المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوقف اعلَمْ أن الوقف نظير الابتداء أي مقابله والابتداء عملٌ فالوقف استراحة - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٨

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌الوقف اعلَمْ أن الوقف نظير الابتداء أي مقابله والابتداء عملٌ فالوقف استراحة

‌الوقف

اعلَمْ أن الوقف نظير الابتداء أي مقابله والابتداء عملٌ فالوقف

استراحة عن ذلك العمل فإذًا أصلُه أن يكون على السكون كما أن الابتداء

أصله أن يكون بالحركة. ثم إنه يتفرع عن قصد الاستراحة في الوقف ثلاثة

مقاصدَ فيكون لتمام الغرض من الكلام ولتمام النظم في الشعر ولتمام

السجع في النثر ثم إن الوقف إنما يكون على الآخر والأواخرُ محل التغيير

فغيَّروا الأواخر عند الوقف على حسب المقاصد اللفظية أو المعنوية. وجملةُ

أنواع التغيير الحادثة في الوقف المشهورة في كلام العرب ثمانية أنواع

وهي السكون والرَّومُ والإشمام والتضعيف والنقل والإبدال والحذف

وإلحاق هاءِ السكت وهذه الأنواع كلُّها قد ذكرها الناظم وذكر مواضعها

وابتدأ بما يتعلق بالنون منها فقال

تَنْوِينًا اثْرَ فَتْحٍ اِجْعَلْ أَلِفَا

وَقْفًا، وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ اِحْذِفَا

تَنْوِينًا: مفعولٌ أول لاجْعَلْ التي بمعنى صيَّر إذ هي تتعدى إلى

[5]

ص: 5

مفعولين كما تقدم في بابه. واثْرَ فَتْحٍ: ظرف متعلق به وتِلْوَ بمعنى تالٍ

أي تابع وهو مفعول باحْذِفْ على حذف الموصوف أي احذف تنوينا

تالي غير فتح

ويعني أن التنوين اللاحق لآخر الاسم إما أن يكون بعد فتح أو بعد غيره

وهو الضم والكسر، والفتح في كلامه ليس مقتصَرا به على فتح البناء فقط

وإن كانوا إنما يطلقون الفتح والضم والكسر على حركات البناء كما يطلقون

الرفع والنصب** والجر على حركات الإعراب لكنهم قد يُعبّرون عن حركة

الإعراب بالفتحة والضمة والكسرة فأطلقها الناظم على ما تنطلق عليه من

حركة بناء أو حركة إعراب

فإن كان التنوينُ بعد فتح فإنك تُبْدِلُه ألفا فتقول في رأيت زيدَنْ*: رأيت

زيدا وفي أكرمت عمْرَنْ: أكرمت عمْرا وكذلك فتحةُ البناء إذا تبعها التنوين

وذلك في أسماء الأفعال نحو حيَّهَلَنْ وإيهَن ووَيْهَن تقول في الوقف

حيّعلا وإيها وويها وكذلك ما أشبهه

وإن كان التنوين بعد غير فتح فإنه يُحذف رأسا وذلك إذا وقع بعد

الضم نحو هذا زيدُنْ فإنك تقفُ عليه: هذا زَيْدْ فتحذف التنوين وفي

الجر مررت بزيْدْ فتحذف أيضا وكذلك تقول في صَهٍ ومَهٍ إذا نونته ثم

[6]

ص: 6

وقفت صَهْ ومَهْ وفي إيهٍ إيهْ وفي هيهاتِ* هيهاتْ وكذلك في يومئذٍ وحينئذٍ وما أشبه ذلك وشذَّ من ذلك حرف واحد فوُقف عليه على التنوين

وذلك كأيِّن وَقف عليها بالنون من القراء مَنْ عدا أبا عمرو اتباعا للمصحف إذ وقع كتْبُها بالنون وجه عدم إثبات التنوين على حاله أنه حرف زائد أُتي به للفرق بين

ما ينصرف وما لا ينصرف في المعرب وفي المبني أتي به بمعنى آخر وهو كالحركة لأنه يتبعها فلا يوقف عليه عليه* بحاله وأيضا أرادوا الفرق بينه

وبين النون الأصلية نحو حَسَنٍ وما أشبه الأصلية نحو رَعْشَنٍ هذا وجهُ عدم بقائها على حالها في الوقف

وأما إبدالها مع الفتح وحذفها مع غيره فوجهه أن النون تشبه الألف من

حيث كان اللِّينُ في الألف يقاربه الغنة في النون فأبدلوها ألفا لما بينهما من

المقاربة وكذلك كان الأصلُ في الرفع أن يُبدل واوا وفي الجر أن يُبدل ياءً

وهي لغةٌ لبعض العرب أن يقولوا في الوقف قام زيدو ومررت بزيدي

كما يقول الجميع رأيت زيدا ولم يُنبه عليها الناظم لِقلَّتها لكنَّ اللغةَ

[7]

ص: 7

الفصحى حذفها في هاتين الحالتين لمكان ثقل الواو والياء في أنفُسهما بخلاف

الألف فإنها خفيفة فإذا اجتمعت الضمة أيضا مع الواو والكسرة مع الياء

كان ذلك أثقل ولم يكن في الفتحة مع الألف ثقل فتركوها على حالها على أن

بعض العرب يعامل الألف معاملة الواو والياء في الحذف فيقول رأيتُ زيدْ

كما يقول هذا زيدْ ومررت بزيدْ ولم ينبِّه على ذلك الناظمُ لقلَّته، ثبت نقلُ

هذه اللغة في كتاب سيبويه في النسخة الشرقية منه عن أبي الحسن

وحكاها الفارسي عن قطرب عن أبي عُبَيدة وأنشد بيت الأعشى

إلى المرءِ قيسٍ أُطِيلُ السُّرى

وآخُذُ من كلِّ حَيّ عُصُمْ

وأبياتا آُخَر ومنه أيضا ما أنشده قطربٌ من قول عدي بن زيد

ونسبَه البكري لطرفةَ

شَئِزٌ جَنْبِي كأنيْ مُهْدَأٌ

جَعَل القينُ على الدَّفِّ إبَرْ

[8]

ص: 8

وقال أبو عمرو الفَقْعَسِيُّ

أعددت للوِرْدِ إذا الوِردُ حَفَزْ

غَرْبًا جرورًا وجُلالا خُزَخِزْ

ثم قال

كأنَّ جَوْفَ جِلْدِه إذا احتفَزْ

في كل عَضْوٍ جُرْذَيْنِ وخُزَزْ

أراد كأن في جوف جلده في كل عضو منه جُرْذَين وخُزَزَا

ثم إن ظاهر هذا الكلام يشمل زائدا إلى ما تقدم التمثيل به نوعين

أحدهما المنقوص إلا أنّ الناظم أخرجه وذكر حكمه لما فيه من

الأحكام المخالفة لما ذكر هنا

والثاني المقصور وهو لم يخُصَّه في هذا الباب بذكر فالعبارة شاملة

له وهي تقتضي فيه ما تقتضي في الصحيح الآخر من أنك تحذف التنوين

في الرفع والجر وتقف عليه في النصب بعد إبداله ألفا فإذا قلت هذا

فتى ووقفت عليه أو مررت بفتى فتلك الألف هي الأصلية نظيرُ الدال في

زيد

وإذا قلت رأيتُ فتى فالألف هي المبدلة من التنوين نظيرُ الألف في

رأيت زيدا وحُذفت الألفُ الأصلية لاجتماع الساكنين فالناظم لما رأى الحكم

المقرَّر غير ظاهر في المقصور حمله على ما ظهر فيه وهو الصحيح الآخر وهو

[9]

ص: 9

قياسٌ واضح إن ساعده الدليل. وما ذهب إليه هنا هو الذي اختار في

التسهيل وهو مذهب الفارسي في الإيضاح والمسألة ذاتُ أقوال ثلاثة

هذا أحدها

والثاني مذهبُ المازني أنَّ الوقف على ألِف التنوين في الأحوال

الثلاثة

والثالث مذهب الكسائي أن الوقف على ألف الأصل مطلقا في

الأحوال الثلاثة

ولا نصَّ لسيبويه في المسألة يُؤخَذُ له منه مذهبٌ فزعم ابنُ عصفور

وهو يظهر** من ابن جني أنَّ رأيه رأيُ الفارسي وزعم السيرافي أن

رأيه رأيُ الكسائي ولسنا لتحقيق ذلك هنا

وحجةُ ما ذهب إليه الناظم ما تقدم من حمل المعتل على الصحيح

والخفي على الجلي

وأيضا فإن ما رُوي عن العرب من إبدال ألف (مُثَنًّى) ياءً في الوقف

فيقولون مُثنَّى** وقوم يبدلونها واوا ولم يرِدْ ذلك في ألف التنوين في

[10]

ص: 10

نحو رأيت زيدا فلم يقولوا رأيتُ زيدَى** ولا زيدو فلو كانت ألف

الأصل مطلقا لم يمتنعوا من إبدالها حيث كانت. وأيضا فإن العرب تُميلُ:

هذا فتى ولو كانت ألف التنوين لم تُمل كما لا تمال الألف في (رأيت دما)

واستدل ابن عصفور أيضا بأن هذا الألف تُمال في حالة الرفع ولا تمال

في حالة النصب وبأنها تقعُ قافية في الرفع والجر ولا تقع قافية في حالة

النصب وهذا لو صح دليلٌ لكنهم قد نقلوا عن القُرَّاء إمالة هذه الألف

حالة النصب كقوله تعالى {أو كانوا غُزًّى} و {سمِعنا فتًى}

وما أشبه ذلك مع أنهم لم يميلوا {وقد آتيناك من لدنا ذكرا} ولا ما

كان نحوه أصلا فهذا يردُّ ما ذكره ابن عصفور وهو دليلٌ للكسائي

على الناظم

وقد اعتذر بعضهم عن هذا بأن المنصوب الممال قليل في القرآن مع أن

العرب تشبّه الأصلي بالزائد والزائد بالأصلي فيجرى* حكم أحدهما

على الآخر فلا دليل في الإمالة على هذا إلّا أنّ ابن الأنباري حكى أنّ

العرب تقول (رأيت فتى) فتُميلُ الألفَ إلى الياءِ مع أن ألف التنوين لا

[11]

ص: 11

تُمالُ فلا يُقال (رأيت عَمْرَي*) في (رأيت عَمْرَن) يعني بالإمالة وأما

كونها لم تقع قافية فقد نقل غيرُ ابن عصفور أنها وقعت كذلك وأنهم وجدوا

في كلمة مقصورة

فلا تُرَى أمرًا سُدى

وبعد ذلك

لكل حمد يُشْتَرى

وأنشد الزجاجي

ورُبَّ ضيفٍ طرَقَ الحيَّ سُرى

صادَفَ زادًا وحدِيثًا ما اشْتَهى

وقد يُعتذر عن هذا أيضا بأنه نادر وبنحو ما اعتذر ابن الباذِش في

الإمالة واستدل للمازني على مذهبه بأن ما آخره ألفٌ قبل التنوين فيه فتحةٌ

في الأحوال كلها فصار في جميع أحواله كزيدًا في حالة النصب فلما

ساوى الصحيح المنصوبَ جميع أحواله أبدل من التنوين الألف كما

أبدَلوا في المنصوب الصحيح وأيضا اتفق البصريون على أنه في النصب

بدلٌ من التنوين على ما نقل ابن جني وصورة المرفوع والمجرور كصورة

المنصوب فليكن الحكم كذلك في الجميع وهو استدلالٌ فيه ضعف

[12]

ص: 12

واستُدلَّ للكسائي أن حذف الزائد أولى من حذف الأصلي فلذلك

كانت ألفُ التنوين هي المحذوفة في كل حال

* * *

وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ

صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الْإِضْمَارِ

الإضمار يريد به الضمير أي: في الاسم ذي الإضمار يعني أن

الضمائر إذا وقفْتَ عليها فإن صلتها وهي ما يتبع حركاتها من حروف

المد على وجهين:

أحدهما أن تكون تابعة لغير الفتح وذلك إذا تبعت الضم ولا تكون

هناك إلا واوا أو الكسر ولا تكون إذ ذاك إلا ياءً فهذه لا بد من حذفها عند

الوقف لا عند الوصل ولا في الضرورة وذلك قوله «وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي

سِوَى اضْطِرَارِ» إلى آخره فتقول في رأيتُهُو: رأيتُهْ وفي لهُو لهْ وضربَهُو ضربهْ وكذلك تقول في عليهُو ولديهُو على من وصل الهاء عليه ولديهِ وكذلك منهُو وعنهُو وتقول منْهْ وعنْهْ وكذلك تقول في بهِي وضربْتِهِي وعليهي وإليهي: به وضربْتِهْ وعليْهْ وإليْهْ وفي هُمُو هُمْ وفي أكرمكُمُو أكرمكُمْ وفي خرجتُمُو خرجتُمْ وفي أنتُمُو أنتُمْ وكذلك ما أشبهه

[13]

ص: 13

والثاني أن تكون الصلة تابعة للفتح ولا يكون إلا ألفا فمفهومُ كلامه

أنها لا تُحذفُ أصلا بل تتركُها على حالها فتقول ضربتُها ولها ومنها

وعنها وفيها وهما وأنتما وضربتما وأكرمكما هكذا وصلا ووقفا

ووجه ذلك أنّ من شأن العرب أن يحذفوا الآخر في الوقف وإنْ كان من أصل

الكلمة كالقاضي والرامي فيقولون القاضْ والرامْ وكذلك ما كان إذهابُه في

الوصل إخلالا نحو ضربني وغلامي فأنْ يحذفوا ما ليس من أصل

الكلمة بل هو زائدة عليها أحق وأولى أما الألف فلخفتها لم يحذفوها بل

تركوها على حالها بخلاف الواو والياء فإن لها ثقلا في الكلام وقد تقرر

هذا قبل وأيضا فإن الألف عندهم من أصل الاسم بخلاف الواو والياء فإن

فيهما خلافا على ما ترى إن شاء الله تعالى

ثم يتعلق بكلام الناظم مسائلُ:

إحداها أنّ لقائل أن يقولَ في قوله «لِوَقْفٍ» إنه فضلٌ لا زيادة فائدةٍ

فيه لأن كلامه إنما هو في أحكام الوقف وقد تقدم قبل هذا قوله

«تَنْوِينًا اثْرَ فَتْحٍ اِجْعَلْ أَلِفَا

وَقْفًا»

[14]

ص: 14

فكان يستغني بذلك عن تكرار ذكر الوقف لكنه لم يفعل ذلك فما

وجهه؟

والجواب أنه أتى به لفائدةٍ حسنة وذلك أنه لو قال واحذف في سوى

الاضطرار كذا لاقتضى حكما لم يقصده وهو أن الحذف إنما يكون في غير

الاضطرار وأما حالة الاضطرار فلا تحذف تلك الصلة وهذا كلام لا معنى

له لأن ترك الحذف لا يختص بالضرورة بل الحذف هو المختص بها لكن

حالة الوصل لا حالة الوقف فقوله «لِوَقْفٍ» هو علة للحذف لا بيان

لموضعه كأنه قال: احذف هذه الصلةَ في غير الاضطرار لأجل الوقف أي:

إن الوقف هو العلة في الحذف حالة الاختيار وأما في حالة الاضطرار فليست

العلةُ الوقف فيُؤخذُ من هذا الكلام الحكم المتقدم في الوقف ويؤخذ منه

أنّ الحذف قد يقع اضطرارا لا لعلة الوقف وما ذاك إلا الحذف في

الوصل وهذا صحيح فإن الضرورة قد قادت إلى حذف صلة الضمير في

الوصل في مواضع منقولة فمنها ما حُذفت الياء أو الواو منه مع بقاء الحركة

ومنها ما حذفتا منه مع الإسكان فمن الأول ما أنشد سيبويه من قول

مالك بن خريم بالخاء المعجمة وفي الشرقية ابن حريم بالحاء المهملة

فإن يك غثا أو سمينا فإنَّني

سأجعل عينيه لنفسِهِ مَقْنَعا

[15]

ص: 15

وأنشد أيضا لحنظلةَ بن فاتك

وأيقن أنَّ الخيل إن تلتبِسْ به

يكن لغسيل النخل بعده آبر

وأنشد أيضا للشماخ

له زجلٌ كأنهُ صوتُ حادٍ

إذا طلب الوسيقة أو زَميرُ

وأنشد أيضا لرجل من باهلة

أو مُعْبَر الظهر يُنْبِي عن وليّتهِ*

ما حَجَّ ربَّهُ في الدنيا ولا اعتمرا

وأنشد أيضا للأعشى

وماله** من مجدٍ تليدٍ ومالَهُ**

من الريح حظّ لا الجنوبُ ولا الصَّبا

ومن الثاني ما أنشده ابن جني وغيره

[16]

ص: 16

فَظِلْتُ لدى البيت العتيق أُخِيلُه

ومِطْوَاي مشتاقان لَهْ أرِقانِ

وأنشد أيضا

وأشْرَبُ الماء ما بي* نحوه عطشٌ

إلا لأن عيونَهْ سيلُ واديها

قالوا وهذا الثاني أحسنُ من الأول لأنه من إجراء الوصل مُجرَى

الوقف على الكمال بخلاف الأول والناظم إنما تكلم هنا على الضرورة

بالنسبة إلى اللغة المشهورة إذْ حذْفُ الواو والياء مع بقاء الحركة أو حذفها لا

يكون فيها إلا ضرورة فلا يُعتَرَضُ عليه بأنّ من العرب من يحذفها في الوصل

إذا تحرك ما قبلها على الوجهين وهم بنو عُقَيل وبنو كلاب نقل ذلك المؤلف

في الشرح عن الكسائي ونقل ابن جني عن أبي الحسن التسكين بعد

الحذف في الوصل لغة لأزد السراة فإن الناظم إنما تكلم على اللغة

المشهورة إلا أنه يُعترض عليه من وجه آخر وهو أن الضمير قد تحذف

صلته في الوصل في حالة السعة لا في الاضطرار وذلك إذا كان قبل

الضمير ساكن ثابت أو محذوفٌ للجزم أو للوقف فتقول عليهْ* وعليهي

ومنه** ومنهُو وكذلك ارمِهْ وارمهي وادعُهْ وادعهو ونحو ذلك فيقال

[17]

ص: 17

مثلا إن الناظم قد حصر حذف صلة الضمير في شيئين وهما الوقف

والاضطرار في الوصل وهذا غير صحيح بل تُحذف أيضا اختيارا في

الوصل بعد الساكن وإنما يصح ما زعم من الحصر في الضمير الذي قبله

متحرك بالأصل خاصة فهناك لا تُحذفُ صلته في المشهور إلا في الوقف أو

في الاضطرار فاقتضى كلامه أن الضمير إذا سكن ما قبله لفظا أو أصلا

فإنما يُحذف لأحد هذين الأمرين وليس كذلك ولا أجد الآن عن هذا جوابا!

والضرورة هنا إنما تعلقت منه نصا بالواو والياء لأنه قال «وَاحْذِفْ

لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ

صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ» فخرجت صلة الفتح عن دعوى

الضرورة فيها وهكذا ينبغي أن يكون فإنه لم يأت حذفُ صلة الفتح في

ضرورة ولا غيرها وإنما جاء في لغة طيّئ* حذفها ونقل حركة الضمير

إلى ما قبله قال خطيب وفد طيئ «بالفضل ذو فضلكم الله بِهْ والكرامة

ذاتِ أكرمكم الله بَهْ**» أراد بها وهذا ليس بضرورة ولا اعتراض بها

أيضا على الناظم لِقلَّتها

والمسألة الثانية إطلاقُه لفظ الصلة قد يُفهم أنها زائدة على الضمير لا

جزءٌ منه لأن حقيقة الصلة ما وُصِل بالشيء ولا يكون ذلك إلا من انفصال

والمسألة مختلف فيها على الجملة على ما أذكره لك

[18]

ص: 18

فقال السيرافي اختلف أصحابنا في هذه الواو والياء فزعم

الزجاج أن مذهب سيبويه أنهما كالألف في المؤنث هما من نفس الاسم قال

الزجاج والصحيح أنهما ليسا من نفس الضمير بدليل حذفهما في الوقف

ولا يحذف الألف قال السيرافي ولا حجة له في ذلك فقد يُحذف ما هو

من نفس الاسم كقاض

وقال الفارسي في التذكرة مثل ذلك وأنه غير قاطع قال لأنهم قد

حذفوا في الوقف الواو في ضربكُمْ وهذا لكم والياء في عليهم مع أنها

من نفس الكلمة وليست بزيادة بدليل أن المؤنث الذي بحذائه ليست النون

الثانية فيه بزيادة ولكن إنما حُذِفتا في الوقف لأنهما حرفا علة قد حُذفا في

الوصل في عليه ومنه ونحوه والوقف موضع يُحذف فيه ما يحذف في

الوصل نحو المتعالِ ويَسْر فإذًا يكون ما حُذِف في

الوصل أولى أن يلزم الحذْفَ في الوقف لأنه موضعُ تغيير

قال السيرافي ومن أصحابنا من ينسب لسيبويه أنهما ليستا من نفس

الاسم ولعله يشير إلى الفارسي

[19]

ص: 19

قال ابن الضائع كذا قال الأستاذ أبو علي رحمه الله تعالى وزعم أن

تشبيه سيبويه هذه الواو بالألف مع ضمير المؤنث تشبيه لفظي يعني به أن

الواو ثابتة في الوصل كالألف ثم رجح ابن الضائع أنها من نفس الاسم بأن

ضمير المذكر ينبغي أن يكون كضمير المؤنث وذلك أنا لم نجدهما يختلفان في

موضع بحيث يكون أحدهما على حرف فالآخر يكون كذلك وكذلك فيما

زاد ولذلك حكمنا في ميم جمع المذكر أن الأصل فيها الميم والواو معا وإن

كانت الواو تحذف في الوقف لأن ضمير المؤنث على ثلاثة أحرف فكذلك

ينبغي أن يكون ضمير المذكر مثله

فأنت ترى أن الخلاف في كون الصلة زائدة أو غير زائدةٍ إنما هو في

الواو والياء وأما الألف فقد سلم جميعهم أنها من نفس الاسم كما أن الواو

في ميم جمع المذكر من نفس الاسم وإشارةُ الناظم تقتضي القول

بالزيادة في الألف مطلقا ولذلك وجه فإنه من حيث قيل بزيادة غيرها فجائز

أن يقال بزيادتها أيضا ليستوي الجميع في حكم واحد وثبوت الألف في

الوقف وحذف الواو والياء لا يدُلّ على فرق واضح بينهما وقد نبه على ذلك

[20]

ص: 20

أيضا السيرافي فإن كان الناظم يذهب في مسألة الألف إلى

مذهب ثالث فليس ببجع من وجهين:

أحدهما أن إحداثَ قولٍ ثالث في مسألة ليس بخرق إجماع عند طائفة

من أهل الأصول هذا إن كان في هذه المسألة إجماع على ذينك

القولين ولا أتحقق ذلك الآن

والثاني على تسليم أنه خرْقُ إجماع ليس إلا من قبيل إحداث تأويل

آخر إذ الحكم بزيادة الألف أو أصالتها ليس بخلاف في أصل حكم وإنما

هو خلاف في تأويل ومجمل وأكثر الأصوليين على جواز هذا وقد تقدم لهذا

نظير في باب أسماء الأفعال على أني قد وجدت ذلك منصوصا للفارسي أن

سيبويه نص على أن الياء بعدها ليست من نفس الكلمة ولا بمنزلته فقال في

التذكرة قد نص يعني سيبويه على أن الزيادة التي تلحق الياء

ليست من نفس الكلمة كما ترى ثم استدل على ذلك بأشياء منها أنها

نظيرة التاء للمتكلم والكاف للمخاطب فكما أنّ كلّ واحدٍ من ذلك على حرفٍ

واحدٍ فكذلك ينبغي أن يكون الأمرُ في الهاء وأنّ الواو والياء لاحقتان

[21]

ص: 21

لخفاء الهاء ثم قال فإن قلت فلم لا تستدل بلحاق الألف للمؤنث أنّ الواو

والياء بحذاء الألف؟ قيل تكونُ الألفُ لاحقةً لتبين المؤنث من المذكر كما

لحقت في أعطيتكها لذلك وكما أن الشين في قول من قال أكرمتكش

كذلك فكما أن الكاف حرف مفرد وإنما لحقه ما لحقه ليتبين المؤنث من المذكر

كذلك يكون لحاق الألف الهاء للمؤنث إلا أن الهاء لزمها الألف في سائر

اللغات

واقتضى أيضا كلامه زيادة الواو بعد ميم الجميع وظاهر كلامهم

الأصالة ولم أر من نص على زيادتها فلعل الناظم رأى في ذلك خلافا

ولذلك وجه أيضا نحو مما تقدم ولا يعدّ خارقا للإجماع على تقدير عدم

الخلاف لأنه خلاف في تأويل كما مر

المسألة الثالثة أن الصلة إنما تُطلق على ما كان من حروف اللين تابعا

لمناسبة من الحركة وناشئا عنه وذلك الواو مع الضمة والألف مع الفتحة

والياء مع الكسرة وأيضا فلا بد من السكون فيها لأنها ناشئة عن الحركات

فمثل ضرَبهُو وضربها ومررت بِهي هو الذي شمل كلامه فيخرج له

عن ذلك بمقتضى لفظه هُوَ وهي فالواو والياء فيهما ليستا بصلة للهاء بل

هما من نفس الاسم ولا يخالف في هذا وليستا بناشئتين عن الحركات

لتحركه فالوقف على هُوَ أو هِيَ لا يذهب بالواو والياء بل تقول في الوقف

هُوْ وهِيْ بالسكون وهذا مفهومٌ من كلامه إذ قال واحذِفْ صلة كذا كأنه

[22]

ص: 22

قال احذِفْ ما كان صلة فمفهوم الصلة فيه أن ما ليس صلة لا يحذف

فإذًا إن جاء الحذفُ* فيهما يوما ففي الشهر ضرورة ومنه ما أنشده

سيبويه في حذف واو هُوَ

بيناهُ** في دار صدق قد أقام بها

حينا يُعلِّلُنا وما نُعَلِّلهُ

وأنشد أيضا أبو الحسن في الكتاب للعجير السلولي

فَبَيْناهُ** يَشْرِي* رَحْلَه قال قائلٌ

لِمَنْ جَمَلٌ رِخو الملاط نجيب؟

ومن حذف ياء هي ما أنشده سيبويه

دارٌ لسُعدى إذْهِ من هَواكا

[23]

ص: 23

وقوله «فِي سِوَى اضْطِرَارِ» أدخل فيه حرف الجر على «فِي» وقد

تقدم أن ذلك مذهبه وأنه ليس بضرورة خلافًا لما يقوله سيبويه من

اختصاصه بالضرورة

* * *

وَأَشْبَهَتْ إِذًا مُنَوَّنًا نُصِبْ

فَأَلِفًا فِي الْوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ

ذكر هنا حكم الوقف على إذًا وكان غير لازم له ذكرُ الأحرف المفردة

التي لا نظير لها في الحكم المذكور ولا يشمل الحكم جملةً منها كما جرى

من عادته إذا** لا يذكر المختصرُ إلا القواعد الكلية والمسائل الشهيرة لا

الشواذ والحروف المنفردة إلا بالتبَعِ وهذا ليس كذلك بل ذكَرَ إذًا ذكرًا

مقصودا لكن وجه ذلك والله أعلم أنّ إذًا من الأدوات الشهيرة الكثيرة

الاستعمال جدا إذ هي حرف جواب وجزاء فقلما يخلو كلام بين متخاطبين فيه

طول منها وأيضا هي مع ذلك تستلزم كثيرا الوقف عليها كما إذا أردت جواب

مخاطبك فقلت له (فلا إذا) أو (فنعم إذا) كما قال النبي عليه السلام

(أينقص الرُّطبُ* إذا جَفَّ؟ ) قالو نعم قال (فلا إذَا) حين سألوه عن

بيع الرُّطَب بالتمر. وفي كلام العرب من ذلك كثيرٌ تقع فيه إذًا موقوفًا عليها

[24]

ص: 24

فلما كانت بهذه الحال كان ذكرها في باب الوقف أكيدا فلذلك نصَّ على

حكمها وقد حصَّل كلامُه فيها مسألتين

إحداهما حكمُ الوقف عليها وذلك قوله «فَأَلِفًا فِي الْوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ»

يعني أنك إذا وقفت على إذًا فلا تقف على النون وإن كانت أصلا ليست

بزائدة كنون التوكيد الخفيفة ولا كالتنوين وإنما تقف عليها بإبدال نونها ألفا

فتقول إذا كما تقول في اضربن اضربا وفي زيدن زيدا وعلى حكم

الوقف كتبت بالألف في الرسم السلفي وعلى القول الصحيح في رسمها

والثانية السببُ الذي لأجله لم تكتب إذا على القياس الأصلي إذ

كان الأصل فيها أن يوقف عليها بالنون إذ النون أصلية كنون حسن

ورَسَنٍ وفِرْسِنٍ ونحو ذلك بل كنون مِنْ وعَن وما أشبهها من

حروف المعاني التي النون فيها أصل فأخبرَ الناظم بالعلة التي لأجلها

خرجوا عن قياسها الأصلي فوقفوا عليها بالألف وهو شبهها بالمنصوب المنون

من الأسماء وذلك قوله

(وَأَشْبَهَتْ إِذًا مُنَوَّنًا نُصِبْ)

[25]

ص: 25

يعني أنّ هذا الشبه حصل في إذًا فحكم لإذًا بحكم ما شبهت به كما

تقول في رأيت زيدن رأيت زيدا فكذلك تقول في أكرمك إذَنْ أكرمك إذا

ووجهُ الشبه بينهما من جهة اللفظ ومن جهة الاستعمال فأما من جهة اللفظ

فإن كل واحد منهما آخره نون ساكنةٌ لحقت الكلمة فاصلة لها عن غيرها لأنها

آخر في كل منهما وأما من جهة الاستعمال فلأن كلا منهما يصح الوقوفُ

عليه مع تمام الكلام فتقول أكرمك إذا كما تقول أكرم زيدا وبهذا

المعنى خالفت سائر الحروف إذْ كانت لا يوقف عليها استقلالا إلا ما

ليس آخره النون كبلى ونعم ولا فلما كانت كذلك عُوملت في الوقف معاملة ما

أشبهته وهذا هو الذي اعتبر الناظمُ وقد اعتبر ابن جني أيضا شبهها بما

آخره نون التوكيد الخفيفة كقوله {لنسفعا بالناصية} وهو صحيح

أيضا ولابن جني في «سر الصناعة» في هذا المعنى كلامٌ طويل من

أحبه طالعه هنالك

* * *

وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا

لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا

وَغَيْرُ ذِي التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ، وَفِي

نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِيْ

[26]

ص: 26

الاسمُ المنقوص في أحكام الوقف على أربعة أقسام ذكرها الناظم

كلَّها إذْ لا يخلو الاسم المنقوصُ أن يكون بعد النقص لا يبقى من حروفه

الأصول إلا حرفٌ واحد أو يبقى أكثرُ من ذلك وإن بقِي أكثرُ من ذلك فلا

يخلو أن يكون منصوبا أو لا وإن لم يكن منصوبا فلا يخلو أن يكون منوّنًا أو

لا فهذه أربعة أقسام يترتبُ الكلامُ عليها على حسب ما رتبه بعد أن نقول:

المنقوص الذي أراده إنما هو ما كان آخره ياءً قبلها كسرة* نحو

قاضٍ وغاز ومستدع ونحو ذلك فأحد الأقسام المنقوصُ المنوَّن غير

المنصوب وغير الباقي على حرفٍ واحدٍ نحو قاضٍ وغاز فهذا القسم في

الوقف عليه وجهان:

أحدهما أن تحذف الياء وتقف على ما قبلها فتقول هذا قاضْ

وهذا رامْ ومررت بقاضْ ومررت برامْ وكذلك هذا داعْ وهذا مستدعْ

وهذا عَمْ تريد العَمِي* وهذا شّجْ ونحو ذلك وهو أرجح الوجهين واللغةُ

الفصيحةُ قال سيبويه «فهذا الكلام الجيِّد الأكثر» ووجهه أن الياء

المكسورة ما قبلها لما كانت تُستثقلُ وكانت محذوفة في الوصل والوقف

عارض والعارض لا يعتد به في الأمر الكثير تركوها محذوفة في الوقف

[27]

ص: 27

أيضاً وعلى هذا الوجه قراءة الجماعة إلا ابن كثير {ولكل قوم هاد}

{وما عند الله باق} {وما لهم من الله من واق}

والوجه الثاني ثبوتُ الياء وهو وجهٌ جيِّدٌ أيضا فنقول هذا قاضي

وهذا غازي ومررت بمستدعِي ومررت بشجي وما أشبه ذلك وعليه قراءة

ابن كثير {ولكل قوم هادِيْ} {وما عند الله باقِيْ} {وما لهم

من الله من واقِيْ} قال سيبويه «وحدثنا أبو الخطاب أنّ بعض من

يُوثَق بعربيته من العرب يقول هذا رامي وغازي وعمي، أظهروا في الوقف

حيثُ صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يُضطروا هنا إلى مثل ما

اضطُروا) إليه في الوصل من الاستثقال) يعني أنّ الموجبَ لحذف الياء

إنما كان ملاقاة التنوين لها إذ كان الأصل قاضِيٌ وغازِيٌ فاستثقلت

الحركة على الياء فحذفت من اللفظ فالتقى ساكنان الياء والتنوين فوجب

حذفُ الياء لذلك وأما في الوقف فقد زال ما أوجب حذفها فوجب رجوعُها

إلى حالها من الإثبات اعتدادا بعارض الوقف

وهذان الوجهان في هذا القسم هما المرادُ في قول الناظم «وَحَذْفُ يَا

الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ» إلى آخره وقد حكى ابن الأنباري عن الكسائي والفراء

إبطال الوجه الثاني وزعما أن لا يوقف إلا بحذف الياء واحتجا بأن الكلام

[28]

ص: 28

بنى * وقفُه على وصله فلا يحدث في الوقف ما لا يكون في الوصل

وما قالاه ردٌّ على كلام العرب فهو رد مردود على أنه قد حكى الكسائي الوقف

على قوله تعالى {حتى إذا أتوا على وادِي النمل} بالياء ويقول

اسمه وادي فلا يتم إلا بالياء وظاهر هذا النقل أنه تناقض في مذهبه

لأن هذه العلة موجودة في قاضٍ وغازٍ لأن الاسم قاضي وغازي فيجب على

هذا أن يقف بالياء والصحيح مذهبُ أهل البصرة

ومعنى كلام الناظم أن المنقوص الذي نُوِّن وذلك إذا لم يكن فيه ألِف

ولام ولا إضافة إذا وُقِف عليه في غير النصب فحذفُ تلك الياء أولى من

إثباتها فاستثناؤه المنصوبَ يدلُّ على أن مراده المرفوعُ والمجرور ويدلُ على

أن مراده ما زاد على حرفٍ واحد أصلي قوله بعد ذلك «وَفِي

نَحْوِ مُرٍ

لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِيْ» فذكر هذا أخيرا صريح في عدم إرادته إياه في سائر

الأقسام

[29]

ص: 29

ويشمل هذا القسمُ بإطلاقه وعمومه كل منون سواء أكان تنوينه

تنوين صرف أم لا فجوارٍ وغواشٍ ويرمٍ - مسمًى به على مذهب الخليل -

وأعيم وقاضٍ اسم امرأة كله داخل تحت هذا الحكم فتقول في الأجود

هذه جوارْ وغواشْ ويَرْمْ وعلى الوجه الآخر جواري وغواشي

ويرمي والعلة في هذا هي العلة في المنصرف

والقسم الثاني المنقوص المنصوب مطلقا كان منونًا أو غير منونٍ ولا

يكون على حرف واحد أصلا فحكم هذا ظاهر من كلامه فإن المنصوب

المنون تظهر فيه الحركة كما تظهر في الصحيح فإن كان مُنوّنا فقد حصل

تحت قوله أول الباب «تَنْوِينًا اثْرَ فَتْحٍ اِجْعَلْ أَلِفَا» وإن كان غير منون فقد

دخل له فيما دخل بعد لأن الياء لتحركها قد أشبهت غير المعتل فصار

كقولك (رأيت الرجل) فلم يحتج الناظم هنا إلى ذكر الإثبات فيه فتقول رأيت

القاضي والغازي والمستدعي* ورأيت الجواري وكذلك الشجي* والعَمِي*

والمُرِي - اسم الفاعل من أرَى يُرِي - فإذًا المنصوب هنا مستثنى من

جميع الأقسام لكنه لم يذكره بعدُ نصا لدلالة القسم الأول على ذلك ولأن

علة الاستثناء في القسم الأول موجودة في كل قسم وذلك الجريان مجرى

الصحيح

والقسم الثالث المنقوصُ غير المنون ولا الباقي على حرف واحد فهذا

القسم فيه وجهان:

[30]

ص: 30

أحدهما إثبات الياء في الوقف كما تثبُت في الوصل لأن حذف الياء

إنما كان لعلة التقاء الساكنين أحدهما التنوين ولا تنوين هنا فلا موجب

للحذف فتقول هذا القاضي ومررت بالقاضي وهذا الشجي ومررت بالشجي

والثاني حذفها فتقول هذا القاضْ ومررت بالقاضْ وهذا الشجْ

ومررت بالشج وما أشبه ذلك قال سيبويه «ومِن العرب مَن يحذفُ هذا في

الوقف شبَّهوه بما ليس فيه ألف ولام؛ إذ كانت تذهب الياء في الوصل في

التنوين لو لم تكن فيه الألف واللام» يعني لمعاقبة الألف واللام للتنوين

والعرب تحكم للمعاقِب بحكم ما عاقبه قال «وفعلوا هذا لأن الياء مع

الكسرة تُستثقل كما تستثقل الياءات» قال «فقد اجتمع الأمران»

يعني التشبيه بما ليس فيه ألف ولام والاستثقال ومن الحذف في هذا

الوجه ما روي عن نافع وأبي عمرو في بني إسرائيل والكهف {من يهد الله

فهو المهتد} من إثبات الياء في الوصل وحذفها في الوقف وهذان

الوجهان هما المرادان بقوله «وَغَيْرُ ذِي التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ» يعني أنّ ما ليس

فيه تنوينٌ من المنقوص حكمُه في حذف الياء وإثباتها على العكس مما فيه

التنوين وحقيقة العكس أنه قال أولا: إن الحذف أولى من الإثبات فإذا

حولت هذا الكلام على وجه يصدُق قلت: إن الإثبات أولى من الحذف

فالوجهان على هذا جائزان

وقوله «وَغَيْرُ ذِي التَّنْوِينِ» يشمل ما فيه الألف واللام كما تقدم تمثيله

وما كان مضافا يُوقَفُ عليه دون المضاف إليه نحو (هذا قاضي) في

[31]

ص: 31

(قاضي بلدتنا) ووجهُ اختيار الإثبات نحو مما تقدم في ذي الألف واللام لأن

الإضافة تعاقب التنوين فصارت كالألف واللام إلا أن الإضافة تزول إذا

وقفت* على المضاف ولكن هذا عارضٌ فلا يعتدُّ به ويبقى آخر الاسم في

الوقف على حدّه في الوصل وجه الحذف بقاؤه في الوقف على هيئة ما كان

منونًا في الأصل فقف** عليه

ويشمل أيضا ما زال تنوينه بالنداء نحو يا قاضي ويا غازي، فالوجهُ

الجيد الإثباتُ وقفا ويجوز على غير الأجود يا قاضْ ويا غازْ

وهذا الذي ظهر من الناظم هو مذهب الخليل فإثبات الياء

عنده هو المختار وقال السيرافي واختار بعض أصحابنا مذهب الخليل

رأيت ذلك في كلام نسب أوله إلى المبرد حكاه محمد بن علي مَبْرَمانُ

واختاره أيضا ابن طاهر وتلميذه ابن خروف وخالف في ذلك يونس؛

إذ الحذفُ عنده هو الأقوى فقولك يا قاضْ أحسنُ عند يونس من يا

قاضي وهو الراجح عند سيبويه ورُجِّح ما اختاره الناظم من مذهب

الخليل بوجهين:

أحدهما ما ذكره السيرافي من أن المنادى المعرفة لا يدخله تنوين

في وقف ولا وصل والذي يُسقط الياء إنما هو التنوين ولا تنوين فوجبَ

إثباتُ الياء كما تثبُت في «القاضي» بالألف واللام

[32]

ص: 32

والثاني ما قال ابن طاهر من أن ياءَ قاضي لو حُذفت في النداء في

الوصل لكان قولُ يونس هو الصحيح ولكنهم لا يقولون إلا يا قاضي

بإثبات الياء فصار بمنزلة «القاضي» فالجيدُ ثبوتها وكلٌّ قد حُذف منه

التنوين فقوِي قول الخليل عنده قال ابن خروف وهو ظاهر

ورجَّح سيبويه مذهبَ يونس بأن النداء موضع حذف فيحذف فيه ما لا

يحذف في غيره كالترخيم والتنوين وياء المتكلم فأن يُحذَف فيه ما يجوز

أن يحذف في غيره أولى وبسَط هذا ابن الضائع فقال: الصحيح قولُ يونس

لما تقدم من قوة الحذف والتغيير في النداء فقد اجتمع في هذا الموضع بابا

حذفٍ وهما النداء والوقف فقَوِيَ فيه الحذفُ؛ ألا ترى* أن ياء المتكلم في

غير النداء يجوز حذفها في الوقف وإن لم يجز حذفها في الوصل فكذلك

الوقف مع الوصل هنا في النداء

وقد أجاب ابن خروف عما رجَّح به سيبويه بأنّ حذف الترخيم وياء

الإضافة على قياس وليس حذفُ الياء من قاضِي في النداء بقياس وأما «يا

صاحِ» فشاذ لأنه محذوف يا الإضافة على لغة يا حارِ ثم رُخم

بعد ذلك ومثل هذا لا يرخّم فلا ينبغي القياس عليه

[33]

ص: 33

والقسم الرابع المنقوص الباقي على حرف واحد أصلي فهذا لا يجوز

الوقف عليه إلا بإثبات الياء وذلك قولك مُرٍ تقول في الوقف مُرِيْ ولا

تقول مرْ قال سيبويه «كرهوا أن يُخلّوا بالحرف فيجتمع عليه ذهابُ

الهمزة والياء فصار عوضا» يعني مما حذف وذلك أن الهمزة قد

حُذفت بالتسهيل فلو لم ترد الياء في الوقف لأدى إلى أن يبقى من أصول

الكلمة حرف واحد ساكن قال ابن الضائع: وإذا كانوا في مثل هذا يجيئون

بحرف لئلا يبقى من أصول الكلمة حرف واحد ساكن نحو لِتَقِهْ فإنهم

يقفون عليه بالهاء فأنْ يردوا إلى الكلمة ما قد حُذف منها مع أنّ مُوجِبَ

الحذف قد زال أحرى

وهذا القسم هو الذي أراد بقوله «وَفِي

نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِيْ»

يعني أن هذا اللفظ وما كان نحوه مما لم يبق من أصوله إلا حرف واحد لا بد

فيه من رد ما نقص منه في الوقف كان في نداء نحو يا مريْ أو في غيره

نحو هذا مُرِيْ ومررت بِمُرِي والذي هو نحو مُرٍ قولك مُشٍ من

أشأيت زيدا القوم إذا جعلتَه يسبقهم منقول من شأوتُهم إذا سبقتهم

[34]

ص: 34

ومُنٍ من أنأيته أي أبعدته ومُثٍ من أثأيتُ القوم إذا جرحتَ

فيهم ومُبٍ من أبأيته أي أفخرته وكذلك ما أشبهه إذا بنيت فيه

على تسهيل الهمزة بحذفها ونَقْل حركتها إلى ما قبلها؛ إذَا أصل اسم الفاعل

فيها مُشْء مُنْءٍ ومُثْءٍ ومُبْءٍ فإذا سهَّلت صارت إلى مُشٍ ومُنٍ

ومُثٍ ومُبٍ فإذا وقفت فلا بد من رد الياء فتقول مُشِيْ ومُنِيْ ومُبِيْ

ومُثِي كما قلت مُرِيْ ومُرٍ أصله اسم فاعل من أريته الشيء

و«اقْتُفِيْ» معناه اتُّبع؛ قفوتُ أثره واقتفيتُه أي اتبعته يريد أن لزوم

الرد أمرٌ متبع معمولٌ به غير مُخالَف

* * *

وَغَيْرُ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ

سَكِّنْهُ، أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ

أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ**، أَوْ قِفْ مُضْعِفَا

مَا لَيْسَ هَمْزًا أَوْ عَلِيلًا إِنْ قَفَا

مُحَرَّكًا، وَحَرَكَاتٍ اِنْقُلَا

لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا

هذا الفصل يذكر فيه أنواعا خمسة من تغييرات الوقف وما تلحق فيه

[35]

ص: 35

من الكلم. وأخذ يُبيّن أولا أن ذلك التغير إنما يلحق المحرك الذي ليس بهاء

تأنيث وذلك في قوله «وَغَيْرُ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ» يريد أن هذه الأشياء

إنما تلحق الآخر المحرك الذي ليس بهاء تأنيث وأراد بالمحرك الآخر

الموقوف عليه ودل على ذلك سياق كلامه من أول الباب إلى هنا فلذلك لم

يحتج إلى التنصيص عليه فيقول مثلا: وغير هاء التأنيث من آخر محرك

بإظهار الموصوف أما اختصاص هذه الأنواع بالمحرك فلأن الآخر إذا كان

ساكنا في الوصل فهو إما صحيح الآخر وإما معتله فالصحيح الآخر لا

إشكال في بقائه على سكونه ولا يدخله غير ذلك؛ إذا لا يقبل روما ولا

إشماما ولا تضعيفا ولا نقلا؛ لأن هذه الأشياء مختصة بالمحرك كما

سيتبين إن شاء الله والمعتل إما بالألف وإما بالواو وإما بالياء أما الألف

فاللغة الشهيرة فيها بقاؤها على أصلها في الوقف من غير تغيير وما جاء من

إبدالها ياءً أو واوًا أو همزةً في نحو أفعى وأفعَوْ وحُبْلا نادر أو لغة

قليلة لم يعتمد على ذكرها في هذا المختصر هذا إذا كان اسما معربا

وكذلك إذا كان فعلا نحو يخشى أو اسما مبنيا أو حرفا فالوقف عليه على

[36]

ص: 36

حاله وما جاء على خلاف ذلك فنادر وقيل نحو قولهم في يا مثنى: يا

مثناه وهذاه في هذا وهناه في ههنا وأما الياءُ فالإثبات فيها هو الشهير

الفصيح وما جاء من قولهم غلام في غلامي وضربن في ضربني

فقليل أو مختص بالقافية أو الفاصلة وكذلك قولهم (لا أدر) في (لا أدري)

وقفا وهو نادر أيضا وكذلك حيث يبدل منها الجيم في نحو قول الشاعر

أنشده أبو زيد

يا رب، إن كنت قبلت حِجَّتِجْ

فلا يَزالُ شاحجٌ يأتيك بِجْ

أقمرُ نهاتُ يُنَزِّي وَفْرَتِجْ

يريد حجتي وبي ووفرتي وعلى هذا الحكم يجري ما آخره واوٌ في

المبني نحو ذو أو في الفعل المعرب نحو يغزو وكذلك يرمي وقد يجوز

حذفها لكن في القوافي والفواصل أو في نادر الكلام وهو قوله في

التسهيل «ولا حذف في نحو يقضي افعلي ويدعو وافعلوا غالبا إلا في

قافية أو فاصلة» انتهى فذلك كله لا يقدح فيما أصَّل الناظم وقد

[37]

ص: 37

أشرتُ إلى بعض ما ورد منه إشارة مختصرة والكلامُ فيها يطول ولو كان

في لفظ الناظم ما يشير إلى شيء من ذلك لاستوفيت النظر فيه على حسب

ما يحتمله الشرح ولكنه سكت عنه اتكالا على فهم بقائه على أصله فمن هذه

الجهة أشرتُ إلى ما أشرتُ إليه والله الموفق

وأما استثناء هاء التأنيث فلاختصاصها بحكم يأتي وهو إبدالها في

الوقف هاء والهاءُ لا يصح فيه روم ولا إشمام ولا غيرهما؛ إذ كان ذلك بيانا

لحركة الحرف الآخر والمحرك تاءٌ لا هاء فلا تصح إشارة إلى حركة فيما لم

يبق فيه على تحريك؛ لأن الهاء إنما أُبدِلتْ في الوقف والسكون لازم للوقف

فلا يمكن فيها التحريك

وإنما عبّر عنها بالهاء ولم يقل تاء التأنيث لحكمة ظاهرة وفائدة

حسنة وذلك أنه إذا عبر عنها بالهاء خرج له عن حكم الاستثناء

ما لا يسمى من التاءات هاء إذ تاء التأنيث لا تسمى هاء إلا اعتبارا بمآلها

في الوقف فما كان منها لا يُبدَل هاء فلا يقال فيه هاء التأنيث فتاء بنت

وأخت قد يعبر عنها بتاء التأنيث ولا يعبر عنها بالهاء لأنها لا تبدل هاء وكذلك

تاء جمع المؤنث السالم نحو هندات يعبر عنها بتاء التأنيث لا بها التأنيث

فخرجت إذًا هاتان التاءان عن حكم الاستثناء ودخلت في المحرَّك الذي ليس

بهاء تأنيث فيجوز إذًا في أخت وبنت وهندات الروم والإشمام وغيرُ ذلك مما

توفرت فيه شروطه ولا يقتصر بها على السكون فقط كما يكون ذلك في هاء

[38]

ص: 38

التأنيث نحو طلحة وحمزة. ثم عبر عنها بعد هذا بالتاء لا بالهاء في قوله

«فِي الْوَقْفِ تَا تَأْنِيثِ الِاسْمِ هَا جُعِلْ» لأن قصده هناك الإتيان بجنس

التاء وما يبدل منها الهاء في الوقف وما لا، فتمكن هنالك ذكر التاء؛ إذ

لم يقصد إلا ما هو أعمّ من الهاء. وأيضا فإنه لو قال هناك «فِي

الْوَقْفِ ها تَأْنِيثِ الِاسْمِ هَا جُعِلْ» لم يكن فيه بيان؛ إذ لا تسمى هاء إلا

بعد ثبوت إبدالها هاء وذلك بعد لم يتم بل هو آخذ في التعريف به فلا

يمكن إلا أن يذكر أصلها من التاء حتى يذكر إبدال ما يبدل منها

وههنا مسألة هي مقدمة لما يذكره من الأوجه وذلك أنه قال «وَغَيْرَ

هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ» وهذه العبارة تؤذن بعموم الحكم في كل محرك؛ إذ

قوته قوة أن لو قال: وكل محرك سوى الهاء فحكمه كذا. وإذا كان كذلك دخل

له فيها كل ما تحرك آخره سواء أكان اسما أم فعلا أم حرفا وسواء أكان

معربا أم مبنيا كل ذلك يدخله التغير بما دون السكون من هذه الأنواع التي

من الروم والإشمام والتضعيف والنقل أو ما توفرت فيه شروطه منها فكل

مبني على الضم نحو (يا زيد) و (يا حكمُ) وقبلُ وبعدُ ومنذ وحيث أو على

الفتح نحو أين وكيف وقام وقعد وخمسةَ عشرَ وليتَ وسوفَ وإنَّ وأنَّ

[39]

ص: 39

ولات، أو على الكسر نحو أمس وجبر** ويومئذ وكذلك ضربتُ

وضربتَ وضربتِ وضربكَ وضربكِ وأنتَ وأنتِ وضربه ويضربه

وضربتم وضربتنّ وضربكم وضربهم وأنتم وأنتنّ وكذلك منه وعنه

وإليه ولديه وما أشبه هذه كله فداخل تحت ما ذكر وهذا مما يجب أن

يحقق النظر فيه فقل من يتكلم من النحويين على هذه التفاصيل كلها

وإنما لهم في إجازة هذه الأشياء إطلاقات لا تُوفِي بالمقصود فأما القراءُ

فأجازوا ما لهم أن يجيزوا من الروم والإشمام في كل متحرك ما عدا أربعة

أشياء أو خمسةً

أحدها هاء التأنيث وهي التي استثنى الناظم

والثاني ميم الجميع في المضمرات نحو لهمُ ولكمُ وعليهمُ

وعليكمُ وذلك عند من يصلها في الوصل بالواو أو بالياء فلا يجوز هنا روم ولا

إشمام ولا غيره لأن الميم إنما تستعمل عند حذفِ الصلة ساكنة فصارت

في الحكم كالهاء التي للتأنيث لا يصح فيها إشارة لمحركة؛ إذ ليست من

الحركات في شيء إلا مع الصلة وهي قد زالت هذا على الاستعمال

المشهور وأما من لغته من العرب التحريك في الوصل مع حذف الصلة

وقد قُرئ بذلك - حكاها ابن مجاهد - فإنّ الرومَ والإشمام وغيرَ ذلك يجوزُ

[40]

ص: 40

فيها إذ صارت كهاء الإضمار نحو منه وعنه وعليه يجوز ذلك فيها من

حيث جاز فيها التحريك مع حذف الصلة أما في اللغة المشهورة فلا بد من

السكون هذا هو المشهور المعمولُ به عنده وأصله لسيبويه إذ نص على أن

ميم الجميع إذا حذفت بعدها الواو والياء سكنت وبين أن وجه الحذف

الاستثقال باجتماع الضمتين مع الواو في نحو عليكمو مال أو الكسرتين مع

الياء في نحو بهمي داء وقرر هذا المعنى ثم قال «وأسكنوا الميم

لأنهم لما حذفوا الياء والواو كرهوا أن يدعوا بعدها شيئا منهما إذ كانتا

تحذفان استثقالا فصارت الضمة بعدها نحو الواو ولو فعلوا ذلك لاجتمع

في كلامهم أربع متحركات ليس معهن ساكن نحو رسلكم وهو

يكرهون هذا؛ ألا ترى أنهم ليس من كلامهم اسمٌ على أربعة أحرف متحرك

كله» قال «فأما الهاء فحركت في الباب الأول لأنه لا يلتقي ساكنان»

يعني أن الهاء لا تسكن كما تسكن الميم في رسلهم ونحوه لأن الميم لا

يكون ما قبلها إلا متحركا فإذا سكناها لم يلتق ساكنان بخلاف الهاء فإن

ما قبلها قد يكون ساكنا فيلتقي الساكنان

[41]

ص: 41

وخالف في هذه المسألة مكيٌّ فأجاز الروم والإشمام في ميم الجميع

وزعم أن ذلك مما أغفل القراء الكلام عليها وأن الذي يجب فيها على قياس

شرطهم جواز الإشارة قال «لأنهم يقولون لا فرق بين حركة الإعراب

وحركة البناء في جواز الروك والإشمام» ثم قال «فالذي يروم ويشم

حركم الميم على النص غير مفارق له والذي لا يروم حركة الميم خارج عن

النص بغير رواية اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا فيجب الرجوع

إليه إذا صح» قال «وليس ذلك بموجود» ثم قال «ويقوي جواز ذلك

فيها نصُّهم على هاء الكتاب فيما ذكرنا بالروم والإشمام فهي مثل الهاء

لأنها تُوصَل بحرفٍ بعد حركتها كما تُوصَل الهاء ويحذف ذلك الحرف في

الوقف كما يحذف مع الهاء فهي مثلها في هذا» ثم بسط ذلك بسطًا

كافيا في كتابه التبصرة ثم قال «فأما من حركها لالتقاء الساكنين فالوقف

بالسكون لا غير»

قال أبو جعفر بن الباذش: قال لي أبي رضي الله عنه بل

مجيز الروم والإشمام في ميم الجميع هو المفارق للنص لأنّ سيبويه نصّ على

أن ميم الجميع إذا حذفت بعدها الواو والياء سكنت ثم أتى بنص الكتاب

المتقدم ثم قال: فجمع سيبويه بهذا الكلام حكم الميم وهاء الكناية

[42]

ص: 42

وانبنى على ذلك جواز الروم والإشمام في الهاء وامتناعُه في الميم؛ ألا ترى أن

من حذف الياء والواو في الوصل سكن الميم أبدًا فإنما يكون الوقف لجميعهم

على الحد الذي استعمله بعضهم في الوصل

هذا ما قيل المسألة وظاهر إطلاق الناظم أنه في هذه المسألة

على مذهب مكي؛ إذ لم يستثن ميم الجميع كما استثنى هاء التأنيث

وبعيدٌ غاية البعد أن يترك مذهب الكتاب وظاهر كلام سيبويه ويتبع مكيا في رأيه

فهذا فيه ما ترى

والثالث من المستثنيات: الآخر المتحرك بحركة عارضة* كالمتحرك

لالتقاء الساكنين نحو {قُلِ الحقُّ} و {ابتغَوا الفتنة} وقالت

العرب عَلَتِ الأصواتُ وما أشبه ذلك وكذلك إذ نُقلت حركة الهمزة

إلى الساكن قبلها من كلمة أخرى نحو لوَ** انك** فعلت فمثل هذا لا يجوز فيه

الإسكان كما كان قبل عروض الحركة لأن أواخرها ساكنة، وإنما حركت

لعارض في الوصل زائلٍ في الوقف فلا يصح فيها روم* ولا إشمام ولا

غيرهما اللهم إلا أن تكون الحركة العارضة كاللازمة بالحكم فإنّ* حكمها حكم

اللازمة يجوز فيها ما يجوز فيها وذلك نحو: ملْءٍ ودِفْءٍ والخبْءِ والوَطْءِ

[43]

ص: 43

إذا وقفت على مذهب من يسهل الهمزة من العرب فإنك تشم هنا أو تروم أو

تضعف إن شئت من حيث صار ما قبل الهمزة بعد حذفها هو حرفَ

الإعراب وحرفُ الإعراب على الجملة لازم للحركة فلا بد أن يحكم له هنا

بحكم حرف الإعراب الأصلي وأيضا فإن سكون لام مِلْءٍ وفاء دِفْءٍ بعد

التسهيل إنما هو وارد على الحركة المنقولة فالسكون للوقف هو العارض

بالنسبة إلى الحركة المنقولة في الوصل أو في تقدير الوصل وهذا بخلاف

قولك مثلا (قيد إبلك) لأن الهمزة هنا لازمةٌ لكونها في كلمة فالحركة

إذًا لازمة وهي في (قيد إبلك) غير لازمة فالحركة فيه غير لازمة وعلى هذا

الأصل يتوجه الخلاف في (يومئذ) و (حينئذ) فذهب مكي إلى أنه

لا يتجاوز بها السكون قال «لأنّ التنوين الذي من أجله تحرك الذال يسقط

في الوقف فترجع الذالُ إلى أصلها وهو السكون فهو بمنزلة {لم يكن

الذين} وشبهه» وقال «وليس هذا مثل غواشٍ وجوارٍ وإن كان التنوين في

جميعه دخل عوضا من محذوف لأن التنوين دخل في هذا على متحرك

فالحركة أصلية والوقف عليه بالروم حسن والتنوين في (يومئذ) و (حينئذ)

دخل على ساكن فكُسِرَ لالتقاء الساكنين وصار التنوين في الوصل تابعا

للكسرة فتقف على الأصل»

[44]

ص: 44

وذهب أبو الحسن ابن الباذش إلى جواز ذلك في (يومئذ) و (حينئذ) قال «لأن الحركة قد لزمته في الوصل في الاستعمال فيكون الوقف عليها

كالوقف على كل متحرك وإن كان أصلها - إذا لم يدخلها التنوين عوضا -

السكون وكأنها مع التنوين في حكم ما بني* على الكسر وحركاتُ البناء

تشم وترام كحركات الإعراب»

فعلى الجملة لا بد من هذا الاستثناء إذ هو ضروري ولا يقول أحد

باعتبار حركة {قل الحق} * في الوقف فكان من حق الناظم أن ينبه على

ذلك وإلا كان إطلاقه خطأ

والرابع من المستثنيات: هاء الضمير إذا كانت مكسورة وقبلها كسرة أو

ياء ساكنة نحو بِه أو فيه وإليه وعليه أو كانت مضمومة وقبلها

ضمة أو واو نحو يضربُه ويكرمُه وضربُوه وأكرمُوه فاختلفوا في جواز

الروم والإشمام في هذا النحو فحكى مكيٌّ عن القراء** أنه لا يجوز فيه إلا

السكون وذلك لخفائها وبعد مخرجها واحتياج الواقف لأجل الروم إلى تكلف

إظهارها هذا مع ما في الكلام من ثِقَل خُروجٍ من ضم إلى ضم ومن كسرٍ

إلى كسرٍ فكان ذلك كله مستثقلا ومتكلفا في النطق وحكى** عن النحاس

جواز الروم والإشمام في هذا قال: وليس هو مذهب القراء قال وذكر

[45]

ص: 45

الداني الخلاف عن أهل الأداء وأن منهم من يأخذ بالإشارة قال وهو

أقيس

قال أبو جعفر ابن الباذش «وهو كما قال» يعني كونه أقيس قال

«وإنما نزّل سيبويه الهاء منزلة الساكن في كونها وصلا للرويّ في قوله

عفتِ الديار محلّها فمقامها

لا في امتناع الروم والإشمام» قال «فالواجب الأخذ فيها بالإشارة

وفي ميم الجميع بغير إشارة على ما ذكرنا من نص سيبويه»

هذا ما قالوا وليس على الناظم في عدم استثنائه هذا درْكٌ لإمكان حمل كلامه على ما قال النحاس وهو أقيس الوجهين على ما قال ابن الباذش على أن ما قاله القراء من إلزام الإسكان له وجه وذلك أنّ العلة التي لأجلها منع سيبويه الإشارة في ميم الجميع من استثقال توالي الكسرات أو الضمات وتوالي المتحركات موجودٌ هنا ولأجل ذلك كان من منع هنا مجيزا فيما إذا لم يكن قبل هاء الضمير إلا فتحة كقولك (أكْرَمَه) لفقد الاستثقال الموجود في مسألتنا. فما قاله سيبويه في وجه المنع يصح أن يكون مستندا في المنع هنا

[46]

ص: 46

وهذا التوجيه تلقيته من بعض أصحابنا المحققين نفه الله وعليه

يجري أيضا منع الإشارة فيما إذا تحرك ما قبل الهاء بالكسر نحو قوله

تعالى {وما أنسانيهُ إلا الشيطان} ونحوه عند من ضمّ الهاء بعد

الكسرة وهو خلاف ما رواه مكي، فافهمه.

والخامس من المستثنيات: الهمزةُ المسهَّلة بينَ بين إذا وُقف عليها

نحو ذَرَأ وتبرَّأ ومن الخطأ وامرؤٌ ولؤلؤ ويُبْدِئ وتبرئ

فالهمزة هنا تسهيلها بين بين فإذا وقفت عليها فالقياسُ أن لا روم فيها ولا

إشمام لأنها قد سكنت في الوقف وصار التسهيل فيها إذ ذاك

بالإبدال فألف قرا كألف الرحى ويا بيدي كياء يرمي وواو لُوْلو كواو

يغزو فلا يصح فيها غير التسكين كحروف المد واللين. وقد ذكر الداني ومكيّ

عند قوم الإشارة والتسهيل بينَ بين وتعقب ذلك أبو الحسن ابن الباذش بأن

الحرف الموقوف عليه ساكن وطروءَ الرَّوم عليه لا يُوجِب له حركة وإذا كان

كذلك سكنت الهمزة في الوقف كما يجب في كل حرف موقوف عليه ثم تبدل

ألفا أو واوا أو ياء على حسب حركة ما قبلها ولا يتأتى في هذه الحروف روم

وسبيله في ذلك سبيلُ تاء التأنيث المبدلة في الوقف هاءً فلا يكون فيها روم ولا

إشمام لأن الحرف الساكن في الوقف غير الحرف المتحرك في الوصل.

[47]

ص: 47

هذا ما قال وقد نص على هذا المعنى من أنه لا روم فيها ولا

إشمام الفارسي في الإيضاح حين تكلم على الوقف على الهمزة المتحرك ما

قبلها كالخطأ والرشأ فقال «وأما الذين يخففون الهمزة - يريد بين بين -

من أهل الحجاز فيقولون (رعيت الكلا وهذا الكلا وبالكلا) فيقلبونها ألفا

لأنها قد سكنت في الوقف وقبلها فتحة فصارت بمنزلة الألف في راس وفاس

إذا خُفّفت» قال «ولا تشم ولا تروم كما لا تفعل ذلك بألف الرحى

والعصا» قال «ولو كان ما قبل الهمزة مضموما لانقلبت على قولهم في

التحفيف واوا نحو قولهم (هذه أكمو) إذا وقفت على (هذه أكمؤٌ يا فتى)

وإن كانت كسرة انقلبت ياء نحو (أنا أهنِي») قال «ولا إشمام في هذه الواو

ولا هذه الياء ولا رَدْمَ كما لا إشمام ولا روم في واو يغزو ولا ياء

يرمي».

وعلى هذا المعنى الذي قرره الفارسي نص سيبويه في باب الوقف في

الهمز غير أنه نفى الإشمام ولم يتعرض للروم بنفي ولا إثبات فهو

محتمل إلا أنه قد فسر بكلام الفارسي والظاهر من قول الفارسي

ما قاله ابن الباذش من أن الروم وارد على السكون وإلا فكانوا يذكرون جواز

الوقف بالروم ابتداء ثم ينصون على المنع فيما إذا وقفوا أولا بالسكون

[48]

ص: 48

وأيضاً لو لم يكن الأمر كذلك لم يمنع إبدال الهمز عند وجود الروم لأنه نطق

ببعض الحركة والسكون بعدُ لم يكن فكيف تُبدَلُ مع بقاء التحريك؟ هذا

مشكل وعند هذا قد يصح ما قاله مكي وغيره وهو ظاهر من حال

الروم فإنه إبقاء لبعض الحركة في الحس فيظهر أن تقدير تقدم السكون

دعوى اللهم إلا أن يُنقل عن العرب المخففين الامتناع من الروم إذا وقفوا

فحينئذ يصح هذا التقدير والله أعلم وأما الإشمام فظاهر المنع على كل

تقدير لما تقدم.

وإذا تقرر هذا حصل أن همزة بين بين لا يصح فيها روم عند الفارسي

وابن الباذش ولا إشمامٌ مطلقا مع أنها متحركة إذ هي بزنة المتحرك في

الشعر وهذا مذكور في موضعه فصار نقضا على إطلاق الناظم المتقدم

حيث قال

وَغَيْرُ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ

سَكِّنْهُ، أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ

ولم يستثن من ذلك الهمزة المسهلة بينَ بين فاقتضى ذلك جواز الروم

فيها وهو ممنوع إلا أن يكون رأى في ذلك رأي من حكى عنهم الداني ومكي

وهو بعيد أو يقول: إنّ الوقف بالروم ليس ثانيا عن السكون بل هو

إبقاء لبعض الحركة في الوصل على ما هو الظاهر، فإذا عُزم على الروم أمكن

إبقاء* الهمزة على حالها في الوصل إذ لم تذهب الحركة جملة.

[49]

ص: 49

فالحاصل** أنّ** القيود المحتاج إلى ذكرها في جواز تلك التغيّرات لم

يذكر منها إلا أن لا يكون الآخر هاء التأنيث وأغفل ذكر البواقي كما رأيت

وكذلك فعل في التسهيل فلم يستثن فيه إلا ما استثنى هنا وعذره في ذلك

مقبول؛ إذ أكثر النحويين لا ينبهون** على هذه الأشياء ولا يشيرون إلى شيء

منها، وذكرُها ضروري.

ولنرجع إلى ما كنا بسبيله، فقوله «

سَكِّنْهُ» هو أحد الأوجه الخمسة

في الوقف على المحرك أي قِفْ عليه بالسكون فتقول في (جاءني زيدٌ):

(جاءني زيدْ) وفي (قام الرجلُ): (قام الرجلْ) وما أشبه ذلك وإنما قدَّم السكون

لأنه الأصل في الوقف وذلك لأن الوقف موضع استراحة والابتداءُ شروع في

عمل وقد تقرر أن الابتداء إنما يكونُ بالحركة فضِدُّه الذي هو استراحة وفراغ

من العمل إنما يكون بضد الحركة وهو السكون. وأكثر العرب على الوقف

بالسكون على ما نقله السيرافي قالوا: ومن استعمل الروم والإشمام

والتضعيف والنقل فإنه على مذهب غيره في السكون إلا أنه زاد الفرق بين ما

يعرض سكونُه في الوقف وبين ما يلزمه السكونُ في الوصل والوقف على

مذهب العرب في التنبيه على الأصول.

وعلامة السكون في الخط خاءٌ فوق الحرف المسكن نحو (هذا زيد (خـ) **»

وهي مقتطعة من قولك (خفيف) لأن الروم والإشمام فيهما إشارة إلى

الحركة فليس الوقف بهما إسكانا خالصا.

[50]

ص: 50

ثم قال «أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ» هذا هو الوجه الثاني وهو الروم

أتى باسم فاعله أي: قف حالة كونك دائما الحركة، أي: مشيرا لها إشارة

الروم، وأقام التحرك مقام الحركة لقرب معناهما والروم هو النطق ببعض

الحركة فلا بد من الصوت معها؛ لأن الحركة صوتٌ فلذلك كان الروم مما

يدركه الأعمى بخلاف الإشمام وإنما أتوا بالروم حرصا على بيان الحركة

وهو آكد من الإشمام في بيانها لأنه نطق ببعضها بخلاف الإشمام

وعلامته خط أما الحرف فتقول (هذا زيد ـ) و (مررت بخالد ـ) و (رأيت

الحارث ـ)

وإطلاق الناظم في هذا يدل على أن الروم يكون في الأحوال كلها من

الرفع والنصب والجر كما مر تمثيله لأنه صويت ضعيف بالحركات

الثلاث يتبع ذك الصويت الحرفَ الذي تقفُ عليه

وفي المسألة ثلاثةُ أقوال هذا أحدها وعليه سيبويه والجمهور

والثاني استثناءُ المنصوب وهو مذهب القراء أجمعين وذهب إليه

[51]

ص: 51

أبو حاتم من المتقدمين وأطلق العبارة به ابن عبيدة من القريبي العهد

المتأخرين أخذًا منه لذلك عن شيخه ابن أبي الربيع حيث جعل الروم في

المنصوب قليلا ولذلك لم يقرأ به أح من القراء واحتجوا بخفة الفتحة وبأنها

ضعيفة فإذا نطقت ببعضها نطقت بجميعها وهذا لم يرتضه الناظم وقد رد

بأن الروم لا يرفع حكم السكون بما فيه من جري بعض الحركة في الوقف فلا

يمتنع أن يكون الفتح كغيره. وإنما فرق سيبويه بين النصب وبين الرفع

والجر في الوصل فذكر أنهم يشبعون الضمة والكسرة ويمططون فيقولون

(هو يضربها) و (من مأمنك) قال: وعلامتها واو وياء ويختلسها بعضهم

اختلاسا فيقولون (يضربها) و (من مأمنك) يسرعون اللفظ. قال «ولا يكون

هذا في النصب لأن الفتحة أخف عليهم» يعني أن خِفَّتها مشبعة

تغني عن تخفيفها بالاختلاس. وروم حركة النصب ليس للتخفيف إنما

هو للدلالة على تحرك الحرف في الوصل فالحركات كلها يمكنُ النطقُ

بجميعها وببعضها غير أن الفتحة لما كانت خفيفة مع الإشباع لم تختلس في

الوصل في (لن يضربها) إذ لا حاجة إلى ذلك واختُلست (رِيمَت) ** بسبب

الحاجة إلى ذلك في حالة الوقف وهذا ظاهر.

[52]

ص: 52

والقولُ الثالث: الاقتصار بالروم على المرفوع والمضموم خاصة وهو

قولٌ ينسبُ إلى ابن كيسان وهو ظاهر كلام الزجاجي في الجمل حيث قال:

والإشمامُ ورومُ الحركة إنما يكونان في المرفوع، ثم قال حين بيَّن الروم:

وهو أن تلفظ بآخر الكلمة وأنت مشير إلى الحركة ليُعلَم أنه مضموم

فخصّه بالضم وهو كالنص على أن الشلوبين تأوّله على أن مراده بقوله

إنما يكونان في المرفوع أي إنما يجتمعان معا في المرفوع ويكون قوله

لتعلم أنه مضموم تمثيلا فقط لا لأنه مختص به. وأيّا ما** أراد فهذا مذهبٌ

مردود مخالِف لما يحكيه سيبويه وغيرُه عن العرب وهم الحجة على الجميع

ولم يحفل به الناظم مع أن عمل الروم ممكن في الحركات كلها لأنه

عمل اللسان فيلفظ بها لفظا خفيفا مسموعا

ثم قال «أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ»

هذا هو الوجهُ الثالث وهو الإشمامُ أتى بفعله أي: أشِرْ إلى

الضمة إشارة الإشمام، وحقيقة الإشمام ضمُّ الشفتين بعد الإسكان بحيث لا

يُحسّه الأعمى وإنما هو لرأي العين على هذا جمهور النحويين

ولبعضهم هنا مخالفة في أربعة مواضع:

[53]

ص: 53

فالأخفش حُكي عنه أن الإشمام يفهم بالسمع دون النظر قال

ابن خروف وهي حكاية فاسدة

وقطربٌ يقول الإشمام وضع النحويين وليس بمسموع من العرب

وهذا فاسدٌ لأنه وإن لم يُسمَع مأخوذٌ بالأبصار من أفواه العرب وقد قال

سيبويه بعد كلامه في الإشمام «وهذا قولُ العرب ويونس والخليل»

فعزاه إلى العرب وهو الثقة فيما ينقل فلا يسمع كلامُ غيره في ذلك.

وابن خروف يقول إن الإشمام على وجهين: إشمامٌ في الوقف وهذا

هو الذي لا يُحسُّ به الأعمى وإشمامٌ في وسط الكلمة وهذا لا يمكن إلا أن

يكون له صوتٌ فهو مما يسمع كالروم.

وينقل القراء عن ثعلب وابن كيسان أنّ الإشمام أتمُّ في البيان من الروم

وكأنه نطقٌ ببعض الحركة بخلاف الروم فإنه تناولٌ إلى الحركة من غير وصولٍ

إليها، وحجة هذا الرأي ما ذكروا مِن أنّ القائل إذا قال (رُمت الشيء)

فهو عبارةٌ عن محاولة أخذِه من غير وُصولٍ إليه بعدُ وإذا قال (أشممتُ

الفضّة الذهب) فالمعنى أنه خلطها بشيء منه فالروم والإشمام منقولان من

هذا. وما قالاه اعتراضٌ على الاصطلاح؛ إذ غايته أنْ سمَّوا الروم إشماما

والإشمام روما، وإذا فُهِمت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ

وعلامة الإشمام نقطةٌ أمام الحرف كقولك (هذا زيد.) و (مررت

بخالد.)

[54]

ص: 54

وتخصيصه الإشمام بالضمة في قوله «أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ» ولم يطلق

ظاهر في أنه لا يقع عنده في المفتوح والمكسور. وهذا مذهب غيره وإنما

اختص بالرفع والضم دون غيرهما لأنه إذا وضعت لسانك أو حلقك موضع

الحروف استطعت أن تضم شفتيك حتى تُعْلِمَ الذي يبصرك أنك تنوي الرفعَ

في الحرف وإذا تكلمت بالحرف فأردتَ أنْ تُعلِم أنك تنوي فيه الفتح أو

الكسر كما فعلت في المرفوع لم تقدِر أنْ تُريَ مَن ينظُرُ إليك ما في فيك

وحلْقِكَ كما أريْتَهُ ما في شفتَيْك؛ لأن ما في الشفتين يظهر للناظر وما في

الفم لا يظهر. إلى هذا المعنى أشار سيبويه في تعليل الاختصاص بالمرفوع

والمضموم. وعلّل الصيمريّ منع الإشمام في المكسور بأنه تشويه للفم.

قال ابن ملكون: هذا لا معنى له، ولو امتنع الإشمام في المكسور لأنه تشويه

للفم لوجب أن يمتنع في المرفوع والمضموم مخافة التشويه. قال: وأيُّ تشويهٍ

في الإشارة بالشفتين قليلا إلى الضم للدلالة على الحركة المفقودة في الموقف؟ !

ثم علل ذلك بأن ضمَّ الشفتين لا يكون دلالة على الجر والكسر كما كان دليلا

على الرفع والضم وقول الناظم «أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ» أطلق الضمة على حركة الإعراب وحركة البناء معا لأن حركة الإعراب يقال لها الضمة كما يقال ذلك لحركة البناء فإطلاقه صحيح على الاصطلاح بخلاف ما لو قال (الضم) من غير تخصيص بهاء التأنيث فحينئذٍ كان يُحتاج إلى الاعتذار عنه في ذلك الإطلاق. ويريد بالضمة ضمةَ آخر الكلمة، وهو بيِّن.

[55]

ص: 55

ثم قال «أَوْ قِفْ مُضْعِفَا»

هذا هو الوجه الرابع وهو التضعيف، أطلق عليه لفظ الإضعاف فبنى

منه مُضْعِفا اسم فاعل من أضعَفَ والاصطلاحُ على ضعَّفَ تضعيفا فهو

مضعِّفٌ لا على أضعفَ إضعافا فهو مُضْعِف. لكن لما كان المعنى واحدا

تساهل في العبارة عنه ومعنى كلامه أنك مخيَّر أيضا في أن تقف على الحرف

الآخر مضعفا له ومشددا فتقول في خالد: خالدْ (ش) ** وفي فرج: فرج (ش) **

وفي يجعل: يَجْعَلْ (ش) ** فتشدّ الآخر ومنه ما روي عن عاصم أنه كان يقف على

قوله تعالى {وكل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر** (ش)} بتشديد الراء قال

الأهوازي «ولم يذكُر من جميع القرآن إلا هذا الحرفَ فقط ويلزمه أن

يقف كذلك على جميع ما أشبه ذلك إذا تحركَ ما قبل آخرِ حرفٍ مِن الكلمة إلا

أنّ القراءة سنة* ليست بالقياس»

وعلامة التشديد: ش، وهي مقتطعة من شديد كما أن الخاء

مقتطعة من خفيف قال سيبويه «هم أشدُّ توكيدا» يعني أنّ من وقف بالتضعيف زاد في التوكيد في الدلالة على أن الموقوف عليه متحرك لا ساكن «فأرادوا أن

يجيئوا بحرف لا يكون الحرف الذي بعده إلا متحركا» لأنك لو قلت: خالِدْ فخففت لتوهِّم أنه كان ساكنا في الوصل فلما ثقلت

[56]

ص: 56

ذهب ذلك التوهم لأنه لا يكون المدغم فيها ساكنا أبدا لما في ذلك من

اجتماع ساكنين على غير شرطه

ثم أخذ يذكر شروط الوقفِ بالتضعيف فأتى بشروطٍ ثلاثة:

أحدها ألّا يكون الحرفُ الموقوفُ عليه همزةً وذلك قوله «

مَا لَيْسَ

هَمْزًا» ما: منصوبة على المفعول باسم الفاعل الذي هو مُضعِفٌ يعني

أنه لا يجوزُ التضعيفُ في الهمزة لأنها لثقلها لا تضاعف على ما هو

مذكورٌ في بابِ الإدغام فلا تقول في الخطأ والرشأ: الخطأْ (ش) الرشأْ (ش)

الثاني أن لا يكون الحرف عليلا وذلك قوله «أَوْ عَلِيلًا» وهو

معطوف على «هَمْزًا» والتقدير: أو قف مُضعفا ما ليس عليلا أي معتلا

فإنه إن كان معتلا لم يصح تضعيفه. وحرفُ العلة الألف والواو والياء فأما

الواو والياء فتضعيفهما يؤدي إلى الثقل المهروب عنه** فلا تقول في

يغزو: يغزوْ (ش) ولا في يرمي: يرميْ (ش) وأما الألف فأولى أن لا يصحّ فيها

التضعيف فيستثقل أو يستخف

[57]

ص: 57

والثالث أن يقفُوَ مُحرَّكا وذلك قولُه «إِنْ قَفَا

مُحَرَّكًا» والضمير

في «قَفَا» عائد على مدلول «مَا» وهو الحرف الموقوف عليه وأُتِي به في

مساق الشرط المدلول عليه بإنْ بعد ما جمع الوصفين المتقدمين كأنه يقول: ما

جمع الوصفين المذكورين يجوز فيه التضعيف إن كان قد قفا مُحرَّكا ومعنى

قفا: تبع، قفوت أثره واقتفيتُه إذا اتّبعتَه وأتيت في قفاه أي إن

تبع الآخر محركا وذلك نحو ما تقدم من قولك: فرج وخالد وجعفر ففي مثل

هذا تقول فرحْ (ش) وخالدْ (ش) وجعفرْ (ش) فإن قفا ساكنا فمفهوم الشرط أن لا

يقف بالتضعيف لأنه لا يمكن الجمع بين ثلاثة سواكن

فإن قيل فهل يجوزُ التضعيفُ إن كان ما قبل الآخر ساكنا بمنزلة

المتحرك وذلك حروف المدّ واللين لأنّ مدّها يقوم مقام الحركة فكما تقول: *

دوابّ وثوبك ثُمُودّ** وهذا أُصَيْمُّ فتقف عليها بالتضعيف الأصلي فكذلك

كان ينبغي أن تقول في حمار إذا وقفت حمار وفي بعير بعيرّ وفي كفور:

كفورْ (ش)

فالجوابُ أن ذلك لا ينبغي أن يجوز في الوقف على الألف لأن الجمع

بين ساكنين على الإطلاق مستثقلٌ فلا يجوز أن يُؤتى به في الوقف الذي

هو موضع استراحة فإذا استثقل الساكنان في الوقف كما ذكر فاستثقال

[58]

ص: 58

ثلاثة سواكن أولى مع أن هذا لم ينقل عن العرب فالقولُ بجوازه قولٌ

باختراع اللغة وإذا امتنع في الألف فهو في الياء والواو أولى بالامتناع قاله

ابن الضائع ثم قال «وَحَرَكَاتٍ اِنْقُلَا» هذا هو الوجهُ الخامس وهو النقل. و (حَرَكَاتٍ) مفعول بانْقُلْ. والنقلُ: عبارةٌ عن نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى الحرف الذي قبله حتى يوقف عليه بخالص السكون فتقول في قولك (هذا النقْرُ): (هذا النقُرْ) وفي قولك (انتفعتُ بالنقر): (انتفعتُ بالنقِرْ) وفي (منْهُ) و (عنْهُ) و (اضربْهُ): (مِنُهْ) و (عَنُهْ) و (اضربُهْ)

وكذلك ما أشبهه. فمن نَقْلِ الضمة ما ذكره خلف عن الكسائي من أنه كان يستحب الوقف على منهُ وعنهُ يُشم النون الضمة حكاه ابن مجاهد. وحكى ابن الأنباري عن خلف قال: سمعتُ الكسائي يقول:

الوقف على {فلا تكُ في مِريةٍ مِنْه} مِنْهُ بالتخفيف وجزمِ النون في الوقف كما يصل. قال «ويجوز مِنُهْ برفع النون في الوقف وكذلك

عَنُه برفع النون في الوقف. قال خلف: والتخفيف فيهما أحب إلى الكسائي» ومن ذلك أيضا ما أنشده سيبويه من قول عُبَيدِ بن

[59]

ص: 59

ماوية الطائي

أنا ابنُ ماوِيَّة إذْ جَدَّ النَّقُرْ

يريد جدّ النقْرُ** وأنشد أيضا لزياد الأعجم

عجِبتُ والدهر كثيرٌ عجَبُه

مِنْ عَنَزِي سَبَّني لم أضْرِبُه

يريد لم أضربْه وأنشد أيضا لأبي النجم

فقرِّبَنْ** هذا وهذا أزْحِلُهْ**

يريد أزحله وقال طرفة

حابسي رِسْمٌ وقفْتُ به

لو أُطِيعُ النَّفسَ لم أرِمُهْ

وعلى ذلك حمل ابن جني ما أنشده ابن الأعرابي

فإنّما أنتَ أخٌ لا نَعْدَمُهْ

قال أراد لا نعدمْهُ على وجه** الدعاء له

ومن نقْلِ الكسرة قولُ امرئ القيس أنشده ابن الأنباري شاهدا

لعمري لقوم قد نَرَى أمْسِ فيهم

مَرابِطَ للأمْهارِ والعَكَر الدَّثِرْ

[60]

ص: 60

أراد الدثْر وهو الكثير وأنشد أيضا لجرير بن عبد الله البَجَليِّ

رضي الله عنه

أنا جرير كنيتي أبو عَمِرْ

أضرب بالسيف وسَعْدٌ في القَصِرْ

أراد (أبو عَمْرو) و (في القَصْرِ) ومنه أيضا على التأويل قول طرفة بن

العبد

بجفان تعتري نادِيَنا

من سَديف حين هاج الصَّنَّبِرْ

أصلُه (الصَّنَّبْرِ) وكان حقه في النقل أن يقول (الصَّنَّبُرْ) بضم الباء

لكن حمله ابن جني على أنه من باب الحمل على المرادف كأنه قال: حين هَيْج

الصِّنَّبرِ من باب قولهم

مشائيمُ ليسُوا مُصْلِحين عَشِيرةً

ولا ناعبٍ إلَّا ببين غرابُها

أنشده سيبويه

ووجهُ النقل عند من يقفُ به أمران: أحدهما كراهيةُ التقاء الساكنين إذا قلت: النقْرْ ومنْهْ وعنْهْ فحركوا الحرف الأول بحركة الثاني ليزول التقاءُ الساكنين ولهذا جاء الفارسي

[61]

ص: 61

في الإيضاح بهذا الوجه في باب التقاء الساكنين في كلمة

والثاني أنهم أرادوا بيان حركة الحرف الموقوف عليه كما أرادوا ذلك

في الروم والإشمام والتضعيف

وإنما قال «وَحَرَكَاتٍ اِنْقُلَا» فجمع الحركات بيانا أنّ النقل يكون على

الجملة في الحركات كلها فالضمة والكسرةُ مثالهما ما تقدم والفتحة في

الهمز لا في غيره على ما يُذكر من مذهب البصريين مثالها قولهم (رأيت

الدِّفَأْ) في (رأيت الدِّفْءَ) فالحركات الثلاثُ تنقل على الجملة فلذلك

جمَعها

وقوله «اِنْقُلَا» أراد (اِنْقُلَنْ) بنون التوكيد

ثم أتى بالشروط المعتبرة في هذا الوجه وهي أربعة:

أحدها أن يكون ما قبل الآخر - وهو الحرف المنقولُ إليه الحركةُ -

ساكنا لا متحركا وذلك قوله «

لِسَاكِنٍ» وهو مجرور متعلق بانقل أي

انقل الحركات لساكنٍ فلو كان الحرفُ المنقول إليه متحركا لم يجُزِ النقلُ فلا

تقولُ في (هذا خالدٌ): (هذا خالُدْ) ولا في (مررتُ بجعفَرٍ): (مررتُ بجعفِرْ) لوجهين

أحدهما ما تقدم من أنّ سبب النقل عند الناقلين هو التقاءُ الساكنين فإذا

تحرك ما قبل الآخر زال السببُ الموجب فيزول موجبه والثاني أن الساكن

[62]

ص: 62

هو الذي يقبل حركة غيره لعروِّه من الحركة فإذا كان متحركا فالمحلُّ

مشغول بحركته فلا ينبغي أن تُترَكَ حركتُه ويُحرَّك بحركة غيره وهذا الثاني

فيه نظر وقد نقل إلى المتحرك في الضرورة أنشد الفارسي في التذكرة لأبي

النجم

ويلٌ له ويلٌ لهُ ويلٌ لُهْ

إذا غَدَا قائده يتلُّهْ

فنقل ضمة الهاء من «لَهُ» إلى اللام وهي متحركة على هذا حمله

الفارسي

والشرط الثاني أن يكون ذلك الساكن يصح أن يتحرك وذلك قوله

«

لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا» أي النقلُ إنما يكون لساكن لا يُحظلُ تحريكُه

أي لا يُمنَعُ تحريكه بل يجوز ومعنى الحَظْلِ لغةً المنعُ من التصرُّفِ

والحركة وقد حظَل عليه يحظُل بالضم قال الشاعر أنشده

الجوهري

فما يُعدِمك لا يُعدِمْك منه

طبانيه فيحظُلُ أو يَغارُ

وقد تضمن هذا الشرطُ شرطين اثنين: أحدهما أن لا يكون حرفا من حروف العلة لأنه إن كان كذلك حصل فيه بتحركه مع تحرك ما قبله الاستثقال لو قلت في (هذا زيدٌ): (هذا زيُدْ) أو في (بِزَيدٍ): (بِزَيدْ) ** وكذلك في (زَوْر): (زَوُرْ) أو (زَوِرْ) هذا إن لم يكن حركة ما قبلها من جنسها فإنها إن كانت كذلك زاد

[63]

ص: 63

الثقل أو تعذَّر النطقُ كما يتعذَّرُ في الألف نحو (عماد) فكذلك يتعذر في

ثمودٍ وسعيدٍ لأن الياء والواو هنا مدّاتٌ مطلقة كالألف. ووجه ثانٍ وهو أن

الألف والواو والياء حروفُ مد وحروفُ المد تحتمل التقاء الساكنين ولا يحتمله

غيرها فساغ الوقف على الساكن مع سكون ما قبله - وهو حرف اللين -

لاحتماله ذلك بما فيه من المدّ المُشبه للحركة ولذلك جمعوا بين الساكنين

في الوصل إذا كن الثاني مدغما إلى نحو هذين الوجهين أشار سيبويه في

تعليل هذا الموضع

والشرط الثاني أن لا يكون مُدغما فإنه إن كان كذلك لم يجز النقل

لما يلزم به من تحريك الحرف المدغم وذلك قولك رَدٌّ وجَدٌّ لو قلن رَدُدْ

أو (انتفعتُ بِجَدِدْ) لكان فيه من الكراهة ما في قولك رَدَدَ يَرْدُدُ فهو رادِدٌ

وذلك ممنوع عندهم

والشرط الثالث أن لا تكون الحركةُ المنقولة فتحةً في غير المهموز وهذا

الشرط يختصّ باشتراطه البصريون وذلك قوله

وَنَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ لَا

يَرَاهُ بَصْرِيٌّ، وَكُوفٍ نَقَلَا

[64]

ص: 64

يعني أنّ النقل الجائز إنما هو نقلُ الضم أو الكسر كما تقدم تمثيلُه في

نحو (هذا النقُرْ) و (مررت بالنّقِرْ*) وأما نقلُ الفتح فمذهبُ البصريين أن النقل

على وجهين جائز وممنوع فالممنوع النقل من غير المهموز الآخر فلا يجوز

أن تقول في (سمعت النَّقْرَ): (سمعت النَّقَرْ) ولا في (رَفَعْتُ الِعدْلَ): (رَفَعْتُ الِعدَلْ)

ولا في (كسرت القُفْل): (كسرت القفل) ولا ما كان نحو ذلك وإنما لم ير هذا

البصريون لأنه لما كان المنصوبُ أكثر ما يوقف عليه بالألف المبدلة من التنوين

صار مجيئه غير مُنوّنٍ كأنه عارض مع أن الألف واللام معاقبة للتنوين

والعرب قد تحكم للمعاقب بحكم المعاقَب فلم يجيزوا النقل لذلك مع أن

السماع معدوم في نقل الفتحة؛ إذ لم ينقلوا ذلك في الكلام وما جاء منه

فشاذ لا يقاس عليه ومنه قول العجاج

الحمد لله الذي أعطى الشّبَرْ

أراد الشّبْرَ وهو النكاح وقد تُؤُوِّل على أنه جاءَ على لغة من قال

(رأيت زيد) وقد قالوا: إن النقل في المفتوح على تلك اللغة جائز لفقد علة

[65]

ص: 65

المنع؛ إذ صار المفتوح** حين عُدِمَ التنوين كالمضموم والمجرور فليس فيه شاهد

على وجود النقل في المفتوح فوجب المصير إلى المنع منه

وأما النقل الجائز فالنقل من المهموز وعليه دلّ مفهومُ قوله «مِنْ

سِوَى الْمَهْمُوزِ» أي أنّ البصري يرى النقل من المهموز ويجوز

ذلك عنده فتقول في (رأيت الخَبْءَ): (رأيت الخَبَأْ) وفي (أحببتُ الدِّفْءَ): (أحببتُ

الدِّفَأْ) وفي (كَرِهتُ البُطْءَ): (كَرِهتُ البُطَأْ) كما تقول باتفاق في (هذا الوَثْءُ):

(هذا الوَثُؤْ) وفي (نظرت إلى الوَثْءِ): (نظرت إلى الوَثِئْ) وإنما احتملوا نقل

الفتحة من الهمزة دون غيرها لأن الهمزة لما كانت أبعد الحروف وأخفاها في

الوقف حرَّكوا ما قبلها ليكون أبين لها بخلاف سائر الحروف فلذلك كان

التحريك مع الهمز أقوى هذا مع أن السماع في ذلك موجود قال سيبويه

«واعلم أنّ ناسا من العرب كثيرا يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة حركة

الهمزة سمعنا ذلك من تميم وأسد يريدون بذلك بيان الهمزة قال: وهو

أبين لها إذا وَلِيت صوتا والساكن لا ترفع لسانك عنه بصوتٍ لو رفعت

بصوتِ حرَّكْتَه» قال «فلما كانت الهمزةُ أبعد الحروف وأخفاها في الوقف

حرَّكوا ما قبلها ليكون أبْين لها» قال «وذلك قولهم هذا الوَثُؤْ ومن الوَثئْ* ورأيت الوَثَأْ» فانظر إلى تعليل سيبويه ما سمع فذكر فيه النصب فالسماع فيه محقق

[66]

ص: 66

ومذهب الكوفيين وابن الأنباري جواز النقل في غير المهموز فيقولون

(رأيت النَّقَرْ) و (حملتُ العِدَلْ) و (كسرتُ القُفَلْ) كما يقولون ذلك في المهموز

ويوافقون البصريين على ذلك وتؤخذ موافقتهم في المهموز من كلام الناظم من

قوله أولا «وَحَرَكَاتٍ اِنْقُلَا» ولم يخص مهموزا من غيره ولا خصّ بصريا

من كوفي فيؤخذ له من إطلاقه هناك أن الكوفيين داخلون في الحكم

فإن قلت فهذا لازم في كل مسألة يذكرها وأن يكون الكوفيين** فيها

موافقين للبصريين إذا لم يُعيِّن لها قائلا وليس ذلك بصحيح لأن أكثر ما نقله

هنا إنما هو على مذهب البصريين ومن راجع النظر في هذا النظم وجده

كذلك فلا بد أن يكون المسكوت عن ذكره من الكوفيون** في

المسألة مسكوتا عنه في حقيقتها وإذ ذاك لا يلزم في كلام الناظم أن

يكون مذهبُهم الجوازَ في المهموز فيبقى النقل عنهم في المسألة منقولا

بعضه دون بعض

فالجواب أن تفصيله ثانيا مذهب أهل البصرة وأهل الكوفة يُشعِرُ بأن

إجماله أولا هو على كلا المذهبين لأن عادة المؤلفين إذا أجملوا الحكم في

مسألة ثم فرَّقوا في بعض تفاصيلها بين المذاهب فذلك دال دَلالة قوية على

أن ما لم يفصلوا فيه قد اجتمعت فيه تلك المذاهب وكذلك مسألتنا أجمل أولا

[67]

ص: 67

جواز النقل ثم بين الخلاف في بعض وجوهه فدل على أن ما لم يفصل فيه

تفصيلا قد اتفق عليه هؤلاء المختلفون وفي مثل هذا نلتزم أن الحكم المجمل

مطلق في كل مذهب بخلاف ما إذا لم يُفعَل ذلك فإنا لا نلتزمه وعلى هذه

الطريقة جرى كلام الناظم وربما مضى من ذلك مسائل وقع التنبيه عليها في

مواضعها فإذا ثبت هذا فالكوفيون متفقون مع البصريين في المهموز وأما

قولهم في غير المهموز فحجته عندهم أن الجميع اتفقوا أن النقل إنما جاز في

المرفوع والمجرور ليزول اجتماع الساكنين حالة الوقف ولا شك أن هذه العلة

موجودةٌ حالة النصب؛ فإنك لو قلت (رأيت النكر) فوقفت ولم تنقل لاجتمع

الساكنان كما اجتمعا في المجرور والمرفوع فقَصْرُ النقل على بعض أنواع

الإعراب دون بعض تحكم وترجيحٌ من غير مرجِّح وإعمالٌ للعلة في موضع

وإهمال لها في موضع آخر وذلك كلُّه فاسد فالقول بما يؤدي إليه فاسد

أيضا

والجواب عن هذا أن المتبع في ذلك السماع والتعليل إنما يأتي من وراء

ذلك فنحن رأينا العرب فرَّقت بين المرفوع والمجرور وبين المنصوب في غير

المهموز فلا بد من القول به على أن البصريين فرقوا بين الحالتين كما تقدم

فلا يلزم الجمع مع وجود الفارق والناظم لم يُشر إلى ترجيح أحد القولين على

الآخر بل قال «لَا

يَرَاهُ بَصْرِيٌّ، وَكُوفٍ نَقَلَا» وقد اختار في التسهيل مذهب البصريين

[68]

ص: 68

وقوله «وَكُوفٍ نَقَلَا» لا يريد به نقل المسموع عن العرب وإنما يريد

له النقل الاصطلاحي المتكلَّم فيه أي إنّ الكوفي نقل الفتحة

وقوله «لَا

يَرَاهُ بَصْرِيٌّ» أتى بالمفرد والمراد الجمع ويسهلُ هنا

أن يريد به عموم البصريين لأنه في سياق النفي كأنه قال: لا يراه أحد من

البصريين لكن هذا العموم ينكسر عليه بابن الأنباري فإنه قد رآه مذهبا

وهو بصري

والجواب أنّ كونه بصريا غيرُ ثابت فقد كان مجتهدا لنفسه في

المذهبين فليس ببصري محقق وأيضا فإن الزُّبيدي إنما عدّه في الكوفيين

في الطبقة السادسة منهم عَدّه فيها مع هارون بن الحائك وابن كيسان

ونفطويه وغيرهم

وقوله «وَكُوفٍ نَقَلَا» أراد (وكوفيٌّ) لكن حذف إحدى الياءين للوزن

كما يحذفونها في القوافي للضرورة وهو واقع على مفرد لقوله «نَقَلَ» ولم

يقل (نقلوا) وهو على حذف الموصوف كأنه قال: وجنسٌ كوفي أو جمع

كوفي نقل وذلك بمعنى الجمع ولم يُرِدْ واحدا منهم لأنهم كلُّهم

مخالفون في المسألة

وقوله «إِنْ قَفَا

مُحَرَّكًا» ارتكب فيه التضمين القبيح في القوافي

وهو تعلّق قافية البيت بما بعده ومثله من كلام العرب قول النابغة

[69]

ص: 69

وهم وَرَدُوا الجفار على تميم

وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي

شهدت لهم مواطن صادقات

شهدن لهم بصدق الودِّ مني

وأحسن التضمين تعلُّق أول البيت بالبيت الثاني وكثيرا ما يستعمل

الناظم هذا التضمين القبيح للضرورة

ثم قال

وَالنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ

وَذَاكَ فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ

هو الشرط الرابع من شروط النقل وهو أن لا يؤدي إلى عدم النظير

يعني أن النقل إذا كان يؤدي في الكلمة إلى صورة معدمةِ النظير امتنع النقلُ

رأسا وعدمُ النظيرِ يكونُ على ضربين:

أحدهما أن يُعدم جملة فلا يوجد في الأسماء ولا في الأفعال وذلك إذا

وقع قبل الضمة المنقولة حرف مكسور كقولك في (هذا العِدْلُ): (هذا العِدُلْ)

وفي (هذا الحِملُ): (هذا الحِمُلْ) فجاء في النقل على صورة فِعُل وفِعُلٌ غير

موجودة في أبنية الأسماء ولا في أبنية الأفعال

والثاني أن يُعدَم في الأسماء خاصة ويكون في الأفعال كثيرا وذلك

إذا وقع قبل الكسرة المنقولة مضموم كقولك في (مِنَ البُسْرِ): (مِنَ البُسِرْ) وفي

القُفْلِ: القُفِلْ فجاء في النقل على صورة فُعِلٍ وهو غير موجودٍ في أبنية

الأسماء وإنما يوجد في أبنية الأفعال نحو ضُرِبَ وأُكِلَ وعُلِمَ

[70]

ص: 70

فهذان البناءان لما عُدِم نظيرهما في الأسماء كرهوا أن يأتوا في

النقل بصورة غير موجودة وأيضا فعلة امتناع البناءين موجودة في هذا

النقل وهو استثقال الخروج من ضم إلى كسر أو من كسر إلى ضم من

غير فاصل بينهما

كان هو الجارَّ هو في النقل من غير الهمزة وما النقل من الهمزة

فقد نصَّ على أنَّ وجود عدم النظير فيه لا يمتنع وذلك قوله «

وَذَاكَ فِي

الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ» والإشارة بذاك إلى عدم النظير واسم «لَيْسَ» ضمير

عائد عليه أيضا أو ضمير الشأن وضمير «يَمْتَنِعْ» عائد على عدم النظير

أيضا كأنه قال: وعدم النظير في النقل من الحرف المهموز لا يمتنع فتقول

على هذا في (هذا الرِّدْءُ): (هذا الرِّدُؤْ) وفي قولك (من البُطْءِ): (من البُطِئْ)

وإن أدى ذلك إلى فِعُل وفُعِل المعدومين في الأسماء ووجهُ ذلك ما تقدم ذكره

لسيبويه من أن الهمزة لما كانت أبعد الحروف وأخفاها في الوقف حركوا ما

قبلها ليكون أبْيَنَ لها ثم مثل بقولك (من البُطِئ) و (هو الرِدُؤْ) وقال: سمعنا

ذلك من تميم وأسد

ثم يقع النظر في كلام الناظم في النقل من أوجه:

أحدها أنه قال «إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ» وهو يريد - بلا شك - ما كان

على فُعِلٍ أو فِعُلٍ أما فِعُلٌ فكونه معدوم النظير صحيح وما جاء من قراءة

[71]

ص: 71

{والسماء ذات الحِبُكِ} فمؤوّلة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء

الله تعالى وأما فُعِل فليس بمعدوم لقولهم دُئِلٌ ورُئِمٌ وما جاء فيه في السماع

شيءٌ ثابت وإن كان قليلا فلا يقال فيه إن معدوم ولا فيما أشبه في

الصورة إنه معدوم النظير

فإن قيل إن الإمام سيبويه لم يثبت عنده فُعِلٌ البتة فبنى الناظم

.................................................... **

فالجواب أن هذا باطل لأنه قد أثبت فُعِلًا في الأسماء قليلا ألا ترى

إلى قوله في التصريف

وَفِعُلٌ** أُهْمِلَ، وَالْعَكْسُ يَقِلّْ

لِقَصْدِهِمْ تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ

فذكر أنه موجود قليلا فأحد الأمرين لازم إما بطلان كلامه هنا

وإما بطلانُه هنالك أو يقال: إنه لم يرد بقوله هنا «إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ» إلا

فِعُلًا خاصة فيلزم أن يكون النقل جائزا في غير المهموز وإن أدى إلى مثل

فُعِلٍ وذلك فاسد والثاني أنه لم يوف بالشروط على الكمال فقد شرط الناسُ زائدًا على ما ذكر شرطين:

[72]

ص: 72

أحدهما ألا يكون الحرف الموقوف عليه حرفَ علة فلا يجوز النقل في

نحو غَزْوٍ وظَبْيٍ لأنه يؤدي إلى استثقال وأيضا فإنه يؤدي إلى تغيير لأنك

لو قلت (هذا ظَبُيْ) لوجب بالحكم التصريفي أن تنقلب الضمة كسرة لتصح

الياء إذ لا تثبت الياء مع الضمة قبلها وإذا فُعل ذلك بها وجب حذفُ الياء

للوقف وكذلك لو قلت (هذا غَزُوْ) لوجب قلبُ الضمة كسرة والواو ياءً إذ لا

يُوجد مثل ذلك في الكلام ثم يفعل ما فُعل في ظبي وذلك تغيير كثير

هذا إن اعتُدَّ بعارض الوقفِ وإنْ لم يُعتدَّ به كان قولك (هذا ظَبُيْ)

و(مررت بِظَبِي) و (هذا غَزُو) و (مررت بِغَزِيْ) مستثقلا أيضا فمنع ما يؤدي إلى

ذلك وهو النقل والثاني ألا يكون ما قبل الساكن المنقول إليه ضمة ولا كسرة وإنما ينقل إليه إذا كان ما قبله مفتوحا فإذا قلت (مررت بعِدِلْ) أو (بحِمِلْ) في عِدْلْ وحِمْلْ فهو عند سيبويه إتباعٌ لا نقل. وكذلك إذ** قلت (هذا البُسُرْ) و (هذا القُفُلْ) في البُسْر والقُفْل قال سيبويه «ولا أراهم إذْ قالوا (مِنَ الرِّدِيْ) وهو البُطُؤ إلا يتبعونه الأول وأرادوا أن يسووا بينهن إذ أجرين مجرى واحدا وأتبعوه الأول كما قالوا (رُدُّ وفِرِّ» ) يعني أنهم لما لَزِمهم في هذا

[73]

ص: 73

الرِّدِيْ ومن البُطُؤ الإتباعُ فرارا من عدم النظير لو نقلوا أرادوا أن يجروا ما

لا يلزم المحذور فيه مع ما يلزم فيه مجرى واحدا حتى يكون الإتباع في

الأحوال كلها مستتبا فمن الإتباع في الضم قول امرئ القيس

لعمرُك ما إنْ** ضرّني وسْطَ حِمْيَرٍ

وأقوالِها إلا المِخيلَةُ والسُّكُر

وقال طرفة ابن العبد

حين نادى الحيُّ لما فزِعوا

ودعا الداعي وقد لَجَّ الذُّعُرْ

أيُّها الفِتْيان في مجلِسنا

جرِّدُوا منها وَرادًا وشُقُرْ

ثم قال

جافلات فوق عُوجٍ عُجُلٍ

رَكِبْت فيها مَلاطِيسُ سُمُرْ

ومن الإتباع في الكسر قول الشاعر

عَلَّمنا أخْوالُنا بنو عِجِلْ

شُرْبَ النبيذ واصطفاقًا بالرِّجلْ

[74]

ص: 74

وقال الآخر

أرتني حِجْلًا على ساقها

فَهَشَّ الفؤاد لذاك الحِجِلْ

فقلت ولم أخف عن صاحبي

ألا بأبي أصْلُ تلك الرِّجِلْ

فهذا كله مما نقصَ الناظم ونقصه مخل بما أصّل

والثالث أنه حين منع ما يؤدي إلى عدم النظير لم يبين ماذا يفعل من

لغته النقل وإنما ذكر أن النقل هنالك ممتنع فيبقى محتملا لأن يرجع فيه إلى

الأصل من الوقف بالسكون وإن أدى إلى التقاء الساكنين وذلك لا يصح أو

إلى حكم آخر ولم يذكره فبقي الموضعُ ناقصا ونقصُ مثل هذا لا يليق

بمثل ابن مالك ولا شك أن الحكم عندهم الانتقال إلى الإتباع فيقولون (هذا

عِدِلْ) و (من البُسُرْ) قال سيبويه «وقالوا هذا عِدِلْ وفِسِلْ فأتبعوها الكسرة

الأولى ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول - يعني من النقل 0 لأنه ليس من كلامهم

فِعُل فشبّهوها بِمُنْتُن أتبعوها الأول» قال «وقالوا (في البُسُرْ) ولم يكسروا

في الجر لأنه ليس في الأسماء فُعِل فأتبعوها الأول وهم الذين يخفّفون في

الصلة البُسْر» قال ابن الضائع في الإتباع: هذا يدل على رَعْي التقاء

الساكنين لأنهم لما كرهوا ذلك عدلوا إلى ما يزيل التقاءهما وإن لم يكن فيه

بيان حركة الموقوف عليه

[75]

ص: 75

ونقص الناظمُ أيضا بيان كيفية الوقف لمن منع النقل في المنصوب فلم

يعرّج عليه وقد يتوهّم فيه الرجوع إلى الأصل وإن التقى الساكنان وليس

كذلك والحكم فيه مثل ما تقدم آنفا من لزوم الإتباع فتقول (رأيت العِدِلْ)

و(رأيت البُسُرْ) قال سيبويه «لما جعلوا ما قبل الساكن في الرفع والجر مثله

بعده صار في النصب كأنه بعد الساكن» وهذه عبارةٌ فيها إشكال ما

وقد بينها ابن الضائع

والرابع أنه لم يذكر في المهموز في نحو (هذا الرِّدُؤْ) و (من البطِئْ**) إلا

وجها واحدا من أوجهٍ للعرب فيه متعددة؛ إذ ليس كل العرب يحتمل

ارتكاب المعدوم النظير في الهمزة بل لهم في المهموز وجهان

زيادة على ما ذكر من النقل:

أحدهما أنّ من بني تميم من يُتبع حيث أدى النقل إلى فِعُلْ أو فُعِلْ

كما تقدم في غير الهمز فيقولون (هذا الرِّدِئْ) و (من البُطُؤْ) وكذلك في

حالة النصب أيضا فيقولون (هذا الرِّدِئْ) و (من البُطُؤْ) فهؤلاء وجدوا

مندوحة عن ذلك النقل بأن أتبعوا

[76]

ص: 76

والثاني أن من العرب من يُبدل من الهمزة حرف لين من جنس حركتها

ويبقى ما قبلها ساكنا على حاله هكذا حكى سيبويه هذا الوجه

فيقول في الرفع (هذا الجرّ**) و (في الوَثْوْ) من الوثْيْ وفي النصب (رأيت الوثَا)

قال «الثاءُ ساكنة في الرفع والجر وهو في النصب بمنزلة القفا»

يعني أنه لا ضرورة تدعو لتحريك الثاء في حال الرفع والجر لأن الواو

والياء يصح أن يكون ما قبلهما ساكنا بخلاف الألف فإنه لا يكون ما قبلها

إلا مفتوحا قال: فهؤلاء قلبوها حرف لين حرصا على البيان فعلى هذا تقول

في البطء في الرفع: البُطْوْ وفي الجر: البُطْيْ وفي النصب: البُطا وكذلك

في الردء في الرفع: الرِّدْوْ وفي الجر: الرِّدْيْ وفي النصب: الرِّدَا فإذا

ثبت هذا فكلامُ الناظمِ في غاية التقصير

لكن قد يُجابُ عن الأول بأن نحو دُئِل ورُئِم لا يعتدّ به في إثبات بناءٍ

جديد في الأسماء والدليل على ذلك أن من لم ينقُلْ من العرب فرارًا من

فُعِل قد ظهر منه أنه لم يعتبر ما جاء من ذلك ومن هنا قال ابن الضائع:

وامتناعهم من النقل هنا دليلٌ على صحة مذهب سيبويه يعني في

[77]

ص: 77

كونه لم يثبت فُعِلًا فإذًا لما كان ما جاء في فُعِل غير معتبر عدَّه كأنه

معدومٌ فجعل نظيره معدوم النظير. وأما في التصريف فتكلم على حقيقة

الأمر في البناء وما جاء فيه سماعا

وعن الثاني بأن الاعتراض بالشرط الأول من الشرطين لازم له وأم

الشرط الثاني فيمكن أن يكون الناظم جعل ذلك من قبيل النقل لا من

قبيل الإتباع إذ ليس ثم إذ ليس ثم ما يعين أحدهما دون الآخر إلا ما رجح به

سيبويه من التسوية بين الأحوال كلها وذلك غير قاطع؛ إذ لقائل أن يقول:

إن الأصل إنما هو النقل فيتعذر في** في بعض الصور لمانع ويبقى

سائر الصور على الأصل الأول فليس ترجيح سيبويه بأولى من هذا الترجيح

بل هذا أولى لأنه وقوفٌ مع حقيقة أصل لغة النقل وهذا ظاهر الفارسي في

الإيضاح لأنه لما ذكر النقل أنشد على الجر فيه قول الشاعر

شُربَ النبيذِ واصطفاقًا بالرِّجِلْ

وأما السيرافي فأجاز الوجهين وهذا كله فيما عدا المنصوب نحو (رأيت

العِدِلْ) و (رأيت الحُجُرْ) فإنّ مثل هذا لا يكون إلا إتباعًا؛ إذ حركة المنصوب لا

تنقل ومنه قول طرفة

جردوا منها ورادًا وشُقُرْ

وأما الثالث فيظهر لزومه

وعن الرابع أن ما ذكر هو أشهر الوجوه المستعملة عند العرب فاقتصر

عليه ولم يذكر سواه

[78]

ص: 78

* * *

فِي الْوَقْفِ تَا تَأْنِيثِ الِاسْمِ هَا جُعِلْ

إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ

وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا

ضَاهَى، وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى

هذا نوع من أنواع الإبدال في الوقف وهو إبدال تاء التأنيث هاءً

ويريد أن تاء التأنيث تبدل في الوقف هاءً في أشهر الوجهين وإنما قلت في

أشهر الوجهين لقوله بعد ذلك «وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى»

وقوله «تَا تَأْنِيثِ الِاسْمِ» يريد التاء اللاحقة للاسم فهي التي يلحقها

هذا الحكم أما التاء اللاحقة للفعل الدالةُ على تأنيث الفاعل فلا تُبدَل هاءً

أصلا نحو (ضربتْ) و (قامت) و (نِعْمتْ) من قولك (نعمت المرأة هندٌ) و (بئستْ)

و(ليستْ) و (عستْ) ونحو ذلك فلا تقول (ضَرَبَهْ) ولا (قامَهْ) وإنما تقول ذلك إذا

سميت به خاليا من ضمير إذ يصير ضربةً كشجرة فلا يكون إذ ذاك إلا

اسما فتبدل تاؤه هاء وكذلك تاء التأنيث اللاحقة للحرف نحو (ربَّتْ) و (ثُمَّتْ)

{ولاتَ حينَ مناص} فإن من القراء من يقف عليها بالهاء مع أنها

حرف لحقته التاء فيقول القائل: هذا يكسر عليه قاعدة الحرف، ويُجاب

بأن هذا الحرف إنما وقف عليه بالهاء الكسائي وحده والناظم لا يلتزم

مذهب الكسائي دون مذهب الجماعة الذين لم ينقل عنهم في لات إلا الوقفُ

[79]

ص: 79

بالتاء على الأصل وهو الشائع وما عداه نادر فالسماع والقياس معا

عاضدان لمذهب الناظم ومن هاهنا أيضا ينبغي الوقف بالتاء على اللات من

قوله تعالى {اللات والعُزَّى} على مذهب سيبويه لا على اعتبار المرسوم

بل على مقتضى القياس لأنّ اللات جعله سيبويه من المجهول الأصل

كالحرف، الاسم المبني بحق الأصل ذكره في النسب وجعل حكمه كحكم

ما ولا إذا نسبت إليه فعلى هذا القياس يترجح الوقف بالتاء ولأجل ذلك لم

يقف عليه بالهاء إلا الكسائي من جملة القراء السبعة وسيأتي شيءٌ من الكلام

على هذا المعنى إثر هذا بحول الله تعالى

وقوله «هَا جُعِلْ» وأطلق ولم يفرّق بين حالٍ وحال فدلّ على أن

التنوين لا اعتبار له عنده في حالة النصب فلا يُقال في النصب: (رأيت

شجرتا) وقفا على التنوين كما قلت (رأيت زيدا) وإنما تقول (رأيت شجرَهْ)

كما تقول (هذه شجره) و (مررت بشجره) فأما ما أنشده ابن جني مما قرأه على

محمد بن الحسن:

إذا اغتَزَلَتْ مِنْ بُقام الفَرِيرِ

فيا حُسْنَ شَمْلَتِها شَمْلَتا

[80]

ص: 80

فإنه شَبه التاء بتاء الأصل وما أشبه الأصل نحو (رأيت فتى) و (رأيت

عفريتا) فعامل تاء التأنيث معاملتها وهو بعد شاذ يحفظ ولا يقاس

عليه

وإنما أُبدلت التاء هنا فرقا بينها وبين التاء التي هي من نفس الحرف

وما لحق بها وهذا تعليلُ سيبويه وقيل: أُبدلت فرقا بينها وبين تاءِ

التأنيث اللاحقة الفعل نحو (ضرَبتْ) و (قامَتْ)

وما ذكره هنا من الإبدال لا بد له من شرطين ذكرهما الناظم:

أحدهما أن لا يكون ما قبلها ساكنا صحيحا وذلك قوله «

إِنْ لَمْ يَكُنْ

بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ» يعني أن هذا الحكم من الإبدال إنما يكون إذا لم يقع

قبل التاء ساكن صحيح فقوله «صَحَّ» في موضع الصفة لـ «سَاكِنٍ» و «وُصِلْ»

هو خبر «لَمْ يَكُنْ» و «بِسَاكِنٍ» متعلق بـ «وُصِلْ» وذلك أن يكون ما قبل

التاء متحركا ولا يكون إلا مفتوحا أو ساكنا معتلا ولا يكون إلا ألفا

فالمحرك نحو (شجره) و (ثمره) و (طلحه) و (حمزه) و (يا أبه) و (يا أمَّه) في (يا أبتِ) و (يا أُمَّتِ)

وما أشبه ذلك والساكن نحو (شاة) و (علقاة) و (معاناة) و (ناقة حَلْباة)

و(ناقة رَكْباة) و (ناقة مُلْقاة) و (رحمة مُهْداة) وما أشبه ذلك

[81]

ص: 81

فإن وقع قبل تاء التأنيث ساكن صحيح فمفهوم كلامه أنها لا تُبْدَل بل

تبقى حالها فتقول (بِنْتْ) و (أُخْتْ) ولا تبدل أصلا لأن هذه التاء لما سكن

ما قبلها صارت كأنها ليست للتأنيث وإنما جيء بها لتُلحق بناتُ الاثنين ببنات

الثلاثة نحو (عِدْلٍ) و (جُمْلٍ) فهي كتاء (سَنْبَتَةٍ) حيث كانت ملحقة ببناء (جعفر)

فعوملت في ترك الإبدال معاملة (سنبتة)

فإن قلت: فإذا كان سكون ما قبلها يَمنعُ الإبدال فهلا منع فيما إذا

كان الساكن ألفا؟

فالجواب أنّ ذلك الساكن في تقدير المتحرك لأنه في موضعه ومنقلب عنه

وأيضا فإن الألف من الفتحة وهي بمنزلة الحرف المتحرك ولذلك يلتقي معها

الساكنان نحو (دوابَّ) بخلاف ما إذا كان الساكن صحيحا

ثم يبقى النظر في هذا الشرط في شيئين

أحدهما ما كان من تاء التأنيث قبلها ألفٌ وما هي فيه لم يتمكن في

الأسماء تمكن غيره وذلك قولهم (اللات) و (ذات) مؤنث (ذو) بمعنى صاحب

فأصل الناظم يقضي فيهما بترجيح الإبدال كغيرهما فتقول (اللاه) و (ذاه)

وهذا هو القياس الأصلي فيهما إلا أنّ لقائل أن يقول في (اللات) ما تقدم

[82]

ص: 82

وكذلك في (ذات) لأنه اسم لازم للإضافة لم يتمكن تمكن الأسماء

ولذلك جاء على حرفين أحدهما لين وذلك لا يوجد في معربات الأسماء

فكان ينبغي أن يكون الأجودُ فيه الوقفَ بالتاء على الأصل تشبيها له بغير

المتمكن كما تقدم في اللات فهذا لا يبعدُ وهو قياس صحيح ولذلك لم يقف

عليه من القراء بالهاء إلا الكسائي وإذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون الناظم

قصد إدخال (اللات) و (ذات) تحت قانونه اعتبارا بالاسمية والإعراب فيكون ذلك

النظر الذي ذكرته مطرحا فيهما ويحتمل أن لا يكون قصد ذكرهما نظرًا

إلى ما ذكرته بل أبقاهما في محلّ النظر بأي القسمين يلحقان أبالأسماء

المتمكنة أو بما أشبهها من الحروف فترك لك النظر في ذلك والاحتمال الأول

أقوى وأولى أن يُحمَل عليه كلامُه

والنظر الثاني فيما كان من الأسماء المؤنثة بالتاء وقبلها ساكن صحيح

لكنه يوقف عليه بالهاء نحو (هَنْت) و (مَنْت) فإن تقول في الوقف (هَنَهْ) و (مَنَهْ)

ولا تترك التاء على حالها سماعا من العرب ونصا من النحويين

فيمكن أن يكون هذا لم يعتبره المؤلف لقلته ولخروجه عن القياس لأن التاء

[83]

ص: 83

الساكن ما قبلها إنما تسمى تاء تأنيث مجازا بل التأنيث بنفس البنية كما

قالوا في (أخت) و (بنت) لا بالتاء إذ لو كانت التاء للتأنيث حقيقة للزم انفتاحُ ما

قبلها فصارت كألف الأصل وألف الإلحاق فالقياس إثباتها تاءً فقولهم

(هَنَهْ) و (مَنَهْ) ليس بوقفٍ على (هَنْت) و (مَنْت) نفسه بل هو وقفٌ على مردود إلى

الأصل ولذلك صار ما قبلها مفتوحا

ونظرٌ ثالث وهو أن يُقال هل يدخلُ له في قوله «

إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ

صَحَّ وُصِلْ» (كَيْتَ) و (ذَيْتَ) فيكون الوقف عليهما بالهاء على مقتضى كلامهم أو

لا يدخل له؟ والذي يظهر أنّ كلامه قابل لدخوله لكن لم يُرده أصلا لأن وإن

وُقف عليهما بالهاء فليس إلا بعد ردّ ما حُذف فتقول في الوقف (كيَّهْ) و (ذَيَّهْ)

وكلامه لا يشعر بهذا الردّ مع أن سائر ما يُوقف عليه بالهاء - وقبله ساكن

معتل - لا يحتاج إلى زيادة تغيير غير الإبدال. وأيضا فالوقف عليهما على غير

القياس فالظاهر أنه لم يُنبِّه عليهما ولا أرادهما وإن صلح كلامه لهما

والشرط الثاني من الشرطين المتقدمين أن لا تكون التاءُ في جمع

تصحيح ولا ما أشبه جمع التصحيح بل تكون في المفرد نحو ما تقدّم من

الأمثلة فإن كانت في جمع تصحيح - وهو الجمع بالألف والتاء - فاللغة

الفصحى ألَّا تُبدلَ فيه وإنما تبدل فيه في لغة قليلة وذلك قوله «وَقَلَّ ذَا فِي

جَمْعِ تَصْحِيحٍ» فـ (ذا) إشارة إلى الإبدال أي: قلّ الإبدال في هذا الجمع** وما

ضاهاه وكثر إثباتها على حالها فأما الكثير في جمع التصحيح

فتقول (هذه هنداتْ) و (زينباتْ) و (طلحاتْ) ولم يحك سيبويه إلا هذه اللغة

[84]

ص: 84

ووجهُ ترك إبدالها أن الألف والتاء علامة الجمع والتأنيث فكأنَّ التاءَ إنما

دخلتْ على الألف لا على الاسم المجموع فصارت متصلة بالاسم ليست في

تقدير الانفصال فأشبهت تاء الإلحاق نحو (سنبتة**) فعاملوها معاملتها

بتركها على حالها وصلا ووقفا بخلاف التاء في المفرد فإنها إنما لحقت الاسم

وحدها فهي منفصلة مما قبلها انفصال الثاني من المركبين وبذلك

شبهوها فبعُدَتْ من مشابهة تاء الإلحاق فأبدلوها في الوقف. بهذا المعنى

علَّلَ السيرافي وهو معنى تعليل سيبويه

وأما القليل - وهو الإبدال - فلم يذكره سيبويه وذكره غيرُه فحكى ابن

جني عن قطرب أن طيئا تقول (كيف البنُونَ والبناهْ؟ ) و (كيف الإخوة والأخواهْ؟ )

قال «وذلك شاذ» ووجه ذلك تشبيه (مسلمات) بـ (علقاة) من حيث كانت التاءُ

للتأنيث على الجملة

وأما قوله «وَمَا

ضَاهَى» يريد: ما ضاهى جمع التصحيح أي أشبهه وحقيقةُ المضاهاة المشاكلة يقال (ضاهأتُ) و (ضاهيت) بالهمز وبغير همز والظاهر أن هذا من غير المهموز والذي يضاهي جمع التصحيح ما سُمِّي به منه نحو (عرفاتٍ) و (أذرعاتٍ) تقول (عرفاتْ) و (أذرعاتْ) بالتاء في اللغة الفصيحة وكذا ما سُمِّي به من هذا الجمع لأنه جارٍ مجرى الجمع الحقيقي

[85]

ص: 85

في الإعراب فيجري مجراه في كل شيء ومن ذلك (هيهاتِ) في لغة من

كسر التاء فقال (هيهات) فتقول في الوقف (هيهاتْ) بالتاء كجمع التصحيح

لأن من بناها على الكسر يقدّرها تاء الجمع كبيضات ولذلك بناها على

الكسر لأنّ تاء الجمع لا تفتح أصلا

وأما القليل - وهو الإبدال - فعلى ما مضى في الجمع الحقيقي تقول

(عرفاهْ) و (أذرعاهْ) كما قلت (الأخواهْ) و (البناهْ) وأما (هيهاتَ) فنقول فيه (هيهاهْ)

لكن على لغة من بناها على الفتح فقال (هيهاتَ) أجراها مجرى (علقاه)

كان الأصل فيها (هَيْهَيَة) وقد سأل سيبويه الخليلَ عنها اسمَ رجل فقال:

أما من فتح فهي عنده كـ (علقاة) لأنه يقف بالهاء ومن كسر فكـ (بيضات)

لأنه يقف بالتاء ويجيء من هذا أنّ من فتح فهي عنده كالمفرد ومن كسر

فهي عنده كالمجموع فالوجهان في كلِّ واحدة جاريان في القياس على ما

يقتضيه إطلاقه فإن ساعَدَ النقل فصحيح

ثم قال «وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى» (ذانِ) إشارة إلى جمع التصحيح

وما ضاهاه وهما أقرب مذكور وغيرهما هو الاسم المفرد المتقدم يعني أن

الإبدال في المفرد على العكس من هذين وقد ذكر في هذين أن القليل هو

[86]

ص: 86

الإبدال والكثير هو البقاء على الأصل فعكسُ هذه القضيّة أن الكثير هو

الإبدال وأنّ القليل هو البقاء على الأصل أما الإبدال فقد تقدّم تمثيلهُ وأما

البقاءُ على الأصلِ من التاء فحكاه سيبويه عن أبي الخطاب - وهو

الأخفش الأكبر - أنّ ناسًا من العربِ يقفون بالتاء قال ابن خروف: هي

لغة يمنيةٌ فيقولون (طلْحَتْ) و (حَمْزَتْ) و (شجرَتْ) وأنشد الفارسي لأبي النجم

بل جَوْزِ تيهاءَ كظَهْرِ الجَحَفَتْ

وأنشد قطرب

الله نجاكَ بكفَّيْ مَسْلَمتْ

من بعدِما وبعدِما وبعدِمَتْ

صارتْ نفوس القوم عند الغَلْصَمَتْ

وكادت الحرَّةُ أنْ تُدعى أمَتْ

والقراء يحكون هذا لغةً لطيِّءٍ وأنهم تنادَوا يوم اليمامة: (يا أهلَ سورة

البقرَتْ) فقال طائي منهم: (ما معي منها آيت) وكلّ ما حُكي ههنا وحكاه

[87]

ص: 87

النحويون إنما حكوه على حسب ما سمعوا من العرب، وللقراء طريقةٌ أخرى

أصلها أنهم يقفون بالهاء البتّة إلا ما رُسم بالتاء فإنهم اختلفوا فيه على

حسب ما استحسنوا

و(انْتَمَى) معناه انتسب وهو مطاوع (نميتُ الحديثَ إلى فلان): رفعتُه إليه

و(نميتُ الرجل إلى أبيه): نسبته إليه، من ذلك، فكأنه يقول: وغير هذين

بالعكس انتمى إلى العرب ونُقل عنهم

وَقِفْ بِـ «هَا» السَّكْتِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُعَلّْ

بِحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ

وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ

كَيَعِ مَجْزُومًا، فَرَاعِ مَا رَعَوْا

هذا أيضا نوعٌ من أنواع التغيير اللاحق للكلمة في الوقف وذلك إلحاق

هاء السكت وإنما سُمِّيت هاءَ السكت لأنها يُسكَتُ عليها أي يوقف عليها

دون آخر الكلمة وفائدتها الأولى بيانُ حركة الآخر؛ إذ لم يريدوا أن يُسكَّن

بل أرادوا أن يبقى على حاله في الوصل ويكون الوقفُ والاستراحةُ على الهاء

فيحصل المقصدان لكن بيان الحركة يتبعها فوائد بحسب المحالّ

ففائدته في هذا الفصل تركُ الإجحاف بالكلمة الحاصل بسبب الوقف لأن

الكلمة هنا قد حُذف لامها فصار الإسكان بعد ذلك كالإخلال بها قال

[88]

ص: 88

سيبويه «كرهوا ذهاب اللامات الإسكان** جميعا» قال «فلما كان ذلك

إخلالا بالحرف كرهوا أن يسكّنوا المتحرك»

ويريد الناظم أن الفعل الذي دخله الإعلال بحذفِ آخرِه يوقف عليه بهاء

السكت ومثل ذلك بقوله «أَعْطِ مَنْ سَأَلْ» فـ (أَعْطِ) فعلٌ قد حُذف آخره

وهو الياء فتقف عليه (أعطِهْ) وكذلك تقول في (ارمِ): (ارمِهْ) وفي (اغزُ): (اغزُهْ)

وفي (اقضِ): (اقضِهْ) وما أشبه ذلك

والألف واللام في الفعل لتعريف الجنس المقتضي للعموم فكلُّ فعل أُعلّ

ذلك الإعلالَ فحكمُه ذلك الحكم كان المحذوفُ الياءَ كـ (أعطِ) أو الواو كـ (اغزُ)

و(ادعُ) أو الألف كـ (اخشَ) و (ارضَ) فتقول (اغزُهْ) و (ادعُهْ) و (اخشَهْ) و (ارضَهْ)

وسواءٌ أيضًا أكان الحذفُ للجزمِ أم للوقف، والحذف للوقف كما تقدم ذكرُه

ومنه قوله تعالى {أولئك الذين هدى اللهُ فبهداهم اقتَدِهْ} والحذف

للجزم كقولك (لم يخشَهْ) و (لم يقضِهْ) و (لم يغزُهْ) الحكم سواءٌ في الجميع

وقوله «

بِحَذْفِ آخِرٍ» بيان للإعلال، ما هو؟ ثم قال «وَلَيْسَ حَتْمًا

فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ

كَيَعِ مَجْزُومًا» يعني أن الوقف على الفعل بهاء السكت كما

ذكر ليس بحتم أي لازم حتى لا يجوزَ تركُه بل هو غير لازم فيجوزُ

لك أن تقول (ارْمْ) و (اخْشْ) و (اغْزْ) و (لم يخْشْ) و (لم يغْزْ) و (لم يرْمْ) وهي لغة

[89]

ص: 89

لبعض العرب قال سيبويه «وقد يقول بعض العرب (ارْمْ) وفي** الوقف

و(اغْزْ) و (اخْشْ) حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس» واعلم أن الوجه الأول

- وهو الوقف بالهاء - هو الأجود والأكثر في الكلام وأم الوجه الثاني فهو

أضعف الوجهين وأقل اللغتين قال سيبويه «جعلوا آخر الكلمة حيث وصلوا

إلى التكلم بها بمنزلة الأواخر التي تحرّك مما لم يحذَفْ منه شيء* لأن مِن

كلامهم أن يشبّهوا الشيءَ بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع الأشياء التي

هي فيه» والناظم لم ينص على الترجيح بين الوجهين ويمكن أن يكون في

تقديمه إياه واعتماده أولا عليه في المسألة مشعرا بالترجيح ولا يضر بعد ذلك

قوله «وَلَيْسَ حَتْمًا» إذ لا ينتفي بذلك الترجيح وإنما ينتفي به اللزومُ

خاصةً

ثم قوله (وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى) كذا إلى آخره يعني به أنه إلحاق هاء

السكت لا ينحتم إلا الفعل الذي يشبه (عِهْ) أو (يعِهْ) إذا كان (يعه)

مجزوما. ووجه الشبه في الفعلين أن يبقى الفعل بعد الحذف على حرف أصلي

لا حرفين فأكثر وكأنه يقول: الفعل المحذوف الآخر على قسمين:

أحدهما أن يبقى بعد الحذف على أكثر من حرف واحد فهذا الذي فيه

الوجهان المتقدمان وعليه دلّ مثالُه

والثاني ألَّا يبقى منه إلا حرف واحد أصليّ كـ (عهْ) الذي مثّل به وهو فعل

أمر من (وَعَى يَعِي) أصله الثلاثة فحذف الأولُ لأنه واوٌ وقعت في المضارع بين

[90]

ص: 90

ياء وكسرة ثم حُمل فعلُ الأمر عليه وحُذف الآخر بالحمل على المضارع

المجزوم فلم يبق من الفعل إلا حرفٌ واحد و (يَعِهْ) الممثّل به أيضا أصله

الثلاثة فحذف الأول لما ذكر وحذف الآخر للجزم فبقي على حرف واحد

وياءِ المضارعة وهي زائدة ليست من أصل البناء فلما كان كذلك أرادوا ألّا

تبقى الكلمة على أصلٍ واحد ساكن فإنك لو وقفت بغير هاءٍ لقلت في الأمر

(يا زيدُ عِ) وفي المضارع (إن تَشِ أَشِ) من وشَيْتُ، و (إن تَقِ أَقِ) من وقيتُ

فكرهوا هذا الإجحاف لأنه إخلال بالكلمة فألزم الهاء من يقف في (ارمِ) بلا

هاء وصار هذا الفعل في الوقف نظير (يا مُرِي) ** في الأسماء حيث

ألزموه الياءَ خوفًا أن يبقى على أصلٍ واحد ساكن وعلى هذا تقول في «ق»

(يا زيد أق أنا: قِهْ وأقِهْ) ** وفي «شِ» (يا عمرو أش أنا شِهْ

وأشهْ) ** وكذلك ما أشبهه

فإن قلت ما فائدة قول الناظم «أَوْ

كَيَعِ مَجْزُومًا» فقيَّده بكونه

مجزوما وكان يكفيه أن يقول (أو كيعه) لأن اللفظ لفظ المجزوم؟

فالجواب أن اللفظ لا يكفيه هنا؛ إذ لو لم يقيّده بالجزم لتوهم أنه أراد

غير المجزوم لكنه حذف ياءه لضرورة الوزن إذ يمكن هذا في النظم

[91]

ص: 91

فإن قلت إنّ هذا التوهُّم لا يصح لأن الهاء قد حصل من قوة المسألة

أنها تثبتُ في الوقف جَبْرا للكلمة الموقوف عليها لتثبت فيها الحركة لئلا

تنحذف إذ لو قُدِّر (يَعه) غير مجزومٍ لم يكن ثمَّ ما يؤتى بالهاء لأجله وهو

الحذف الحاصل في الكلمة وإذا لم يصح هذا التوهم كان قوله «مَجْزُومًا»

فضْلا!

فالجواب أنّ الكلمة وإن فرضْتَ أنّ آخرها غير محذوف فأولها

محذوف إذ أصلها (يَوْعِ) فقد يذهب الوهم إلى لزوم الهاء هنا لما ثبت فيها من

حذف أولها؛ لأن حذف الأول قد يُجبَر كحذف الآخر، ألا ترى قولهم في

(شِيَةٍ) و (عِدَةٍ) و (زِنَةٍ) إن الهاء لزمت آخرا عوضا من الحرف المحذوف أولا وهو

فاءُ الكلمة فأزال الناظم هذا الشغْب كله بقوله «مَجْزُومًا» وهو حال من

«يَعِهْ» أي وليس حتما في غير الفعل الذي يشبه (عِهْ) مطلقا أو يشبه (يَعِهْ) حالة

كونه مجزوما إذ هو فعل مضارع بخلاف (عِهْ) فإنه أمر والأمرُ لا يدخله الجزمُ

على مذهب الناظم وجماعة أهل البصرة وقوله «فَرَاعِ مَا رَعَوْا» المراعاة الملاحظة للشيء تقول: (راعيت كذا) أي لاحظته واعتبرتُ أمره. والمراعاة أيضا: المحافظة على

[92]

ص: 92

الحقوق وكلاهما سائغ في هذا الموضع أي: لاحِظ ما لَحظوا - يعني العرب -

أو حافظ على ما حافظوا عليه. والظاهر أن هذا الكلام تتمة لبقية الشعر لا

فائدة فيه، والله أعلم. وكان الأولى أن لو قال:(فارْعَ) أو (فراعِ ما راعوا)

لأن «فراعِ» من (راعى) و «ما رَعَوا» من (رَعَى) فلو وفَّق بين الفعلين لكان

أولى مع أنه لا يمتنع ما قال وعكسه

* * *

وَ «مَا» فِي الِاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ

أَلِفُهَا، وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ

وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا

بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ: اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى؟

هذه المسألة من تمام الفصل الأول مما أثبت فيه هاءُ السكتِ خوفا من الإجحاف بالكلمة وهي مسألةُ ما الاستفهامية إذا حُذفت ألفها فالعربُ ألحقتها مع الحرف هاء السكت في الوقف؛ إذ لو لم تفعل ذلك ووقفتْ على «ما»

لوجب إسكان الميم مع حذف الألف وذلك إخلال فجبروها بأن ألحقوا الهاء لتبقى الميم محركةً. والناظم ابتدأ بالكلام على حذفِ ألف «ما» قبل الكلام على حكم الوقف عليها. وليس الكلام في حذفها من أحكام باب الوقف لكن لا ينبني حكمُ الوقفِ إلا بعد تقرر الحذف فلذلك ابتدأ بذلك فقال

[93]

ص: 93

«وَمَا فِي الِاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ

أَلِفُهَا» يعني أن ما الاستفهامية يحذف

ألفها إذا وقعت في الكلام مجرورةً وذلك أنها تقع تارة في موضع رفعٍ وتارة

في موضع نصب وتارة في موضع جر فمثال وقوعها في موضع** رفع

قولك (ما يُعجِبك؟ ) و (ما صُنعُك؟ ) فهي ههنا في موضع رفع على الابتداء

وخبرها ما بعدها. ومثال وقوعها في موضع نصب قولك (ما صَنَعتَ؟ ) و (ما

أخذت؟ ) فـ (ما) في موضع نصبٍ على المفعولية بالفعل الذي بعدها. ومثال وقوعها

في موضع جر قولك (لِمَ قمت؟ ) و (عمَّ تسأل؟ ) و (علام تبحث؟ ) وما أشبه ذلك

ومنه قوله تعالى {عمَّ يتساءلون} ؟ {فلينظر الإنسان ممَّ خلق} ؟

{لِمَ تقولون ما لا تفعلون} ؟ {فيمَ أنت من ذكراها} ؟ ومنه قولُ ربيعة

ابن مقروم الضبي

فدعَوا: نَزَالِ فكنتُ أولَ نازلٍ

وعلامَ أركبُه إذا لم أنزلِ؟

وهذه المواضع كلها لا تُحذف ألف «ما» فيها إلا في موضع الجر

وهو قوله «إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ

أَلِفُهَا» ولم يقيّد الجر هنا فهو مطلق في

الجر بالحرف نحو ما تقدم وفي الجر بالاسم نحو (مجيءَ مَ جئتَ؟ ) ومثل (مَ** أنت؟ ) ونحو ذلك

[94]

ص: 94

ويُسألُ هنا فيقالُ: لِمَ حُذفت ألفُها؟ ولِمَ اختصَّ حذفُها بحالة الجر؟

وبهذا يتبين ما قال الناظم

فأما حذفُها على الجملة فللفرق بينها وبين الخبرية وهي التي بمعنى

الذي، واختص الحذفُ بالاستفهامية دون الخبرية لأن ألف الاستفهامية طرَفٌ

فكان أولى بالتغيير بخلاف الخبرية فإن ألفها يقع وسطا للزومها الجملة صلة

لها وهي كالجزء منها فلم يسغ حذفها وأيضا فاختصت الاستفهامية

بالحذف لأن لها صدر الكلام فلما تقدمها هذا العامل الذي هو الخافض دون

سائر العوامل حذفوا ألفها تنبيها على أنها كالكلمة الواحدة كأن لم يتقدمها

شيء بخلاف ما عدا الخافض من العوالم فإنه ليس كذلك وقد حصل جواب

السؤال الثاني وهو سؤال اختصاص الحذف بحالة الجر

فإن قيل: فإنّ ما الجزائية هي مثلُ الاستفهامية فيما ذكرتُ فكان ينبغي

أن تحذف ألفها أيضا؟

فالجواب أن يقال: الفرق بينهما أن ما الجزائية قريبة من التي بمعنى

الذي، وهي الخبرية؛ ألا ترى أنك تقول (بمن تمرُرْ أمْرُرْ) و (بالذي تمرُّ أمرُّ*) والمعنى واحد ولهذا دخلت الفاء في خبر الذي كما تقدمت الإشارة إليه في أنواع المبتدأ الذي يلزم تقديمه على الخبر حيث قال قال الناظم «أو لازم الصدر

كمن لي منجدا» فلما كانت بينهما هذه المشاكلة جعلوها مثلها في عدم الحذف

[95]

ص: 95

وقوله «حُذِفْ

أَلِفُهَا» ظاهره أن الألف حذفت البتّة ولم تجئ ثابتةً

وهذا صحيح في المجرورة بحرف وإن جاء إثباتها ففي الضرورة نحو قول

حسان بن ثابت

على ما قام يَشْتُمنِي** لَئِيمٌ

كخنْزِيرٍ تمرَّغَ في رَمادِ

فإن قيل لا ضرورة في هذا لأن حذفها لا يكسر الشعر وإذا كان

كذلك ثبت أنه اختيار على مذهب الناظم

فالجواب أن إثباته أكملُ في الوزن من حذفها وأيضا ليس معنى

الضرورة أنه يُضطر الشاعر حتى لا يمكنه أن يُعوَّضَ منه غيره مما لا ضرورة

فيه وإلا فما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوّض منها لفظ آخر لا ضرورة فيه

لكن كان يكون فيه تضييق كثير وقد اعتمد الناظم في عربيّته على ذلك التوهم

وبيّنتُ بطلانه في «الأصول» ومرّ من ذلك طرف في هذا الشرح

وأما المجرورة باسمٍ فليس ذلك بلامزٍ فيها بل يجوزُ أن تقول: (مجيءَ ما

جئت؟ ) ومثلُ (ما أنت؟ ) نص على ذلك سيبويه إلا أنّ الأجود الحذفُ وهذا هو

العذرُ له في أن لم ينبه على ترك الحذف وإنما كان الحذفُ هنا غير لازم

ولازما في المجرور بحرف لأن الحرف لا يستقلّ بنفسه دون أن يتصل بغيره

[96]

ص: 96

فصار مع ما كالشيء الواحد فصار اعتمادُ ما على ما اتصلت به من ذلك

الحرف ثابتا فلزم فيها الحذف للفرق المذكور وأما الاسم إذا كان هو الجار

فليس بمفتقر إلى ما بعده افتقار الحرف بل هو مستقل بنفسه فلم يكن لما

معه ذلك الاتصال لكن شبهوه بالحرف فحذفوا معه كما حذفوا مع الحرف

والمشبه لا يقوى قوة المشبّه به فلم يكن هذا الحذفُ لازما مع الاسم كما

لزم مع الحرفِ لئلا يتساوى المشبه والمشبه به وعلى هذا التعليل ينبني لزوم

الهاء في الوقف أو عدم لزومها

ثم أخذ يبين حكم لحاق الهاء في الوقف فقال «وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ»

معنى «أَوْلِهَا» أتبعها الهاء إن وقفتَ، يعني على ما المحذوفة وكان حقه أن

يقول (إن وقفتَ) فيأتي بالماضي لأن الجواب محذوف دلّ عليه قولُه «أَوْلِهَا

الْهَا» لكن ارتكب الوجه النادر الذي لا يوجد إلا في الشعر نحو

فلم أَرْقِهِ إن ينجُ منها

وقد تقدم التنبيهُ على نظائرَ من ذلك وتركتُ التنبيه على أُخر لكثرة

تكرارها كقوله قبل هذا «وَالنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ» وكثيرا ما

أخْطُر في هذا النظم على ضرائر شعرية فلا أُنبِّه عليها لكوني قد قدّمتُ

التنبيه عليها مرارًا والعذرُ في مثل هذا مقبول

[97]

ص: 97

ويعني أنك إذا وقفت على «ما» بعدما حُذفتْ ألفها فإنك تقف عليها

بالهاء فتقول (علامَهْ؟ ) و (إلامَهْ؟ ) و (مجيءَ مَهْ؟ ) و (مثل مَهْ؟ ) وهذا حُكمٌ جُمْلِي؛ إذ

لم يبيّن هنا هل هو على الجواز أو على اللزوم لكن ذكر ذلك بعدُ وإنما

أوليتها الهاء لأنها لما حُذف آخرها أشبهت ما حُذف آخره من الأفعال نحو

(اخشَ) و (ارم) فتأكّدَ الإتيان بالهاء لأجل ذلك

ثم قال «وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا

بِاسْمٍ» اسم ليس هو

ضمير عائدٌ على الإيلاء المفهوم من قوله «وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ» على حدّ

قوله تعالى {وإن تشكروا يرضَهُ لكم} فالهاء في (يرضه) عائد على

الشكر المفهوم من (تشكروا) ويعني أن إلحاق الهاء لما يكونُ غير لازم

ويكون لازما فأما لزومُه ففيما إذا انخفضت باسم كأنه قال: وليس

الإلحاقُ حتما إلّا في ما التي انخفضت باسم، فتقول إذا وقفت:(مجيءَ مَهْ؟ )

و(مِثْلُ مَهْ؟ ) و (اقتضاءَ مَهْ؟ ) في قوله «اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى؟ » ولا يجوزُ أن تقول

(مجيءَ مْ؟ ) ولا (مثل مْ؟ ) ولا (اقتضاءَ مْ؟ ) وهذا إنما هو مع الحذف أما مَن

أثبت الألف فلا إشكال أنه يقف على الألف. وأما عدمُ إلحاق** الهاء فيما

خُفضَ بغير اسمٍ نحو (لِمْ؟ ) و (فيمْ؟ ) و (عمّ؟ ) فإنك تقول (عمَّهْ) و (فيمَهْ؟ ) و (لِمَهْ؟ )

و(بِمَهْ؟ ) و (علامَهْ؟ ) و (إلامَهْ؟ ) وإن شئت قلت (عَمْ؟ ) و (فيمْ؟ ) و (لِمْ؟ ) و (بِمْ؟ ) و (علامْ؟ ) و (إلامْ؟ )

والوجهُ الأول أجودُ لأنّ «ما» لما حُذف آخرها أشبهت ما حُذف آخره من

[98]

ص: 98

الأفعال فكما اختير هنالك إلحاقُ الهاء اختير هنا أيضا والوجهُ الثاني

دونَ الأول قال سيبويه «وقد قال قوم: فيمْ؟ وعلامْ؟ كما قالوا: اخْشْ»

وقد يظهر من كلام الناظم جودة الوجه الأول كما ظهر في (اخش) لأنّ عبارته

هنا مثلُ عبارته هنالك

ووجه لزوم الهاء مع الاسم مبنيٌّ على ما تقدمَ من أن الاسم مستقل

بنفسه قد ينفصل مما بعده لأنك قد تقول (جِئتَ مجيئا حسنا) و (كنت لزيد

مِثْلًا) و (اقتضيت منك اقتضاءً* جميلا) فليست هذه الأسماء بلازمةٍ للإضافة

كما كانت حروفُ الجرّ لازمةً لمجروراتها* بل هي وإن كانت مضافاتٍ - في حكم

الاستقلال، فلم تكن «ما» معها كالجزء منها فلما وقفوا أتوا بهاءِ

السكت لأن «ما» من أجل انفصالها حُكما مما قبلها تبقى على حرفٍ واحد

فكان الوقف عليها بالسكون غاية الإخلال فلزمت الهاء عنده بخلاف الحرف

إذا كان هو الجارَّ فإنه لا يستقلّ بنفسه فكان اتصاله بمجروره* اتصالا تاما حتى صار كالكلمة الواحدة التي على أكثر من حرف واحد فلم يلزمها إلحاقُ الهاء. وهذا نظيرُ المنقوص الذي بقي** بعد الحذف على حرف واحد أو

على أكثر نحو (مُرٍ) و (عَمٍ) وقد تقدم فإثباتُ الياء هنالك نظيرُ إلحاق الهاء هنا

[99]

ص: 99

ثم إن كلام الناظم يقتضي أن الجارّ إذا كان اسما كيفما كان فإن

الحكم لزومُ الهاء والأسماء الداخلة على (ما) على قسمين قسم متمكن

- ومنه مثالُه وسائرُ الأمثلة المذكورة - وقسم غير متمكن وشبيه بالحرف نحو

(عن) و (على) و (الكاف) على قول الأخفش وغيره ممن قال باسميتها* أو حيث

تثبت. أم القسمُ الأولُ فلا إشكالَ فيه وأما الثاني ففيه إشكالٌ ما من

حيث دخولُه على الناظم فإنك إذا أخذت عبارته على إطلاقها لزم في هذا الهاء

في الوقف فلا يجوزُ لك أن تقول إلا (كَمَهْ؟ ) و (علامَهْ؟ ) و (عمَّهْ؟ ) وهذا قد ينازَعُ

فيه لأن هذه الأسماء موضوعةٌ وضعَ الحروفِ مفتقرةٌ إلى غيرها غيرُ

مستقلة بأنفسها ولا يُمكنُ انفصالُها كالحروف فقد يقال: حكمها حكمُ

الحروف وهو الظاهر على ما مضى من التعليل فإما أن يكون الناظم إنما

تكلم على الغالب في الأسماء لأن مثل (عن) و (على) في الأسماء قليل

ويُؤنس بهذا تمثيله بما هو متمكّن وهو الغالب في الباب فيخرج عن كلامه

ما ليس بمتمكّن وإما أن يكون ارتكب مذهب الشلوبين في تغليب حكم

الأسماء عليه قال ابن الضائع: سألتُ الأستاذ أبا علي وقت قراءتي عليه

هذا الموضع من الكتاب عن كاف التشبيه إذا دخلت على ما الاستفهامية

[100]

ص: 100

على مذهب أبي الحسن الأخفش في تجويز كونها اسما في الكلام فقال:

ينبغي أن يكون حكمُها حكمَ الأسماء قال ابن الضائع: وكذا يلزمه في «على»

اسما أيضا قال: والأولى عندي جوازُ الوقف دون هاء لأن اسميّة هذه لا

تجعلها مستقلة بل الأغلب عليه الحرفية وعدمُ الاستقلال

والاقتضاءُ: طلبُ القضاء. يقال: (اقتضيتُ ديني وتقاضيتُه) وقد يكون

بمعنى الأخذ في القضاء لأنه اكتسابٌ واعتمالٌ فقوله «اقْتِضَاءَ مَ

اقْتَضَى؟ » تقديره: اقتضاءَ أيِّ شيءٍ اقتضى؟ وجوابه: اقتضاءَ يُسْرٍ أو

عُسْرٍ أو تعجيلٍ أو مَطْلٍ أو نحو ذلك مما تقع عليه ما. وقد يكون جوابه

(اقتضاء زيدٍ أو عمرٍو) فقد وقع في حاشية نسخة أبي نصر من كتاب

سيبويه حين مثّل بمثل (مَ أنت؟ ) ما نصُّه: جواب قولهم (مِثْل مَ أنت؟ ابنُ

كذا وكذا سنةً) قال ابن خروف: وقال غيره: يجوز في جوابه مِثلُ زيدٍ

وعمرٍو لأنَّ «ما» تقع على من يعقل

* * *

وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا

أُدِيمَ شَذَّ، فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا

[101]

ص: 101

يعني أنّ وصْلَ الهاء بحركة بناءِ مُدَامٍ - أي مستدام - مستحسنٌ عند

العرب والنحويين ووصلها بحركة بناءٍ غيرِ مُستدامٍ شادٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.

هذا ما قال على الجملة وهذا الكلام منه يشتملُ على أربع مسائل: ثنتان

منصوص عليهما وثنتان مأخوذتان من قوة الكلام

فأما المسألة الأولى فهي مسألة البناء غير المستدام ومعنى المستدامِ

البناءُ الذي لا تنتقل عنه الكلمة إلى الإعراب في حال من الأحوال، وغير

المستدام هو الذي تنتقل عنه الكلمة في بعض الأحوال فيكون معربا مرة

ومبنيا مرة

و«

أُدِيمَ» في كلامه جملة في موضع الصفة لـ (بِنَاءٍ

)، و «شَذَّ»

جملة في موضع خبر المبتدأ الذي هو «وَصْلُهَا**» كأنه قال: ووصل الهاء بغير

تحريك بناءٍ مُستدامٍ شاذ. وكان حقه أن يقول: ووصلُها بتحريكِ بناءٍ

غير مدامٍ شذَّ، فيُدخِلَ النفي على الدوام لأن هذا المعنى هو المراد وهو أن

دخولها على البناء العراضِ شاذ، وظاهرُ عبارته يُعطي ما هو أعمُّ من هذا

لأنّ غير تحريك البناء المدام أعمُّ من أن يكون تحريكا غير مدام أو تحريك

غير بناء بل تحريك إعراب لأن حركة الإعراب يصدُق عليها أنها غير تحريك

بناءٍ مدام مع أنّ القصد إنما هو في الكلام على حركة البناءِ المدام وغير المدام

خاصة لا في حركة البناء والإعراب؛ إذ حركة الإعراب لا تلحقها الهاءُ في

[102]

ص: 102

الوقف ولا يُحتاج إلى التنبيه عليها؛ لأنّ تخصيصه حركة البناء بالذكر يُعطي**

خروجَ حركة الإعراب عن هذا الحكم، فإذًا وجهُ العبارة أن لو قال: ووصلُها

بتحريك بناءٍ غير مدام. لكن يُعتذرُ عن بعذرين:

أحدهما أنّا نزعُم أنه قصد بغير تحريك البناء المستدام الحركتين

حركة الإعراب وحركة البناء غير المدام فيريد أن وصلها بحركة الإعراب

وحركة البناء غير المدام شاذ ويكون ذلك نصا على أن الهاء لا تلحق حركة

الإعراب وهي من المقاصد في هذا الفصل فالنص عليها أولى من أخذها من

قوة الكلام

فإن قيل فأين الشذوذ الحاصل بلحاق الهاء حركة الإعراب؟

فالجواب أن ذلك موجود حكى سيبويه «أعطني أبيضَّهْ**» قال

«أراد أبيضَ فألحق الهاءَ - يعني هاء السكت - كما ألحقها في هُنَّه وهو يريد

هُنَّ» فأنت ترى حركة الإعراب قد ألحقوها هاءَ السكت مع التشديد

الخاص بالوقف أيضا. قال السيرافي: هو من أقبح الشذوذ. قال:

«وبعض أصحابنا يقول هو غَلَطٌ من قائله» ووجَّه القُبْحَ فيه من وجهين

أحدهما أنّ هاء السكت لا تلحق حركة الإعراب وإنما تلحقُ حركة البناء

والثاني أن التشديد إنما يلحقُ الحرف الموقوف عليه والوقف هنا إنما هو

على الهاء لا على الضاد

[103]

ص: 103

قال ابن الضائع ووجهه عندي أنه لما وقف على أبيض بالتشديد

وهو خاص بالوقف والوقف يذهب معه الإعراب أشبه التشديد الذي ليس

بمحل إعراب كهُنَّهُ*. قال ولذلك أشار سيبويه يعني بقوله كما ألحقها في

هُنَّه وهو يريد هُنَّ فقد ثبت لحاق الهاء شذوذا لحركة الإعراب فيُدعى أنه

من جملة ما نَبَّه عليه الناظم بقوله «وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا

أُدِيمَ شَذَّ»

والعذر الثاني - على تسليم أنه إنما قصد تحريك البناء غير

المستدام وأنه معنى كلامه - فقد تُدخِل العرب النفي على أول الكلام قصدا

لنفي ما بعده ولا تقصد نفي ما دخلت عليه ومن ذلك ما أنشده الفراء من

قول الراجز

من كان لا يَزْعُمُ أنّي شاعرٌ

فَيَدْنُ مني تَنْهَهُ المزاجِرُ

فلم يرد أن يقول من انتفى عنه الزعم بأني شاعر فيدنُ مني وإنما

أراد من كان يزعم نفي الشعر عني أي من كان يزعم أني غير شاعر فيدنُ

مني تنهه المزاجر. وقال الآخر

ولا أراها تَزَالُ ظالمةً

تُحدِثُ لي قرحةً وتَنْكَؤُها

[104]

ص: 104

أراد وأراها لا تزال ظالمة ولم يرد نفي الرؤية إذ لا يصح ذلك

فكذلك أدخلَ هنا «غير» على التحريك وهو يريد المدام وإذا كان مثل

هذا مستعملا فلا إشكال في كلامه والله أعلم

ثم نقول بعدُ إنّ لحاق الهاء لتحريك البناء غير المدامِ شاذ كما قال

وكلامُ العرب على عدم اللحاق لأن حركة البناء غير المدام شبيهةٌ بحركة

الإعراب لانتقالها وعدم بقائها على حالة واحدة فصار حكمها كحركة

الإعراب وحركةُ الإعراب لا تلحقها الهاء أصلا فكذلك ما كان مثلها. وبعدُ

فحركة البناء التي على هذا الوصف تُوجَد في أنواع من الكلم وقد عدَّ منها

في التسهيل أربعة أنواع:

أحدها الاسم المبني مع لا في قولك (لا رجلَ في الدار) فحركة اللام

بنائية ولا بدّ على مذهبه إلا أنها لا تلحقها الهاءُ فلا تقول (لا رَجُلَهْ) ولا

(لا علامَهْ) في (لا غلامَ) لشبهها بحركة الإعراب؛ ألا ترى أن العرب تُتبِع فيها

على اللفظ كما تُتبِع في حركة الإعراب فتقول (لا رجلَ عاقلًا) كما تقول (رأيت

رجلًا عاقلًا) ولأجل هذا زعم قوم أنها حركة إعراب وقد تقدم الكلام على ذلك

في باب لا

والثاني المنادى المضموم نحو (يا زيدُ) و (يا حكمُ) و (يا رجلُ) فالوقف

ههنا بالإسكان خاصة ولا يجوز أن تلحق الهاء فتقول (يا زيدُه) و (يا حكمُهْ)

و(يا رجلُهْ) لما تقدم في اسم لا من أنّ الحركة هنا شبيهة بحركة الإعراب

ولذلك جاز الإتباع فيها على اللفظ فتقول (يا زيدُ الظريفُ) و (يا عمرُو الفاضلُ)

[105]

ص: 105

وإنما يختص هذا بالمضموم لا بما ليس بمضموم لأن الضمة هي التي

أشبهت حركة الإعراب فأما إن كانت الحركة التي في آخر المنادى غير ضمة

- أعني مما ليس بإعراب - فيجوز لحاقُ الهاء لها وقفا فإذا وقفت على

المنادى المرخَّم فإنه يجوز أن تقف على الهاء فتقول في (يا جعفَ): (يا جعفَهْ)

وفي (يا عامِ): (يا عامِهْ) وفي (يا منصُ): (يا منصُهْ) وإنما قلت ذلك وإن لم أجده

منصوصا عليه بخصوصه لأنهم قالوا في (طَلْح) إذا وُقف عليه (يا طلحَهْ)

بالهاء نصَّ على ذلك سيبويه وغيره وهو الأكثر في كلامهم ولا يقال

(يا طَلْحْ) إلا قليلا لأنه قد صار في درجة (ارمِهْ) والأكثر في (ارمِ) الوقفُ بالهاء

كما تقدم وذلك لأنهم لما ألزموه الترخيم في الأكثر ألزموه الهاء في الوقف

ونص سيبويه على أنّ هذه الهاء هي هاء السكت لا غيرها وإن كان محتملا

أن تكون كذلك أو تكون هاءَ الأصل ردّت للوقف كما ردّي ياء (يا مري)

فقال «وإنما ألحقوا هذه الهاء ليبينوا حركة الميم والحاء» يريد في

(يا سلمهْ) و (يا طلحهْ) قال «فصارت هذه الهاءُ لازمةً في الوقف كما لزمت الهاء

في وقف ارمِهْ» وعلل ذلك بنحو ما عَلَّلَ به (ارمه) وبابه. وإذا ثبت هذا فكلُّ

مُرخَّم قد لزمت فيه تلك العلة وصارت الحركة التي في آخر المرخم

ليست بضمة نداء بل هي حركة بناء كحركة (لم يرمه) فلا بدَّ من القول بجواز

[106]

ص: 106

الترخيم فيه وكذلك تقول في نحو (يا مسلمان) و (يا مسلمون) يجوز أن تلحق

الهاء لأن حركة النون ليست بإعراب ولا شبيهة بحركة إعراب كما يقال ذلك

فيه غير منادى كما سيأتي إن شاء الله

فالحاصلُ في ذلك أنّ المنادى المضموم هو المختص بمنع اللحاق دون

غيره من المنادى الذي ليست حركة آخره حركة إعراب ولا شبيهةً بها، اتباعا

لعقد الناظم

والثالث المبنيُّ لقطعه عن الإضافة كـ (قبلُ) و (بعدُ) و (قدامُ) و (خلفُ) و (أمامُ)

و(علُ) و (أوَّلُ) و (غيرُ) وما أشبه ذلك فإنه أيضا لا تلحقه الهاء لشبه هذه الحركة

بحركة الإعراب من حيث كانت في آخر اسم يدخله الرفع والنصب والجر

فصار كالمعرب حقيقةً إذ هو اسمٌ متمكن فلا تقول (قبلُهْ) ولا (بعدُهْ) وإنما

تقف عليه على حد الوقف على المعربات

والرابع الفعل الماضي فلا تقول في (قامَ): (قامَهْ) ولا في (خرجَ):

(خرجَهْ) ولا نحو ذلك لأن حركته شبيهة بحركة الإعراب من جهة أنها

أشبهت حركات الأسماء المبنية على الحركات لتمكنها نحو (قبلُ) و (بعدُ) و (يا حكمُ)

وعلل سيبويه كون الفعل الماضي لا تدخله الهاء بأن آخره هو الذي يُعرَبُ في

المضارع لأن الماضي يتصرف حتى يصير مضارعا فيعربُ آخره فال ابن خروف: وكذلك كل حركة بناء للمزيّة لا تدخلها الهاء، لأن علتها علّة حركة الماضي

[107]

ص: 107

وبقي بعد هذا بيان الشذوذ الذي أشار إليه في المحرك بحركة بناء غير

مُدامٍ وقد ألحقوا الهاء في الوقف «عَلُ» فقالوا (مِنْ عَلُهْ) حكاه في

التسهيل ولم أستظهر عليه بشاهد فعليك البحث عنه وقد وجدتُ له شاهدا

في شرح ابنه لهذا النظم ولكني لم أقيِّده كما أحبُّ فتركتُه

وأما المسألة الثانية فهي مسألة البناء المستدام وذلك قوله «فِي الْمُدَامِ

اسْتُحْسِنَا» وهو على حذف العاطف والمدام على حذف الموصوف وضمير

«اسْتُحْسِنَ» عائد على «وَصْل» ** والتقدير: وفي تحريك البناء المدام استحسن

وصلُ هاء السكت، والمستَحسِن لذلك إما العربُ أو النحويون

واعلم أنّ ما فيه حركة البناء المدام على ثلاثة أقسام

أحدها أن يكون آخره محذوفا فلحقت الهاء جبرا لما حُذِف وصونا

عن تسكين ما قبله والثاني ألا يكون محذوفا منه إلا أن ما قبل آخره ساكن والآخر خفيٌّ في نفسه وهو النون أو ما أشبهها وهو الأكثر فيما قبله ساكن فألحقوا الهاء تبيينا للنون ولحركتها وكراهة لالتقاء الساكنين

[108]

ص: 108

والثالث ألا يكون محذوفا منه أيضا إلا أنّ الآخر حرف خفيٌّ أو ما

ألحق به فأرادوا أن يُبيِّنوا بلحاق الهاء، ويُقَوُّوا ما كان منها اسما على

حرفٍ واحد

وهذه الأقسامُ في القوة والضعف على هذا الترتيب فلحاقُ الهاء للأول

أقوى ثم يليه لحاقُها للثاني ثم لحاقُها للثالث والقسمان الأخيران هما

المشار إليهما في كلام الناظم

وأما الأول فقد تقدَّمَ فمن أحد القسمين قوله (هما ضاربانه) و (هم

مسلمونه) و (هم قاتلونه) ومنه أيضا: (هُنَّهْ) و (ضربتُنَّهْ) و (اعلمُنَّهْ) و (أينَهْ) و (إنَّهْ)

في (إنَّ) بمعنى (نَعَمْ) قال ابن قيس الرقيات

بَكَرَتْ عَلَيَّ عَواذِلي

يَلْحَيْنَنِي وأَلُومُهُنَّهْ*

ويَقُلْن شيبٌ عَلا

كَ وَقَد كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهْ

أنشد البيت الثاني سيبويه وأنشد قطرب لامرأة فَقْعَسِيَّةٍ في الهاء

اللاحقة للمثنى

فَعَلتُهُ لا تَنْقَضي شَهْرَيَنهْ

شَهْرَيْ ربيع وجُمادَ يَينهْ**

[109]

ص: 109

وأنشد ابن جني

أهكذا يا طَيْبَ تَفْعَلُونَهْ

أَعَلَلًا وَنَحْنُ مُنْهُلُونَهْ؟

وأنشد أيضا

اكسُ بُنيَّاتِي وأُمَّهنَّهْ

أُقسِمُ بالله لَتَفْعَلَنَّهْ

هذه كلها لحقتها الهاء لخفاءِ النون لضعفها ولالتقاء الساكنين والميمُ في

ذلك كالنون لأنها مثلها في الخفاء فقد قالوا (ثُمَّهْ) و (هَلُمَّهْ*) وأنشد سيبويه

قول الراجز

يا أيها الناسُ ألا هَلُمَّهْ

وقالوا (كيفَهْ؟ ) و (ليتَهْ) و (لعلَّهْ) وأجاز ذلك سيبويه وقال «لمّا لم

يكن حرفا يتصرفُ للإعراب وكان ما قبلها ساكنا جعلوه بمنزلة ما ذكرنا»

قال «وزعم الخليل أنهم يقولون (انطلقْتُهْ) يريد: انطلقت» وهكذا ينبغي

في (انطلقت) و (انطلقت) فتقول (انطلَقْتَهْ) و (انطلقته) وأبَى ذلك المبرد وردّ على

من أجاز هذا من وجهين أحدهما أن التاء فاعلة فهي في موضع الفاعل

[110]

ص: 110

المعرب. والثاني أنه يلتبس بالمضمر إن كان الفعل لا يتعدى فبضمير

المصدر وإن كان يتعدى فبضمير المفعول به قال: ويقوّي ذلك جوازُ

(ضاربانِهْ) و (مسلمونَهْ) وامتناع (يضربانِهْ) و (يسلمونَهْ) لأن هذه تلتبس وتلك لا

تلتبس. قال السيرافي: والقول عندي ما قال الخليل وسيبويه لأن سيبويه قد

حكى (ضَرَبْتُنَّهْ) .. وكذلك (اعلمُنَّهْ) ولو امتنع هذا لامتنع (ليتَهْ) و (لعلَّهْ)

لأن يلتبس باسمها، وقد حكاه سيبويه عن العرب وأما امتناع (يضربانِهْ)

و(يضربونَهْ) فسيذكر إثر هذا إن شاء الله تعالى

ومن ذلك أيضا قولك (غلامايَهْ) و (عصايَهْ) و (بُشرايهْ) و (قاضيَّهْ) * وقع

هذا في نسخة ابن السراج وقال: هذا كلُّه فاسد. قال ابن خروف: أراد

للّبس بالضمير. قال: وليس فيه لبس بضمير لأن ضمير الغائب لا يقع هنا

مع ضمير المتكلم

ومن القسم الثاني قولهم (غلامِيَهْ) و (جاء من بعدِيَهْ) و (ضرَبَنِيَهْ) وهذا

على من حرَّكَ الياء في الوصل أما من سكَّنها فإنما يقفُ بالسكون لأن الهاء

لا تلحق إلا المتحرك قال سيبويه «كرهوا أن يسكنوها إذْ لم تكن حرف

الإعراب وكانت خفيَّةً فبيَّنُوها» وحسَّن أيضا لحاق الهاء هنا أنّ الياء اسم

[111]

ص: 111

فكرهوا أن تكون على حرف واحد ثم يضعفوها بالإسكان ومما أُجرِي

مجرى الياء قولهم (هِيَهْ) و (هُوَهْ) شبهوا ياء (هي) بياء (بعدي) وكرهوا في واو (هو)

أن يلزموها الإسكان في الوقف فجعلوها بمنزلة الياء كما جعلوا (كَيْفَهْ)

كـ (مسلمونَهْ) أيضا وقالوا (خُذْه بحُكْمِكَهْ) ومن المسموع في ذلك قول الله

تعالى {هاؤم اقرأوا كتابيَهْ إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابيَهْ} و {يا ليتني لم

أوتَ كتابيَهْ ولم أدْرِ ما حِسابيَهْ} وقال {ما أغنى عني ماليَهْ هلك عني

سلطانيَهْ} وقال {وما أدراك ما هيَهْ} وأنشد السيرافي

إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغلامُ

فليس يُقالُ لهُ: مَنْ هُوَه؟

وقال ابن قيس الرقيات

تبكيهمُ دَهْمَاءُ مُعْوِلةٌ

وتقول سلمى: وَارَزيَّتِيَهْ

إلى هذا النحو أشار الناظم بقوله «فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا»

أما المسألة الثالثة فإن هذه الهاء لا تلحقُ ساكنا وإنما تلحق المتحرِّك

وذلك مستفاد من هذا الكلام؛ إذ قال (وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا

) أي:

[112]

ص: 112

بتحريك بناءٍ غير مدامٍ، كما تقدم تقريره في المسألة الأولى ووجه ذلك

ظاهر مما تقدم؛ إذْ كانت الهاءُ إنما لحقت لبيان الحركات والساكنُ لا حركة

فيه. وأيضا فلحِقتْ لئلا يلتقي ساكنان وهذا يقتضي أن لا تلحق إلا المتحرّك

فإذا ما جاء من لحاقها لما آخره ساكن فقليل ولا يكون الساكنُ مع قلته إلا

الألف وذلك قولهم (هؤلاهْ) و (هَهُناهْ) قال سيبويه «واعلم أنهم لا يُتبعون

الهاء ساكنا سوى هذا الحرف الممدود - يعني الألف - لأنه خفِيٌّ فأرادوا البيان

كما أرادوا أن يُحرّكوا ولا يجوزُ أن تلحق ما في آخره ياءٌ أو واواٌ

وغيرها من السواكن إلا ما تقدم ذكره في الندبة من لحاقها الألف والواو والياء

لِما أرادوا هنالك مِنْ مَدِّ الصوت» **

فإن قيل إن لحاق الهاء مَدَّة الندبةِ قياس مُطَّرد وهو مُختصٌّ

بالوقف كهذا الموضع فلِمَ أشعر هنا بأنها لا تلحقُ إلا المتحرك فظهر أن باب

الندبة يدخلُ الاعتراض عليه

فالجواب أنه إنما تكلم هنا على غير الندبة إذ قد تقدّم الكلام عليها

فهو لا يريدُها هنا أصلا وإلا كان تكرارا

المسألة الرابعة أن هذه الهاء لا تلحق حركة الإعراب وإنما هي

مختصّةٌ بحركة البناء المستدام كما أخبر أولا وأشعر بهذا من كلامِه

[113]

ص: 113

تخصيصُه حركة البناءِ باللحاق المذكور فدلّ على أن غير حركة البناء عنده على

خلاف ذلك وإلا لم يكن لتخصيصه حركة البناء دون غيرها فائدة وأيضا إذا

كان ينفي* لحاقها عن حركة البناء غير المستدام فأنْ ينفيه عن حركة الإعراب

أحرى وأولى وأيضا قد يُقال إن حركة الإعراب قد دخلت له تحت قوله: غير

تحريك بناء أُديم. وقد تقدم تقريره وإذا كان كذلك بقي علّة* عدم لحاقها لحركة

الإعراب ووجهُ ذلك أن المعرب يتصرف بوجوه الإعراب ويوقف على التنوين

منه حالة النصب فجعلوا هذا كالعوض من الهاء مع أنهم أرادوا أن يفرقوا

بين الحركتين

واعلم أنّ معنى قولِ من يقول: إنّ هاء السكت لا تلحق معربا أنها لا

تلحق حركة إعراب فقد يكون الاسم معربا والهاء تلحقه مع ذلك لأن الحركة

التي في آخره ليست حركة إعراب كـ (مسلمان) و (مسلمون) ونحوهما مما تقدم

فإنه معرب مع أن الهاء تلحقه فتقول (مسلمانِهْ) و (مسلمونَهْ) وقد توهم ابن

خروف خلافَ هذا وذلك أن المبرد أجاز في بَيْتَيْ سيبويه وهما

هُمُ القائلون الخير والآمرونَهُ

إذا ما خشُوا** من محدث الأمر معظما وقوله

[114]

ص: 114

ولم يرتفق والناسُ محتضرونَهُ

جميعا، وأيدي المعتفين رواهقه

أن تكون الهاءُ هاءَ السكت ثم شبهت بهاء الضمير فوصلت وحُرِّكت لأنه

لا يُجمَع بين هذه النون وهاء الضمير فردّ عليه ابن خروف بأن هاء السكت

لا تلحقُ معربا بوجه وإنما تلحق الأسماء المبنية فنسي* قول سيبويه أن

هذا** الهاء تلحقُ هذه النون وإن كان الاسم الذي قبلها معربا قال ابن الضائع:

وغلَّطه في ذلك إطلاقُ* النحويين أن هذه الهاء لا تلحق معربا قال وإنما يريدون

لا تلحق حركة إعراب وليست حركة هذه النون حركة إعراب

فإن قيل: فلِم امتنع في «يضربان» لحاق الهاء وفي (يضربون)

وجاز في (ضاربان) وفي (ضاربون) مع أن النون فيهما لم تتحرك بحركة إعراب؟

فالجواب ما قاله ابن الضائع من أنّ النون في (يضربان) و (يضربون)

علامةُ الرفع كالضمة في (يضربُ) وهذه الهاء لا تلحقُ علامة إعراب قال:

ولذلك قال سيبويه: إن الهاء إنما تلحق هذه النون التي ليست بحرف

إعراب، ليس يعني بحرف الإعراب أنّ فيها حركة إعراب بل يعني أنها

نفسها الإعراب وقد تم النظرُ في المسائل الأربع بتمام النظرِ في كلام الناظم، والله المستعان

* * *

[115]

ص: 115

وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا

لِلْوَقْفِ نَثْرًا، وَفَشَا مُنْتَظِمَا

يعني أن العرب قد تُجرِي الوصل مجرى الوقف فتعامل الكلمة في

الوصل بما تعاملها به لو وقفت عليه من إسكان آخر الكلمة أو تضعيفها أو غير

ذلك من الأحكام المختصة بالوقف لكن هذا قد يأتي في النثر كما قال وقد

يأتي في النظم وإتيانه في النثر قليل لأنه على خلاف الأصل وأكثره

ضرورة والضرورة إنما تختص بالشعر ولذلك أتى الناظم فيه بـ (ربما) المفيدة

للتقليل والندور وأما إتيانه في النظم فكثير لأن النظم محل الخروج عن

القياس ومحل ارتكاب الضرورات

وأما إجراء الوصل مجرى الوقف في النثر فمنه قراءة البزِّي

{وجئتك من سبأْ بنبأ يقين} بإسكان همزة {سبأ} إجراءً للوصل مجرى

الوقف هذا هو الظاهر في هذه القراءة وقد قيل مثل ذلك في قراءة من

قرأ {يؤدِّهْ إليك} و {نُولِّهْ ما تولى ونُصلِهْ جهنَّم} و {نؤتِهْ منها}

[116]

ص: 116

وهي قراءة حمزة وأبي عمرو وأبي بكر في هذه الألفاظ المذكورة

وكذلك قراءة من قرأ {فألقِهْ إليهم} {يتَّقهْ} {ومَنْ يأتِهْ مُؤْمِنا}

وسائر هذا الباب حمَله بعضُ الناس على أنه من إجراء الوصل مجرى الوقف

والأشهر في هذه الأشياء غير هذا التعليل

ومن ذلك قراءةُ من قرأ {ما أغنى عنِّي ماليَهْ هلك عنِّي سلطانيهْ}

وقوله {وما أدراك ما هيَهْ} بإثبات الهاء وصلا ووقفا وهم من عدا

حمزة وما ذاك إلا إجراءُ الوصل مجرى الوقف وحكى سيبويه من كلامهم

(ثلاثة** أربعة**) ** بإبقاء هاء (ثلاثة) هاءً على حالها في الوقف ونقل حركة

همزة (أربعة) إليها

ومنه أيضا في الأظهر قراءة حمزة {ومكر السيِّئْ ولا يحيق}

بإسكان الهمزة في الوصل وذلك إنما يكون في الوقف لكنه أجرى الوصل

مجرى الوقف وبعض العرب يُبدل ألف المقصور في الوقف واوا ومنهم من

يبدلها فيه ياءً حكى ذلك سيبويه ثم حكى أن طيئا يدعون الألف في الوصل

كما كانت في الوقف فيقولون (أفعَىْ) في الوقف فإذا وصلوا فعلوا ذلك أيضا

فقالوا (هذه أفعَىْ يا هذا) وبعضهم يقولون (هذه أفعَوْ يا فتى) بالواو في

الوصل أيضا فزعم المؤلف أنه من إجراء الوصل مجرى الوقف قال في

[117]

ص: 117

كتاب التسهيل «ومنه إبدالُ بعض الطائيين في الوصلِ ألف المقصور واوا

وعلى هذه اللغة يمشي ما روي عن الحسن أنه قرأ {يومَ يُدْعَوْ كلُّ أناس

بإمامهم} ببناء {يُدْعَوْ} للمفعول والواو ساكنة» ** قال ابن جني «هذا

على لغة من أبدل الألف في الوصل واوا نحو: أفْعَوْ وحُبْلَوْ» قال «وأكثر

هذا القلب إنما هو ف الوقف؛ لأن الوقف من مواضع التغيير» قال «وهو

أيضا في الوصل محكي على حاله في الوقف» وعلى هذا أيضا حمله ابن

خروف

ومن ذلك قراءة نافع وابن عامر وعاصم {وتظنُّون بالله الظنونا}

و{الرسولا} و {السبيلا} بالألف في الوصل إجراء له مجرى الوقف

وكذلك قراءةُ ابن عامر {لكنا هو الله ربي} بإثبات الألف وصلا

وهي عند البصريين ألف «أنا» لأن الأصل (لكنْ أنا) وكذلك قراءة نافع

{أنا أُحيي} {فأنا أوّلُ} بإثبات الألف في الوصل

[118]

ص: 118

وقد يكون من هذا القبيل قراءة نافع {ومحيايْ ومماتي لله}

بإسكان الياء من {محياي} وصلا وقراءة أبي عمرو والبزِّي {اللايْ}

بالياء ساكنة في الوصل أيضا وقراءة الحسن {حاشْ لله} بإسكان

الشين وصلا

وقد جاء من هذا النحو شيء صالح يكفي هذا منه إلا أن مع الناظم فيه

متكلما وذلك أنه أتى في كلامه بـ (ربّما) المقتضية للتقليل الندور* وأنت قد رأيت

أن الذي جاء من ذلك ليس بنادر إذ أكثره قد قُرئَ به ومنه ما هو لغة

لبعض العرب وقد مرَّ من عادته أنَّ ما قُرئ به لا بد أن يستنبط له قياسا

جاريا في أمثاله وإن كان قليلا أجرى القياس فيه على قلته ولم يجعله

مسموعا نادرا وقد جعل في التسهيل تحقيق الهمزتين مع الاتصال لغى

ولم ينقلها أحد لغةً وإنما نُقل من ذلك ألفاظ شاذة، نعم جاء في القرآن

{أئمة} بتحقيق الهمزتين قراءةً عن الكوفيين وابن ذكوان

[119]

ص: 119

قال شيخنا القاضي رحمه الله: جعل ذلك لغة للقرآن أدبا مع القرآن

أن يجعل ما نُقل فيه قراءة شاذة أو مخالفة لكلام العرب فكيف يجعل هذا الذي

تقدم ذكره - مع كثرته وأن أكثره من القرآن ومن المنقول عن الأئمة - نادرا؟ !

هذا خارج عن مقتضى طريقته كما تقدم وأيضا إن أجرينا طريقته هنا في

جعله لغة الطائيين جارية في الوصل على طريقة وقف غيرهم انفسح لنا

في ذلك مجال من السماع رَحْب وذلك أن قراءة من قرأ {نوله}

و{نُصلِهْ} و {يرضَهْ} وما أشبه ذلك ما قبلَ الهاء فيه سكان في الأصل

حُذف للجزم أو للوقف جارية على طريقة بعض العرب في ذلك إذ هذه**

الهاء فيها للعرب ثلاثة أوجه: التحريك باختلاس وبإشباع والتسكين

ولا شك أن التسكين أقلها فنحملها على إجراء الوصل مجرى الوقف ولا

يصادمنا في هذا التأويل تعليلهم بأن الهاء وقعت موقع ساكن محذوف فأسكنت كإسكانه كما لم يصادمه هو في لغة الطائيين ما علل به سيبويه من أنهم أبدلوا الألف واوا وياءً لخفاء الألف فأرادوا بيانها إذ كانت الألف خفية؛ فإن هذه التعليلات يصح أن يعلل بها إجراء الوصل مجرى الوقف إذ هو على خلاف القياس فيقال: لم أُجريَ الوصلُ مجرى الوقف في مسألة كذا؟ فيجاب بعلة يقتضيها الموضع على هذه الطريقة يجري* أيضا ما حكاه

[120]

ص: 120

السيرافي أن من العرب من يقول (اشترْ ثوبا) و (اتقْ زيدًا) وأنشد على

ذلك

ومن يتَّقْ فإنَّ الله مَعْهُ

ورزقُ الله مؤتابٌ وغادِ

وأنشد أيضا

قالت سُليمى: اشترْ لنا دقيقا

ومن ذلك هاء الضمير بعد متحرك نحو (بِهْ) و (لَهْ) يسكنها قوم من

العرب حكاها الأخفش لغة عن أزْدِ السراة وحكاها المؤلف في «التسهيل»

عن بني عُقَيل وبني كلاب وعلى ما حكى الأخفش حكى ابن جني

وأشرب الماءَ ما بِي نَحْوَهْ عَطَشٌ

إلا لأنَّ عُيونَهْ سَيْلُ وادِيها

وقولَ الآخر وهو رجلٌ من أزْدِ السراةِ

فَظِلْتُ لدى البيت العتيق أخيله

وَمِطْوَاي مُشْتَاقَانِ لَهْ أرقانِ

[121]

ص: 121

هذه اللغة لا ما نع من ادعاء إجراء الوصل فيها مجرى الوقف بل

الظاهر على ما قال أنها كذلك وكذلك تسكين واو (هُوَ) وياء (هيَ) في الوصل

حكاها المؤلف عن قيس وأسد وحمل على ذلك قول الهذلي

إنَّ سَلْمَى هِيَ المُنَى لو تُواتِي

حَبَّذا هِيْ من خُلَّةٍ لو تُخالِي

وأنشد المؤلف

وركضُك لولا هو لقيتَ الذي لَقُوا**

فأصبحتَ قد جاوزتُ قومًا أَعَادِيا

وقال متمم بن نويرة

أَدَعَوْتَه بالله ثُمَّ غَرَرْتَهُ

لَوْ هُوْ دَعَاكَ بذمَّةٍ لم يَغْدُرِ

وقرأ أبو جعفر والزهري {ثُمَّ اجعلْ على كلِّ جبل منهنَّ جُزّا}

بتشديد الزاي من غير همز قال ابن جني: خفف الهمزة على قولك

(الخبُ) في (الخبْء) وإذا خُفِّفَ فلك الوقف بالتشديد فتقول (الجُزُّ) ثم إنه

وصَل على وقفه فقال (جُزًّا) فهذا من إجراء الوصلِ مجرى الوقفِ على قولهم:

[122]

ص: 122

ببازلٍ وجناءَ أَوْ عَيْهَلِّ

كما سيُذكر إلى أشياء من هذا النحو لا أقدر على حصرها وقد جرى

في التسهيل على هذا السبيل فأتى بـ (ربّما) في هذه المسألة فقال «ويجري**

الوصلُ مجرى الوقفِ اضطرارا وربما أجري** مجراه اختيارا» والجميع

مشكل لما ثبت في المسألة من السماع الفاشي الذي لا يقال في مثله ولا فيما

قاربه إن نادر، ولا يقلَّلُ بـ (ربّما)، وللنظر في المسألة مجال واسعٌ مضاف إلى

كلام الناظم هنا وفي التسهيل وغيرهما من كتبه لا أقدر على استيفائه الآن

وأما إجراء الوصل مجرى الوقف في النظم وهو الذي ذكر فيه أنه فاش

كثير، فمنه جميع ما تقدم من الأبيات فإنها محمولة في النظم على إجراء

الوصل مجرى الوقف منصوص عليها أو على أكثرها في ذلك الحكم ومن

ذلك أيضا قولُ امرئ القيس

فاليوم أشْرَبْ غير مستحقبٍ

إثما من الله ولا واغِلِ

أنشده سيبويه وأنشد ابن جني:

فاحذَرْ ولا تَكْثَرْ كريًّا أعوجا وأنشد سيبويه:

[123]

ص: 123

إذا اعْوَجَجْنَ قلتُ: صاحبْ قَوّمِ

بالدوّ أمثالَ السَّفين العُوَّمِ

وقال وضاح اليمن

إنما شعري شُهد

قد خُلِطْ بِجُلْجُلانِ

ومنه إثبات ألف «أنا» في الوصل قال الأعشى

فكَيْفَ أنا وانتحالَ القَوافيَ بَعْدَ المَشيبِ كَفَ ذاكَ عارا

وقال آخر

أنا سيفُ العشيرةِ فاعرفُوني

حُميدًا قد تدرّيتُ السَّنَاما

وقال أبو النجم

أنا أبو النجم وشعرِي شعرِي

ومن ذلك ما أنشده سيبويه من قول رؤبة

لقد خشيتُ أن أرى جَدَبَّا

في عامنا ذا بعدما أَخْصَبَّا

[124]

ص: 124

يريد (جَدْبًا) و (أحصَبت) وأنشد غيره بعده

إن الدَّبا فوق المِتان دبَّا

وَهَبَّت الريح بِمُورِ هَبَّا

تترك ما أبقى الدَّبا سَبْسَبَّا

كأنه السيلُ إذا اجْلَعَبَّا

أو الحريقُ وافقَ القَصَبَّا

يريد (سَبْسَبًا) و (القَصَب) وأنشد سيبويه أيضا لرؤبة

ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا

يريد (الأضخَمَ) وأنشد الفارسي ومنه ما أنشده سيبويه لرجل من بني

أسد

فَسَلِّ وَجْدَ الهائم المعتلِّ

ببازلٍ وجناء أو عَيْهَلِّ

كأنَّ مهواها على الكَلْكلِّ

مَوْقِعَ كَفَّي** راهب يُصَلِّي

يريد (العَيْهلِ) و (الكَلكَلِ) أنشد أحمد بن يحيى:

[125]

ص: 125

مَنْ لي من هِجران ليلى مَنْ لِي

والحبلِ من حِبالها المُنْحَلِّ

تَعَرَّضَتْ لي بمكانٍ خِلِّي

تعرض المُهْرة في الطِّوَلِّ

يريد (الطِّوَل) وانشد ابن جني مما أنشده أبو علي وغيره

والحبل من حبالها المنحلِّ

يريد (المنحل)

ترى مَرَاد نِسْعِها المُدْخلِّ

بين رَحَ الحيزومِ والمَرْحَلِّ

مثْل الزّحالِيف بنَعْفِ التَّلِّ

يريد (المُدْخَلَ) و (المَرْحَلَ) وفيها

ومُقْلَتان جَوْنَتَا المِكْحَلِّ

أثبت الشاعرُ التشديد مع دخول ألف الإطلاق وكان حقه أن يخفف

لأن التشديد من شأن الوقف ليعلم أن الحرف في الوصلِ متحرك فإذا

[126]

ص: 126

اتصل الحرف بحرفٍ بعده فظهرتِ الحركةُ وجبَ زوال التشديد لكنهم

أبقوه إجراءً للوصلِ مجرى الوقف وعلى هذا المعنى يجري القول في بيتي

سيبويه وهما قوله

هُمُ القائلون الخير والأمرونَهُ

وقوله

ولم يرتفق والناس محتضورنَهُ

على أن الهاء للسكت وهو مختص بالوقف لكن ألحق الهاء حرف اللين

كما ألحق المشدد حرف الإطلاق فيما تقدم وكذلك قول الآخر

يا مرحباهُ بِحمارِ ناجيَهْ

إذا دنا قَرَّبتُه للسانِيَهْ

وقول امرئ القيس

وَقَدْ رابني قولُها يا هَنَا

هُ وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شرًّا بِشَرّ

هو من هذا عند طائفة

والذي يُرجَع إليه في هذه المسألة أنّ جميع ما تقدَّم من المنثور لا

يتعيّن فيه ما تقدّم من إجراء الوصل مجرى الوقف وإنما يثبت ذلك في

[127]

ص: 127

بعضها مما يعدُّ نادرًا كما قال ولئن سلّمنا جميع ما تقدم فإنه يبعدُ القياس

على مثله لانتشار قياسه وعد ضبطه ولم يزل النحويون يذكرون ذلك ويعدونه

نادرا فليس ببِدْعٍ ما قاله الناظم هنا

وقول الناظم «وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ» إلى آخره، لفظُ (الوصلِ)

أي: اللفظ الذي هو مختصٌّ بالوصل فأضافه إليه لاختصاصه به، و «ما»

مدلولها الحكم، و (للوقف): صلة «ما» ، كأنه قال: وربما أعطي اللفظُ الذي

يختصُّ بالوصل الحكم الذي استقرَّ للوقف. و «نثرًا» مصدرٌ في موضع

الحال، وخو حال من «لفظ» أي: حالة كونه ذن نَثْر، أي: واقعا في النثر.

وقله «وَفَشا» الضمير فيه عائد على الإعطاء المفهوم من «أُعطِي» على

حدِّ {وإنْ تشكروا يرضَهُ لكم} و «منتظما» حال منه، أي: فشا

إعطاءُ لفظ الوصلِ حكم الوقف حالة كونه منتظما. ولا يعود على «لفظ» ولا

على «الوصل» ولا على «الوقف» إذْ لا يصحُّ له معنًى يستقيمُ. والعبارةُ

الجارية في النظمِ أن يُقالَ: منظومًا لا مُنْتَظِمًا، لكن المعنى حاصلٌ منه.

* * *

[128]

ص: 128