرط الثالث: ألا يكونا معتَلِّي اللام.

فأما الشرط الأول فدل عليه من كلامه أمران:

أحدهما: نفس التمثيل بـ (فَعِيلة) و (فُعَيلة)؛ إذ لم يأت بهما دون تاء.

والثاني: مفهوم قوله:

وأَلْحَقُوا مُعَلَّ لامٍ عَرِيَا

إذ مفهومه: أن ما ليس بمعلِّ اللام مما هو معرًّى من التاء فغير لاحق بما تقدم في الحكم؛ لأن شرطه لحاق التاء، وهو الذي أردنا، وهو ظاهر، وإذا كان كذلك فقوله:"وألحقوا" الضمير عائد إما على العرب، أي: أن هذه معدود في كلامهم الشهير، وإما على النحويين، يريد: أنهم قاسوا ذلك ولم يقفوه على السماع، والمعلُّ اللام ما كانت لامه حرف علة، وقوله:"عريا" جملة في موضع الصفة لمعلّ، ولم يذكر المعرَّى منه اختصاراً لفهم المعنى، وأن المعرَّى منه التاء المذكورة في المثالين، وقوله:"بما التا أُوليا" بدل على ذلك أيضاً، والتعرية بمعنى: التجريد، أي: جرِّد منها، وقوله: "ومن

ص: 498

المثالين" متعلق بـ"مُعلّ" لا بـ"عريا"؛ لفساد المعنى، أي: ما يُعل من المثالين المتقدمَي الذكر. وقوله: "بما التا أوليا" المجرور متعلق بـ"ألحقوا"، والتاء منصوب على المفعول الثاني بـ"أولي"، أي: ألحقوا هذا بما أولي التاءَ، ومعنى هذا الكلام: أن العرب أو النحويين القائسين ألحقوا بما لحقته التاءُ من المثالين ما لم تلحقه التاءُ إذا كان ذلك المعرَّى عن التاء معتلَّ اللام، أي: آخره حرف علة، ولا يكون إلا الياء، فأجازوا فيه ما أجازوا في المثالين من الحذف والتغيير، فأما (فَعِيل) فنحو: عليّ، وقَصيّ، ونَبِيّ، ووَلِيّ، تقول فيه: عَلَويّ، وقَصَوي، ونَبَويّ، ووَلَوِيّ، وما أشبه ذلك.

وأما (فُعَيل) فنحو: قُصَيّ، ورُحَيّ، تقول فيه: قُصَوِيّ، ورُحَويّ، ونحو ذلك، هذا القياس على ما قال، وهو حكمٌ عنده منحَتِمٌ؛ لأنه منحتم بما تقدم، فعلى هذا إن جاء شيءٌ على خلافه فمحفوظٌ غير مقيس، وإن قال بقياسه أحد فالناظم مخالفٌ له في ذلك القياس، فمما جاء أن بعض العرب وإن اجتمعت الياءات، ولا يعتبر الثقل، وكذلك منهم من يقول: / قُصَيِّيٌّ، ولكن قلَّ من يقولهما من

ص: 499

العرب، فأخذ الناظم بعدم قياسه، ومن النحويين من يقيس ذلك على قلة، ومنهم من يجيزه هكذا مطلقاً، وهو مستشعرٌ من كلام الفارسي في الإيضاح، لذا قالوا: ولا يخلو كلامه إشعارٍ بالقلة؛ لأنه ذكر أولاً الوجه الشهير، كما ذكره سيبويه مقدَّماً على غيره، ثم قال: ويجوز كذا، فدل على أنه دون ما تقدم، ووجه هذا العمل أنَّه لما ثقل عليهم اجتماع الياءات مع الكسر عدلوا إلى الياء الساكنة وهي الزائدة، لضعفها بالسكون والزيادة فحذفوها، فلما حذفوها بقي (علٍ) على مثال: عمٍ، فوجب فتح عينه فصار إلى: علا نحو: عصاً، وبقي قُصَيٌّ على مثال: قُصًى نحو: هُدًى، ففعلوا بهما في النسب مثل ما فعلوا بعصاً وهدىً، فقالوا: عَلَوِيٌّ، وقُصَوِيٌّ، كما قالوا: عَصَوِيٌّ، وهُدَوِيٌّ، فأما إن كان الاسم على أحد هذين المثالين فمهومُ قوله أنه غير لاحق بما تقدم في ذلك الحكم، وهذا معنى اشتراط التاء.

فالحاصل أن ما كان على (فَعيل) أو (فُعَيل) إما أن يكون صحيحَ اللام أو معتلها، فإن كان معتل اللام كان (فَعَلِيٌّ) و (فُعَليٌّ) فيه قياساً، وإن كان صحيح اللام لم يكن قياساً فيه، فإن جاء منه شيءٌ فموقوف على السماع، وإن قاسه أحدٌ فالناظم مخالفٌ فيه، فمما جاء من ذلك في (فَعِيل) قولهم: ثَقَفِيٌّ في ثقيف، وفي (فُعَيل) قولهم: قُرَشيٌّ في

ص: 500

قُرَيش، وكذلك سُلَمي في: سُلَيم، وقُرَمي في: قُرَيم، وهُذَليٌّ في: هُذَيل، وخُثَميٌّ في: خُثَيم، وخُرَبيٌّ في: خُرَيب، وفُقَميٌّ في: فُقَيم، ومُلَحيٌّ في: مُلَيح خُزاعة، وهذه أُلَيفاظٌ لا تجعل الباب قياساً لورود القياس في أكثرها وهو الإتمام، وفي نظائرها مما قصدوا فيه الفرق بينهما، على ما فسره السيرافي وغيره، وقد جعل المبرد ذلك قياساً، فأجراه في كل ما كان على أحد البناءين للقياس والسماع، أما القياس فلا استثقال باجتماع الياءات ولم يعتبر ما اعتبره سيبويه في تاء التأنيث، وأما السماع فما تقدم، وهو عنده مما يبلغ مبلغ القياس عليه، وهو في ذلك ذاهبٌ مذهب الكوفيين؛ إذا قالوا بالقياس أيضاً فيهما، قال ابن خروف:"وتكوَّف المبرد في حذف (فَعيل) و (فُعيل) وجعله قياساً كما فعل الكوفيون، قال: وهو قول فاسدٌ؛ لعدم اطراده / ولقلته".

ومذهب الناظم هو مذهب سيبويه والجمهور، وللسيرافي مذهب ثالث، وهو جعل ذلك قياساً في (فُعَيل) وحده؛ إذ قال حين ذكر

ص: 501

نقل سيبويه في هذيل: هذليّ جاءت على أسماء كثيرة، ثم عدد أشياء على (فُعيل) مما تقدم، ثم قال: وهذا يكثر حتى يخرج عن الشذوذ عندي، والناظم لم يرتض من ذلك كله إلا مذهب سيبويه والجمهور. وكذلك فعل في "التسهيل".

وأما الشرط الثاني: وهو ألا تكون العين معتلة، فهو الذي أراده بقوله:

وتمَّمُوا ما كان كالطويلهْ

يعني: أن العرب لم تحذف الياء من (فَعيلة) إذا كانت العين معتلة، كما كانت في طويلة، بل تمَّمته، أي: أتت به على تمامه، فتقول فيه: طَويليٌّ، وقالت العرب في بني حَوِيزَة: حَوِيزَة: حَوِيزيٌّ، فلم يُغيَّر، وإنما أتت به على ذلك؛ لأنهم يكرهون تحرك هذه الواو لو قالوا: طَوَليٌّ، كما يكرهون ذلك في (فَعَلَ)، ولذلك لا يبقونها متحركةً بل يعملونها بقلبها ألفاً، فتركوا طويلياً على أصله لذلك. هذا معنى ما علَّل به الخليل.

وأما الشرط الثالث: ألا يكون مضاعَف العين واللام، فهو المراد

ص: 502

بقوله:

وهكذا ما كان كالجليلهْ

يعني: أنهم تمَّموا أيضاً كل اسم على (فَعِيلة) كان مضاعفاً كهذا المثال فتقول فيه: جَليليٌّ، وفي شديدة: شَديديٌّ، وإنما ذلك كراهية لاجتماع مِثْلَين لو قلتَ: جَلَليٌّ وشَدَديٌّ، قال سيبويه: وسألتُهُ -يعني: الخليل - رحمه الله عن شديدة فقال: "أحذِفُ؛ لاستثقالهم التضعيفَ، وكأنهم تنكبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف"، ثم سأله عن مسألة (طويلة) وأجاب بمعنى ما تقدم.

هذا تمام ما ذكر من الشروط، وهي وافيةٌ بالمقصود، إلا أنه يبقى في كلامه نظرٌ في اقتصاره في الشرطين الآخرين على ما كان على (فَعيلة) دون ما كان على (فُعيلة)، وكان الأولى أنْ لو ذكر الشرطين مضافين إلى المثالين معاً، وقد جعل ابن أبي الربيع وغيره ذلك كذلك، فعندهم أنه يقال في نحو: لُوَيزة: لُوَيْزيٌّ، وتقول في هريرة: هُرَيريٌّ، كما تقول في طَويلة: طَوِيليٌّ، وفي شديدة: شَدِيديٌّ؛ لأن الحكم فيهما واحدٌ، مع صحة العين وعدم التضعيف، فكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيهما مع إعلال العين ووجود

ص: 503

التضعيف، وإلا ما الفرقُ؟

والجواب: أن مسألة (فُعِيلة) في المضاعف والمعتل العين لم يذكرها المتقدمون من النحويين، ولا تعرَّضوا للنظر فيها، وإنما / تكلم سيبويه وغيره في (فَعِيلة) خاصَّةً، فأما المعتل العين فقد حكى شيخنا الأستاذ - رحمه الله تعالى - عن شيخه أبي إسحاق الغافقي أنه قال: لا أذكر في هذا نصاً، يعني للمتقدمين، والمتأخرون قد اختلفوا فيها، وذلك أن السبب الموجب لإبقاء نحو: طويلة على أصله، ما يلزم عليه من الثقل وموجب القلب لو قيل: طَوَليٌّ كما تقدم، وذلك مفقود في (فُعَيلة)؛ إذ لا موجب لقلب الواو ألفاً لو قلتَ في لُوَيزة: لُوَزيٌّ، فلما كان الأمر على هذا اختلفوا؛ فمنهم من أجرى (فُعَيلة) مجرى (فَعيلة) كأنه حمل ما ليس فيه موجب على ما فيه موجب" ليجريَ الجميع على أسلوب واحد، وإلى هذا ذهب ابن أبي الربيع وشيخ شيخنا أبو إسحاق الغافقي، حكى عنه الأستاذ أنه قال: "الوجه عندي أن تجريا مجرى أختيهما، يعني: مجرى فَعِيلة وفَعُولة ليجريَ الكلُّ على أسلوب واحدٍ كما فعلوا في باب "يعِدُ" وفي باب

ص: 504

"أكرم"؛ إذ حذفوا واو "يوعد" لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم حملوا عليه أعد، ونعد، وتعد، ليجري الباب مجرًى واحداً، وكذا حذفوا همزة أأكرم لاجتماع الهمزتين، ثم حملوا عليه يكرم ونكرم وتكرم، فلذلك حملوا (فُعُولة) و (فُعَيلة) على (فُعَولة) و (فَعِيلة) ليجري الجميع مجرًى واحداً، ومنهم من ذهب إلى أن لـ (فُعَيلة) حكمَ نفسها لما نفدت العلة التي لأجلها لم يقع في الكلمة تغيير رجع بها إلى الأصل القياسي من حصول التغيير، فيقال عنده في لُوَيزة: لُوَزي، وفي خُئُولة: خُئَليٌّ، كما تقول في قُتَيبة: قُتَبيٌّ، وفي سَبُوطة: سَبَطيٌّ، وهذا مذهب ابن عبيدة، قال (رحمه الله تعالى): وهي من المسائل التي خالف فيها شيخه أبا الحسين يعني: ابن أبي الربيع.

وأما المضاعف فلم يقع فيه بين هؤلاء المتأخرين اختلافٌ لوجود العلة، لو قيل في هريرة: هُرَرِيٌّ، فيحتمل أن يكون الناظم لم يتكلم على ذلك اتباعاً لمن تقدم ووقفاً لها في محل النظر، وعلى أن ظاهر كلامه في التسهيل أنه على طريقة ابن عَبيدة إذ قال: "يقال في

ص: 505

(فُعَيلة): فُعَلي، وفي (فَعِيلة) و (فُعَولة): فَعَليٌّ، ما لم يضاعفن أو تعدم الشهرة أو تعتلَّ عين (فَعيلة) أو (فَعُولة) صحيحة اللام، فيترك (فَعِيلة) المعتلة العين على الحكم الأول ولم يستثنها، وهذا هو القياس. وهو / الذي جرأ ابن عبيدة على مخالفة شيخه، والله أعلم.

ويحتمل أن يكون المثالان وهما: الطويلة والجليلة منبِّهاً بهما على علة التصحيح، فأما الطويلة فقد مر قبيل هذا أن العلة في تصحيحه خوف الإعلال بقلب الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فكأن الناظم يقول: صححوا ما كان مثل: الطويلة مما يلقى فيه مع الحذف الإعلال، فعلى هذا لا يدخل فيه نحو: لُوَيزة لفقد سبب الإعلال، وهو: انفتاح ما قبل الواو، وأما الجليلة فقد مر أيضاً أن العلة في تصحيحه ثقل اجتماع المضاعفين، ولا شك أن هذا موجود في نحو: هريرة لو حذفت، فقلت: هُرَري، فكأنه يقول: ما كان كالجليلة مما يلقى فيه مع الحذف، التقاء المثلين فواجب تصحيحه، فإذن ليس الحكم بمتقصرٍ به على (فَعيلة) فقط، وهذا أولى ما يُجاب به، والله أعلم.

***

وهمزُ ذي مد ينالُ في النَّسبْ ما كان في تثنيةٍ له انتسَبْ

ذو المد هو الاسم الممدود، والاسم الممدود يطلق اصطلاحاً على

ص: 506

ما كان آخره همزةً قبلها ألف زائدة، وهو في كلامه على حذف الموصوف، كأنه قال:"وهمز اسم ذي مد" والنيل: الإصابة، يقال: نال فلانٌ خيراً يناله: إذا أصابه، وينال في موضع خبر المبتدأ الذي هو "همز"، و"ما" مفعول "ينال"، وهي واقعة على الحكم، أي: ينالُ في النسب حكم التثنية، أو على التغيير اللاحق للكلمة، أي: ينال في النسب التغيير اللاحق للتثنية، وضمير "كان" عائدٌ على "ما"، وفي "له" عائد على الاسم "ذي مد" ينال في النسب الحكم أو التغيير الذي كان انتسب لذلك الاسم في التثنية، وجملة المعنى أن الممدود حكمه في النسب حكم التثنية، فحيث لزم التغيير في التثنية لزم في النسب، وحيث امتنع امتنع، وحيث جاز جاز، هذا محصوله وهو (ظاهر إلا أنه ينظر) في التفصيل على ما تقدم له في التثنية، فإنه أحال عليه، وبكلامه يفسر كلامه، وقد تقدم له في باب (كيفية التثنية) أن الممدود على ثلاثة أقسام: ما همزته أصلية، وما همزته للتأنيث، وما عداهما، فأما القسم الأول: فالإثبات حتماً، وأم القسم الثاني: فالإبدال واواً وجوباً، وأما القسم الثالث: فالوجهان، ويشتمل على

ص: 507

قسمين:

أحدهما: ما الهمزة / فيه بدل من الأصل.

والثاني: ما هي فيه بدل من حرف زائد للإلحاق، وفي كلا القسمين الوجهان، إلا أنه يترجح القلب في المبدلة من زائد الإلحاق، ويترجح الإثبات في المبدلة من أصل على رأي المؤلف، كما تقدَّم، فكذلك يكون الحكم هنا، وقد تقرر في التثنية أن الهمزة لا تحذف أصلاً، فكذلك لا تحذف هنا، فهي هنا بخلاف ألف التأنيث من حيث كان حكمها الحذفَ كما تقدم، فالفرق بينهما نظير ما تقدم من الفرق بينهما في التصغير، وذلك أن آخر الاسم في حمراء لما تحرك على خلاف ما عليه الألف، وكان حياً يظهر في الرفع والنصب والجر صار بمنزلة ما آخره ألف ونون نحو: سلامان، وزعفران، وغير ذلك من الأواخر التي هي من أصل الكلمة كاشهيباب، فصارت الهمزة كالأصلية كما صارت ألف مِعزى كألف مرمى بخلاف الألف، فإنها ميِّتةٌ لا يظهر فيها وجهٌ من وجوه الإعراب، حذفوها كما حذفوا ياء ربيعة وحنيفة، هذا تعليل سيبويه.

ولنرجع إلى التمثيل فأما الهمزة الأصلية فنحو: قُرَّاء ووُضَّاء،

ص: 508

تقول فيه: قُرَّائيّ ووُضَّائِيٌّ، وأما التي للتأنيث فنحو: حمراء، وصحراء، وزكريا، تقول فيه: حمراوي وصحراوي وزَكَرياوي، وكذلك ما أشبهه، وأما المبدلة من أصل فنحو: كِسَاء ورِدَاء وحَياء، تقول فيه: كِسائي وردائي وحَيَائي إذا أثبتَّ، وكِساوي ورِداوي وحَيَاوي إذا قلبت، وأما المبدلة من زائد الإلحاق فنحو عِلباءٍ وحِرباءٍ، تقول إذا قلبت: عِلباويٌّ وحِرباويٌّ، وإذا أثبتَّ: عِلبائي وحِربائي. هذا جملة ما ذكر هنالك، وما يترتب عليه هنا، ووجه القلب أن أصله في همزة التأنيث، وذلك أن الهمزة مستثقلة، وهي بعد ألف قريبة من همزة، ولذلك كانت بين ألفين كهمزتين وبعدها ياءٌ مشددة وهي مستثقلة أصلاً، والتأنيث مستثقل في المعنى والأحكام، هذا مع أنهم أرادوا أن يفرقوا بين الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث وغيرها، كما فرقوا بين ألف التأنيث المقصورة وغيرها فيما تقدم، فألزموا هذه الهمزة القلب واواً؛ لأنه لا يمكن أن تقلب ياء، ألا تراهم يفرون من الياء إذا كانت أصلية، فيقولون: رَحَوي، لثقلها مع ياءي النسب، فهذا الوضع بذلك أحرى، وعلَّل ابني جني القلب بأن الهمزة لو أقرَّت على حالها لوقعت علامة التأنيث حشواً إذا قلت: حَمْرائي، فكرهوا ذلك: أن موضع / علامة التأنيث الأطراف لا الأوساط، ثم إن القلب في عِلباء بالحمل على الهمزة التي للتأنيث،

ص: 509

لشبهها بها في الصورة والزيادة، وفي كِساء بالحمل على عِلباء لشبهها بها في الصورة ومقابلة الأصل، وقد حكى قُرَّاويي شاذاً، حملوه على كسِساء لاجتماعهما في الأصالة على الجملة.

وهذا التدريج وجه الصناعة في هذه الأقسام، وهو الذي اعتمده ابن جني وبوَّب عليه وعلى أمثاله في الخصائص، وكما لم يراع الناظم في حكاية الوجهين في القسم الثالث الترجيح لأحد الوجهين على الآخر في التثنية، كذلك ههنا، وقد تقدم وجه الترجيح، والخلاف فيه، وهو جارٍ هنا، بلا بدٍّ.

فإن قلتَ: فإن النحويين حكوا هنالك أشياء - أعني في التثنية - من قلب همزة التأنيث ياء، ومن قلب همزة نحو: كساء ياءً، ومن إثبات همزة التأنيث على حالها، ومن حذفها رأساً كأنها لم تكن، ومن غير ذلك، ولم يحكوا في التثنية: قُرَّاوان، وإنما قاسه الفارسيُّ على قُرَّاويّ، وقد تقدم التنبيه عليه في باب التثنية، على أن ابن جني يظهر من كلامه أن قُرَّاوان سماعٌ ولي بنصه منه فيه، والفارسيّ لم يعرفه، فالأظهر أنه لم يُسمع، وأيضاً فمن الأشياء التي

ص: 510

وقع التنبيه عليها ما في كونه قياساً خلافٌ؛ كمذهب الكسائي في جواز حمراءان بإثبات الهمزة، وكذلك مذهب الكوفيين في جواز حذفها رأساً إذا طال الممدود، وأجازوا أيضاً قياس إبدالها ياءً، وهكذا عادتهم في الشذوذ أن يقيسوا عليها، ولم يُحك عنهم في النسب شيءٌ من ذلك فيما علمت، وإذا كان كذلك فكان من حق الناظم ألَاّ يطلق قوله في مضاهاة النسب للتثنية؛ إذ يوهم الجريان والمضاهاة في القياس، والشذوذ، والمختلف فيه، وليس كذلك كما ظهر لك.

فالجواب: أن مقصد الناظم إنما هو مضاهاة المقيس عليه خاصة، وهو الذي بنى عليه في المختصر، بل هو الذي بنى عليه جميع النحويين، وإنما حكوا الشذوذات احترازاً منها وتنبيهاً على عدم القياس فيها، وذكرها عندهم تكميلٌ وزيادةٌ على الحاجة، لم يقصد الناظم الشذوذ في هذا التقرير، وأما المختلف فيه فهو راجع إلى الشذوذ أيضاً؛ لأن كل ما قاس عليه الكوفيون أصله الشذوذ، فلم يحفل به، فلم يبق إلا أنه / عنى المقيس خاصة، والمضاهاة فيه ظاهرة لا إشكال فيها.

***

ص: 511

وانسِبْ لصدرِ جملةٍ وصدرِ ما رُكّبَ مزجاً ولِثَانٍ تَمَّمَا

إضافةً مبدوءةً بابنٍ أوَ ابْ أو ماله التعريفُ بالثاني وجبْ

فيما سِوَى هذا انسُبِبَنْ للأولِ ما لم يُخَفْ لَبسٌ كعبد الأشهَلِ

هذا فصل يذكر فيه النسب إلى المركب، وقد مر أن المركب من الأسماء على ثلاثة أقسام: مركب تركيب إسناد كتأبَّط شراً، ومركب تركيب مزجٍ كبعلبكَّ، ومركب تركيب إضافة كامرئ القيس، وهذه الأقسام الثلاثة هي التي تكلم عليها.

فأمَّا القسم الأول: وهو المركب تركيب الإسناد، فهو الذي قال فيه:"وانسب لصدر جملة" يعني أنك إذا أردتَ النسب إلى الاسم مركب من جملة فإنك لا تنسب إلى جميعها، ولا إلى الآخر منها، وإنما تنسب إلى صدرها، وهي الكلمة الأولى من تلك الجملة، فتقول في: برَقَ نحرُهُ: بَرَقيٌّ، كأنك إنما نسبتَ إلى بَرَقَ خاصةً من أول الأمر، وفي تأبَّط شراً: تأبَّطِيٌّ، وكذلك إذا نسبتَ إلى نحوه:"ضربتُ" و"ضَرَبَكَ"، فإنك تقول فيهما: ضَرَبيٌّ، أو نسبت إلى "قلتُ" فإنك تقول: قُوليٌّ، ترد الفعل إلى أصله؛ لأنك صيَّرتَ الاسم: قُلْ، وأنتَ إذا سمَّيتَ بـ"قُل" رددتَه إلى أصله، فقلتَ: هذا قولٌ يا فتى، وكذلك ما أشبهه، وحكى سيبويه في النسب إلى "كنتُ": كُونيٌّ، وهو موافقٌ لـ"قُوليّ"، هذا وجه القياس كما قال الناظم، فما خالفه

ص: 512

فمسموعٌ، فقد قالت العرب في النسب إلى "كنتُ": كنتيٌّ، حكى ابن خروف عن أبي زيد أنه قال: يقال رجلٌ كنتيٌّ؛ أي: كبيرٌ، قال رجل حرمازيٌّ مذ مائة سنة فيما حدَّثني ابنه:

إذا ما كنتَ ملتمساً لغوثٍ فلا تصرخْ بكُنتيٍّ كبيرِ

فليسَ بمدركٍ شيئاً بسعيٍ ولا سَمْعٍ ولا نطَرٍ بصيرِ

وكُنْتُنيٌّ يحكى بزيادة نون بعد التاء، قال السيرافي: زادوا النون ليسلمَ لفظ "كنت"، وأنشد عن ثعلب:

ولستُ بكنتيًّ ولستُ بعاجزٍ وشرُّ الرجال الكنتِنيُّ وعاجزُ

هكذا وقع بالزاي، والشلوبين ينشده عاجنٌ بالنون، وهذا كله نسبٌ إلى "كنتُ"؛ لأن الشيخ كان كثيراً ما يقول: كنت وكنت، فنسب إلى لفظه وهو نسب على غير قياس، ولذلك قال ابن ولَاّد على ما وقع له في كتاب سيبويه: ليس يقول: كنتنيٌّ إلا غالطٌ؛

ص: 513

لأنه فعلٌ واسم، ويلزم من قاله أن يقول: تأبَّط شرِّيٌّ، والغلط الذي أراد هو أن يتكلم العربي بالشيء على قياسٍ ما /، ثمَّ يعرض له في توهُّمِ أمرٍ آخر فيعتبره، ويترك الأول لضرب من التوسع؛ لأنهم ليست لهم أصول يرجعون إليها، وإنما تهجم بهم طباعهم على ما ينطقون به، فربما استهواهم الشيء فأخرجوه عن القصد، هذا معناه، ووجه الغلط هنا جعلهم فاعل الفعل كالجزء منه، وبه استدل ابن جني على شدة اتصال الفاعل بفعله، وقد خالف في المسألة الجرمي على ما نقل عنه المؤلف؛ إذ أجاز النسب إلى العجز في تركيب الإسناد قياساً على تركيب المزج حيث جاء فيه النسب إلى العجز، فأجاز أن تقول: تأبَّطيٌّ، وأن تقول: شَرِّيٌّ، وما أشبه ذلك، وهو مذهبٌ مرفوضٌ عند غيره؛ لأن النسب إلى عجز مثل بعلبك نادرٌ غير شائعٌ، فكيف يقاس عليه، وهو بعدُ لم يبلغ مبلغ أن يقاس عليه، ووجه النسب إلى الجملة وإن امتنعت التثنية فيها والجمع ونحو ذلك، أن النسب يزيل الاسم عن مسماه، فيصير المنسوب غير المنسوب إليه، ألا ترى أن البصريَّ مدلوله غير مدلول البصرة، فسَهُلَ عليهم

ص: 514

تغييره، وإن كان جملة، ولأن المنسوب قد ينسب إلى بعض حروف المنسوب إليه، فلذلك نسبواً إلى بعض الجملة، ووجه النسب إلى الصدر شبهه بالمضاف؛ لأنه عامل فيما بعده، كما أن المضاف عاملٌ فيما بعده، قال سيبويه: "ويدلُّك على ذلك أن من العرب من يفرد فيقول: يا تأبط أقبل، فيجعل الأول مفرداً، [قال]: فكذلك تفرده في الإضافة، يعني في النسب؛ لأن الياءين معاً بابا تغيير، والتغيير بالنسب أحق؛ لأن النسب يخرج الاسم عن مسماه، وذلك لا يكون في النداء، فهو أولى بالتغيير من النداء.

وأما القسم الثاني: من المركَّب وهو المركب تركيب مزجٍ، فهو الذي قال فيه:

... وصدرِ ما رُكب مزجاً

...

وهو معطوف على "صدر" في قوله: "وانسب لصدر جملة"، فكأنه في التقدير وانسِب لصدر ما رُكِّب مزجاً، و"مزجاً" منصوب على المصدر بفعل مضمر على حد قولهم: تبسَّمْتُ وميضَ البرقِ، كأنه على تقدير: مزَجَ مزجاً، ومعنى الكلام ظاهر، وهو أن الاسم المركب تركيب مزجٍ إذا نسبت إليه حذفتَ العجز ونسبتَ إلى الصدر، لا يجوز غير ذلك، فتقول في معدي كرب: معديٌّ ومعدويٌّ،

ص: 515

وفي رامَهُرْمُزْ: راميٌّ، وفي بِلال أباد: بلاليٌّ، وفي بلال أباد: بلاليٌّ، وفي مارَسَرْجِسَ: ماريٌّ، وكذلك ما أشبهه، وكذلك تقول في خمسة عشر مسمًّى به: خمسيٌّ، وفي إحدى عشرة: إحْدِيٌّ وإحْدَويٌّ، وكذا القياس فيما / أشبه ذلك من المركبات، وهو مذهب الجمهور، وما جاء على خلاف ذلك فمسموع، نحو قول الشاعر:

تزوجتُها رامِيَّةً هُرمُزيَّةً بفضل الذي أعطى الأمير من الزرقِ

فنسب إلى الاسمين معاً، ولم يقتصر على الصدر فيقول: راميَّة، وهو القياس؛ إذ نسبها إلى رامهرمز، وقد بنوا من الاسمين اسماً واحداً، ونسبوا إليه فقالوا: حضرميٌّ في النسب إلى حضرموت، ومثل هذا في هذا القسم نادر، وإنما يكثر في المضاف نحو: عبشميٍّ في عبد شمس، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.

ووجه ما ذهب إليه الناظم والجمهور أن الاسم الثاني من المركبين مشبَّهٌ بتاء التأنيث، وهذا تشبيه الخليل، ووجه التشبيه أن كل واحد منهما - أعني من العجز والتاء - ليست الكلمة مبنية عليه، ألا ترى أنه

ص: 516

لا يتوالى في اسم واحد أربع متحركات، وتتوالى مع التاء كشجرة، ومع العجز كـ"شَغَرَ بَغَر"، وأيضاً فلا يكون اسمٌ على أكثر من سبعة أحرف ويكون ثمانية بتاء التأنيث كاشهيبابة، وكذلك بالعجز نحو:"أيادي سبا"، فلما كانا على هذا النحو حذف العجز كما حذفت التاء، وأيضاً فهذا المركب شبهه سيبويه بالمضاف والمضاف إليه، حيث كان من شيئين ضُمَّ أحدهما إلى الآخر، وليس بزيادة في الأول، كما أن المضاف إليه ليس بزيادة في الأول المضاف، ولما تقدم آنفاً قال ابن الضائع:"وهو جيد؛ إذ لا يجوز فيه الإضافة، وهو أوقع في التشبيه"، وحكم المضاف أنه لا يمكن فيه النسب إلا إلى الأول كما سيأتي إن شاء الله، فلذلك يكون الحكم هنا أيضاً، قال سيبويه بعد ما قرر أوجه التثنية:"فمن كلام العرب أن يجعلوا الشيء كالشيء إذا أشبهه في بعض المواضع"، وقد خالف الناظم بارتكابه هذا المذهب مذهبين آخرين: أحدهما مذهب الجرمي، حكاه عنه السيرافي: أنه يجيز النسب إلى العجز منهما إو إلى الصدر: إلى أي ذلك أحببت فتقول في حضرموت: حَضَريٌّ إن شئتَ، وموتيٌّ إن شئت، وكذا في بعلبك: بعليٌّ أو بكيٌّ، وفي بلال أباذ: بلالي أو أباذيٌّ، وكأنه اعتبر

ص: 517

في هذا الحكم الإضافة من حيث كان كل مركب مجوز الإضافة، والمضاف قد يجوز حذف الصدر منه والنسبة إلى العجز، فحمل المركب تركيب مزجٍ على / ذلك، قال ابن الضائع:"وهو ضعيفٌ؛ لأنه إذا أُضيف لا يجوز فيه إلا حذف الثاني" كما سيأتي، فقوله ومذهبه مرجوحٌ.

والمذهب الثاني من المذهبين مذهبُ أبي حاتم السجستاني في النسبة إلى خمسة عشر ونحوه وهو: أنه أجاز النسب إلى الاسمين مفردين لأجل اللبس، فتقول: هذا ثوب أحديّ عشريّ، وإحدويّ عشريّ، وإحديّ أو إحدويّ عشريّ، كل ذلك في النسب إلى إحدى عشرة، يريد: أنَّ هذا ثوبٌ طوله إحدى عشرة، وفتح الشين في عشري على لغة من قال: عشِر فكسر الشين، وكذلك سائر المثل إلى تسع عشرة أو تسعة عشر، فتقول: هذا الثوب ثلاثيٌّ عشريٌّ، أو عشريٌّ في ثلاثة عشر، أو ثلاثة عشر وتسعيٌّ عشريٌّ، أو عشريٌّ، وكأنه قاس هذا على مَن قال:

تزوجتُها رامِيَّةً هُرمُزيَّةً

مع أنه لا يمكن حذف الثاني لوقوع اللبس بالنسب إلى ثلاثٍ أو ثلاثةٍ، ونحوهما غير مركَّب، فإذا كانوا قد ينسبون إليهما معاً حيث

ص: 518

لا يراعى اللبس، وذلك في الأسماء الأعلام ففي العدد حيث يقع اللبس أولى أن ينسب إليهما معاً، وهذا المذهب مخالفٌ للجمهور في مسألتين:

أحداهما: في النسب إلى الاسمين معاً.

والآخرى: في أصل النسب إلى العدد المركب، وهو عدد غير مسمى به، ولأجل المسألة أولى أتيتُ به عند ذكر المسألة الأخرى إثر هذا بحول الله.

وأما القسم الثالث: وهو المركب تركيب إضافة فإنها عنده على أربعة أقسام: ثلاثة منها يكون النسب فيها إلى الثاني المضافِ إليه، ويحذف الأول، وواحد يكون فيه النسب إلى الأول.

فالنوع الأول: يكون النسب فيه إلى الثاني، وهو كل مضاف كانت فيه إضافة الابن أو الأب وذلك قوله:

...

...

...

...

ولِثَانٍ تَمَّمَا

إضافةً مبدوءةً بابنٍ أوَ ابْ

...

...

...

...

يعني: أنك تنسب للاسم الثاني الذي تمَّمَ الإضافة، أي: كان فيها مضافاً إليه، وكانت تلك الإضافة مبدوءة بابن أو أبٍ، أي: كان المضاف لفظَ الابن أو لفظ الأب، كابن فلانٍ وأبي فلان، فالنسب بمثل هذا إنما هو للثاني، ويحذف الأول، فتقول في ابن زيد: زيديٌّ،

ص: 519

وفي ابن كراع: كُراعي، وفي ابن الزبير وابن عباس وابن عمر: زبيريٌّ وعبَّاسيٌّ وعُمَريٌّ، وما أشبه ذلك، وتقول أيضاً في أبي زيد: زيديٌّ، وفي أبي بكر وأبي مسلم: بكريٌّ ومسلميٌّ /، وكذلك قالت العرب في ابن دعلج: دعلجي، وفي أبي بكر بن كلاب: بكري، وهذا كله لا يقع فيه النسب إلا على الثاني، ويحذف الأول؛ لأنهما إضافة قد بدأت بابن وبأب، فحيث كان أبو فلان أو ابن فلان فعلى هذا الحكم يجري، ويدخل في معناه بنت فلان وأم فلان، فتقول في النسب إلى بنت غيلان: غيلانيٌّ، وفي بنت قيس: قيسيٌّ، وكذلك في أم السعد: سعديٌّ، وفي أم الوليد: وليدي، وما أشبه ذلك، فهو داخل تحت كلام الناظم بمعناه لا بلفظه، ووجه حذف الأول هنا أن الثاني هو المقصود، ولم يؤتَ بالأول إلا ليتعرف به، فلو حذف الثاني هنا مع أنه المقصود وبه الشهرة والمعرفة لكان ذلك نقضاً للغرض في الإتيان به، فلم يكونوا ليحذفوا ما كان مقصوداً في التعريف به، فل يبق إلا أن يحذف الأول.

فإن قيل: هذا ظاهر في ابن فلان؛ لأن ابن كراع لم يوضع لمن ليس بابن كراع، بل هو ابن له تعرف أولاً بالإضافة إليه حتى صار غالباً عليه؛ فلم يجز حذف الثاني؛ لأن العلمية من حيث جاءت بالغلبة، وأما أبو فلان وسائر الكنى فليس فيها تعريف بالثاني أصلاً؛ إذ ليس بموجود فضلاً عن أن يتعرف به الأول.

ص: 520

فالجواب: أن العرب قصدت بالكنى التفاؤل فصيَّرتهُ كأنه يتعرف بالثاني تفاؤلاً له أن يكون له ابنٌ يتعرف به فهو داخل بالحكم في ذلك بالقصد، وقد علل أيضاً باللبس؛ لأنك لو نسبت إلى الأول وهو ابن أو أب، فقلت: أبوي أو ابني، لم يتميز أبو بكر من أبي عمرو، ولا ابن كراع من ابن عمر، وما أشبه ذلك، فنسبوا إلى الثاني ليرتفع اللبس ويبين المراد.

والنوع الثاني: يكون النسب فيه للثاني المضاف إليه، وذلك قوله:

أو ماله التعريف بالثاني وجبْ

"ما" معطوفٌ على "ابن" في قوله: "بابن أو أب"، والضمير في "له" عائد على "ما" وصلة ما الفعل الذي هو "وجب" إن جعلتها موصولة، وإن جعلتها نكرة فصفتها وجب، و"له" متعلق به وبـ"الثاني" متعلق بالتعريف، والتقدير: ولثانٍ تمَّمَ إضافةً مبدوءةً بما وجب له التعريف بالثاني، والثاني هو المضاف إليه، يعني: أن النسب يجب أيضاً للثاني إذا كان التعريف للأول، إنما جاء من إضافته إليه، ومثال/ ذلك ما إذا نسبت إلى دار زيد وصاحب عمرو وغلام بكر وما أشبه ذلك، وهي باقية على ما وضعت له لم تنتقل بالتسمية إلى غير ما دلَّت عليه بالوضع فإنك تقول: زيديٌّ، وعمريٌّ، وبكريٌّ،

ص: 521

فتحذف الأول وتنسب إلى الثاني، ويتأتى النسب إلى مثل هذا بأن يكون الأول قد كثر تعريفه بالثاني، حتى صار غالباً عليه، وصار في حيِّز الأعلام بالغلبة كابن عمر وابن عباس في النوع الأول، وقد تقدم بيان كون هذا المعرَّف بالغلبة مما حصل له التعريف بالثاني في أصله، وأنَّ أصله ملحوظ، فإن غلب فلا يعترض به عليه، وأما إذا كان على أصله لم يغلب عليه الاسم حتى صار علماً له، فقد ينسب أيضاً لكن ليس في تمكن النسب إليه هناك. ولكن الشلوبين قد فرض النسب إلى كل منهما، وهو ظاهر كلام الناظم، ولا مشاحَّة في مثل هذا، ولكن ابن عصفور فصل بين القسمين في الحم، فقال في شرح الجمل فيما إذا كان نحو غلام زيد باقياً على أصله لم ينتقل إلى علَميَّة بغلبة أو بتعليق: فإنك مخير في النسب إلى ما شئتَ، فإن شئتَ قلتَ: غلاميٌّ، وإن شئتَ قلتَ: زيديٌّ، وإن كان قد انتقل إلى التعريف الغلبة، فحكمه ما تقدم، ولم أرَ هذه التفرقة لغيره، ولكن

ص: 522

الأبَّديّ وجَّه ذاك، وذهب إليه، وذلك أنه حين شرع في الكلام على المضاف قال: "والكلام في هذا الباب في النسب إلى المضاف، وهو علمٌ أو غالبٌ لا في العلم على الإطلاق نحو: غلام زيد الذي ليس علماً ولا غالباً، فإنه لا يقصد بالنسب إليه ولا النسب إلى مفرداته، وليس لمجموع الاسمين معنًى مفردٌ فينسب إليه كابن الزبير، وامرئ القيس، قال: فإن قال قائل: كيف تنسب إلى غلامِ زيدٍ إذا لم يكن علماً ولا غالباً؟

فيقال له: هذا سؤال فاسد؛ لأنك إن كنت قاصداً السؤال عن النسب إلى مفرداته فما الفائدة في قولك: كيف تنسب إلى غلام زيد، وهلَاّ قلت: إلى زيد أو إلى غلام؟ ، وإن كان قصدك السؤال عن مجموع الاسمين فقد تقدم - يعني في المركب تركيب مزجٍ، هذا والأمر أيسر ممَّا قال؛ لأن النسب إلى غلام زيد، وهو غير علم ولا غالب متأتٍّ من حيث كان هذا اللفظ واقعاً على الغلام، وهو المراد بالكلام حين أخبرت عنه / مثلاً بالقيام في قولك: قام غلام زيد؛ لأنك أردتَ مدلولي الاسمين معاً في إخبارك؛ إذ ليس إتيانك بـ"زيد" لأجل أنك تخبر عنه بشيء، وإنما أتيت به تخصيصاً للغلام من بين

ص: 523

سائر الغلمان، فصار كالألف واللام جزءاً من الكلمة، وإذا كان كذلك، وكان بينك وبين مخاطبك عهدٌ فيه، فما الذي يمنع من أن تنسب إليه، لا فرق بين النسب إليه في هذا الحال والنسب إليه إذا صار الاسم غالباً عليه، وهم يقولون: إنما نسب إلى الثاني في الذي غلبت عليه الإضافة؛ لأنه المقصود، وبه الشهرة، أي: المقصود في جهة التعريف الغالب؛ لأنه ما غلب إلا تعريفه بالثاني، فكذلك أيضاً يكون الحكم فيما إذا لم يغلب؛ لأن الثاني أيضاً مقصود، وبه الشهرة والتعريف، اللهم إلا أن يقال: إن النسب إلى مثل هذا يقلّ لبعده عن شهرة الأعلام؛ إذ هو مفتقر إلى عهد، وتقدم معرفة به بينك وبين مخاطبك، فهذا الذي يقال، لكن ذلك غير مانع من صحة النسب إليه، فما قاله الأُبَّذي فيه ما ترى، وعلى هذا التقرير نقول: إنه يدخل تحت كلام الناظم في النوع الأول أبو فلان وابن فلان وإن لم يغلبا، وكذلك بنت فلان وأم فلان، وهو ظاهر، ووجه النسب إلى الثاني في النوع ما تقدم في النوع الأول من أن الثاني مقصود، وبه الشهرة والتعريف، فلم يمكن حذفه لفقد ذلك المقصود بحذفه.

والنوع الثالث: يكون النسب فيه إلى الأول لا إلى الثاني، ويحذف الثاني، وهو ما عدا ما تقدَّم إذا لم يوقع لبساً، وذلك قوله:

فيما سوى هذا انسبَنْ للأول

هذا إشارة إلى النوعين الأولين، و"فيما" متعلق بـ"انسبن"، يعني: أن ما سوى ما تقدم ذكره من النوعين المذكورين يكون النسب فيه إلى الاسم الأول من المضافين، وتحذف الثاني، ويجري على ما تقدم

ص: 524

في أقسام المركب من حذف عجزه، والنسب إلى صدره، ولم يبين هذا النوع بياناً يخصه في نفسه كما فعل في الأولين، وإنما عرفه بنفي ما عداه، وهو تعريف جملي ولكنه موفٍ بالمقصود؛ إذ معناه: كل مضاف لم يتعرَّفْ فيه الأول بالثاني ولا كان مبدوءاً بابن أو أب، وحقيقته أن كل مضاف وقع علماً لشيء بالتعليق والوضع الأول، ولم يُرَد له معنًى غير ذلك، هذا هو التعريف الخاص به كامرئ القيس، وعبد / القيس، وما أشبه ذلك، فمثلُ هذا تقول فيه: امرئيّ ومرئيّ في امرئ القيس، وعبديّ في عبد القيس، قال سويد بن أبي كاهل:

همُ صلبوا العبديَّ في جِذع نخلةٍ فلا عَطَسَتْ شَيبانُ إلا بأجدَعَا

وقال ذو الرمة في النسبة إلى امرئ القيس:

تُبيِّنُ نسبةُ المرئيِّ لؤماً كما بيَّنْتَ في الأدم العُوَارا

إذا المرئيُّ شبَّ له بناتٌ عَصَبْنَ برأسه إبةً وعارا

إذا المرئيُّ سيقَ ليوم فخرٍ أُهينَ ومدَّ أنواعاً قصارا

إذا مرئيَّةٌ وَلَدت غلاماً فألأمُ ناشئٍ نُشِغَ المحَارا

وفي هذه القصيدة في رواية بعضهم:

ص: 525

ويهلِكُ وسْطَهَا المرئيُّ لغواً كما ألغيتَ في الدِّيَةِ الحُوَارا

ويروى هذا البيت لجرير رَفَدَ به ذا الرمة في قصيدته هذه مع بيتين قبله فانتحلها ذو الرمة، نقل ذلك البكري في صلة الموصول، وكذلك إذا سميت رجلاً بـ"غلامِ زيدٍ" تعليقاً أولياً، تقول فيه:"غلامي"، وفي صاحب عمرو علَماً، كذلك صاحبي، وأمثال ذلك، والنسب إلى الأول الذي هو الصدر وحذف الثاني هو القياس والوجه، لأن الثاني بمنزلة تمام الأول، وواقع موقع التنوين منه، حيث لم يكن له تأثير في تعريف الأول فصار الاسم الأول بمنزلة "زيد"، والثاني: بمنزلة التكملة له كـ"تنوين"، فهذا أولى بالحذف، ولكن عوض فيما تقدم شيء أوجب ألا يحذف الثاني، فإذا زال ذك العارض فلا بُدَّ من الرجوع إلى الأصلِ، ما لم يقع لبس كما سيأتي،

ص: 526

فإنه يرجع إلى النسب إلى الثاني؛ لأن اللبس عارضٌ يجب اعتباره عند الناظم.

والنوع الرابع: يكون النسب فيه إلى الثاني على غير الأصل، ويحذف الأول لطروء لًبْسٍ فيما قبله، وذلك قوله "ما لم يُخَفْ لًبْسٌ"، يعني: أن الحكم المذكور في ذلك النوع المتقدم، إنما هو إذا لم يقع بحذف الثاني لبسٌ، فإن وقع لبسٌ فالمفهوم أن النسب لا يكون للأول، وإنما يكون للثاني، ثمَّ مثَّل ما يقع فيه اللبس فينسب إلى الثاني بـ"عبد الأشهل"، وذلك أنك لو نسبت إليه على القياس فقلتَ: عبدي لالتبس بعبد القيس أو عبد الدار، أو غير ذلك من العبادة المضافة، فيطرح الأصل لذلك، فيقال فيه: أشهلوا؛ إذ يفهم منه النسب إلى عبد الأشهل، وعلى هذا قالوا في "عبد مناف": منافيٌّ، قال سيبويه: وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم في "عبد مناف": منافيّ، فقال: أما / القياس فكما ذكرتُ لك إلا أنَّهم قالوا: منافي مخافة الالتباس، يعني: الالتباس بعبد الدار، إلا أن النحويين في مراعاة هذا اللبس على فرقتين، فمنهم من يقف ذلك على السماع كابن أبي الربيع، ويجعل منافياً وما جاء نحوه شاذّاً، ومنهم من يقيسه وهو مذهب الناظم، كما رأيت، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ لأنه لما ذكر

ص: 527

كلام الخليل في منافيّ قال هو أو الخليل: ولو فعل ذلك بما جعل اسماً من شيئين جاز كراهية الالتباس. هذا نصُّهُ، وإليه ذهب السيرافي والشلوبين وابن عصفور وغيرهم.

واعلم أنه قد تقرر من هذه الأنواع أنه لا ينسب إلى الاسمين معاً المضاف والمضاف إليه، بل إلى أحدهما، وإنما كان ذلك؛ لأن الأول من الاسمين إعرابه بحسب العامل، والثاني مخفوض بلا بد بالإضافة إليه، وإذا كان كذلك لم يكن أن تزاد ياء النسب في آخر الاسم بالحقيقة، وهو آخر الثاني مع بقاء الأول؛ إذ لو قلت في غلام زيد: غلام زيدي، وياء النسب لا بد أن ينتقل إليها الإعراب. فإن نقلت إليها الإعراب الأول مع أنه مضاف إلى الثاني لم يمكن الجمع بين إعرابين، وإن أزلته عن الإضافة إلى ما بعده تغير عما كان عليه قبل، ولا يمكن أيضاً أن ينتقل إلى الياء إعراب الاسم الثاني، فيلتبس بمضاف إلى منسوب، قال سيبويه: كما لا تقول في تثنية أبي عمرو: أبو عمرين، فالأول هو الذي ينبغي أن تجري الأحكام عليه؛ لأن الثاني من تمامه، ولا يجوز أيضاً أن تلحق ياء النسب الأول، ثم تضيفه

ص: 528

إلى الثاني، فيلتبس بمنسوب مضاف إلى ما بعده. هذا مع أن النسب قد يحذف بسببه من الاسم الواحد إذا طال، فهذا أولى بالحذف؛ لأنه أطول مع أن الضرورة تضم إلى ذلك، كما تقدم تقريره. فثبت أنه لا بد من حذف أحدهما: إما الأول، وإما الثاني. وما جاء على خلاف ذلك فشاذ ومسموع، يحفظ ولا يقاس عليه، والذي نقل في مخالفة أنهم بنوا من الاسمين اسماً واحداً على زنة الأسماء، فقالوا في عبد شمس: عبشميّ، قال عبد يغوث بن وقَّاص الحارثي:

وتضْحَكُ مني شيخةٌ عبْشَمِيَّةٌ كأنْ لم تَرَى قبلي أسيراً يمانياً

وفي عبس القيس: عبقسيّ، وإلى عبد الدار: عبدريّ، وهو كثير، وكذلك جعله الجوهري قياساً على ما يظهر منه في الصحاح.

وقال ابن خروف: إنه كثير غير مقيس، والجمهور على أنه لم

ص: 529

يبلغ مبلغ القياس، وقد نصَّ سيبويه على عدم القياس فيه، وهو الأصح، وإليه ذهب الناظم، حيث قصر النسب على أحد ذينك الوجهين: إمَّا النسب إلى الصدر وحده، أو إلى العجز وحده، ثم يبقى النظر مع الناظم في هذا الفصل في مواضع:

أحدها: قوله: "وانسِب لصدر جملة" فإنه يقتضي جواز النسب إلى نفس الجملة من حيث هي جملة، وهذا لا يعقل، وإنما ينسب إلى الجملة إذا صارت في حكم المفرد وذلك عند التسمية بها، فعند ذلك يصح النسب إليها؛ لأنه كالنسب إلى زيد وعمرو، وأما غير ذلك فممتنعٌ لا يصح؛ إذ لا يعقل أن يسأل أحدٌ: كيف تنسب إلى قولك: قام زيدٌ، فإن هذا لا ينسب إليه، كما لا يصح أن ينسب إلى الفعل أو الحرف، وهو فعلٌ أو حرفٌ؛ إذ كان النسب مختصاً بالأسماء، والناظم لم يبيِّن كونه مختصاً بالأسماء، فصار كلامه في ظاهره غيرَ محصَّل.

والثاني: على تسليم أنه أراد الجملة المسمَّى بها لم يبين إلام ينسب؟ وذلك أن النسب إنما هو إلى الجملة نفسها، لكن لا ينسب إليها إلا بالنسب إلى صدرها، وهو قد قال:"وانسب لصدر جملة"، وهذا الكلام إنما يفيد جواز النسب إلى صدر الجملة لا إلى الجملة، وهذا غير مطلوب؛ لأنَّ صدر الجملة إذا كان اسماً كزيد قائم، فوجه

ص: 530

السؤال: كيف تنسب إلى زيد؟ إذ لا فائدة في إضافته إلى الجملة إذا أردت النسب إليه، وإن كان صدرها فعلاً لم يصح من أصله؛ إذ لا ينسب إلى هذا الصدر، وإنما مطلوبنا هنا هو كيفية النسب إلى الجملة لا جواز النسب إلى صدرها، فهو أراد أن يبين معنًى فخرج إلى معنًى آخَرَ غير محتاج إليه.

هذا وإن كان قصده معلوماً عند العارف بالمسألة، فإنما الكلام معه في لفظه بالنسبة إلى تعلم العربية منه، فوجه الكلام هنا أن لو قال: وانْسُبْ لجملة، بأن تنسب إلى صدرها، أو تحذف عجزها، أو ما يعطي هذا المعنى.

والثالث: إذا سلمنا ما ذكر، فهو لم يبين كيفية هذا النسب؛ لأنه إنما قال:"وانسب لصدر جملة"، وهذا الكلام غاية ما يعطي: أن تُلحِقَ الصدرَ ياءَ النسب، فيبقى حذف العجز مسكوتاً عنه، فقد يتوه بقاؤه، وكذلك قوله:

... وصدرِ ما رُكَِبَ مزجا

...

/ وقوله:

فيما سوى هذا انسبن للأوَّلِ

وقد تقدم أنه لا بدَّ من حذف غير المنسوب إليه من الجزئين، فكان حقاً على الناظم على أن ينبَّه على حذف ما لم ينسب إليه، فتركُهُ لذلك إخلالٌ كبيرٌ.

والرابع: إتيانه بعبارة قاصرةٍ غير موفية بأطراف المسألة؛ لأنه

ص: 531

قال: "وانسب لصدر جملة" فقصر ذلك على الجملة، وهذا الحكم ليس بمقصورٍ عليها، بل هو عام في كل ما يحكى في الكلام، ولذلك لما بوَّب سيبويه على المسألة قال:"هذا باب الإضافة إلى الحكاية" فدخل تحته الجملة المسمَّى بها، وكل ما يحكى مما يُسمَّى به، وكذلك بـ"حيثما" و"لولا" و"إنما"، وما أشبه ذلك مما إذا سُمِّيَ به بقي على حاله، وذكر أنَّ حكمه حكم الجملة، فكما تقول: تأبَّطيٌّ وبَرَقيٌّ في: تأبط شرَاً وبرق نحره، كذلك تقول في الإضافة إلى "حيثما" مسمًّى بها: حيثيٌّ، وفي الإضافة إلى "لولا": لوِّيٌّ، وإلى "إنما": إنِّيٌّ، فتحذف العجز وتنسب إلى الصدر، وهذا عام في كل مركَّب يُحكى.

فكان من حق الناظم أن يَعُمَّ ولا يخُصَّ؛ إذ كان يوهم تخصيصه أنه لا يفعل ذلك إلا بالجملة وحدها، وهو مفهوٌ مُخِلٌّ، وكلامه في التسهيل شاملٌ؛ إذ قال:"ويحذف لها (يعني لياء النسب) عجز المركب غير المضاف"، فإن المركب يشمل اتقدم، فلو قال:"وانسب لصدر ما حُكِي" أو ما يعطي هذا المعنى، لكان أعم وأولى.

ص: 532

والخامس: أن قوله

... وصدرِ ما رُكّبَ مزجاً

...

عام في كل مركب تركيب مزج، سواء أكان علماً أو غير علم، وذلك غير صحيح؛ لأنَّ النحويين إنما أجرَوه على عمومه في الأعلام خاصة، فكل ما سميت به من مركَّب تركيبَ مزجٍ، فالنسب إلى صدره قياساً، فإن سميت بـ"شَغَرَبَغَرَ" قلتَ: شَغَرِيٌّ، وإن سميتَ بـ"خمسة عَشَر" قلت: خَمْسِيٌّ، وكذلك سائرها، أما ما كان مركباً غيرَ مسمًّى به، فإنهم قالوا: لا يجوز النسب إلى "خمسة عشر" وهو عدد على أصله، ولا إلى أحد عشر وأخواتهما من المركَّب؛ لأنه يلتبس بمثل صدره من المفرد؛ إذْ لا يعرف إذا قلتَ: خمْسِيٌّ أو أحَدِيٌّ، هل نسبتَ إلى خمسة عشر أو إلى خمسة، أو إلى أحد عشر أو إلى أحد، فلما كان ذلك يوقع اللبس تحامَوه ولم يتكلموا به، وقد أجاز أبو حاتم النسب إلى العدد المركب وهو عدد، ولكن ألحق الياء الاسمين معاً مفردين فتقول: هذا ثوب أحديّ عشريّ، وخمسيّ عشريّ، وقد تقدم تمثيل ذلك، وإنما فعل ذلك خوف اللبس؛ إذ كانوا إنما تركوه للبس، فهذا العمل لا يقع به لبسٌ، فلا يجتمع، وقد / تقدم وجه قياسه على قوله:

تزوجتها راميَّةً هُرْمُزِيَّةً

ص: 533

وأنه لا يمكن حذف الثاني لأجل اللبس، وإذ كانوا قد ينسبون، وإن وقع اللبس، كالأعلام، ففي العدد حيث لا يقع لبس أولى بالجواز، قال ابن الضائع:"وهو وجه، غير أنه لا يوجب إلا طرح النسب إلى الأول، وحذف الثاني، فيستغنى عن النسب إليهما بما يعطي معناه، كما استغنوا عن إضافة اثني عشر اسم عدد، وقد بنت العرب من الاسمين اسماً واحداً، فقالوا: [في حضرموت]: حضرمي، ولم يطردوه كما لم يطردوا النسب إليهما"، وقال:"ولا شك أنه لا يجوز أن يبنى من خمسة عشر اسمٌ واحد، فكذلك لا ينسب إلى الاسمين".

فإن قيل: كيف هذا مع أنكم أجزتم النسب إلى خمسة عشر: خمسي، وهو يلتبس بالنسب إلى المسمى بخمسةٍ أو خمسٍ، ولم تراعوا اللبس، فلِمَ راعيتموه في العدد قبل التسمية ولم تراعوه بعد التسمية؟

فالجواب: ما قاله السيرافي من أن اللبس لا يراعى عند التسمية؛ لأن الأسماء الأعلام ليست تقع لمعانٍ في المسمَّين، فيكون التباسهما يوقع فصلاً بين معنيين، يعني بخلاف ما قبل التسمية، فإن الأسماء واقعةٌ لمعانٍ في مدلولاتها يوجب اللبس فيها الفصل بين المعنيين، وقد يقع في المنسوب إليه لبسٌ لا يحفل به لعلم المخاطب بما نسب إليه كقولنا: حنفي وربعي في النسب إلى: حنيفة وربيعة، وإن كنا نجيز أن

ص: 534

يكون في الأسماء: حَنَفٌ وربَعٌ، وذلك لعلم المخاطب بما ينسب إليه؛ إذ هو اسمٌ علمٌ بخلاف العدد؛ فإنه لا يعرف بما ينسب إليه إلا بما يدل عليه، فامتنع الوقوع في اللبس؛ لأجل ذلك" انتهى.

وأيضاً فإن اللبس في الأعلام قليل النسبة إلى كثرته في غيرها، فاغتفر فيها لقلته، ولم يغتفر في غيرها لكثرته، وإذا ثبت هذا فإطلاق الناظم القول بالنسب إلى الصدر، ولم يقيده بالعلمية، فيه ما ترى، ولا يقال: لعله ارتكب في ذلك مذهب أبي حاتم من الشذوذ بمكانٍ مكين، وقليلاً ما ينقله أرباب المطولات فضلاً عن أهل المختصرات، وهو خارج عن القياسات، فبعيد أن يرتكبه غير مَن نقل عنه، وعلى هذا فلا يستقيم الحمل على مذهب أبي حاتم؛ لأنه إنما أجاز النسب إلى الاسمين مفردين، والناظم لا يقول بهذا، ولا / يقتضيه كلامه، وإنما يعطي كلامُهُ النسب إلى الصدر خاصة وحذف العجز، فكان هذا مذهباً ثالثاً لم يقل به أحد من النحويين.

والسادس: أنه أطلق القول في الإضافة بابن أو أب، فالنسب هنالك يكون للثاني لا للأول، والإطلاق غير صحيح؛ لأن ما كان مبدوءاً بابن أو أب على قسمين:

ص: 535

أحدهما: أن لا يكون مسمًّى به، فلا شك أن حكمه ما قال، وكذلك ما كانت كنية تجري ذلك المجرى؛ لأن الكنية معتبرة الأصل؛ إذ هي غير معلقة وضعاً على شخص بعينه، بل مرادهم بـ"أبي فلان" أن يكون أباً لفلان فصار كقولك: هذا ابنُ فلان تريد: ولده، وهذا أبو فلان تريد: والده.

والثاني: أن يكون مسمًّى به معلقاً على رجل بعينه بالوضع الأول لا يراد به معنى غير التعليق على المسمَّى، كما كان امرؤ القيس معلقاً على رجل بعينه، لا يراد به معنًى سوى التعليق على المسمّى، فهذا حكمه حكم امرئ القيس، فلا ينسب إليه إلا بحذف العجز، فتقول في "ابن زيد" علماً: ابنيٌّ أو بنويٌّ، وفي أبي زيد علماً كذلك: أبويٌّ لا بد من هذا؛ إذ العلة التي لأجلها نسب إلى العجز هناك هي: قصد الثاني للتعريف به، وليس ذلك هنا بل حاصله حاصل امرئ القيس، فدخل تحت حكم امرئ القيس في أن العلميَّة وقعت بهما معاً، ولم يتعرف الأول بالثاني، كما أنه لو كان رجل غلاماً لزيد، فكثر تعريفه به حتى غلب وصار في حيِّز الأعلام، وأردت أن تنسب إليه لوجب أن تقول: زيديٌّ؛ لأن التعريف هنا بالغلبة لا بالتعليق، هذا ما في هذه المسألة، وهي مما قرَّر ابن الضائع، وذكر أنه القياس عنده، وهو قياس لا مدفَع فيه، قال: ولم

ص: 536

أرَ أحداً تتبعهما كذا، بل اقتصروا على ابن فلان وأبي فلان. فالناظم لم يلتفت إلى هذه التفرقة هنا، وهي ضرورية، وكلامه في "التسهيل" صال لهذه التفرقة الحسنة التي ترْكُهَا إخلالٌ.

والسابع: أنه أتى بنوعين أحدهما داخل في الآخر، فكان من حقه أن يأتي بهما نوعاً واحداً؛ لأن الإتيان بهما نوعين تطويلٌ بلا فائدة، وذلك أن نوع الإضافة المبدوءة بالابن أو الأب داخلٌ في الإضافة التي يعرَّف بها الأول بالثاني؛ لأن ابن فلان أو أبا فلان إنما وجب فيه النسب إلى الثاني؛ لأن الثاني مقصود، وبه التعريف والشهرة، فلو حذف لكان نقضاً للغرض، كما تقدم بسطه، وهذا بعينه هو الذي عُرف به النوع الثاني، فصار النوع الأول حشواً؛ لأنه لو سكت عنه لم يسقط له مما / أراد شيءٌ، وحيث اكتفى في التسهيل بهذا الثاني فقال: ويحذف لها عجز المركب غير المضاف وصدر المضاف إن تعرَّف بالثاني تحقيقاً، وإلا فعجزه، وقد يحذف صدره خوف اللبس.

والجواب عن هذه الاعتراضات أن يقال:

أما الأول: فمن المعلوم أن الجملة من حيث هي جملة لا ينسب إليها؛ إذ لا يتأتَّى فيها ذلك من جهة المعنى؛ لأن النسب إلى الشيء

ص: 537

إضافة إليه في المعنى، والإضافة مختصة بالأسماء، فإنما قصد الناظ ما يصح قصده، وذلك الجملة المسمى بها.

وأما الثاني: فإن القصد يفهم من كلامه، وإن كان كلامه إنما وقع جواباً لسؤال كيف تنسب إلى الجملة، وذلك أن قصده بيان ايعرض في الاس المنسوب من التغيير، فهاهنا لا بدَّ أن يحمل كلامه على هذا القصد، فإذا حمَّلناه ذلك لاح لنا أنه يريد: أن الجملة ينسب إلى صدرها؛ أي: تلحق ياء النسب صدرها، وإما أن يريد ما صدر في الاعتراض فذلك لا يسأل عنه مَن عنده أدنى مُسْكَةٍ من العربية، فأطلق العبارة اتكالاً على ما يفهم العاقل المتدبر فيها، وقد تضيق على الناظم العبارة حتى يأتي بها في غاية من التثبيج فيسمح له لمكان ضرورة النظم، ولذلك سومح الشعراء في الضرورات، وأجيز ارتكابها قياساً على ما هو مبسوط في مظانه، وهذا الجواب جارٍ في قوله:

... وصدرِ ما رُكّبَ مزجاً ولثانٍ تُمِّمَا

إلى آخره.

وأما الثالث: فإن الكيفية مفهومة من كلامه، وذلك أنه قد تقدم له الإشارة إلى أن ياء النسب موضعها الآخر، أي: آخر

ص: 538

الكلمة فلا تلحق وسطاً، ولما قال هنا:"وانسب لصدر جملة" كان معناه ألحق ياء النسب آخر الصدر، وآخر الصدر إن كان آخر الاسم على ما اقتضاه كلامه أول الباب فهو المراد، ويفهم منه أنه لا يكون بعد الياء شيءٌ، وهو معنى الحذف، وإن لم يكن آخرَ الاسم لم يصحّ كلامه الأول، لكنه صحيح، فلا بد من انحتام الحذف للعجز حتى يكون آخر الصدر هو آخر الاسم، والاسم هو الجملة كلها لا بعضها، فلا يقال: إن الياء قد وقعت آخر الصدر، فهي واقعة آخراً؛ إذ ليس آخر الصدر آخراً، وكذلك القول في قوله:

... وصدرِ ما رُكّبَ مزجاً

...

وغيره، فأما قوله:"ولثانٍ تُمِّمَا إضافة" فإن معناه: ألحق الياء آخر الاسم الثاني من المركبين، وحقيقة الاسم / المركب مركبة من شيئين: فكان من حقه لو لم يُرِدْ حذفَ الأول أن يقول: وانسب للمركَّب بلحاق الياء آخره؛ لأن آخر الكلمة الثانية آخرٌ للأولى بسبب المزج، لكن لما قال:"ولثان" أي: وانسب لثانٍ دلَّ على أن مراده النسب إلى الكلمة الأخيرة فقط مع اطراح الأولى وزوال المزج؛ إذ لا يظهر للكلمة الثانية آخرٌ إلا بذلك، فإذن الحذف قد تضمنه كلام الناظم بإشارة خفية.

وأما الرابع: فإنا لا نقول: قد يدخل له ما سوى الجملة من الحكاية في تركيب المزج؛ لأنَّ "حيثما" و"لولا" ونحوهما من قبيل ما ضُمَّ صدره إلى عجزه وصيِّرا شيئاً واحداً، ولا يقتصر بتركيب

ص: 539

المزج على الأعلام، وأما الإبهام بالمفهوم فلا يتجه؛ لأن ذلك مفهومُ اللقلب، هو مردودٌ.

وأما الخامس: فإن النسب إلى الإعلام المركبة كثير وشهير فتكلم عليه، وأما النسب إلى غير الأعلام فنادرٌ بالنسبة إلى باب (المركب) فلم يحفل بالتنبيه على المنع فيه، وأيضاً فإن النسب إلى ما رُكِّبَ ممَّا ليس بعلم موقعٌ في اللبس كما تقدَّم في السؤال، بخلاف العلم فإنه لا يوقع في الغالب لبساً، وقد عرف من حال الناظم اجتنابه اللبس في مسائلَ كثيرةٍ وأبواب عدة، ومن جملتها هذا الفصل؛ إذ قال فيه:

ما لم يُخَفْ لبسٌ كعبد الأشهلِ

فاقتضت هذه القاعدة عنده ألا ينسب إلى نحو: خمسة عشر غيرَ علمٍ لالتباسه بما ينسب إلى غير المركبَّب، فلذلك - والله أعلم - أطلق العبارة إطلاقاً.

وأما السادس: فإن الناظم إنما أراد القسم الأول، وهو ما لم يكن مسمَّى به، والحكم المذكور فيه صحيح، وأما المسمَّى به فهو نادرٌ ومرفوض قلما يأتي من كلام العرب ابن فلان وأبو فلان علماً بالتعليق، وإنما يأتي علماً بالغلبة، والعلم بالغلبة حكمه حكم غير العلم كما تقدم، ويكفيك عذراً عنه أن النحويين لم يذكروا فيه إلا قسم التعريف بالغلبة، وأهملوا التعريف بالتعليق حتى عدَّ ابن الضائع أنه لم ينبه عليه أحد إلا هو. وما ذاك إلا لفقده في كلام العرب، فالناظم

ص: 540

في تركه غير ملومٍ من جهتين:

إحداهما: أن المتقدمين لم يذكروه نصاً ولا تحرزوا منه، فاتبعهم هو في ذلك.

والثانية: فقده أو قلته في السماع.

وأما السابع: فتقول: إن ما بدئ بابن أو أب على قسمين: أحدهما: ما ظهر منه وجه التعريف بالثاني، كما إذا قلتَ: هذا ابنُ زيدٍ، هذا ولد زيدٍ، وما / أشبهه مما لم يلغب عليه الاسم.

والثاني: ما لم يظهر فيه وجه التعريف وإن كان أصله ذلك، وذلك الكنى بالنسبة إلى الأب كأبي فلان، والتعريف بالغلبة بالنسبة إلى ابن فلان، وهذا هو الغالب في الأب والابن المنسوب إليهما، وعلى أرادته هذا الثاني، لا يكون عليه اعتراض؛ لأنه وجه تعريف الأول بالثاني فيه غير ظاهر، وإنما ظاهر الأمر فيه تعريف العلميَّة، وكذلك يعدون من أقسام العلم المعرف بالغلبة والكنية، وقد تقدم له ذلك في باب (العلم) إذ قال:

واسماً أتى وكنيةً وَلَقَبًا

وقال في آخر الباب:

وقد يصير علماً بالغلبة مضافٌ او مصحوبُ أل كالعقبهْ

لكن الفرق بين هذين وبين العلم بالتعليق أن هذين يظهر فيهما القصد الأصلي من التعريف بالثاني؛ إذ كان هو أصلَ العلميَّة فيهما كما تقدم، فالثاني هو المحرز لعلمية الغلبة فيهما، فلو فرضنا زواله

ص: 541

والنسب إلى الأول، لذهب التعريف المكتسب بالغلبة، فأما هنا فإن التعريف بالثاني غير ظاهر ولا بيِّنٍ.

ولذلك حرر العبارة في التسهيل في هذا المقصد؛ إذ قال: وصدر المضاف إن تعرف بالثاني تحقيقاً أو تقديراً"، وأشار بالتقدير إلى الكنى والمعرف بالغلبة، فلمَّا كان التعريف بالثاني أمراً تقديرياً لم ير أنْ يكتفي بالنوع الثاني دون الأول، وهذ يمشي في القس الثاني، وأما الأول وهو ما ظهر فيه وجه التعريف فهو قليل في النسب إليه، وأيضاً فإنما يريد بالنوع الثاني ما عدا ما تقدم، فكأنه يقول: انسب لثانٍ تُمِّمَ إضافة مبدوءة بابن أو أب أو ما وجب له التعريف بالثاني من غير الابن والأب، ولو لم يرد هذا لداخل التقسيمَ، والحمل على عدم التداخل أولى.

***

واجبُر بِرَدِّ اللامِ ما منه حُذِف جوازاً إن لم يكُ ردُّهُ أُلِفْ

في جمعَي التصحيح أو في التثنيهْ وحقُّ مجبورٍ بهذي تُوْفِيَهْ

هذا الفصل يذكر فيه حكم الاسم المحذوف منه إذا نُسب إليه، وما يرد إليه المحذوف وجوباً أو جوازاً، وما لا يردّ إليه، وما يلحق مع ذلك من التغيير الحادثِ في النسب.

واعلم أن ما حذف منه حرف على ثلاثة أقسام:

ص: 542

أحدهما: ما كان المحذوف منه الفاء كشِيَة وعِدَة، ونحو ذلك.

والثاني: ما كان المحذوف منه العين كَسَه ومُذْ إذا سُمِّيَ / به، فإنه عند سيبويه محذوفٌ من (منذ)، فلذلك تقول في تصغيره: مٌنيذ.

والثالث: ما كان المحذوفُ منه اللامَ كيدٍ ودَمٍ وابنٍ واسمٍ ونحو ذلك، وهو كثير، والناظم أخذ يتكلم على حكم كل واحد من هذه الأقسام إلا القسم الثاني، وهو ما حذفت منه عينه، فإنه لم يتعرض لحكمه ولا أشعر به، فربما ينقدح للسائل سؤال عن هذا فيقول: كان من حقه إذا تكلم عن القسمين أن يذكر القسم الثالث، ما فعل غيره من النحويين، والجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن ما حُذفت عينه قليل جداً في كلام العرب، حتى إنه لم ينقل إلا اللفظة أو اللفظتان، وما لا يعتد به فاختصر الناظم ذكره لذلك.

والثاني: على تسليم أنه كثير ومحتاج إلى ذكر، لم يذكره؛ إذ لا زيادة فيه على ما ثبت له، وذلك أنه لما ذكر القسمين وما يغير منهما دل على أن ما سكت عنه لا يغير عن حاله، ويدل على هذا المقصد من كلامه: أنه لما ذكر منه ما حذف منه الفاء، لم يذكر منه إلا ما يجب فيه الرد وهو "شِيَة" ونحوه، وسكت عما الحكم فيه أن يترك

ص: 543

على حاله كزِنَة، ورِقَة، وعِدَة، وما أشبه ذلك، فليس قصده إلا ذكر ما فيه تغييرٌ ينبه عليه، وأما ما ليس فيه من التغيير إلا كسر آخره لياء النسب، فقد تقدم ذلك أول الباب في قوله:

وكلُّ ما تليه كسرُهُ وجَبْ

فهذا المعنى معتمد عليه في تفسير كلامه، وهو ظاهر جليٌّ، فإذا ثبت هذا فكأنَّ الناظم قد استوفى الكلامَ على ثلاثة أقسام.

ووجه عدم الرد فيما حذفت عينه أن الرد من باب تغيير الاسم، ولا يرد في النسب من بنات الحرفين إلى أصله إلا ما يقع عليه تغيير النسب وهو اللام، وأما العين والفاء فلا يقع عليهما تغييرٌ لبعدهما من ياء النسب الموجب للتغيير؛ لأنهما لو ظهرا لم يلزمهما ما يلزم اللامَ لو ظهرت من التغيير، ثم نرجع إلى تفسير المتن.

والنظم قد بدأ بما حُذفت منه اللام فقال: واجبر بردِّ اللام"، أصل هذا الجبر الإصلاح وإزالة الآفة اللاحقة، يقال: جبَرتُ العظمَ أجبُرُهُ: إذا أصلحْتَهُ، وجبرتُ الفقيرَ: إذا رقَّيته من فقره وأزلته عنه، وهذا المعنى في مسألتنا ظاهر؛ لأنَّ المحذوفَ منه قد دخله نقص من حروفه، وفاته بعضها فأتى بلفظ الجبر عبارة عن رد محذوفه، و"ما" واقعة على الاسم / المحذوف منه، وضمير "منه" عائد على "ما"، و"منه حذف" عائد على اللام، و"جوازاً" مصدر على حذف

ص: 544

المضاف أي: ذا جواز، ومعنى كلامه أن ما حذفت لامه فحكمه عند النسب إليه أنه ينقسم قسمين:

أحدهما: أنَّ ترجع إليه اللام في التثنية أو أحد جمعي التصحيح، وهذا الجمع بالواو والنون أو بالألف والتاء، وسُمِّيا جمعي تصحيح لصحة المفرد فيهما وسلامته من التغيير.

والثاني: أن لا ترجع إليه اللام في واحدٍ منهما، فأما إن لم ترجع اللام في واحد منهما فإن في النسب إليه وجهين: إن شئتَ تركته على حاله فلم تجبره بردِّ لامه، وإن شئتَ رددت إليه اللام ونسبتَ إليه مجبوراً وذلك قوله:

واجبُر بِرَدِّ اللامِ ما منه حُذِف جوازاً إن لم يكُ ردُّهُ أُلِفْ

في كذا: يعني أن الحكم الرد على الجواز بهذا الشرط، وهو ترك التثنية أو الجعين، ومثال ذلك: يد، ودم، وغد، لك في هذه ونحوها وجهان: إن شئتَ رددتَ المحذوفَ فقلتَ: يَدَوِيٌّ، وإن شئتَ لم تردَّها فقلتَ: يَدِيٌّ، وكذلك تقول: دَمِيٌّ ودَمَوِيٌّ، وكذلك: غَدِيٌّ وغَدَوِيٌّ، وهذا الأخير مسموعٌ للعرب حكاه سيبويه، وذكر أن التمثيل كله عربي، وكذلك تقول في شَفَة: شَفِيٌّ إن شئتَ وشَفَهيٌّ، فترد اللام وهي هاء لقولهم: شفاهٌ، وكذلك ثُبة فتقول

ص: 545

فيه: ثُبيٌّ وثُبَويٌّ، وما أشبه ذلك، وكان هذا كله ذا وجهين؛ لأنه لم يرد منه في التثنية ولا في جمعي التصحيح محذوفٌ، بل ترك فيها على حاله، فتقول في التثنية: يدان ودمان وشفتان وما أشبه ذلك، وكذلك تقول في حِرٍ: حِريٌّ وحِرَحِيٌّ فترد اللام وهي حاءٌ بدليل أحراح وحُريح، وجاز الوجهان؛ لأنك تقول في التثنية: حِران لا غير، وقول الناظم:"إن لم ردُّهُ أُلف" يعني: إن لك يكن رد المحذوف في التثنية والجمعين مألوفاً، وفي قوله:"أُلِف" تنبيهٌ حسنٌ، وذلك أنه أثبت الحكم المتقدم من جواز الوجهين لما يُؤلف ردّ لامه في التثنية وجمعي التصحيح، ومعنى المألوف أن يكون معتاداً مشتهراً، فكأنه يقول: إن لم يشتهر رده جاز الوجهان، فعلى هذا يدخل تحت ما لم يرد فيه اللام أصلاً، ويطلق على مثل هذا أنه لم يشتهر رده، أي: ليس له رد فيشتهر على حد قولهم:

على لاحِبٍ لا يُهتَدَى بمَنَارِهِ

ويدخل له أيضاً ما رُدَّ، لكن الرد لم يشتهر فيه، ولم يعتد

ص: 546

بكل ما وقع في التثنية والجمع من الرد / النادر الشاذ فليس بمعتدٍّ به، بل الحكم في النسب جواز الوجهين، فتقول في يدٍ: يدِيٌّ ويدَوِيٌّ، وإن كانت العرب قد قالت: يدَيَان؛ لأن "يديان" شاذٌّ نادرٌ، ونحو قوله:

يديَان بيضاوَان عندَ مُحَلَّمٍ قد تمنَعانِكَ أنْ تُضَام وتُقْهَرَا

وفي دمٍ: دميٌّ ودَمَويٌّ، وإن قالوا: دَمَيَان نحو قال الشاعر:

ولو أنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنَا جَرَى الدَّمَيَان بالخبر اليقينِ

وكذلك ما جاء من هذا النحو، فقوله: إن لم يكُ ردُّهُ أُلِفْ" حسنٌ من التثنية، لم ينبَّه عليه في "التسهيل"، وكان من حقه أن ينبه عليه فهذا من المواضع التي أربى فيها هذا النظم على "التسهيل"، وأما إن اشتهر ردَّ اللام في التثنية وجمعَي التصحيح واعتيد وأُلِفَ، فإن الرَّدَّ في النسب أيضاً لازم، فلا بد، وذلك قوله:

وحقُّ جبورٍ بهذي توفيهْ

وهذي إشارة إلى التثنية والجمعين، يعني: أن الواجب فيما جبر

ص: 547

في هذه المواضع برد ما حذف منه أن يوفَّى حقه في النسب أيضاً، فيجبر كذلك، مثاله: أخ، وأب، وحم، وسنة إذا قلنا: إنَّها من الواو، وضَعَة، وعِضَة، تقول: أخويٌّ وأبويٌّ وحَمَويٌّ وسَنَويٌّ، وضَعَويٌّ، وعِضَويٌّ؛ لأنك تقول فيها: أخوان وأبوان وحموان، وقالوا: سنواتٌ وضَعواتٌ، وقالوا: عِضَواتٌ، أنشد سيبويه:

هذا طريقٌ يأزِمُ المآزِمَا

وعِضَوَاتٌ تقطعُ اللهازِما

وهذه الأُلفَةُ المنبَّه عليها تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون أُلفَةَ السماع، فيريد: أنَّ ردَّ اللام في التثنية إذا كان مألوفاً من كلام العرب مستعملاً كثيراً، وكذلك في الجمع بالتاء فإن الحكم في النسب الرد، وإن لم يكن مألوفاً فالحكم الخيار في الرد، وهذا ظاهر، والثاني أن تكون الإحالة في الأُلفةِ على القياس، فيريد أن رد اللام إذا كان مألوفاً قياساً في التثنية والجمع بالتاء، فإن الحكم في النسب الردُّ، وإلا فالخيار. فإن قلتَ: لِمَ حمل الناظم النسب في هذه المسألة على التثنية وجمعَي التصحيح.

فالجواب: أنه في ذلك مقتدٍ بالأئمة المتقدمين؛ إذ فعلوا ذلك الفعل، قال سيبويه: اعلم أن كلَّ اسم على حرفين ذهبت لامه ولم

ص: 548

يردّ في تثنيته إلى الأصل ولا الجمع بالتاء كان أصله (فَعْل) أو (فَعَل) أو (فَعُل) فإنك فيه بالخيار"، ثم مضى في التقرير، وقال في القسم الآخر حين مثل بأبويّ وأخويّ: "لا يجوز إلا ذا، من قبل أنك ترد من بنات الحرفين التي ذهبت لاماتهن / إلى الأصل ما لا يخرج أصلُهُ في التثنية ولا في الجمع بالتاء، فلما أخرجت التثنية الأصلَ لزمَ الإضافةَ أن تُخْرِجَ الأصل" إلى آخره، وكذلك فعل غيره، وإنما فعلوا ذل ليضبطوا ما يُردُّ من المحذوف وجوباً وما لا يُردُّ، ولبيان وجه الرد أيضاً وذلك أن التثنية وجمعي التصحيح بابهما ألا يغير الاسم معهما عن حاله التي كان عليها قبل ذلك لا بزيادة ولا بنقصان، بخلاف باب النسب فإنه على الضد من ذلك مبني على التغيير، فإذا كانوا يردون المحذوف في التثنية والجمعين مع أن الأصل معه السلامة، فإنه بردِّهِ في النسب الذي الأصل معه عدم السلامة أولى، وأما إذا لم يردّوا في التثنية والجمعَين، فإنهم قد يردون في النسب؛ لأن النسب أقوى على الردّ منهما؛ إذ هو باب تغيير، وكان التغيير بالرّدّ لقلّة الحروف، كما كان التغيير بالحذف حين كثرت نحو: حُبلى وحنيفة، واعلم أن قوله:

واجبر بردِّ اللامِ ما منه حُذِفْ

ص: 549

أتى في بـ"ما" المفيدةِ للعموم، فاقتضى بظاهره أن كلَّ ما حذفت منه اللام سواء أكان ثلاثياً أم رباعياً أم على أكثر من ذلك تُردُّ إليه على ذل التفصيل، فسأل السائل عن المنقوص هل يدخل له هنا أم لا؟ فإن دخل له هنا كان فاسداً؛ إذ ليس حكمه ما قُدِّم في الثلاثيِّ، بل هو على حكمٍ آخر، وإن لم يدخل له كان الكلام صحيحاً، لكن يبقى الدليل على عدم دخوله.

والجواب: أن المنقوص قد تقدم له حكمه، وتفصيل القول فيه، وإذا كان قد تقدم ولم يمكن أن يقال: إنه يريده هنا وإن كان ظاهر هذا الكلام العموم، فكلامه يخصص كلامَه فلم يُرِدْ هنا إلا ما عداه، وما عداه هو الثلاثيّ المحذوف اللام استقراء؛ إذ ليس ثمَّ غيره في مستعمل كلام العرب، فتعين هذا الموضع له.

وإذا ثبت هذا بقي النظر في كلام الناظم من أوجه خمسة:

أحدها: أنه ذكر ما يُرَدُّ غليه المحذوف في التثنية وأخويها مطلقاً، وما لا يرد مطلقاً، وبين حكمها، وترك حكم ما فيه في الرد وجهان شهيران، أو لغتان مستعملتان تساوتا أو لم تتساويا، والناس قد تكلموا في هذا، وهو من ضرورات المسألة، والخطب في هذا قريب؛ إذ حكمه خارج من القسمين؛ لأن ما فيه لغتان ينظر في كل منها، فتلحق بأحد القسمين، فمَن لغته أن يردَّ / في التثنية أو جمعَي التصحيح، فلا بد أن يَرُدَّ في النسب حتماً، ومَن لغته عدم الرد، فحكمه في النسب جواز الوجهين، ومثال ذلك: هنوك، فيه للعرب

ص: 550

لغتان قد تقدمتا في باب المعرب والمبني، وأن منهم من يقول: هنوك كأخوك، وهؤلاء يقولون في التثنية: هنوان، وفي الجمع بالألف والتاء: هنوات، أنشد سيبويه:

أرى ابنَ نِزارٍ قد جفاني وملني على هَنَواتٍ كلُّها متتابِعُ

فهؤلاء يقولون في النسب: هَنَويٌّ لا غير، ومن العرب مَن يقول: هَنكَ كيدَكَ، وهؤلاء يقولون في التثنية: هنان، وفي الجمع أيضاً: هنات، كقوله عليه السلام:"أسمعنا من هَناتك"، فهؤلاء بالخيار، فتارة يقولون: هنيٌّ، وتارة يقولون: هنويٌّ، وهكذا سائر ما جاء مما فيه لغتان في الرد في التثنية والجمع وعدم الرد، فاحمل كل لغة على قسمها كأنها منفردة بنفسها، وعلى هذا الترتيب لا يحتاج الناظم إلى التنبيه على قسمٍ ثالث؛ لاكتفائه بما تقدَّم له عنها.

والوجه الثاني من أوجه النظر: أنه أحال في المسألة على التثنية وجمعَي التصحيح، أما إحالته على التثنية والجمع بالألف والتاء فصحيح مقيَّد، وأما إحالته على الجمع بالواو والنون فلا فائدة له فيما يظهر؛ لأن ما حذفت لامه لم يستعمل في كلام العرب علماً، وإنما وجد في النكرات كيدٍ ودمٍ، وما كان نحو ذلك، وأيضاً فإنما

ص: 551

وُجد في الجوامد لا في الصفات، فإذاً لا سبيل إلى جمعه بالواو والنون لفقد شروطه، وأيضاً فإذا فرضنا وجود الشروط أو استعمال بعضها استعمال الصفات كأخٍ وحمٍ وهنٍ ونحوها مما اعتبر فيه الأصل من الصفة، فجمع بالواو والنون لم يكن فيه دلالة؛ إذ لا يظهر فيه ما يرد مما لا يرد. ألا ترى أن المنقوص المتقدم الذكر يظهر المحذوف منه في التثنية والجمع بالتاء إذا رُدَّ، فيقول: شَجِيان وشَجِيات، وقاضيان وقاضيات، ولا يظهر في الجمع إذا قلتَ: شجون وقاضون وشجين وقاضين بسبب الإعلال، فلا يعلم فيه هل رجعت اللام أم لا، وإنما يستدل على رجوعها ثم حذفها للإعلال برجوعها في غيره، فكذلك أيضاً في مثل هذا، حتَّى إنَّا لو سمينا بيدٍ أو دمٍ أو غدٍ قلتَ: يَدون ويَدِين، ودَمُون ودَمِين /، وغَدُون وغَدِين، هذا فيما لم يُردَّ فيه في التثنية، وكذلك ما رُدَّ فيه التثنية نحو: أخ وأب ونحوهما، إذا استعملتها العرب، فإنك تقول: أبون وأبين، كما قال الكميت:

فلمَّا تعرَّفْنَ أصواتَنَا بَكَيْنَ وفدَّيْنَنَا بالأبينَا

فلا يظهر فيه رد المحذوف مع أنك تقول في التثنية: أبوان بلا بد،

ص: 552

وكذلك الأخ نحو ما أنشده الفراء من قول الشاعر:

فقلنا: أسْلِموا إنَّا أخوكم وقد برئتْ من الإحَنِ الصُّدُورُ

وما كان نحو ذلك فلا فرقَ في الظاهر بين ما يُردُّ فيه المحذوف وما لا يُردُّ فيه.

فالحاصل أن الجمع بالواو والنون لم يظهر له فائدة، وغير الناظم من النحويين لم يحكِ في هذا الردَّ إلا على التثنية والجمع بالتاء وترك الجمع بالواو والنون غير ملتفت إليه في هذا الغرض. وقد تقدم نص سيبويه في هذا، وقوله اعلم أن كل اسم على حرفين ذهبت لامه، ولم تردَّ في التثنية إلى الأصل ولا الجمع بالتاء وأن أصله "فَعْل أو فَعِل أوفَعُل" فإنك في الخيار، فلم يعرِّج على الجمع بالواو والنون، ونِعِمَّا فعَلَ، وكذلك فَعَل المؤلف في "التسهيل" اتباعاً لغيره، وإنما وقع له هذا النوع في هذا الكتاب فكان الواجب أن يحقق عبارته، ويسقط عنها هذا الجمع، فيقول مثلاً:"في الجمع بالتاء ولا في التثنيهْ" فيكون قد أتى من ذلك على المحتاج إليه، كما فَعَل غيره، ولا أجد الآن جواباً عن هذا السؤال.

ص: 553

والوجه الثالث: أن كلامه يشمل - كما تقدم - كلَّ محذوفٍ فيشمل ما حذف منه، وعوض من المحذوف ألف الوصل، نحو ابن وابنم واسم واست، ونحو ذلك، ولما كانت هذه الأسماء لا يرد إليها المحذوف في التثنية كان لها فيها وجهان، إذ كنتَ تقول: ابنان وابنمان واسمان واستان، وأنت إذا قلتَ في النسب: ابْنِيٌّ أو اسْمِيٌّ فليس لك إلا ذلك ما دامت ألف الوصل ثابتة، فلا تقول: ابْنَوِيٌّ أو اسْمويٌّ، ولا نحو ذلك، لكم إذا أزيلت ألف الوصل ردت اللام، فقلت: سَمَوِيّ وبَنَوِيّ وهذه حالة أخرى غير تلك، والتثنية إنما تقع عليها ألفات الوصل ثابتة فيها، فالتخيير إذاً لا يقع عليها إلا وألفات الوصل ثابتة فيها على مقتضى كلامه. وهذا مخالف لِمَا تقرَّرَ من أنها مع ألفات الوصل على وجه واحد، وهو عدم الرد، فهذا من كلامه مشكلٌ.

والجواب عن هذا: أن ألف الوصل / قد ثبت بالدليل أنها عوض من اللام، فلا تجمع معها، لما يلزم من اجتماع العوض والمعوض منه، وهما جاريان مجرى الضدين على المحل الواحد، وإذا كان كذلك فما دامت ألف الوصل، فإنما تنسب إليها دون رد اللام، فإذا أردت ردَّ اللام اضطررت إلى حذف ألف الوصل لأجل المعاقبة، فقلت: بَنَوِيّ وسَمَوِيّ وما أشبه ذلك، وليس لك إلا ذلك، فالوجهان معاً جاريان على مقتضى كلام الناظم لكن عرض في هذه الأسماء التعويض، فلا بد من اعتباره من خارج، وإن لم ينبه عليه.

ص: 554

والوجه الرابع: أن هذه المسألة لم يبين فيها إذا رُدَّتِ اللام ما حكم العين، ولا شك أن العين في المحذوف اللام تارة تكون ساكنة قام الدليل على ذلك فيها كيَدٍ، أصله: يَدْيٌ بالسكون استدلَّ على ذلك سيبويه بقولهم أَيْدٍ في الجمع، وأيدٍ يكون في القياس جمعاً لـ (فَعْل) أو (فُعْل)، وغدٌ أيضاً غَدْوٌ بدليل قول بعض العرب آتيك غَدواً، وأنشد سيبويه للبيد:

وما الناس إلا كالديار وأهلُها بها يوم حلُّوها وغَدْواً بلاقعُ

ودمٌ أصله دَمْيٌ؛ لأن الأصل في الدعوى السكون، ولا يُدَّعى التحريك إلا بدليل، ولا دليلَ، وقولهم:

"يَدَيَان بَيْضَاوَان

... "

و:

"جرى الدَّمَيَان بالخبر اليقين"

ضرورة. وتارة تكون متحركة، قام الدليل أيضاً على ذلك كأخ أصله: أخَوٌ بدليل الجمع على آخاء؛ إذ (أفعال) لا يكون في القياس لـ (فَعْل) صحيح العين، وإنما يكون جمعاً لـ (فَعَل)، وكذلك أبٌ وحمٌ لقولهم: آباءٌ وأحماءٌ، وابن لقولهم: أبناء، وما كان نحو ذلك، فأمَّا ما كان متحرك العين فلا إشكال فيه، وأما ما كان

ص: 555

ساكن العين فهو في موضع الإشكال، إذ مذهب سيبويه أن يحرك النسب فيقول: دَمَويٌّ ويَدَويٌّ وغَدَويٌّ، وإن كان أصلها السكون، ودليله القياسُ والسماعُ.

أما القياسُ فإن العين لما تحرَّكت بحركة الإعراب وأَنِسَت بذلك التحريك بَقَّوا عليه حكمَ التحريك، فحركوها؛ لأنهم أرادوا تقويتها، فلو حذفوا الحركة لكان كالمناقض لقصدهم، وهذا أولى من أن يجعل غَدَويّ ويَدَويّ شاذاً مع أنه لم يأت من كلامهم ما يناقضه.

وأما السماع فإن العرب قالت: غَدَويٌّ في غَدٍ، وزعم سيبويه أن يَدَويٌّ ودَمَويٌّ عربيٌّ كله، يعني: أن العرب تقوله، ومذهب / الأخفش أن الرد إلى الإسكان، فيقول: يَدْيِيٌّ وغَدْوِيٌّ، وهو عنده القياس، وكذلك يقول في دم: دمْيِيٌّ، وكذلك ما أشبهه، ومذهب المبرد كمذهب الأخفش إلا أن دماً عنده (فَعَلٌ)، فيوافق سيبويه فيه، والذي رجح الناسُ مذهبُ سيبويه، قال السيرافي: وقول سيبويه أولى؛ لأن الشين في "شِيَة" متحركة، ولم يُحتج إلى تغيير البناء [كما لك يُحتج في عِدَة]، إنما احتجنا إلى زيادة حرف، فيترك الباقي على حاله، يعني أن البناء قبل النسب اقتضى تحريكَ العين، ولم

ص: 556

يحتج فيه من التغيير إلا إلى رد حرف لا إلى تغيير البنية عما كانت عليه، وذلك يقتضي بقاء العين على تحريكها، وترك ردها إلى أصلها كما يقول الأخفش؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك، فإذا كان الأمر في العين على ما ذكر، فكان الواجب عليه أن يُبَيَّنَ الحكم فيها على مذهبه إن كان له فيها مذهب، وهو الظاهر إذ بين بعد هذا في شِيَة أنك تحرك الشين بالفتح، وهذا مذهب سيبويه، والخلاف في الموضعين واحد، وهذا السؤال متجه، إلا أنا نقول في الجواب عنه: إن مذهبه فيها ندَّعي أنه مذهب سيبويه، مثل المسألة الثانية في شِيَة، وذلك أنَّ تَرْكَ التنبيه على التحريك أو خلافه مشعر بهذا القصد؛ إذ العين قبل رد اللام متحركة بحركة الإعراب، فقد ثبت لها في الاستعمال التحرك، وحين حرف برد اللام، ولم ينبه على الرجوع إلى الأصل دل على تركه على ما هو عليه، وإلحاق اللام ثم الياء، وهذه عادته، كما تقدم ذكره: أنه إذا لم ينبه على شيءٍ في الاسم المنسوب دل ذلك على أنه عنده على ما كان عليه قبل النسب، فكذلك ههنا، ولا يبقى في الموضع إلا تعيين الحركة، وذلك قريبٌ؛ لأن الكسرة لا تتوهم، والضمة بعيدة في الموضع، فلم يبق إلا الفتح.

فإن قيل: لو كان هذا مقصوداً للناظم لفعل مثله في شِيَة، فكان يسكت عن حكم تحريك الشين بالفتح لكنه لم يفعل ذلك، بل قال:

ص: 557

فَجَبرُهُ، وفتحُ عينه التُزِمْ

فدل هذا على إغفاله التحريك بالفتح في مسألتنا.

فالجواب: أن كلامه في شِيَة بخلاف مسألتنا، ومسألتنا قد تبين فيها استقرار التحريك من / كلامه. وأما شِيَة فلو سكت عن التنبيه عليه لكان يُستَقْرَأُ له منه مذهب الأخفش، وهو لم يذهب مذهبه، وبيان ذلك أن شِيَة أصلها وِشْيَة، لكان لما حُذفت الفاء نقلت حركتها إلى العين، فإذا أرادوا الرد فلا بد من رد الحركة إلى موضعها، هو الفاء إذ لا تحرك بغير حركتها، وإذا رُدَّتْ حركتها بقيت العين على سكونها الأول، هذا الذي كان يُفهم له لو لم ينبه على تحريكها بخلاف المسألة الأولى. فإن اللام إذا أُتيَ بها ثبت لها تحريكها بحركة الإعراب بعد ما ثبت لما قبلها التحريك أيضاً إذ حلَّ محلَّ اللام، فيبقى على حاله، فلما تفاوت الموضعان في فهم المراد نبَّه على ما يحتاج إلى التنبيه فيه، وترك التنبيه إلى ما استغني فيه عن التنبيه، فتأمله.

والوجه الخامس من أوجه النظر بناء على صحة ارتضائه مذهب سيبويه أنهم استغنوا من ذلك المضاعف فلم يحركوه، كما إذا سمَّيت بـ"رُبَ" المخففة، ثم نسبت، فإن شئت لم ترد المحذوف، وإن شئت رددت الباء، وإذ ذاك لا بد من الإدغام، فتقول: رُبِّيٌّ، وعلّل سيبويه ذلك بكراهية التضعيف، ونظره بمسألة شديدي حيث لم يحذف الياء كراهية التضعيف، واستدلّ على صحة دعواه بقول

ص: 558

العرب في قُرَة، وهم قومٌ من عبد القيس: قُرِّيٌّ، ولم يقولوا: قُرَرِيٌّ، وأصله قُرَّة، فخفف، فالناظم لم يستثن هذا، فأوهم جريان حكم التحريك فيه، وهو غير صواب.

والجواب أن التحريك ثابت قياساً لكن عرض فيه فكُّ المضاعف، وهو ثقيلٌ، فخفف بالإدغام، فالإدغام ثانٍ عن التحريك بلا بُدٍّ، ألا ترى إلى قول سيبويه في التعليل، وإنما أسكنت كراهية التضعيف، فجعل الإسكان ثانياً عن ثبوت التضعيف، فإذا كان التحريك فيه ثابتاً قياساً لم يلزم الناظم أن يأتي بحكم الإدغام هنا؛ لأنه يذكره في بابه، ولما كان أختٌ وبنتٌ من المحذوف اللام قد عرض فيها أمر آخر خلاف ما ثبت في بابهما، وخرج حكمهما عن الحصول تحت القاعدة [المذكورة] خصَّهما بالذكر، فقال:

وبأخٍ أختاً وبِابْنٍ بِنتاً أَلْحِقْ ويُونُسُ أَبَى حَذْفَ التَّا

يعني: إذا نسبتَ إلى / أختٍ وبنتٍ جعلتَ أُخْتاً كأخ، وبنتاً كبنت، ونسبتَ إليهما كما تنسب إلى أخ وابن، فتقول في أخت: أَخَويٌّ؛ لأن ذلك حكم أخ، وفي بنت: بنَويٌّ؛ لأن ذلك حكم ابن، وهذا مذهب سيبويه والخليل، وذلك أن التاء في أخت وبنت عوض من لام الكلمة، وأصلها أن تكون للتأنيث، لكنهم بنوا الكلمة عليها

ص: 559

وألحقوا أختاً بقُفْل وبنتاً بعِدْل، فإذا نسبتَ إليهما فلا بدّ من حذف التاء لشبهها بتاء التأنيث، ووجه الشبه اختصاصها بالمؤنث وحذفها في الجمع بالألف والتاء اعتباراً بأصلها؛ إذ قالوا: أخوات وبنات، ولم يقولوا: أختات ولا بنتات، فلو لم يعتبروا أصلها لتركوا التاء على حالها في الجمع، فإذا حذفوا التاء ردوا اللام من حيث كانت عوضاً، ولأنهم قالوا في أخت: أخوات، فردّوا في الجمع بالتاء، ولم يقولوا في بنت إلا بنات، وفي التثنية: بنتان فلم يردوا شيئاً، كما أنهم لم يردوا في ابن في التثنية، بل قالوا: ابنان، فوجه الرد أنهم لما حذفوا العوض وهو التاء في بنت، لزم رجوع المعوض عنه، كما أنهم لما حذفوا همزة الوصل في ابن لزم رجوع المحذوف كما تقدم. هذا وجه ما قال، وأيضاً فإن النسب قد ثبت له جواز رد اللام المحذوفة فلا بد من جواز أَخَوِيّ وبَنَوِيّ كما جوزوا في النسب إلى ابْنُم بنويٌّ، لكن يبقى النظر في جواز أُخْتِيّ وبِنْتِيّ، ولا شك أن هذه التاء شبيهة بتاء التأنيث؛ إذ لم تزد قط إلا في مؤنث كأُخت وبِنت وهِنت وهنتان وكلتا وكيتَ وذيتَ في كيَّة وذيَّة، ولا بد إذن من حذف التاء كذلك، ولِمَا ثبت من حمل النسب على التثنية والجمع.

وذهب يونس إلى تركهما على حالهما، والنسب إليهما كذلك فتقول: أُخْتِيٌّ وبِنْتِيٌّ، وهو قول الناظم:"ويونسُ أبَى حذفَ التا"

ص: 560

أي: أن التاء عنده ثابتة بلا بدّ، وقد احتجَّ له بأشياء، منها: أن هذه التاء ليست للتأنيث بدليل سكون ما قبلها، وتاء التأنيث لا يسكن ما قبلها، وأيضاً قد جعلها سيبويه كتاء سنبتة وتاء عِفريت، وذلك يدل على بناء الكلمة عليها، وتاء التأنيث لا تُبنى عليها الكلمة، وأيضاً قد اتفقوا على صرف أخت وبنت إذا سَمَّوا بهما رجلاً، ولو كانت للتأنيث لم يصرف كما لو سمَّى / رجلاً بطلحة.

وبهذين الأخيرين استدل الفارسي في "التذكرة" لصحة قول يونس، وأيضاً فإن ابن الضائع ذكر أن ليونس أن يقول في أخوات وبنات الذي احتج به سيبويه: ليسا بجمع أخت وبنت. ألا ترى أنه ليس قياسُ المؤنَّثِ الذي ليس فيه علامة التأنيث أن يجمع بالألف والتاء، فلا يقال في قِدْر: قِدرات، ولا في قدَم: قَدَمَات إلا شذوذاً، قال: فالأولى أن يقال في أخوات وبنات: إنه جمع لمؤنث لم ينطق به، ويتعين ذلك في أخوات، كأنه جمع أخةٍ مؤنث أخ، وأما بنات فلا ضرورة تدعو لذلك؛ لأنه جمع ابنة، كما هو جمع ابن. قال: وهذا ظاهر في توجيه قول يونس، وقد أجيب عن هذه الحجاج انتصاراً لمذهب سيبويه الذي اختاره الناظم.

ص: 561

أما كون التاء سكن ما قبله وما بعده، فلا شك أن التاء هنا لها شبهان: شبهٌ بتاء التأنيث، وهو ما تقدَّم. وشبه بما هو من نفس الكلمة. قال ابن خروفٍ: هذه التاء عوملت معاملةَ تاءِ التأنيث من حيث كانت زيادة في الاسم لا تدخل عليها علامة أخرى في الإفراد، ولا تصحب هذه في الجمع [شبهت بها]، قال: ومن حيث سكن ما قبلها، ولم تبدل منها الهاء في الوقف فارقتها، فجعلت عوضاً كهمزة الوصل وغيرها، وحذفوها في الجمع لما صارت عوضاً، فلزم ردُّ الأصل فقالوا: أخواتٌ على القياس، قال: والتغيير في بنات قياسٌ، وترك الرد غير قياسٍ.

وأما اتفاقهم على صرفها اسمَ رجل فلأنَّ شبه هذه التاء لتاء التأنيث شبهٌ معنويٌّ لا لفظيٌّ، ولأنها لما لزمت المؤنَّث صارت كأنها دالة على التأنيث، وعلى هذا لا بدَّ من الصرف؛ لأن المراعى في باب ما لا ينصرف الشبه اللفظي، ولأنه لما سُمِّيَ بها رجلٌ صار ذلك التأنيث لا حكم له.

وأما كون أخوات وبنات ليسا بجمع لأخت وبنت فلا ينبغي أن نقول بذلك، فإن العرب تقول في تثنية أخت: أختان، وفي الجمع: أخوات، فليس لنا أن نقول إلا أنَّه جمعه، كما أنه ليس لنا أن نقول في عُرُسات إلا أنه جمع عُرس حقيقة، فلا نقول: إنه جمع لمقدر هو

ص: 562

عرسةً مثلاً، ويزيله عن الشذوذ أن هذه التاء شبيهة بتاء التأنيث، فعوملت معاملتها، وهو أولى من دعوى شذوذين: أحدهما: أن أختاً لم يجمع؛ / فإنه شذوذ، والآخر: أن أخوات جمع لشيء لم ينطق به، وهو شذوذ أيضاً، وكذلك نقول في بنات: إنه جمع ابنة، واستغني به عن جمع بنت، أو هو جمع لهما، وهو الأولى. هذا معنى ما أجاب به ابن الضائع، والكلام في المسألة أوسع من هذا، وإنما ذكرت منه جملة يتبين منه رجحان ما اختاره الناظم.

ويونس الذي ذكر هو يونس ابن حَبيبَ الضَّبِّيُّ مولىً لهم، يكنى أبا عبد الرحمن، وكان من أهل جبا، أخذ النحو عن أبي عمرو بن العلاء البصري، وعن حمَّاد بن سلمة، وحكى ابن عائشة أن يونس قال: أول مَن تعلمت منه النحو حمَّاد بن سلمة، وكان النحو أغلبَ عليه، وكان كثير البذل له، قال أبو زيد النحوي: ما رأيت أبذلَ للعلم من يونس، وقيل: لم يكن عند يونس علم إلا ما رآه بعينه كأنه يعني به الميل للتحقيق في المسائل، وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، أو ثلاث وثمانين ومائة، الشكُّ مني، وكان حين مات ابن ثمانٍ وثمانين سنة، ويقال: إنه جاوز المائة، ويقال: قاربها ولم يتجاوزها، وهو من ثقات العلماء المعتمد عليهم في اللسان العربي.

ص: 563

وقد دل أيضاً كلام الناظم على عدم ارتضاء مذهب أبي الحسن في النسب إلى أخت، وذلك أنه يجيز بقاء الهمزة على ضمها، فيقول: أُخَويٌّ ليدل على أنه منسوب إلى أخت، لا إلى أخ رفعاً للالتباس، ورده الفارسي بأن "أخت" عرض له الضم لأجل التاء، فإذا زالت التاء رجع إلى أصله في الجمع والنسب، وألزمه ابن خروف أن يقول في الجمع: أخواتٌ؛ لأنه بناءٌ يسلم فيه الواحد. ولما غيروا في الجمع غيروا في النسب، قال: وهذا الذي ذكر من اختراع اللغة لا سبيل إليه، ثم قال:

وضاعِفِ الثانيَ من ثُنائِي ثانيه ذو لَيْنٍ كَلَا ولائِي

اعلم أن الثنائي من الأسماء المتمكنة على قسمين:

أحدهما: ما كان الحرف الثاني منه وهو (العين) حرفاً صحيحاً نحو: يدٍ ودمٍ وأخٍ وأبٍ، وهو الذي تقدم ذكره؛ إذ لا بد أن يكون محذوف الثالث إذا كان متمكناً، كسائر الثنائيَّات من الأسماء المتمكنة.

والثاني: ما كان الحرف الثاني منه حرف علة، وهذا على قسمين:

أحدهما: ما كانت لامه معلومة الأصل نحو: (ذي) بمعنى صاحب، و (في) بمعنى الفم، وشاة، وما أشبه ذلك، وهذا لا يوجد

ص: 564

في كلام العرب مستقلاً / إلا بتاء التأنيث نحو: شاة، أو لازماً للإضافة كفي زيدٍ، وذي مال، ولا يوجد على غير ذلك.

والثاني: ما ليس له أصل معلومٌ ولا لام معيَّنة، وهذا إنما يوجد في الأسماء غير المتمكنة والحروف إذا سُمِّيَ بها، وأما في المعربات فلا، على أن سيبويه جعل من المجهول الأصل (لات) من قوله تعالى:{أفرأيتم اللات والعُزَّى} فحكم لها بحكم غير المتمكن، قال السيرافي: لما لم يُدْرَ ما الذاهب منه فُعِلَ به ما يُفعل بما لا يُدْرَى أصله، وإذا ثبت هذا فظاهر الناظم أنه إنما تكلَّم على هذا القسم الآخر، فهو الذي يثبت فيه ما ذكر، وأما ما قبله وهو المعلوم الأصل، فليس حكمه إلا أن يرد إلى أصله، كان حرف لين أو غيره، فليس بداخل تحت قوله:"وضاعف الثانيَ من ثنائي"؛ لأنَّ "شاة" مثلاً إنما تقول فيه: شاهيٌّ على رأي سيبويه، وشَوَهيٌّ على رأي الأخفش، فكذلك سائر الأمثلة، فأين التضعيف في مثل هذا؟ فهو غير داخل له هنا أصلاً، وليس بداخل في قوله:"واجبُرْ بردِّ اللام" إلى آخره؛

ص: 565

لأن النظر فيه مع التثنية والجمع بالتاء غير ملتزم كما كان ملتزماً في الصحيح العين، بل الحكم فيه أن يكمَّل مطلقاً رجعت اللام في التثنية والجمع بالتاء أو لم ترجع، لا بدَّ من ردِّ اللام ضرورةً بسببب أن الاسم لا ينسب إليه حتى يقدر مستقلاً بنفسه مختزَل التاء إن كان ذا تاء، ومقتطعاً من الإضافة إن كانت فيه، وإذا كان كذلك لم يمكن أن يبقى ما ثانيه حرف علة على حاله؛ إذ لا نظير له في كلام العرب كما تقدم، فلا بد إذن من الرد، ومن هنا تقول في "ذي مال": ذَوَوِيٌّ، وفي "شاه": شاهيٌّ أو شَوَهيٌّ، وأمَّا فو زيدٍ: فقد عوضت العربُ الميمَ في العلَمين، واللام في الإفراد فكفتنا العربُ مئونته، فالحاصل أنه لم يتكلم على هذا القسم رأساً، وهو مما نقضه من الضروريات، ومما يوهم كلامُهُ دخولَه تحته، وهو فاسدٌ، كما تقدم، ثم نرجع إلى كلامه، فقوله:"وضاعف الثاني من ثنائي" يعني: أنَّ الاسم الذي حرفين وثانيهما حرفُ لين، وهو الألف أو الياء أو الواو، إذا نسبتَ إليه فإنك تضاعفه أبداً، وحينئذ تلحقه ياء النسب، وإنما عبر اللين ولم يقل: ذو مدّ؛ لأنه أعم؛ إذ يدخل تحته ما كان من تلك الأحرف الثلاثة حركة ما قبله من جنسه نحو: "كي، ولو، وأو"، / وكذلك يدخل تحت عمومه ما إذا كان متحركاً نحو:(هو، وهي) فكل هذا إذا سُمِّيَ به ثم نسبتَ إليه تضاعف الثاني منه حتى يصير على ثلاثة أحرف، ومثل الناظم من ذلك مثالاً وهو قوله:"كلا ولائي"،

ص: 566

فـ"لا" إذا نسبتَ إليه ولا يكون ذلك إلا في التسمية تقول: لائيٌّ لأنك إذا سميتَ بـ (لا) قلتَ: (لاء) على وزن: شاء وماء، وشاكلته، فـ (لائيٌّ) في كلامه مثال للنسب إلى (لا) مسمًّى به، لكنه خفف ياء النسب كما يخفف ياء النسب كما يخفف المشدد في الوقف على الرَّويّ المشدد، نحو:

أَصَحَوْتَ اليومَ أم شاقَتْكَ هِرّ

وكذلك تقول في (ما، ويا، وها): (مائيٌّ ويائيٌّ وهائيٌّ)، وكذلك ما أشبهه وكذلك تقول في "لو": لوِّيٌّ، وفي "أو": أوِّيٌّ، وكذلك ما أشبهه، وإنما وجب التضعيف فرارً من بقاء اسم متمكنٍ على حرفين ثانيهما حرف لين، وذلك معدومٌ في كلامهم، وتعيَّن التضعيف دون ادِّعاء حرفٍ آخر؛ لأنَّ حرفاً غير مناسب للعين محتاجٌ إلى دليل، فلم يكونوا ليجعلوا الذَّاهب من "لو" غير الواو إلا بدليل، وأيضاً فقد فعلته العرب في كلامها، قال أبو زُبيد:

ليتَ شعري وأينَ منِّيَ ليتُ إنَّ ليتاً وإنَّ لوّاً عناءُ

فضاعف العين، فكذلك تقول فيما أشبهه.

ص: 567

ثم ننظر في هذا الكلام في ثلاث مسائل:

إحداها: في الاسم إذا نُسب إليه، وكان ثانيه ياء فضوعفت، فإن الناظم إنما ذكر في مثله أنَّك تضاعف الثاني خاصة، ولم يبين هنا غير ذلك، وهذا يظهر فيما كان التضعيف فيه واوياً نحو:"لو وأو"، فإنك تقول: لَوِّيٌّ وأَوِّيٌّ، كما تقدم، كما إذا نسبتَ إلى "جوٍّ"، فإنك تقول: جَوِّيٌّ، وإلى "دَوٍّ" فإنك تقول: دَوِّيٌّ ودَويَّة منسوبة إلى الدَّوِّ، لحقت ياء النسب كقولهم: دوَّار ودوَّاريٌّ، قال الشاعر وهو من أبيات سيبويه:

ودَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تُمَشِّي نَعَامُهَا كمشْيِ النّصارى في خِفاف الأَرَنْدَجِ

فمثل هذا في النسب ظاهر، وأما ما الثاني منه ياء فكان تضعيفه يائياً، فإن ظاهره هنا أنك تقول: كَيِّيٌّ وأَيِّيٌّ، وليس كذلك إذ لم يبيِّن هنا أكثر من مضاعفة الثاني، لكن ترك ذلك إحالة على ما تقدم له قبل هذا في حيّ ونحوه؛ إذ قال: "ونحو حيٍّ فتحُ ثانيه يجب

إلى آخره"، فالحكم في مثل هذا مأخوذ له من الموضعين، فتقول على هذا في النسب إلى (كي): كَيَوِيٌّ، وفي النسب إلى (أَيْ): أَيَوِيٌّ، وإلى (إي) بمعنى نعم: إِيَوِيٌّ، وما أشبه ذلك، وهذا ظاهر.

والمسألة الثانية: في فائدة / تمثيله بـ (لا) وإن كان جائزاً له أن

ص: 568

يمثل بما شاء، لكن لا بد من فائدة قصدها بذلك المثال، وذلك أنَّ التضعيف في هذا الفصل على ثلاثة أوجه: تضعيف واويٍّ، ولا إشكال في أخذ حكمه من هذا الموضع، كما تقدم. وتضعيف يائيٍّ، وهو مأخوذ الحكم من موضعين، كما تقدم أيضاً. وتضعيف الألف وهو الذي مثَّل به، ولا شك أنك إذا ضاعفتَ الألفَ فلا تبقى الثانية على حالها؛ لما يلزم من التقاء الساكنين، والحكم فيها أن تنقلب همزةً على ما هو مقرر في التصريف، فلو ترك التمثيل فيه لم يفهم له وجه التضعيف؛ إذ لا يشعر بقلب الألف الثانية همزة، ولذلك قال في "التَّسهيل": وإن كان حرفَ لين آخر الثنائي الذي لم يُعلم له ثالث ضعِّف، وإن كان ألفاً جُعل ضعفها همزةً، فكان تمثيله بقوله:"كَلَا ولائي" مبيناً لذلك على اختصار.

والمسألة الثالثة: أن تمثيله بقوله: "لائي" بالهمزة، واقتصاره عليه يدل على أنه إنما ارتضى هذا الوجه خاصة، وهو بقاء الهمزة على حالها، ولا شك أن ما كان من باب "شاءٍ وماءٍ" مُسَمًّى به، ففيه وجهان جائزان: ما ذكر، وقلبها واواً، فيجوز هنا: لاويٌّ على قولهم في شاءٍ: شاويٌّ، أنشد سيبويه:

فلستُ بشاويٍّ عليه دَمامة إذا ما غدا يغدو بقوسٍ وأسهُمِ

وأنشد السيرافي وغيره لمبشِّر بن هُذيل الشمخي:

ص: 569

لا ينفعُ الشَّاويَّ فيها شاتُهُ

ولا حِمارَاهُ ولا عَلاتُهُ

وذكر سيبويه أنك إذا سميتَ بشاءٍ ففيه الوجهان: هذا، وإن كان ما ذكر هو الأولى، فاقتصار الناظم على أحد الوجهين اقتصارٌ على أحد الجائزين، وهو موهمٌ للوجوب، لكن هذا أيضاً ينضاف إلى موضع آخر، فيؤخذ منه كلا الوجهين، وهو أنه ذكر في الممدود في الهمزة المنقلبة عن أصل الوجهين، ولا شك أن هذا من ذلك، وإنما فرع سيبويه "شاويّ" على قول من قال: عطاويّ في عطاء، فلا إشكال في كلامه.

ثم أخذ في القسم الثالث من الأقسام الثلاثة، وهو ما كان المحذوف منه الفاء فقال:

وإن يكنْ كشِيَةٍ ما الفا عَدِمْ فجّبْرُهُ وفتحُ عينِهِ التُزِمْ

اعلم أن المحذوف الفاء على قسمين:

أحدهما: أن تكون اللام حرفاً صحيحاً كعِدَة وزنَة ورقَة، وهذا لم يذكر الناظم حكمه على الخصوص؛ لأنه ليس فيه تغييرٌ خاصٌّ به، بل حكمه حكم زيدٍ وعمروٍ في النسب / إليه، فلم يحتج إلى ذكره

ص: 570

لذلك، فتقول في رِقة: رِقِيٌّ، وفي عِدَة: عِدِيٌّ، وفي زِنَة: زِنِيٌّ، وما أشبه ذلك، ووجه عدم الرد قد تقدَّم.

والثاني: أن تكون اللام حرف علة كمثاله الذي مثل به، وهو: شِيَة فهو الذي نصَّ عليه، فإنما أراد بقوله:"كشِيَة" هذا القيد، وهو اعتلال اللام، ويعني: أن حكم مثل هذا أن يُجبَرَ، وجبرُهُ الذي ذكره يكون بأحد وجهين: إما بإتمامه بحرف ثالث آخراً، فتقول: شِيَويٌّ، وهذا هو الذي حكى أبو الحسن عن حمَّاد بن الزبرقان، وإما بردِّ ما حُذف منه وهو الفاء، وهذا الثاني هو الصحيح، والأول لم يرتضه النحويون، وقد رده سيبويه بالتصغير؛ لأنهم لما احتاجوا إلى حرف ثالث لإقامة بنية التصغير ردّوا الفاء، فقالوا في عِدَة: وُعَيدة، فكذلك إذا احتاجوا إلى الردِّ، فإنما يردُّون ما هو الأصل، وأيضاً إذا احتيج إلى ثالث فلا يكون الحرف الذي ليس من الكلمة أولى ممَّا هو منها؛ لأن ما ليس منها أجنبي، فهو أولى بالاجتناب منه،

ص: 571

بأن يختارَ، وحكايةَ من حكى شِيَويّ شاذة، ووجهها كثرة ما جاء في النسب من التغيير، فهو من جملة تغييرات النسب، فإن كان أراد الوجه الأول فليس رأيه بسديد، وإن كان أراد الثاني فهو الذي يقتضيه، والذي عليه جمهور النحويين ويظهر من كلامه؛ إذ قال:"فجَبرُهُ وفتحُ عينِهِ التُزِم"؛ لأن لفظ الجبر أظهر في ردِّ ما حذف منه، وإذا جبر بردِّ ما حذف منه، فلا بد أن تُفتَحَ عينه كما قال، والعين في "شية" هي الشين، فتقول فيه: وِشَويٌّ، وهذا ظاهر في اختيار مذهب الخليل وسيبويه من تحريك العين، وإن كان أصلها السكون اعتباراً بأنها الحركة قبل الرد، ولأن ردَّ المحذوف تقوية للكلمة، وسلبها ما أَنِسَتْ به من تحريك العين تضعيفٌ لها، وهما متدافعان، فوجب البقاء على التحريك، وما ذهب إليه الأخفش من قوله في شِيَة: وِشْيِيٌّ، كظبْيِيٍّ في ظبية، وحِمْيِيٌّ في حِمية، لم يرتضه الناظم، وقد تقدم الاحتجاج به على ذلك، ثم يبقى في مذهب الناظم نظرٌ في وجه تحريك العين بالفت لم يتعرض له؛ إذ هو وجه صناعةٍ لا ثبوت حكم تركه للناظر في المسألة، وقد ذكر شيخنا الأستاذ (رحمة الله عليه) في ذلك وجهين:

ص: 572

أحدهما: أن تكون حركة العين نقلت إلى الفاء؛ لأنها هي التي كانت حركة الفاء قبل النقل، فردت إلى موضعها.

/ والثاني: أن تكون العين حُرِّكت بالكسر على الوجه المستعمل، لكن لما صارت "وِشْيَة" على صفة إبل فعلوا بها ما فعلوا بإِبِل من فتح العين، هذا ما ذكره الأستاذ محكياً عن شيخه أبي إسحاق الغافقي، وأنهما وجهان مقولان له، قال الأستاذ: والأوَّل أولى على طريقة قولهم:

رأى الأمرَ يُفضي إلى آخِرٍ فصيَّرَ أخِرَهُ أوَّلا

والوجهان معاً منقولان عن غير الشيخ أبي إسحاق بذكر السيرافيّ الوجه الثاني، وأن العين بقيت على كسرها، وحركت الفاء لما ردت بمثل حركتها، وهو الذي خرج ابن خروف على قول سيبويه. وقياس سيبويه أن يلحق الوا متحركة بمثل حركتها في الأصل؛ إذ حركتها في العين.

قال: ولا يمتنع أن تُردَّ إليها حركتُها، وتحرك العين بمثل حركة الميم من دَمَوي، فليس الوجهان بمختصين بنظر الشيخ، كما يظهر

ص: 573

من كلام الأستاذ رحمه الله.

وقوله: "التزم" خبر قوله: "فجبروه"، وفتح عينه أي: التزم هذان الحكمان، وإنما لم يقل: التزما وهما شيئان؛ لأنهما في حقيقة النسب وكيفيته شيء واحد، أي: التزم هذا الحكم المركَّب من شيئين، ووجه التزا فتح العين قد تقدم، وأما وجه الجبر فقد ذكر أن الاسم المنسوب يقدَّر قبل لحاق ياء النسب كالمستقل، وعليه ينبني النسب، وإذا كان كذلك وحُذفت التاء من شِيَة، بقي الاسم على حرفين، ثانيهما حرف لين، وذلك لا يكون في معربات الأسماء، فافتقروا إلى جبره لذلك، كما افتقروا إلى الجبر في التصغير؛ إذ لا يمكن في الموضعين إلا ذلك، وإلى هذا المعنى أشار الجرميُّ في طرة الكتاب بقوله: "الرد في شِيَة لا بد منه؛ لأنه يُبقي الاسم على حرفين أحدهما حرف لين.

والشِّيَةُ: ل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، وقوله:{لا شِيَةَ فيها} أي: ليس فيها لونٌ يخالف سائر لونها، ويقال وشيتُ الثوبَ وَشْياً وشِيَةً: إذا زيَّنتَه بألوان تخالف لونه، والفاء في قوله:"ما الفا عَدِم" مفعولٌ به بـ"عَدِم" والجملة صلة "ما"، و"ما" اسم كان، وخبرها المجرور قبلها، وضمير "فجبره وفتح عينه" عائد على مدلول "ما"، وهو الاسم المحذوف الفاء.

ص: 574

***

والواحدَ اذكرْ ناسباً للجمع ما لم يشابِهْ واحداً بالوضْعِ

الواحد مفعول بـ"اذكر" /، و"ناسبا" حال من فاعل "اذكر" أي: اذكر الواحد في حال كونك ناسباً للجمع، ويريد: أنك إذا أردتَ النسب إلى الجمع فإنك لا تأتي بالجمع نفسه فتنسب إليه، بل تأتي بالواحد منه فتنسب إليه، ولم يببيِّن هذا المعنى كلَّ البيان، وإنما محصول كلامه أنك إذا نسبتَ للجمع فاذكر الوحد، وهذا لا يتحصَّل منه المراد صريحاً، وإنما يُعْطِي المعنى المرادَ من قوة الكلام، فكأنه يقول: اذكر الواحدَ ناسباً له حالة كونك مريداً النسب إلى الجمع، والجمع في كلامه محمول على عموم أنواعه، فجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم وجمع التكسير في هذا الحكم على حدٍّ سواء، وما تقدَّم له في المثنى والمجموع جمع سلامة إنما كان حكمَ العلامتين، وسكت عمَّا عدا ذلك إلى أن ذكره هنا، وحكى سيبويه عن العرب "في رجل من القبائي: قَبَليٌّ وقَبَليَّةٌ للمرأة، وفي أبناء فارس: بنَويٌّ، كأنهُم نسبوا إلى قبيلة وإلى ابن، وقالوا في الرِّباب جمع رُبَّة وهي القبيلة من الناس: رُبَِيٌّ"، ومن ذلك قولهم في الفرائض: فَرَضيٌّ، وكذلك لو نسبتَ إلى المساجد قلتَ: مسْجِديٌّ، أو إلى الجمع قلتَ: جمْعِيٌّ، أو إلى العُرَفاء لقلتَ: عَرِيفيٌّ، قال سيبويه بعد

ص: 575

ما ذكره هذه المثل: "وهذا قول الخليل رحمه الله، وهو القياس على كلام العرب"، فهذا كله مما ظهر فيه الرد إلى الواحد كما قال. فإنما تنسب إلى الواحد منها، وهو مسلمٌ وزيدٌ وضاربٌ، وكذلك تقول في مسلمات: مسلِميٌّ، وفي هندات: هِندِيٌّ، وفي زينبات: زَينبيٌّ فتنسب إلى الواحد أيضاً، لكن لا يظهر الفرق بين النسب إلى الواحد والنسب إلى الجمع فيما تقدم من المُثُل، وإنما يظهر الفرق في بعض المواضع كما إذا نسبتَ إلى تَمَرات، أو إلى دَعَدَات، أو إلى هِنَدَات، إذا حركتَ العين فإنك لا تبقي العين على تحريكها، بل تردها إلى السكون كما تكون في المفرد فتقول: تَمْريٌّ ودَعْدِيٌّ وهِنْدِيٌّ، ولا تقول: تَمَريٌّ، ولا دَعَدِيٌّ، ولا هِنَدِيٌّ إلا إذا سميتَ بها، وإذا نسبتَ إلى قاضين أو داعين جمع قاضٍ وداعٍ فإنك تقول: قاضيٌّ وقاضَوِيٌّ، وداعيٌّ ودَاعَوِيٌّ، ولو نسبتَ إلى ذلك مسمًّى به لم تقل إلا قاضيٌّ خاصَّةً، ولو نسبتَ إلى سنين لقلتَ: سَنَويٌّ ففتحتَ السين، / ولو سميتَ به لقلتَ: سِنِيٌّ فتركتَ السين على كسرها، ففي مثل هذه المواضع يظهر الفرق، كما أنه قد يخفى في جمع التكسير في بعض المواضع، وذلك حيث يكون تغيير التكسير مقدراً كفُلْك وهِجان، ونحو ذلك، وإنما نسبوا إلى المفرد ولم ينسبوا إلى الجمع

ص: 576

على حاله ليحصل لهم الفرقُ بين النسب إليه على حاله وبين النسب إليه مسمًّى به. هذا تعليل سيبويه وغيره، ورشح هذه التفرقة مما قاله الأستاذ رحمه الله من "أن المطلوب من النسب إلى الجمع الدلالة على أنه بينه وبين ذلك الجنس ملابسة، وهذا المعنى يحصل بالمفرد مع حصول الفرق بين النسب إليه جمعاً وبينه مسمًّى به".

ثم استثنى من هذا الحكم ما كان من المجموع يشبه الواحد فقال:

ما لم يشابِهْ واحداً بالوضْعِ

يعني: أن الرد إلى الواحد في النسب إلى الجمع إنما يكون بشرط ألا يشبه الجمعُ الواحدَ بوجهٍ من وجوه الشبه، وقوله:"بالوضع" راجع إلى "الواحد"، أي: ما لم يشابه الاسمَ الموضوعَ على الإفراد فإنه إذا كان مشبهاً له لم ينسب إلى مفرده ولم يردَّ إلى واحده بل ينسب إليه على حاله، والجمع الذي يشبه الواحد على خمسة أنواع: وذلك أن الاسم الواحد بالوضع الذي أراد الناظم هو أن يكون مفرد اللفظ أي: محكوماً له بحكم المفرد في تصرفات الكلام، مفردَ المعنى، أي: ليس مدلوله متعدداً، والاسم المجموع بالوضع الحقيقي أن يكون على ضد المفرد، فإذا خرج المجموع عن حقيقته إلى أن يعلق به حكم من أحكام المفرد اللفظية أو المعنوية، نُسِب إليه على حاله.

ص: 577

فالنوع الأول: اس الجمع سواء أكان من لفظ مفرده أم لا، كصحبٍ وركبٍ ورهطٍ ونفرٍ، فإن مثل هذا لا تنسب إليه إلا: صحبيٌّ ورَكبيٌّ ورَهْطيٌّ ونَفَريٌّ ولا تردُّهُ إلى المفرد فتقول: صاحبيٌّ ولا راكبيٌّ ولا رَجُليٌّ؛ لأن اسم الجمع بمنزلة المفرد يُخبَرُ عنه إخبار المفرد، كقول الشاعرة:

أخشَي رُجيلاً أو رُكَيباً عاديا

وصغروه على لفظه، فهو في اللفظ على حكم المفردات، وإن كان المعنى معنى الجمع، قال سيبويه:"ولو قلتَ رُجَليٌّ في الإضافة إلى نَفَرٍ لقلتَ في الإضافة إلى الجمع: واحديٌّ، وليس يقال هذا".

النوع الثاني: اسم الجنس فإنه يصغر / على لفظه وإن كان جمعاً في المعنى، لمعاملته في اللفظ معاملة المفرد، قال الله:{كأنهم أعجازُ نخلٍ منقعر} فتقول هنا في تمر: تَمْريٌّ، وفي نخل: نَخْليٌّ، وفي شعير: شعيريٌّ، وكذلك سائره.

فإن قيل: لا يتعين في هذا النسب إلى اسم الجنس؛ لاحتماله أن

ص: 578

يكون النسب إلى المفرد، فتمريٌّ منسوب إلى تمرة، ونخليٌّ منسوب إلى نخلة، وكذلك البواقي، فلعله من المنسوب إلى المفرد.

فالجواب: أن الأمر ليس كذلك بل هو منسوب إلى الجماعة، والدليل على ذلك قولهم في الشعير: شعيري، فلو كان مردوداً إلى الواحد لقالوا: شَعَريٌّ؛ لأن شعيرة (فَعِيلة)، وقياس (فَعِيلة)(فَعَلي) كفَرَضيّ في فريضة، وقبليّ في قبيلة، ونحو ذلك، وهو استدلال صحيح، ذكره المارديّ في "الترشيح".

والنوع الثالث: الجمع المسمى به، فإنك تنسب إليه على حاله فتقول إذا سميتَ برجال: رجاليّ، أو بهنود: هنوديٌّ، أو بمساجد: مساجديٌّ، وكذلك تقول في تمرات: تَمَريٌّ، فتتركه على حاله، وفي دَعَدات: دَعَديٌّ، وفي قاضون: قاضيٌّ لا غير، وقد قالوا في أنمار: أنماريٌّ، لأنَّ أنمار اسم رجل، وقالوا في كلاب: كلابيٌّ، قال سيبويه: ولو سمَّيتَ رجلاً ضَرَبات لقلتَ: ضَرَبيٌّ لا تغيِّرُ المتحركَ؛ لأنك لا تريد أن توقع الإضافة على الواحد"، وإنما كان النسب هنا على لفظ الجمع؛ لأنه صار دالاً على اواحد، كما ان زيد ومنصور ونحوهما دالاً على الواحد، وقصد معنى الجمعية منتفٍ فلا معنى لردِّه للواحد.

ص: 579

والنوع الرابع: الجمع الذي لا واحد له من لفظه في الاستعمال، سواء أكان له مفرد في الاستعمال غير جارٍ عليه أم لم يكن له مفرد أصلاً، نحو: عباديد، ومشابه، ومحاسن، ومذاكير، فإنها جموع جاريةٌ عليها أحكام الجموع الحقيقية التي استعملت مفرداتها، لكنها لما لم يكن لها مفرد مستعمل فأشبهت من أجل ذلك المفرد فتقول: عباديدي، ومشابهي ومحاسني ومذاكيري، وفي ملامح: ملامحي، وكذلك ما أشبهه، والعباديد: الفِرَقُ من الناس الذاهبون في كل وجه، لا واحدَ له أصلاً، وما عداه استعمل له شِبْهٌ، وحُسْنٌ، وذِكْرٌ، ولَمْحَةٌ، ولم يتغيَّر في النسب شيءٌ من ذلك فينسب إلى الجمع. قال سيبويه:"فإذا لم يكن له واحد لم تجاوزه حتى تعلم، فهذا أقوى من أنْ أُحدِثَ شيئاً لم تكلَّم به العرب"، ومن هذا / قولهم في الأعراب: أعرابيٌّ ليس له مفرد مستعملٌ إلا عربٌ، وعرب أعمُّ من الأعراب، فليس في الحقيقة بمفرد له.

فإن قيل: ولِمَ رددتَ هذه الجموع في التحقير إلى واحدها المستعمل أو المشهور ولم يرد إليه في النسب، فتقول في التحقير: عُبيدِيدون في عباديد، فتصغر عبداً أو عِبيديداً أو عُبدوداً، ولا تفعل ذلك في النسب، وكذلك سائر المُثُل، فيقول سيبويه هنا: هذا أقوى

ص: 580

من أن أحدث شيئاً لم تكلم به العرب، ويقول في التصغير، وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعملٌ في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياساً، ولا غير ذلك، فتحقيره على واحد هو بناؤه إذا جُمع في القياس، ثم مثَّل بعباديد.

فما الفرق بين النسب والتصغير؟

فالجواب: أنه لما كان التحقير يناقض جمع الكثرة من جهة المعنى عدلوا عنه حتماً. هذا مع أن التصغير يغير لفظ الجمع ولا بد، فبقَّوا فيه على القياس. وأما النسب فليس فيه شيءٌ، بل قصدهم التفرقة، فلم يحتملوا لذل التكلم بما لم ينطق به، وأما محاسن ومشابه، فلو قالوا: حُسنيٌّ وشِبهيٌّ لم يُعلم مرادهم من النسب إلى محاسن ومشابه، ولذلك قال سيبويه:"فهذا أقوى من أن أحد شيئاً لم تكلَّم به العرب" يعني: عباديد. هذا جواب ابن الضائع في المسألة.

والنوع الخامس: الجمع الذي صار علماً بالغلبة، وإن كان غير مسمًّى به، فإن حكمه حكم ما لو كان علماً بالتعليق، ومثاله: الأنصار، قالوا فيه: أنصاريٌّ؛ لأنه اسم وقع لجماعتهم، ولم يستعمل منه واحداً يكون هذا تكسيره، وكان واحده لو استعمل ناصر، وفاعل قد يُكسر على أفعال، وإن كان قليلاً قالوا: صاحبٌ

ص: 581

وأصحابٌ وشاهدٌ وأشهادٌ، وبانٍ وأبناء، وجانٍ وأجناءٍ، ومثل الأنصار قولهم في المدائن اسم بلد: مدائنيٌّ، كأن المدائن صار اسماً لبلد غلب عليه، قال سيبويه: "وسألتُه - يعني الخليل رحمه الله - عن قولهم: مدائنيّ فقال: صار هذا البناء عندهم اسماً لبلد، ومن ثمّ قالت بنو سعد في أبناء: أبناويّ، كأنهم جعلوه اسمَ الحيِّ والحيُّ كالبلد، وهو واحدٌ يقع على الجميع، والأبناء هم: ولد سعد بن زيد مناة بن تميم إلا كعباً وعمراً، فإنهم لا يقال لهم: الأبناء، قاله أبو عبيد. هذا أصله، ثم غلب / عليهم الاسم حتى صار كالعلم، فنسبوا إليه على لفظه، ومن هنا يكون قولهم في النسب إلى الأصول: أصوليّ صحيحاً في قياس العربية؛ لأن لفظ الجمع قد غلب على اسم ذلك العلم حتى صار كالعلم له، فلا ينبغي تخطئه من نسب إلى الجمع فقال: أصوليّ، هذا جملة ما أشار إليه الناظم بقوله:

ما لم يشابِهْ واحداً بالوضْعِ

وهو من اختصاره الحسن، إذ أتى فيه بأمرين: أحدهما: جمع هذه الأنواع في هذا اللفظ اليسير وهو أخصر بكثير من لفظه في التسهيل؛ إذ قال: "وينسب إلى الجمع بلفظ واحده إن استعمل وإن

ص: 582

لا فبلفظه" ثم قال: وحكم اسم الجمع والجمع الغالب والمسمَّى به حكم الواحد".

والثاني: إتيانه بلفظ مشعر بالعلة التي لأجلها نسب إلى الجمع بلفظه، وهي مشابهته للواحد بالوضع؛ إذ هي العلّة لذلك الحكم، ولم يأت في التسهيل بشيء من ذلك.

فهذا الكلام من محاسن اختصاره في هذا النظم إلا أنه نقصه من هذا الفصل حكم التثنية وكيفية النسب إليها، ولا مرية في أن حكمها حكم الجمع بالواو والنون فتقول في الزَّيدَين: زيديٌّ، بالرَّدّ إلى الواحد، وفي رِجْلَيْن: رِجْلِيٌّ كذلك، فكان من حقِّه أن يذكر حكمُها هنا، كما ذكر حكمَها مسمًّى بها قبل، والاعتذار عنه بأنه أطلق لفظ الجمع شاملاً للتثنية وغيرها على مقتضى اللغة اعتذارٌ ضعيفٌ.

***

ومَعَ فاعلٍ وفعَّالٍ فَعِلْ في نسبٍ أغنى عن اليا فَقُبِلْ

الغالب على النسب أن يكون بالياء المشددة اللاحقة آخر الكلمة، وقد يأتي على غير ذلك، وهو الذي أخذ في ذكره، "مع" ظرف متعلق بـ"أغنى" و"فَعِلْ" مبتدأ خبرُهُ "أغني"، والتقدير: فَعِلٌ أغنى

ص: 583

عن الياء في النسب مع فاعلٍ وفعَّال، وقد يكون "مع" في موضع الحال أي: حال كونِ فَعِلٍ مع فاعل وفعَّال، ويعني: أن هذه الأبنية الثلاثة وهي (فاعل) و (فعَّال) و (فَعِل) تأتي في كلام العرب مغنية عن إلحاق ياء النسب، ومؤدية معناها، فقوله:"أغنى عن اليا" يريد: في النقل والسماع، وقوله:"فَقُبِل" يريد: أنَّ النحويين قبلوه، كما جاء وبنوا عليه من حيث هو، فنقول: فأمَّا نيابة (فاعل) فنحو: لابِنٍ، وتامرٍ، ودارعٍ، لصاحب التمر والدِّرع، ولصاحب النَّبْل: نابل، ولصاحب النُّشَّاب: ناشب، ولذي الفرس: فارسٌ، ولذي الطعام: طاعم، ولذي / النَّعل: ناعل، ومن ذلك كثير، ومما جاء في الكلام المنقول ما أنشده سيبويه للحطئية:

فَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أنَّكَ لابِنٌ في الصَّيف تامِرْ

وأنشد أيضاً للنابغة:

كليني لهمٍّ يا أميمةُ ناصِبِ وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكِبِ

وأنشد أيضاً لذي الرمة:

إلى عَطَنٍ رَحْبِ المباءة آهِلِ

ص: 584

وعلى ذلك حملوا قولهم: عيشةٌ راضيةٌ، وقال الشاعر الحطيئة:

دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعُدْ فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي

وقال امرؤ القيس:

نطعنُهُم سُلكَى ومخلوجةً لفْتَكَ لأمَيْنِ على نابِلِ

وأما نيابة (فعَّال) فنحو قولك لصاحب الثياب: ثوَّاب، ولصاحب العاج: عوَّاج، ولصاحب الجمل: جمَّال، ولصاحب البُتوت: بتَّات، وكذلك: لبَّان وتمَّار ونبَّال وما أشبه ذلك، قال امرؤ القيس، أنشده سيبويه:

فليس بذي رمحٍ فيطعُنَني به وليس بذي سيفٍ وليس بنبَّال

وهو كثيرٌ أيضاً، وأما (فَعِل) فمثال نيابته عن (فَعِيل) قولك: رجُلٌ عَمِل، ورجل طَعِن، ولَبِسٌ، وقالوا: رجل نَهِرٌ، نقله

ص: 585

سيبويه، وأنشد عليه:

لستُ بليليٍّ ولكمي نَهِرْ لا أُدْلِجُ الليلَ ولكنْ أبتَكِرْ

وأنشد الجوهري:

إنْ كنتَ ليليّاً فإني نَهِرْ حتى أرى الصبحَ فلا أنتظِرْ

وقالوا: رجلٌ حَرِحٌ، وسَتِهٌ، طَعِنٌ، فهذه الأمثلة نائبة كما قال عن ياءي النَّسب، فقولك: لابنٌ وتامرٌ نائب عن قولك: لَبَنيٌّ وتَمْريٌّ، وكذلك سائر المثُل؛ إذ ليس على معنى الفعل، ولا فعلَ له هنا يجري عليه، وكذلك قولهم: نبَّال وثوَّاب نائب عن: نبليٌّ وثوبيٌّ إذ ليس بجارٍ على فِعْلٍ أيضاً، قال السيرافي: واستدل سيبويه على أن فعَّالاً بمنزلة المنسوب بقولهم البتّي في الذي يبيع البتوت، واحدها: بتٌّ، وهي الأكسية، قال: وإليه ينسب عثمان البَتِّيّ من كبار الفقهاء، وكذلك قولهم عَمِل ونَهِر في معن عَمَليّ ونَهْريّ، والدليل عليه ما تقدَّم من قوله:

ص: 586

لستُ بليليٍّ ولكنّي نَهِرْ

قال سيبويه: وقالوا: نَهِرٌ، وإنما يريدون نهاريّ فيجعلونه بمنزلة عَمِل، ثم أنشد البيت، ثم قال: فقولهم نَهِر في نهاري يدلُّكَ على أن عَمِلاً كقولك: عَمَليٌّ؛ لأن في عَمِل من المعنى ما في نَهِر، قال: وقالوا رجل حَرِحٌ، ورجلٌ سَتِهٌ، كأنه قال: حِرِيٌّ واستِيٌّ، وإنما كان ذلك لعدم جريانه على الفعل، وإن كان منها ما له فعل فهو على عدم الجريان. هذا شرح كلام الناظم / على الجملة، ثم يقع النظر في مسائل:

إحداها: أنه يحتمل التعاقب، وأنك إن شئتَ أتيتَ بياء النسب، وإن شئتَ أتيت بأحد هذه الأبنية؛ لأنه قال: إنها أغنت عن الياء، فتأتي بالياء إن شئتَ أو بالبناء إن شئتَ، ويحتمل أن يكون على غير هذا، بل على أن لهذه الأبنية موضعاً يغني [فيه] عن الياء ويقوم مقامها على غير معاقبة، وإلى هذا الاحتمال الثاني يشير لفظ "أغنى" كما قال في موضع آخر:

وأولٌّ مبتدأٌ والثاني فاعلٌ أغنَى في أسارٍ ذانِ

ص: 587

إذْ ليس معناه إلا أن الفاعل انفرد بذلك الموضع مغنياً عن خبر المبتدأ، وكذلك هاهنا أي: يغني عنه بحيث لا يقع في ذلك الموضع إلا أحد الأبنية، وهذا معنى كلامه في التسهيل؛ إذ قال:"ويستغنى عنها (يعني عن ياء النسب) غالباً بـ (فعَّال) من لفظ المنسوب إليه إن قصد الاحتراف، وبصوغ (فاعلٍ) إن قصد صاحبُ الشيء"، وهو ظاهر من كلام سيبويه، فهو أولى ما يُحمَلُ عليه هذا النظم. وأمَّا الاحتمال الأول فهو مذهبٌ أيضاً، وإليه ذهب ابن عصفور؛ إذْ خيَّر في صوغ أحد الأبنية أو إلحاق ياء النسب، نص على ذلك في "المقرب" و"شرح الجمل"، ويظهر من كلام المارديّ؛ إذ قال: تقول لبائع اللؤلؤ: لؤلؤيٌّ، ولآّلٌ، ولصاحب العاج: عاجيّ وعوَّاجٌ، ولصاحب الزُّجاج: زجَّاجي وزجَّاج. هذا ما قال. وهو مذهبٌ مرجوحٌ، وظاهر كلام العرب الاستغناء، كما أشار إليه كلام الناظم، وكلام سيبويه على ذلك يدلّ؛ لأنه لما أتى بمثال من فعَّال، وبين أنه أكثر من أن يحصى، قال: وربَّما ألحقوا ياءي الإضافة كما قالوا: البتِّيّ، فأتى بـ"ربَّما" المقتضية للتقليل، وإنما هو ناقلٌ، فياء النسب في هذ الموضع نادرة، والنادر لا يقاس عليه.

ص: 588

والمسألة الثانية: أن في كلامه ما يدل على أنه قياس، وذلك أنه أغنى عن الياء، فقيل: ولا شك أن قوله: "أغنى" يريد به أن ذلك قد جاء في السماع على ذلك الوصف، وقوله:"فقُبِل" إمَّا أن يعني: أنَّ النحويين قبلوه من حيث هو سماعٌ ولا يقاس عليه، وإمَّا أن يعنيَ أنهم قبلوه وأخذوا بمقتضاه، وقاسوا عليه، فلو أراد الأول لم يكن فيه فائدةٌ؛ إذ الأخبار عن الشذوذات بأنها قبلت نقلاً، كما جاءت لا محصول تحته بالنسبة إلى صنعة النحويين أهل القياس كما / لو قال قائلٌ: إن العرب قد قالت:

صددْتِ فأطْوَلْتِ الصُّدُودَ

فقبله النحويون، فإن هذا الكلام لا يحصِّل معنًى يُعتد به بخلاف ما إذا أراد أنهم قبلوه في القياس وأخذوا به، فإن في هذا أجل فائدة لهم للإخبار بأن مثل هذا ليس عندهم من السماع المهمل الذي لا يعتمدون عليه، بل هو معتمد عليه مبني على محصوله، وأصرح من هذا في كلامه قوله بعد:

وغيرُ ما أسلفتُهُ مقررا

إلى آخره.

ص: 589

فهذا نص بأنَّ جميع ما ذكر في الباب مقيسٌ ليس فيه ما يوقف على السماع، وإذا كان كذلك كان الناظم قد ارتضى رأي من قال بالقياس، وكذلك فعل في "التسهيل"، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ إذ قال بعد ما أتى بأمثلة منه:"وذا أكثر من أن يحصى"، ولا شك أن ما كان هكذا فهو أحرى بالقياس عليه. وهذا الكلام هو الذي اعتمد الشلوبين في القول بالقياس، وذهب جماعةٌ إلى وقفه على السماع، وإليه ذهب ابن خروف، واعتمده ابن عصفور، واعتمد ابن خروف في ذلك على كلام سيبويه، حيث قال: وتقول لمن كان شيءٌ من هذه الأشياء صنعته: لبَّانٌ، وتمَّارٌ، ونبَّالٌ، قال: وليس في كل شيء من هذا قيل هذا، ألا ترى أنك لا تقول لصاحب البزّ: بزّاز، ولا لصاحب الفاكهة: فكَّاه، ولا لصاحب الشعير: شعَّار، ولا لصاحب الدقيق: دقَّاق، هذا كلامه، وظاهره عنده عدم القياس، وقد تأول غيره هذا الكلام على الاستغناء في بعض المواضع، فذكر الشلوبين أنه لا ينبغي أن يؤخذ من هذا الكلام عدم القياس، بل هو مقيسٌ عنده، ألا ترى إلى قوله:"وهو أكثر من أن يحصى"، لكن

ص: 590

بيَّن أنَّ العرب قد تترك القياس في بعض المواضع، وتستغني بغيره عنه فتحفظ تلك المواضع، ويبقى مقيساً فيما عداها.

وبعد، فأصل الخلاف في المسألة لفظ سيبويه، فمن ترجَّح عنده أحد الموضعين قال به.

المسألة الثالثة: فيما على الناظم من الدرَكِ وذلك من وجهين:

أحدهما: أنه ذكر الاستغناء ولم يبيِّن أنه في موضع مختصٍّ ومحلٍّ معيَّن، وإنما ذكر أن هذا آتٍ في الكلام على الجملة، ومثل هذا لا يحصِّل معنًى في النحو، كما لو قال: إن الضمير يأتي متصلاً، ويأتي منفصلاً من غير أن يذكر موضع الاتصال ولا الانفصال، فإن مثل هذا لا يبيِّنُ في المسألةة حقيقة؛ إذ الضمير لا يأتي متصلاً مطلقاً، ولا منفصلاً مطلقاً، فكذلك كلامه هنا، وهذه الأبنية / الثلاثة إنَّما يستغنى بها في مواضع مخصوصة، فأمَّا (فاعل) فيوتى به لمن كان صاحب شيء وليس فيه علاج، ولا محاولة كـ"لابِنٍ" لمن كان له لبنٌ، و"تامرٌ" لمن كان له تمرٌ، وكذلك سائر المُثُل. وأما (فعَّال) فلمن كان صاحب شيء له فيه علاج ومحاولة كـ"جمَّال" و"حمَّار" لصاحبي الجمال والحمير اللذين يعملان عليها، وكذلك سائر الأمثلة، هذا هو الغالب في المثالين، وقد يستعمل أحدهما مكان الآخر كقولهم: سيَّافٌ لذي السيف الذي لا يحاول فيه شيئاً، ويقال لذي البغل: بغَّالٌ، ونابلٌ للذي يعالج النبل، وقد أطلق امرؤ القيس النبَّال

ص: 591

في موضع النابل، والنابل في موضع النبَّال، فقال في الأول:

وليس بذي رمحٍ فيطعُنَني به وليس بذي سيفٍ وليس بنبَّالِ

فإنما يعني صاحب النبل خاصة، وقال في الثاني:

نطعنُهُم سُلكَى ومخلوجةً لَفْتَكَ لأْمَينَ على نابِلِ

فإنما يعني المعالج للنبل على ما حكي أنه قال: مررتُ بنابلٍ وصاحبه يناوله الريش لؤاماً وظُهاراً، فما رأيتُ شيئاً أحسن منه، فشبهت به، وأما (فَعِل) فللملازم للشيء، كذا قال ابن عصفور، نحو: عَمِلٍ للملازم العمل، ونَهِرٍ للملازم للشغل بالنهار، وسائر المثل كذلك، وغيره يجعل (فعَّالاً) و (فَعِلاً) من باب واحد، وذلك ملازمة العمل والعلاج ومداومَتُه؛ لأنها معاً من أمثلة المبالغة، فهذا مما فات الناظمَ تفسيرُهُ، وهو ضروري؛ إذ لا تَرِدُ هذه الأمثلة علىى محلٍّ واحد كما رأيت، ولا بدَّ من الاختصاص، وهو لم يذكره فيوهم كلامه حكماً لم يقل به أحداً، ولا جواب لي عن هذا الدَّرَكِ الآن.

الوجه الثاني: من وجهَي الدَّرَكِ أنَّ النحويين إنما عادتهم أن يذكروا من هذه الأبنية (فاعلاً) و (فعَّالاً)، وأما (فَعِل) فلا يجعلونه من ذلك، وعلى المثالين اعتمد في "التسهيل" و"الفوائد"، وهو

ص: 592

الذي ينبغي.

فإن قلتَ: إن (فَعِلاً) قد ذكره سيبويه وكثيرٌ من النحويين كما ذكروا (فاعلاً) و (فعَّالاً).

فالجوابُ: أنهم إنما ذكروه على جهة الشذوذ والقلة؛ إذ لك يَلْحق (فاعلاً) و (فعَّالاً) ولا قاربهما، وقد أشار إليه إشارة القلة في الجملة في كتاب "التسهيل" إذ قال:"وقد يقام أحدهما مقام الآخر وغيرهما مقامهما"، فالغير يريد به (فَعِلاً) وما كان نحوه، وأيضاً فحين بنى على ما ذكروه فلنذكر (فعولاً) و (مفعالاً) و (مِفْعَلاً)، وقد ذكر هذا سيبويه: وزاد غيره (مِفعِيلاً) و (فعَّالاً) و (فَعِيلاً) بمعنى مفعول، بل كل صفة جرت على المذكر والمؤنث بلفظ واحدٍ فهي من هذا الباب؛ / لأنها غير جاريةٍ على فِعْلٍ أصلاً، فهي عند البصريين على معنى النسب، فكان من حقه حين أراد أن يستدرك على غيره أن يذكر ما ذكره الناس من هذه الأشياء، ويقولَ حين لم يُرِدِ الاستيفاء، فلا حاجة به إلى ذكر (فَعِل)، بل كان يسكت عنه كما سكت غيره عنه.

وقد يجاب عن هذا الثاني بأن يقال: يمكن أن يكون ارتضى القياسَ على (فَعِل) إذ قد جاء منه أشياءٌ لها كثرةٌ وإن كانت أقليَّةً بالنسبة إلى كثرة (فاعل) و (فعَّال)، فذلك لا يمنع القياس، وخصه

ص: 593

بذلك دون سائر الأمثلة المتقدِّمة؛ لأنه الذي ظهرت فيه المشاركة في معنى النسب حقيقة، وذلك أن المثالين المتقدمين استعمِلا على غير النسب أصلاً؛ إذ لم يقولوا من التمر: تَمْرٌ، ولا من النبل: نَبلٌ، ولا من اللبن: لَبِنٌ، ولا من الحمار: حَمِرٌ، ولا غير ذلك، فظهر فيه معنى النسب ظهوراً بيِّناً، حين قالوا: لَابِنٌ وتَامِرٌ، وشبه ذلك، وهذا هو الأصل في الباب، وهو الذي جعله سيبويه أكثر من أن يحصى، ثم ذكر ما وجد فيه معنى النسب مما استعمل له فعلٌ، فألحقه بما ليس له فعلٌ مستعملُ الفاء لاستعماله كقولهم:"عشيةٌ راضيةٌ"، وطاعم، وكاسٍ، وما أشبه ذلك، فإنهم استعملوا رَضِيَ وطَعِمَ وكَسِيَ على الجملة، لكنهم ألغوا فيه ذلك المعنى، فألحقوا بلابنٍ وتامرٍ، ولأجل أنَّ الباب مبنيٌّ على إهمال الفعل استشكال بعض المتأخرين جعل سيبويه تامراً من صلب الباب، مع أن ابن القطاع حكى: تَمِرَ القوم: إذا كان عندهم تمرٌ، واعتذر بأن قال: لعل هذا لم يحفظه سيبويه، ثم استشكل إدخاله آهلاً مع قولهم: أَهَلَ المكان أُهولاً؛ إذا كثُرَ أهله، ذكره ابن القوطية، قال: وإذا ثبت ففي هذا إشكال عظيم. هذا ما

ص: 594

قاله: ، ولا إشكالَ فيه، على ما تقرر في طاعمٍ وكاسٍ ونحوهما، وإنما جلبتُ هذا الكلام استشهاداً على اعتمادهم في تقرُّرِ معنى النسب على إهمال الفعل، وأن فاعلاً وفعَّالاً غير جاريَين على فَعِل.

فإذا تقرّر هذا فـ (فَعِل) قد وُجد، وليس له فعلٌ أصلاً، وذلك قولهم: نَهِرٌ؛ إذ لم يستعملوا نَهَر، فصار بهذا النقل في نمط فاعل وفعَّال هذا، وإن كان نادراً فإنهم قد استعملوا عليه ماله فعلٌ على تقدير الغاية، وذلك قولهم: طَعِمٌ وسَتِهٌ وحَرِحٌ ونحو ذلك، بخلاف جميع ما ذكر في السؤال من فَعول ومِفعال وغيرهما، فإنها إنما استعملت / على معنى النسب إلحاقاً لها بغيرها لا بحق الأصل؛ إذ ليس فيها ما استعمل، وليس له فعل البتة، بل كل واحد منهما فعل مستعمل، فلم يلحقها الناظم بما ذكر، ويا حُسْنَ ما ذهب إليه لولا قلته في السماع، وذلك لا يضر إذا كان عنده إذا كان يبلغ مبلغ القياس، وإنما ذكر سيبويه فَعِلاً مع فَعُول ومِفعالٍ ونحوها؛ لأن الجميع عنده غير قياس.

ثم أشار الناظم أن ما عدا ما ذُكِر موقوفٌ على السماع، وهو القسم الثاني من قسمي المنسوب، فقال:

وغيرُ ما أسلفتُهُ مقرراً على الذي يُنقلُ فيه اقتُصرا

أسلفتُهُ معناه: قدمته، ومنه: سلَفُ الرجل، وهم أباؤه المتقدِّمون، يعني: أنَّما عدا ما قدَّمَ من الأحكام المقررة في هذا الباب يُقتصر منه على المنقول المسموع، ولا يقاس عليه ما سواه، وحين نبَّه

ص: 595

على قسم الشَّاذ، فلا بد من التنبيه على أمثله منه، يتبيَّنُ بها مقصوده، ويستريح إليها النار في نظمه.

فاعلم أن ما خرج عن القياس في باب النسب ثلاثةُ أقسام:

أحدهما: ما كان قياسه أن لا يغيَّر بغير زيادةٍ على ما اقتضى القياسُ فيه من التغيير، فغيَّرتْهُ العرب شذوذاً.

والثاني: ما كان قياسه أن يغير فلم يغيَّر شذوذاً على عكس الأول.

والثالث: ما كان قياسه أن يغيَّر تغييراً ما، فغيِّر تغييراً آخر شذوذاً كذلك، وكل واحد من هذه الأقسام لا بدَّ لما فعلته العرب فيه من علة.

وجملة علل الباب ثلاثة أنواع:

إحداها: التفرقة بين نسبتين إلى لفظٍ واحدٍ قصداً إلى إزالة اللبس.

والثانية: المعدول عن الثقل إلى الخفة.

والثالثة: تشبيه الشيء بالشيء.

وثمَّ نوعٌ رابعٌ استقرائيّ وهو: الاستغناء عن النسب إلى الشيء بالنسب إلى ما في معناه أو ما يلابسه.

القسم الأول: مثاله قولهم في قريشٍ: قُرَشيٌّ، وفي هذيل: هُذَلي، وفي ثقيف: ثَقَفيٌّ، ووجهه إما تشبيه ما ليس فيه التاء بما هي فيه؛ لأن الوزن واحد، ولا بد للتاء أن تزولَ في النسب، وإما لثقلِ

ص: 596

اجتماع الياءات في الكلمة إذا قالوا: قُرَيشي.

ومن ذلك قولهم: سُهليٌّ بالضم في النسب إلى السَّهل خلاف الجبل، فرقوا بينه وبين النسب إلى سَهْلٍ اسم رجل؛ إذ قالوا فيه: سَهْليٌّ، وكذلك دُهريٌّ للرجل المسنِّ منسوب إلى الدهر، فرقوا بينه وبين الدَّهري، وهو القائل بالدهر من الملحدة، وكذلك أَمويٌّ بفتح الهمزة في أُمية، والقياس: أُمويٌّ، لكنهم كأنهم نسبوا / إلى المكبَّر وهو: أمةٌ استغناءٌ، ومثله في الاستغناء قولهم في البصرة: بِصريٌّ، ووجَّهه بعضهم بأنه نسب إلى البِصر وهي حجارةٌ بيضٌ توجد في الموضع المسمَّى بَصرة، فنسب إليها، والمراد الموضع شذوذاً، وقالوا: عُبَدِيٌّ بضم العين في بني عَبيدة، حيٌّ من بني عَديّ، فرّقوا بينهم وبين عَبيدة من غيرهم، ومثله قول بعضهم في بني جَذيمة: جُذَمِيّ، قال السيرافيّ: لأنَّ في قريش جَذيمَة ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وفي خزاعة جذيمة، وهو المصطلق، وفي الأزد جذيمة بن زهير، والأمثلة أكثر من هذا.

والقسم الثاني: مثاله قولهم في عليّ: عليِّيّ، وفي قصيّ: قُصيِّيّ، وهذا مذهب الناظم حيث جعل ذلك شذوذاً، وإلا فهو عند طائفة قياس، كما تقدم، ووجه التشبيه بظبْيِيّ حيث لم يحفِلوا فيه بالياءات،

ص: 597

فلذلك لم يحفِلوا بها في ذلك، ومن ذلك قولهم في البحرين اسم موضع: بحراني بإثبات الالف والنون اللتين هما علم للتثنية في الأصل، فرقوا بذلك بينه وبين البحرين الذي هو تثنية حقيقية لم يسمّ به بعد، فبنوا اسم الموضع علا (فَعلان) ثم نسبوا إليه كذلك.

والقسم الثالث: مثاله قولهم في زَبينة: زَبانيٌّ، كأنهم أرادوا إبقاء الحروف على حالها، فاستثقلوا الياء في زَبينيٌّ فردوها إلى الألف؛ لأن الألف أخفّ من الياء هنا لما في بقائها من اجتماع الياءات في كلمة.

ومن ذلك قولهم: طائيٌّ؛ إذ لو قالوا على القياس: طيئيٌّ لثقُلَ باجتماع الياءات وبينهما همزة هي من مخرج الألف، وهي أيضاً تناسب الياء، فقلبوا الياء ألفاً.

ومن سليقيٌّ في السَّليقة، قياسه: سَلَقيٌّ، لكنهم شبهوه بـ (فعيل)، فتركوا الياء على حالها.

وقالوا في صنعاء: صنعانيّ، وفي بهراء: بهرانيّ، وفي دَسْتَوَاء: دَسْتَوانيّ، أبدلوا الهمزة نوناً لشبهها بها، ألا تراهم قالوا: ظرابيّ في ظَرِبان، وأناسيّ في إنسان، شبهوا النون بالهمزة، فكذلك شبهوا هنا الهمزة بالنون على العكس من ذاك.

وقالوا في جَلولاء وحَروراء: جَلُوليٌّ وحَروريٌّ فحذفوا الهمزة تشبيهاً للممدود من الألفات بالمقصور.

ص: 598

وكذلك قالوا في خراسان: خُراسيٌّ، كأنهم شهوا الألف والنون بعلم التثنية، فحذفوا لذلك.

والمُثُل في الباب كثيرةٌ، فلنقتصر منها على هذا القدر فهو كافٍ.

/ ويلحق بهذا الفصل مسألةٌ تتعلق بكلام الناظم، وذلك أن هذه الأشياء التي شذت في النسب إليها إذا سُمِّيَ بها فإنما ينسب إليها على القياس المطرد، ويترك ذلك الشذوذ المسموع فيها، فلو نسبْتَ إلى رجل سمَّيتَه زَبينة لم تقل: زَبانيٌّ، وإنما تقول: زَبَنيٌّ على القياس، وكذلك إذا سميتَ رجلاً بدهر فنسبت إليه لم تقل إلا: دَهريٌّ بالفتح، أو جذيمة لم تقل إلا: جَذَميٌّ بفتح، وكذلك سائر ما تقدم، وكذلك الحكم في التصغير، وإذا ثبت هذا فكلام الناظم قد يشعر بأن ما جاء شاذاً يقتصر فيه على النقل سواء أكان ذلك قبل التسمية أم بعدها؛ إذْ لم يقيَّد ذلك بما قبل التسمية فصار الإطلاق مشعراً بالتسويغ في الجميع، وذلك غير صحيح، بل الحكم الفرق بين الحالين كما ذكر. والجواب: أن كلام الناظم يشعر بذلك؛ لأنه إنما قال:

"على الذي ينقل فيه اقتصرا"

والذي نقل شاذاً إنما نقل غير مسمًّى به، فإذا سمي به فقد خرج بالتسمية عن المسموع؛ إذْ كنتَ تصرفتَ فيه بالتسمية، ألا ترى إلى قولهم: سُهليٌّ إنما قالوه في النسب إلى السَّهل خلاف الجبل، ليفرقوا بينه وبين النسب إلى سَهْل الرجل، فإذا سميتَ بالسهل خلاف الجبل فقد صار غير محلّ التفرقة، فيلزم فيه اتّباع القياس، وعلى هذا النحو

ص: 599

يجري سائر ما في الباب، قال الشلوبين: "إنما رجع سيبويه في النسب إلى القياس؛ لأنه وجد العرب كثيراً ما تغيِّر الاسمَ المنسوب إليه فرقاً بين معنيين كقولهم في النسب إلى السَّهل: سُهليٌّ، وفي النسب إلى اسم رجل: سَهليٌّ بالفتح، فلما كان أكثر تغييرهم للفرق صار ذلك الشذوذ مختصاً بذلك المعنى المغيَّر، فوجب عند زوال ذلك المعنى زوالُ ذلك التغيير، فكان الوجه الرجوع إلى القياس، وكذلك التصغير وجدوا أكثر الشذوذ فيه مختصاً بالظروف، وهي في كلامهم قد اختصَّت بأشياء لا تكون في غيرها من الأسماء، هذا مع أن التصغير في الظروف لمعنًى ليس في غيرها، فوجب الرجوع إلى القياس هذا وجه ما قالوا، بخلاف الجمع فإن الحكم فيه بعد التسمية كحكمه بعدها، فتقول في ابن: بَنُونَ على غير القياس، فإذا سمَّيتَ به قلتَ: بنون أيضاً، وكذلك (أمٌّ) تقول فيه: أمَّهاتٌ وأُمَّاتٌ / قبل التسمية وبعدها، وإنْ كان أمَّاتٌ شاذاً، ووجه الفرق أن الجمع على بنون أو أمهات لم يكن لأجل معنًى يزول ذلك المعنى بالتسمية، فيزول موجبُه لذلك، بل أمره بعد التسمية وقبلها أمرٌ واحداٌ، وأما النسب فالشذوذ لمعنًى يزول بالتسمية كما تقدم فيزول موجبه، ونظيره قولهم في جمع أحمر الصفة: حُمْر، فإذا نقلْتَه بالتسمية زال موجب ذلك الحكم؛ لأن الوصفية هي الموجبة للجمع على (فُعْل)،

ص: 600

فإذا زالت زالَ موجبها، فالحاصل أن الاسم قبل التسمية بالنسبة إلى النسب الشاذّ مخالف له بعد التسمية، فليس هو المنقولَ نفسَه بعد التسمية، فلم يشمله كلامُ الناظم هنا، فلا بد من رجوعه إلى القياس المقرَّر قبلُ، وهو ما أردنا أن نبين، وينظر هنا هل فاته ذكر مسألة من تغيير النسب مطَّردة لم تدخل له تحت ما ذكر، وقلَّما يخلوا من ذلك، فيُردّ عليه الاعتراضُ؛ لأنه قال:"وغير ما أسلفتُهُ مقرراً" إلى آخره، فأعطى أن ما لم يذكر له تغييراً مطرداً في هذا النظم فهو شاذٌ محفوظٌ.

كمل النسب، يتلوه الوقف إن شاء الله تعالى

تمَّ السِّفْرُ الرابع بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين،

وحسبنا الله ونعم الوكيل

***

ص: 601

فهرس موضوعات

الجزء السابع

الموضوع

الصفحة

جمع التكسير

9

التصغير

261

النسب

429

ص: 602