الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التصريف
هذا الباب هو الشطر الثاني من شطري علم النحو، وهو أغمضهما
وأشرفهما عند أهل هذا الشأن، لما فيه من الفائدة العائدة عليهم في تصرفات
كلام العرب، ولأجل ذلك خصه كثير من النحويين بالتأليف على الاستقلال
كالمازني والمبرد وابن جني وغيرهم ممن لهج به، وأغرق في النظر
فيه، وقد أطنبوا في مدحه بما هو مذكور في مواضعه.
ولم يَحُدَّ الناظمُ التصريفَ، وكان من حقِّه هذا، وقد حدَّه في التسهيل
بأنه: «علم يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة، وصحة وإعلال،
وشبه ذلك».
فقولُه: علم، هو الجنس الأقرب، إذ التصريف المراد حده من جنس
العلوم. وقوله: يتعلق ببنية الكلمة، هو معرفة أبنية الأسماء والأفعال.*
وأعداد حروف تلك الأبنية من ثلاثي ورباعي وما فوق ذلك، وما هو منها
مجرد من الزيادة أو مزيد فيه، وكيف يوزن بالتفعيل؟ وكيف بناءُ ما يُبنى منها
إن أُطلق القياسُ فيها، أو سُوِّغ للتدرُّب والامتحان، ونحو ذلك.
[218]
وقوله: وما لحروفها من أصالة وزيادة، أي: وما لحروف تلك الأبنية من
أصالة، يعني حيث تكون أصولا لا زوائد، وزيادة، يعني حيث تكون الزوائدُ
في تلك الأبنية، وأين تزاد؟ وما الذي يُزاد؟ وما الذي لا يُزاد؟
وقوله: وصحة وإعلال. يعني بالصحة إقرارَ الحرف على وضعه الأصلي
كالياء في بياض وأبيضَ، والواو في سواد وأسود وبالإعلال: تغييرَ الحرف عن
وضعه الأصلي كالواو في قام وأقام، وعاذ عياذا، والياء في أبان وموقن وبائع
ونحو ذلك.
وقوله: وشبه ذلك يعني كالقلب والحذف، نحو: لاثٍ في لائث، أينُق في
جمع ناقة. وحذف واو يَعِدُ، وتَعِدُ، ونَعِدُ، وعِدَةٍ وزِنَةٍ. وما أشبه ذلك.
فهذه هي أجزاء التصريف قد نبه عليها، ومعرفة ذلك كله هو علم
التصريف.
وللكلام في هذا التعريف مجال رحب، وليس هو المقصود ههنا، لأنه
لا يتعلق بلفظ الناظم، وإنما تعلق بكلامه منه تفسيرُ لفظ التصريف على
الجملة، فلأجل ذلك أتيتُ به.
ثم إنّ في لفظه لفظين، وهما الصَّرفُ في قوله:«مِنَ الصَّرْفِ بَرِي» ،
والتصريف في قوله: «بِتَصْرِيفٍ حَرِيّْ» ، والظاهر أنه أراد بهما واحدا، بل
لا شك في هذا. واللفظ المصطلح عليه إنما هو التصريفُ لا الصرفُ،
فاستعماله لفظَ الصرف تسامحٌ اعتبارا بأصل المعنى لأن «صَرَّف» الذي
مصدره التصريف مبالغة في «صَرَفَ» الذي مصدره الصرف، وإنما سُمِّي
[219]
هذا العلم تصريفا من التصريف الذي هو التقليبُ، وتقول: صرفت الرجلَ في
أمري: إذا جعلتَه يتقلّبُ فيه بالذهاب والمجيء. وصروفُ الدهر: تقلباتُه
وتحوّلاتُه من حال إلى حال فهذا العلم فيه هذا المعنى من جهتين:
إحداهما: من جهة مُتَعَلَّقه؛ إذ هو مُتَعلِّق بالتصرفات الموجودة في
الألفاظ العربية، فقول العربي: ضرب، ويضرِب، وضار، ومضروب،
واضطرب، وما كان نحو ذلك تصريفٌ للمصدر الذي هو الضرب، وهو مُتَعلَّق
نظر صاحب هذا العلم، فينظر في هذه التصرفات، في الزيادة والنقصان،
والصحة والإعلال، وشبه ذلك، فقيل للعلم المتعلِّق بهذا التصريف: تصريفٌ،
تسميةً له باسمِ متعلَّقِه.
والجهةُ الثانيةُ جهةُ فائدتِه، وهو: انتحاءُ سمتِ كلامِ العرب بالبناء مثل
أبنيتها والتصرف في الكلام بنحوٍ من تصرف العرب. وإلى هذا المعنى ردّ
ابن جني وغيرُه حقيقة التصريف المبوَّب عليه؛ إذ قال: «إن التصريف هو أن
تجيء إلى الكلمة الواحدة فتُصرِّفَها على وجوهٍ شتَّى، مثالُ ذلك أن تأتي
إلى ضَرَب، فتبني منه مثْلَ جعفر، فتقول: ضَرْبَبٌ، ومثل قِمَطْر: ضِرَبٌّ،
ومثل دِرْهم: ضِرْبَبٌ، ومثل عَلِم: ضَرِبَ، ومثل ظَرُف: ضَرُب». قال: أفلا
ترى إلى تصريفك الكلمة على وُجوهٍ كثيرةٍ». فحدَّه كما ترى بفائدته**، وعلى
ذلك نصَّ في كتاب الخصائص، فذكر أن الغرض من مسائل التصريف على ضربين:
[220]
أحدهما: الإدخال لما تبنيه في كلام العرب والإلحاق له به. ومثّله بما
ذكر في الحدّ.
والآخر: التماسُكَ الرياضة به والتدرُّب بالصنعَةِ فيه. ومَثَّله بأن تَبْنِيَ من
شَوَيتُ مثل فَيْعَلولٍ، فتقول: شَيْوَوِيٌّ، ونحو ذلك.
فكلاهما راجع إلى معنى واحد، إلا أن أحدهما في الصحيح والآخر في
المعتل وإذا كان كذلك فالصرفُ الذي ذكره الناظمُ من معنى التصريفِ
المصطَلح عليه، لكن على لحظ الأصل. ولذلك صح أن يُطلِق عليه صرفا، وإلا
فكان يكون إطلاقُه الصرف عليه اصطلاحا ثانيا، ولا يُحمَل على هذا ما أمكن.
ثم نرجعُ إلى تفسير كلامه، فأولُ ما قال:
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنِ الصَّرْفِ بَرِي
…
وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِيّْ
فبيَّن أولا موضوعَ علم التصريف، وموضوعُ كلِّ علمٍ ما يُبحث في
ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، كما تقول: موضوعُ علم العروضِ الشعرُ،
وموضوعُ علمِ اللغة مفردات كلام العرب؛ فكذلك تقول: موضوع علم التصريف
الأسماءُ المتمكنة والأفعال المتصرفة. وما ليس باسمٍ متمكِّن ولا فِعْلٍ متصرفٍ
فليس بموضوعٍ له. فالأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة يُبحث في هذا العلم
عن عوارضها التي تلحقها في التقلبات من الزيادة والنقصان، والصحة
والإعلال، بالقلب والإبدال ومحالِّها وشروطها وموانعها وأسبابها وشبه
ذلك. فيعني أنّ التصريفَ لا يدخل في الحروف البتّة، ولا يدخل أيضا فيما
أشبه الحروف، وحَصَر هذا في قسمين أما الحروفُ فعدمُ دخولِ التصريف
[221]
فيها ظاهر لأنها مجهولةُ الأصول، موضوعةٌ وَضْعَ الأصوات، لا تُمَثّل بالفاء
والعين واللام؛ إذ لا يعرف لها اشتقاق ولا تصريف فلو قال (لك) قائل: ما
مثالُ هَلْ أو قَدْ أو حَتَّى أو هَلَّا، أو نحو ذلك من الفعل لكانت مسألته
محال؛ إذ لا يُمثّلُ مثلُ هذا إلا تنقله بالتسمية إلى الاسمية، فحينئذ يجري
مجرى سائر الأسماء المتمكنة من التمثيل بالفعل، فأما وهي على
أصلها من الحرفية فلا تُصرّف. ولهذا المعنى المقرر كانت الألفات في
أواخر الحروف أصولا غير زوائد ولا منقلبة من واو ولا ياء، نحو: ما ولا
وحتى ويا ونحوها، (لا تقول: إن الألف فيها منقلبة كالألف في عصى ومضي*
ونحوهما)، لأنها لو كان أصلها الواو أو الياءَ لظهرتا لسكونهما
كما ظهرتا في مثل: كَيْ وأَيْ ولَوْ وأَوْ، فلو كان أصلُ ألفِ ما الواو لقلت
مَوْ، كما قلت: لَوْ. أو كان الياء لقلت: مَيْ، كما قلت: كيْ لأنها إنما تُقلَبُ
إذا كانت متحركةً وقبلها فتحةٌ على ما يأتي في موضعه إن شاء الله، وهي في
الحروف ساكنةٌ كلام هَلْ وبلْ، ودال قَدْ. فقد بطل أن تكون منقلبة. وأيضا لو
قال قائل: إنّ الألفات في أواخرها زوائد، لم يصحَّ؛ لأنّ الزيادة والأصالة
إنما تُعرف بالتصريف والاشتقاق، والحروفُ لا يكون ذلك فيها فقد ثبت في
الحروف وصحَّ أنّ التصريفَ وأحكامَه لا تدخلها.
وأما ما أشبه الحروف فهو متضمِّنٌ نوعين من الكَلِم:
[222]
أحدهما: الأسماء غير المتمكنة، وهي التي أشبهت الحروفَ من جهةٍ
من تلك الجهات التي تقدَّم ذكرها في باب المعرب والمبني، وهي أربع:
شبهٌ معنوي، وهو ما تضمن معنى الحرف كأسماء الشرط وأسماء
الاستفهام، نحوُ: مَنْ ومتى وأين.
وشبهٌ وضعي، وهو ما وُضع وَضْع الحرف في كونه على حرفٍ واحد أو
على حرفين ثانيهما حرفُ لين، مثالُ ما هو على حرفٍ واحد التاءُ في: جئتُ
وجِئْتَ، والكاف في: ضربك ومنك ولك ومثال ما هو على حرفين ثانيهما حرف
لين: نا في ضرْبنا* وضربَنا وبِنا وها في ضرَبها وكذلك ما الاسمية
على أيّ وجهٍ كانت
وشبهٌ افتقاري وهو ما كان مفتقرا لغيره في بيان معناه كأسماء
الإشارة الموصولات والمضمرات أيضا فإنها في أصل وضعها مفتقرة إلى ما
يبين معناها
وشبه من جهة عدم قبولها التأثر بالعوامل مثاله مه وصه ونزال
وإيه وهيهات وسائر أسماء الأفعال
فجميع هذا مما أشبه الحرف لا يدخلها تصريف كما قال لأنها
منزلة منزلة الحروف ألا ترى أن كم ومن وإذا ومذ سواكن الأواخر كهل
وبل وقد وعن ومن ومن هنالك لا تصح أن تكون الألف في متى وإذا
وأتى وإيا في إياك وألى وجميع ما آخره ألف منها إلا غير منقلبة من ياء
[223]
ولا واو كما أن الألف في حتى وكلا غير منقلبة أيضا فهذه الأسماء بمنزلة
الحروف كما قال من كل وجه
والنوع الثاني الأفعال غير المتصرفة وهي التي لم تختلف أبنيتها
لاختلاف الأزمنة نحو ليس وعسى ونعم وبئس فهذه الأربعة إنما ادعي
كونها أفعالا لجريان بعض أحكام الأفعال عليها وإلا* فكان الظاهر عندهم أنها
حروف فعسى ولعل أخوان من جهة المعنى وكذلك ليس ما وقد ادعي في
ليس أنها حرف اعتماد على مرادفتها لما وكذلك سائرها فهي في الحقيقة
تدل على معنى في غيرها فكانت مثلها في امتناع دخول التصريف فيها
وقوله بري أصله بريء فحذف الهمزة منه ومثل هذا في
الكلام نادر فحكي جاء يجي* ونحو من ذلك قليل وهي لغة ويحتمل أن
يكون بري في كلامه فعلا ماضيا سهل همزته ثم وقف عليها بالإبدال*
وهو من قولهم برئت لك من كذا وبريت من الدين براءة
ولما نفى التصريف عن هذين النوعين بقى* ما عداهما يدخله التصريف
فذكره ونص على ذلك فيه بقوله وما سواهما بتصريف حري وحر معناه
خليق يقال هو حر بكذا وحري بكذا وحرى* به أي خليق وحقيق وجدير
به وقمن وقمن وقمين هذه كلها بمعنى واحد ويعني أن ما عدا الحرف وشبهه
من الكلم يدخله التصريف والذي هو سوى ما ذكر نوعان
[224]
أحدهما الأسماء المتمكنة وهي المعربة نحو رجل وفرس وكساء
وأحمر
والثاني الأفعال المتصرفة وهي المختلفة الأبنية لاختلاف الأزمنة نحو
ضرب وخرج ومات ورمى لأنك تقول ضرب ويضرب واضرب وخرج
ويخرج واخرج ومات ويموت ومت ورمى ويرمي* وارم وما أشبه ذلك
فهذان النوعان هما اللذان يدخلهما الحكم بالأصالة والزيادة والصحة
والإعلال وتوزن بالفاء واللام والعين فتقول ضرب وزنة فعل وحروفه كلها
أصول ومات وزنه فعل وأصله موت تحركت الواو فيه وانفتح ما قبلها
فانقلبت ألفا وقولك يموت الياء فيه زائدة لتدل على المذكر الغائب وكذلك
سائر الأفعال ومثل ذلك في الأسماء أيضا فتقول زيد وزنه فعل وهو
ثلاثي وكله أصول ودار وزنه فعل وأصله دور فانقلبت الواو ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها وسماء وزنه فعال والألف زائدة والهمزة
أصلها الواو لأنها مشتقة من سما يسمو فانقلبت همزة لوقوعها طرفا بعد
ألف زائدة وكذلك سائر الأسماء المتمكنة ولك أن تبني على أمثلتها وتبني
منها على ما سيذكر بعضه بعد هذا إن شاء الله تعالى فقد ظهر دخول
التصريف في هذين النوعين وامتناعه من النوعين الأولين إلا أن على
الناظم هنا دركا من أوجه ستة
أحدهما أنه أغفل إخراج الأسماء الأعجمية عن حكم التصريف
والناس قد عدوها من الأمور التي لا يدخلها التصريف كما لا يدخلها
[225]
اشتقاق قال ابن جني فأما الأسماء الأعجمية ففي حكم الحروف
لامتناعها من التصريف والاشتقاق ولأنها ليست من اللغة العربية قال
وإذا كان ضرب من كلام العرب لا يمكن فيه الاشتقاق ولا يسوغ فيه التصريف
يعني التصريف العربي مع أنه عربي فالامتناع من هذا أولى وهو به
أحرى لبعد ما بين العجمية والعربية ألا ترى أنك لا تجد لإبراهيم ولا
لإسماعيل ونحوهما اشتقاقا ولا تصريفا كما لا تجد لهل وقد وبل فالأمر
فيهما واحد ثم ذكر أن قول من يقول إن إبليس من قوله تعالى يبلس
المجرمون وإن إدريس من درس القرآن أو درس المنزل وإن يعقوب من
العقبى أو العقاب خطأ إذ لو كان كذلك لكان عربيا مشتقا ولوجب الصرف
فيهما لكنها لا تصرف فليس ذلك إلا اتفاقي* ألا ترى إلى قولا النابغة
نبئت أن أبا قابوس أوعدني
…
ولا قرار على زأر من الأسد
فلو كان من قبست النار لانصرف لأنه بمنزلة جارود من الجرد
وعاقول من العقل فإذا ليس لأحد أن يقول إن إبراهيم وإسماعيل لهما
مثالان من الفعل كما لا يمكنه ذلك في إن وسوف وثم وما أشبه ذلك
قال ولكن يقال لو كانت هذه الأسماء من كلام العرب لكان حكمها كيت
وكيت كما أن سوف وحتى ولو سمي بهما لكان من أمرهما كيت وكيت
[226]
وإذا ثبت هذا فادعاء الأصالة والزيادة في حروفها والصحة والإعلال
والقلب والإبدال غير صحيح كما لا يسوغ ذلك في الحروف
فهذا وجه من الدرك على الناظم لأنها لم تدخل له في الحروف إذ
ليست بحروف ولا فيما أشبه الحروف إذ ليس فيها وجه من وجوه شبه
الحروف وإنما شبهها ابن جني بها امتناع التصريف لا في غير ذلك
وإلا كانت مبنية كما بني ما أشبه الحروف من الأسماء العربية
والثاني أن الأسماء الموقوفة التي لم تستعمل مركبة لا يدخلها تصريف
ولا تمثل بالفاء والعين واللام ما دامت على ذلك ولا يحكم على شيء من
حروفها بأصالة ولا زيادة ولا انقلاب عن شيء مع أنها في أنفسها مستقلة لم
تشبه الحروف وإنما هي كالتكلم بالمفردات المعربة إذا وقف عليها نحو واحد
اثنان* ثلاثة* أربعة* خمسة* وسائر أخواتها فهي كقولك زيد عمرو
بكر خالد فأين شبه الحرف من هذا وكذلك أسماء حروف المعجم الثلاثية نحو ألف جيم دال زاي كاف لام ميم وما أشبه ذلك وكذلك الثنائية أيضا ولا يصح أن يقال فيها إنها مبنية لأن البناء والإعراب حكمان من أحكام المركبات لا من أحكام المفردات من حيث إفرادها فإذا
ليست من الحروف ولا مما أشبه الحروف فيقتضي كلام الناظم دخول التصريف فيها لقوله وما سواهما بتصريف حري وذلك غير صحيح بل
[227]
التصريف منها ممتنع لأنها كالأصوات المتقطعة وشبهها بالحروف
مفقود وما تقد قبل هذا الباب من أنها تشبهها فذلك تشبيه غير موجب
للبناء كما لم يوجب البناء في الأعجمية شبهها بالحروف كما تقدم آنفا
والثالث أن الحروف قد دخلها أحكام التصريف من الزيادة والحذف
والإبدال وغيرها وإن لم يكن لها تمثيل بالفاء والعين واللام فمن ذلك إبدالهم
العين من حاء حتى نحو عتى حين ومن همزة أن نحو قول ذي
الرمة
أعن ترسمت من خرقاء منزلة
البيت وإبدال الهاء من همزة إن نحو
لهنك من برق علي كريم
ومن همزة أيا نحو
[228]
ويقول من طرب هيا ربا
وقد قالوا في لام لعل الأولى إنها زائدة لقولهم فيها عل وأما
الحذف فكثير نحو حذف الألف من ها في هلم وحذف ألف ما في لم وقالوا
أم والله وتخفيف رب نحو
رب هيضل لجب لففت بهيضل
وكذلك إن وأن ولكن وكأن وكذلك قالوا مذ في منذ الحرفية
وسو وسف وسي* في سوف وكثير من هذا وكله من باب التصريف هذا
إلى ما دخله من الاشتقاق منه على مذهب ابن جني إذ جعل مادة ن ع م
جارية كلها في الاشتقاق على نعم حرف الإيجاب والتصديق وجعل النعمة
والنعيم والإنعام وغير ذلك راجعا إليه وكذلك بجل جعل التبجيل
والبجيل وغير ذلك من المستعمل من مادة بجل مشتقة من بجل بمعنى نعم
وكذلك حكى* من قولهم سألتك كذا فلو ليت لي أي قلت لي لولا وأشياء
من هذا النحو والتصريف النحوي تابع لهذا بلا بد فكيف يجعل الناظم
الحرف بريئا من التصريف وقد ظهر عدم براءته منه
[229]
والرابع أن ما أشبه الحرف من الأسماء قد دخله التصريف وأحكامه
ألا ترى أن ذا وتا والذي والتي قد دخلها التثنية والجمع والتصغير
وتبع ذلك من أحكام الزيادة والحذف ما هو معلوم في أبوابه وقد قالوا في ذا
إنه فعل من مضاعف الياء وإنه محذوف اللام وهو مع ذلك مبني لشبه
الحرف وإنه أميل إشعارا بأن ألفه من الياء أبدلت لا من الواو وكذلك قال
أبو إسحق في إياك نعبد إن إيا مشتقة من الآية وهي العلامة والمعنى
حقيقتك نعبد مع أنه مضمر مبني ويقولون في الذ والذ إنه محذوف من
الذي وفي اللاء إنه محذوف من الائي وإن اللاي مسهل من اللاء
والتسهيل نوع من أنواع الإبدال ومذ محذوفة من منذ إذا كانت اسما نص
عليه الإمام ولذلك تقول إذا صغرت مسمى بمذ منيذ ومذلك جعلوا قط
مشتقا من قططت أي قطعت لأن قولك ما فعلته قط أي فيما مضى
وانقطع من عمري وقد أدخل ابن جني الاشتقاق في الأصوات فجعل
قولهم حلحلت بالإبل أي قلت لها حل وكذلك سأسأت وجأجأت
[230]
وكثير من ذلك والاشتقاق والتصريف متواخيان فحيث دخل أحدهما دخل
الآخر وزيدت الألف في أنا وهو ضمير فإذا وصلت قلت أن زيد فإن
وقفت قلت أنا وعلى أن نافعا يثبتها في القرآن إذا وقع بعدها همزة نحو
أنا أحيي وأميت وإذا تتبعت أمثال هذا لم تكد تحيط به وهو يقول
حرف وشبهه من الصرف بري فأين البراءة هنا وفيه أشياء قياسية لا
يقتصر بها على السماع في هذا وفي التصريف الداخل في الحروف
والخامس أن الأفعال غير المتصرفة قد اقتضى كلامه خروجها
من أحكام التصريف لأنها أشبهت الحروف كما ذكر وهذا لا يجتمع مع
قولهم إن ليس أصلها ليس الذي كصيد كما قالوا علم في علم ثم
ألزموها الإسكان وأيضا فحذفوا العين في لست لكونها حرف علة كما
حذوها في بعت وقلت وقالوا إن ألف عسى ياء وإن أصلها عسي
بدليل عسيت وقالوا فانقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وتجوز
إمالتها كسائر ما لامه ياء من الأفعال ثم يجوز أن يحول إلى فعل نحو
عسيتم وعسيت وقالوا في نعم وبئس أصلهما نعم وبئس على وزن فعل
مثل شهد ونعم ينعم لكنهم فعلوا يهما ما يفعل بما كان نحوهما من
المتصرفات التي على فعل وعينها حرف من حروف الحلق كشهد ونعم
[231]
ونحوهما من الأفعال والأسماء أيضا كما قرروا ذلك في باب نعم وبئس
وكذلك فعل التعجب من الأفعال غير المتصرفة وهو مع ذلك يدخله القلب إذا
كانت لامه معتلة نحو ما أغزاه وما أبهاه وما أنحاه ويبنى من الأفعال ويوزن
ويدخله أنواع من أحكام التصريف مع أن الناظم قد أخرج هذه الأشياء عن
أحكام التصريف وهبها فقد فيها التصرف الذي للأفعال بحسب الأزمنة
فذلك بعض التصريف لا جميعه وقد جرت فيها وجوه أخر من التصريف ولا
يشترط في كون الكلمة متصرفة ألا تخلو من وجه من وجوه التصريف وهذا
يتعذر وجوده في كلمة واحدة بحيث لا يبقى وجه إلا وقد دخلها فهذا كله فيه
ما ترى
والسادس أن شبه الحرف على وجهين
أحدهما أن يكون في أصل الواضع كما تقول إن الضمائر والمبهمات
وأدوات الشرط موضوعة في الأصل على الشبه بالحرف ويقال فيها متوغلة
في شبه الحرف أي لا تعرب أبدا إلا باستئناف* التسمية بها
والثاني أن يشبه الحرف في حال من الأحوال دون سائر أحواله فيعرب مرة إذا كان باقيا على أصله من الإعراب ويبنى مرة إذا تعلق به شبه الحرف كالمنادى والمبني مع لا والمبني لقطعه عن الإضافة أو لإضافته إلى مبني وما أشبه ذلك من الأسماء التي لها حالان فأما الأول من القسمين فهو الذي يمتنع من التصريف أن يدخله على ما قال وأما الثاني فحكمه حكم المتمكن من كل وجه يدخله التصريف وأحكامه
[232]
ويوزن ويحكم على حروفه بالأصالة حيث تجب وبالزيادة كذلك وبالقلب
والإبدال وسائر الوجوه لا فرق بينه وبين ما لم يبن قط وإن كان ذلك في حال
بنائه وكلام الناظم يقتضي أنه حالة البناء لا يدخله تصريف إذ قال
حرف وشبهه من الصرف بري ولا شك أن يا زيد ولا رجل ونحوهما
مبنيا ولا بناء عنده إلا لشبه الحرف وقد تقدم وجه شبه هذه الأنواع
بالحرف في مواضعها فاقتضى أن التصريف ممتنع أن يدخلها وأنها بريئة
منه وهذا فاسد ولا يقال إنما أراد الشبه بأصل الوضع لأنا نقول ليس
في لفظه ما يعين هذا البتة وعبارته في التسهيل أحسن إذ قال ومتعلقه
نت الكلم الأسماء المتمكنة ولا شك أن المنادى المبني واسم لا المبني معها
أسماء متمكنة ولا يقال إنها غير متمكنة البتة فالاعتراض عليه لازم
والجواب عن الأول أن العجمي ينبغي تحقيق النظر بالنسبة فيه إلى
هذا المعنى فإن القول بعدم دخول التصريف فيه مشكل وذلك أن
العجمي دخيل في كلام العرب والعرب إذا تكلمت فإنما تتكلم به على
حروفها وكثيرا ما تخلط فيه تبدل حروف كثير من الأسماء الأعجمية إلى
حرف كلامها وما نقل إليها نكرة عاملته معاملة الأجناس العربية
والنحويون واللغويون يسمون الدخيل في كلام العرب معربا وقد نقلت كثيرا
منها إلى أبنيتها حتى صيرتها كالعربي الأصول ومنها ما لم تقدم على ذلك
[233]
فيه فتركته وجعل السيرافي ما أعرب من الأعجمية على ثلاثة أقسام أحدها
ما غيرت حروفه أو حركاته وألحق بأبنية العرب والثاني ما عيرت حروفه ولم
يلحق بأبنية كلامهم والثالث ما ترك في العربية على حاله في العجمية فلم
يغير لفظه فالأول نحو درهم وبهرج صارا كهجرع وجعفر والثاني
كإبريسم وإسماعيل وسراويل والأصل فيها السين وأصل إسماعيل
إشماويل وأصل سراويل شروال وكذلك فيروز فاؤه بين الفاء والباء
وليس فيه ياء وأصل قهرمان بالفارسية كهرمان والثالث نحو خراسان
وخرم لموضع وكركم ومعناه الزعفران والكركمان معناه الرزق
قال الراجز
كل امرئ ميسر لشانه
…
لرزقه الغادي وكركمانه
وقت بين هذا المعنى سيبويه غاية البيان بما كلام السيرافي تلخيص له
وقال إنما دعاهم إلى ذلك يعني إلى هذا التغيير أن الأعجمية يغيرها
دخولها في العربية بإبدال حروفها فحملهم هذا التغيير على أن أبدلوا
وغيروا الحركة كما يغيرون في الإضافة إذا قالو هني ونحو زباني وثقفي
قال وربما حذفوا كما يحذفون في الإضافة ويزيدون كما يزيدون فيما
[234]
يبلغون به البناء وما لا يبلغون به بناءهم ثم مثل ذلك ثم قال فقد
فعلوا ذلك بما أحلق ببنائهم وما لم يلحق من التغيير والإبدال والزيادة والحذف
لما يلزمه من التغيير قال وربما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه
من حروفهم كان على بنائهم أو لم يكن قال وربما غيروا الحرف
الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائهم ومثل جميع ذلك بما
مضى بعضه وإذا كان كذلك فقد دخل في كلامهم واستعمل في لسانهم
وتصرفوا فيه ضرورة بما يحتاج إليه من جمع تكسير وتصغير ونسب (وغير
ذلك) بل ربما استقوا منه كما يشتقون من أسماء الأجناس التي من أصل
كلامهم كقولهم درهمت الخبازى إذا صارت كالدرهم ورجل مدرهم وقالوا مزرج من الزرجون قال ابن جني وقياسه أن يقول المزرجن قال أبو علي ولكن العرب إذا اشتقت من الأعجمي خلطت فيه قال والصحيح من هذا الاشتقاق قول رؤبة في خدر قياس الدمى معرجن
[235]
فقد أثبت لها التصرف فيه إجراء له مجرى كلامهما وإن كان قليلا
فكذلك عندهم أن الاشتقاق من أسماء الأجناس قليل وإذا كان كذلك فلا بد
من القول بدخول التصريف فيه وإجراء أحكامه عليه كما عمل سيبويه
في إبراهيم وإسماعيل حيث حكم على الهمزة بحكم الزائد وحكم المبرد
عليها بحكم الأصلي وقد تقدم ذلك ووجهه وأنهم يجرون الأعجمي على حكم
كلامهم فإن كان موافقا لأبنيتهم كان له حكمها وإن كان مخالفا أجروا
عليه أحكام ما قارب بناءه من أبنيتهم ولذلك ادعوا أن قول المبرد في إبراهيم
وإسماعيل في التصغير هو القياس لأن الهمزة في نحو هذا أصلية لا زائدة كإصطبل ما لم يدل دليل على الزيادة وهو في الأعجمي مفقود ولابن جني في كتابه المبهج على هذه المسألة كلام هو أسد نظرا من كلامه المتقدم وذلك حين تكلم على مريم ومدين من الأسماء الأعلام وأنه كان قياسهما مرام ومدان فقال فإن قلت إن هذين اسمان أعجميان وليسا عربيين فمن أين أوجبت فيهما ما هو للعربي قيل هذا موضع يتساوى فيه القبيلان جميعا ألا ترى أنهم حملوا موسى على أنه مفعل حملا على العربي كمال حملوا الموسى من الحديد على ذلك فلم يخالفوا بينهما وحكموا أيضا في نحو إبراهيم وإسماعيل بأن همزتهما أصلان حملا على أحكام العربي من حيث كان الزيادة لا تلحق أوائل بنات الأربعة إلا في الأسماء الجارية
[236]
على أفعالها نحو مدحرج ومسرهف ولم يفصلوا بين القبيلين بل
تلاقيا فيه عندهم وكذلك حكموا أيضا بزيادة الألف والياء في إبراهيم
وإسماعيل حملا على أحكام العربي من حيث كان هذا عملا في الأصول على
العربي لكنهم إنما يفرقون بينهما في تجويز الاشتقاق في العربي
ومنعهم إياه في الأعجمي المعرفة ويفصلون أيضا بين العربي والأعجمي في
الصرف وتركه نعم ويعتدون أيضا بالعجمة مع العلمية خاصة فأما الأصول
من الحروف والصحة والاعتلال فإنهم لا يفرقون بينهما ألا تراهم إذا
خالف لفظ الحرف الأعجمي الحروف العربية جذبوه إلى أقرب الحروف من
حروفهم التي تليه وتقرب من مخرجه ثم ذكر من مثل ذلك ما ذكر
سيبويه من الأمثلة وختم الكالم على المسألة
والذي قال هو الذي ينبغي أن يعتقد في المسألة لا ما قاله في كتابه
المنصف بأنها قد دخلت في كلامهم وجرت أحكامها على أحكام الكلم
العربية فلا مخالفة بين الفريقين إلا فيما قال وفي شيء آخر لعمري
وهو عدم الاعتداد بالأبنية إلا ما جرى على أبنية كلام العرب وأما غيره فلا يعتد
به فنحو إبراهيم وسقرقع وطبرزد وآجر* ونحو ذلك من الأبنية
[237]
الخارجة عن أوزان العرب لا يبنى عليها ولا يعتبر في إثبات الأبنية أصلا
وعلا تسليم ذلك كله فالعجمي بالنسبة إلى العربي قليل ولا يعتبر مثله أن
يكون نقضا لقاعدة عامة وبالله التوفيق
والجواب عن الثاني أن الأسماء الموقوفة عند ابن جني مبنية شبيهة
بالحروف ونسوق كلامه هنا مع حذف بعض ما لا يحتاج إليه هنا فقال
في سر الصناعة إذ تلكم على تصريف أسماء حروف المعجم اعلم أن
هذه الحروف ما دامت حروف هجاء غير معطوفة ولا موقعة موقع الأسماء فإنها
سواكن الأواخر في الإدراج والوقف وذلك قولك ألف با تا* جيم حا
خا دال ذال إلى آخرها وذلك أنها إنما هي أسماء الحروف الملفوظ بها في
صيغ الكلم بمنزلة أسماء الأعداد نحو ثلاثة أربعة خمسة تسعة ولا
تجد لها رافعا ولا ناصبا ولا جارا وإذا جرت كما ذكرنا مجرى الحروف لم
يجز تصريفها ولا اشتقاقها ولا تثنيتها ولا جمعها كما أن الحروف كذلك
ويدلل على كونها بمنزلة هل وبل وقد وحتى وسوف ونحو ذلك أنك تجد فيها
ما هو على حرفين الثاني منهما ألف وذلك نحو يا* تا ثا* طا ظا حا
ولا تجد في الأسماء المعربة ما هو على حرفين الثاني منهما حرف لين إنما
ذلك في الحروف نحو ما ولا ويا ولو أو وأي وكي فلا تزال هذه
الحروف هكذا مبنية غير معربة لأنها أصوات بمنزلة صه ومه وإيه وغاق
وحاء وعاء حتى توقعها مواقع الأسماء فترفعها حينئذ وتنصبها وتجرها
[238]
كما تفعل وذلك بالأسماء وذلك قولك أول الجيم جيم وأخر الصاد دال
وأوسط الكاف ألف وثاني الشين ياء وكتبت ياء حسنة وكذلك العطف
لأنه نظير التثنية فتقول ما هجاء بكر؟ فيقول المجيب باء وكاف وراء
فيعرب لأنه عطف فإن لم يعطف بنى وكذلك أسماء العدد مبنية أيضا
تقول واحد اثنان* ثلاثة أربعة خمسة ويؤكد ذلك عندي ما حكاه
سيبويه من قول بعضهم ثلاثة أربعة فترك الهاء من ثلاثة قالها غير
مردوده إلى التاء وإن كانت قد تحركت بفتحة همزة أربعة* دلالة على أن
وضعها وبنيتها أن تكون في العدد ساكنة حتى إنه ألقى عليها حركة الهمزة
التي بعدها أقرها في اللفظ بحالها على ما كانت عليه قبل إلقاء الحركة عليها
ولو كانت كالأسماء المعربة لوجب أن تردها متى تحركت تاء* فتقول ثلاثة
أربعة كما تقول رأيت طلحة يا فتى فإن أوقعتها موقع الأسماء أعربتها
وذلك قولك ثمانية ضعف أربعة وسبعة أكثر من أربعة بثلاثة فأعربت هذه
الأسماء ولم تصرفها لاجتماع التعريف والتأنيث فيها. قال "فإذا أثبت بما
قدمنا أن حروف المعجم أصوات غير معربة وأنها نظيرة الحروف نحو: هل ولو
من وفي لم يجز أن يكون شيء منها مشتقا ولا متصرفا كما أن الحروف
ليس في شيء منها اشتقاق ولا تصريف فلو قال قائل ما وزن جيم أو طا
أوكاف أو واو من الفعل؟ لم يجز أن تمثل ذلك له كما لا يجوز أن تمثل قد
[239]
وسوف ولولا وكيلا فأما إذا انقلبت هذه الحروف إلى حكم هذه الأسماء
بإيقاعها مواقعها من عطف أو غيره فقد نقلت إلى مذاهب الاسمية وجاز
فيها تصريفها وتمثيلها وتثنيتها وجمعها والقضاء على ألفاتها
وياءاتها إذ صارت إلى حكم ما ذلك جائز فيه غير ممتنع منه"
هذا ما ذكره ابن جني من أن هذه الأسماء الموقوفة مبنية لشبهها بالأصوات
والحروف وعمدة ما احتج به في الشبه مجيء بعضها على حرفين ثانيهما لين
ولعمري إن هذا المنزع جار على طريقة الناظم لأنه جعل هذا من وجوه شبه
الحرف الموجبة للبناء وكأن ما جاء من هذه الأسماء الموقوفة على أكثر من
حرفين محمول في البناء عليها كما تقول ذلك في بعض أنواع الأسماء المبنية
وقد حكم عليها بالبناء السيرافي وابن خروف كما فعل ابن جني والمسألة
تستحق فضل نظر ولكن ليس هذا موضع ذكره إذ لا تعلق* بكلام الناظم
لأنه قد عرف أن مذهبه فيها مذهب غيره من النحويين وإنما تعلق النظر
فيها بكلام سيبويه.
فإن قيل فشبه هذه الموقوفات للحروف من أي نوع هو من أنواع الشبه
المذكورة في أو الكتاب؟ فالجواب أنه يمكن أن تكون من قبيل النوع الثالث وهو النيابة عن الفعل بلا تأثر فأسماء الأفعال مبنية لكونها وضعت وضع إن وأخواتها كما
[240]
تقرر قبل وكذلك هذه الأسماء وضعا وضع نعم ولا وبلى وأخواتها في كونها
قامت بأنفسها فلم تحتج إلى الاتصال بغيرها واستغنت عن لحاق ما يوجب
إعرابها فلم تتأثر لمعنى عامل لأن ذلك إنما يكون حالة التركيب وهي بعد
لم تخرج عن قصد الإفراد فلم تفتقر إلى رافع ولا ناصب ولا جار كما كان
ذلك في بلى ونعم ولا ونحوها.
والجواب عن الثالث أن ما دخل الحروف من التصريف غير معتد به لقلته
وندوره فلم يعتبره وأيضا فكثير من ذلك معدود أنه من قبيل اللغات المختلفة
لا أنه بتصريف فلا يرد على الناظم. وما زعم ابن جني من دخول
الاشتقاق فيها فغير صحيح وقد بينت ذلك في الكتاب المسمى بعنوان (الاتفاق
في علم الاشتقاق) بما لا يحتاج معه إلى غيره بحول الله.
والجواب عن الرابع أن ما دخل الأسماء المبنية من التصريف قليل
ومحفوظ لا يبنى عليه ولا يستند في القياس إليه مع أنها يمكن أن تخرج
عما ظهر فيها إلى غير ذلك. فأما أسماء الإشارة والموصول فإنها أشبهت
المتمكن من الأسماء لأنها توصف ويوصف بها ويدخلها كثير من أحكام
الأسماء المتمكنة فلما كانت كذلك جاز في بعضها أن يمثل بالفعل وأن
يدخله الحذف والزيادة وغير ذلك. فقط أخرجتها الأحكام إلى ما ليس بمبني
مع أن ذلك فيها لا يقاس عليه غيره. وأيضا قد قالوا في الذ والذ إنها لغات
[241]
في الذي لا محذوفة منها. وما قاله أبو إسحق في إياك فبناء على أنه
عنده اسم ظاهر لا مضمر وقد مر الكلام على ذلك في باب المضمر. وأما
اللاء واللاي فهي لغات في اللائي قال الفارسي * «لأن هذه
الأسماء في حكم الحروف غير مشتقة فاللاء مثل الشاء واللائي بمنزلة
الجائي وليس اللاء من اللائي كالقاض من القاضي ولذلك مثله بشاء وهو
بمنزلة باب وعند سيبويه لو سميت باللاء في قول من حذف الياء قلت لاء
مثل باب أو في قول من أثبتها قلت لاء كقاض فلولا أنهما لغتان لما
كان الحكم كذلك وقد نص على أنهما لغتان متباينتان*. وما زعمه ابن جني من
الاشتقاق في الأصوات فغير صحيح أيضا. وقد بينت ذلك في الاشتقاق.
وأما الألف في أنا فليست مزيدة في نفس الضمير وإنما لحقت في
الوقف لبيان الحركة كما لحقت هاء السكت لبيان الحركة ألا ترى أنها
تسقط في الوصل حين تقول أنا أفعل؟ وأما قراءة نافع فمن باب إجراء
الوصل مجرى الوقف وقد مر بيان ذلك ف باب الوقف وليس ما يلحق في
الوقف لبيان الحركة بمخصوص بمتصرف دون غيره بل تلحقه كل ما آخره
حركة بناء غير شبيهة بحركة إعراب كما تقدم ذكره وقد حكى سيبويه أن
[242]
من العرب من يقف: قالا بالألف يريد: قال. فبين الحركة بالألف
كما قالوا أيضا في أنا أنه بالهاء فلا حجة في هذا على دخول الزيادة في
المبني فكل ما ورد في المبني من هذا القبيل فمقتصر به على ما ورد فيه وإن
كان قياس ففي خصوصه كما في ذا وتا والذي والتي في حالة التصغير
والجمع ونحو ذلك وقد مر بيانه.
والجواب عن الخامس أن الأفعال غير المتصرفة لما كانت قد
فاتها التصرف الذي هو عمدة تصريف الفعل ورأسه وهو له بالوضع
الأول صار ما وجد له من سائر الأحكام التصريفية ملغى ومطرحا في
جنب ما فاتها من ذلك بمنزلة ما ألغي من ضروب التصريف المتقدمة التي
لبعض الأسماء غير المتمكنة ولبعض الحروف لقلة ذلك البعض ونزارة ما وجد
في جنب ما فقد فهدا يمكن أن يكون جوابا على طريقته في التسهيل من
استثناء الأفعال غير المتصرفة عن دخول التصريف فيها وفعل التعجب ليس
منها بالنسبة إلى هذا الباب لدخول التصريف فيه من حيث مبني من أفعال
متصرفة وموزون ومعل حيث يجب الإعلال ومصحح حيث يجب
التصحيح ومزيد فيه وما أشبه ذلك. وأما إذا بنينا على طريقة النحويين في
إطلاقهم القول في الأفعال من غير استثناء منها فالاعتراض لازم وبهذا النحو
اعترض بعض شيوخ الأندلس على كلامه في التسهيل حيث أطلق الكثير من
علماء التصريف القول في دخول التصريف في الأفعال ولم يقصروا ذلك على
المتصرف منها حين جرت عادتهم بذكر أمثلتها من الفعل ورأوا الإعلال قد
[243]
دخل بعضها على ما مضى وكذلك يرد الاعتراض عليه ههنا إلا أن يجاب
عنه بأن قوله «حرف وشبهه» لا يدخل فيه الأفعال غير المتصرفة لأن شبه
الحرف إنما يطلق على غير المتمكن من الأسماء لا على ما لم يتصرف من
الأفعال فقد يعتذر بهذا على ضعفه.
والجواب عن السادس أن شبه الحرف على قسمين أيضا: حقيقي
وهو الذي أراد وكلامه فيه صحيح. واعتباري وهو غير مراد له؛ لأنه أمر
تقديري لا ظاهر له فالمنادى المضموم متمكن في نفسه لحقه من شبه
الحرف اعتبار ما فعرض له البناء لأن العرب تعتبر المقدرات كما تعتبر
المحققات لكن لا يقوى عندها الاعتبار التقديري قوة المحقق فلما كانت
مشابهة الحرف للمنادى والمبني مع لا وما أشبه ذلك تقديرا لا محصول له في
ظاهر الحال ولا بقاء له لعروضه على صفة التمكن في الاسم لم يعتد به
الناظم ولا اعتبره. وهذا قد يكون له عذرا.
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِيٍّ يُرَى
…
قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا
ابتدأ الكلام في أبنية الأسماء وأبنية الأفعال لما كانت محتاجا إليها في
علم التصريف من حيث كانت مرجوعا إليها فلا يدخل في الأبنية ما ليس
منها ولا يزاد عليها ولا ينقص منها فإن زادت علمت أن تلك البنية ليست
من كلام العرب وإن نقصت علمت أنها محذوفة وإن خرجت عن تلك الأشكال
علمت أن الإعلال أخرجها وإذا أردت أن تبني من كلمة على وزن أخرى لم
[244]
يجز لك أن تبني إلا مثل ما بنت العرب وعلى عدد حروفه من غير زيادة ولا نقص
فلا تتعدى تلك الأوزان فلهذا تكلموا في الأبنية المجردة والمزيد فيها إلا
أن المجردة هي الأصول والمزيد فيها فروع فلذلك اقتصر الناظم على المجردة
وأيضا فالأبنية المزيد فيها كثيرة جدا بحيث لا يتعرض لها إلا أرباب المطولات
ولا يليق بالمختصرات الإتيان بها بخلاف الأبنية المجردة فإنها قليلة فأخذ في
حصرها وجملة أبنية الأسماء المجردة على ما حصره أحد وعشرون بناء
منها للثلاثي أحد عشر وللرباعي ستة وللخماسي أربعة وجملة أبنية
الأفعال المجردة ستة أبنية للثلاثي منها أربعة وللرباعي بناءان وكلها مذكور
في إثر هذا ولكنه أتى ههنا بمقدمة تحصر الأبنية حصرا جمليا قبل أن
يحصرها على التفصيل فذكر أن الكلمة القابلة للتصريف سواء أكانت
اسما أم فعلا لا توجد على أقل من ثلاثة أحرف فإن وجد كذلك في ظاهر
الحال فليس في الحقيقة كذلك وإنما هو مغير من الثلاثي أو ما فوقه
وقوله «قابل تصريف» مطلق في الاسم والفعل كما تقدم وهو
مفعول لم يسم فاعله رافعه يرى وقوله «سوى ما غيرا» استثناء من قوله «قابل تصريف» يعني أن ما غير من الأسماء أو الأفعال والتغيير هنا لا يكون إلا بالحذف فإنه هو الذي يوجد على أقل من ثلاثة أحرف فيوجد على حرف واحد وعلى حرفين وذلك أيضا يكون
[245]
وذلك أيضا يكون في الاسم والفعل فأما بقاء الاسم على حرف واحد فنحو
أيش؟ أصله أي شيء؟ لكنه اختصر إلى أن لم يبق من «شيء» إلا الشين
ومنه قولهم مُ الله لأفعلن أصله أيمن الله لكنه اختصر بالحذف
وهو في الاسم الظاهر نادر جدا ولكن قد يصير على حرف واحد بتخفيف
همزته كما تقول من أب لك؟ إذا حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى الساكن
قبلها فقلت من بٌ لك؟ وقد نص سيبويه على أنك إذا سميت بإب أو إد
وإج وهي الحروف المتقطعة من اضرب واقعد واخرج قلت إب وإد وإج
فإذا وصلت ذهبت ألف الوصل فقلت ذهب بٌ وجاء دٌ ومر جٌ وما أشبه
ذلك هذا حكمه وهو مردود إلى الثلاثة في التقدير يبين ذلك التصغير
والتكسير وأما بقاؤه على حرفين فهو أكثر نحو يد ودم وسه وغد ودد
وكذلك أخ وأب وحم وهن وشج وعم وما أشبه ذلك وأصل ذلك كله
الثلاثة لقولهم أيد ودماء وأستاه وقالوا في غد غدو وفي دد
ددى مقصورا وددن
وأما بناء الفعل على حرف واحد فنحو قه وشه وله وعه وفه
ونحو ذلك وهو من وقى يقي ووشى يشي وولي يلي ووعى يعي ووفى
يفي وأما بقاؤه على حرفين فنحو عد وزن ولن وبن وقل وبع وخذ
وكل ومر فهي كلها من وعد ووزن ولان وبان وقال وباع وأخذ
[246]
وأكل وأمر ون ذلك كثير فأصلها كلها الثلاثة وليس فيها ما أصله أقل
منها وذلك أنه لا يكون اسم مظهر على حرف واحد لأن المظهر يبتدأ به
ويوقف عليه ولا يكون قبله ولا بعده شيء لاستقلاله ولا يوصل إلى الابتداء
والوقف في الكلمة الواحدة بحرف واحد لأن الابتداء يطلب بالحركة والوقف
يطلب بالسكون والحرف الواحد لا يكون ساكنا متحركا في حالة واحدة فلا
بد إذا من حرف يبتدأ به وآخر يوقف عليه لكنهم كرهوا أن يقتصروا على
الاثنين في الأسماء الظاهرة فيجعلوه بمنزلة الحروف وما أشبهها على حرفين
لا غير نحو من وعن ولا ومن وما والاسم أبدا له من القوة ما ليس
لغيره ولذلك لو سميت ينحو لو أو كي لم تتركه على حاله حتى تضعف الياء
والواو فيه هذا بخلاف ما أشبه الحرف من الأسماء المضمرات فإن
المضمرات وضعت على أن تكون متصلة بما قبلها وغير مستقلة بأنفسها
فاغتفروا فيه الحرف والحرفين وأما المظهر فهو المقدم على الفعل والحرف وهو الأصل فيهما فرفعوه إلى الثلاثة وهو أعدل الأبنية وأما الفعل فلا يكون على حرف واجد في أصله ولا على اثنين لأن منه ما يضارع الاسم وهو المضارع وأيضا الفعل يتصرف مثل الاسم ويبنى أبنية كما يبنى الاسم وهو يلي الاسم في الترتيب فألحقوه به ولم يجحفوا به بالاقتصار على ما دون الثلاثة إلا أن يحذفوا لعلَّة تجب ذلك بهذا المعنى وجه سيبويه مسألة الناظم
[247]
وقوله «وليس أدنى من ثلاث يرى» أدني يحتمل أن يكون مرفوعا اسم
ليس وخبرها «يرى» ويحتمل أن يكون اسم ليس* ضمير الشأن وأدنى
مفعول يرى الثاني لأنه بمعنى يعلم وتقدير الاستثناء إلا ما غير فإنه يرى
أدنى من ثلاثي وفي هذا الاستثناء نظر وهو أن «ما» صيغة من صيغ
العموم وهو قد قال سوى ما غيرا فيظهر أن المعنى إلا المتصرفات
المتغيرة فإنها توجد أدنى من الثلاثة وهذا لتعميم غير صحيح فإنه ليس
كل متغير يكون أدنى من ثلاثة أحرف بل المتغير يكون رباعيا فيصير إلى
الثلاثة وقد يكون نعلى أكثر من لك فيصير على أقل كما تقول في قاض
وغاز ومفتر ومستدع ومتدان وعلبط وذلذل وعرتن وما أشبه ذلك
والأحسن في التعبير عن ذلك أن لو قال «وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف فإن وجد فهو قد غير وحذف منه» والجواب عن هذا أن كلامه يعطي هذا المعنى الصحيح إذا جعلت ما بمعنى شيء نكرة موصوفة لا موصولة كأنه قال لا يرى قابل تصريف أدنى من الثلاثي إلا شيء غير والنكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم وذا لم تفد فيصدق على متغير ما أنه يرى أدنى من ثلاثي وهو صحيح.
[248]
واعلم أنه قد تحصل من مفهم هذا الكلام أن ما لا يقبل
التصريف وهو الحرف وما أشبهه من الأسماء وحدها أو من الأسماء
والأفعال قد يوجد على أقل من ثلاثة أحرف وذلك ظاهر فإن الحروف قد
تأتي بأصل وضعها على حرف واحد وعلى حرفين وعلى أكثر وكذلك ما
أشبه الحرف إلا أن ما تنتهي إليه لم يذكره لعدم احتياجه إلى ذلك بخلاف
القابل للتصريف فإنه لا بد من ذكر ما تنتهي إليه حروفه وأقصى ما تنتهي
إليه الحروف خمسة.
فأما كونه على حرف واحد فمثل الباء الجارة والتاء في القسم واللام
الجارة والابتدائية وكاف التشبيه وكاف الخطاب المجردة عن الاسمية في
نحو أرأيتَك والواو القسمية والعاطفة والفاء العاطفة والجوابية وهمزة
الاستفهام ونحو ذلك.
وأما كونه على حرفين فمثل من وعن وأو ولو وكي وأي ويا
وها التي للتنبيه وقد ولم وإن الشرطية والنافية وأن الناصبة للفعل
التفسيرية ولن وفي وأل وما ولا النافية والطلبية وهل وبل.
وأما كونه على ثلاثة أحرف فمثل إلى وعلى وخلا وعدا إذا انجر ما بعدهما في الاستثناء وألا الاستفتاحية والتحضيضية وبلى ونعم وعل ورب ولما الجازمة وسوف.
[249]
وأما كونه على أربعة أحرف فمثل كلا وحتى وحاشا وكأن ولعل
وأما وإما وهلا ولولا وإلا وهو أقل مما تقدم.
وأما كونه خمسة فمثاله لكن وهو أقلها
والأسماء المشبهة للحرف أيضا تكون على حرف واحد نحو التاء في
ضربتُ وضربتَ وضربتْ والألف في ضربا والواو في ضربوا
والنون في ضربن والكاف في ضربك ولكَ ولكِ وضرْبَك والهاء في به وله على
رأي من رأي ذلك من النحويين
وتكون على حرفين نحو هو وهي وذا التي للإشارة والموصولة وأل
الموصولة ومن وما الشرطيتين والاستفهاميتين ونا في ضربنا وضربَنا ولنا
وها في ضربها وتا وتي في الإشارة وذو الموصولة وعن الاسمية وصه
ومه وقط وقد بمعنى حسب
وتكون على ثلاثة أحرف نحو هما وهن وكيف وأين ولدن وقط
وحيث وإذا وهنا ومتى وأف وإيه وأمس ومنذ وعلى الاسميتين
وتكون على أربعة أحرف نحو ألاء اسم إشارة أو مصولا وإيا
في إياك ونزال ودراك ومناع وبابه وأفى في أف وأوه
[250]
وتكون على خمسة أحرف نحو أيان وشكان* وسرعان وعرعار
وقرقار وهيهات وهذا أقصى ما توجد عليه الأسماء المبنية في الغالب
المستعمل وأما بالتركيب فتنتهي إلى أكثر من ذلك نحو خازباز* وحاث باث
وخاق باق وما كان نحو ذلك*.
ولما حد للاسم والفعل أقل ما يكون عليه من الحروف أخذ في ذكر أبنية
الأسماء وما تنتهي إليه مجردة وغير مجردة وذر أبنية الأفعال كذلك لكنه
ابتدأ بالأسماء فقال
وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ اِنْ تَجَرَّدَا
…
وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سَبْعًا عَدَا
معنى التجرد التعري من الزيادة فما ليس بعضه زائدا يسمى
مجردا ويريد أن الاسم على قسمين مجرد من الزيادة ومزيد فيه فأما
المجرد من الزيادة فمنتهى ما يبلغه من الحروف خمسة أحرف أنّث الخمس
لأن الحروف تذكر وتؤنث فيكون ثلاثيا نحو رجل وفرس وضلع
[251]
ونمر وصرد وإبل وقفل وعدل وفلس وما أشبه ذلك ويكون
رباعيا نحو جعفر وقمطر ودرهم وبرقع وجخدب ونحو ذلك ويكون
خماسيا نحو سفرجل وجحمرش وجردحل وقذعمل وما أشبه ذلك
وهذا هو الغاية كما قال.
وما ذكره هو مذهب البصريين وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن كل اسم
زادت حروفه على ثلاثة ففيه زيادة فإن جاءت على أربعة نحو أحرف جعفر
ففيه زيادة حرف واحد واختلفوا في الزائد فذهب الكسائي إلى أن
الزائد هو الحرف الذي قبل الآخر وذهب يحيى بن زياد الفراء إلى أ، الزائد
هو الآخر هذا إن كان رباعيا فإن كان خماسيا ففيه زيادة حرفين.
ومذهب البصريين هو الصحيح لأن الزيادة لا يقدم على القول بها إلا
بدليل وإلا فالأصل أن يقال في أحمر ونحوه إن الهمزة أصلية لكن لما كان
المعنى شيءٌ له حمرة وعلمنا بالضرورة أن الأحمر لم يلتق مع الحمرة في
حروفه اتفاقا من غير قصد كاتفاق أحمر مع أحمد في ثلاثة الحروف الأول
ثبت لنا ضرورة من استقراء كلام العرب أن العرب لحظت في
الأحمر لفظ الحمرة ولا بد فظهر لنا بذلك أن الهمزة زائدة فحكمنا
[252]
بذلك وكذلك ما أشبه هذا مما يدل على الزيادة فبأي وجه يحكم في راء
جعفر أنها زائدة ولم نجد فيها دليلا على أنها كالهمزة في أحمر ومن ههنا
ألزم سيبويه من زعم أن الراء في جعفر زائدة أو الفاء أن يقول في وزنه
فَعْلَر أو فَعْفَل وأن يقول في غلفق* فعلق وإن جعل الأول زائدا أن
يقول في جعفر جعفل وفي غفلق غفعل لأنه يجعلها كسائر حروف
الزوائد فلا بد من وزنها لفظها كما تقول أفعل في أحمر وفعول في
جهور وفعلن في خلبن وكذلك ينبغي له إن جعل الحرفين الأخيرين في
فرزدق أن يقول فعلدق قال سيبويه «فإذا قال هذا النحو جعل الحروف
غير الزوائد زوائد وقال ما لا يقوله أحد».
وقد التزم بعض الكوفيين هذا على ما سيأتي بعد إن شاء الله تعالى
ولكن الجمهور منهم لا يفعلون ذلك وإن اغتفروا الزيادة وحجتهم في الزيادة
أنهم قالوا أجمعنا على أن وزن جعفر فعلل ووزن سفرجل فعلل وقد علمنا
أن أصل هذين المثالين فاء وعين ولام واحدة فثبت أن الثانية والثالثة زائدة
فدل على أن في جعفر حرفا زائدا وفي سفرجل حرفين.
[253]
قال المجيب عن البصريين إن الوزن أولا إنما هو وضع من النحويين
واتفاق اصطلاحي بينهم حيث أرادوا أن يضعوا الأوزان أمثلة ويتبين
فيها الحرف الأصلي من الزائد فكيف يجعل الوضع الاصطلاحي حجة على
كلام العرب؟ ! هذا ما لا يسوغ لأحد أصلا وأيضا سيتبين لم اختاروا
الثلاثي في التمثيل دون غيره حيث تعرض له الناظم إن شاء الله تعالى فالحق
الذي لا يصح سواه ما ارتضاه الناظم من مذهب البصريين مع أنه أمر راجع
إلى معنى اصطلاحي* لا ينبني عليه في أحطام العربية كبير فائدة
وأما المزيد فيه فغايته سبعة أحرف لا يتعداها كما قال فيكون رباعيا
نحو أفكل وجوهر وعثير وقذال وعنسل وتنضب ويكون خماسيا
عقنقل وخفيدد وفدوكس ودلامص وعذافر ويكون سداسيا نحو
عضرفوط وعرطليل ودرداقس وسباعيا نحو اشهيباب
واحرنجام ومشيوخاء عقربان وقرعبلان وما أشبه ذلك
[254]
قال سيبويه «وأما ما جاء على ثلاثة أحرف فهو أكثر الكلام في كل
شيء من الأسماء والأفعال وغيرهما مزيدا فيه وغير مزيد فيه وذلك لأنه
كأنه هو الأول فمن ثم تمكن في الكلام ثم ما كان على أربعة أحرف بعده
ثم بنات الخمسة وهي أقل لا تكون في الفعل البتة ولا يكسر بتمامه الجمع
لأنها الغاية في الكثرة» قال «فالكلام على ثلاثة أحرف وأربعة أحرف
وخمسة لا زيادة فيها ولا نقصان» قال والخمسة أقل الثلاثة في
الكلام فالثلاثة أكثر ما تبلغ بالزيادة سبعة أحرف وهي أقصى الغاية
والمجهود وذلك نحو اشهيباب فهو يجري على ما بين الثلاثة والسبعة
والأربعة تبلغ هذا نحو احرنجام ولا تبلغ السبعة إلا في هذين المصدرين
وأما بنات الخمسة فتبلغ بالزيادة ستة نحو عضرفوط ولا تبلغ سبعة كما
بلغتها الثلاثة والأربعة لأنهما لا تكون في الفعل فيكون لها مصدر نحو
هذا. قال «فعلى هذا عده حروف الكلم فما قصر عن الثلاثة فمحذوف
وما جاوز الخمسة فمزيد فيه»
هذا ما قال سيبويه وقد احتوى على أمرين أحدهما تعليل الاقتصار
في الأصول على الخمسة وفي الزيادة على السبعة وهو ظاهر والثاني ما
الذي يزاد حتى يبلغ سبعة وما الذي يقصر ي الزيادة فيه عنها
[255]
وكلاهما مما يتعلق بكلام الناظم أما الأول فظاهر وأما الثاني فإن الناظم
يظهر من عبارته أن الثلاثي والرباعي والخماسي جميعا يزاد فيها حتى تبلغ
السبعة لأنه قال «وإن يزد فيه» والضمير راجع إلى جنس الاسم الذي
جعل منتهاه الخمس في قوله «ومنتهى اسم خمس إن* تجردا» فيظهر أن
الخماسي أيضا داخل في هذه الزيادة ويجاب عن هذا بأن الضمير عائد على
جنس الاسم من حيث الجملة والاسم على الجملة يحصل فيه الزيادة إلى
سبعة ويبقى تعيين مقدار الزيادة لم يذكره فالأظهر أنه أجمل القول في
الزيادة ولم يعين مقدار ما يزاد في بنات الثلاثة وفي بنات الأربعة وفي بنات
الخمسة وقد بين ذلك في التسهيل في الاسم والفعل فقال «ومنتهى الزيادة
في الثلاثي من الأفعال ثلاثة ومن الاسماء أربعة وفي الرباعي من الأفعال
اثنان ومن الأسماء ثلاثة» ثم قال «ولم يُزد في الخماسي غير حرف مد
قبل الآخر أو بعده مجردا أو مشفوعا بهاء التأنيث وندر قرعبلانة
وإصطفليبنة* وإصفعند*»
فالذي حصل أن الثلاثي يزاد فيه إذا كان اسما حتى يبلغ سبعة وذلك
أربعة أحرف نحو اشهيباب ونحوه من المصادر ولم يذكر سيبويه غيرها من
حيث كانت الزيادة في الاسم فرعا عن الزيادة في الفعل لأن الأصالة في
التصريف للفعل والفعل يزاد فيه إلى ستة كما سيذكر إن شاء الله تعالى.
[256]
فالاسم لا بد أن يرتفع عنه درجة لكن فيما جرى على الفعل وكان أقرب إليه
وهو المصدر إذ ليس في غير المصدر عنده زيادة تبلغ هذا المقدار وذكر غيره
أربعاوى* ومشيوخاء ومعلوجاء ونحوه من أسماء الجموع التي على هذا
الوزن وذلك كله قليل
والرباعي يزاد أيضا كذلك إلى السبعة وذلك ثلاثة أحرف لكن في
المصادر نحو إحرنجام* لأجل ما تقدم في الثلاثي وذكر غيره الزيادة في غير
المصادر نحو عريقصان وعبيثران وهو قليل كالحال في الثلاثي
وأما الخماسي فلم يبلغ من قوته أن يزاد فيه إلى السبعة لأن ذلك إنما
كان في الثلاثي والرباعي لقوته بمقاربة الفعل بخلاف الخماسي فإنه
غير جار على فعل ولا مقارب له فلم يبلغ ذلك وإنما زيد فيه عند سيبويه زيادة
واحدة نحو عضرفوط وعرطليل وعندليب وقبعثرى وضبغطرى
[257]
وما أشبه ذلك وقد حكى السيرافي قرعبلانة وهزنبران وزاد غيره
اصطفلينة
وقوله «فما سبعا عدا» سبعا مفعول بعدا أي فما عدا سبعا
ومعنى عدا تجاوز يقال عدا عليه عدوا وعدوا أي تجاوز الحد في ظلمه
فكأنه يقول فما تجاوز بزيادته سبعة أحرف فعلى هذا ما جاء من زيادة
هاء التأنيث نحو اشهيبابة وقرعبلانة أو زيادتي تثنية أو جمع تصحيح
نحو اشهيبابتان وقرعبلانتان واشهيبابات وقرعبلانات أو زيادتي
النسب نحو اشهيبابي وقرعبلاني وما أشبه ذلك فغير معدود في مجاوزة
السبعة بل الاسم باق على سبعة أحرف لأن هذه الزيادات ليست من نفس
البناء وإنما تعد كالشيء المنفصل المقدر الزوال ولذلك إذا كان اسم على
خمسة أحرف خامسه هاء التأنيث أو على ستة الخامس والسادس منها علامتا التثنية أو الجمع المصحح لم يحذف منه شيء في التصغير وليس كذلك غيرها كما تقدم ذكره وأيضا فكل ما هو على ستة أحرف أو سبعة لا يحذف منه الأصلي ويبقى الزائد وهم قد قالوا في سفرجلة سفيرجة وفي فرزقان فريزدان* وفي سفجلات سفيرجات فيحذفون الأصلي وليس ذلك من أجل أنها علامات للمعاني فإن ألف التأنيث علامة أيضا وهم قد قالوا في قرقرى قريقر فحذفوا مع أنه كزلزلة فلهذا وغيره زعم النحويون
[258]
ومنهم الناظم أنه لا يكون على* ثمانية أحرف ولا أكثر من ذلك ولم يعتدوا
بهذه الأحرف لأنها عندهم كالمنفصلة
ثم أخذ في بيان أبنية الأسماء ثلاثيها ورباعيها وخماسيها أعني
المجردة من الزوائد وابتدأ بالثلاثية فقال
وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلَاثِي افْتَحْ وَضُمّْ
…
وَاكْسِرْ، وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيَهِ تَعُمّْ
وَفِعُلٌ أُهْمِلَ، وَالْعَكْسُ يَقِلّْ
…
لِقَصْدِهِمْ تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ
غير مفعول يطلبه ثلاثة الأفعال التي هي افتح وضم واكسر والعامل
فيه اكسر وهو الأخير فهو على المختار عند أهل البصرة ولو أعمل غير
الأخير لقال افتحْ وضُمَّه واكسره هذا إن قلنا إنه من باب الإعمال وإلا
فيمكن أن يكون مفعولا لافتح وغيره حذف معموله اختصارا والأصل
وضمه واكسره
والذي ينطلق عليه غير هو أول الثلاثي وثانيه ويعني أنك إذا أردت
حصر أبنية الثلاثي فاعمل هذا العمل وهو أن تحرك الأول وهو فاء الكلمة
بالحركات الثلاث الضمة والفتحة والكسرة وكذلك الثاني وهو عين الكلمة
تحركه بالحركات الثلاث وتزيد تسكين الثاني على التحريك بها فتكون
للعين أربعة أوجه وكل واحد منها مع حركات الفاء الثلاث وثلاثة في أربعة
باثني عشر وهي جميع ما يتصور من الأبنية في الثلاثي من مستعمل ومهمل
وهو معنى قوله «تعم» أي تعم جميع الأبنية الممكنة في الثلاثي لأنك إذا
حركت الأول فلا يمكن فيه إلا أحدى ثلاث الحركات ومنتفي السكون إذ لا
[259]
يبتدأ بساكن وكل حركة منها يتأتى معها في العين الحركات الثلاث
والسكون وأما الحرف الثالث وهو اللام فلا كلام فيه لأن الإعراب
استحقه فلا يضبط إلا للعامل لا للبنية ولذلك أخرجه بقوله «وغير آخر
الثلاثي»
فإذا حركت الفاء بالضم فيتصور معها في العين أربعة أحوال قائمة
بأربعة أبنية
أحدهما* فتحها ومثاله فعل وهو يكون للاسم والصفة معا
فالاسم نحو صرد ونغر وربع وخزز والصفة نحو لبد وختع
وسكع وحطم
والثاني ضمها ومثاله فعل وهو للاسم والصفة فالاسم نحو
طنب وأذن وعنق وجمد والصفة نحو جنب أجد* ونضد
ونكر والثالث كسرها ومثاله فعل وسيأتي الكلام عليه إثر هذا بحول الله تعالى
[260]
والرابع إسكانها ومثاله فعل ويكون الاسم والصفة فالاسم
نحو قفل وبرد وقرط وحرض والصفة نحو مر وحلو وجد
وعبر
وإذا حركت بالفتح فيتصور معها في العين أربعة أحوال أيضا
أحدها فتحها ومثاله فعل ويكون في الاسم والصفة فالاسم نحو
جبل وجمل وحمل وطلل والصفة نحو بطل وحدث وعزب وحسن
والثاني ضمها ومثاله فعل ويكون في الاسم والصفة فالاسم نحو
عضد ورجل وسبع وضبع والصفة نحو حذر وندس وحدث وخلط
والثالث كسرها ومثاله فعل ويكون أيضا في الاسم والصفة فالاسم
نحو كتف وكبد وفخذ وعقب والصفة نحو حذر ووجع وحصر
وأشر
والرابع إسكانها ومثاله فعل ويكون في الاسم والصفة فالاسم
نحو صقر وفهد وكلب ومهد والصفة نحو ضخم وصعب
وسهل وخدل
[261]
وإذا حركت الفاء بالكسر فيتصور معها في العين أربعة أحوال أيضا
أحدها فتحها ومثاله فِعَل ويكون في الاسم والصفة فالاسم نحو
ضلع وقمع ونطع وعنب والصفة نحو عدى قال سيبويه «ولا
نعلمه جاء صفة إلا في حرف من المعتل يوصف به الجماع - يعني الجمع -
وذلك قولهم قوم عدى قال ولم يكسر على عدى واحد ولكنه بمنزلة
السفر والركب» يعني اسم جمع لا جمع تكسير واسم الجمع بمنزلة
الواحد واستدرك عليه قيم في قوله تعالى {دينا قيما} على قراءة من
عدا الحرميين وأبي عمرو وزِيَم أي متفرق ومنه قول زهير
قد عوليت فهي مرفوع جواشنها
…
على قوائم عوج لحمها زيم
وقال النابغة الذبياني
باتت ثلاث ليال ثم واحدة
…
بذي المجاز تراعي* منزلا زيما وسِوى في نحو قوله تعالى {مكانا سوى} في ذلك أنشد صاحب الحماسة
[262]
وجدنا أبانا كان حل ببلدة
…
سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
وذكر الفارسي ثِنًى وأنشد لعدي بن زيد
أعاذل إن اللوم في غير وقته
…
على ثنى من غيك المتردد
وطِوًى في قراءة من قرأ {بالواد المقدس طوى} قال فطوى من
طويت وثنى من ثنيت لأن الطي ثني شيء على شيء كأن المعنى قدس
مرة بعد مرة وزيد أيضا ماء رِوًى وماء صِرًى وطِيبة في نحو قولهم
سَبْيٌ طِيَبة وفي الحديث «وإنه طِيَبة لمن أخذه» فجميع ما استدرك عليه
ثمانية ألفاظ أكثرها لا يثبت ليس هذا موضع ذكر ذلك
والثاني ضم العين ومثاله فِعُل وسيأتي الكلام عليه إثر هذا إن
شاء الله تعالى
والثالث كسرها ومثاله في الأسماء فِعِل نحو إبل ولم يحك
سيبويه غيره قال «ولا نعلم في الأسماء والصفات غيره» وزاد أبو الحسن في الأسماء حبرَة وهي الصفرة على الأسنان قالوا والأشهر فيه حَبْرة قال الفرزدق
[263]
ولست بسعدي* على فيه حَبْرة
…
ولستُ بعبديٍّ حقيبته التمر
وزاد السيرافي والمبرد إطِل للأيطَل وروي قول امرئ القيس
له إطِلا ظبي وساقا نعامة
…
وإرخاء سرحان وتقريب تنفل
وزيد أيضا الحِبِك وهي قراءة مروية عن الحسن {والسماء ذات
الحبك} وهي الطرائق الغيمية فجميع ما استدرك على سيبويه في الاسم
ثلاثة ألفاظ يضاف إليها ما ذكره ابن السيد من قولهم لا أحسن اللعب إلا
جِلِخ جِلِبْ فهي خمسة منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت وذكر الأخفش
في الصفات امرأة بِلِز وحكى ابن خروف عن ابن قتيبة أتان إبِد
فهذان لفظان مستدركان في الصفة والرابع إسكانها ومقاله فِعْل ويكون في الأسماء والصفات فالاسم
نحو جذع وعذل وجمل ورجل والصفة نحو نقض ونضو وصنع
[264]
وقد انتهى تمثيل هذه الأمثلة التي أشار إليها الناظم وإنما ذكرها في
هذين الشطرين غير ملتزم لكونها مستعملة أو غير مستعملة وإنما بين ذلك
في قوله بعد «وَفِعُلٌ أُهْمِلَ وَالْعَكْسُ يَقِلّْ» فاستثنى من الجملة بناءين هما
عنده غير ثابتين في محصول الاستعمال فدل على أن ما عداهما عنده
مستعملة ثابتة من كلام العرب
فأما أحد المستثنَيين وهو فِعُل بكسر الفاء وضم العين فذكر أن
العرب أهملته لأن فاعل «أهمل» الذي لم يذكره هم العرب قال سيبويه «
وليس في الكلام فِعُل» قالوا وإنما لم يستعمل لكراهيتهم الخروج من
كسر إلى ضم في بناء لازم ولذلك قالوا اُقتُل* فضموا الهمزة ولم
يكسروها وأصلها الكسر كراهية للضم بعد الكسر وإن وُجد حاجز
بينهما فأولى أن يمتنعوا من ذلك مع عدم الحاجز وكذلك امتنعوا من النقل
في الوقف على قولك هذا عِدْلٌ فقالوا هذا عِدِل ولم يقولوا هذا عِدُلْ
غير أنهم قد قالوا ذلك مع الهمزة وارتكبوا فيه الثقل لكن لثقل هو أشد
من هذا فاستسهلوا هذا في جنبه وقد تقدم بيانه وقوله «أُهْمِلَ» ولم يُعرج على شيء دليل على أن ما حكي عنهم من فِعُل ليس بأصل بناء وذلك لفظان أحدهما الحِبُك رُوي عن الحسن أنه قرأ {والسماء ذات الحبك} على وزن فِعُل ورُوي ذلك أيضا عن أبي
[265]
مالك الغفاري وذكره عنه ابن الفرس في استدراكه على الزُّبَيدي
والذي حكى ابن جني عن أبي مالك إسكان الباء مع كسر الحاء وهذا مثالٌ لم
يثبته النحويون قال ابن جني «أحسبه سهوا وذلك أنه ليس في كلامهم
فِعُل أصلا بكسر الفاء وضم العين وهو المثال الثاني عشر من تركيب
الثلاثي فإنه ليس في اسم ولا فعل أصلا البتة» قال «ولعل الذي قرأ به
تداخلت عليه القراءتان بالكسر والضم فكأنه كسر الحاء يريد الحِبِك
وأدرك ضم الباء على تصوره الحُبُك» قال وقد يعرض هذا التداخل في
اللفظة الواحدة قال بلال بن جرير
إذا جئتَهم أو سآيلتهم*
…
وجدت بهم علة حاضرةْ*
أراد سألتهم أو ساءلتهم ولغة من قال سايلتهم فأُبدل
فتداخلت الثلاث عليه فخلط فقال سآيلتهم فوزنُه فَعاعلتهم لأن الياء
في سآيلتهم بدل من الهمزة في ساءلتهم فجمع بين اللغتين على تلفته إلى
[266]
اللغتين كذلك أيضا نظر في الحِبِك والحُبُك فجمع بين أول اللفظة على هذه
القراءة وبين آخرها على القراءة الأخرى
واللفظ الثاني الرِّبُو قرأ أبو السّمّال {اتقوا الله وذروا ما بقي من
الرِّبُو} مضمومة الباء ساكنة الواو وهكذا ذكرها ابن مجاهد وإنما
ذكرها الداني في كتابه* في القراءات التي شذت عن السبع بفتح الراء وضم
الباء فإذا ثبت ما ذكره ابن مجاهد وهو الذي نقل ابن جني وتكلم عليه
فقد قال «إنّ فيه ضربين من الشذوذ أحدهما الخروج من الكسر إلى
الضم بناء لازما والآخر وقوع الواو بعد الضمة في الاسم وهذا شيء لم
يأت إلا في الفعل نحو يغزو ويدعو ويخلو» ثم ذكر أن الذي ينبغي أن
يُتعلل به في الربو بالواو هو أنه فخّم الألف فانتحى* بها نحو الواو التي
الألف بدل منها على حد قولهم الصلوة والزكوة وكمشكوة
وكأنه بيّن التفخيم فقوّى الصوت فتوهم السامع أنه واو فنُقل على ذلك
وهو بعيد أن يتطرق (إلى ظن الراوي) ** - وهو أبو زيد مع علمه وفهمه - أنه
جرى عليه الوهم فيما سمعه قال فإن قيل فلعله شبّه ذوات العلة بذوات الهمز فوقف على الواو كما قالوا هو الرِّدُؤ* والبُطُؤ* قيل هذه الواو
[267]
إنما تكون مع الهمزة في نحو «الكَلَوْ*» في موضع الرفع و «الرِّبُو» في
موضع الحر وأيضا فإن «الكلو*» مفتوح ما قبل الواو والباء من «الربو»
مضمومة وعلى كل تقدير فهو شاذ
هذا ما ذكر ابن جني في توجيهه هذه القراءة وحاصله أن الرِّبُو - على
حقيقة نقله - غير ثابت وإنما هو تفخيم والتفخيم يُنْحى به نحو الواو لا أنه
ضمٌّ حقيقة فإذا صار هذان اللفظان كالرِّدْو* في الوقف لا معتبر بهما في
إثبات بناء لازم وقد أشار بعض الناس إلى إثبات البناء بهما وفيه من
الضعف ما فيه
وأما المستثنى الثاني وهو فُعِل - بضم الفاء وكسر العين - وهو عكس
فِعُل الذي قال فيه «وَالْعَكْسُ يَقِلّْ» لأن قوله وفِعُل في تقدير أنْ لو قال والمكسور الأول المضموم الثاني أُهمِلَ فعكس هذا هو المضموم الأول المكسور الثاني وهو فُعِل فذكر أن وقوعه في الأسماء قليل لم يكثر كثرة غيره من الأبنية المتقدمة ولم يأت مهملا وإن كان فيه الخروج من ضم إلى كسر لأن هذا أخف على الجملة من الأول وإن اجتمعا في الثقل ولذلك* جاء
في أبنية الأفعال كثيرا نحو ضُرِب وعُلِم وقتل وعقر وما أشبه ذلك بل نقول إنه ليس بثقيل وإلا كان يُعدم أو يَندُر في الأفعال أيضا وإنما علة قلته ما ذكره الناظم على ما سيذكر بعد بحول الله وقلّته أنه لم يأت
[268]
منه في المشهور من النقل إلا لفظان في الأسماء لاقى الصفات أحدهما
دُئِل لدُوَيْبَّة صغيرة تشبه ابن عِرْس قال الشاعر
جاءوا بجيش لو قيس معرسه
…
ما كان إلا كمعرس الدُّئِلِ
ومنه نُقل اسم الدُّئِل القبيلة التي يُنسب إليها أبو الأسود الدؤلي
والثاني رُئِم في اسم السَّهِ وزاد أبو حيان - فيما نقل في ارتشاف
الضَّرَب وذكره ابن الناظم - لفظا ثالثا وهو وُعِلٌ لغة في الوَعل
فبهذه الألفاظ أثبت الناظم فُعِل في الأسماء وهو مذهب الأخفش وابن جني
وجماعة وأما سيبويه فلم يثبته في الاسم وإنما هو عنده مختص بالفعل
وذلك إما لأن هذين اللفظين يمكن أن يكونا منقولين من الأفعال وإن كان
ذلك في الأجناس بناءً على جواز النقل فيه وثبوته وفي المسألة خلاف وبه
اعتذر السيرافي عن سيبويه فذكر أنه قد يصح ويجيء في أسماء
الأجناس ما جاء في الأعلام قال ومنه «تُنُوِّط» - في اسم طائر - لأنه يُعَلِّق
عشه ويلصقه ضربا من الإلصاق بديعا فسُمي بالفعل وقالوا أيضا تُبُشِّرٌ
في اسم طائر قال ابن الضائع قد قال سيبويه في هذا الطائر تَنَوُّط
وأثبن به «تَفَعُّل» في الأسماء وإن لم يأت في المصادر وإما لأن هذين
اللفظين لم يحفظهما سيبويه وهذا هو الجاري على كلام الناظم إذ لو
[269]
كانا عنده منقولين لم يصح له أن يُثبت بهما بناء كما لا يصح أن يُثبته
بالأعلام لم ثبت فيهما من النقل فإنما هما عنده غير منقولين فهو
استدراك على سيبويه منه ومن غيره ممن قال بهذا وهو الذي اختار ابن
الضائع وكثير من الناس
ولما كان هذان اللفظان بمحل من الندور في هذا البناء نبه الناظم على
ذلك فقال «وَالْعَكْسُ يَقِلّْ» ثم بين وجه القلة فقال «لِقَصْدِهِمْ تَخْصِيصَ
فِعْلٍ بِفُعِلْ» يعني أن ترك استعمال فُعِل في الأسماء إنما هو لقصدهم أن يكون
بناء مختصا بالأفعال فلما قصدوا ذلك تحاموا من وضع الأسماء عليه وما
ندر من ذلك فغير معتد* به عندهم ولذلك لم ينقلوا في الوقف في البسر حالة
الجر فلم يقولوا من البسر وإن كان قد جاء الدُّئِل والرُّئِم لعدم الاعتداد
بذلك
وقد تحصل من هذا أن للثلاثي المجرد من الأسماء أحد عشر
بناء وأهمل واحد من الاثني عشر
ثم على الناظم في هذا المساق نظر وهو أن يقال لا يخلو إتيانه
بهذه الأبنية من أن يكون بيانا لها على الجملة من غير تعرض إلى قلة السماع في بعضها أو كثرته أو يكون بيانا لها على التفصل* مع التنبيه على القلة والكثرة وعلى كل تقدير فكلامه معترض فإن كان الأول فكان من حقه أن لا
[270]
ينبه على قلة فُعِل كما لم ينبه على قلة فِعِل إذ لم يأت منه إلا القليل النادر كما
مره* حتى إن سيبويه لم يحفظ منه إلا «إبِل» وإن كان الثاني فكان من
حقه أن ينبه أيضا على قلة فِعِل لأنه قليل ولم يثبت منه باتفاق إلا ما
أثبت سيبويه وما عدا ذلك فمتنازع فيه بين النحويين فمنهم من يثبته ومنه
من لا يثبته والذي ذر غيره من ذلك حِبِر وإطِل والحِبِك وجِلِخ وجِلِب
وفي الصفات بِلز وإبِد أم حِبِرة فقالوا هو غير معروف وأما إطل فإتباع
مختص بالضرورة والصواب فيه إطْل بالإسكان وأما الحبك فإنما
ثبت في قراءة غريبة عن الحسن وحده وأما جلخ جلب فهو اسم للُعبةٍ يلعبها
الصبيان وكأنها جارية مجرى الأصوات ليست من أصل الكلام وأما بِلِز
فإنما ذكره سيبويه بالتشديد بلزّ* هكذا فأنت ترى أكثرها مقولا فيه
مغموزا وإذا سُلِّم فالجميع نادر ولا يقوى على أن يكون فاشيا بمثل هذا
السماع وكذلك فُعِل وإذا كان كذلك فتفرقتُه بينهما في أن نبه على قلة فُعِل
ولم ينبه على قلة فِعِل لا وجه لها
فالجواب أن العلة في باب فِعِل معلومة كما هي أيضا معلومة في باب فُعِل لكن الناظم أشار في أحدهما إلى القلة دون الآخر لمعنى حَسَن
[271]
وبيان ذلك أن فِعِلا وإن كان قليلا ففيه أمران يُلحقانه بالكثير حتى يُنظمَ في
سلكه أحدهما اتفاق النحويين على إثباته إذ لم يخالف في ذلك أحد على
سيبويه وإثباته له بإبِل وزاد الناس عليه أشياء ربما كان فيها الثابت وغيره
لكن الحاصل ثبوته على الجملة وكل ما ثبت باتفاق فهو ثابت في الكلام قلّتُه
لا توهن ذلك فيه والثاني أن ذلك القليل الذي ثبت به فِعِل من قبيل القليل
الذي لا معارض له في قياس ولا سماع وما كان كذلك فمثاله الواحد يقوم
مقام السماع الفاشي كمسألة شَنَئِيّ في النسب إلى شَنُوءةَ* حيث أثبت
سيبويه به القياس في فَعُولة على الإطلاق مع أنه لم يأتِ منه إلا شَنَئِيّ
خاصة قال أبو الحسن فإن قلت إنما جاء هذا في حرف واحد
يعني شنوءة* قال «فإنه جميع ما جاء» قال ابن جني «وما ألطف هذا
القول من أبي الحسن! » ثم فسره بأن الذي جاء هذا الحرفُ وحده
والقياس قابلُه ولم يأت فيه شيءٌ ينقضُه فإذا قاس الإنسانُ على هذا جميع
ما جاء من فعولة وكان صحيحا في القياس فلا غروَ ولا ملام بخلاف ما
جاء مما يضعف فيه القياس وإن كثر كفَعلِيّ* في فَعِيل وفُعلِيّ* في فُعَيل فإنه
لا يقاس عليه للمعارض الذي عارض فيه فإبل في مسألتنا من قبيل شَنَئِيّ لم يأت ما يعارضه من كثرة استعماله في الألسنة وعدم تغيره عن هذا المثال الذي هو فِعِل فثبت فيه فِعِل وقامت أيضا كثرة استعماله مقام كثرة
[272]
أمثاله فاستقام سكوت الناظم عن التنبيه على كثرته وأما فُعِل فليس فيه
شيء مما تقدم أما أولا فلأن النحويين قد فهموا من العرب تخصيصهم هذا
البناء بالفعل دون الاسم على ما أخبر به الناظم ونص عليه ابن جني
وهذا ظاهر فهذا معارض في السماع فيه إذا ثبت وأما ثانيا فلأن ما
ثبت به فُعِل عند القائل به لم يتفق النحويون عليه بل أنكرته منهم طائفة
كثيرة على أحد الوجهين المذكورين قبلُ إما للنقل في أسماء الأجناس أو لغير
ذلك فضعُف الإثبات به بسبب هذا الخلاف وأيضا ليس من قبيل ما
السماع القليل فيه غير معارض بل هو معارض بما ثبت من قصد العرب
في فُعِل وإذا كان كذلك كان فُعِل** أولى بأن يُنبِّه من أثبته على قلة السماع
فيه كما فعل الناظم في فِعِل فإنه لا حاجة إلى التنبيه فيه على قلةٍ
ثم أخذ يذكر أبنية الثلاثي من الأفعال أيضا فقال
وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ
…
فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ، وَنَحْوُهُ ضُمِنْ
اعلم أن الأفعال أقل تصرفا من الأسماء في الكلام وهذا معنى قولهم
الأسماء أمكن من الأفعال أي أكثر في الكلام ولذلك كانت أبنيةُ الأفعال
أقل من أبنية الأسماء ألا ترى أن أبنية الثلاثي من الأسماء أحدَ عشر بناء
ولم يثبت من أبنية الثلاثي من الأفعال باتفاق إلا ثلاثة والرابع مختلف فيه كما
سيأتي إثر هذا بحول الله
[273]
فقوله «الثَّانِيَ» معمولٌ يطلبه ثلاثة الأفعال المتقدمة من باب الإعمال
والذي عمل فيه قوله «اكْسِرِ» فهو من إعمال الأخير ووقع في بعض النسخ
هكذا «وَنَحْوُهُ ضُمِنْ» أي ونحو ما ذكر من الأمثلة مثال ضُمن وفي
بعضها عوضه «وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ» وهو أيضا بمعنى الأول يعني أنك إذا
أردت أيضا أن تحصر أبنية الفعل الثلاثي المجرد من الزوائد فحرك الحرف
الثاني منه وهو عين الكلمة بالحركات الثلاث الضمةِ والفتحِ* والكسرةِ
فتقول فَعُل وفَعَل وفَعِل وزد على ذلك بناءً رابعا وهو موازن ضُمِن بضم
الأول وكسر الثاني وذلك فُعِل وهي صيغة المفعول فهذه أربعة أبنية للفعل
فأما فَعَل بفتح العين فنحو ضَرَب وأكل وشتم وعدل وكمل
وأما فَعُل بضم العين فنحو ظَرُف وشَرُف وحسن وقبح وشجع
وجبن
وأما فَعِل بكسر العين فنحو مَهِل وعَلِم وسلم وسئم ولبس
وهذه الثلاثة لا خلاف فيها وهي المبنية للفاعل ولم يزد الناظم على
هذه الثلاثة تسكين الثاني مع فتح الأول أو ضمه لأنه لا يأتي فِعلٌ على فَعْل ولا
فُعْل إلا وأصله فَعِل أو فَعُل أو فُعِل لأن العرب تسكن العين في هذا النحو
تخفيفا فتقول في ظَرُف ظَرْفَ وفي عَلِم عَلْمَ كما تقول في عَضُد
عَضْدٌ وفي كَتف* كَتِف فمما جاء مسكّنا من فَعِل ما أنشده ابن جني من قوله
[274]
وإن أهجه يضجر كما ضجْر بازل
…
من الأدم دبْرت صفحتاه وعاتقه
أراد ضجِر ودبِرت ومثله في فُعِل قول العجاج
لو عُصْر منها البان والمسك انعصر
أراد لو عصِر ومما جاء في فَعُل قولهم لقَضْوَ الرجلُ يريدون
لقَضُو
وقالوا في حَسُن حَسْنَ وذلك في العجب نحو حَسْنَ الوجهُ وَجْهُكَ
وحَسْنَ وجهًا وَجْهُك قال سهمُ بن حنظلة الغَنَوي
لم يمنع الناس مني ما أردت ولا
…
أعطيهمُ ما أرادوا حُسْنَ ذا أدبا
أراد حَسُن ذا أدبا ولم يتكلم الناظم على شيء مما يتعلق بهذه الأبنية
من الأحكام غير ما ذكره في باب أبنية المصادر وأبنية أسماء الفاعلين
فتركتُ ذكر ما لم يذكره على الشرط الملتزم في هذا الكتاب
فإن قيل إن الناظم إنما بين في مأخذ هذه الأبنية الثلاثة تحريك
الثاني وهو العين لا غير ولم يبيّن تحريك الفاء فإذا أخذ المبتدئ في
تعرف هذه الأبنية لم يعرف كيف يأخذ الفاء؟ ولا بأي حركة يحركها؟ ولا
شك أن حكمها التحريك بالفتح في الأحوال كلها فكان حقه أن يبين ذلك
[275]
فالجواب أن حركة الأول لما لم يذكر فيها اختلافا دل ذلك على أنها على حالة
واحدة ثم إن فتح الأول قد تقرر في مواضع من هذا النظم أن الفاء
مفتوحة في فَعَل وفَعُل وفَعِل في أبنية المصادر وفي غيرها مع أن الأمر في
تحصيل ذلك قريب فترك ذكره لذلك
فإن قلت فكذلك أيضا ذَكَرَ هذه الأبنية الأربعة بالانجرار في متقدم
كلامه فكان ينبغي ألا يذكرها ههنا رأسا على هذا التقدير
فالجواب أن نقول إن الناظم قد ذكر ذلك أيضا ولكنه لم يذكر حصرها
في أربعة أبنية ولا غيرها فبقيت جملة الأبنية مجهولة فذكرها هنا لحصر
أبنيتها وهذا مقصده في هذا الباب فكأنه قال "يحصرها أن تفتح الأول
على ما هو المعهود وتحرك الثاني بالحركات الثلاث وتزيد على ذلك فُعِل
فتنحصر أبنية الأفعال كلها" وهذا بيّن
وأما البناء الرابع وهو المشار إليه بضمن وهو المبني للمفعول فظاهر
الناظم إثباته بناء أصيلا رابعا لتلك الثلاثة إذ لو كان عنده فرعا أصيل لم
يعدّه كما لم يَعُدَّ فَعْل المخفف من فَعُل أو فَعِل لكونه فرعا لا أصلا فكونه قد
عده مع الأبنية الأصلية باتفاق دل على أنه عنده أصلي أيضا وهذا المذهب
قد استقرأه بعض الشراح من كلام سيبويه في أول الكتاب إذ قال «وأما بناء
ما مضى فذَهَب وسَمِع وحُمِد ومكُث» فذكر أربعة أمثلة لأربعة الأبنية فلو كان عنده فُعِل مُغيَّرا لم يذكره كما لم يذكر سائر ما غُيِّر وكلام سيبويه
[276]
حجةٌ يعتمد عليها ويُستند إليها ويستدل أيضا على صحة هذه الدعوى بأنّ
فُعِل لو كان مغيَّرا من غيره لكان مستلزما وجودُه وجودَ ذلك الغير ضرورة
كون الفرع يستلزم وجودُه وجودَ أصله إذ لا يكون الفرعُ دون أصل لكنا
وجدنا أفعالا مبنية للمفعول غير مغيرة من شيء كقولهم وُكِسَ ووُضِعَ
وعُنِي بكذا ونُفِسَت ونُتِجَت وذُهيت* علينا وغُمَّ الهلال وأُغمِي على
الرجل وسُقِط في يده وغُشِي عليه ومن ذلك كثير وهي لم يوجد لها
في كلام العرب ما هي مغيرةٌ منه فدلَّ ذلك على أنها أصول بأنفسها
ومذهب الجمهور أنّ بناء المفعول فرعٌ عن بناء الفاعل ففُعِل مُغيّر من
فَعَل أو فَعِل وجعلوه مذهب سيبويه لأنه لما تعرّض لحصر أبنية الأفعال
لم يذكر المبني للمفعول وأما هذا الموضع فلم يتعرّض فيه لذكر أصل ولا
فرع وإنما أتى بمجرّد تمثيل فقط قال ابن خروف ونصّ في مواضع
- يعني سيبويه - أنه مُغيّر منه واستدلوا على أنه فرع بقول العرب «سُويرَ*
وبُويع ودُرِيَ ولم تُدغم الواو من سوير وبويع ولا همزت الواو الأولى
من ووري* مع أن القاعدة أنه إنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما
بالسكون قُلِبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء وكذلك متى اجتمع واوان
في أول كلمة همزت الأولى على اللزوم فدلّ ذلك على أنهما مغيّران من فعلِ الفاعل وكأنهما ساير ووارى فكما لا تُدغَم الألفُ من ساير ولا تُهمز الواو من وارى فكذلك ما غُيّر منه»
[277]
قال ابن خروف ولا دليل في هذا بدليل تصحيحهم اجتوروا حملا على
تجاوروا وليس تجاوروا أصلا له ولإعلالهم المضارع حملا على الماضي
دليل على السابق منهما لصاحبه. وما قاله ابن خروف ظاهر الورود وقد رَدَّ
أيضا ما استُدل به لمذهب الناظم من وجود بِنْيةِ المفعول لم يُنطق لها ببنية فاعل
بأنّ ذلك قليل ثم قال وكلا القولين ممكن.
فإن قيل ما ذهب إليه هنا مناقض لما تقرر له قبل وذلك أنه ذَكَرَ في
باب النائب عن الفاعل أنّ فعل الفاعلي يُغير بضم أوله وكسر ما قبل آخره في
الماضي وفتحه في المضارع وبيّن هذا المعنى هنالك على عادة النحويين وذلك
ظاهر في كونه مغيرا عنه من حيث يجعل المفعول أو غيره نائبا عن الفاعل
فتُغيرُ لذلك بنية الفاعل إلى بنية المفعول. وهو قد أشار هنا إلى أنّ بنية المفعول
أصلية غير مغيَّرةٍ من غيرها ولا شك أن ظاهر هذا التناقض.
فالجواب أنه ليس بتناقض، أما تقريره هو وغيرُه أنّ المفعول ينوبُ عن
الفاعل في الإخبار بالفعل فلا دليل في هذا على الفرعية لأنّ لنا أن نقول
معناه أنّ المعنى الواقع من الفاعل الأصلُ* أن يُخبَرَ به عن فاعله مذكورا
فاعلُه فيُؤتى له ببنيةِ الفاعل فإن أرادوا ألّا يذكروا الفاعل أتَوا ببنية المفعول.
ومعنى قوله «وَأَوَّلَ الْفِعْلٍ اضْمُمَنْ» وكذا إلى آخره معناه أنك إذا أردت أن تشتق له فعلا من مصدره فاجعله على هذه الشاكلة لا أنه يريد أنك
[278]
تأخذُ بنية الفاعل فتغيرها هذا التغيير ليس في كلامه ما يُعيّن هذا المعنى
وإنما فيه أنك تأتي ببنيةٍ مضمومةِ الأول مكسورة ما قبل الآخر في الماضي
ومفتوحتِه في المضارع فلا تناقض في كلامه.
ثم نقول إن مذهب الناظم في كون بناء فُعِل أصلا هو الأحسن؛ إذ
هو بناء مستقل بأحكامه جار في نفسه مجرى الفعل المبني للفاعل والحمل
على ظاهر الأمر واجب إلا أن يعارض فيه معارض ولا معارض هنا والقولُ
بأنه فرع عن فِعْلِ الفاعل دعوى لا دليل عليها. فالأصح ما قال الناظم
والله أعلم.
* * *
وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إِنْ جُرِّدَا
…
وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتًّا عَدَا
وَمُنْتَهَاهُ يعني منتهى الفعل أربع يريد أربع أحرف إِنْ جُرِّدَ
يعني من الزوائد أي إنّ غاية الفعل المجرد أن ينتهي إلى أربعة أحرف
ولم يُبين له صيغة ولا عدّد له أبنية فهو معترَض من وجهين أحدهما هذا؛ إذ كان حقُّه أن يقول «ومنتهاه أربع ووزنه» كذا أو ما أشبه ذلك.
[279]
والثاني أنه ترك التنبيه على فعل المفعول وكان حقه أن ينبه عليه
كما فعل ذلك في الثلاثي وإلا فلا فرق بينهما في هذا المعنى فكما تقول
فَعْلَل في فعل الفاعل كذلك تقول فُعلِل* في فعل المفعول.
وقد يجاب عن الأول بأن بناء فَعْلَل قد ذكره قبل هذا في أبنية المصادر
فلم يحتج إلى ذكره هنا إذ ليس له أبنية متعددة. وإنما يختص ببناء واحد.
والذي كان واجبا عليه أن يذكر منتهى ما يصل إليه بحروفه الأصول وهو
الذي نبه عليه وهذا مما يدل على ما تقدم لنا قبلُ من أنه إنما قصد ههنا
حصر الأبنية لا ذكرها وتحديدها فلذلك لم يذكر في الثلاثي حركة أول الفعل.
وعن الثاني أنه لما نبه على فعل المفعول في الثلاثي كان الرباعي أيضا
داخلا في ذلك الحكم فلا بد له من بنية المفعول فترك ذكرها اختصارا
ولم يحتج إلى تعيينها إذ قد ذكر* ذلك في باب النائب عن الفاعل وأن
الرباعي يُبنى على فُعلِل* وهذا من اختصاراته.
وقد حصّل أن الرباعي المجرد له بناءان
أحدهما فَعْلل نحو دحرج وقرطس وسرهف وهملج والثاني فُعلِل نحو دُحْرِج وسُرهِف وقُلقِل وزُلزِل
[280]
وإنما كانت غايةُ الأفعال الأربعةَ لأن الأسماء أقوى منها فجعلوا لها
على الأفعال فضيلة لقوتها واستغناء الأسماء عن الأفعال وحاجة الأفعال إلى
الإسناد إليها وحطُّوا الأفعال درجة عنها. هذا تعليلُ المازني وذكر
ابن جني في ذلك وجها آخر وقال إنه قولُ سيبويه وهو أنّ «الأفعال لم
تكن على خمسة أحرف كلُّها أصول لأن الزوائد تلزمها للمعاني نحو حروف
المضارعة وتاء المطاوعة في تدحرج وألف الوصل والنون في احرنجم
فكرهوا أن يلزمها ذلك على طولها». قال ابن جني «فإن قلت إنهم قد
قالوا عندليب وعَضْرَفُوط وقبعثرى ونحوها فألحقوها الزوائد وهي
خماسية فإنّ الأفعال أقعدُ في الزوائد من الأسماء لأنها تنقلها من حال
إلى حال».
ثم قال «وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتًّا عَدَا» يعني أن المزيد فيه من الأفعال غاية
ما يبلغ بالزيادة ستة أحرف لا يتعداها إلى السبعة فأكثر وذلك لأن الأسماء لما
كانت أقوى وأخف كما تقدم ساغ أن تلحق الزيادة ويبلغ بها السبعة وأما
الأفعال فأضعف فلم يبلغ من قوتها أن تساويها في الزيادة. وأيضا فإن
زيادة الأسماء قد تحذف كثيرا في التحقير والتكسير وغيرهما ولا سيما في تحقير الترخيم فصارت في الأسماء كالمنفصلة منها فاحتملوا كثرة الزيادة فيها بخلاف الأفعال فإنها ليست كذلك فكرهوا تطويلها بالزيادة اللازمة.
[281]
وقوله «وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ» إلى أخره يعني أن الزيادة فيه تبلغ إلى الستة
وذلك صحيح كان ثلاثيا أو رباعيا فأما الثلاثي فيصير إلى أربعة
بزيادة واحدة للإلحاق أو لغير الإلحاق ويكون على أَفْعَلَ نحو أكرم
وعلى فَيْعَل نحو بيطر وعلى فَوْعَل نحو حوقل وعلى فَعْول نحو جهور
وبالتضعيف على فَعْلَل نحو جَلبب وعلى يَفْعَلَ نحو يَرْنَأَ لِحْيَتَه وعلى
فَعْلَى نحو سلقى وعلى فَعْنَل نحو قلنس وعلى فاعَلَ نحو
ضارب وعلى فَعَّلَ نحو ضرّب وكذلك ما أشبهه ويصير إلى خمسة بزيادتين
ويكون على تفاعل نحو تضارَب وعلى تَفَعْلى نحو تقلسى وعلى
تفيعل نحو تشيطن وعلى تفعول نحو تَرَهْوَك وعلى تَفَوْعل نحو
تجورب وعلى افْتَعَلَ نحو اقتدر وعلى انْفَعَل نحو انطلق وعلى افْعَلَّ
نحو احمرّ وعلى تَفَعَّل نحو تكرَّم وعلى تَمَفْعَل نحو تمسكن وشبه ذلك.
ويصير إلى ستة بزوائد ثلاث ويكون على افْعَنْلَل نحو اقعنسس وعلى
[282]
افْعَنْلَى نحو اسلنقى وعلى استَفْعَلَ نحو استكبر وعلى افعالَّ نحو
احمارَّ وعلى افْعَوَّلَ نحو اعْلَوَّطَ وعلى افْعَوْعَل نحو اغدودن ونحو
ذلك.
وأما الرباعيُّ فيصير خماسيا بزيادة واحدة على تَفَعْلَل نحو
تدحرج وشبهه ويصيرُ سداسيا بزيادتين ويكون على افْعَنْلَل نحو احرنجم
وما أشبه ذلك.
وقوله «فَمَا سِتًّا عَدَا» كقوله «فَمَا سَبْعًا عَدَا» والكلامُ فيهما واحد.
ثم أخذ يذكر ما فوق الثلاثي من الاسم المجرد وما له من الأبنية وابتدأ
بالرباعي ثم عطف بالخماسي فقال
لِاسْمٍ مُجَرَّدٍ رُبَاعٍ: فَعْلَلُ
…
وَفِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وَفُعْلُلُ
وَمَعْ فِعَلٍّ: فُعْلَلٌ، وَإِنْ عَلَا
…
فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلَا
كَذَا فُعَلِّلٌ وَفِعْلَلٌّ، وَمَا
…
غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ انْتَمَى
يعني أن الاسم الرباعي المجرد له من الأبنية ستة على رأيه
أحدها فَعْلَل بفتح الأول والثالث وإسكان الثاني ويكون في الاسم
والصفة فالاسم نحو جعفر وعنبر وجندل وسخبر والصفة نحو
سلهب وخلجم وصقعب وشجعم.
[283]
والثاني فِعْلِل بكسر الأول والثالث ويكون في الاسم والصفة
فالاسم نحو زبرج وزئبر وقرطم وعظلم والصفة نحو صمرد
دلقم* وزهلق وضمرز وخرمل وهدمل وخضرم
ولطلط ودردح. قال ابن جني «وإنما أكثرتُ من هذا لأن
أبا العباس ذكر أن فِعْلِلا في الصفة قليل».
والثالث فِعْلَل بكسر الأول وفتح الثالث ويكون في الاسم والصفة
فالاسم نحو قلعم ودرهم وقلفع وقرطع والصفة
نحو هجرع هبلع وقيل إن الهاء في هذين المثالين زائدة
لأنهما من الجرع والبلع فوزنهما على هذا هِفْعَل وقد حكى الخليل أنه
[284]
كان يقول الهاء في هرْكولة زائدة لأنها من قولهم تَرْكلُ في مِشيتها
فوزنها إذا هِفْعَولَة وإنما قادهم إلى هذا الاشتقاق كما رأيت ومذهب
سيبويه أن الهاء أصلية في ذلك كله وبهجرع وهبلع مثّل الصفة في هذا
البناء ومنه بعير عِلْكَد أي غليظ شديد العنق والظهر.
والرابع فُعْلُل بضم الأول والثالث ويكون في الاسم والصفة أيضا
فالاسم نحو ثرتم وبرثن وحبرج وفلفل والصفة جرشع
وكندر وصنتع وكلكل.
والخامس فِعَلٌّ بكسر الأول وفتح الثاني ويكون في الاسم والصفة
فالاسم نحو قِمَطْر* وهو ما تان به الكتب وفِطَحْل وصِقَعْل
وهِدَمْلَة والصفة نحو هزبر وسبطر ودِرَفْس وقمطر وهو
الشديد من الجمال الصُّلب.
[285]
والسادس فُعْلَل بضم الأول وفتح الثالث وهو ما استدركه الأخفش
ومثاله في الاسم جُخْدَب وضُفْدَع وجُندَب وطُحلَب وبُرقَع
وجُؤذَر إلا أنّ جُؤذَرا زعم الفارسي أنه أعجمي. ومثاله في الصفة
جُرْشَع نقله أبو حيان في الارتشاف فمثال هذا فُعْلَل بلا شك إلا أنّ
النحويين فيه على فرقتين فمنهم من أخذ به وصحح الاستدراك
والناظم منهم وهو رأيه في الفوائد أيضا وزعم ابن جني أن جميع
البصريين مخالفون لأبي الحسن في هذا إلا من أخذ بقوله وعزوا نقل الفتح
وإثباته للكوفيين وأن البصريين لا يثبتونه وهو الذي رجح في التسهيل
فقال «وتفريعُ فُعْلَل على فعْلُل أظهرُ من أصالته» والذين نفوا وجود هذا
البناء قالوا إن الفتح تخفيف من الضم والدليل على ذلك أنه ليس منها مثال
إلا والضم قد جاء فيه فقد قالوا فيها جُخْدُب وجُنْدُب وطُحْلُب* بُرْقُع
جُؤْذُر بل زعم الزُّبيدي أن الضم هو الأفصح فيها ومثله ذكر ابن جني أنه هو المعروف.
[286]
وهذا كله لا يلزم والفتح منقول فلا بد من قبوله ومن قال إنه مفتوح
من المضموم فدعوى لا دليل عليها ولم يثبت من كلام العرب تخفيف الضم
بالفتح فيُحملَ هذا عليه مع أنه ليس فيه ذلك الثقل وأما قولهم في غُرُفات
غُرَفات فليس تخفيفا من المضموم بل هو تحريك الساكن بالفتح وحملٌ
لفُعْلَة على فَعْلَة وأيضا فقد ألحقوا بفُعْلَل فقالوا سُودَد* قالوا عُوطط
وعُنْدَد وحُولَل وقُعدَد والإلحاقُ لا يكون بأصل بناء ففُعْلَل
بلا إشكال أصلُ بناء ولم يُثبته سيبويه إذ لعله لم يحفظه أو لم يتحقق نقلُه
عنده ولا يلزم من هذا عدمُ قولِه به إن ثبت على أن سيبويه تأول قُعدَدا
ونحوه على أنه لم يلحق بجُخْدَب فقال «وقالوا قُعدَد فألحقوه بجُندَب
وعُنصَل بالتضعيف» وهذا معترض فإنه إلحاق مزيدٍ بمزيد.
فأجاب السيرافي بأن هذه النون لما لم تسقط شُبّهت** بالأصل فألحقوا بها
قال وقُعدد يذل الاشتقاق على سقوط الدال منه يقال هذا أقْعَدُ من هذا
[287]
لأن القُعدَد أقعدُ القرابة في النسب وهذا وإن كان تأويلا يمكن أن يقال مثله
فإنه لا يقوى قوة ما احتج به الناظم فالظاهر إثباته كما ذهب إليه هنا.
هذه جملةُ ما ذكر الناظم من الأبنية للرباعي وذكر غيرُه أربعة أبنية
زائدة على ما ذكره.
أحدها فَعْلِل بفتح الأول وكسر الثالث ذكروه في الأسماء قالوا
ما عليه طحرية أي قطعة ثوب حكاه أبو عبيدة عن أبي الجراح لغة في
طِحْرِية استدركه الزبيدي وابن خروف وتبعهما ابن عصفور أيضا.
والثاني فَعَلٌّ بضم الأول وفتح الثاني حكى أبو زيد في الصفات
امرأة هُرَكْلَة في هُرْكُولة وذكر الزبيدي في استدراك هذا المثال من
الأسماء أنه يُقال لقيت منه الفُتَكْرِين لغةٌ في الفِتكْرين فأثبت به
فُعَلا وغلَّطه الناس في هذا المثال لأنه إنما يصح على أنه يقال الفُتَكرون
في الرفع الفُتَكرين في النصب والجر فإذا ثبت هذا نقلا فحينئذ يصح ما قال وإلا فلعله فُتَكْرِين كقُذَعْمِيل فالذي يصح من تمثيل هذا قولهم هِرَكْلَة وذكر أبو حيان في الارتشاف هذا البناء وأثبته بقولهم خُبَعْثٌ ودُلَمْز
[288]
وقال: خلافا لمن نفاه. وأنشد الجوهري شاهدا على الدُّلَمْزِ قول الراجز
أبناءَ كلِّ سلب ووهز
…
دُلامِز يُربي على الدُّلَمْزِ
لكنه حمله على أنه مخفف من دلامز
والثالث فُعْلِل بضم الأول وكسر الثالث في الأسماء أيضا حكى
ابن خروف الضم في طَحْرِبَة وأنه يقال طُحْرِبة* واستدركهما معا.
والرابع فِعْلُلٌ بكسر الأول وضم الثالث حكى ابن جني في الأسماء
عن بعضهم زِئْبُر وضِئبل خرفع.
وكأن الناظم لم يُثبت هذه الأبنية بمثل هذا السماع لشذوذه وقلة
استعماله أو لغير ذلك مما يشير إليه بعدُ. وقد حكى ابن سيده في العَرَنْتُنِ
العَرْتَنَ والعَرْتُنَ وذلك يُثبت مثال فَعْلُل وهو بناء خامس.
ثم قال «وَإِنْ عَلَا
…
فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلَا» إلى آخره. الضمير في
«علا» راجعٌ إلى الاسم يعني أنّ الاسم إن علا على ألأربعة فصار خماسيا
فإنه يحوي هذه الأمثلة الأربعة أحدها فَعَلَّلُ بفتح الأول والثاني والرابع ويكون في الاسم والصفة فالاسم نحو سَفَرْجَل وفرزدق وزبرجد وخدرنق والصفة نحو شمردل وهمرجل وجنعدل.
[289]
والثاني فَعْلَلِلٌ بفتح الأول والثالث وكسر الرابع ويكون في الصفة نحو
قهْبَلِس وجحمرش وصهصلق وقنفرش قال سيبويه «ولا نعلمه جاء
اسما» ويظهر من المازني أنه قد جاء اسما لأنه لما مثّل بنات الخمسة
قال «وتكون هذه الخمسة أسماءً وصفات» ويدلّ على ما قال المازني
أنهم قالوا قَهْبلس للمرأة العظيمة لحشَفَةِ الذكر أيضا وقد قال
الجوهري إنه الذكر نفسه وبهذا قد يثبت مجيئُه اسما.
والثالث فُعَلِّلٌ بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع ويكون في
الاسم والصفة فالاسم نحو خُزَعْبِلَةٍ ويقال ما في السماء قُذَعْمِلَة أي
شيء من السحاب والصفة نحو قُذَعمل للضخم من الإبل والخُبَعْثين*.
والرابع فعْلَلٌّ بكسر الأول وفتح الثالث ويكون اسما وصفة
فالاسم نحو قِرْطعْبٍ وحنبتر وقرزحلة والصفة نحو جِرْدَحْل
وخنزقر وقرطعن.
[290]
هذا ما ذكره الناظم من الأمثلة للخماسي وقد زاد غيره على هذه
الأبنية ستة أبنية.
أحدها فُعْلَلِلٌ بضم الأول وفتح الثالث وكسر الرابع وهو المشهور
في استدراك الزبيدي وابن السراج وغيرهما ومثاله الهُنْدَلِعُ لبقلة.
والثاني فَعِلِّلٌ بكسر الأول والثاني والرابع ومثاله عِقَرْطِلٌ
اسم لأنثى الفِيَلة حكاه ابن سيده.
وهذان المثالان ذكرهما الناس واشتهرا والأول أشهرهما.
والثالث فِعَلَّل بكسر الأول وفتح الثاني والرابع
والرابع فُعُلَّل بضم الأول وفتح الثالث
والخامس فَعْلَل بفتح الأول والثالث
والسادس فُعُلُّل بضم الأول والثاني والرابع
وهذه الأربعة الأخيرة ذكرها أبو حيان وأثبتها مع ما تقدم وأتى لها
بمثل لم أقيِّدها كما أحب فتركتها فانظرها في الارتشاف له. ولم يعول
الناظم على شيء من هذا وإنما أثبت ما أثبته سيبويه والجمهور وما
عداها فمحتمل أو نادر.
[291]
ثم أخذ الناظم ينفي غير ما ذكر بقوله «وَمَا
…
غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ
انْتَمَى» ما: واقعة على الأمثلة التي تُمثَّل بها الأبنية أو على الأبنية أنفسها.
وحذف مفعول «غاير» للعلم به وهو ما تقدم من الأبنية في الرباعي
والخماسي والزيدُ: مصدر زاد يَزِيد زيدا وزيادة فيعني أنّ ما غاير ستة
الأبنية المذكورة في الرباعي والأربعة المذكورة في الخماسي من الأمثلة التي
يُلحِقُ بها المستدركون أبنية أخر ويظهر ببادئ الرأي الإلحاق بها فإنها
ليست بتلك المنزلة ولا ثابتة عنده فيها وإنما مخرجها عنده أحد أمرين:
أحدهما أن يكون المثال منتميا أي منتسبا** للزيادة ومعنى كونه
منتسبا لها أن يكون ذا زيادة لا يكون مجردا فما كان من الأبنية مغايرا
ومخالفا لما مضى فيمكن أن يكون منها ما هو مزيد فيه وذلك نحو هُرَكْلَة
فإن الهاء يمكن أن تكون زائدة كما قال الخليل في هُرْكُولَة لأنها بمعناها
إذ هي بمعنى تَرْكُل في مشيتها فإذا أمكن في الهاء الزيادة لم يكن في
هُرَكْلَة دليل على فُعَلٍّ ومثلُ الهُنْدَلِع لا يثبت به فُعْلَلِلٌ لإمكان زيادة
النون قال ابن جني «ومن ادعى ذلك - يعني إثبات فَعْلِلَلٍ** - بهُنْدَلع احتاج
إلى أن يدل على أن النون من الأصل» قال ابن الضائع وإنما ينبغي
أن يجعل هذا في مزيد الرباعي والنون زائدة لأن مزيد الرباعي أوسعُ
[292]
من أصول الخماسي ولذلك حمل سيبويه كَنَهْبُل* على زيادة النون وإن
كان ليس موضع زيادتها لكن حمله على ذلك لسَعَة باب الزيادة وضيق باب
الأصالة وكذلك مسألتنا. وقيل مثل ذلك في زِئْبر وضِئْبل قال ابن كيسان
هذا إذا جاء على هذا المثال يشهد للهمزة أنها زائدة قال وإذا وقعت
حروف الزيادة في الكلمة جاز أن تخرج عن بناء الأصول فلهذا ما جاءت
هكذا وهذا الذي قال يُعضّده كلام سيبويه في كنهبُل وليس بخارج
عن النظر وهو أولى وإنما ادعى الزيادة لأن البناء إذا كان فيه حرف يمكن
أن يكون زائدا إلا أنه لم يقم دليل على زيادته فنحن فيه بين أمرين إما
أن ندعي أصالته فنُثبت فيه* في المجردات بناء غير موجود أو ندعي زيادته
فنُثبت به أيضا بناء غير موجود فقد تعارض مكروهان فيحتمل أسهلهما
ولا شك أن باب الزيادة أقرب لأنه أوسع البابين فلذلك جعله الناظم من
باب المزيد ولم يجعله من باب المجرد.
والثاني أن يكون المثال منتميا للنقص أي يكون المثال قد حُذف منه
حتى خرج عن أصل بنائه إلى بناء غير موجود مثاله مما تقدم خُبَعْثٌ
يمكن - إن ثبت - أن يكون محذوفا من خُبَعْثَن في ضرورة شعرٍ تشبيها للنون الأصلية بالزائدة كما حذفوا نون «لم يك» في الجزم وهي أصلية تشبيها بما شأنه الحذف وهذا أولى من ادعاء ثبوت ما لم يثبت حتى يتضح دليل الثبوت
[293]
وكذلك الدُّلَمْز إنما أصله الدُّلَمِز الذي أصله الدُّلامِز ثم سكّن الميم
في الضرورة بعد حذف ألف الدلامز وهو رأي صاحب الصحاح فيه وهو
رأي صَحاح.
ومثاله من غير ما تقدم ما جاء على مثال فَعَلُل وفَعَلِل وفَعَلَل وفُعَلل
فالأول نحو عَرَتُن وعرقص وعَبَقُر أما عرتُن فأصله عَرَنْتُن قال
سيبويه وإنما حذفوا نون عرنتن كما حذفوا ألف عُلابط وكلتاهما يتكلم
بهما يعني أنه يجوز أن يقال عرنتن وعرتن فعرتن قد حذفت منه النون
وأصله أنه مزيد فيه رباعي الأصول كقَرَنْفُل فإذًا فَعَلُلٌ لا يثبت به أصلُ
بناء وأما عَرَقُصٌ فمحذوف أيضا أصله عريْقُصٌ قال ابن سيده
العَرَقُص والعُرَقِص والعُرْقُصاء والعُرَيْقصاء والعُرَيْقصان
والعرَقُصان والعَرَيْقص كله نبت فإذًا ليس بفَعَلُلٍ على الحقيقة وإنما هو عَرَيْقُصٌ فَعَيْلُلٌ من الرباعي المزيد فيه. وأما عَبَقُرٌ فمُغيَّر أيضا وهو في المثل أبردُ من عَبَقُرٍّ ويقال حَبَقُرٍّ بالحاء فقيل إنه محذوف من
[294]
عَبَيْقر وقيل أصله عَبَقُور فحذفت الواو وهذا هو الجاري على
طريقة الناظم وقد ذكر الجوهري في توجيه عبقُرّ أنهما كأنهما كلمتان جُعلتا
كلمة واحدة قال لأن أبا عمرو بن العلاء يرويه أبردُ من عَبِّ قُرّ قال
العبُّ اسم البَرَج الطي ينزل من المزن وهو حب الغمام فالعين مُبدَلة من
الحاء والقُرُّ البَرْدُ وأنشد
كأن فاها عب قر بارد
…
أو ريح روض مسه تنضاح
وأما قول المرار بن منقذ
أعرفت الدار أم أنكرتها
…
بين تبراكٍ فشَسَّى عبقر
فذكر عن المازني أنه أراد عبقر فغير الصيغة وقال الجوهري «ولما
احتاج إلى تحريك الباء لإقامة الوزن وتوهم تشديد الراء ضم القاف لئلا
يخرج إلى بناء لم يجئ مثله فألحقه ببناء جاء في المثل وهو أبرد من
عبقر».
والبناء الثاني نحو ذَلَذِل وزَلَزِل وجَنَدِل لا يثبت به فَعَلِلٌ لأنها
محذوف منها إلا أنهم اختلفوا في المحذوف هنا فذهب سيبويه والجمهور
[295]
إلى أنّ المحذوف الألف وأصلها ذلاذِل وزلازل وجَنادل والذي قادهم
إلى أن المحذوف هو الألفُ أنهم نطقوا بها فقالوا ذلاذِل قال الزَّفَيان
مشمّرا قد رفع الذلاذلا
أنشده الجوهري وإنما دخله التنوين لنقص البناء ونُقل عن الفراء
ونسبه ابن مالك للفارسي أيضا أنّ المحذوف ياءٌ وأن الأصل ذَلَذِيل
وزَلَزِيل وجَنَديل وإياه ارتضى في التسهيل والذي رأيتُ في التذكرة
للفارسي لا يتعين منه أنه مذهبه قال فيها: قولهم ذَلَذِل حمله سيبويه على
أنه جمع حذفت منه الألف وغيره يحمله على أنه ذلذيل وينكر ما ذهب إليه
سيبويه من حذف الألف ومن حجته في ذلك إنه يقول إن لمعنى وحرف
المعنى لا يحذف هذا ما ذكره فيها فيما رأيتُ وقد رأيت له فيها المشيَ على
طريقة سيبويه والجمهور في مواضع فهذا «الغير» يحتمل أن يكون الفراءَ
وهو الأظهر فلا يكون الفارسي مخالفا للجمهور وقد وجّه هذا المذهب
بعضُهم بأن تلك الألفاظَ تقع على مفرد لا على جمع وفَعَلِيل معروف في الآحاد
بخلاف فَعالِلَ فإنه مقصور الاستعمال على الجمع قال شيخنا القاضي رحمه الله ومذهب الفارسي ظاهر إلا أنه يلقاه فيه أنه ليس في أشبه الرباعي فَعَلِيل وإنما هو في الثلاثي المزيد فيه كصَمَكِيكٍ حَمَصِيصٍ وما
[296]
أشبه ذلك إلا أنه رحمه الله قال لنا وقت قراءة هذا الموضع من التسهيل
عليه: يغلب على ظني أن الفارسي ذكر من الرباعي مثالا على فَعليل قال: ولا
أُحقِّق أذكر ذلك في التذكرة أم لا؟ فإن ثبت ما قاله فيسهل الجواب عن هذا
الاعتراض ورجح بعض الشيوخ مذهب الجماعة أيضا بوجهين:
أحدهما أن سيبويه صرّح بالترادف بينه وبين ذي الألف قال
ويقول بعضهم جَنَدِل وذلذِل يحذفون ألف جنادلَ وذلاذِلَ وينوّنون ويجعلونه
عوضا من هذا المحذوف.
والثاني أن التخفيف من لفظ مستعمل أولى من التخفيف من لفظ لم
يُستعمل قطّ. قال وما ذُكر من حذف حروف المعاني إذا كان على الجواز
ووُجد المُحرِزُ وفهم المعنى فقريب.
هذا ما قال وهو بناء على تسليم أن الألف فيها حرف معن وإنما
يُتصور ذلك على تسليم أنها جموع لا مفردات فإنِ ادُّعيَ أنها مفردات - وهو
ظاهر من تفسير معناها - فمثلُ تلك الألف في المفرد ليست لمعنى كألف
عُلابِط وعُكامِس وإذا تقرر هذا فالحذف متقرر باتفاق الجميع وليس
للناظم هنا في المحذوف مذهب معين من المذهبين.
والبناء الثالث نحو عَرَتَن هذا أيضا محذوف على مُقتضى الناظم وأصله عرنْتَن ذكره الزبيدي أنه يقال عرتُن وعرنْتُن وعرتَن
[297]
وعرنْتَن وهو دليل على أنه محذوف منه فهو من قبيل الرباعي المزيد
فيه.
والبناء الرابع نحو فُعَلِل نحو قولهم عُكَمِس وعُجَلِط ودُوَدِم
ودلمز وعكمص وعكلد وعلكد وخزخز قال أنشده ابن
جني
أعددت للورد إذا الورد حفزْ
…
غربا جرورا وجلالا خزخزْ
وكذلك عُلَبِط أنشده ابن جني
وزعموا - وكذبوا - بأنهمْ
…
لقيهم علبطٌ فشربوا
وهو كثير جدا لكنه محذوف والمحذوف منه الألف فالأصل عُلابط
بالألف.
قال
لو أنها لاقت غلاما طائطا
…
ألقى عليه كُلكلا عُلابِطا
[298]
وأنشد الفراء
ما راعني إلا جناح هابطا
…
على البيوت قوطَه العلابطا
وكذلك عُكَمِسٌ أصله عكامس وعجلط عجالط وكذلك سائرها
قال سيبويه «والدليل على ذلك أنه ليس شيء من هذا المثال إلا ومثال فُعالِلٍ
جائزٌ فيه تقول عُجالِط وعُجَلِط وعكالط وعكلط ودوادم ودُوَدِم» وقد
تقدم إنشاد الجوهري
دلامز يُربي على الدلمز
فهذا وأشباهه الذي أراد الناظم أن ينفيه بقوله «وَمَا
…
غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ
النَّقْصِ انْتَمَى» وإذا تقرر هذا بقي الدليل على الحذف وإلا فلقائل أن
يقول إن تلك لغاتٌ أصلية ولا حذف فالدليل على أنها محذوفة أنها قد اجتمع
فيها أربع متحركات في الكلمة الواحدة وأربع متحركات في كلمة واحدة لا
يوجد إلا أن يعرض عارض كزيادة في تقدير الانفصال نحو شجرة وجَمَزَيان
في تثنية جَمَزَى* أو تكون الكلمة من كلمتين نحو شَغَرَ بَغَرَ وخمسةَ عَشَر
أو نحو ذلك فأما أن يوجد أربع متحركات في أصل بناء فلا ولأجل ذلك رد ابن الطراوة على الفارسي في تثنية جمزى* جمزيان قال لأن فيه توالي أربع حركات ولذلك التزموا الحذف في النسب إلى جمزى** قال وهذا غلط
[299]
لأن العلة في الحذف في جمزيٌّ ليس امتناع توالي أربع حركات
لأن ذلك يجوز كشجرة ونحوه؛ إذ كان في تقدير ما لا يجتمع فيه تلك
الحركات وكذلك التثنية لأن الأصل رعيُ الواحد بل العلة في امتناع
جمَزوي استثقاله مع أن الباب والأكثر في حبلى حذف الحرف فحيث لا
يجوز الحذف أصلا وإن زاد العدد لا يراعى توالي الحركات وإنما سقت هذا
بيانا لمحافظتهم على قاعدة امتناع أن يجتمع أربع حركات في كلمة فلما كان
الأمر في الكلم العربية على هذا ثم أتى في كلامهم مثل فعلل وفعلل وفعلل
وفعلل علموا بلا بذ أنها محذوف منها وإلا لألزم مخالفة القاعدة والخروج
عن كلام العرب وعين لهم المحذوف نطقهم بالأصل ورأوا أن فعلل من
فعالل وأن فعلل من فعالل وأن فعلل وفعلل من فعنلل وفعنلل لا شك
فيه فهذا هو الدليل على صحة ما دعاه الناظم وغيره فإن قيل هذا لا دليل فيه فإن توالي أربع متحركات قد يأتي من غير عارض يعرض وذلك في نحو جمزى وبشكى ومرطى وغير ذلك مما اجتمع* فيه قبل ألف التأنيث ثلاث حركات فإن ألف التأنيث في تقدير التحرك ألا ترى أنها محل الإعراب والإعراب مقدر في الألف وإذا كان مقدرا فيها والمقدر كالمنطوق به فقد صار مما يجتمع فيه أربع حركات وليست الألف في تقدير الانفصال كالتاء لأن الكلمة مبنية عليها فمرطى ونحوه مثل
[300]
أن لو قلت في مرمى مرمىُ وفي مغزى مغزىُ بل كقولك في جعفر
جعَفِر وهو عين ما نفيت
فالجواب أن تقدير الإعراب في ألف التأنيث لا يكون بمنزلة الحرف
المتحرك وإنما الألف باقية على سكونها ومعنى تقدير الإعراب فيها أنه لو
كان في موضعها حرف صحيح لكان متحركا هذا هو المراد ولا يلزم من
ذلك أن تكون متحركة وهذا خصوص في ألف التأنيث وحها لأنها غير
منقلبة عن شيء وأما غير ألف التأنيث كألف عصا ورحا فإنها ما كانت ألفا
إلا وقد انت واوا أو ياء متحركة مفتوحا ما قبلها وحينئذ انقلبت وإذ ذاك
تقول إذا كانت الألف منقلبة فلا يوجد قبلها ثلاث حركات أصلا ألا ترى أنه
لم يأت نحو مدعى ومغزى ولا ما أشبه ذلك لأنه في تقدير مدعى* ومغزي*
فيلقى فيه اجتماع أربع حركات وكذلك الأمر في ألف الإلحاق إن قلنا إن
أصلها الياء على ما ذهب إليه المازني إذ هي منقلبة عن حرف متحرك
وإن قلنا إنها غير منقلبة وإنما سيقت على صورتها كألف التأنيث فإن
حكمها حكم المنقلبة لأنها إنما أتي بها في مقابلة المتحرك فكأنها متحركة
حقيقية فمثل هذه الألف لا يوجد قبلها ثلاث حركات أصلا كما لا يوجد
أربع حركات فيما آخره صحيح كسهلب وجعفر وهذا بين فيما ارتكبه الناظم
[301]
وغيره في هذه المسألة في قوله «وَمَا
…
غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ انْتَمَى» وبالله
التوفيق إلا أنه يرد عليه فيه اعتراض وهو أن ما اعتذر به عن استدراك من
استدرك غير ما ذكر أو عن توهم الاستدراك قاصر إذ لا يمشي له إلا في
بعض ما تقدم الاستدراك فيه فأما ادعاء الزيادة فإن تأتى له في هركلة
وهندلع وما تقدم ذكره لم يتأت له في طحربة وحرفع ولا في عفرطل وغيره
مما استدركه الناس إذ ليس فيها ما يدعى زيادته وأما ادعاء النقص فكذلك
أيضا يقال فيه حرفا بحرف وأين هذان الأمران فينفي الاستدراك من
ستة الأشياء التي ذكر في التسهيل منها هذان وذلك حيث قال «وما
خرج عن هذه المثل فشاذ أو مزيد فيه أو محذوف منه أو شبه الحرف
أو مركب أو أعجمي» فأما الشذوذ فقد يقال إنه كان يخرج به نحو
خرفع وطحربة وطحربة وعفرطل ونحو ذلك مما استدركه أبو حيان
وغيره وأما المزيد فيه والمحذوف منه فقد تقد ذكرهما وأما التركيب فكان
يخرج به نحو أحد عشر وحضرموت وكذلك عبقر وحبقر على ما
تقدم ذكره عن أبي عمرو بن العلاء وأما العجمة فكان يخرج بها ما كان نحو
السقرقع لشراب لأهل الحجاز لغة حبشية ويقول الفرس للسكر طبرزد
وطبرزل وطبرزن وكالفرند وما أشبه ذلك وما أحوج الناظم إلى إخراج
[302]
الأعجمي لكثرة ما فيه من الأوزان الخارجة عهما قال وهو لم يشعر بإخراجه
في مقدمة التصريف وأما شبه الحرف فهو الذي لا يحتاج إليه هنا لأنه قد
قدم إخراجه أولا بقوله «حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنِ الصَّرْفِ بَرِي» فلا اعتراض بع
وإنما يعترض عليه بترك الثلاثة الباقية وهي الشذوذ والتركيب والعجمة
فإن اقتصاره على ما ذكر يقتضي يقتضي أن نحو طحربة وعفرطل وخزفع
وحضرموت وسقرقع وطبرزد داخل في الزيادة والنقصان وليس
كذلك
وقد يجاب عن بعض هذا بأن الناظم إنما بنى في الاعتذار بالزيادة
والنقص عما اشتهر الاعتذار عنه من المستدركات وما يوهم الاستدراك ولم
يقصد لبيان الشذوذات الشاردة والأمور النادرة جدا ولا شك أن خرفعا
وطحربة ونحوهما مما تقد ليس له تلك الشهرة في المنقولات النادرة ولا
يليق الاحتراز من مثلها في مثل هذا المختصر بخلاف نحو الهندلع فإنه في
الاستدراك مشهور قد أثبت به البناء جماعة كابن السراج والزبيدي وغيرهما
فمن مثل هذا ينبغي أن يحترز المؤلف وعلى هذا نقول ما كان من نحو تلك
الأمثلة التي ذكرها أبو حيان فلا ينبغي أن يلتفت إليها وأكثرها غير محقق في النقل وأكثر الكتب المشهورة في اللغة لا تجدها فيها ويكفي من وهنها وضعف الثقة بها هذا المقدار فكيف يعتذر في هذا الجزء المختصر اللطيف الحجم عن مثل ذلك ليس هذا من شأنه هنا بل لم يلتفت إلى تلك
[303]
الأشياء إلا في التسهيل على الإجمال لا على التفصيل فإذا لا يحتاج
في هذا النظم إلى الاعتذار بالشذوذ وهذا هو عمدة الاعتراض وأما التركيب
فلم يحتج إلى ذكره لأن الثاني من المركبين زائد على الكلمة الأولى قائم مقام
الزائد وهو تاء التأنيث فظاهر إخراجه من كلامه ولو لم يكن في كلامه
ما يخرجه لم يحتج إليه أيضا لأن المركب كلمتان فكل كلمة لها وزنها الذي
تختص به وهذا ظاهر وأما العجمة فلعمري إن الاعتراض بها وارد
إلا أن يقال إن الأعجمي داخل فيما أشبه الحرف على الطريقة التي تقدمت
لابن جني فيه قبل هذا لكن يلزم على عطا أن يكون الأعجمي لا يدخله
التصريف على مذهبه وهذا قريب إذ قد استثناه جماعة عن دخول
التصريف فيجري على رأي من رأى ذلك وإن كان الأرجح في النظر
خلافه والله أعلم
وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَمْ فَأَصْلٌ، وَالَّذِي
…
لَا يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ «تَا» احْتُذِي
لما تكلم الناظم رحمه الله على الأبنية المجردة من الزوائد وظهر
بحصرها أن ما عداها مزيد فيه أو منقوص منه والمنقوص منه راجع إلى
أنه مزيد ما عدا ما تقدم في قوله
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِيٍّ يُرَى
…
قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا
[304]
فإن ذلك خارج عما ذكر هنا عرض له هنا الاضطرار إلى بيان الحرف
الزائد من الحرف الأصلي فذكر أن الحرف الذي تضمنته الكلمة على
قسمين
أحدهما أن يلزم الكلمة بحيث لا ينفك عنها في جميع تصاريفها بل
يكون في الكلمة كيف وجدت وعلى أي وجه تصرفت لا يفارقها فهذا الحرف
هو الأصل أي الذي انبنت الكلمة في الأصل منه وهو ظاهر من حيث لم
يكن عارضا في الكلمة
والثاني ألا يلزم الكلمة بل يكون في بعض تصاريفها تارة ويفارقها
تارة في بعض التصاريف فليست الكلمة مبنية عليه في الأصل فهذا هو
الزائد أي الذي أتي به زيادة على الكلمة بعد أن استقلت بدلالتها على
معناها وذلك أن النحويين استقرءوا كلام العرب فوجدوا ألفاظا كثيرة
يجمعها معنى واحد ولفظ واحد لكن يختص كل لفظ من تلك الألفاظ بأمور لا
تكون في غيره ويفرقون بين تلك الألفاظ لأجل تلك الاختصاصات تارة
بالحركات فقط نحو فرح وفرح وفرح فالأول يدل على معنى الفرح
منسوبا إلى فاعل في الزمان الماضي والثاني يدل على ذلك المعنى منسوبا
إلى محله الذي طهر فيه ومثل هذه النسب كثيرة جدا في اللغة
والثالث يدل على معنى الفرح مجردا من تلك النسب وتلك الاختصاصات
وتارة يفرقون بين تلك الاختصاصات بزيادة حروف كقولك ضرب وضارب
[305]
ومضروب مضرب فضرب يدل على معنى الضرب مجردا من النسب
وضارب يدل على الضرب متصفا به فاعله ومضروب يدل عليه واقعا بالمفعول
به ومضرب يدل على الضرب أيضا منسوبا إلى محله من زمان أو مكان
ونحو هذا كثير فجعلوا الحروف الدالة على طلك المعنى المشترك أصولا من
حيث كانت دائرة في تلك التصاريف لا تنفك عنها وجعلوا الحروف الدالة على
تلك الاختصاصات وهي الزائدة على حروف ذلك المعنى المشترك زائدة
لأنها وإنم** كانت تدل على معنى ما لا يختل أصل المعنى بزوالها فلو أزلت
ألف «ضارب» لم يختل معنى الضرب بخلاف ما إذا أزلت حرفا من الحروف
الدالة على المعنى الأصيل المشترك كالضاد أو الراء أو الباء فإن الدلالة
على معنى الضرب إذ ذلك تختل وعلى هذا يتنزل مثاله وهو احتذي
فالتاء كما قال زائدة لأنها لا تلزم إذ المعنى المشترك هو الحذو وحروفه
الدالة عليه هو مادة ح ذ وفإذا قلت حذا يحذو حذوا وهو بحذاء ذا
وحاذاه يحاذيه حذاء فمعنى الحذو موجود والتاء غير موجودة فهي
ولا بد زائدة كما قال وكذلك الألف في احتذي لأنك تقول هو يحتذي
ويحتذى فتزول الألف وأصل المعنى باق
واعلم أن اللزوم وعدمه على وجهين أحهما موجود في الاستعمال
كالأمثلة المذكورة آنفا
والثاني موجود قياسا وإن لم يقع في الاستعمال فقرنفل مثلا
النون فيه في الاستعمال لازمة إذ لم نجدها ساقطة في موضع مع أنا ندعي
[306]
زيادتها وكذلك كنهبل النون فيه عندنا زائدة غير لازمة حكما مع أنها
لازمة في الاستعمال ولم نسو بينها وبين همزة إصطبل* بل حكمنا على
الهمزة هنا بالأصالة على مقتضى الاستعمال وخالفنا في النون لكن لم يكن
ذلك إلا لدليل دل على الفرق سوى الاستعمال فهمزة إصطبل محكوم
لها بمقتضى قوله «وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَمْ فَأَصْلٌ» ونون قرنفل ونحوه محكوم
لها بمقتضى قوله «وَالَّذِي
…
لَا يَلْزَمُ الزَّائِدُ» فيريد أن الحرف إن لزم قياسا
أو استعمالا أو لم يلزم قياسا أو استعمالا وبهذا التحرير يتبين كلامه
حق البيان على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى
ثم إن هذا القانون كما يجري له في الزوائد التي من «سألتمونيها»
كذلك يجري له في الزوائد التي بالتضعيف فإنك إذا قلت سلم وكلم
وضرب فهذه أفعال على أربعة أحرف والعين فيها مضاعفة وأحد المضاعفين
يسقط في السلام والكلام والضرب مع بقاء المعنى المشترك فإحدى العينين
ولا بد زائدة وكذلك قولك مرمريس وقد عرف أنه من معنى المراسة
ومن لفظها وقد سقط في المراسة إحدى الميمين وإحدى الراءين فلا بد
على قاعدته من دعوى زيادتهما كما ندعي زيادة الياء أيضا لسقوطها
وكذلك قولك اعشوشب المكان قد علمت الملاقاة بينه وبين قولك أعشب
[307]
وأن إحدى الشينين ساقطة فلا بد أن تكون زائدة كما ادعي في الواو
الزيادة لسقوطها أيضا وعدم لزومها وكذلك ما أشبه هذا وقد تبين هذا
المعنى الذي أراده الناظم إلا أنه بقي فيه شرح موضع موضع اللزوم أو عدمه فإنه لم
يبينه فإن قوله «وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَمْ فَأَصْلٌ» لا إشارة فيه إلى موضع لزوم
ولا شك أن اللزوم وعدمه إنما يبحث عنه في تصاريف المادة التي ثبتت للمعنى
المشترك لكن البحث فيها على وجهين أحدهما طريق الاشتقاق وهو
الاستدلال على الفرع بأصله والثاني طريق التصريف وهو الاستدلال على
الأصل بفرعه وكلاهما دليل لا غبار عليه وهما الأصل في الدلالة على
الأصالة والزيادة وما عداهما راجع إليهما وقد بينت هذا المعنى في كتاب
«الاشتقاق» فدلالة الاشتقاق مثل ما تقدم في تاء «احتذي» إ هو مشتق
من الحذو هذا إن لم تراع المراتب الصناعية وإن راعيتها قلت: من الاحتذاء
الذي اشتق من الحذو ودلالة التصريف مثل قولك إن الواو في «قعود»
زائدة لقولهم في فعلة قعد ولقولهم في المرة منه قعدة وللهيئة قعدة
وللفاعل قاعد وما أشبه ذلك مما يقوم الدليل عليه بفرعه فقوله «إِنْ
يَلْزَمْ» «وَالَّذِي
…
لَا يَلْزَمُ» معناه في تصاريف المادة بطريق الاشتقاق أو
بطريق التصريف ثم إنه يرد عليه في هذه القاعدة أمران أحدهما أن هذه القاعدة غير مطردة في كل شيء فإن الحرف قد يكون غير لازم في جميع التصاريف مع أنه أصل وقد يكون لازما أيضا في
[308]
التصاريف كلها وهو مع ذلك زائد يقوم الدليل على زيادته بوجه آخر ولا
أقول إن هذين القسمين من القليل الذي لا يعتبر مثله بل هو كثير جدا
أما كونه غير لازم مع أنه أصل ففي مواضع منها آخر المنقوص نحو
شج وعم وقاض وغاز وجوار وغواش وأجر وأظب وما أشبه
ذلك مما هو راجع إلى أصل ذلك الحرف المحذوف فيه أصل فإن الشجو
والعمى والقضاء الغزو* ونحو ذلك حروف العلة فيها أصلية بلا بد مع
أنها غير لازمة في التصاريف فيقتضي** كلامه أنها زوائد ومنها الأسماء
الخماسية الأصول المجردة أو المزيد فيها إذا صغرت أو كسرت حذف منها
الحرف الآخر أو ما قبل الآخر على ما تقدم في أبوابه والتصغير والتكسير
من جملة التصاريف للكلمة باتفاق وبهما يستدل على الأصالة والزيادة
في جملة ما يستدل به ألا ترى أنك تدل على زيادة همزة «أحمر» بالاشتقاق
من الحمرة وبجمعه على حمر فإطلاق القاعدة يدخل مثل هذا في حكمها
فيكون الحرف الأخير من الخماسي زائدا وقد فرض أنه أصل هذا خلف
وهو أيضا يؤدي إلى أن لا يكون في الوجود خماسي أصلا وهو نحو ما ذهب إليه الكوفيون على ما يأتي إن شاء الله في فصل التفعيل وقد تقدم أيضا وهذا كله فاسد ومنها فيعل إذا كانت عينه* حرف علة فإنه
[309]
يحذف قياسا نحو ميت وهين ولين وكذلك فيعلولة نحو كينونة
وقيدودة وبالجملة لكل ما حذف منه حرف أصلي لعلة تصريفية فإنه على
مقتضى هذه القاعدة زائد لأنه غير لازم وهذا كله لا يصح فالإطلاق في
كلامه لا يصح
وأما كونه لازما مع أنه زائد ففي مواضع أيا منها الزيادة للإلحاق
نحو بيطر وحوقل فإن الياء والواو فيهما ملحقتان لهما ببناء جعفر فهما
زائدان بلا بد ثم إنهما ثابتان في تصاريف البيطرة** والحوقلة كلها فإنك
تقول بيطر يبطر** يبيطر وهو مبيطر ومبيطر لاسم المفعول واسم المصدر
والزمان والمكان التي اشتقت كلها من المصدر الذي هو البيطرة فصارت
الياء في البناء في مقابلة الحاء من دحرج وصار التصريف فيه على مثل
التصريف في دحرج من غير زوال للحرف الزائد وكذلك الحوقلة وما كان
في معناهما من الحروف الملحقة في الأسماء والأفعال فإذًا قد صار الحرف
الملحق لازما في التصاريف فيقتضي أنه أصل لكنه زائد اتفاقا هذا خلف
ومنها السين والتاء في الاستفعال مثلا لازمة في جميع تصرفاته فكل ما يشتق منه من فعل أو اسم فالسين والتاء لازمتان له تقول استكبر يستكبر استكبارا وهو مستكبر ومستكبر عليه ومستكبر اسم مصدر أو زمان أو مكان كذلك فيدعي الناظر في هذه القاعدة أهما أصليتان لثبوتها في
[310]
التصرفات وكذلك نون الانفعال وتاء الافتعال وما أشبه ذلك فإنها كلها
راجعة إلى المصدر والمصدر مزيد فيه فكذلك فروعه مع أن الزيادة لازمة
ومن ذلك مثاله لأن «احتذي» تثبت تاؤه في تصرفات الاحتذاء فأشكلت
القاعدة إذًا.
والأمر الثاني أنها تقتضي أن ما كان من الأصول الثلاثية المداخلة للرباعية والرباعية المداخلة للخماسية فالحرف الرابع فيه زائد لفقده في الثلاثي وكذلك الخامس لفقده في الرباعي مثال ذلك قولهم رخو ورخود لأن الرخود هو اللين العظام الكثير اللحم فهو في معنى الرخو فيقتضي أن الدال زائدة وكذلك ضياط وضيطار يوهم كلامه أن الراء زائدة وكذلك طيس طيسضل والفيش والفيشل ولوقة وألوقة وكذلك سبط وسبضطر ودمث دمثر وحيج وحبجر وكذلك رزم وازرام وضفد واضفأد وزغب الطائر ازلغب وحلقوم ودلاص
[311]
ودلامص وقارص وقمارص وقرق وقرقوس وقرقر وسلس
وسلسل وكذلك ما كان من نحو صر وصرصر وكب وكبكب وزلز
وزلزل ومن ذلك ما لا يحصى وقد حكم أحمد بن يحيى هذه القاعدة حتى
قال في قوله
يرد فلخا وهديرا زغدبا**
إن الباء في زغدب* زائدة ردا له إلى زغد البعير يزغد زغدا في هديره وقد شنع هذا من قوله عليه حتى حمله ابن جني أنه أراد أنهما أصلان متقاربان كسبط وسبطر وكذلك قولهم ضبغطى مع ضبغطرى وكم خذا كثير جدا هو مما تقاربت فيه الأبنية الثلاثية والرباعية لا أنها محذوف بعضها من بعض وهو قد ضم بعبارته أمثال هذا فكانت القاعدة
مختلة
[312]
والجواب عن الأول أن نقول أما ما حذف من الحروف الأصول فليس
حذفه إلا لعلة أوجبت ذلك فيه كما يبدل لعلة يقلب لعلة خاصة فباب
الإعلال خارج عن مسألتنا لأنه إذا كان الحذف فيه لعلة فالأقرب أن تنسبه
إلى علته من أن تنسبه إلى كونه زائدا على الكلمة وإنما نعد الحذف دليلا على
الزيادة إذا كان لغير علة سوى مجرد تقلب المادة في التصرفات كما نقول في
أحمر وحمر ونحوه وأما إذا كان الحذف لموجب فلا نحتسب به في الزوائد
فضلا عن أن نحتسب به في الأصول ألا ترى أن الحذف في صحار لا نعتد
به في كون الياء زائدة لأن مثل هذا الحذف لا يدل على زيادة بل الحرف
الأصلي فيه والزائد في رتبة واحدة فحيث وجدت العلة وجد معلولها فإذا
عدمت عدم وروجع الأصل من الإثبات ولم يبق من هذا النوع إلا حذف
الخماسي وقد علمت فيما تقدم أن العرب لا يكسرون الخماسي إلا على
استكره لمكان الحذف وهذا منهم دليل على أن الحرف المحذوف غير زائد
لأنه لو كان زائدا لم يستكرهوا ما يؤدي إلى حذفه كما أنهم لا يستكرهون
حذفها** من غير الخماسي في كسير ولا غيره والتصغير في ذلك محمول على
التكسير كسائر الأحكام التي جرى فيها التصغير على حكم التكسير وأما ما ثبت من الحروف الزوائد في التصاريف فإنما ذلك اعتبار بإجرائه مجرى الحرف الأصلي أما حرف الإلحاق فظاهر أنه في مقابلة الأصلي فلا بد أن يجري في التصرفات مجرى ما لحق به وإلا لم يكن ملحقا
[313]
به ثم سقوطه بعد ذلك في موضع آخر دليل زيادته وأما السين والتاء في
الاستفعال والتاء في الافتعال ونحو ذلك فإنهم لما جعلوها في المصدر
وبنوا صيغته عليها للدلالة على معنى الطلب للفعل في الاستفعال واكتسابه
في الافتعال وما أشبه ذلك جعلوا هذا المعنى هو المشترك في سائر
التصرفات القياسية مضار خصوص الفعل في استفعل دالا على الاستفعال
منسوبا إلى الزمان الماضي وخصوص اسم الفاعل في مستفعل دالا على
الاستفعال أيضا منسوبا إلى المتصف به وكذلك سائر المثل فطابق في ذلك
المادة الأصلية فاعتبرت بلا بد إذ معناها مقصود في تلك الخصوصيات
والتصرفات فهذا هو الداعي لبقاء الزوائد في هذه التصرفات وقد ثبت في
الاشتقاق أن الحروف الثواني وهي الزوائد قد تعتبر حتى تصير مادة مع
الحروف الأول وهي الأصول لكن بالقصد الثاني وإذا ثبت أنها قد
تعتبر كالحروف الأصلية فبعد ذلك دليل الزيادة فيها قائم والاشتقاق يخلص
ذلك أو ما يقوم مقامه فكوثر مثلا وإن كان جاريا في أحكامه على جعفر
قد دل الاشتقاق من الكثرة أن الواو زائدة وكذلك بيطر قد دل
الاشتقاق من البطر وهو الشق على أن الباء زائدة وكذلك سائرها لأن
المادة الأولى الدالة على المعنى المشترك أوسع من استعمال المزيد وكذلك
الاستفعال ونحوه كالاستعلام إذا رجعت إليه متصرفاته بالاشتقاق فلا بد أن
يرجع هو إلى الأصل أول وهو العلم فقد ذهب الزوائد إذًا برجوع هذه
الأشياء إلى المادة الأولى وإنما كان** يلزم الإشكال على فرض أن تلك
[314]
التصرفات لا اشتراك لها مع مادة مجردة وليس الأمر كذلك فسقط
الاعتراض وارتفع الإشكال* والحمد لله
والجواب عن الثاني ينبني على قاعدة معلومة وهي أن الزوائد من
الحروف إما أن تكون زوائد بالتضعيف وهذا يكون في الحروف كلها إلا
الألف فإنها لا يصح تضعيفها وإما أن تكون زوائد زوائد لغير التضعيف وقد
استقرأ العلماء الزيادة على هذا النحو فوجدوها لا تخرج عن حروف
«سألتمونيها» فإذا كان الحرف الموهم للزيادة منها فيمكن أن يكون زائدا
في نفسه ويمكن أن يكون أصليا وإن لم يكن منها فلا سبيل إلى زيادته إلا
أن يكون بالتضعيف فإذا فقد التضعيف أو لم يفقد إلا أنه فقد شرط دعوى
الزيادة فلا سبيل إلى القول بزيادته فهذه قاعدة تصريفية وعليها نعتمد في
الجواب فالذي اعترض به هنا من الحروف الساقطة على ثلاثة أقسام
أحدها ألا يكون من حروف «سألتمونيها» ولا من المضاعف نحو
سبط وسبطر ودمث ودمثر ورخو ورخود وما أشبه ذلك فهذا لا سبيل إلى
دعوى الزيادة فيه وإنما يدعى فيه أنه لفظ مرادف من مادة أخرى إذ
لا يمكن فيه غير ذلك
والثاني أن يكون من المضاعف نحو صل وصلصل وعج
وععجج** وزلز وزلزل فيمكن أن يقال فيه بمذهب من رأى أن الساقط من
[315]
المضاعفين زائد ويدل عليه قانون الناظم في الزيادة وهو سقوط الحرف
في بعض تصاريف الكلمة ولا شك أن هذا كذلك ولم ينف الناظم هذا
المذهب وإن كان مذهبا للكوفيين لكن أشار إليه فقط ويمكن أن يقال
فيه بمذهب من رأى أن لا زيادة أصلا وأن الكلمتين من مادتين مختلفتين
كسبط وسبطر ويكون مذهبه مذهب البصريين وسيأتي إن شاء الله تعالى
بيان المذهبين
والثالث أن يكون من حروف «سألتمونيها» فنحن فيه على أحد أمرين
إما أن ندعي أنه زائد لا نكر في ذلك لأن مثل هذا دليل على الزيادة
وقد جعل ابن جني هذه الحروف زائدة على قياس مذهب الخليل في دلامص أن
الميم زائدة وإن كانت مواضع الحروف الساقطة ليست بمواضع تلك الزيادة
لكن يقول إن الحرف مما يزاد ومرادف الكلمة قد سقط فيه ذلك الحرف
فندعي زيادته بهذا الدليل التصريفي وهو من الأدلة وإن أدى ذلك إلى عدم
النظير في أوزان الكلم فالقاعدة أن الدليل إذا قام فلا يلزم إيجاد النظير
ويكون هذا جاريا على طريقة الناظم لكن على أن تعد الزيادة في هذا
الأشياء خارجة عن القياس الذي يذكره في زيادة الحروف كأنه يقول هذه
القاعدة دالة على الزيادة والأصالة مطلقا إلا أن المزيد منه قياسي وهو ما
أذكره لك بعد ومنه غير قياسي وهو ما عداه مما تشمله هذه القاعدة
وإما أن ندعي أنه أصلي إذ ليس موضعه من مواضع الزيادة الجارية
[316]
في القياس ودلالة المرادف ضعيفة لإمكان أن تكون مادته مادة أخرى
مخالفة كما في سبط وسبطر ودمث ودمثر ونحوه فلا قاطع بزيادة فيه من
حيث لا قاطع باتحاد المادة فيهما وهذا قياس قول المازني عن ابن جني إذ
جعل دلامصا من قبيل الرباعي الذي وافق أكثره حروف الثلاثي ويمكن
أيضا إجراء هذا المذهب على طريقة الناظم لأن للقائل أن يقول قد ذكر
مواضع الزيادة القياسية وعينها فما عداها خارج عن القياس ولا يدعى إلا
بدليل ودليل الترادف ضعيف لإمكان تباين المادتين فإذا كانتا متباينتين فلم
يسقط قط من دلاس شيء ولا من قارص ولا من ضفد ولا من
حلق ولا زغب الطائر ولا ما كان نحو ذلك بل حروفها كلها
ثابتة لازمة وحروف دلامس وقمارص واضفأد وحلقوم أعني
الهمزة والميم وشبه ذلك أصول كلها لم يحذف منها شيء بل هي لازمة
لتصرفات الكلمة
فالقاعدة إذًا مستتبة على كلتا الطريقتين وجارية على كلام الناظم في
كلا الوجهين وقد ظهرت صحة كلامه وتمام عقده وبالله التوفيق
وقوله احْتُذِي معناه اقتدي وأيضا انتعل يقال احتذيت مثاله
أي اقتديت به وأصله من المحاذاة وهي بمعنى الموازاة ويقال أيضا
احتذيت بمعنى انتعلت قال الراجز
[317]
كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع
والحذا* هو النعل واصله من حذيت يده بالسكين أي قطعتها
حذت الشفرة النعل قطعتها
* * *
بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الْأَصُولَ فِي
…
وَزْنٍ، وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ** اكْتُفِيْ
وَضَاعِفِ اللَّامَ إِذَا أَصْلٌ بَقِيْ
…
كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُقِ
وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ
…
فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلْأَصْلِ
لما ذكر القانون الذي يعرف به الزائد من الأصلي وكانت فائدة ذلك
الوصول إلى معرفة الأوزان أتى بهذا الفصل يذكر فيه كيفية وزن ما يوزن من
الأسماء والأفعال وكيف تقابل حروفها بحروف المثال وذلك أنهم أرادوا أن
يفرقوا بين الحروف الأصول والزوائد في أبنية الكلام فوضعوا الأوزان على
أقل الأصول وهي الثلاثة فعبروا عنها بلفظ الفعل فجعلوا الفاء لأول حرف
والعين للثاني واللام للثالث وإذا زادت الأصول كرروا الحرف الثالث فإن
حذف من الكلمة فاء أو عين أو لام وزنوها على حالها بإسقاط ما يقابله
فيقولون في عدة علة وفي سه فل وفي يد فع إن وزنوها على الأصل
قابلوها على حال ما كانت عليه قبل الحذف وكذلك إن وقع إدغام أو نحوه
وزنوها على حالها بتسكين ما هو ساكن في الحال وتحريك ما هو متحرك
فيقولون في مكر مفعل وفي رد فعل فإن وزنوها على الأصل قالوا
مفعل وفعل وكذلك ما أشبه ذلك وها هو يذكر كيفية هذا في الأصول
والزوائد مكمل المعنى على الاختصار
[318]
فقوله «بِضِمْنِ فِعْلٍ» الباء متعلقة بقابل أي قابل الأصول بكذا
والمراد بفعل نفس لفظه وضمنه مضمنه وهو ما تضمنه من الحروف يقال
كان في ضمن كتابك كذا أي في طيه كذلك أنفذته ضمن كتابي
فضمن أصله الظرف لكن الناظم استعمله على الاتساع وكان الأصل أن لو
قال بما في ضمن فعل قابل الأصول لكنه جعل ما في الضمن هو نفس
الضمن مجازا وهو نحو من قوله تعالى {بل مكر الليل والنهار}
جعلهما ماكرين وهما ممكور فيهما كما جعل المقابلة هنا بضمن الفعل والمراد
ما في ضمنه والذي في ضمن لفظ فعل هو الفاء والعين واللام
فيريد أن حروف البناء على قسمين أحدهما أن تكون أصولا والثاني أن
تكون زوائد
فأما الأصول فقابلها بالفاء والعين واللام إذا أردت وزنها الأول للأول
والثاني للثاني والثالث للثالث فإذا أردت وزن رجل قابلت الراء بالفاء
والجيم بالعين واللام باللام فقلت فعل فهذا وزن رجل وكذلك إذا وزنت
جعل قلت فعل وعلى هذا النحو وزن سائر الأسماء والأفعال فوزن قفل**
فعل ووزن صرد فعل ووزن إبل فعل وكذلك وزن حسن فعل ووزن
علم فعل وكذلك ما أشبه ذلك والأصل في هذا العمل واختصاص هذه
العبارة التي هي لفظ فعل بالوزن أن العرب تعبر به عن كل فعل إذا أرادت
الكناية عنه فتستعمل مكان ضرب أو قتل أو قام أو قعد فعل
[319]
وكذلك تعبر به أيضا عن الرباعي فما زاد فاستعمله النحويون كذلك لكن على
الوجه الذي يحتاجون إليه ثم عدوا هذا الاستعمال للأسماء غير المصادر إذ
كان ذلك موجودا في المصادر من كلامهم ألا ترى إلى قولهم فلان حسن
الفعل وحسن الفعال وكانت في فلان فعلة قبيحة أو حسنة وأيضا قد قالوا
فلان يهتز للفعال أي للكرم لأنه عطاء وسماح وسخاء فكنوا عن هذه
الأشياء بوزنها وكذلك قالوا افتعل فلان علي كذبا فهو مفتعل أي
اختلقه فهو مختلق وكلام مفتعل أي مختلق فعبروا بالوزن على كماله عند
النحاة فعدوه هم إلى سائر ما احتاجوا إلى وزنه من الموزونات وهذا حكم
وزن الثلاثي وهو المتفق على وزنه هكذا وأما الرباعي فما فوقه فسنذكره
حيث ذكره الناظم بحول الله تعالى
والثاني الزوائد من الحروف فالزائد على قسمين أحدهما أن يكون
بعض حروف سألتمونيها والثاني أن يكون زائدا بالتضعيف يذكر إثر هذا
وأما الزائد من سألتمونيها فهو الذي ذكر حكمه هنا فقال «وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ
اكْتُفِيْ» يعني أنهم اكتفوا ببقائه على لفظه حين أتوا بلفظ الفعل ليقابلوا به
الكلمة وإنما قلنا إنه أراد هذا القسم وحده لقوله بعد هذا «وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ» إلى آخره فأخرج الزيادة بالتضعيف فلم يبق إلا القسم الآخر ومثال ذلك «اقتدر» تقول في وزنه افتعل فتقابل التاء بلفظها لأنها زائدة بدليل الاشتقاق من القدرة وكذلك همزة الوصل تأتي
[320]
بلفظها أيضا لزيادتها ومثل «مستكبر» تقول في وزنه مستفعل لأنه مشتق
من الكبر أو من الكبر فالميم والسين والتاء زوائد فتزنها بلفظها وكذلك ما
أشبهه وإنما وزن بلفظه فرقا بينه وبين الحرف الأصلي لأن الأصل في
وضعهم التمثيل والوزن التفرقة بين القبيلين وذلك إنما يتبين في الوزن فلو
وزنوا بالفاء والعين اللام مطلقا لم يخلص لهم هذا القصد فتركوا الزائد
على لفظه لذلك وأيضا قد تقدم فعل العرب لذلك في الفعال والافتعال
وما أشبه ذلك وهذا أيضا حكم متفق عليه
ثم قال «وَضَاعِفِ اللَّامَ إِذَا أَصْلٌ بَقِيْ» يعني أنك إذا قابلت الكلمة في
وزنها بحروف لفظ فعل فلا يخلو إما أن يتم لفظ الموزون مع تمام لفظ الفعل
أولا فإن تم حصل المقصود بلا إشكال وإن لم يتم لفظ الموزون ولا
يكون ذلك إلا إذا كان الموزون رباعي الأصول أو خماسيها فإنك تكرر لام
الفعل ما بقي من حروف الموزون شيء* فتقول في جعفر فعلل وفي
فستق فعلل وهما مثالاه فتجعل الفاء في مقابلة الأول والعين في
مقابلة الثاني واللام في مقابلة الثالث وبقي الحرف الرابع لا مقابل له وهو
الراء في جعفر والقاف في فستق فيجعل له تكرر اللام وكذلك تقول في
برثن فعلل وفي زبرج فعلل وفي جرهم فعلل وما كان نحو ذلك
[321]
وكذلك الخماسي نحو سفرجل وقذعمل إذا قابلت حروفه بحروف الفعل بقي
الحرف الرابع والخامس دون مقابل فكررت له اللام فقلت في سفرجل فعلل
وفي قذعمل فعلل وفي صهصلق فعللل وفي جردحل فعلل وما أشبه
ذلك
فإن قيل إذا زعمتم أن وزن جعفر فعلل فهذا البناء الذي وزنتم به
إحدى اللامين فيه زائد وكذلك قولكم في فرزدق فعلل يلزم أن تكون اللام
الرابعة والخامسة فيه زائدتين بناء على أصلكم في المضاعف الزائد على ثلاثة
أحرف وأنتم إنما بنيتم على مقابلة الأصلي بالأصلي والزائد بالزائد كان
الزائد من حروف «سألتمونيها» أو بالتضعيف فقد نقضتم ههنا تلك القضية
حيث جعلتم الزائد من بناء الفعل في مقابلة الأصلي من بناء الموزون وذلك
فساد في الاصطلاح فالجواب أنهم لما أرادوا وضع التمثيل بالفعل لما تقدم كان هو الأولى وإن كان ثلاثيا من قبل أن أقل الأسماء والأفعال حروف بنات الثلاثة فلو وقع التمثيل بشيء على أربعة أحرف أو خمسة لبطل وزن الثلاثي ولم يمكن وزنه إلا أن يحذف من الممثل به وذلك فساد مع أنا وجدنا بنات الثلاثة قد تصل إلى بنات الأربعة والخمسة بالإلحاق ولم نعلم أنه بني شيء من بنات الأربعة والخمسة على بناء الثلاثي فاختاروا الثلاثي لذلك لكن لما ضمتهم الضرورة إلى وزن بنات الأربعة الخمسة* لجأوا إلى تكرير ما هو أصل ليكون علامة على الأصل إذ لم يمكنهم أكثر من ذلك
[322]
وقد تبين كلام الناظم إلا أن ما ذكره مختلف فيه فالبصريون أجمعون
وجماعة من الكوفيين على ما ذكره الناظم في التمثيل* اللفظي إلى أنهم اختلفوا
في الموزون فالبصريون على ما تقدم من اعتقاد أصلية الحرف الرابع
والخامس وغيرهم على زيادة ما زاد على الثلاثة وقد تقدم بيان ذلك وبعض
الكوفيين يلتزمون ما ألزمهم سيبويه من زنة الزائد على لفظه فيقول في
جعفر فعلر وفي سفرجل فعلجل ومنهم من لا يزن مثل هذا فإذا سئل
عن وزن فرزدق أو جعفر قال لا أدري هكذا حكى هذا المذهب ابن عصفور
وكل ذلك لا يعول عليه ولا يستند في التمثيل إليه
وقد أورد على مذهب الجمهور إشكال وهو أنه إذا جعل «فعلل» وزانا
لنحو جعفر وهو أيضا عندهم وزان قردد ومهدد ونحوهما من المضاعف
اللام حصل اللبس في فعلل إذ كانت وزانا لجعفر وكذلك فعلل إذا كانت
وزانا لسفرجل ولضربب من الضرب ونحوه
والجواب أن الفرق يتبين بالموزون فإن كل حرف مضاعف زائد على
الثلاثة إلا أن يقوم دليل على زيادة غيره فيصير التضعيف ثلاثيا
كمرد ومكر حيث تبين أنه من الرد والكر وقد ضمتهم الضرورة إلى الوزن
بالثلاثي كما تقدم واللبس إنما وقع في نوع واجد وذلك في تكرير اللام
فاستخفوا ذلك وارتكبوه
[323]
وجعفر في الأصل اسم للصغير من الأنهار وهو أيضا اسم لأبي
قبيلة من عامر وهو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وهم الجعافرة
وفستق
ثم قال «وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ» إلى آخره هذا هو القسم
الثاني من قسمي الزائد وهو الزائد بالتضعيف ويعني أن الزائد إن كان
بتضعيف الأصل أي بتصيير الحرف الواحد ضعفين أي اثنين
مثلين فإنك تزنه بما وزنت به ذلك الأصل فإن كان المضاعف الفاء وذلك لا
يكون إلا مع مساعدة العين كررتها فقلت في وزن مرمريس فعفعيل ودل على
زيادة الميم الثانية وهي تضعيف الأولى أنه مشتق من المراسة وإن كان
المضاعف العين كسلم كررتها فقلت فيه فعل وإن كانت اللام فكذلك نحو
قردد تقول فيه فعلل وفي اسحنكك افعنلل وكذلك إذا اجتمعت العين
واللام في التضعيف نحو صمحمح ودمكمك قلت فيه فعلعل وكذلك
ما أشبهه
وإنما فعلت ذلك ولم تزنه بلفظه لأن زيادة التضعيف لما كانت مخالفة
لزيادة «سألتمونيها» أرادوا أن يفرقوا بينهما فجعلوا حكم المضاعف حكم
[324]
ما ضوعف منه فضعفوه في الوزن مثله فلو جعلوا قرددا مثلا فعلدا لم
يتبين من الوزن كيف زيادة الدال فلما كانت الدال لا تزاد أبدا منفردة لم
يجعلوها في الوزن منفردة وهذا الذي فعلوه أولى من ذكرهم له بلفظه وأوفق
لكلامهم ولما قصدوه من التفرقة وأيضا فقردد يحتمل أن تكون داله
الأولى هي الزائدة أو الثانية فلم يتعين إذا للزيادة إحداهما دون الأخرى
فإن الخليل إن زعم أن الأولى هي الزائدة في سلم ونحوه فقد حكم سيبويه أو
يونس على اختلاف التفسيرين بأن الثانية هي الزائدة ثم قال سيبويه
«وكلا الوجهين صواب ومذهب» فهذا يدل على احتمال الوجهين فلم
يتعين ما الذي يذكر بلفظه منهما
وهذه المسألة لم أر فيها خلافا إلا ما أشار إليه في التسهيل بقوله
«خلافا لمن يقابل بالمثل مطلقا» يعني أن من النحويين من يقابل في الوزن
زائد الموزون بلفظه مطلقا في زيادة التضعيف أو غيرها فيقول في مثل قردد
فعلد إن اعتقد زيادة المثل الثاني وفعدل إن اعتقد زيادة الأولى ويقول
مثلا في عقنقل فعنقل أو فقنعل وهذا المذهب مرجوح والأول أولى
بالصناعة وعلى كل تقدير فهو خلاف في أمر اصطلاحي
[325]
ثم على الناظم في هذا الكلام شيء وهو أنه ذكر في كيفية الوزن مقابلة
الأصول بضمن فعل والزائد بلفظه ولم يبين كيفية الحركة والسكون
ولا أنه باق على ما كان عليه ولا ذكر ترتيب اللام على العين والعين على
الفاء في الأصول ولا إبقاء الزوائد في موضعها سابقة كانت أو لاحقة بل
أتى بالمقابلة على الإجمال فكان كلامه غير بين في هذا المعنى وكلامه في
التسهيل أصرح وأبين من هذا إذ قال «وسمي أول الأصول فاء وثانيها
عينا وثالثها ورابعها وخامسها لامات لمقابلتها في الوزن بهذه الأحرف
مسوى بينها في الحال والمحل ومصاحبة زائد سابق أو لاحق» ويعني
بقوله في الحال يريد به الحركة والسكون أي إن الحروف المقابل بها من
لفظ الفعل لا بد أن يكون على حال الحروف المقابلة فإن كان الحرف ساكنا
كان ساكنا أو متحركا كان متحركا وأيضا فلا بد** من اعتبار عين الحركة من
كونها ضمة أو فتحة أو كسرة فيكون في المقابل به كذلك هذا هو الذي أراد
بالحال وقوله «والمحل» هو عبارة عن الموقع بحسب ما ذكر من الترتيب
الفاء ثم العين ثم اللامات بعدد الأصول بعد العين وقوله «ومصاحبة
زائد» يعني بلفظه و «سابق» يعني للأصول كلها كما في انطلق أو «لاحق»
يعني مثل سكران فإن وزنها انفعل وفعلان أو لشيء منها نحو جحنفل
وزنه فعنلل النون سابقو لبعض الحروف لاحقة لبعضها فهذا الكلام هو
الذي بين كيفية الوزن على أتم وجوهها وأما الناظم فترك ذلك على أتم ما
يكون من الإجمال وذلك غير لائق بمنصب التعليم
[326]
والجواب أن هذا المعنى لما كان قريبا للفهم معلوما لمن عنده أدنى
فهم لم يحتج إلى بيانه لبيانه وأيضا فإنه كان يحتاج إلى بعض تطويل
مع أن قصده الاختصار فلما اجتمع له الأمران سهولة فهم مقصوده
وقصد الاختصار ترك بيان ذلك اتكالا على فهم الطالب والله أعلم
وأيضا فالمقابلة تعطي أولا الترتيب لأنك إذا أردت مقابلة الكلمة بالكلمة
فلست تفعل ذلك على أي وجه اتفق بل تقابل الحروف بالحروف أولا فأولا حتى
تنتهي إلى آخر الكلمة وهذا هو الترتيب المطلوب ثم إذا وازنت بين الكلمتين
فالموازنة تقتضي المساواة في تلك الأشياء كلها إذ لا تكون الموازنة بين متحرك
وساكن ولا بين متحركين مختلفي الحركة فإذا قد دل لفظ المقابلة ولفظ
الموازنة في لامه على ما أريد من ذلك فاكتفى به في شرح ما ذكره في
التسهيل إلا أنه يرد عليه من جهة أخرى أنه إذا كان الوزن يقتضي مقابلة
المتحرك بالمتحرك والساكن بالساكن فيخرج عن هذا الحكم ما كان من
المتحركات في الموزون قد سكن إما بإدغام لتخفيف أو لإعلال فالذي لإدغام
نحو رد ومرد ومدق وأصله ردد ومردد ومدقق فتزنه على أصله
فتقول وزنه فعل ومفعل ومفعل ولا تقول فعل ولا مفعل ولا مفعل إذ
ليس ذلك وزنه الصحيح والدليل على ذلك أنه لا يوجد في غير المضاعف مثل
هذه الأوزان فلا بد من رجوعه إلى الأصل والذي للتخفيف كعضد وكتف
وعلم وسهل في عضد وكتف وعلم وسهل فإنه إذا قيل ما وزن عضد قلت فعل فتأتي به على الأصل وكذلك في كتف فعل وفي علم
[327]
فعل وفي سهل فعل وكذلك وزن منتفخ من قوله
فبات منتفخا وما تكردسا
مفتعل فتأتي على الأصل ويدل على أن ذلك وزنه أنه لا يوجد في
أبنية الأفعال الثلاثية ما هو على فعل ولا في الأسماء المزيدة ما هو على بنية
مفتعل فالضرورة تدعوك إلى أن تزنه على الأصل وكلامه على ما تقرر يعطي
المقابلة اللفظية والذي سكن للإعلال نحو قام وقفا ومال ومقام
واستقام وما أشبهه فإن قام وزنه فعل ولفظه على غير ذلك وقفا على
وزن فعل ومال كذلك ومقام وزنه مفعل واستقام وزنه استفعل
وألفاظها على خلاف ذلك وأيضا قد صار الساكن في مقام واستقام متحركا
والمتحرك ساكنا فأين مقابلة المتحرك بالمتحرك والساكن بالساكن وأيضا
فتعيين نوع الحركة في الموازنة قد يتخلف لإعلال أو غيره فإنك إذا قلت
للمرأة اغزي يا هند فوزنه افعلي واللفظ على خلاف ذلك وكذلك
قيل وبيع واختير وزنها فعل وافتعل ونوع الحركة غير موجود بل
تقول في المنقوص كيد ودم وزنه فعل فلا تزنه إلا غير ظاهر لفظه ومن
ذلك ما لا يحصى فقد خالفنا مقتضى الموازنة المذكورة وإشارة الناظم
تقتضي أن لا بد منها وهذا فيه ما ترى
[328]
والجواب أن وزن المعل عندهم يكون على وجهين
أحدهما أن يكون على أصله وهذا هو المقصود الأول في الأوزان ألا
تراهم يقولون وزن قام فعل وأصله قوم إلا أن الواو انقلبت ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها فيبينون في الوزن الأصل وما اتفق للموزون حتى خرج في
الظاهر عن ذلك الوزن وكذلك ما كان من نحو علم وكتف وعضد وعضد بناء
على اعتبار الأصل إذ الأمثلة لا بد أن ترد إلى اصلها ليتبين أن ظاهر لفظ
الموزون ليس هو المعتبر في وزنه ولا هو الثابت في مثله فهذا من جملة فوائد
الأوزان إذ هي عندهم محصورة يعد الخارج عنها خارجا عن كلام العرب
وقد ثبت في نحو كتف وعضد أن أصله التحريك فلا بد من رجوعه في
الوزن إلى أصله وكذلك ثبت في قام أنه فعل وفي استقام
استفعل إذ لا يوجد في الأفعال ما هو على وزن فعل مسكن العين ولا
على وزن استعل بفتح الفاء وإسكان العين إلا مغيرا فردوا ذلك وما كان
نحوه في الوزن إلى أصله وإذا رجع إلى أصله وتبين أن تلك الأشياء في
الحقيقة على غير ظاهر لفظها صح فيها مقابلة الساكن بالساكن والمتحرك
بالمتحرك وصح ما أطلقه الناظم في ذلك وكذلك حكم المساواة في نوع
الحركة لأن اغزي أصله اغزوي وقيل اختير أصله قول واختير
فقد استويا مع الموزون به في نوع الحركة وهكذا شأن المحذوف منه كيد ودم
وقاض ونحوها لا بد ردها إلى أصلها في الوزن
[329]
فالحاصل أنه إذا كان المعتبر في هذه الأشياء الأصل صحت المقابلة على
كل وجه وصح التساوي في الحال والمحل
والثاني أن يكون وزن المعل على لفظه وهذا أيضا يورده أهل العربية
قصدا للتمرين ولبيان حالة اللفظ الآن وما الذي حذف منه وما التغيير
الحاصل فيه الآن فيقولون وزن عضد الآن بعد التسكين فعل ووزن علم
فعل وكذلك قام فعل واستقام استفعل وقد قال هو قبل هذا
في باب التعدي
كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا
ويريد نحو اطمأن فوزنه على لفظه لا على أصله إذ أصله افعلل
اطمأنن لكن الإدغام رده إلى افعلل وكذلك ما حذف منه إذا وزن على لفظه
قيل وزن يد فع وسه فل وقاض فاع وكذلك ما أشبهه وإذا كان الوزن
على اللفظ صحيحا ومستعملا فهو أيضا على مقابلة الساكن بالساكن والمتحرك
بالمتحرك مع مساواة نوع الحركة فلم يخرج عن لفظ الناظم شيء مما هو
معتبر في الوزن على كلا التقديرين وصح ما اقتضاه نظمه
وقوله «وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ» أراد وإن يكن الزائد لكن حذف النون على حد ما حذفه حسيل أو حسين بن عرفطة في قوله
[330]
لم يك الحق سوى أن هاجه**
…
رسم دار قد تعفى بالسرر
وهو عند الناظم جائز في الكلام كقول يونس خلافا لما ذهب إليه
سيبويه وقد تقدم ذلك في بابه
* * *
وَاحْكُمْ بِتَأَصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ
…
وَنَحْوِهِ، وَالْخُلْفِ فِي كَلَمْلِمِ
اعلم أن باب التصريف يشتمل على حكم الزيادة والحذف والقلب
والإبدال والنقل والناظم يتكلم على كل واحد من هذه الأنواع الخمسة وابتدأ
بالزيادة وهي على وجهين زيادة بالتضعيف وزيادة بغير التضعيف وهي
زيادة أحد الحروف العشرة التي يجمعها قولك سألتمونيها وابتدأ
الآن في ذكر حكم زيادة التضعيف
فاعلم أن الكلمة المضاعفة لا تخلو من أن تحوي ثلاثة أحرف أصول ما
عدا المضاعف أو لا تكون ثلاثية إلا بالمضاعف فإن لم تكن ثلاثية إلا
بالمضاعف فإما أن يكون المضاعف حرفا واحدا أو حرفين فإن كان المضاعف
حرفا واحدا فالحروف كلها أصول لأن القابل للتصريف لا يكون على أقل من
ثلاثة فلا يكون أحد المضاعفين زائدا البتة فنحو حظ ودعد ويين* وببر
وددن وطلل ومر وخزز وقدد وما أشبه ذلك أصول كله ليس أحد
[331]
المضاعفين فيه زائدا لأنه يبقى على حرفين بحكم الأصل وذلك لا يكون وقد
نبه على هذا القسم بقوله
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِيٍّ يُرَى
…
قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا
فلم يحتج إلى ذكر هذا الحكم هنا وإن كان المضاعف حرفين فكانت
الكلمة بذلك رباعية كسلسل وسمسم وسبسب وفلفل وسأسأ وجأجأ
وهلهل ونحو ذلك فهو الذي تعرض له الناظم بالنص عليه فقال «واحكم
بتأصيل حروف سمسم ونحوه» إلى آخره يعني أن ما كان من نحو
سمسم مما أصله حرفان مضاعفان فإنه على قسمين
أحدهما أن يكون مثل سمسم وهو ما لا يفهم معناه مع سقوط حرف
منه فلو قلت في سمسم سمس لم يفهم معناه
والثاني أن يكون مثل لملم وهو فعل أمر من لملم الكتيبة إذا جمع
بعضها إلى بعض وكتيبة ململمة وحجر ململم وصخرة ململمة أي
مستديرة صلبة وهو من الضم والجمع وهذا مما يفهم فيه المعنى مع سقوط
حرف منه فإنما تقول كتيبة ملمومة بمعنى ململمة وصخرة ملمومة
كذلك
فأما القسم الأول وهو ما لا يفهم معناه مع سقوط حوف منه فذكر
الناظم فيه الحكم بتأصيل جميع حروفه أي بجعلها أصولا ليس فيها
[332]
زائد واحد ولم يحك في ذلك خلافا وإنما حكموا بذلك لأنهم إذا قالوا
بالزيادة فإما أن يحكموا بها على المضاعفين معا أو على أحدهما فإن
حكموا بذلك عليهما معا فجعلوا في سمسم مثلا السين الثانية والميم
الثانية زائدتين أبقوا الكلمة على حرفين بأصل الوضع وذلك لا يكون
وقد تقدم نفي الناظم لمثل هذا وإن حكوا بزيادة أحدهما كان فاسدا من
وجهين
أحدهما أن دعوى ذلك مجرد تحكم لأنهم متى قالوا في السين إنها
الزائد قيل لهم ولعل الميم هي الزائدة أو قالوا ذلك في الميم قيل
ولعل السين هي الزائدة فلم يثبت لهم بذلك أمر يدعى مثله
والثاني أنه إن جعل إحدى السينين هي الزائدة لم يخل أن تكون الأولى
أو الثانية فإن كانت الأولى لم يجز لأن الكلمة إذ ذاك من باب سلس وقلق
وهو ما فاؤه ولامه من جنس واحد وهو قليل وأيضا يلزم أن يكون وزن
الكلمة عفعلا وهو بناء معدوم وأيضا يلزم الفصل بين** المضاعفين بأصل
وذلك لا يكون على حال لأن زيادة التضعيف مشروطة بشرطين أحدهما
توفر أقل الأصول والثاني عدم الفصل بين المضاعفين بأصل فحيث فقد
الشرطان أو أحدهما لزم ادعاء الأصالة في المضاعف مطلقا من أجل ذلك
ادعوا الأصالة في نحو حدرد وقسطاس وشعلع لما يلقى فيه من
[333]
الفصل بين المضاعفين بأصل وإن كانت الثانية فكذلك لأن الكلمة إذ
ذاك على وزن فعفل وذلك بناء غير موجود وإن جعل إحدى الميمين هي
الزائدة لم يخل أن تكون الأولى أو الثانية فإن كانت الأولى كان وزن الكلمة
فلعلا وهو معدوم وأيضا فإن الكلمة إذ ذاك من باب ددن وهو ما فاؤه
وعينه من جنس واحد وذلك نادر وأيضا فيه الفصل بين المضاعفين بأصل
وهو ممنوع وإن كانت الثانية هي الزائدة كان وزن الكلمة فعلعا وذلك
بناء معدوم وأيضا تكون الكلمة من باب قلق وهو قليل وأيضا فصل بينهما
بأصل وهو ممنوع فلما كانت دعوى الزيادة في نحو سمسم يؤدي إلى نحو
هذه لمحظورات كلها اطرحوها وثبتوا على الحكم بالأصالة
وإن حوت ثلاثة أصول ما عدا المضاعف كقردد وقعدد وسردد
وجلبب وشملل وما أشبهها فإن الأصل أن يدعى فيه الزيادة كما إذا
[334]
كان مع الحروف الثلاثة حرف من «سألتمونيها» كأفكل ونحوه فالذي
يدل من كلامه على زيادة مثل هذا حكمه بتأصيل حروف سمسم ونحوه لأنه
إذا ذكر التأصيل في هذا النوع وما أشبهه فقط دل على أن ما عداه زائد
والقاعدة صحيحة كما أشار إليه لأن سيبويه ذكر أن كل اسم ضوعف منه
حرف عينه أو لامه وكان فيه سوى ذلك ثلاثة حروف أصول فالحكم فيه
القضاء بالزيادة إلا أن يتبين لك أنه أصلي لأن الأكثر فيما عرف اشتقاقه من
ذلك الزيادة كسردد ورمدد وجبن من السرد والرماد والجبن فيحمل
عليه ما لا اشتقاق له كسلم وحمر ونظير هذا قلب وحول لأنه من القلب
والحول وكذلك أيضا نص على أن ما تكرر فيه حرفان إما فاؤه وعينه أو
عينه ولامه فهما زائدان واستدل على ذلك بدليلين
أحدهما الاشتقاق فيما له اشتقاق كذرحرح لأنهم قالوا ذراح
ومرمريس لأن معناه الداهية فهو قد مارس الأمور وباشرها ثم حمل عليه
ما ليس فيه اشتقاق
والثاني أنه رأى صمحمحا وبرهرهة جمعا وليس من شأن العرب جمع الخماسي الأصول بغير الألف والتاء ولا يكادون يقولون سفارج فإن اضطروا حذفوا الحرف الأخير فقط ولم يفعلوا هنا كذلك فدل على
[335]
أن المحذوف زائد ومن مثل هذا القسم خدب وسلم وكلم وكذلك ما كان
من نحو ردد وشدد وعدد مما فيه زائد على الثلاثة هذا فيما كان فيه
تضعيف حرف مفرد وكذلك ما كان فيه تضعيفان كتضعيف العين واللام معا
نحو صمحمح ودمكمك وذرحرح وبرهرهة أو تضعيف الفاء والعين نحو
مرمريس ومرمريت فما زاد على الثلاثة منها زائد وكما يشمل الحكم ما لم
يكن فيه زائد من سألتمونيها كذلك أيضا يشمل ما فيه زائد منها ثبتت زيادته
بأحد الوجوه التي يذكرها بعد وذلك كمرمريس ومرمريت وكذلك نحو
قيراط ودينار لأن أصله قراط ودنّار وكذلك ديوان أصله دوّان وكعقنقل
وعثوثل وعفنجج وخفيدد وجبونن وخفيفد وكالحناء والقثاء
وباب سقّاء وبناء وقراء ووضاء ومثل سرطراط وجلباب
وفرنداد وجلوز وسنور وشملال وزحليل وبهلول وما أشبه
ذلك وهذا الحكم المذكور من كون الزائد على الثلاثة من المضاعف زائدا هو الذي قاد النحاة إلى أن حملوا البقّم وشلم وخضم وبذر وعثر على
[336]
أنها موازنة فعّل وإن كان هذا البناء من خواص أبنية الفعل إذ لم يوجد في
أبنية الأسماء على ما قال الفارسي إلا في هذه الخمسة فقد كانوا
خلقاء أن يحملوا هذه الأسماء على أن وزنها فعلل كجعفر لولا هذا الحكم
المذكور فهو الذي دعاهم إلى أن جعلوها من هذا النوع على أن ما سوى
البقم منها أعلام يمكن أن تكون منقولة من الأفعال وقد قيل في البقم إنه
أعجمي فليس إذًا «فعّل» من أوزان الأسماء
ومن الفعل المزيد قولك اقعنسس واسحنكك وتجلبب وتكلم ونحو
اطمأن واقشعر واحمر واحمار اغدودن واقطوطى وما كان نحو
ذلك
وكما ثبت هذا الحكم فيما كان ثلاثي الأصول كذلك يثبت فيما كان
رباعينا أو خماسيا وكانت فيه زيادة التضعيف نحو علّكد وهمقع
وشمخر وهمرش فهو عند سيبويه من المضاعف وكالعدبّس والزمرد
وسبهلل وقرشب وطرطب وما أشبه ذلك وهذا كله مبني على القاعدة
[337]
المستمرة في أن أحد المضاعفين زائد إذا تضمنت الكلمة ثلاثة أصول فأكثر
وليست مختصة بزائد التضعيف بل الحكم عام في زائد التضعيف وزائد
«سألتمونيها» على ما سيأتي ذكره حيث تكلم عليه إن شاء الله
فإن قيل قد يتخلف عنها في المضاعف تكرير الفاء وحدها نحو
قرقف وفرفخ وقهقرى وجحجبى وديدبون وزيزفون وما أشبه ذلك
واشتراط عدم الفصل بين المضاعفين بأصل
أما تكرير الفاء فلم يأت في كلامهم إذ ليس في الأبنية فعفل ولا فعفلى
ولا ما أشبه ذلك ولا دليل على ذلك من اشتقاق ولا تصريف إلا في النادر إن
ثبت فلأجل ذلك ادعوا الأصالة في الحرفين معا وإشارة كلام الناظم مطلقة
في زيادة ما عدا نحو سمسم كما تقدم فاقتضى أن الفاء أيضا كذلك
وأما اشتراط عدم الفصل بين المضاعفين بأصل فهو شرط لازم
عندهم ولذلك كان نحو حدرد وقسطاس ونحوهما قد حكم فيه بأصالة
المضاعفين كما تقدم فيقال إن الناظم إن كان أشار إلى قاعدة زيادة
التضعيف فقد فاته عمدتها وهو ذكر الشرطين فإما أن يكون لم يتعرض
من زيادة التضعيف إلا لما نص عليه فيكون قد ذكر بعض أطراف المسألة
وترك جلها وهذا قصور وإما أن يكون أراد ما تقدم تفسيره فيقتضي
[338]
الزيادة مطلقاً في الفاء إن ضوعفت وحدها ومع الفصل بأصل وذلك غير
صحيح
فالجواب أن كلامه صحيح في جميع أطراف المسألة وبيان ذلك أن
قوله «وَاحْكُمْ بِتَأَصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ
…
وَنَحْوِهِ» إنما يريد ما كان نحو
سمسم مما اجتمع فيه من الأوصاف ما اجتمع في سمسم وهذا المثال لو
ادعيت فيه الزيادة فإما أن تدعى في الحرفين معا أو في أحدهما فإن ادعيت
فيهما معا بقي الاسم على أقل من ثلاثة أحرف فقد تخلف فيه أحد الشرطين
وهو توفر أقل الأصول وهذا الشرط لم يذكره هنا إذ قد تقدم له في قوله
«وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِيٍّ يُرَى» إلى آخره وإن ادعيت في أحدهما لزم الفصل
بين المضاعفين بأصل فالناظم إنما أشار كلامه إلى ما فقد فيه شرط دعوى
الزيادة فكأنه يقول واحكم بتأصيل ما لزم بزيادته فقد الشرط ولا شك أن
«سمسم» مما لم يتوفر فيه ذلك الشرك فقد حكم بتأصيله وبتأصيل ما كان
نحوه فيدخل له على ذلك ما كان نحو قرقف وفرفخ إذ يلزم من
دعوى زيادة أحد القافين أو الفاءين الفصل بينهما بأصل وكذلك ما كان
نحو قسطاس وحدرد ومن هنا نقول إن نحو مرمريس ونحو صمحمح
المضاعفين مما فيه زائدان إذا جعلت الزائد فيهما هو الثاني من الأول
وذلك الميم الثانية منهما والأول من الثاني وذلك الراء الأولى والحاء الأولى
وقد فرق في التسهيل بين صمحمح ومرمريس فجعل الزائدين في الأول
كما تقدم وفي الآخر الثاني منهما وفيه فقد الشرط لأن الميم الأولى
[339]
مع الثانية قد فصل بينهما بالراء الأولى وهي أصل ومن ههنا استشكل
شيخنا القاضي أبو القاسم الشريف رحمه الله كلامه في التسهيل وقال
إنه على خلاف القاعدة واعتذر عنه بأنه مقتضى كلام سيبويه في أبواب
التحقير وبأن الذي قام مقام هذا الشرط مساعدة العين للفاء في
التضعيف إذ لم تضاعف الفاء وحدها قال شيخنا القاضي فكأن الفاء قد
امتزجت واختلطت بها من حيث ضوعفت بسببها وأصل الامتزاج يقتضي
المناسبة بأن يجعل الأصلي ممازجا للأصلي والزائد ممازجا للزائد أما
الميم الأولى فلا يحكم بزيادتها فلا بد من الحكم بزيادة الراء الثانية قال فهنا
انعكست تلك القاعدة
وقد يقال إن ما ذهب إليه الناظم من إجرائه مجرى صمحمح هو
الأولى أما أولا فحمل باب التضعيف على طريقة واحدة أولى وأيضا فإنا
نقول إن مساعدة العين إنما اشترطت في تضعيف الفاء لما يلقى في عدم
تضعيفها من الفصل بين المضاعفين بأصل كقرقف ونحوه فإذا ساعدتها
العين في التضعيف صارت معها كالعين واللام في صمحمح فلم يلق محذور
فإذا ادعينا أصالة الميم والراء الأوليين لزم فيه خلاف الشرط فيمتنع وهنا
[340]
نقول إن المضاعفين كالشيء الواحد لأن أحدهما كأنه هو نفس الآخر
فلا ينبغي أن يفصل بينهما لأنهما في الأصل شيء واحد فإن وقع الفاصل
ولا بد فلا يكون إلا زائدا لأن الزائد في حكم المعدوم في الأصل فإذا ثبت
هذا فقد انقلبت النكتة التي ذكرها شيخنا القاضي على ابن مالك وصار كلامه
في التسهيل بسببها مرجوحا ومقتضى نظمه راجحا وكلام سيبويه
مؤول
وقوله «وَنَحْوِهِ» يريد ما كان نحو سمسم فيما حوى من
الأوصاف ولا يقتصر بهذا المثال على كونه اسما لا فعلا ولا على
كونه صحيحا لا معتلا بل الحكم منسحب على كل ما كان من ذلك
لا يفهم معناه بسقوط حرف منه فيدخل فيه دوداة وشوشاة وضوضى وقوقى وحاحيت وعاعيت وهاهيت والهاهاة والحاحاة الحيحاء كالزلزلة والزلزال والقلقلة والقلقال ونحو صيصية وسواء أكان
[341]
هذا كله قد زيد فيه من «سألتمونيها» أم لا كالزلزال والصلصال
والقمقام وعاعيت معاعاة وما أشبه ذلك الحكم بأصالة المضاعفين في
الجميع واحد
وأما القسم الثاني وهو ما لا يسقط معناه بسقوط حرف منه فذكر
الناظم فيه خلافا فقال «وَالْخُلْفِ فِي كَلَمْلِمِ» و «الْخُلْفِ» مخفوض عطفا
على «تَأَصِيلِ» والتقدير واحكم بالخلف في كلملم والكاف في كلملم
اسمية بمعنى مثل أي في مثل هذا الفعل الذي هو لملم وهو فعل أمر من
لململ الكتيبة أي ضمها وجمع بعضها إلى بعض فالكاف هنا مثلها في
قول ذي الرمة
أبيت على ميّ كئيبا وبعلها
…
على كالنقا من عالج يتبطح
وقول الآخر
وزعت بكالهراوة أعوجيّ
…
إذا ونت الركاب جرى وثابا
وأراد بالخلف الخلاف الواقع في تأصيل حروف ما هو كلملم وذلك أن محل الخلاف قد أشار إليه المثال وهو ما لا يسقط معناه لسقوط حرف منه لكن هذا النوع على قسمين
[342]
أحدهما ما يكون الساقط منه الثالث وهو الذي وقع فيه الخلاف
منصوصا ومثاله ما ذكر أولا ومنه أيضا كبكبه كبكبة وكبه كبا
وهما معا في القرآن فقال تعالى {فكبكبوا فيها هم والغاوون} وقال
تعالى {فكبت وجوههم في النار} وقالوا صرّ وصرصر صريرا
وصرصرة وصلّ وصلصل وعج عجعج وعين ثرة وثرثارة وهو باب
واسع
فأما تقرير الخلاف فيه فإنه من وجهين
أحدهما زيادة بالتضعيف من غير دعوى إبدال فذهب الكوفيون
الزجاج** من البصريين إلى أن الحرف الثالث زائد لسقوطه في بعض تصاريف
الكلمة وأن الكلمة ثلاثية وقد تقدم أن الذي يدل على الزيادة في الحرف
سقوطه في بعض تصاريف الكلمة فكذلك يقول هؤلاء ههنا ومذهب سائر
البصريين أن الحروف كلها أصول كالقسم الأول وسقوط الثالث لا دليل فيه
وذلك أن القائل بزيادته يلزمه أمران أحدهما خروجه عن باب واسع كثير
هو باب تقارب الألفاظ مع اختلاف موادها نحو سبط وسبطر ودمث ودمثر
وقد تقدم من ذلك أشياء كثيرة مع أن الحروف كلها أصول وسقوك الساقط
ليس بسقوط في الحقيقة وإنما تلك مادة أخرى فالقول بزيادة الساقط
يخرجه عن باب واسع والثاني دخوله فيما لا نظير له وهو تكرير الفاء
[343]
وحدها وذلك يؤدي إلى أن يكون وزن الكلمة «فعفل» و «فعفلة» و «فعفالة» في
نحو صلصل وصلصلة وثرثارة وهذا بناء مرفوض فما** يؤدي* إلى القول به
مرفوض وإنما تضاعف الفاء الفاء مع مضاعفة العين لا وحدها وفي باب قليل لا
كثير وذلك مرمريس ومرمريت لا غيرها ويمكن أن تكون التاء في
مرمريت أصلها سين مرمريس من** فأبدلت منها كما أبدلت في قول
الشاعر
يا قاتَلَ الله بني السعلاةِ
…
عمرو بن يربوع شرار النات
…
غير أعفاء ولا أكيات
يريد شرار الناس وأكياس فلا يكون في المحفوظ من المضاعف
الفاء إلا حرف واحد وقد وافقونا في نحو قرفخ وقرقل وزهزق
وجرجم ونحو ذلك مما يسقط معناه بسقوط ثالثه على أنه غير مضاعف
الفاء فلا دليل لهم في وجوده فإذا مذهبهم غير سديد فإن قالوا إن الزيادة هنا ليست بالتضعيف صاروا إلى زيادة ما ليس من حروف سألتمونيها في مثل كبكب وذلك إنما ثبت مع التضعيف
[344]
وللكوفيين والزجاج أن يقولوا إن الأصل اتحاد المواد في مثل هذا حتى
يدل دليل على خلاف ذلك وهو الباب الأوسع والمنقول الأكثر ولا يبلغ باب
سبط وسبطر مبلغه إذ هو حروف معدودة وإن كثرت يحصر أكثرها أهل
اللغة والتصريف بخلاف الباب الآخر فإنه غير منحصر وإذا كان كذلك فقد
شملة قانون الزيادة المتقدم الذكر فيكون القول بخلافه خرقا لذلك القانون
وما ردوا به من انعدام تكرير الفاء وحدها فليس كذلك فقد حكى أبو الحسن
عن الخليل أن هركولة هفعولة لأنها التي تركل في مشيتها قال ابن جني
«وسمعت بعض عقيل يقول في هركولة هرّكلة فإن كان هذا ثبتا عندهم
فقياس قول الخليل أن تكون هرّكلة هفّعلة فتكون الفاء هنا مضاعفة فيضاف
هذا الحرف إلى مرمريس» قال «ويجب على قياس هذا القول أن يكون
قول الراجز
باتت بليل ساهد وقد سهد
…
هلقم يأكل أطراف النجد
وزنه هفعل لأنه من اللقم» ثم ذكر أنه لا يرى بأسا بقول الخليل
وأبي الحسن من زيادة الهاء فقد ثبت إذًا تضعيف الفاء وحدها من كلام
العرب وإن سلم أنها لم تزد وحدها فتكرير العين مع تكريرها مونس بوجوده
وإن سلمنا فلا ينكر أن يأتي في المضاعف ما لا يأتي في غير المضاعف وذلك
[345]
إذا كان المعتل قد يأتي فيه من الأمثلة ما لا يأتي في الصحيح نحو سيد وميت
وقضاة وسعاة وقيد ودة* وصيرورة وليس في الصحيح فيعل ولا فعلة في
جمع فاعل ولا فيعلولة مصدرا فكذلك يجيء في المضاعف ما لا يأتي في
غيره من تكرير الفاء فقد كرروها في مرمريس ونحوه فأدى إلى فعفعيل
وإن كان غير موجود وكذلك قالوا قلقال وصلصال فجاء فيه فعلال وليس
في غير المضاعف إلا نادرا فتكريرهم الفاء وحدها وأداؤه إلى فعفل من هذا
القبيل فكان ما ذهبوا إليه غير خارج عن قياس كلامهم وغير مفقود الحجة
في باب النظر وبنحو من هذا احتج ابن جني للزجاج في هذا المذهب وذكر
أنه إن احتج له بهذا فهو قول
ولما رأى الناظم القولين يتجاذبان الحجة على تقارب ورأى أن مذهب
الكوفيين يطرد عليه قانون الزيادة التي قدم قبت له أن الدليل في الجنبتين
فوي فلم يرتهن في صحة أحدهما ولا ترجيحه بل أطلق ذكر الخلاف وترك
الترجيح للناظر وإنه لحسن ولكن يؤخذ له مذهبه فيها من قوله «واحكم
بتأصيل حروف سمسم ونحوه» وأنه الحكم بالأصالة لما يلقى في الزيادة من
الفصل بين المضاعفين بأصل على ما نفسر بعد إن شاء الله تعالى
والوجه الثاني من تقرير الخلاف في «لملم» زيادة بالتضعيف مع
دعوى الإبدال وذلك على أن يكون لملم أصله لمّم وكبكب أصله كبّب
وجلجل أصله جلّل وهكذا باقي المواضع في هذا النحو لكن كرهوا التقاء
الأمثال فأبدلوا من المضاعف الثاني حرفا مماثلا للفاء فقالوا لملم وكبكب
[346]
وثرثارة في ثرة وكذلك ما أشبهه ذهب إلى هذا البغداديون وتابعهم أبو بكر
بن السراج وصححه الزبيدي وقال قولهم عندي أولى بالصواب لاطّراد
مقالتهم وصحبة الاشتقاق لمذهبهم ألا ترى أن قولك كفكفت في معنى
كففت وجلجلت في معنى جضلّلت
وأما السيرافي فزعم أن هذا المضاعف يجيء على ثلاثة أوجه
أحدها أنه ثلاثي قال فبنى فعلل منه كجلبب فقيل كبّب فاستثقلوا
التضعيف والتباسه بفعّل فقلبوا المتوسط للفظ الفاء كما أزالوا التضعيف
من تظننت فقالوا تظنيت وفي دسّس فقالوا دسَّى وهذا النوع كثير ونقل
عن الفراء تجويز أن يكون كبكب فعل وفعلل قال وكونه فعل خطأ لا يجوز
أن يجيء مصدر فعل إلا تفعيلا أو فعلا ولا يقال في كبكب تكبيب بل قالوا
كبكبة وهو دليل على أنه فعلل كجلبب
والثاني أن يكون مبنيا من صوت على حرفين فكرر الحرفان علامة
على تكرير الصوت نحو قرقر الطائر وقعقع الحلي
فإن قيل لم اقتصروا في ذلك على تكريره مرتين؟
فأجاب بأنه ثقل عليهم التكرير مرات فاجتزءوا* باثنين كما اجتزءوا*
في قام القوم رجلا رجلا مع أنهم يريدون أكثر من ذلك
والثالث ألا يكون أصله ثلاثيا ولا صوتا ومثاله عسعس
هذه طريقة السيرافي في هذا النحو فقد أثبت فيه قسما على طريقة
البغداديين لكن بنوع آخر من الصناعة أصلها ما قالوه
[347]
وقد قال البصريون إن الأولى أن يقال إن جميع ذلك رباعي لأن
هذا البدل لم يثبت في كلامهم بل الثابت أن يبدل من المضاعف حرف علة
نحو تظنيت وقصّيت أظفاري ولم يثبت في مثل هذا قصقصت ولا
تظنظنت ولا قيل أيضا في كبكبت كببت وقد قيل في قصيت قصصت
فإن قال لم يقل كببت لئلا يلتبس بفعلت
قيل وكذلك قصيت يلتبس بفعلت ثم إن المصدر يبين ذلك
وقال ابن جني وأشار إلى هذا المذهب سألت أبا على عن فساده
فقال العلة أنه أصل القلب في الحروف إنما هو فيما تقارب منها وذلك نحو
الدال والطاء والذال والظاء والثاء والهاء والهمزة والميم والنون ونحو
ذلك مما تدانت مخارجه فأما الحاء يعني من حثحث فبعيدة من الثاء
وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها قالوا فالصحيح أن كبكب رباعي وكبب ثلاثي كسبط وسبطر
ولذلك كان مثله قليلا في كلامهم ومذهب الناظم هنا أيضا مذهب البصريين لأن الإبدال على هذا الوجه لم
يثبته فهو عنده موقوف على السماع إذا تبين وجه الإبدال لا إذا أثبت بالاحتمال والله أعلم ولم يرجح أحد المذهبين على الآخر إما لتكافؤ الأدلة وقد تقدم ترجيح الزبيدي مذهب البغداديين وإما لأنه أتى بهذا الخلاف مع الخلاف الآخر الذي لم ير فيه الترجيح
[348]
والقسم الثاني مما لا يسقط معناه لسقوط حرف منه ما يكون الساقط
منه الحرف الرابع ومثال الناظم لم يرشد إليه بخصوصه وإنما أشار إلى
القسم الأول لكن إذا أخذ المثال على عموم سقوط حرف ما شمل القسمين
وهذا القسم لم يذكر في التسهيل فيه خلافا وكلام ابن جني في الخصائص
يظهر منه أن أبا إسحاق مخالف فيه أيضا كالأول فإنه قال «وذهب أبو
إسحاق في نحو قلقل وصرصر وجرجر إلى أنه فعفل وأن الكلمة لذلك
ثلاثية قال حتى كأن أبا إسحاق لن يسمع في هذه اللغة الفاشية المنتشرة**
بزغد وزغدب وسبط وسبطر ودمث ومثر وإلى قول العجاج
ركبت أخشاه إذا ما أحبجا
هذا مع قولهم وَتَرٌ حِبَجْرٌ للقوية الممتلئ نعم وذهب إلى مذهب
شاذ غريب في أصل منقاد عجيب ألا ترى إلى كثرته في نحو زلز وزلزل
ومن أمثالهم توضقّري* يا زلزة فهذا من قولهم قد تزلزلت أقدامهم
إذا قلقت فلم تثبت قال ومنه وقلق وهوة وهوهاءة وغوغاء وغوغاء
لأنه مصروفا رباعي وغير مصروف ثلاثي ومنه رجل أدْرَد وقالوا عض
على دردره ودردوره» هذا كله كلام ابن جني ثم عقب بقوله «ومنه
صل وصلصل» إلى ما مثل به من القسم الأول فيما عنده فيه خلاف الزجاج
[349]
على حد واحد ويلزم ذلك أيضا الكوفيين إن لم يكونوا قالوا به وإذا كان
الأمر على هذا كان ما احتج به للفريقين هنالك جاريا هنا على نصه إذ وزن
زلزل على هذا الترتيب فعلع وغوغاء** فعلاع وعلى هذا النحو سائرها والقول
فيها كما تقدم
* * *
فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
من هنا أخذ في ذكر حروف الزيادة ومواضعها وشروط الحكم عليها
بالزيادة وهي عشرة أحرف لم يأت بها الناظم مجموعة أولا اكتفاء بذكرها
على الإفراد واحدا واحدا على أنه قد ذكر حروف البدل مجموعة في قاله
«هَدَأْتَ* مُوطِيَا» فكان من الكمال أن يفعل كذلك في حروف الزيادة والخطب
في هذا يسير وقد جمعها الناس في أنواع من الكلام فحكى ابن خروف
أن أبا أسحق الزجاج سئل عن جمعها فقيل له ما الحروف الزوائد؟
فقال سألتمونيها فجمعها هذا الجمع ملغزا كأنه يريد تقدم
سؤالكم لي فلم يفهموا حتى فهمهم وكذلك سأل المبرد عنها المازني
فأنشد هويت السمان فشيبنني
…
وقد كنت قدما هويت السمانا ثم اقتضاه المبرد الجواب فقال قد أجبتك دفعتين لأنه ذكر في البيت
«هويت السمان» مرتين وجمعها بعضهم آتيا بها في بيت فقال
[350]
سألت الحروف الزائدات عن اسمها
…
فقالت ولم تبخل أمان وتسهيل
وحكى الزجاجي عن المازني اليوم تنساه وقد جمع ابن خروف من ذلك
نحوا من عشرين نوعا سوى ما تقدم وزعم أن أكثرها له وعلى الجملة فهي
عشرة أحرف وزاد ابن خروف فيها الشين اللاحقة في الوقف في قولهم
أكرمتكش فهي إذًا أحد عشر وإنما سميت حروف الزيادة وإن كانت تقع
أصولا لأن الزوائد منها تكون لا من غيرها
واعلم أن الناظم هنا عدّ من هذه الحروف تسعة وترك ذكر العاشر إهمالا
له فذكر الألف والياء والواو والهمزة والميم والنون والتاء واللام
والهاء وترك ذكر السين فلم يتعرض لها بإثبات إلا قوله حين ذكر التاء
وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيثِ وَالْمُضَارَعَةْ
…
وَنَحْوِ الِاسْتِفْعَالِ وَالْمُطَاوَعَةْ
لا يقال إنه ذكرها حين ذكر الاستفعال لأنا نقول لم يذكر الاستفعال
إلا بسبب التاء خاصة فأتى بالمثال الذي تقع فيه التاء لكن اتفق أن ذلك
المثال من مواقع السين لا أنه قصده بالذكر وهذا ظاهر فالدرك عليه فيه
ظاهر ولا عذر له في تركه إلا أن يقال إنه اكتفى بمجرد المثال إذ كانت
السين لا تزاد إلا فيه وهذا من الضعف بالمكان المكين فالحق أنه فاته
ذكره فلو قال مثلا حين ذكر التاء
والتاء في التأنيث المضارعةْ
…
ونحو الاستفعال والمطاوعةْ
كذالك في التفعيل والتفعال
…
كذا مع السين في الاستفعال ومثله تفاعل تفعلُ
…
اختص بالمطاوع التفعلُ
[351]
لزال هذا الشغب وارتفع عنه في زيادة التاء شغب آخر
سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وإنما لم يذكر الشين هنا لأن غير ابن خروف لم يلحقها بحروف الزيادة
وعدم إلحاقها هو الوجه لأنه إنما ينبغي أن تثبت زيادة الحرف فيما بنيت
عليه الكلمة حتى يكون لح* حظ في الدلالة على تلك الكلمة بحيث لو حذف
منها مع أنه زائد لاختل معنى الكلمة وليست السين كذلك وأيضا فهي
تابعة للضمير والضمائر كلها كالحروف ليس فيها زيادة لأن الزيادة
تصريف والتصريف لا يكون إلا في الأسماء المتمكنة والأفعال لكن يلزم
الناظم أن يعدها في الزوائد على طريقته في عده هاء السكت فيها فإن هاء
السكت ليست الكلمة مبنية عليها وأيضا فهي تتبع ما لا يدخله تصريف فكان
الوجه أحد أمرين إما أن يعد مع الهاء الشين وإما أت يتركهما معا
فالتفريق بينهما وذكر أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ولا
يجاب هنا بما أجاب به ابن جني من أن الهاء قد ثبتت زيادتها في غير الوقف
نحو قولهم أمهات إذ وزنها فعلهات والهاء زائدة لأنها جمع أم وكذلك
الهاء في قولهم هركولة وهبلع وما أشبه ذلك لأن هذه الأشياء لم تثبت
زيادتها بعد وأيا فلو ثبتت لكانت عند الناظم نادرة مسموعة إذ لم يذكر في
[352]
زيادتها قياساً إلا هاء السكت وقد اعترض المبرد على سيبويه هذه المسألة
واعتراضه وارد وأجيب عن سيبويه بأنه أثبت الهاء زائدة لكثرة زيادتها في
الوقف
فإن قيل فاجعل الياء في يزيد زائدة في الكلمة
فالجواب أن هذا حرف معنى كمن وإنما اتصل بالكلمة لضرورة أنه
على حرف واحد وأما الهاء فإنها تزاد في الكلمة لبيان حركتها
نعم هي من الزيادات التي تختص بالوقف وليس لها معنى
فإن قيل فاجعل الشين زائدة
قيل تلك لغة قليلة فلذلك لم يعول عليها والعرب متفقون على زيادة
الهاء وإنما ذكروا حروف الزيادة بالنظر إلى جميع اللغات هذا وجه زيادتها
وهو الذي اعتمد ابن الضائع في الجواب وهو إذا تأملته ليس بجواب إذ
لم ينفصل فيه عن كون الهاء غير مبنية عليها الكلمة
والجواب عن الناظم هو الجواب عن سيبويه لكن الناظم يمكن أن يجاب
عنه بأنه ابتع في هذا سيبويه والجمهور ولم ير تخلفه عما جروا عليه في عد
الهاء ولم يعد الشين لما تقدم من كونها مختصة ببعض اللغات أو لأنهم
لم يعدوها فاتبعهم في ذلك
[353]
ولنرجع إلى كلامه فقوله «فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
صَاحَبَ زَائِدٌ»
أَلِفٌ مبتدأ وخبره زَائِدٌ وابتدأ بالنكرة لأنها موصوفة بقوله «صَاحَبَ» إذ
هو في موضع الصفة وأَكَثَرَ مفعول بصَاحَبَ يعني أنّ الألف إذا صاحبت
في الكلمة ثلاثة أحرف أصول فأكثر فاحكم عليها بالزيادة مطلقا من غير قيد
سوى توفر أقل الأصول خاصة وإنما قال أكثر من أصلين ولم يقل ثلاثة
أصول ليشمل كلامه الثلاثة فما زاد عليها لأنها قد تزاد مع الرباعي
الأصول الخماسيها** كما تزاد مع الثلاثي فالرباعي نحو عريقصان
وقرطاس وصلصال والخماسي نحو قبعثرى وضبغطرى فلو قال
صاحب ثلاثة أحرف لأوهم الاقتصار على الثلاثي دون الرباعي والخماسي
ثم في هذا العقد خمس مسائل
إحداها أنه أطلق القول في الألوف إذا صاحبت أكثر من أصلين أنها
زائدة وإنما أراد هنا والله أعلم الألف الباقية على أصلها لم تنقلب
بدليل ذكره للهمزة الواقعة بعد ألف بعد هذا وحقيقة أمرها أنها منقلبة عن
حرف زائد إذ لا تكون في الآخر زائدة بنفسها وإنما هي منقلبة عن ألف
التأنيث أو ألف الإلحاق أو التكثير كحمراء وصحراء وعلباء وقوباء
وطرفاءة وقصباءة وما أشبه ذلك فالظاهر أنه إنما أراد الألف مع بقائها
على لفظها نحو حبلى وسكرى وقائم وقاعد ونحو ذلك
[354]
والثانية أن قوله «صَاحَبَ» «أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ» ** قد دل بمفهومه
دلالة واضحة على أنه إذا لم يصاحب أكثر من أصلين فليس بزائد فقولك
عصا ورحا وفتى وغزا ورمى وما أشبه ذلك ألفاتها أصول أي
منقلبة عن حروف أصول لأن الألف لا تكون أصلا بنفسها في الأسماء المعربة
ولا في الأفعال إذ لو كانت زوائد لبقي الاسم على حرفين وذلك لا يكون فيها
أصلا وقد قال هو
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِيٍّ يُرَى
…
قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا*
والثالثة أن الناظم لم يعين لزيادتها موضعا في الكلمة كما عين
للهمزة والنون وغيرهما فدل على أنها يحكم بزيادتها حيث وقعت من
الكلمة فتزاد ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وهكذا إلى زيادتها
سابعة وهو منتهى ما تبلغ إليه الأسماء
فأما زيادتها ثانية فمثاله ضارب وقاتل وخاتم وطابق وساباط
وخاتام وعاقول وحاطوم وقاصعاء ونافقاء وفي الفعل
خاصم وشاتم وحافظ
[355]
وأما زيادتها ثالثة فمثاله حساب وكتاب وغراب وسراب
وجراب وسخاخين وعنافر وفي الفعل تقاتل وتضارب
وأما زيادتها رابعة فمثاله حملاق ودهقان وزلزال وبلبال
وقرطاس وقرناس وأرطى ومعزى وذكرى وسكرى وفي الفعل نحو
سلقى وجعبى على أنهم قالوا إن الألف في الفعل هنا منقلبة عن الياء
لقولهم سلقيت وجعبيت فالإلحاق وقع بالياء لا بالألف فلا تعد الأفعال
هنا
وأما زيادتها خامسة فمثاله حبركى ودلنظى وفرقرى وسمهى
وبوكاء وقيقبان وصليان ومكرمان ومرطراط وجلبلاب وفرنداد
وأما زيادتها سادسة فنحو قبعثرى وصبغطرى وعبوثران
وعريقصان وهزنبران ويهيرى ومرحيا
[356]
وأما زيادتها سابعة فنحو بردرايا وأربعاوى وهو قليل وأكثر
وجودها على قلته مقلوبة هزة نحو معيوراء وفيضوضاء ومطيطياء
وأما زيادتها أولا فممنوعة وإنما لم يستثن ذلك لأنه معلوم أنها لا تزاد
هنالك لأنها ساكنة والساكن لا يبتدأ به
فإن قلت فهلا زيدت أولا وإن كانت ساكنة وجلبت لها همزة الوصل
توصلا إلى النطق بها كما زيدت النون في انطلق والسين في استفعل ونحو
ذلك سواكن ثم جلبت لها همزة الوصل؟
فالجواب أن الألف هوائية تابعة للفتحة أبدا فلو زيدت أولا لم يكن بد
من فتح همزة الوصل لها وألف الوصل لا يفتح أصلا وإنما تأتي أبدا
مكسورة وهو الأصل فيها أو مضمومة لعارض بعرض وهو انضمام ما
بعد الساكن على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ولم تأت مفتوح إلا
مع لام التعريف على القول بزيادة الهمزة وفي ايمن في بعض اللغات وإذا
ثبت هذا ووقعت الهمزة قبلها مكسورة لم تبق الألف على حالها ألف بل يجب
فلبها ياء للكسرة قبلها أو وقعت الهمزة قبلها مضمومة فلا بد أيضا من قلبها
[357]
واوًا فلا تبقى أبدا ألفا وإنما تكون ياء أو واوا فيقع في زيادته أولا من
الإشكال والإلباس ما بعضه مستكره فرفض هذا الحكم جملة قال ابن
جني «وهذا كرفضهم أن يبنوا في الأسماء اسما فيما عينه** واو على فَعُل
مثل عضد وسبع وذلك أنهم لو بنوه لم يكونوا ليخلو* من قلب الواو ألفا أو
تركها غير مقلوبة ألفا فأن لم يقلبوا ثقل عليهم وإن قلبوا صار لفظه
كلفظ ما عينه مفتوحة فلم يدر أمفتوحة كانت أو مضمومة فلما كانوا لا
يخلون في بناء ذلك من إشكال أو استثقال رفضوه البتة» هذا وجه تركهم
زيادتها
والمسألة الرابعة أن قوله «صَاحَبَ» «أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ» ** يريد أنه لا بد
من مصاحبة ثلاثة أصول فأكثر قد تحقق كونها أصولا كالأمثلة المتقدمة
فإنها إما أن* يتحقق أنها أصول فههنا لا محذور في الحكم بزيادة الألف وإما
أن يتحقق أن ليست بأصول كلها ولا ثلاثة منها فلا يجوز الحكم بزيادة
الألف لأن الكلمة إذ ذاك تبقى على أقل من ثلاثة أصول وذلك غير جائز
كقولك اختار وانقاد فالهمزة والتاء والنون مقطوع بزيادتها ولم يبق دون
الألف إلا حرفان أصليان فلا يمكن مع ذلك دعوى زيادة الألف فيها لبقاء
الكلمة على أقل من ثلاثة أصول وذلك ممنوع فتعين دعوى أصالتها وكونها
منقلبة عن حرف أصلي وإما أن تكون محتملة للأصالة كلها ولزيادة بعضها
فلا يقطع على الألف بالزيادة حتى يقطع ما عداها بالأصالة مثال ذلك مكان
[358]
مثلا فإنه يحتمل أن يكون من مادة م ك ن فتكون الميم أصلية
فيتوفر بها ثلاثة أحرف أصول فيصح إذ ذاك دعوى زيادة الألف لصحة
دعوى أصالة الميم إذا فرضنا صحة ذلك ويمكن أن تكون الميم زائدة فتكون
من مادة ك ون فلا بد من ادعاء أصالة الألف وأنها منقلبة إذ لم
تتوفر ثلاثة أحرف أصول دونها
فالحاصل أن الكلمة إذا كانت في حيز الإمكان كهذه مثلا فإن الألف
في حيز الإمكان أيضا أعني أنها إذا أمكن أن تتوفر فيها الأصول الثلاثة
وأمكن أن لا فالألف باقية على إمكان الزيادة والأصالة فإذا تحقق فيها توفر
الأصول تحقق زيادة الألف لأنهما متلازمان لا انفكاك لأحد الأمرين عن
الآخر فلأجل هذا قيل إنه إنما يريد بقوله «صَاحَبَ» «أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ» **
أي على التحقيق فالمفهوم يعطي في كلامه أن ما لم يتحقق فيه أصالة
أكثر من حرفين فلا يحكم عليه بأنه زائد وذلك يعطي نوعين
أحدهما ما تحقق فيه عدم استيفاء أكثر من أصلين نحو مال
وناب وعصا ورحا وقد تقدم بيانه وكذلك استلقى إذ ثبتت زيادة الثلاثة
الأول فلا يبقى دون الألف الأخيرة إلا أصلان فقط وقد تقدم أيضا والثاني ما لم يتحقق فيه شيء من ذلك فمفهوم كلامه يعطي أيضا أنه لا يقدم على الحكم بزيادة الألف فيه كمكان المتقدم وقد ذكر الناس له
[359]
مثلا لا بد من ذكر أشياء منها يحصل بها التمرن في فهم مقصوده فمن
ذلك قولهم قطوطى وذلولى وخجوجى وشجوجى وقلولى وقنونى
ومرورى وظرورى وشرورى وشطوطى وما أشبهها الألف الأخيرة
تحتمل أن تكون زائدة على أن يكون المضاعفان معا أصليين ويكون وزن
الكلمة فعولى إذا ادعي في الواو الزيادة أو فعلى إذا ادعي فيها
الأصالة وأن تكون أصلية على أن تكون الواو والطاء الثانية زائدتين
بالتضعيف ويكون وزنها فعلعلا أو تكون الواو زائدة من «سألتمونيها»
وإحدى** الطاءين زائدة بالتضعيف ويكون وزن الكلمة فعوعلا أو
أصلية ويكون وزنها فعوللا أو تكون أصولا كلها كسفرجل وجنعدل لكن
لا يجوز أن تكون أصولا كلها فإن هذا لا يكون لأن الواو والياء لا تكونان
أصلا في بنات الأربعة دون تضعيف على ما يذكره الناظم إثر هذا ولأن
الألف لا يحكم عليها بالأصالة مع تحقق أصالة أكثر من حرفين وهو الذين
نحن في مسألته بعد ولأن المضاعفين لا يحكم عليهما بالأصالة إذا توفر
[360]
الشرطان وهما توفر أقل الأصول وعدم الفصل بين المضاعفين بأصل ولا
أن يكون فعلى على زيادة الألف مثل الحبركى والقبعثى والصلخدى
والجلعبى لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة دون التضعيف وبذلك
يمتنع أن تكون فعوللا كسرومط وفدوكس فلم يبق إلا أن تكون
الكلمة فعولى مثل عدولى وقهوباة على تقدير زيادة الألف أو على
فعوعل نحو عثوثل أو على فعلعل نحو دمكمك وذلك على تقدير أصالة
الألف فكل واحد من هذه الأبنية يجتذب هذا النوع فيحتمل أن تكون
زائدة بالتضعيف فلا تكون الألف إلا أصلية لأنها منقلبة عن ضعف
الواو أو من «سألتمونيها» وأحد المضاعفين زائد ولا تكون الألف
زائدة إلا على احتمال ألا يكون ثم زائد غير الواو فالناظم حكم بأن الألف
هنا لا يحكم بزيادتها لهذا الاحتمال إلا أن يقوم دليل على أحد الاحتمالات
فيثبت به للألف ما يثبت فإن لم يقم دليل يتوقف عن الحكم عليها وقد ذكر
الناس الأدلة في هذه الأشياء وجعلوا منها ما هو على فعولى وما هو على
فعوعل وما هو على فعلعل ولم أذكر وجه ذلك هنا لأن له موضعا غير
[361]
هذا سيأتي إن شاء الله تعالى
ومن ذلك دالان وهامان وحادان وداران ونحوه الألف
الأولى تحتمل أن تكون زائدة على أن تكون النون أصلية فيكون وزن
الكلمة فاعلا كساباط وخاتام ويحتمل أن تكون أصلية منقلبة عن واو أو
ياء والنون إذ ذاك زائدة كدوران وهيمان ونفيان وكلاهما محتمل إلا أن
يدل دليل على أحد الأمرين فيرجع إليه فإذا ثبت الاحتمال سقط الحكم
بالزيادة على الألف
وهذه أمثلة يقاس عليها ما سواها وجميعها لا يحكم عليها عند الناظم
بالزيادة إذ لم يتحقق فيه بعد أكثر من أصلين فتكون زائدة بغير مين
والمسألة الخامسة أنه لما لم يعين للألف موضعا للزيادة ولم
يخص ألفا من ألف دل على أن الألفات كلها في هذا الحكم سواء والألفات
الزائدة في الكلمة على خمسة أقسام
أحدها أن تكون لمعنى وذلك ألف التأنيث نحو حبلى وحبارى
وسكارى وجمادى ويلحق بهذا ما يدل في نفس البنية على معنى نحو قائم
ومساجد ** وضارب وتقاتل فإن الألف مشاركة في معاني هذه الصيغ
[362]
حتى إنه ربما ينسب لها معنى الصيغة مجازا ومن هذا القسم ألف التثنية
وجمع المؤنث السالم نحو الزيدان والهندات
والثاني أن تكون لإلحاق بناء ببناء فتلحق الثلاثي بالرباعي نحو أرطى
ومعزى هما ملحقان بجعفر وجرهم وتلحق الرباعي بالخماسي نحو
صلخدى وضبغطى وسرندى هي ملحقة لها بسفرجل ونحوه
والثالث أن تزاد للتكثير والتطويل لحروف الكلمة نحو قبعثرى
وضبغطرى ومن ذلك قولهم شكاعاة وسماناة وباقلاء على لغة من
ألحق الهاء إذ ليست الألف هنا للتأنيث لمكان الهاء ولا للإلحاق إذ ليس
في وزنها ما تلحق به
والرابع أن تكون للمد وهي اللاحقة قبل الآخر نحو سربال
وجلباب وصلصال وكساء ورداء ونحو ذلك ومثلها اللاحقة آخر المندوب
نحو وا زيداه**
والخامس أن تقع في حشو الكلمة لغير مقصد زائد نحو خاتم
وطابق وعاقول وما أشبه ذلك
وإنما ادعي في الألف الزيادة مطلقا فيما توفرت فيه ثلاثة أصول لأنها
كثرت زيادتها جدا والكثرة دليل على ثبوت ذلك الكثير وكونه عمدة في بابه
[363]
قال سيبويه «وأما الألف فلا تلحق رابعة فصاعدا إلا مزيدة لأنها كثيرة
مزيدة وهي أجدر أن تكون كذلك من الهمزة لأنها تكثر ككثرتها أولا
وأنه ليس في الكلام حرف إلا وبعضها فيه أو بعض الياء والواو» يريد
بالبعض هنا الحركات لأنها أبعاض حروف العلة فالفتحة بعض الألف والضمة
بعض الواو والكسرة بعض الياء فإذًا لا يدعى أصالتها إلا بدليل وإلا فهي
زائدة
فإن قيل فإذا كانت الألف أصلها الزيادة فكيف تكون محتملة
للأصالة بل يقال إذا توفر أقل الأصول فالأصل زيادتها فإن دل على ذلك
دليل فذاك وإلا فالأصل الحكم عليها بالزيادة حتى يقوم دليل قاطع
بأصالتها وإذا كان كذلك لم يصح تصور قسم المحتمل وإنما الألف على
قسمين مقطوع بأصالتها ومقطوع بزيادتها فالأول ما يدل على أصالتها
الدليل والثاني ما دل على زيادتها أو لم يدل على زيادتها ولا أصالتها
فهي محمولة على الزيادة
فالجواب أن هذا السؤال مغالطة لأن قسم المحتمل لم يجعل محتملا من
جهة عدم الدليل عليه بل من جهة تعارض الأدلة فيه خاصة حتى يأتي مرجح
ولا شك أن نحو داران يتجاذبه أصلان أحدهما باب الدوران والهيمان
فهو يقتضي كونه منه وهو من الاستدلال بالنظير فالألف على هذا أصلية
[364]
والثاني باب ساباط وخاتام فهو يقتضي أيضا كونه منه وهو من
الاستدلال بالنظير والألف على هذا زائدة فإذا ثبت لنا هذا التعارض حصل
الاحتمال حتى يرد الترجيح وقد رجح فيه باب ساباط وإن كان قليلا
فحكم على باب الدوران بأنه لو كان كذلك لكان داراق دوران* وهامان
وهيمان أو هومان ولم تعتل لأن باب فعلان مما عينه واو أو ياء أن يكون
مصححا فلما لم يفعلوا ذلك دل على أنه ليس منه ليسلم بذلك من ترتيب
إعلال على غير سبب وهذا الترجيح هو مقتضى عبارة التسهيل في قوله
«ويتعين اغتفار قلة النظير إن سلم به من ترتيب حكم على غير سبب»
وقد رجح الجمهور فيه باب فعلان وارتكبوا شذوذ الإعلال فيها لأجل الدخول في
الباب الواسع لكثرة باب فعلان وقلة باب فاعال والحمل على الأكثر متعين
وعلى هذا الأخير حمله سيبويه والمازني وابن جني وغيرهما فأنت ترى
تعارض الأصول في هذه المسألة فهو الداعي إلى التوقف والاحتمال وأما ما
لم يدل دليل على زيادة ولا أصالة فال مرية في دعوى الزيادة فيه جملا على
الأكثر نحو الزامج واللهابة ونحوهما إذ لم يتعارض فيه دليلان كما تقدم من الأمثلة
[365]
وقول الناظم «بِغَيْرِ مَيْنِ» معنى المين الكذب والجمع ميون يقال
أكثر الظنون ميون وقد مان الرجل يمين مينا فهو مائن وميون وود فلان
متماين أي متكاذب
فإن قيل هذه العبارة معترضة من وجهين أعني قوله «بِغَيْرِ مَيْنِ»
أحدهما أنها حشو لا فائدة فيها وقد عرفت عادته في هذا النظم في
شحه بالألفاظ وأنه لا يأتي بها في غالب الأمر إلا لفائدة زائدة وهذا مخالف
لذلك
والثاني على تسليم أنه أتى به حشوا ففي معناه من الضعف والوهن ما
فيه فليت شعري هل كذبه أحد فيما نقل أم هل تطرق إلى ذهن الناظر في
هذه المسألة حصول الكذب في طريقها أو توهمه في راو من رواتها حتى يقول
إن ذلك كذلك بغير كذب؟ هذا معنى عن التحصيل بعيد زيادة إلى كونه
غير مفيد ومن الحشو ما يكون فيه فائدة ما أو تحريض ما كقوله فاعلم
أو فافهم أو فكن متبعا ونحو ذلك ولا يقال إن أرباب الأراجيز أبدا
هذا شأنهم وخصوصا بهذه العبارة نفسها كقول القَلَلَوْسِيِّ
فإنّ ههنا اتفاق المذهبين
…
على امتناع ذاك فيه غير مين
وقوله في موضع آخر
وههنا تم الجميع دون مين
وكذلك غيره ممن نظم الأراجيز لأنا نقول غير ابن مالك أعذر في
[366]
هذا النوع من ابن مالك لأن ابن مالك نصب نفسه في هذه الصناعة لتحرير
العبارات واختصارها ووضعها على الأساليب الحسنة والمنازع المستقربة
فيشاح في مثل هذا بخلاف غيره ممن لم يلزم إلا الإتيان بالمعنى كيف كان
وعلى أي وجه أمكنت العبارة فيه وعلى غير تحرز من حشو ولا غيره فمثل
هؤلاء لا كلام معهم في هذه الأشياء للمعرفة بمقاصدهم كما أنا إذا نظرنا في
كتب المتقدمين لا نشاقهم في عباراتهم ولا نتّبّع ألفاظهم هذا التتبع فإنا
إن فعلنا ذلك كنا مخطئين في أخذ كلامهم متعسفين في تقصيدهم ما قصدوا**
ما لم يقصدوا** وابن مالك ومن تبع مثل ما تبع معلوم منهم القصد إلى إغماض
المعاني في العبارات وإدراج الكثير منها في اللفظ اليسير وترك اللفظ
لإيهام يكون فيه واختيار ما يعطي أصل المعنى من غير تطويل وما أشبه
هذا فنحن معامل ابن مالك بما نصب له نفسه
فالجواب أنه لم يرد بقوله «بِغَيْرِ مَيْنِ» ما تقدم وإنما أراد كذب
القضية التي أتى بها وذلك أنه أتى بكلية وهي أن الألف إذا كانت مع ثلاثة
أصول فأكثر فهي زائدة بلا بد ولم يستثن من ذلك شيئا والكلية من حيث
هي كلية في هذه الصناعة قد تكذب في بعض جزئياتها فلا تطرد إذ قد تكون
الكلية ذات حكمين لا حكم واحد فتتقيد بقيود يخرج بسببها بعض جزئياتها
كما يذكر في سائر الحروف الزوائد فليس قوله «بِغَيْرِ مَيْنِ» براجع إلى
الراوي أو إلى القائل بل إلى نفس كلية الحكم كما يقال هذه كلية كاذبة
[367]
إذا لم يجر الحكم في جميع جزئياتها ولا شك أن الألف كذلك* لا تجدها
أبدا مع توفر الأصول إلا زائدة بخلاف سائر الزوائد ومعنى هذا أن النون
مثلا إذا وقعت في الكلمة مع توفر الأصول فلا يحكم عليها بالزيادة أصلا بل
تكون في موضع زائدة كوقوعها ساكنة مفكوكة بين حرفين قبلها وحرفين
بعدها وقد تكون أصلية فيما إذا لم تقع متوسطة أو كانت متحركة أو نحو
ذلك على ما سيأتي إن شاء الله فهذا الحكم مقيد فيها وكذلك سائر الحروف
التي تزاد على حسب ما ذكره بعد هذا فلما كان هذا الإطلاق الذي ذكره ي
الألف يوهم كذب الكلية إذ لم يقيدها بقيد أزال ذلك الإيهام بقوله «بِغَيْرِ
مَيْنِ» أي بغير أن تكذب هذه القضية ولا أن يتخلف عنها قسم من
أقسامها
فإن قيل فهذه الكلية قد يختلف عنها أشياء وذلك بقيام الدليل على
التخلف من اشتقاق أو غيره كما يكون ذلك من غير الألف وإن كانت
الأصول متوفرة
فالجواب أن مثال هذا لا يكون مع توفر الأصول تحقيقا وإنما يكون ذلك عند تنازع حرفين الأصالةَ فيكون أقل الأصول غير محقق كما تقدم* في قطوطى وهامان وأبان وأبوابها وأما أن تجد ثلاثة أصول محققة لا إشكال فيها ثم يدعى بعد ذلك في الألف رابعة لتلك الثلاثة الأصالة فهذا لا يوجد فيما أظن وأما باب حاحيت فليس من هذا الباب وإنما هو من باب المضاعف
[368]
الذي يذكره إثر هذا وهو الذي قال فيه قبل «وَاحْكُمْ بِتَأَصِيلِ حُرُوفِ
سِمْسِمِ
…
وَنَحْوِهِ» فالكلية صحيحة والحمد لله
* * *
وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ إِنْ لَمْ يَقَعَا
…
كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا
يعني أن الياء والواو حكمهما في الزيادة حكم الألف وقد تقدم أن
الألف غذا صاحبت أكثر من أصلين فهي زائدة بلا بد فكذلك أختاها إذا
صاحبتا أكثر من أصلين فهما زائدتان أيضا لكن بشرط زائد كما ذكر
وقد تقدمت الإشارة إلى علة هذه الدعوى في ثلاثة الأحرف وأن ذلك
لكثرة الزيادة فيها دون غيرها من حروف الزيادة وهو معنى ما أشار إليه
سيبويه وقال الرماني في شرح «الأصول» حين ذكر حروف الزيادة
وإنما كانت هذه الحروف أحق بالزيادة لأنها حروف مد ولين وما يشبهها من
وجه يقتضي اللحاق بها على مراتبه في القوة والضعف فحروف المد واللين أحق
بالزيادة من جميع الحروف لتمكنها وحسنها في المسموع والتأليف وإمكان
الترنم بها فمن أجل اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كانت أحق بالزيادة ثم
الهمزة لأنها مواخية لها بالإعلال فحروف العلة الأربعة أحدها الهمزة لأنها
كثيرا ما تنقلب إلى حرف المد واللين نحو راس وبير وبوس وكذلك كل همزة ساكنة فهي في التخفيف على حركة ما قبلها وأما النون فللترنم الذي
[369]
فيها بالغنة كما هو في حروف المد واللين ولحسن النون في المسموع وأما
الميم فتشبه النون بغنة ضعيفة وهي من مخرج الواو أيضا ولقربها في
المخرج واتساعه كاتساع مخرج الواو قال فهذه هي السبعة التي تكثر
في الزيادة وتدخل في الأبنية على مراتبها في القوة وأما الثلاثة الباقية
فضعيفة في الزيادة لأنها مشبهة بالشبيه فالسين لا تزاد إلا في استفعل
فقط لأنها تشبه التاء في قرب المخرج والهمس وأما اللام فتشبه النون لأنها
وإن كانت من حافة اللسان فهي تستطيل إلى طبقة النون فلم تزد إلى في
عبدل وذلك ولام المعرفة وأما الهاء فمشبهة* بالهمزة لأنها من مخرجها
وهي ضعيفة لخفائها في فلم تزد إلى في آخر الكلمة من نحو يا زيداه في
الندبة والسكت في {ماليه} و {اقتده} فحروف المد واللين
جارية على نسق واحد في الزيادة فإذًا يتصور في الواو والياء من المسائل
ما يتصور في الألف من المسائل وهي خمس إحداها أنه إنما أراد الياء والواو الباقيتين على لفظهما كما كان ذلك في الألف فإذا انقلبتا إلى غيرهما قضي على ذلك الغير بما كان يقضي به عليهما لو كانتا باقيتين على أصلهما ولا محذور في هذا
[370]
والثانية أنهما إذا لم تصاحبا أكثر من أصلين فليستا بزائدتين فالياء
نحو ظبي ويسر ودين والواو نحو موت ودلو وشبه ذلك وذلك لئلا
تبقى الكلمة على حرفين وذلك لا يكون
والثالثة أنه لما لم يعين لزيادتهما موضعا كما عين لغيرهما دل على
أنهما زائدتان حيث وقعتا من الكلمة فأما الياء فتزاد أولا وثانية وثالثة
ورابعة وخامسة فأما زيادتها أولا فنحو يرمع ويعملة ويسروع
ويعضيد وفي الفعل يقوم ويقعد وينطلق وأما زيادتها ثانية
فنحو خيفق وصيرف وغيداق وخيتام وقيصوم وعيثوم
وعيطموس وعيضموز وقيتال وضيراب وحيفس والفعل
نحو بيطر وبيقر
[371]
وأما زيادتها ثالثة فنحو عثير وحذيم طريم وسرياح وجريال
وكديون وهليون وسعيد وقضيب وللتحقير نحو كليب ورجيل
ودريهم وكذلك وهبيخ وعليب قال ابن جني «ولا نظير له» وفي
الفعل نحو طشيأ وهيأ وهما مما استدركه الزبيدي على سيبويه في
الأبنية
وأما زيادتها رابعة فنحو دهليز وقنديل ومنديل وشمليل وزميل
وسريط وفي الفعل نحو سلقيت وجعبيت
وأما زيادتها خامسة فنحو عنتريس وشفليق وعرطليل وفي
الفعل نحو احنبطيت** واحرنبيت واسرنديت
وأما الواو فتزاد ثانية وثالثة ورابعة وخامسة
فأما زيادتها ثانية فنحو كوثر وجوهر وتوراب وطومار ودواسر
وحوقل وصومع
وأما زيادتها ثالثة فنحو جدول وقسور وحروع* وقرواش
ودرواس وعجوز وعمود وجهور ورهوك
[372]
وأما زيادتها رابعة فنحو كنهور وبلهور وجرموق
وزرنوق وعطود واخروط واعلوط
وأما* زيادتها خامسة فنحو قندأو وسندأو وعنزهو وعضرفوط
ومنجنون وحيزبون وما أشبه ذلك
ولم تزد أولا كما لم تزد الألف أولا بخلاف الياء وذلك أنها لو زيدت أولا
لم تخل من أن تكون مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة فلو زيدت مضمومة
لاطرد فيها الهمز نحو أقتت وأعد في وقتت ووعد أو مكسورة لكان
القلب أيضا جائزا وإن كان قليلا كإشاح وإسادة في وشاح ووسادة أو
مفتوحة فإما في اسم لكانت تنضم في التصغير فيطرد الهمز كأجيه في وجيه
وإما في فعل لكانت تنضم في بناء المفعول فيطرد الهمز أيضا نحو أعد
في وعد فلما كانت زيادتهم إياها أولا تدعو إلى همزها أو زوال لفظها
والإشكال هل في همزة أصلية أو همزة مبدلة من واو رفض ذلك فيها فلم
تزد أولا فإن قيل فكان يجري** مجرى وعد ووزن
[373]
قيل واو وعد ووزن أصل فاحتمل ذلك فيها وليس الزائد كالأصل
هذا تعليل ابن جني وأصله للفارسي ولا شك أن هذه العلة لا تجري**
في الياء فلذلك زيدت أولا وإطلاق الناظم الزيادة في الحرفين مما يقتضي* ما
اقتضاه في الألف من عدم الاختصاص بموضع من الكلمة دون موضع وذلك
في الواو غير صحيح كما تقدم فكان من الأمر المتأكد عليه أن يستثني الأول
للواو إذ كان إطلاقه موهما صحة الزيادة أ، لا إذا توفرت الأصول وليس
كذلك بخلاف الياء فإن زيادتها أولا جائزة
فإن قيل فكذلك في الألف أيضا وهو قد أطلق القول فيها فكان
معترضا
فالجواب أن زيادة الألف أولا ممتنع في نفسه فلم يحتج إلى التنبيه عليه
بخلاف الواو فالسؤال وارد
والمسألة الرابعة أن الياء والواو لا بد في دعوى زيادتهما من تحقق أكثر
من أصلين كالأمثلة المتقدمة فإن الكلمة على ثلاثة أقسام
أحدهما أن يتحقق فيها توفر الأصول دون الياء والواو فلا شك في
دعوى الزيادة كما قال والثاني أن يتحقق عدم توفرها دون الياء والواو فلا شك أيضا
[374]
في الأصالة فمثال هذا في الياء قولهم سيال وبيان ويسار وما أشبه
ذلك من بيوض وبيوت ونحوه لا بد من أصالة الياء في هذه الأشياء
لتحقق زيادة الألف والواو في هذا ومثاله في الواو قولهم واعد ووازن
وواعد ووازن فالألف مقطوع بزيادتها فالواو لا بد من القطع بأصالتها
وكذلك استوصل واستوعد واستوقد ومن ذلك كثير
والثالث أن يحتمل الأمران فلا يقطع بالزيادة حتى يقطع بأصالة ما
هو أكثر من حرفين ومثال ذلك في الياء قولهم مريم ومدين فالياء ههنا
تتنازعها الأصالة والزيادة فالذي يدل فيها على الأصالة تقدم الميم
وكونها في موضع زيادتها إذ الميم كالهمزة كما سيأتي إن شاء الله
وأيضا إذا ادعي زيادتها كانت الميم أصلية فيكون وزن الكلمة فعيل وذلك
غير موجود إلا ضهيد وقد زعم السيرافي أنه موضوع والذي يدل فيها
على الزيادة أنها لو كانت أصلية لكانت الميم زائدة لكنها ليست كذلك إذ لو
كانت زائدة لوجب اعتلال الياء بالقلب ألفا كمنال ومقام لكنها صحت
فدل أن مريم نظير طريم وعثير والياء فيه للإلحاق بجعفر وأيضا
فإن له نظيرا في الكلام وهو ضهيد فإن نفاه السيرافي فقد أثبته غيره فله
[375]
نظير ومثال ذلك في الواو قولهم غوغاء وضوضاء هذه الواو تحتمل أن
تكون أصلية وتحتمل أن تكون زائدة فالذي يدل على الأصالة أنا إذا
ادعينا زيادتها فيكون وزنها فوعالا وهو قليل كتوراب مع الخروج عن باب
القمقام والصلصال إذا ادعينا أصالة الواو على أن تكون مضاعفة وأيضا
تكون الكلمة من باب ددن وهو نادر والذي يدل على زيادتها أنها لو كانت
أصلية لكان وزن الكلمة إم فعلاء وإما فعلال فأما فعلاء فلا يجوز لأن
الهمزة كانت تكون للإلحاق وليس له ما يلحق به لأن المضاعف لا يلحق به
لاعتزامهم كون هذه النبية مختصة بالمضاعف وفعلال - غير مضاعف - لا
يوجد منه إلا الخزعال والقسطال وكلاهما فيه مقال وأما فعلال فلا ينبغي
أن يحمل عليه لأنهم قالوا غوغاء وضوضاء فمنعوا الصرف ولا يمكن أن
تكون الهمزة إلا للتأنيث فهو إذًا إذا لم يصرف ثلاثي والأصل اتحاد المواد
ما أمكن كما ثبت في الأصول فالأصل أن يدعى أنهما على سواء وأن
الهمزة ليست بأصلية بل زائدة كما كانت زائدة في نظيره فإذا ثبت هذا
التعارض في أمثال هذه المسائل بقيت الواو والياء فيها على احتمال الأصالة والزيادة فلا يصح الحكم عليها بالزيادة البتة ما لم تتحقق أصالة ما سواهما وقد تقدم هذا المعنى في الألف ولا فرق بينها وبين الواو والياء في هذا ولا يقال إن ما أوردته من المسائل ليس من باب المحتمل لأن سيبويه وغيره
[376]
قد حكموا عليها وردوها إلى أن الياء والواو فيها أصول وأجابوا عن
احتمال غيرها بما هو منصوص في دواوين العربية المبسوطة وبنى على
ذلك المختصرون قبولا لما أصلوه وتعويلا على ما ارتكبوه من ذلك فما كان
عندهم مخلصا إلى إحدى الجهتين على غير احتمال لا ينبغي أن يورد مورد
الاحتمال بل هذه المسائل من قبيل ما دل الدليل فيه على أن الأصول لم
تتوفر تحقيقا وإذا** ذاك نقول قد حكم مفهوم كلام الناظم هنا على أصالة
الياء والواو فمن أين تورد مورد الاحتمال لأنا نقول إنما النظر في هذه
المسائل من جهة أنفسها لا من جهة ترجيح مرجح وارتضاء مرتض
والذي لها من النظر من جهة أنفسها وما يتعلق بها من أدلة الأصالة والزيادة
أن لها أدلة دلت على أصالتهما وأدلة دلت على زيادتهما وإذا قام الدليل من
الجهتين وكانا معا ظنيين كما في مسألتنا فلا شك أن التعارض حاصل
فيبقى الترجيح بين الأدلة فربما ذهب ذاهب إلى ترجيح إحدى الجهتين لقوة
الدليل عنده أو لغير ذلك من أوجه الترجيح كما ذهب الناس في مريم ومدين
إلى أصالة الميم وأجابوا عن معارضة التصحيح فيهما بأنه قد يأتي في
الأعلام كثيرا كغيره من مخالفة الأصول من تصحيح ما يعل وإعلال
ما يصحح وفك المدغم وغير ذلك من الشذوذات فدعوى التصحيح
في أمثال هذا ليس بمستنكر بخلاف دعوى زيادة الياء فإنه مخالف
[377]
للقاعدة في زيادة الميم أولا وما استجل به من وجود فعيل بضهيد فغايته
أنه محتمل إذ الناس فيه على فرقتين منهم من يثبته من كلام العرب
ومنهم من يدعي فيه الوضع ولا دلالة في محتمل وهذا الترجيح الذي رجح
الناس به في هذه المسألة وسواها لا يرفع أصل الاحتمال لقيام التعارض بعدُ
وبقاء المسألة في معرض الاجتهاد ألا ترى أنه يجوز لمجتهد آخر أن يخالف
الأول لترجيح ظهر له في دليل الجهة الأخرى أو ضعف في دليل هذه
الجهة لا يوازي ضعف دليل الأخرى أو غيره من الأمور التي يرجح بها وقد
وقع الخلاف في مسائل من هذا القبيل وأصل الخلاف الترجيح لأحد الدليلين
على الآخر ولولا الخروج عن المقصود لأوردت في هذا الموضع مسائل من
هذا القبيل توضح لك ما ذكرته وسيأتي منها أشياء في موضعها إن شاء الله
فأما إذا كانت إحدى الجهتين عارية عن الدليل والأخرى ذات دليل صحيح أو
كان دليلها مقطوعا به أو فيحكم المقطوع به والأخرى ذات دليل لا معتبر
به لضعفه فههنا لا يقول أحد بأن المسألة في حيز الاحتمال كما تقد في
مسألة سيال وبيان ** واعد وازن وما أشبه ذلك فإنه لا يشك أحد في أصالة
الواو والياء هناك وإن لم يقم عليه دليلا فضلا عن أن يستدل بالاشتقاق وهذا
واضح وبالله التوفيق
[378]
والمسألة الخامسة أنه أطلق القول في الواو والياء إطلاقا ولم يخص
للزيادة منها ياء من ياء ولا واوا من واو فدل على أنهما يزادان في جميع
أقسامهما إذا بنيت الكلمة عليهما فأما الياء فعلى خمسة أقسام
أحدها أن تزاد للدلالة على معنى كياء التأنيث في تفعلين على القول
بأنها حرف وكياء التصغير وياء الجمع السالم نحو الزيدين والضاربين
والثاني أن تزاد للإلحاق نحو بيطر وجيئل وصيرف وجذيم
فهذا من إلحاق الثلاثي بالرباعي ومثال إلحاق الرباعي بالخماسي قولهم
عيطموس وعيضموز وخيسفوج فهذا ملحق بعضرفوط وفي الفعل بيطر
وبيقر فهو ملحق بدحرج وكذلك طشيأ ورهيأ
والثالث أن يأتي لتكثير الكلمة نحو عريقصان وعبيثران إذ ليس في
الكلام نحو فعلُّلان ونحو فرنيق إذ ليس في الكلام مثل جردحل
وكذلك ما أشبهه
والرابع أن تكون للمد نحو قنديل ومنديل وسرير وبعير ومنه
في الندبة واغلامكيه* ووامن ضربتيه* وما أشبه ذلك
[379]
والخامس أن تلحق عوضا من محذوف زائد أو أصلي في التصغير أو
التكسير نحو سفاريج وسفيريج ومغتلم ومغيليم ومحمر ومحيمير
وكذلك مغاليم ومحامير لو كسر للجمع وفي خفيدد وعفنجج خفاديد
وعفاجيج وكذلك في نحو جحاجحة وجحاجيح وما أشبه ذلك
وأما الواو فزيادتها تنقسم هذه الأقسام إلا الخامس:
فزيادتها لمعنى كواو الجمع المذكر نحو ضاربون وزيدون وعمرون
ونحو ذلك
وزيادتها للإلحاق نحو جدول وجوهر وحوقل وسردل
وزيادتها للتكثير نحو عبوثران وقمحدوة إذ ليس في الأبنية فعلّلان
ولا فعلّلة فتلحق هذان بهما وكذلك ما أشبههما
وزيادتها للمد نحو بهلول وقبول وكلّوب وقربوس وزرجون
ومنجنون ونحو ذلك
هذه جملة ما أحال عليه في هذين الحرفين ولما كانت الألف لا تكون
أصلا بنفسها في متصرفات الكلم لم يحتج إلى زيادة على ما ذكر فيها بخلاف
هذين الحرفين فإنهما يكونان أصلين وزائدين ولهما في الكلمة الرباعية حكم
لا يكون لهما مع غيرها فأخذ يستثنى ذلك فقال
وَالْيَا كَذَا، وَالْوَاوُ إِنْ لَمْ يَقَعَا
…
كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا
[380]
يعني أن الحكم التقدم في الواو والياء إنما هو إذا لم يقعا مضاعفين في
بنات الأربعة فإنهما إذا وقعا كذلك لا يكونان زائدين أصلا وإن توفرت
الأصول بخلاف الثلاثي فإن الحكم فيه كذلك وكذلك الرباعي إذا لم يكن
مضاعفا فالثلاثي نحو بيطر وبيقر عثير* وطريم وحوقل وسرول
وجدول ونحو ذلك والرباعي غير المضاعف نحو غرنيق وعريقصان
والخماسي نحو قذعميل وعلطميس ودردبيس وعضرفوط
وقرطبوس وأما الرباعي المضاعف فلا تزاد فيه واو ولا ياء وإنما تكون أبدا
أصلا أو مثل ذلك بمثال من الاسم ومثال من الفعل دلالة على أن ذلك يكون
في الجنسين لا يختص بواحد منهما فالذي للاسم يؤيؤ وهو طائر من
الجوارح يشبه الباشَق وجمعه يآيئ وقد جاء فيه اليآئي* مقلوبا قال
الشاعر أنشده الجوهري
حفظ المهيمن يؤيؤي ورعاه
…
ما في اليآئي يؤيؤ شرواه
والذي للفعل وعوع وهو من قولهم وعوع الذئب وعوعة أي
صوت والوعوعة صوته وأيضا فإنه أتى بالمثالين الياء والواو فحصل من
المجموع أن الواو والياء تكونان في الاسم بالتضعيف وتكونان في
الفعل كذلك فمن مثل الاسم في الياء يؤيؤ واليهيهة ومن الأعلام
[381]
يليل وهو نادر مع تقدم الياء وأما مع تأخرها فنحو الحيحاء والعيعاء
والحيحاء والعيعاء والهيهاء وهو قليل أيضا وفي الواو قولهم
الوطواط والوسواس والوعواع والوقواق والوكواك والوصوصة
والوسوسة وهو كثير ومع تأخرها ضوضاء وغوغاء والزوزاة والقوقاة
والضوضاة وما أشبه ذلك ومن مثل الفعل في الياء يهيهت بالإبل** إذا
قلت لها ياهٍ ياه وهو نادر مع تقدم الياء ومع تأخرها نحو حاحيت
وعاعيت وهاهيت وزعم الأخفش أنه لم يأت من هذا النحو إلا هذه الأفعال
الثلاثة وفي الواو قولهم ضوضيت وقوقيت وزوزيت ووسوست ووعوع
وولول ووحوح ونحو ذلك
وقد ذكروا في علة الحكم بأصالة الواو والياء في مثل هذا وجهين:
أحدهما أن التضعيف في بنات الأربعة في الحرفين كالتضعيف في
بنات الثلاثة في أحدهما لأن الحرفين المتباينين وهما الياء والهمزة في
يؤيؤ مثلا إذا ضوعف أحدهما صار مع الآخر بمنزلة رد وشد فصار المجموع
مع المجموع بهذه المثابة فكما لا يقال في رد وشد إن أحد المضاعفين فيه
زائد فكذلك هذا الرباعي لا يقال فيه إلا بأصالة الجميع إذ لا فرق بينهما
فإذا الياءان في يؤيؤ أصلان وكذلك الواو في وعوع ويجري الحكم في
[382]
الباب كله على هذا السبيل وإلى هذا النحو أشار سيبويه في التعليل إذ قال
لما تكلم على ضوضيت وصيصية ونحوهما «فإذا ضوعف الحرفان في
الأربعة فهو كالحرفين في الثلاثة»
فإن قلت إن هذا الكلام إنما هو في زيادة التضعيف ومسألتنا خارجة
عنه لأن دعوى الزيادة هنا عند ادعاها** إنما هي من «سألتمونيها» وبينهما
فرق كبير في الأحكام فكيف يستدل بعدم زيادة التضعيف على عدم زيادة
سألتمونيها؟ هذا مشكل
فالجواب أن الحكم هنا في نوعي الزيادة متفق لأن من شرط دعوى
الزيادة توفر أقل الأصول وهذا لا يختص بزيادة «سألتمونيها» دون زيادة
التضعيف ولا بالعكس بل الحكم فيهما واحد لتعلقه بأمر واحد وإذا كان
كذلك صح أن يستدل بهذه القاعدة الكلية على أمر كلي يدخل تحته هذا الجزئي
الذي في أيدينا لأنه إذا كانت دعوى زيادة أحد المضاعفين لا يمكن هنا
فكذلك زيادة ما كان من «سألتمونيها» وعلى هذا الترتيب يلزم ألا يزاد أحد
المضاعفين أيضا بالتضعيف إذ يؤيؤ ووعوع المضاعفان فيهما من حروف «سألتمونيها» وهذا بالقصد الثاني وإلا فقد تكلم الناظم على منع زيادة أحد المضاعفين في مثل هذا
[383]
والوجه الثاني أن هنا ما كان نحو يهية ووحوح وهذا إما أن يكون
وزنهما وَفْعَلا ويَفْعَل والأول معدوم في الأبنية والثاني قليل لا يحمل مثل
هذا عليه وأيضا تكون الكلمة من باب سلس وهو قليل أو يكون وزنهما
فَعْوَلا وفَعْيلا وكلاهما يلزم منه كون الكلمة من باب ببر وددن وهو
نادر فلم يبق إلا أن يكون فَعْلَلا فتكون جميع الحروف أصولا وهو المطلوب
وما كان نحو ضوضيت وحاحيت إما أن يكون وزنهما فعليت كسلقيت
وهذا يلزم منه كون الكلمة من باب سلس وهو قليل وهذا كثير أعني
في الأسماء والأفعال على الجملة ولا يحمل الكثير على الباب القليل
إلا بدليل وأيضا قد قالوا في بعض ذلك ضوضاء وغوغاء بمنزلة زَلزال
وقلقال فينبغي حمل باقي الباب عليه لأن فيه حمل المتماثلات على باب
واحد وأيضا فيه الدخول في أوسع البابين أو يكون وزنهما فوعلت كحوقلت
وهذا أبعد في الجواز إذ يلزم جعل الفاء والعين من باب واحد كددن وببر
وهو نادر وإذا امتنع باب سلس أن يحمل هذا عليه فباب ددن أولى بالامتناع
[384]
وفي قوله «وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ» إلى آخره إخبار بأن الياء والواو لا
تكونان أصلا في الأربعة كما تقدم وهذا صحيح لكنه قد يأتي أصلا فيها
قليلا وإن لم يكن الاسم مضاعفا وذلك قولهم ورنتل فالنون زائدة
لوجود شرط الزيادة وهو وقوعها ساكنة مفكوكة بين حرفين قبلها وحرفين
بعدها والواو أصلية لأنها لو كانت زائدة لكانت زيادتها أول الكلمة وذلك
غير موجود فلا يصح دعوى زيادتها أول الكلمة
فإن قيل وكذلك أيضا لا تكون أصلا في بنات الأربعة بغير تضعيف
فقد تعارض فيها أصلان فلم حكمت بأصالة الواو دون زيادتها؟
فالجواب أن جعلها أصلا أقوى لأنا قد رأيناها أصلا في بنات
الأربعة على الجملة وذلك مع التضعيف فنحن نجعلها أيضا كذلك مع فقد
التضعيف للضرورة وهذا أسرع من أن تزيدها أولا ولم نرهم زادوها
أولا بوجه من الوجوه وقد جعلوها أصلا في الأربعة في بعض المواضع وهو
التضعيف فجعلها أصلا أولى فتأمله
* * *
وَهَكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا
…
ثَلَاثَةً تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا
يعني أن الهمزة والميم يحكم بزيادتهما كما حكم بزيادة الألف والياء
والواو لكن لا مطلقا بل بثلاثة شروط
[385]
أحدها كون الهمزة والميم سابقين للأحرف الثلاثة
والثاني أن يكون بعدهما ثلاثة أحرف أصول
والثالث أن يكون أصالتها محققة لا بالاحتمال
فالأول يدل عليه قوله «سَبَقَا
…
ثَلَاثَةً» والألف في «سَبَقَا» ضمير التثنية
عائد على الهمزة والميم والثاني بين من قوله «سَبَقَا
…
ثَلَاثَةً تَأْصِيلُهَا
تَحَقَّقَا» والثلاثة هي ثلاثة حروف أصول والثالث مأخوذ من قوله «تَأْصِيلُهَا
تَحَقَّقَا» أي لا بد من كون الأصالة في تلك الحروف الثلاثة قد تحققت
وصحت وثبتت ولا بد من تفصيل أحكام هذه الشروط بالنسبة إلى كل واحد
من الحرفين نبدأ بما بدأ به فنقول:
أما الهمزة فلا بد فيها من تلك الشروط وحينئذ يحكم بزيادتها
فالشرط الأول سبقيّتها فإن لم تكن سابقة فلا يحكم لها بزيادة على مفهوم
كلامه فنحو بلأنٍ وبرائل والشأسم واطمأن وازبأر وتكرفأ وما
أشبه هذا مما الهمزة فيه غير سابقة لا يحكم عليها بالزيادة أصلا إذ لم
تكثر زيادتها هنالك كثرة توجب القضاء بزيادتها مع الجهل بدليل ذلك فيها أو
دليل خلافه وذلك أن الهمزة إذا وقعت أولا قد كثرت زيادتها جدا فيما عرف
اشتقاقه وتصريفه في الأسماء والأفعال فأفعل في الأفعال والصفات كثير
[386]
فذكر سيبويه وغيره أن الهمزة متى ما وقعت أولا وأمكن جعلها زائدة
قضي بذلك حتى يدل دليل على الأصالة كأفكل مثلا يقضى على همزته
بالزيادة وإن لم نعرف له اشتقاقا ولا تصريفا يدل على زيادتها قال لأن
ما عرف اشتقاقه فقضي فيه بزيادة الهمزة لا يحصى كثرة فتحمل همزة أفكل
على الأكثر فإذا لم تكن سابقة فالأكثر أصالتها فيما عرف اشتقاقه
أو تصريفه فليُقضَ بالحمل على الأكثر فيما لم يعرف له اشتقاق ولا تصريف
والشرط الثاني أن يكون بعد الهمزة ثلاثة أحرف أصول فلا بد منه
فإنه إن كان بعدها ما هو أكثر من ثلاثة أصول فلا بد من القضاء بأصالة
الهمزة وذلك كإصطبل فهو كجردحل لأن القاعدة أن بنات الأربعة لا
يزاد فيها من أولها إلا في الأفعال والأسماء الجارية عليها نحو مدحرج
وكإردخل واصطفلينة وإصفعندا وأُصطكمة وأَطربون الروم وكذلك
إبريسم إبراهيم* وإسماعيل همزاتها كلها أصول لو كانت عربيات ولذلك
رد المبرد على سيبويه في تصغيرهما بإسقاط الهمزة بريهيم وسميعيل وقال
القياس أُبيرية وأُسيميع وما قاله من القياس صحيح غير أن قول سيبويه
أصح في التصغير وقد تقدم بيان ذلك في بابه
[387]
والشرط الثالث أن تكون أصالة الأحرف الثلاثة محققة فلو كانت غير
محققة لم يقض بزيادة الهمزة لأنها لو قضي بزيادتها لأمكن بقاء الكلمة على
أقل من ثلاثة أحرف وبيان ذلك أن ثلاثة الأحرف التي بعدها إما أن تكون
مقطوعا بأصالتها وسواء أكان معها زوائد أم لا كأحمر وأصفر
وأبيض وأحمد وإجفيل وإخريط وأترجة وأزمولة وإدرون وإصليت
وإهجيرَى وإجريا وأكرم وأعلم وأطاع وأسطاع وما أشبه ذلك فلا
شك في دعوى زيادة الهمزة وإما أن تكون مقطوعا بزيادة بعضها كأمان
من الأمن وإسار من الأسر وإناء واحدِ الآنية فلا إشكال في أصالتها
وذلك مأخوذ من مفهوم كلامه لأن تأصيل ثلاثة الأحرف هنا ليس بمتحقق
وإما أن تكون محتملة فلا يقطع بأصالة جميعها ولا بخلاف ذلك فمفهوم كلام
الناظم في هذا أيضا أنه لا يحكم بزيادة الهمزة ما لم تبيّن** فيها أمر
فيحكم على الهمزة بمقتضاه ولهذا القسم أمثلة منها أيدَع يقال هل
هو أفعل كأفكل فتكون الهمزة زائدة لأصالة الياء أو فيعل كجيئل
فتكون الهمزة أصلية والياء زائدة كلا الوجهين محتمل لأن كلا واحد منهما
يجذبه إليه باب متسع وكالأوتكى ألفه للتأنيث بلا بد فيبقى النظر
[388]
بين الهمزة المصدرة والواو بعدها هل يحكم بزيادة الهمزة فتكون أفعلى من
باب الأجفلى وعلى هذا حمله القالي أو يحكم بزيادة الواو فيكون
فوعلى من باب الخوزلى وعلى هذا حمله غيره وكذلك أفعى هل يكون
وزنها أفعل فتكون الهمزة زائدة والألف أصلية أو بالعكس فيكون وزنه
فضعلى** وكذلك إبّانُ يحتمل أن يكون إفعال فتكون الهمزة زائدة أو فِعّال
فتكون أصلية وإحدى الباءين زائدة ومن هذا كثير جدا فمثل هذا عند
الناظم لا يحكم على الهمزة فيه بزيادة ما لم تتحقق بعدها أصول ثلاثة
فإن قلت كيف تتحقق في هذه الأشياء الزيادة من الأصالة؟
فالجواب أن تحققها يكن فيما لم تتعارض فيه الأدلة بالدليل
الاشتقاقي أو التصريفي وقد تقدم في القسم المتحقق كأمان وإسار وإزار
وفيما تعارضت فيه الأدلة بالترجيح لأحد الوجهين على الآخر وكذلك في
جميع ما تقدم من المحتملات في باب الألف والواو والياء وهذا بالنسبة إلى
المجتهد لا بالنسبة إلى المسألة في نفسها فإنها أبدا مع التعارض محتملة
وسيأتي ذلك بعدُ بحول الله تعالى
وأما الميم فكالهمزة في الحكم والشروط:
فأما الشرط الأول وهو السبقية فلازم فلو كانت الميم غير سابقة لم يحكم بزيادتها هكذا مطلقا على ما أفهم كلامه كالبسملة والثرملة
[389]
والبرهمة والحرمل والبرطام والخرمل والشمردل والهمرجل والسرمق
والحملاق وما أشبه ذلك فالميم في هذه الأشياء أصلية لا زائدة لكونها
غير أول وإنما كان ذلك لما تقدم في الهمزة لأن الميم كثرت زيادتها أولا فيما
عرف اشتقاقه كأسماء المصادر والأزمنة والأمكنة وأسماء الآلات وأسماء
المفعولين وما أشبه ذلك فكذلك يحكم عليها بالزيادة فيما لم يعرف له
اشتقاق ولا تصريف حملا على الأكثر وأما إذا كانت غير أول فتقلّ
زيادتها جدا فيما عرف له اشتقاق أو تصريف فإذًا لا يحكم بزيادتها إلا بثبت
إذا لم يدل عليها دليل
وأما الشرط الثاني وهو أن يقع بعد الميم ثلاثة حروف أصول فملتزم
أيضا فإن لم يكن بعدها إلا أكثر من ثلاثة فلا بد من الحكم بأصالتها نحو
مرزجوش ومردقوش والعلة في هذا هي العلة في الهمزة من كون الزيادة
لا تلحق أول الرباعي إلا في الأفعال والأسماء الجارية عليها نحو يدحرج
ومدحرج وما أشبه ذلك
وأما الشرط الثالث وهو أن تكون تلك الأحرف الثلاثة قد تحققت
أصالتها وصحت فإنها إن لم تتحقق بل تحققت زيادة بعضها فلا بد من الحكم بأصالة الميم للضرورة لئلا تبقى الكلمة على حرفين وذلك نحو المنون
[390]
ومائس وماحل** ومشقاء ومحاق ومذيق وما أشبه هذا
وكذلك إن لم تتحقق زيادة ولا أصالة في ثلاثة الأحرف فإنه لا يحكم على الميم
بزيادة ما لم يتبين الأمر فيها ولذلك أمثلة منها مجن يحتمل أن تكون
النونان معا أصلين فتكون الميم زائدة ووزن الكلمة مفعل ويدل على ذلك
الاشتقاق من الجُنة وجنه* الشيء وأجنه أي ستره لأن المجن ساتر عن
الأذاة في الحرب وإلى هذا مال الزبيدي ويحتمل أن تكون إحدى النونين
زائدة فتؤصل الميم على هذا ويكون وزن الكلمة فعلا كخدب ويدل على
هذا الاشتقاق من مجن أي صلب وإلى أصالة الميم ذهب سيبويه
ومنها مأجج ومهدد يحتمل أن يكون أحد المضاعفين زائدا فتكون الميم
أصلية ووزن الكلمة فعلل وظهر التضعيف لأجل الإلحاق بجعفر وهذا قول
سيبويه ويحتمل* أن يكون المضاعفان معا أصلين فتكون الميم
[391]
زائدة ويكون وزن الكلمة مفعلا ويترجح هذا بأن زيادة الميم أولا أولى من
زيادة ما بعدها من حرف لين أو تضعيف وظهور التضعيف من باب
محبب أجاز هذا السيرافي وإن كان قد قوى قول سيبويه
هذا تفسير كلامه إلا أن عليه اعتراضا من خمسة أوجه
أحدها أنه ذكر شرط السبقية للهمزة والميم لا مطلقا بل بقيد أن
تسبق ثلاثة أصول والتقييد بهذا لا يقتضي السبقية بإطلاق أعني أ، تكون
الميم أو الهمزة سابقة لجميع الحروف وإنما يقتضي سبقيتها للثلاثة
خاصة فأعطى هذا التقييد أن نحو شمردل وهمرجل الميم فيه زائدة لوجود
شرطه من سبقيتها لثلاثة أصول محققة وكذلك في الهمزة إن وجدت ثانية في
اسم خماسي وهذا غير صحيح بل المراد عند النحويين أن تكون الميم سابقة
لجميع الحروف على الإطلاق بحيث لا يتقدمها حرف البتة فكان كلامه على
الظاهر معترضا
والثاني أنه يدخل عليه في هذا العقد ما كان بعد الهمزة أو الميم فيه
أربعة أحرف أصول كإصطبل أصطكمة ومرزجوش لأنه قال «سَبَقَا
…
ثَلَاثَةً» وهذا قد يسبق أربعة وكل ما سبق أربعة فقد سبق ثلاثة من باب
أولى فاقتضى هذا الإطلاق زيادة الميم والهمزة في مثل هذه الأشياء وهو
على خلاف ما تقدم من التفسير وعلى خلاف ما قاله النحويون
[392]
والثالث أن قوله «وَهَكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا» يعني مثل ما تقدم في
أنه زائد بلا بد إذ تقدم في الألف قوله
فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
صَاحَبَ، زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
فقطع بالزيادة ثم عطف على ذلك الياء والواو وأن حكمهما كذلك ثم
أتى بهذا أيضا محالا به على ما تقدم فاقتضى أن الزيادة في مثل هذا
مقطوع بها وغيره لا يجعل الزيادة مقطوعا بها وإنما يجعلها من باب
الحمل على الأكثر مع إمكان أن تكون أصلية وكلام سيبويه على هذا يدل لا
على القطع بالزيادة قال في أبواب ما ينصرف «واعلم أن هذه الياء والألف
- يعني في نحو أعْصُرَ ويَعْصُرَ - لا تقع واحدة منهما في أول اسم على أربعة
أحرف إلا وهما زائدتان؛ ألا ترى أنه ليس من اسم مثل أفكل يصرف وإن لم
يكن له فعل يتصرف» قال «ومما يدلك على أنها زائدة كثرة دخولها في
بنات الثلاثة» فهذا استدلال منه بما عُرف أنه أفعل بالاشتقاق أو بمنع
الصرف على ما لم يعرف ثم قال «فهذه الياء والألف تكثر زيادتهما في
بنات الثلاثة فهما زائدتان حتى يجيء أمر بين نحو أولقٍ فإن أولقا
إنما الزيادة فيه الواو ويدلك على ذلك قولهم قد أُلِقَ الرجل فهو مألوق» قال
«ولو لم يتبين أمر أولق لكان عندنا أفعل لأن أفعل من هذا الضرب أكثر من
فوعل» فتأمل قوله «فهما زائدتان حتى يجيء أمر بين» وقوله «ولو
لم يتبين» إلى آخره فإنه في غاية الظهور في الحمل على الأكثر لا على
[393]
القطع بل على الإسناد إلى أوسع البابين وإن كان الاحتمال باقيا كما
يرجح أحد المحتملين بوجه من وجوه الترجيح قال ابن الضائع بعدما قرر
شيئا من هذا المعنى «ومما يدل على أن هذه الهمزة كذا أنّ الميم مثلها في
الزيادة أولا من غير فرق وقد قضى سيبويه بأصالة الميم في المرجل
والمراجل بقولهم ممرجل فقضى بأصالتها وبعدها ثلاثة أحرف أصول» **
واعترض على ابن عصفور في جعله هذا النحو مما يقطع فيه بزيادة الهمزة
لأنه قال في الممتع «وإن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها قطع بأنها
زائدة» قال «لأن كل ما عرف اشتقاقه من ذلك فالهمزة فيه زائدة وما» **
وما اعترض به ظاهر؛ إذ القطع في أمثال هذه الأشياء متعذر لاحتمال أن تكون
الهمزة أصلا بدليل من اشتقاق أو تصريف لم نطلع عليه فكيف يدعى القطع
هنا؟ ! هذا خطأ ممن ادعاه والناظم ممن يدعي ذلك فهو مخطئ
والرابع أن قوله «تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا» يقتضي أن الحكم بالزيادة لا
يكون إلا فيما تحقق فيه أصالة الحروف وأما ما لم تتحقق فيه فلا يحكم
بزيادة الهمزة ولا الميم وهو ما يعطيه المفهوم وهذا المعنى غير صحيح أيضا
لأنهم قد قالوا إن الهمزة والميم إذا كان بعدها ثلاثة أحرف وبعضها
محتمل للزيادة فهما محكوم عليهما بالزيادة وعلى ما عداهما بالأصالة كأفعى
وإشفى وموسى وغيرها قال ابن الضائع: لأنهم استقرءوا ما
[394]
كان من هذا النوع فوجدوا الهمزة مما عرف اشتقاقه زائدة إلا في ألفاظ شذت
وكذلك في الميم فلذلك قيل بزيادتهما قال سيبويه في أفعى وموسى
«الألف فيهما بمنزلة مرمى» قال «فإذا لم يكن ثبت فهي زائدة وإن لم
تشتق من الحرف شيئا تذهب فيه الزيادة» وكذلك قال في التسهيل
«وتترجح زيادة ما صدر من ياء أو همزة أو ميم على زيادة ما بعده من حرف
لين أو تضعيف» وكلامه هنا يفهِم خلاف هذا المنطوق فكان غير صحيح
والخامس أن الحكم إن كان يطرد له في الأسماء فلا يطرد له في
الأفعال فإن الأفعال لا تزاد في أولها الميم قياسا ولم يكثر في الكلام كثرة
توجب القول بالقياس بل لم يحكه الناس إلا نادرا قال ابن جني «والعم
أن الميم من خواص زيادة الأسماء ولا تزاد في الأفعال إلا شاذا نحو
تمسكن الرجل وتمدرع من المدرعة وتمندل من المنديل وتمنطق من
المنطقة وتمسلم الرجل إذا كان يدعى زيدا أو غيره ثم صار يدعى مسلما
وحكى ابن الأعرابي عن أبي زياد فلان يتمولى علينا فهذا كله تمفعل»
وهذا يعد من زيادة الميم حشوا لا أولا ومن ذلك عده بعضهم وهو صحيح؛
إذ لم يسمع فيه مفعل مجردا من التاء قال ابن جني «وقالوا مرحبك الله
ومسهلك وقالو مخزق الرجل وضعفها ابن كيسان وهذا كله مفعل» قال
«ولا يقاس على هذا إلا أن يشذ الحرف فتضمه إليه» هذا ما حكى قالوا
[395]
وكلام العرب تسكن وتدرع وتندل كذلك وتنطق لم يحك الجوهري غيره
وذكر أن المخرقة مولدة وهي التي قيل منها مخرق ولذلك ضعفها ابن
كيسان وإذا صحت لم يُبن عليها لشذوذها فكيف يطلق القول في زيادة هذا
الميم أولا مع أنها لا تزاد في الأفعال إلا ببيان؟ أما الهمزة فإطلاقه فيها
صحيح لكثرة أفعل في الكلام فقد ظهر أن كلامه في هذه المسألة على غير
تحصيل
والجواب عن ذلك أن يقال:
أما الأول فإن قوة كلامه تعطي السبقية على جميع أصول الكلمة لا على
ثلاثة منها فقط وإذا كان ذلك مفهوما من كلامه وجب الحمل عليه ولم يصح
حمله على غيره
وأما الثاني فإنما أراد نفس الثلاثة التي تخالف الأربعة ولم يرد أن
يقول ثلاثة فأكثر وإنما قصد تعيين الثلاثة بخصوصها حتى كأنه قال سبق
ثلاثة لا أقل ولا أكثر فيخرج عن هذا ما سبق أربعة فأكثر وهذا مفهوم اللفظ
من حيث هو
وأما الثالث فالقطع المذكور هنا إذا سلم إنما هو القطع بالحكم لا
القطع بالزيادة فيهما فرق وبيانه أن القطع بالزيادة كما إذا قال في أفكل
مثلا إنه أفعل على القطع مشكل لإمكان أن يكون له دليل على الأصالة
وأن وزنه فعلل لكنا لم نطلع عليه فلا يتأتى ههنا القطع كما تقدم في
[396]
السؤال وأما القطع بالحكم بالزيادة فلا إشكال فيه لأنا إذا قلنا همزة
أفكل يمكن أن تكون في نفس الأمر زائدة أو أصلية لكن الأكثر في
مثلها الزيادة فنحكم نحن عليها بالأكثر ونقطع بهذا الحكم على غير تردد
حتى يتبين خلافه ولا شك أن الأمر عند النحويين كذلك إذ لم يحكموا في
مثل هذا بالتردد وإنما حكموا بالزيادة ولا يلزم من القطع بالحكم بالزيادة
القطع بالزيادة ونظير هذا قولهم في الفقه حين حدّوه هو العلم بالأحكام
الشرعية إلى آخره مع أن الفقه من باب المظنون لا من باب المعلوم على ما
قالوه ولكن أجابوا بهذا النحو وهو أن العلم راجع إلى نفس الحكم والظن
راجع إلى نفس الاستنباط فكون هذه الصورة مثلا مساوية لأخرى منصوص
عليها مظنون بلا شك وكونك حكمت على هذه بحكم هذه مقطوع به لأنه حكم
الله تعالى في حق المكلف على الجملة وهكذا مسألتنا لمّا غلب على الظن
أن همزة أفكل زائدة قطعنا بالحكم بزيادتها فالحكم هو المقطوع به
ومناط الحكم مظنون فلا تدافع ولا إشكال على قول الناظم بخلاف كلام ابن
عصفور إن لم يُتأول على أنه أراد** القطع بالحكم وهو الظاهر من قصده والله
أعلم وأما الرابع فقد يلتزمه الناظم ويقول بموجبه وذلك أن ما كان نحو أفعى وموسى ونحوهما يتجاذبه أصلان وهما دعوى زيادة الهمزة ودعوى زيادة الألف لأن كل واحد منهما تكثر زيادته في موضعه فلما اجتمعا مع
[397]
حرفين طلب كل واحد منهما الآخر بالأصالة لتثبت زيادته في نفسه فقد
تعارض الأمران فيهما وإذا كان كذلك صارت المسألة كما لو تعارض فيها
دليلان وقد تقدم أنه من قسم المحتمل بلا شك فهذا القسم أيضا من أقسام
المحتمل ويدل على ذلك من كلامه في التسهيل قوله «وتترجح» لأن
الترجيح لا يكون إلا عند التعارض
فإن قلت فإذا كان كذلك فالناظم مطالب بتخليص المسألة إلى طرف
وذلك بترجيح أحد المحتملين على الآخر وإلا كان مهمل الحكم
فالجواب أنه قد التزم تخليصه في آخر هذا النمط بإشارة تعطي
المقصود من ذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى
فإن قلت إن قسم المحتمل إذا خرج عن الحكم بالزيادة فإلى أي حكم
ينتسب؟ وما المفهوم من** كلامه فيه؟
فالجواب أن المفهوم فيه عدم الحكم بالزيادة لأنه نقيض الحكم بها
فإن قلت هل عدم الحكم بالزيادة حكم بعدمها أعني بعدم الزيادة
وأن الحرف ليس بزائد أو لا؟
فالجواب أنه ليس بحكم بالزيادة وإلا كان قد حكم بالزيادة على
المحتمل للأصالة فكما لا يحكم بالأصالة عليه كذلك لا يجوز الحكم بالزيادة
لأن الحكم بأحدهما لا يكون إلا بعد تعين إحدى الجهتين ورفع الاحتمال أعني
[398]
الاحتمال المساوي وإنما هو عدم حكم وعدم الحكم ليس بحكم بل هو
سكوت عنه فلا يفهم من كلامه إلا أن المحتمِل لا يقضى عليه بزيادة وهكذا
في جميع ما تقدم من المحتملات
وأما الخامس فظاهر وروده عليه وأنه يلزمه أن يدعي في نحو مَرْطَلَه
بالطين أي لطخه زيادة الميم وكذلك في مَرْجَلَ الذي يجري عليه المُمَرْجَل
في قول العجاج أنشده سيبويه
بشية كشية الممرجل
وسيبويه وغيره قد جعلوا الميم أصلية وكذلك في المراجل الذي اشتق
منه الممرجل وهو ثياب الوشي وأن يقول إن ميم امْذَقَرَّ زائدة
وكذلك ما أشبه هذا
والهمز أراد به الهمزة وكلاهما مستعمل على معنى واحد في
العرف وإن كان الأصل أن يقال إن الهمز جنس الهمزة
والتأصيل مصدر أصّلتُه تأصيلا وكان الأولى أن يقول تأصُّلُها إذ هو بمعنى الأصالة أي تحققت أصالتها وليس المعنى على أن تأصيل الغير لها تحقق بل المعنى تحققت هي في نفسها فقط
[399]
فإن قلت لعله يريد معنى ظاهر اللفظ ويكون التأصيل عبارة عن إقامة
الدليل على أصالتها
فالجواب أن الناظم لا يريد هذا المعنى ههنا لأن التأصيل إنما يكون
بالدليل وذلك إنما يكون في قسم المحتمل للأصالة والزيادة وما احتمل ذلك
لم يتكلم فيه هنا والكلام فيه يأتي وإنما تكلم هنا على الحروف الغنية
عن إقامة الدليل على الأصالة فالظاهر أن التأصيل هنا استعمله بمعنى
التأصل مجازا
فإن قلت لا منجى لك مما فررت منه لأن التأصل مطاوع التأصيل
فهو ملازم له تقول كلفته فتكلف وعلمته فتعلم وحملته الأمر فتحمله
فكذلك يكون التأصل مطاوعا لقولك أصلته فتأصل
فالجواب أن تفعّل كما يكون لمطاوعة فعّل كذلك يكون لغير ذلك فقد
يوافق المجرد كأصُل وتأصّل وعجِب وتعجّب ولبث وتلبّث ونحوها وأيضا
فعّل بعينه قد يكون بمعنى تفعّل كولّى وتولّى وبين الشيء وتبين وفكر في
الأمر وتفكر فيه ويمّمتُ الموضع وتيممته وإذا ثبت هذان الاستعمالان
أمكن جعل التأصيل عليهما أما الأول فيكون التأصيل بمعنى التأصل
الموافق لأصُل وهو موجود في الكلام وأما الثاني فيكونان معا بمعنى واحد
[400]
كأنه قاس على ما جاء منه إن لم يكن سُمع أصّل وتأصّل بمعنى واحد والأمر
في إطلاق هذا اللفظ قريب
* * *
كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ
…
أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ لَفْظُهَا رَدِفْ
وجدتُ في نسختي - وهي فيما أظن من أصح ما يوجد من هذا النظم -:
«كذاك همزُ آخرٍ» بإضافة الهمز إلى آخر ولو قال كذاك همزٌ آخرٌ فحمل
الآخر صفة عليه لصح المعنى أيضا وكذا وجدته في بعض النسخ فإن
كان على إجرائه صفة فلا إشكال وإن كان على الإضافة فهمز الآخر الذي
ذكر يحتمل وجهين:
أحدهما أن يريد المصدر نفسه كأنه أطلق على الهمزة على معنى
مفعول كما يطلق الخلق ويراد به المخلوق نحو قول الله تعالى {هذا خلق
الله} أي مخلوقه فكذلك يكون التقدير هنا: كذاك مهموز آخر ويريد
الحرف المهموز
والثاني - وهو الأظهر - أن يريد نفس الهمزة كأنه قال كذاك همزة
الآخر أي الهمزة المنسوبة إلى الآخر
إلا أن الوجهين معا فيهما نظر لأن الآخر هو الهمزة بعينها على
مقصده فيكون التقدير كذاك حرف الآخر أو همزة الآخر وهو لا يصح
لأن المعنى كذاك آخر الآخر أو همزة الهمزة
[401]
ويجاب عنه بأن الآخر أعم من الهمزة فآخر الكلمة من حيث معقوليته
يصح أن تقع فيه الهمزة وغيرها إذ لم يرد كلمة مخصوصة وإنما أراد
الكلمة الكلية الواقعة على كثيرين فالآخر أيضا كلي كذلك وإذا ثبت هذا
صح أن تضاف الهمزة إليه فيقال همزة الآخر ويكون على هذا من إضافة
الموصوف إلى الصفة نحو قوله تعالى {ولدار الآخرة}
وقوله «بعد ألف» في موضع الصفة لهمز أي همز كائن بعد
ألف
وقله «أَكْثَرَ» مفعول برَدِف وهو بمعنى تبع و «لَفْظُهَا» مبتدأ
خبره ردف ومعمول الخبر هنا متقدم على المبتدأ وهي مسألة مختلف في
جوازها وقد تقدم التنبيه على ما جاء في هذا النظم من هذا النوع كقوله:
بالجر والتنوين والندا وأل
…
ومسند للاسم ميزه حصل
وغير هذا من المواضع والجملة من المبتدأ والخبر في موضع الصفة
لألف والتقدير بعد ألف رادف لفظها أكثر من حرفين. معنى الكلام أن
الهمزة الواقعة آخر الكلمة بعد ألف وقبل تلك الألف أكثر من حرفين
يعني ثلاثة أحرف فأكثر محكوم عليها بالزيادة مطلقا
[402]
وقد ذكر للهمزة المحكوم عليها بهذا الحكم أوصافا لا بد من وجودها
وحينئذ يعمل القياس وهي ثلاثة:
أحدها أن تقع آخر الكلمة بحيث لا يكون بعدها حرف آخر وذلك قوله
«كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ» ومثاله قولك حمراء وصفراء وصحراء وبروكاء
وسيراء وقاصعاء وعلباء وحرباء وقوباء وقصباءة وطرفاءة وما
أشبه ذلك فلو لم تكن في آخر الكلمة لم يقض عليها بالزيادة على مفهوم
كلامه وإنما أصل الدعوى فيها الأصالة كاطمأن وازبأر وما أشبه ذلك
والوصف الثاني أن تكون الهمزة بعد ألف كما تقدم من الأمثلة فلو لم
يكن قبلها ألف فمفهوم الكلام الحكم بالأصالة ومثاله قولهم اطلنفأ
واليرنَّأُ وما أشبه ذلك ومن هنا يحكم على همزة غِرْقئٍ* وكِرْفِئَة
وطهلئة بالأصالة وقد ادعى بعضهم فيها الزيادة حكاه الجوهري عن
الفراء وقال ابن جني: «**وذهب أبو إسحاق إلى أن غرقئ البيضة
[403]
همزتُه زائدة ولم أره علل ذلك باشتقاق ولا غيره» قال** «ولست أرى للقضاء
بزيادة هذه الهمزة وجها من طريق القياس وذلك أنها ليست بأول فيقضى
بزيادتها ولا تجد فيها معنى غرق اللهم إلا أن تقول إن الغرقئ
يشتمل على جميع ما تحته من البيضة ويغترقه وهذا فيه عندي بعد ولو
جاز اعتقاد مثله على ضعف لجاز لك أن تعتقد في همز كِرفئة أنها زائدة
وتذهب إلى* أنها في معنى كَرَفَ الحمارُ إذا رفع رأسه لشم البول لأن
السحاب أبدا كما تراه مرتفع وهذا مذهب ضعيف على أن أبا زيد قد حكى
غرقأتِ البيضةُ قال وهذا قاطع» يعني أن غرقأ فَعْلَلَ بلا بد إذ ليس
في الكلام فَعْلَأَ فأنت تراه قطع بأصالة الهمزة وضعف مذهب من ذهب إلى
الزيادة ولا مرية في أن ذلك الاشتقاق في غاية من الضعف وهو جدير
بعدم القبول وقد حكى الجوهري عن الفراء في اشتقاق الغرقئ من غَرِق غير
ما قرره ابن جني والصحيح ما ذهب إليه من الأصالة
والوصف الثالث أن تكون الألف ردفت أكثر من حرفين ويريد أكثر
من أصلين لا بد من ذلك لأن الكلمة تبقى إذ ذاك على حرفين أو حرف
واحد نحو قولك قضاء وبقاء وسقاء ولقاء وعواء وماء وشاء وباء
وتاء وثاء وما أشبه ذلك وذلك أن الألف لا بد أن تكون زائدة كما سيُذكر
[404]
بحول الله وقد حكم على الهمزة بالزيادة فلو لم يشترط ثلاثة أحرف فأكثر
لكان قد ادعى* في بعض الأسماء البقاء على حرفين فقط أو حرف واحد فقط
وذلك لا يكون
فإن قلت لم قال هنا «
…
أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ لَفْظُهَا رَدِفْ» ولم يقل: ثلاثة
أحرف لفظها ردف كما قال قبل هذا «
…
ثَلَاثَةً تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا»؟
فالجواب أنه حد هنا بأكثر من حرفين ليدخل له ما كان قبل الألف
فيه ثلاثة أحرف أو أربعة فالثلاثة نحو ما مثّل به قبل والأربعة نحو
وبِرَنْساء وعَقْرباءَ وقُرْفُصاء وهِنْدَبَاءَ وطِرْمِساءَ وما أشبه ذلك فلو
عيّن من الحروف ثلاثة لخرج له هذا وأما تعيينه الثلاثة في الهمزة والميم
فلأنه قصد إخراج الأربعة عن حككم الزيادة كما نبه عليه ولذلك لما قصد
إدخال ذوات الأربعة والخمسة في فصل الألف أتى بمثل ما أتى به هنا فقال
«فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
» ولم يقل: ثلاثة أصول وهذا ظاهر ويدخل له هنا ما
قبل الألف فيه ثلاثة أصول فأكثر كان معها زوائد أو لا كمَعْيوراء وقاصعاء
وقرِيثاء وبرُوكاء وبَراكاء وأربُعاء وفِعْلِياء وما كان نحو ذلك إلا أنّ
عليه درْكا في هذا الفصل من أوجه:
[405]
أحدها أنه أطلق القول في الألف ولم يقيدها بالزيادة وكان من حقه
ذلك لأن الهمزة لا تزاد في الآخر قياسا إلا إذا كانت الألف التي قبلها زائدة
فتركُه التقييد بهذا قصور
والثاني أنه لم يقيد ما يقع قبل الألف من الحروف بالأصالة بل قال
«
…
أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ لَفْظُهَا رَدِفْ» وهكذا وجدت في النسخ فهذا الإطلاق
كما يشمل الأصول كذلك يشمل الزوائد وعلى هذا يقتضي أن الهمزة في
نحو حذّاء وشوّاء وقرّاء ووُضّاء وأبناء وأحياء ومِيناء ومعطاء
وما أشبه ذلك زائدة لأنه قد تقدم الألف ثلاثة أحرف وهو لم يذكر فيها
أصالة من زيادة فدل على إطلاقه القول في ذلك وهو غير مستقيم بل لا بد
من كونها أصولا وحينئذ يصح قانونه فلو قال أكثر من أصلين لفظها ردف
لم يكن فيه إشكال كما قال «فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
صَاحَبَ زَائِدٌ» إلى
آخره ولم يقل أكثر من حرفين
والثالث أنه يخرج عنه كل همزة وقعت بعد ألف التكسير وكانت منقلبة
عن حرف زائد كرسائل في جمع رسالة وقبائل في جمع قبيلة فمثل هذه
الهمزة لا يصح أن يقال إن زيادتها بالسماع بل ذك قياس فيها كما كان
الجمع على فعائل قياسا في فِعالة فعِيلَة ونحوهما وكلامه يعطي بمفهومه أن
مثل هذا موقوف على السماع إذ لم يذكره في المقيس وإنما قال إثر هذه
المسائل كلها «وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ
…
» فظهر أن هذه الزيادة ممنوعة إلا
[406]
بدليل وهذا لا يصح ولا يقال إنه ترك ذكر الهمزة هنا لأنه قد ذكر
الزيادة في أصلها وهو الألف أو الياء أو الواو إذ هي مبدلة عن حرف
زائد وقد تقدم قانون ذلك في الإفراد ولا شك أن الجمع جار على المفرد
فإذا كان ما انقلبت عنه الهمزة في المفرد زائدا فمحال أن تكون هي أصلية
فلما كان كذلك استغنى عن ذكر حكمها بذكر حكم أصلها لأنا نقول فكان
إذًا يلزمه ألا يذكر هذه المسألة من زيادة الهمزة رأسا إذ معلوم أنها غير
زائدة بنفسها وإنما هي منقلبة عن غيرها وذلك ألف التأنيث أو ألف
الإلحاق أو ألف التكثير كما تقدم ذكره فلم يبق على هذا الذكر زيادتها**
وجه إذا كان الأمر على ما ذكر في الجواب ولما كان لم يفعل هذا ولا هذا
لزمه أحد الأمرين إما أن يذكر الموضعين معا وإما أن يتركهما معا
والرابع إذا سلمنا أنه أراد بأكثر من حرفين الأصول فقط فإنه لم
يقيد ما يتقدم الألف من الحروف الأصول بكونها محققة الأصالة وكان من
حقه ذلك كما فعل في سائر ما تقدم ليخرج له ما كان أصلا مع الاحتمال
إلا أنه لم يقيد ذلك فدخل له بمقتضى لفظه ادعاء زيادة الهمزة فيما كان قبل
الألف فيه حرف محتمل الأصالة والزيادة إما من «سألتمونيها» وإما
[407]
بالتضعيف فأما ما يقبل زيادة التضعيف فنحو المُزّاء والدُّبَّاء
والكلّاء* والسُّلّاء* والخُشّاء والحوّاء والعوّاء
[408]
والقضّاء من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين والقثّاء والطُّلّاء
والثُّدّاء ومن هذا كثير وجميعها محتمل أن يكون أحد
المضاعفين زائدا فتكون الهمزة أصلية أو منقلبة عن أصل ووزنها على
فَعّال أو فُعّال وأن تكون الهمزة زائدة والمضاعفان أصلين ووزنهما
فعلاء أو فَعْلاء أو فِعْلاء وأما ما يقبل زيادة «سألتمونيها» فنحو:
تيماء وهِيتاء وطور سيناء وطور تيناء وشيصاء
[409]
والخوصاء والعَوصاء والزَّوراء والرَّوحاء وقوباء
والشَّيساء القيقاء* والصِّيصاء والزِّيزاء وما أشبه ذلك
هذا مما يمكن فيه زيادة الهمزة وأصالتها فتختلف أوزانها بحسب ذلك
وكلها في مقتضى كلامه زوائد وذلك خطأ بل الحكم فيها راجع إلى ما
اقتضاء الدليل لا لمجرد قانونه
والخامس أن كلامه يقتضي زيادة الهمزة في الغَوْغاء والضَّوضاء وبابه
على من صرف وعلى من لم يصرف أما على لغة من لم يصرف فلا شك في
هذا لأن الهمزة للتأنيث وأما لغة من صرف فليس الأمر كذلك بل قد تقدم ما
يقتضي أصالة هذه الهمزة أعني كونها منقلبة عن حرف أصلي إذ قال
وَاحْكُمْ بِتَأَصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ
…
وَنَحْوِهِ .........................
وهذا الاعتراض متوجه عليه في زيادة الميم أولا بمَهْمهٍ ومَرْمَرٍ
ونحوهما إذ الحروف التي بعد الميم السابقة مقطوع بأصالتها وكذلك لو جاء
[410]
في الهمزة مثل أَجْأَجٍ لاعتُرض به أيضا للقطع بأصالة ما بعد الهمزة بقوله
المذكور فظهر التناقض في كلاميه
والجواب عن الأول أنه لا يُحتاج إلى ذكر الزيادة في الألف هنا إذ لا
فائدة له لأن الألف قبل الهمزة إما أن تكون أصلية أو زائدة أما الأصلية فلا
يشملها قانونه إذ لا يكون قبلها أكثر من أصلين وإنما يكون قبلها حرف
واحد نحو ماء وشاء وباء وتاء أو حرفان نحو قضاء وعطاء وسِقاء
ودعاء وما عدا هذين النوعين فالألف فيه زائدة فإذا كان تركُه لشرط الزيادة
غير مخل فذكرُه زيادة عارية عن الفائدة
والجواب عن الثاني أنه قد تقدم له اشتراط الأصالة فيما هو أكثر من
الحرفين فينسحب له هذا الحكم على ما لم ينسخه بغيره فإذا نبّه على تقديم
أكثر من حرفين فُهم له بلا بد أنه يريد الأصول التي لا بد من توفرها وهي
المشترطة في المسائل المتقدمة
والجواب عن الثالث أن يقال إنما لم يذكر زيادة الهمزة في نحو
رسائل لكونه من الألف في الأصل وقد تقدم له ذكر زيادة الألف وهذه
الهمزة ليست بالأصل إنما هي همزة بالإعلال فترك التنبيه عليها اتكالا على
ذكر ما هو أصل لها وما أُورد من الإشكال لا يرِدُ لأن همزة رسائل قد ظهر
أصلها في المفرد والحكم على المفرد حكم على الجمع كما يكون الحكم على
الأصل حكما على الفرع والجمع فرع عن الواحد بخلاف همزة حمراء فإن
أصلها لم يظهر بعدُ إلا في موضع آخر بائن عن هذا فلم تكن الهمزة في
حمراء ألفا في حمرى مثلا ثم مدّت في زمان آخر فصارا فرعا وأصلا يُحكم
[411]
على أحدهما بالآخر كما كان ذلك في رسائل ورسالة وإنما حُكم على
الهمزة هنا بأن أصلها الألف بالقياس خاصة ويمكن أن يخالف فيه
مخالف وقد وُجد ذلك فإن من النحويين من يقول إن همزة التأنيث علامة
أخرى غير ألف التأنيث وقد نُبّه على ذلك في باب التأنيث ولو كانت مستعملة
ألفا ثم انقلبت همزة لم يُدّع فيها ذلك كما لم يُدّع التباين بين همزة رسائل
وألف رسالة وأيضا فلو لك يذكر زيادتها لم يفهم له من إطلاق الألف أصلا
بخلاف همزة رسائل فإنها تفهم زيادتها بزيادة أصلها ولهذا لم يذكرها
النحويون حين ذكروا مواضع زيادة الهمزة
والجواب عن الرابع كالجواب عن الثاني وهو أنّ تقدُّم ذِكرِ التحقيق في
المسائل قبلها يبين قصده لاشتراط ذلك هنا فلم يحتج إلى الإعادة
وعن الخامس أن كلامه يُخَصّ بكلامه فإنما يريد هنا الحكم بالزيادة
فيما سوى ما تقدّم
* *
وَالنُّونُ فِي الْآخِرِ كَالْهَمْزِ، وَفِي
…
نَحْوِ غَضَنْفَرٍ أَصَالَةً كُفِي
ذكر الناظم رحمه الله تعالى لزيادة النون قياسا موضعين أحدهما
الزيادة في الآخر والآخر الزيادة في الوسط فأما الزيادة في الآخر فذلك
قوله «وَالنُّونُ فِي الْآخِرِ كَالْهَمْزِ» يعني أن النون إذا وقعت في آخر الكلمة
فإن حكمها في الزيادة حكم الهمزة في الآخر أيضا فحيث يُحكم على الهمزة
بالزيادة هنالك يُحكم على النون بها وقد تقدم أن الهمزة لا تزاد آخرا قياسا
إلا بشروط ثلاثة:
[412]
أحدهما أن تقع آخرا وقد عين ذلك ههنا
والثاني أن يقع قبلها ألف
والثالث أن يقع قبل الألف أكثر من حرفين أصلين
فكذلك النون لا بد في زيادتها منها
فأما الشرط الأول وهو وقوع النون آخرا فصحيح الاشتراط ومثاله
ندمان وخُمصان وقُرآن ورحمان وعدنان ونُعمان وقَيقَبان
وسيسبان وترجمان وسلامان وعريقُصان وزعفران وعُقرُبان
وما أشبه ذلك فلو لم تقع آخرا لم يحكم بزيادتها إلا في الموضع الثاني
فنحو جَنَعْدَل وكنهور النون فيه أصلية
وأما الشرط الثاني وهو وقوع الألف قبل النون فكما تقدم فلو لم
تقع بعد ألف فلا يحكم بزيادتها إلا بدليل وإن وقعت آخر الكلمة وذلك
كالجِعْنِن** والحِرْذَوْن والحلزون والخُبَعثِن والعُرجون
والعُجاهِن والعشوزن والكرزين وكذلك في الفعل نحو
[413]
ارْجَحَتَّه وارْثَعَنَّ وحلْقن البُسْرُ وبرْهَن عليه وما أشبهه
وأما الشرط الثالث وهو وقوع أكثر من أصلين قبل الألف فنحو ما تقدم
من الأمثلة فلو لم يقع قبلها أكثر من أصلين لم يحكم بزيادتها سواء أكان
الحرف الثالث مقطوعا بزيادته أم محتملا للأصالة والزيادة أم لم يقع قبلها
ثالث فمثال المقطوع بزيادته التِّبيانُ والأثمان والأعوان والاجتِنان
والاختتان وما أشبه ذلك ومثال ما لم يقع قبلها ثالث: بيان وجَنان وجَبان وحرب
عَوان وجُمان وهوان وما أشبهه وأما ما وقع قبل الهمزة فيه ثالث محتمل أن
يكون أصلا أو زائدا بالتضعيف أو من «سألتمونيها» فله أمثلة أما احتمال
زيادة التضعيف فنحو حسّان وغسّان ورمّان وتبّان ونيّان
[414]
ومُرّان وزِمّان وغّيّان وأما احتمال زيادة «سألتمونيها» فنحو
حوْران وفيْنان وشيطان وميْسان وكيسان ورُومان
سَيْفان ومَيْدان فهذه كلها تحتمل أن تكون النون زائدة لأصالة الثالث
فيما قبل الألف وتحتمل أن تكون أصلية لزيادته فعلى الأول يكون وزن
المضاعف فَعْلان وفُعلان وفِعلان وعلى الثاني يكون وزنه فَعَّال وفعَّال
وفِعَّال وكذلك الآخر يحتمل على الأول أن يكون وزنه فَعْلان وفَعَلان وفُعْلان
[415]
وفِعْلان ويحتمل على الثاني أن يكون وزنه فَوْعال وفَيْعال وفاعال
وفُوعال وأما ما كان مضاعفا نحو الجنجان وقنْقانِ وما أشبههما
فقد خرجت النون هنا عن الزيادة وإن تقدمها ثلاثة أصول لكونها من باب
سمسم المحكوم بتأصيل حروفه
وإنما حُكم بزيادة النون والهمزة هنا لكثرة زيادتهما في هذا الموضع فيما
عُرف اشتقاقه فحُمل ما لم يُعرف فيه اشتقاق على الأكثر والباب الواسع
وإنما قال «وَالنُّونُ فِي الْآخِرِ» ولم يقل: والنون كالهمز، لأن الهمزة لها
موضعان أولُ الكلمة وآخرُها فلو لم يقيّد بالآخر لدخل عليه أنها تُزاد أولا
وآخرا وليس كذلك فعيّن موضع التشبيه بالهمزة وهو الآخر وعلى هذا
فلا شك أن معنى الكلام: والنون في الآخر كالهمز في الآخر، لكنه حذف
قوله: وفي الآخر، لدلالة الأول ومعنى الكلام عليه
وأما زيادة النون في الوسط فذلك قوله «وَفِي
…
نَحْوِ غَضَنْفَرٍ أَصَالَةً
كُفِيْ» ومعنى كُفِي: صُرف ودُفع - يقال: كفاك الله الشيء بمعنى صرفه
عنك - فمعنى أَصَالَةً كُفِيْ أي مُنع الأصالة وصُرفت عنه وأَصَالَةً:
مفعول ثان لكُفي ويعني أن النون إذا وقعت في الكلمة وقوعها في غضنفر
[416]
ونحوه محكوم لها بالزيادة قياسا ولا يحكم عليها بالأصالة ولا شك أن
غضنفرا قد اشتمل على أوصاف معتبرة في الحكم بالزيادة لقوله: فِي
…
نَحْوِ كذا فلم يُرد الكلمة بخصوصها فلننظر فيما اشتملت** عليه من الأوصاف
فنجعلها شروطا للحكم بالزيادة وذلك أن غضنفرا لحقته نون ساكنة
مفكوكةٌ مُخفاةٌ لم تضاعف مع عين الكلمة في كلمة خماسية بين
حرفين قبلها وحرفين بعدها فهذه ستة أوصاف للنون اشتمل عليها
مثال الناظم:
أحدها أن تكون ساكنة لا متحركة فإنها إن كانت متحركة لم يُحكم
بزيادتها نحو جنَعْدَل وغُرْنَيق وما أشبههما وذلك أن كثرة زيادة النون
هي الداعية للحكم بالزيادة وهي لم تثبت زيادتها كثيرا إلا ساكنة
فلما تحركت خرجت عن باب الكثرة فلم يحكم بزيادتها إلا بدليل
والثاني أن تكون مفكوكة لا مدغمة فإن كانت مدغمة كعَجنَّس
وجهنّم وزَوَنَّك غلب الحكمُ بزيادة التضعيف على زيادة «سألتمونيها»
لكثرة زيادة التضعيف بالنسبة إلى زيادة «سألتمونيها» فصار عجنّس وجهنّم
[417]
كعدبَّس وقلمّس والهمرَّجِه* والشفلَّح ونحو ذلك والمسألة
مختلف فيها فمنهم من زعم أن النون هنا من هذا الباب فلم يشترط الفك
ومنهم وهم الأكثر من ذهب إلى أنها ليست منه وإنما هي من زيادة
التضعيف وعلى هذا كلام الناظم فيما أشار إليه بالمثال وارتضاه لأن باب
التضعيف هو الأكثر والحمل على الأكثر متعين
والثالث أن تكون مخفاة لا مظهرة فإنها إن* كانت مظهرة لم تجز
زيادتها كما إذا وقع بعدها ما يلزم ظهورُها معه كحروف الحلق فلو بنيت
من رَفَع مثل جحنْفل لم يجز لأنك كنت تقول: رفنْعع فتظهر النون والنون
هنا لا تظهر البتة وكما لو بنيت من سبح فقلت سبنْحح أو سلخ فقلت
سلنْخخ فهذا كله لا يجوز ولو جاء في الكلام مثل فعنْعل أو جلنْحر لم تكن
النون في الدعوى إلا أصلية ولهذا منع الخليل ارفْنَعَ** من رفع فيما حكى
ابن جني عن الخليل بن أسد قال: قرأت على الأصمعي هذه الأرجوزة
للعجاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
فلما بلعت**:
[418]
تقاعس العزّ بنا فاقعنسسا
قال الأصمعي قال لي الخليل - يعني ابن أحمد - أنشدنا رجل:
ترافع العزّ بنا فارفنععا
فقلت هذا لا يكون! فقال - يعني الرجل المنشد -: كيف جاز للعجاج
أن يقول:
تقاعس العزّ بنا فاقعنسا**
إلى هنا انتهت الحكاية وشاهدُها نفيُ الخليل ارفَنْعَعَ أن يكون من كلام
العرب لأن ارفنعع رَفَنْعَعٌ شيء واحد والعلةُ واحدة
وهذا الشرط لا أعلم أحدا اشترطه** قبل ابن جني إلا ما تشعر به هذه
الحكاية لهذا لما ذكره وبين علة اشتراطه قال «ولم أر أحدا من أصحابنا
ذكر امتناع بناء فعنلى مما لامه حرف حلقي لما يُعقِبُ ذلك من ظهور النون
وزوال شبهها بحروف اللين والقياس يوجبه فليكن عليه»
والرابع أن تكون النون لم تضاعف مع العين فإن ضُوعفت خرجت عن
انحتام الحكم بالزيادة إلى باب الاحتمال كما إذا جاء مثل عزَنْزَن وفدَنْدَن فإنه
محتمل أن يكون من باب غضنفر على الإلحاق به بزيادة** النون وتضعيف الزاي
والدال مثل عقنقل ومحتمل أن يكون من باب صمَحْمَح ودمكمك
[419]
وهذا الشرط لابن جني قال في المنصف «ولو جاء شيء مثل خَزَنْزَنَ وفَدَنْدَنٍ
جاز فيه عندي أمران أحدهما أن تكون نونه الأولى زائدة وتجعل الزاءين
والدالين عينين مكررين وتجعله مثل هَجَنْجَل، وعَقَنْقَل، وسَجَنْجَل
فيكون فَعَنْعَلًا. والآخر: أن يكون الحرفان الرابعُ والخامسُ مكرّرين بمنزلة
تكرير صَمَحْمَح، ودَمَكْمَك، فتكون النون أصلا - يعني تضعيف أصل - لأنها
بمنزلة حاء صَمَحْمَح وكاف دَمَكْمَك الأُولَيين، فتكون بمنزلة فعلعل.»
قال: «والأمران فيه عندي معتدلان.» قال: «وإنما اعتدلا بإزاء كثرة باب
صمحمح ودمكمك وزيادته على باب عقنقل وعَصَنْصَر أن النون ثالثةٌ
ساكنةٌ، والكلمة خمسة أحرف، فقام أحد الشيئين بإزاء الآخر» قال:
«وإذا كان الأمر كذلك لم يكن لتغليب أحدهما على الآخر موجب، فإن جاء
الاشتقاق بشيء عُمِل عليه وترك القياس». هذا ما قال وهو حسن.
ونظيره مسألة الاشتغال في العطف على الجملة ذات الوجهين نحو زيدٌ
ضربته وعمرو كلمته فإن اعتبرت صدر الجملة الأولى كان الأولى في
[420]
عمرو الرفع وإن اعتبرت عجُزها كان الأولى فيه النصب فلما اجتمعا ترافعا
في الأولوية فاستوى الأمران وقد رد ابن عصفور على ابن جني هذا المذهب
وزعم أن الذي ينبغي أن يقضى** على النون بالزيادة يعني زيادة «سألتمونيها»
قال لأن زيادة النون ثالثة ساكنة لازمة فيما عُرف له اشتقاق فلا ينبغي أن
يجعل بإزائه كونُ باب صمحمح أوسع من باب عقنقل لأن دليل اللزوم أولى
من دليل الكثرة ورده ابن الضائع وقال: بل الأولى عندي القضاء
بالتضعيف لأنه الأكثر هنا فلا ينبغي أن يجعل الاحتمال فيه بالسواء
فالحاصل أنّ هذا الشرط معتمد عند ابن جني وابن الضائع غير مشترط عند
ابن عصفور
والخامس أن تكون النون في كلمة خماسية لا أنقصَ ولا أزيَدَ فإن
كانت في كلمة رباعية أو سداسية لم تُزد قياسا نحو عنبر ومَنْدَل
وعندليب وجِحِنْبار وإنما تزاد مع الدليل إذ لم تكثر زيادتها إلا كذلك
والسادس أن تكون بين حرفين قبلها وحرفين بعدها فتتوسط الكلمة
حقيقة فلو لم تكن كذلك لم يُقضَ بزيادتها كقولك هِندِباء وحَنْدَلسٍ
وقَنْفَرش ومنه أيضا عندليب وجحنبار إذ فيه مخالفة الشرطين كونها
لم تقع في خماسي ولا هي متوسطة.
[421]
فإذا اجتمعت هذه الشروط التي أشار إليها في مثاله فالنون زائدة بلا
بد نحو جحنْفَل وعبنْقس وفلنقس وعرندس وجرنفش وعرنتُن
وقرنفُل وقلنسُوة وغضنفَر وهو مثال الناظم وهو الأسد ويقال رجلٌ
غضنفرٌ إذا كان غليظ الجثة
فإن قلت إن هذا المثال يعطي أيضا أوصافا أُخر وذلك كونه اسما لا
فعلا وكونه رباعيَّ الأصول لم يُزد فيه غير النون وكون آخره صحيحا وما
أشبه هذا من الأوصاف وهي غير معتبرة إذ كونه اسما لا فعلا غير
معتبر باتفاق لأن الشروط المذكورة المعتبرة عندهم موجودة في الفعل فنحو
اخرنطم واحرنجم واقعنسس واسحنكك النون فيه زائدة بلا بد على ما
يتبين في تعليل ذلك وكونه رباعي الأصول لا معتبر به أيضا فقد حكموا بذلك
على ما كان ثلاثي الأصول نحو عقنقل وعفنجج وعصنصر وهجنجل
وسجنْجَل** وكذلك الفعلُ إذا كان ثلاثيها أيضا نحو اسحنكك
واقعنسس وكون آخره صحيحا غير** معدود أيضا فقد حكموا بالقانون على
ما كان نحو علندًى وقرنبى وحبنطى وسرندى وبلندى وكذلك الفعل
[422]
نحو احبنطى وادلنظى واسرندى واحرنبى* وما أشبه ذلك وكذلك
مماثلة الحركات والسكون غير معتبرة أيضا فكيف يؤخذ له ما تقدم من
الشروط بخصوصها دون هذه الأشياء؟ ! وإذا كان كذلك فمن حق الناظم أن لو
عين مراده بالإتيان بما يُفهِم الشروط وحدها كعادته في الأمثلة وقد قال في
التسهيل «وثالثة مفكوكة بين حرفين قبلها وحرفين بعدها» وهذا وإن لم
يستوف فيه الشروط فما اعتُرض به لا يدخل عليه
والجواب أن هذه الأوصاف لا اعتراض بها عليه:
أما الأول فإن الأسماء لا مزية لها في هذا المعنى على الأفعال بل
الأفعال أحق بالزيادة منها لأنه لها أصل التصريف فإن سلمنا المزية فلا
أقل من الاستواء وقد وُجدت الشروط في الأفعال كما وُجدت في الأسماء فلا
مانع من دعوى الزيادة وأيضا العلة التي لأجلها حكم بالزيادة في الأسماء
موجودة في الأفعال أيضا كما أذكره إثر هذا بحول الله تعالى فلا أثر في
المثال لوصف الاسمية
وأما الوصف الآخر وهو كونه رباعيا فأن هذا أيضا غير معتبر من
حيث إن الجميع ملحق بسفرجل أعني الرباعي وغيره لكن أحدهما ملحق
بالنون فقط وهو الرباعي والآخر ملحق بالنون وزيادة أخرى إما من زيادة
التضعيف وإما من زيادة «سألتمونيها» فالجميع داخل في حكم الخماسي
الرباعي الأصول وعلى هذا لا يرد وصف صحة الآخر
[423]
وأما مماثلة الحركات والسكون فعلة الاشتراط تبيين سقوطه وذلك أن
موضع النون إنما** أصله** للحروف الثلاثة الزوائد وهي الألف والواو والياء
نحو ألف عُذافر وجُرافس وقُراقر وسَلالم وزوارق. واو*
فدوكس وسرومط وياء سميدع وعميثل والنون حرف من حروف الزيادة
مضارع لحروف اللين لما فيه من الغنة وللقرب الذي بينه وبينها مما هو معلوم
فألحقوا النون في ذلك بالحروف اللينية* الزائدة وإذا كان كذلك فيجب أن
تكون هذه النون إذا وقعت ثالثة في هذه المواضع قوية الشبه بحروف المد
وإنما يقوَى شبهها إذا كانت ساكنة ذات غنة وعلى غيرهما من الأوصاف
المذكورة فإذا كانت متحركة زال كونها غنة من الخيشوم فزال شبهها باللين
وكذلك إذا أُدغمت قويت وأخرجها الإدغام عن أن تكون مخرجة من
الأنف لأنها تصير إلى لفظ المتحركة وهي من الفم وأيضا لا تشبه اللين إلا
إذا بقيت غنتها وإنما تبقى غنتها متى كانت من الأنف وذلك مع الحروف
الفموية لا الحلقية كما في جحنفل وبابه فإذًا لو وقع بعدها حرف حلقيّ لزالت
صفتها التي بها أشبهت حروف اللين فحملت عليها في الزيادة ولهذا أنكر
[424]
الخليل ارفنعع في الحكاية المتقدمة حيث رأى نونه في موضع لا تستعملها
العرب فيه إلا بغنة لا غير فأنكره وليس كذلك في جحنفل واقعنسس ونحوهما
لأنها قبل السين والفاء وذلك موضع تكون فيه غنّاء مشابهة لحروف
اللين
هذه هي العلة في اشتراط تلك الشروط
وأما وجه الشرط الرابع فقد تقدم وما قيل من العلة في الأسماء جارٍ
في الأفعال من حيث كان الموضع أيضا فيها لحروف اللين نحو
اشهابَبْتُ وادهامَمْت واغدودن واعشوشب واقطوطى واحلولى
فزادوا النون في موضعها للشبه المذكور فقالوا احرنجم واسحنكك
واحرنبى الديك واسلنقيت وما أشبه ذلك فلم يأتوا بها على غير بقاء الغنة
فيها ولهذا المعنى تبيّن أن جميع الأوصاف المفروضة في غضنفر ما عدا ما
تقدم ساقط الاعتبار
ومن الدليل على زيادة النون في هذا الموضع أنها وقعت موقع ما هو زائد
فينبغي أن يكون مثله وأيضا فالخماسي من الأسماء قليل وما كان على
خمسة أحرف وفيه النون الساكنة ثالثة كثير ككثرة ما جاء منه وحرف اللين
ثالثة كما مُثِّل والأربعة التي مع النون أصول كشَرَنْبَثٍ وجرنفش وفلنقس
فلو كان ما فيه النون ثالثة من بنات الخمسة الأصول لم يكثر هذه الكثرة لما
[425]
عُلم من قلة الخماسي لكنه كثر كثرة كاد يسبق بها ما فيه حرف اللين فدل
على أنها زائدة مثله وهذا الاستدلال بالأحكام حسن في معناه استدل به ابن
جني على صحة المسألة
واعلم أن كلم الناظم بعد هذا معترض من وجهين:
أحدهما أنّ مما ترك ذكره ما يزاد قياسا وذلك مواضع أربعة:
أحدها ما كان على انفعال من المصادر وانفعل من الأفعال نحو
انطلق انطلاقا وانصرف انصرافا وانبرى انبراءً وانسكب انسكابا وما
أشبه ذلك وهو كثير جدا والمثال يحصره كما يحصر الاستفعال زيادة
التاء في الاستدراك والاستكبار على ما ذكره الناظم على إثر هذا
والموضع الثاني نون المضارعة نحو نقوم ونقعد ونركب إذ هي تزاد
أيضا قياسا وإنما عددتها اعتراضا عليه لأنه عدّ تاء المضارعة في مواضع
زيادة التاء في قوله
وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيثِ وَالْمُضَارَعَةْ
…
ولا يعترض عليه - على هذا - بتركه ذكر همزة المضارعة ويائها لأنهما داخلتان في قانون زيادة الهمزة والياء بخلاف هذين فإنهما ليسا بداخلين - أعني النون والتاء - فذكر التاء وترك ذكر النون فكان كلامه ناقصا
[426]
والموضع الثالث قال المازني «كلما وُجدت النون في مثال لا يكون
للأصول فاجعلها زائدة نحو كنهبُل لأنه ليس في الكلام مثل سفرجُل
وكذلك قرنفُل النون فيه زائدة» قال «ومثل ذلك: جُنْدَب وعُنْصَر وقُنْبر**
لأنه ليس في الكلام مثل جُعْفُر**» قال «فهذا بمنزلة ما اشتققت منه ما
تذهب فيه النون» فقد عقده المازني كما ترى عقدا قياسيا لا ينكسر له
وإن انكسرت بعض أمثلته فإن قرنفُل قد يدخل له تحت قانون زيادة النون
ثالثة في الخماسي وأما عُنصَر وجُندَب ونحوهما فقد يلتزم الناظم أصالة
النون فيها ما لم يدل دليل على الزيادة لأن فُعْلَلا عنده ثابت وقد عده
في أبنية الرباعي المجرد لكن أصل القانون صحيح إذ يدخل فيه نحو
كُنْتأل وهُندَلِع وإصفَعِند وعُرُند وما أشبه ذلك وسلّمه ابن جني له
ولا شك في صحته أيضا عند الجميع وقد نبّه على هذا في التسهيل
والرابع أنهم يعدون من مواضع زيادة النون المثنى والمجموع على حده
فإن زيادتها فيهما لمعناها مطرد لا ينكسر نحو الزيدان والزيدون وقد
عدّها أيضا في التسهيل بل أدخل معها نون التوكيد على وجهها ونون
الرفع فيما اتصل به من الأفعال ألف اثنين أو واو جماعة أو ياءُ واحدة
[427]
مخاطبة ولم يعدّ ذلك هنا مع أنه قد عدّ ما يشبهها من تاء المضارعة وهاء
السكت وما أشبه ذلك فكان من حقه حين ذكر بعضها أن يذكر الجميع أو
يسكت عن الجميع
فهذه مواضع أربعة فاته ذكرها واقتضى مفهوم كلامه حين
تركها الحكم على النون فيها بالأصالة حتى يأتي دليل بخلاف ذلك وهو
مفهوم غير مستقيم
والاعتراض الثاني أنه يدخل عليه ما كان نحو دِهقان مما تقدم الألف
فيه ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها والنون مع ذلك محتملة للأصالة والزيادة
وذلك حيث تكون المادة دائرة بين الرباعية والثلاثية نحو دِهقان فإنه يحتمل
أن يكون فِعْلانا من الدَّهق وهو المَلْءُ من قوله تعالى {وكأسا دهاقا}
فلا يُصرف إذا سُمّي به لأنه فِعلانُ وأن يكون فِعْلالا من الدَّهْقَنَة وهي
الرياسة والإصلاح ومنه قالوا تدهقن إذ لا يجوز تفعلن لأنه وزن معدوم
فعلى هذا يصرف إذا سُمّي به ومنه العُربان في البيع يحتمل أن يكون
على وزن فُعلان من قولك أعرب عن حجته أي أفصح عنها لأن العُربان
إفصاح بصحة عقد البيع وأن يكون فُعلالا لقولهم عرْبَنْته إذا أعطيته العُربان
وكذلك البرهان وما أشبه هذا وكله محتمل مع وجود ما شرطه فكان نقضا عليه
[428]
والذي يقال في الجواب عن الأول أن ما اعترض به من الانفعال وارد
عليه إذ ليس له من كلامه ما يشمله بخلاف الافعنلال والافعنلاء فإنه داخل
له تحت قاعدته في عضنفر ولا يقال إن النون فيه ليست بمتوسطة لأن قبلها
ثلاثة أحرف وبعدها حرفان فألف الوصل ثالثة فصارت النون فيه مثلها في
جحنبار ونحوه وقد أخرجتموه عن الحكم بالزيادة لعدم حقيقة التوسط بين
حرفين وحرفين فكذلك يقال في هذا لأنا نقول هذه المصادر جارية في
الزيادة على أفعالها وقد علمت أن النون فيها واقعة بين حرفين قبلها وحرفين
بعدها وإنما زيدت الألف قبل الآخر في المصدر وهو في الزيادة ثان عن
الفعل ولم يبق إلا زيادة الهمزة الوصلية وهمزة الوصل ليست عندهم
بمعدودة في نفس البنية لأنها إنما سبقت لأمر عارض في الكلمة وهو
سكون أولها فإذا اتصل بها متحرك أو ساكن آخر حذفت نحو ضرب ابنُك
وقالوا افعل كذا فليست من البنية في شيء إلا باعتبار ما ولذلك لمّا
عد الناظم مواضع زيادة الهمزة لم يتعرض للإشارة إلى همزة الوصل وإنما
أتى بها بعد تمام الكلام على حروف الزيادة فصلا على حديه ليُعرَف بذلك أنها
ليست مما يعد في هذه الحروف الزوائد إذ لا يعتبر هنا إلا ما كان مبنيا عليه
الكلمة حقيقة ولذلك كان أيضا عدهم هاء ارْمِهْ ولم تَرَههْ** في حروف
الزيادة مشكلا مُعترَضا كما تقدم فإذا تقرر هذا صارت نون الافعنلال
وافعنلَل وافعنلى واقعة بين حرفين وحرفين فدخلت تحت مضمون كلامه
أما الانفعال وانفعل فليست النون فيه بمتوسطة فكان ورودها عليه
متوجها وكذلك ما اعتُرض به من نون المضارعة أيضا ونون التثنية
[429]
والجمع والتوكيد والإعراب وارد عليه لأنها مزيدة في الكلمة وليس له من
كلامه ما يتضمنُها
وأما ضابط المازني فصحيح في نفسه إلا أنه لا يردُ على الناظم وذلك
لأن النون في ذلك القسم من قبيل المحتمل ألا ترى أن تلك الأمثلة غي
موجودة في أبنية الأصول ولا في أبنية الزوائد فكَنَهبُلٌ مثلا يحتمل أن
يكون وزنُه فَنَعْلُلا والنون زائدة لكنه بناء غير موجود ويحتمل أن يكون
فَعَلُّلا والنون أصلية لكنه بناء غير موجود إذ ليس في الكلام مثل
سفرجُل فعدم الأول يحكم بالأصالة وعدم الثاني بحكم بالزيادة فتعارض
الدليلان فانتظمه قسم المحتملات. نعم ما ذكره هو المخرجُ لكن بعد
ثبوت الاحتمال وقد قال الناظم بعد هذا
وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ
…
إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ كَحَظِلَتْ**
فشمل كلامه هذا وأشباهه فلم يكن عليه اعتراض ولم يزت** بهذا
المعنى في التسهيل مختصا بالنون دون غيرها بل أتى بها قاعدة تشمل النون
وما كان مثلها فقال «والزيادة أولى إن عُدم النظير بتقديرها وتقدير
الأصالة» ولما قال المازني في قاعدته المذكورة «فاجعلها زائدة» فسره
ابن جني بأنه يقول «احكم بهذا من جهة القياس لا من قبل السماع»
يعني حمله عند التعارض على أوسع البابين وهو من باب الحمل على أحسن
الأقبحين وقد بوب عليه ابن جني في الخصائص
[430]
وأما الاعتراض بدهقان فلعمري إنه لظاهر لكن لعل الناظم لم ير إلا
الأصالة فيها وعدم الاحتمال لغير ذلك وما أورد الفارسي أو غيره فيها من
الاحتمال فضعيف والقاطع فيها ثبوت النون في الفعل فهو لدالّ على
أصالتها وعلى أنّ مِثل دهقان في الكلام مما تحتمل نونه على هذا الحد
قليل فلم يعتبره والله أعلم
واعلم أن قوله «أَصَالَةً كُفِيْ» يُشعِر بأن الأصالة في هذه
النون لا تكون ولا توجد في السماع لقوله كُفِيْ أي صُرفت عنه ولا
يقال فيما سمعت فيه الأصالةُ في بعض المواضع ولو على قلة إنه كُفي
الأصالة وكذلك هو عند النحويين إذ لم يأت ما ينقض قاعدتهم هنا وكذلك
جعل ابنُ عصفور زيادة «سألتمونيها» في نحو فَدَنْدَنٍ أقوى ورد على ابن
جني حيث جعلها مقاومة لزيادة التضعيف وحكم بذلك فيها لا على الاحتمال
وما ذاك إلا لعدم السماع الدال على أصالتها في بعض المواضع حيث
يمنع لزوم الاطراد وإلا فلو كان ثَم سماع ينقض القاعدة وإن كان قليلا
لكانت دلالتها من باب دلالة الكثرة والحمل على باب صَمَحْمح من باب دلالة
الكثرة أيضا فيتعادلان وإلى هذا المعنى أشار ابن عصفور والله أعلم
بقوله «لأن دليل اللزوم أقوى من دليل الكثرة» فجعل النون هنا لازمة
الزيادة وقد يُعترض على هذا بقولهم زَوَنْزَكٌ للقصير فإن الفارسي
زعم أن الواو فيه زائدة للإلحاق بكَوَأْلل وأن النون لا تكون زائدة قال لأنه
[431]
يلزم أن تكون الفاء والعين من موضع واحد وهذا لا يُحكم به ما وُجد عنه
مندوحة قال ويلزم منه أيضا توالي زائدتين مختلفتين وهذا لا يكاد يوجد
مثل عَفَرْنَى فهذا مما ينقض اللزوم هنا لكن قد أجاب الفارسي عن هذا في
أثناء كلامه على المسألة فقال وأما زَوَنَّك فالواو إحدى** النون** زائدتان فهو
من الثلاثة ككَوَأْلل قال فإن قلت إن الواو من زَوَنْزَكٍ والنون زائدة كما
أنها من زَوَنَّك كذلك والأولى من النونين من زَوَنَّك هي الزائدة دون الثانية
لأنها مثل الذي في جَحَنْفَلٍ وعَفَنْججٍ فكما التقت الواو والنون من زونّك
زائدتين كذلك في زَوَنْزكٍ قال فهو وجه قال ويقّوي ذلك أن النون
كحروف اللين فيشبه واو عطود وياء هَبَيَّخٍ هذا ما أجاب به وهو استدلال
بالنظير ذكر ذلك كله في التذكرة
* * *
وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيثِ وَالْمُضَارَعَةْ
…
وَنَحْوِ الِاسْتِفْعَالِ وَالْمُطَاوَعَةْ
التاءُ هنا مرفوع على الابتداء خبره محذوف لدلالة الكلام المتقدم
وتقديره والتاءُ في كذا وكذا زائدةٌ أو هكذا التاءُ في كذا وقوله فِي
التَّأْنِيثِ وكذا على حذف مضاف تقديره في ذي التأنيث وهو الاسم
[432]
المؤنث وفي ذي المضارعة وهو الفعل المضارع ويعني أن التاءَ تُزاد قياسا
في أربعة مواضع:
أحدها أن تلحق علامة للتأنيث أي يُفصل بها بين المذكر والمؤنث
فإذا أدخلت* عُلم أنّ ما لحقته لأجله مؤنث ووقوعها للتأنيث في موضعين
أحدهما آخرُ الاسم كان جامدا نحو شجرة وامرأة وغرفة
وروضة أو مشتقا نحو قائمة وقاعدة ومنطلقة ومستكبرة وكذلك
في جمع المؤنث نحو هندات وزينبات وطلحات وثمرات ومتداعيات وما
أشبه ذلك
والثاني آخرُ الفعل الماضي نحو قامت وقعدت وركبت
واستكبرت
والموضع الثاني أن تلحق في أول الفعل المضارع وذلك قوله
«وَالْمُضَارَعَةْ» أي في صاحب المضارعة وهو الفعل المضارع نحو أنت
تقوم وهندٌ تقوم وأنتِ تقومين والهندان تقومان وما أشبه ذلك
والثالث الاستفعال ونحو وذلك كل ما كان من المصادر على هذا
الوزن نحو الاستكبار والاستعظام والاستطعام والاستقصاء فالتاء
في هذه الأشياء زائدة يدل على ذلك الاشتقاق إذ هي من الكِبْرِ والعظمة
والطَّعْم القَصَا* وكذلك أفعالها نحو استكبَرَ يستكبِرُ* واستكبِرْ واستعظَمَ
يستعظِمُ واستعظِمْ وما أشبهه فهذا الذي يريد بما كان نحو الاستفعال
[433]
والرابع المطاوعة يعني أن التاء تلحق أيضا زائدة ذا المطاوعة وهو
ما كان من الأفعال فيه تاءٌ طُووِعَ بها فعلٌ آخر نحو كسرته فتكسّر
وقطعته فتقطع وأفعال المطوعة التي فيها التاء خمسة
أحدها تَفَعَّل وهو يُطاوع فَعَّل نحو علّمته فتعلّم وأدّبته فتأدّب
وهذّبته فتهذّب وخلّصته فتخلّص وكسّرته فتكسّر وفرّقته فتفرّق وهو كثير
والثاني تفاعل وهو يطاوع فاعَلَ نحو باعدته فتباعَدَ وضاعفتُ
الحساب فتضاعف وناولته فتناول
والثالث افْتَعَلَ وهو مطاوعٌ لأَفْعَلَ نحو أنصفتُه فانتصَفَ
وأشعلت النار فاشتعلت وأنجزته فانتجز وأضرمت النار فاضطرمَتْ
وأوقدتها فاتَّقَدَتْ
والرابع اسْتَفْعَل وهو مطاوع لأَفْعَلَ أيضا نحو أَشْليته
فاسْتَشْلَى وأحكمته فاستحكم وأرحته فاستراح وأكنَّه فاستكنَّ وأبهمته
فاستبهم وأَبَنْتُهُ فاستبان وأمرَرْته فاستمَرَّ
والخامس تَفَعْلَلَ وما أُلحق به وهو مطاوعٌ لفَعْلَلَ وما ألحق به كل
واحدٍ لنظيره فأمّا تَفَعْلَلَ الملحق به غيره فمطاوعٌ لفَعْلَلَ** الملحق به غيره أيضا
نحو دحرجته فتدحرج وسَرْهفْتُه فتَسرْهَفَ وسربلته فتسربل ومثال
نظائرها قولك سلقيته فتَسلْقَى وقَلْنَسْتُه فتَقَلْنَسَ وجلببته فتجلبب
وجوربته فتجورب وكذلك سائرها
[434]
هذا جملة ما أراده إلا أن عليه فيه دَرْكًا من ستة أوجه
أحدها أنه جعل من أقسام زيادة التاء زيادتها للتأنيث وهو إما أن
يريد التي تلحق للتأنيث مطلقا في الاسم والفعل أو التي تلحق الاسم خاصة
وعلى كل تقدير فعدُّها مشكل أما في الاسم فإنها زائدة على الكلمة
جارية مجرى الثاني من المركبين عند سيبويه وغيره والدليل على أنها
كالمنفصلة أنهم لا يعدون ذا التاء من الأبنية مغايرا لما هو على وزنه مما لا تاء
فيه نحو فَعَلٍ وفَعَلَةٍ مثلا كطَلَلٍ وشجرة بل الجميع فَعَل وإنما يعدون
البناء ذا التاء على شكله إذا لم يأت له مثال دون تاء الرَّحْرَحَة والشمللة
ونحو ذلك وذلك بحكم الاتفاق لا لأنه بالتاء بناء على حدة وهذا المعنى أظهر
في الصفات نحو قائم وقائمة وأما في الفعل فالتاءُ أبعدُ من الاعتداد بها
فيه فكان عده تاء التأنيث في المزيد في الأبنية مشكلا وإنما يعتد بتاء
التأنيث لو كان المؤلف قائلا به في تاء كلتا على مذهب الجرمي
حيث زعم أن التاء للتأنيث وأن وزنه فَعْتَل فمثل هذه التاء هي التي
[435]
تبنى عليها الكلمة لكن الناس رموه في هذا المذهب عن قوس واحد* بالرد لمذهبه
فيه فهذا فيه ما ترى
والثاني على تسليم ما قرر لم يعم بهذا الحكم أقسام التاء إذ لها
أقسام نحوٌ من أح عشر قسما هذا أحدها كما قالو إنها تقع فارقة بين
الواحد والجنس كثمرة وثمر وتقع عوضا من محذوف كجحجحة مع
جحاجيح وكذلك التاء في عدة وزنة هي عندهم عوض من حرف الفاء وتقع
فارقة بين الجمع والواحد نحو دُرّة ودُرّ وسفينة وسَفِين وتقع دالة على
النسب نحو المهالبة والمناذرة وتقع لغير ذلك حسب ما هو مبسوط في مواضعه
ومن جملة أقسامها وقوعها فارقة بين المذكر والمؤنث
والثالث على تسليم أن التاء إنما تكون للتأنيث فقط ليست
زيادتها لذلك بقياس إلا في الصفة خاصة على ما قرر هو في باب التأنيث
وأما التفرقة بها في الأسماء الجوامد فموقوف على السماع وهو لم يخص
تأنيثا من تأنيث فاقتضى القياسَ في قسمي الجامد والصفة وذلك غير
صحيح وأيضا فوقوعها لغير التفرقة غير مقيس أيضا وقد تقدم ذلك كله
فكان إطلاق القول بزيادتها مشكلا
والرابع أن التاء اللاحقة للمضارع ليست مما يعدّه النحوي في هذا
الفصل لكون زيادتها من قبيل المسموع وإنما يتكلم النحوي هنا فيما لم يكن
فيه دليل من اشتقاق أو تصريف أو غيرهما والتاء هنا لازمةُ السقوط في
الماضي فهو الدال على زيادتها وقد جعل ابن الضائع التاء مما لا يزاد إلا
[436]
بالسماع في جميع مواضعه ثم نكّت على ابن عصفور في هذا المعنى فقال
ومن قسّم التاء فقال إنّ لها قسما يُقضى عليه بالزيادة أبدا ومثل
بحرف المضارعة فليس ذلك كقولنا في الهمزة أولا وفي النون ثالثة كجحنفل
فإن حرف المضارعة أبدا ساقط في الماضي ونحن نريد بذلك إذا لم يكن دليل
من اشتقاق أو تصريف قال فهذا تقسيم لا يحتاج قال وفيه إيهام أنّ**
التقسيم في الموضعين واحد وليس كذلك فليس للتاء موضع يحكم عليه
فيه بالزيادة وإن لم يقم دليل على ذلك من اشتقاق أو تصريف فالناظم قد
أثبت عين ما نفاه ابن الضائع واعترض على من عده من المقيس وهو
اعتراض عام على جميع ما أتى به هنا إذ القسم الذي أثبته ابن عصفور ذكر
فيه تاء المطاوعة والمضارعة والاستفعال والتأنيث حتى كأنّ الناظم إنما
نظم محصول كلامه في القسم الذي جعله مقيسا فالنقدُ لا شك واردٌ عليه
في جميع الأقسام على هذا
والخامس أنّ تمثيله بالاستفعال هنا لا يُعطي محصولا ولا مقصودا وبيان ذلك أنه مثالٌ من الأمثلة الموزون بها والموزونُ إذا أريد وزنُه لا بدّ في عمل ذلك من مقابلة الأصلي منه بالأصلي من الفعل أعني من الفاء والعين واللام وترك الزائد على لفظه وهذا لا يكون إلا بعد معرفة الأصلي من
[437]
الزائد في الموزون فتعلمَ أنّ التاء في الاستكبار زائدة وكذلك السين
وحينئذ نضع له وزن الاستفعال وقد فرضنا أن الناظم إنما جعل لمعرفة
الزائد مثال الاستفعال فصار هذا دورا لا يتحصل وهذا كما لو قال في
زيادة الهمزة** أكل ما كان على وزن أَفْعَل فالهمزة فيه زائدة فهو لا يُحصِّل
من معرفة زيادة الهمز شيئا لأنه دور تقدم وأذكر أن شيخنا القاضي أبا
القاسم الشريف رحمه الله أورَدَ هذا المعنى عليه في التسهيل وهو وارد
عليه صعبُ الجواب
والسادس على تسليم صحة القانون في الاستفعال هو داخل تحت
عموم المطاوعة إذ قد تقدّم أن استفعل يطاوع أفعل نحو أبهمته فاستبهم
وأبَنْتُه فاستبان وما أشبه ذلك وإذا كان داخلا في أحد الأقسام كان
التقسيم غير صحيح لتداخل بعض الأقسام في بعض لا يقال إنّ الاستفعال
يأتي على أقسام من جهة المعنى منها المطاوعة كما تقدم ومنها الطلب
كاستعان واستوهب واستغفر واستطعم واستسقى وللتحول كاستنْسَر
البُغاثُ واستنوق الجملُ واسْتَتْيَسَتِ العَنْزُ واستحجر الطينُ وللاتِّخاذِ
كاستعبد عبدا واستأجر أجيرا واستفحل فحلا واستعدّ عُدَّة ولإلفاء
الشيء بمعنى ما صيغ منه كاستعظمته إذا وجدته عظيما واستصغرته
واستكثرته واستقللته واستحسنته واستقبحته ولمعان أُخر غير هذه
[438]
فلو اقتصر على ذكر المطاوعة فقط لم يدخل له الحكم بزيادة التاء في هذه
الأقسام كلها فكان تجريد المثال وذكره بخصوصه ضروريا لأنا نقول
كذلك سائر أقسام المطاوعة ليست بمقتصر بها على هذا المعنى فقط بل تأتي
لمعان أخر فأم تَفَعَّل فتأتي لمعنى التكلّف كتحلّم وتشجّع وتسخّى
وتصبّر إذا تكلف الحلم والشجاعة والسخاء والصبر وللتجنب كتأثّم
وتحرّج وتهجّد إذا تجنب ذلك وللصيرورة كتأيّمت المرأة إذا صارت أيِّما
وتكبّد اللبن إذا صار كالكبد وتجبّن صار جُبنا وتحجّر الطين
وللتَّلَبُّس بمُسمَّى ما اشتقّ منه كتقمّص وتأزَّر وتدَرَّعَ وتعمّم
وللعمل في مهلة كتبصّر وتفهّم وتعرّف وتسمّع وتجرّع ولغير ذلك من
المعاني وأما تفاعل فتأتي لمعنى الاشتراك في الفاعلية لفظا وفيها وفي
المفعولية معنى كتضارب زيد وعمرو فإنهما شريكان في الفاعلية في اللفظ
فلذلك رفعا وهم في الحقيقة مشتركان معها في المفعولية إذ كل واحد
منهما فعل بصاحبه مثل ما فعل به الآخر. ولتخييل فاعل الفعل كونه فاعلا
نحو تغافل وتجاهل وتمارض وتباله إذا ظهر بصورة ذلك وليس به
ولغير ذلك وأما افتعل فتأتي للاتخاذ نحو اذَّبَحَ واطّبخ واشتوى وللتسبب
في الشيء والحركة فيه كاعْتَمَل واكتسب وللتخيير نحو اقتنى وانتخب
واصطفى ولعمل العامل بنفسه نحو اضطرب وارتعد وارتعش واختتن
واستاك وادّهن ويأتي لغير ذلك وأما تَفَعْلَل وما لَحِق به فهو الذي لا يأتي
[439]
على ما زعم في التسهيل إلا لمطاوعة فَعْلَلَ تحقيقا أو تقديرا فهو الذي لا
يحتاج إلى تخصيصه بذكر بخلاف سائرها فكما ذكر الاستفعال بخصوصه
لأجل ما يلحقه من التاء الزائدة في الدلالة على تلك المعاني فكذلك كان يجب
أن يذكر البواقي فلو قال مثلا
والتاء في التأنيث والمضارَعَةْ
…
ونحو الافتِعالِ والمُطاوعَةْ
كذاك في التَّفْعِيلِ والتَّفْعالِ
…
كذا مَعَ السِّين في الاستفعال
ومثلها تَفاعُلٌ تَفَعُّلُ
…
واختُصَّ بالمطاوِع التَّفعْلُلُ
لم يبق له شيء مما يحتاج إليه
فإن قيل لم يُرِد أن يذكر هذه الأشياء كلها وإنما أراد ذِكر المطاوعة
فقط وقد دخلت له تحت لفظ المطاوعة
فالجواب أن الاستفعال أيضا كذلك فلم جرّده بالذكر؟
فإن قيل إنما خصّ الاستفعال بالذكر لما فيه من خصوصية زيادة
السين وهذا هو الظاهر منه
فالجواب أنه لا يُفهم له ذلك البتّة من محصول كلامه لأنه إنما
تعرّض للتاء وأنها تُزاد في هذا المثال وبقيت السين فيه مسكوتا عنها
فإذا جاء طالبٌ يطلب زيادة السين في هذا الفصل لم يجدها أصلا ولم يجد
لزيادتها موضعا معيّنا وقد مرّ التنبيه على هذا أول الفصل فإنما الذي كان
[440]
يطّرد على طريقته في عقد هذه المسألة ما كان نحو هذه الأبيات التي ذكرتُها
آنفا مع أنّ ذكر المطاوعة فيها فضلٌ والاستغناء بالأمثلة كان أولى
لكني اتبعتُ لفظه في نظمها فزدتُ آخرا أن التَّفَعْلُلَ هو المختصّ بمعنى
المطاوعة بخلاف غيره فإنه لا يختص بها بل يأتي لها ولغيرها كما تقدم
وانظر في التسهيل وشرحه وقد اقتصر في التسهيل في هذه المسألة على
مجرّد الأمثلة ولم يذكر المطاوعة وهو أضبط لما قصد ضبطه فالحاصلُ أن
هذا المسألة لم يُوردها على ما ينبغي
والجواب عن الأول من وجهين
أحدهما أن الناس قد عدّوا تاء التأنيث اللاحقة للاسم والفعل في أنواع
التاء المزيدة وأولهم في ذلك سيبويه إذ قال «وأما التاء فتؤنث بها الجماعة
نحو منطلقات وتؤنّث بها الواحدةُ نحو هذه طلحةٌ ورحمةٌ وبنتٌ
وأختٌ» فعدّها كما ترى في باب حروف الزوائد وتبعه على هذا الناس
والثاني أن تاء التأنيث وإن عدّت كالمنفصلة من وجه فقد عدّت من وجه
آخر كالمتصلة المبني عليها ألا تراهم جعلوها في آخر الاسم محلا للإعراب
ولا يقع الأعراب إلا على ما هو جزء لا ما هو منفصل ولذلك لم يعدوها من
حروف المعاني وأخرجها وما أشبهها في التسهيل عن كونها كلمة بقوله لفظ
مستقل
…
إلى آخره على ما هو مبسوط في شرحه فهذا الذي اعتبر الناظمُ
في عدها هنا
[441]
والجواب عن الثاني أن جميع الأقسام داخل له تحت إطلاق لفظ التأنيث
لأن التاء في جميع أقسامها دالة على التأنيث وإن اختُصّت مع ذلك بالدلالة
على شيء آخر قال الفارسي في التذكرة «هذه التاءُ وإن اختلفتْ معانيها
وكان منها ما يدلّ على الواحد من الجنس نحو جراد وجرادة ومنها ما يدل
على العجمة نحو الموازجة والسبابجة ومنها ما يدل على النسبة نحو
المهالبة ومنها ما يكون بدلا من حرف كان يلحق الكلمة نحو زنادقة فكلها
تجتمع في أنها علامةُ تأنيث ألا ترى أنك إذا سمّيت بشيء من هذه الضروب
التي تلحقها الهاء مع اختلافها اتّفقت في أنها لا تصرف في المعرفة فهذا يدل
على أنه كالشيء الواحد والقبيل المفرد ومن ثَمَّ لم يجُزْ أن تدخل في أوصاف
القديم سبحانه نحو علّامة لأنّ لحاقها للتكثير لم يخرجها عن أن تكون
للتأنيث» هذا ما قال وهو حسن فدخل إذًا قسمُ التاء الفارقة بين الجنس
ومفرده وغيره من الأقسام في تاء التأنيث
والجواب عن الثالث أنّ النظر في القياس أو عدمه ليس بالنسبة إلى
المزيد نفسه بل بالنسبة إلى تعَرُّف قانون الزيادة فالتاء إذا أُنِّثّ بها في أي
موضع كانت مزيدة بلا بُدّ ولا يُوجد تاء** التأنيث** غيرُ مزيدةٍ البتّة كما تقول
إذا وقعتِ الهمزةُ أولا بعدها ثلاثة أحرف أصول فاقض عليها بالزيادة ولا يلزم
من هذا كونُ الهمزة تلحقُ الكلمة قياسا بل لا نظر هنا في ذلك أصلا
[442]
فكذلك تقول هنا كل تاء للتأنيث وقعت في كلام العرب فاقض عليها بالزيادة
كان وقوعها في الكلام قياسا أو سماعا فالقضاء بالزيادة هو المستتبّ
ولحاقها يختلف الحال فيه كسائر ما يُزاد وقد نصّوا على أن زيادة النون في
الخماسي ثالثة ليس بقياس وإنما يتلقى من أفواه العرب مع أن الحكم
بزيادتها قياس مطرد فالحاصل أن الاعتراض من قبيل المغالطة!
والجواب عن الرابع أن الناس قد عدّوا التاء في المضارع من قبيل
أقسام زيادتها وكونُ هذا القَسمِ مما لازمه السماع لا يخرجه عن دعوى
الاطراد فيه ولا عن جعله من قبيل المقيس إذ قولُ القائل إنّ كلّ تاء في
المضارع زائدة صحيح وهو الذي أراد بيانه وكذلك سائرُ الأقسام وما
ذكر من الإبهام قريب لا محذور فيه
والجواب عن الخامس من وجهين
أحدهما أنه اتّبع سيبويه وغيره في ذلك إذ عادتهم التجوّز في تعريف
القانون بالمثال قال سيبويه «وأما السين فتزاد في استَفْعَلَ» ولم يزد
على هذا لكن قد يُسمح لسيبويه ولمن كان مثله في مثل هذا إذ مقصوده
حاصل على الجملة وأما الناظم فلم يَبْنِ في عبارته على سذاجة أولئك
وإنما بنى على التحذّق في العبارات وضمّ أطراف الألفاظ وإيرادها من
تحت النظر والامتحان فهو جدير بألا يُسامح في هذا وأشباهه!
[443]
والثاني ما اعتذر به شيخنا القاضي رحمه الله من أنه قصد
بالتمثيل عادته من إرادة الهيئة والوضع فكأنه يقولُ التاءُ تزادُ أيضا إذا
وقعت ثالثةً لألف الوصل وبينهما السين كما في هذا المثال فيدخلُ له كلُّ ما
كان نحوه مما فيه التاء ثالثة لألف الوصل كالاستكبار والاستعلام وكذلك
الماضي منها وأما المضارع فيجري على حكم المصدر لأنه فرع عن المصدر
ثم قال رحمه الله لكن هذا على مسامحة في العبارة وقد كنتُ فيما
أحسب قلتُ له وقتَ قراءتنا عليه هذا الموضع من التسهيل وقد أُورِدَ عليه
السؤال لعلّه لم يُرِدْ نفس المثال المعيَّن وإنما أراد معناه كأنه يُريدُ
بالاستفعال معناه بالوضع وهو طلبُ الفعل مثلا فالاستعلام طلبُ العلم
والاستخبار طلبُ الخبر وكذلك سائر معانيها وكأنه يقول حيث وُجد فيما
كان على هذا المثال هذا المعنى فالتاءُ فيه زائدة وهكذا سائر ما مُثّل به من
الانْفِعال والافْعنْلال والافْتِعال والتَّفْعيل وما ضارع ذلك فكأنّ
القاضي رحمه الله استحسن هذا المنزع واستملحه في الوقت ولكن لا
أرتهنُ الآن في صحّته بعد الامتحان والذي قيدتُ عنه ذلك الوقت ما
اعتَذَر هو به فهذا جارٍ على كلامه في هذا النظم والمسألة واحدة
وأما الاعتراضُ السادسُ فهو متمكّن.
* * *
وَالْهَاءُ وَقْفًا كَلِمَهْ؟ وَلَمْ تَرَهْ
…
وَاللَّامُ فِي الْإِشَارَةِ الْمُشْتَهِرَةْ
[444]
يعني أن الهاء تزاد قياسا في الوقف وأعطى ذلك أنها لا تزاد في غير
الوقف إلا بالسماع والأمر كذلك ثم مثّل ذلك بقوله كَلِمَهْ ولَمْ
تَرَهْ فلِمَهْ من قولك لِمَ تفعلُ كذا؟ ومثل ذلك عَمَّه؟ وفِيمَهْ؟ وبِمَهْ؟ ومِمَّهْ؟
وعلامَهْ؟ وإلامه؟ وحتّامه؟ وما أشبه ذلك ولم تَرَه هو وقفُك على لم تَرَ زيدًا
وكذلك لم يَغْزُهْ ولم يرْمِهْ ولم يخشَهْ وذلك كلُّه مذكور في بابه فلا يُطوَّلُ
بذكره وقد تقدّم مذهبُ أبي العباس في هذا وأنّ الناظم اتبع في إثبات
زيادة الهاء مذهب سيبويه والجمهور ومرّ الاحتجاج للفريقين وبالله
التوفيق
ثم قال «وَاللَّامُ فِي الْإِشَارَةِ الْمُشْتَهِرَةْ» يعني أنّ اللام أيضا تزاد في
أسماء الإشارة فهو على حذف المضاف فتقول في ذاك: ذلك وفي تاك:
تالِك وفي هناك: هنالك وفي أولاك أولالِك قال الشاعر أنشده ابن
السكيت**
أولالك قومي لم يكونوا أُشابةٍ
…
وهل يعظُ الضِّلِّيل إلا أُولالكا
وإنما جعلوا اللام هنا زائدة لسقوطها في بعض تصاريفها
[445]
فإن قيل ولعلها لغات ثابتة ليست إحدى اللغتين من الأخرى ويدلّ
على ذلك أنها مبنيات شبيهة بالحروف في أصل الوضع فالأصل أن لا تصرُّف
لها إلا بالسماع فمتى احتمل أن تكون على غير جهة التصرّف الثابت للأسماء
المتمكنة والأفعال المتصرفة فهو الأولى لأن الأصل فيها عدمُ التصرف وإلا
فلْتدَّعوا أن الهمزة في أولاء وأولائك زائدة لقولهم أولى وأولاك
والجواب أن الأئمة عدّوا اللام من الزوائد هنا ووجهُ ذلك أن أسماء
الإشارة قد ثبت لها من التصرّف ما لا ينكر معه دعوى الزيادة فيها كالتثنية
والتصغير ووقوعها صفات وموصوفات وغير ذلك من الأحكام الخاصة
بالمتصرف فلذلك صحت دعوى الزيادة فيها والله أعلم
وقوله الْمُشْتَهِرَةْ يحتمل أن يكون مرفوعا نعتا للام كأنه قال واللامُ
المشتهرةُ في الإشارة وأن يكون من نعتِ الإشارة فيكون مجرورا وهو أظهرُ
وهذا اللفظ إنما هو زيادة بيان لو أُسقِط لم يُحتَج إليه
* * *
وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ
…
إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ كَحَظِلَتْ
هذان الشطران يذكر فيهما حُكًا كُليا في جميع ما تقدم في فصل الزوائد فقوله «وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ» يعني به أن الكلمة التي يدخلها التصريفُ إما أن تتوفر فيها القيود المذكورة بالنسبة إلى الحرف
[446]
الذي اشتملت عليه وإما ألّا تتوفر بل تخلُو عنها أو عن بعضها فإن خَلَتْ
من جميع القيود المذكورة في الحرف أو من بعضها فلا بُدَّ من منع الحكم
بالزيادة
وقوله «بِلَا قَيْدٍ» متعلق باسم فاعلٍ هو صفة لزيادة، و «ثَبَتْ»
في موضع الصفة لقيد أي امنع زيادةً كائنة بغير قيد ثابت فيما تقدم
وقوله «إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ» شرطٌ في منع الزيادة في الحرف الخالي من
القيد يريد أن الحرف الخالي من القيد أو من القيود على قسمين
أحدهما ألّا تقوم على زيادته حجة من خارج فهذا ممنوع من دعوى
الزيادة فيه لأنّ قيود الزيادة وشروطها لم تتوفر فيه ولا جاءت حجة من
خارج أدخلته في باب الزيادة فلم يكن لدعوى الزيادة فيه وجه فلا بد من
رده إلى باب الأصالة
والثاني أن تُبيِّن حجةٌ كون الحرف زائدا وإن خلا من القيود المذكورة أو
من بعضها فمفهوم الشرط يقتضي أن يُعملَ على مقتضى لتك الحجة من
ادعاء الزيادة إذ لا بد من اتباع الدليل ومثل ذلك بقوله «كَحَظِلَتْ» وذلك
أنّ هذا الفعلَ من قولهم حَظِلتِ الإبلُ: إذ أكثرَتْ من أكل الحنْظل فهي
حَظِلَةٌ وحظالى أيضا فهو دليل على زيادة نون الحنظل لأن هذه الكلمة
قد وقعت فيها النونُ وأصلُ القاعدةِ في زيادة النون يمنع زيادتها هنا لأن
لفظ الحنظل رباعيّ لا خماسيّ والنون غيرُ متوسطة بين حرفين قبلها وحرفين
[447]
بعدها فقد تخلّف فيها بعض ما تقدم من الشروط فكان ذلك يقضي بمنع
الزيادة وأن تقول بأصالتها فتكون الكلمةُ رباعيةَ الأصول على وزن فَعْللٍ**
كجعفر لا على وزن فَنْعَلٍ لكن جاء من كلام العرب ما يدل على أن النون
عندهم زائدة وهو أنهم قالوا من الحنظل: حَظِلَتْ فأسقطوا النون من بعض
مُتصَرِّفات الكلمة فدلّ على زيادتها وأن وزن الكلمة فَنْعل لا فَعْلَل إذ لو
كانت أصلية لقالوا حَنْظَلت الإبل فلم يسقطوها لأنهم يحافظون على
الأصلي ألّا يسقط في التصريف وهذا دليل تصريفي لا اشتقاقي إذ هو
استدلال بالفرع على الأصل لأن الحنظل هو أصل حظلت فالفعل
راجع إليه في الاشتقاق وهذا ظاهر
وقد أشعر هذا الكلام بقاعدةٍ وهي أنّ ما ادُّعِي فيه الزيادةُ بتلك
القيود المتقدمة ليس مما ثبت بالسماع أو دليلٍ من الأدلة بل هو مما لم يثبُتْ
فيه دليل فيُحمل* بالاستقراء على ما دلّ عليه الدليل من اشتقاق أو تصريف
فقولهم مثلا إن النون إذا وقعت آخرا بعد الألف وقبل الألف ثلاثة أصول
فأكثر حُكم بزيادتها معناه فيما لم يثبت فيه شيء فنحن نحملُه على ما صحّ
عندنا بالاستقراء وذلك أنّ ما كان من النونات على تلك الحال فإنما هي زائدة
فيما عُرِف له اشتقاق أو تصريف فنحكم على ما لم يكن له اشتقاق ولا
تصريف بذلك الحكم حملا لما جُهل على ما عُلم ولا نخرج به عن هذا الحكم
[448]
لأنه خروج إلى غير أمر معلوم وكذلك سائر ما ذُكر في حروف الزيادة من
القوانين والذي دلّ على هذا المعنى من كلامه أنه قال «وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ
ثَبَتْ
…
إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ» فشَرَطَ في الحكم بالزيادة عدم بيان الحجة ولو كانت
القيود* المذكورة فيما عُرف اشتقاقه أو عُرف له تصريف يبيّنه لم يصح هذا
الكلام إذ لا يتعارض هنا دليلان اشتقاقيّان أو تصريفيّان على الكلمة
الواحدة وإن اتُّفق أن يتعارضا فلا يُقال بالركون إلى أحدهما دون الآخر إذا
ثبتا معا وإنما يصحّ هذا إذا كانت القوانينُ المتقدمة إنما تنتظم ما لم يقُم فيه
دليل سوى الحمل على ما عُرف اشتقاقه أو تصريفه ومن هنا أيضا يكون ما
سوى الاشتقاق والتصريف من الأدلة معتبرا هنا ولو كان ما تقدم ثابتا بهما
لم يراع غيرهما في حكم ولا ترجيح
وإذا تقرر هذا بقي مما يتعلق بكلام الناظم النظر في طرفين:
أحدهما ي أصناف الحُجج المعتبرة المحتاج إليها في الخروج عن
القاعدتين وهما الحكمُ بالزيادة فيما توفرت** فيه القيود المذكورة ومنعُ
الحكم بهما فيما لم تتوفر فيه
والثاني في جملةٍ مما خرج عنهما في الحروف المتقدمة وبهما يتمُّ
تفسير كلامه وبيان مراده بحول الله تعالى
فأما النظر الأول فاعلم أنّ الأدلة التي يَستدِلُّ بها التصريفيون على
الأصالة والزيادة تسعة وإن شئتَ فقل عشرة:
[449]
أحدها الاشتقاق وهو على قسمين أصغر وأكبر فالأصغر
ردُّ الكلمة في دلالتها على معناها إلى مادتها ليُتَحقَّق بها لفظًا ومعنى وذلك
أنّ الكلمة لها دلالتان دلالةُ مادةٍ ودلالةُ صيغةٍ إلا أنّ دلالة الصيغة مبنية على
دلالة المادة فهي الأصل لدلالة الصيغة فالاشتقاق يردّ الكلمة إلى أصلها
وهي المادةُ الدالة التي هي الفاء والعين واللام وقوله «ليُتَحقَّق بها لفظًا
ومعنى» بيان للعلة التَّمامِية في الاشتقاق وهي أن تصير الكلمةُ عن الناظر
فيها محقَّقة اللفظ من جهة الأصالة والزيادة والصحة والإعلال وشبه
ذلك ومحقَّقة المعنى من جهة معرفة دلالة المادة من دلالة الصيغة وكيف
ارتبطت الدلالتان حتى حصل تمامُ معنى الكلمة فيصير عالما بها من كل
الجهات هذا هو الحد الذي ارتضيتُه في كتابي المسمى بعنوان الاتفاق في
علم الاشتقاق
وأما الأكبر فهو الحد بنفسه إلا أنك تُعوِّض من قولك «مادتها»
قولّك «حروفها الأول» وإنما كان ذلك لأن المادة أخص من الحروف الأول
فإذا قلت مثلا إن الأَوْلَقَ مشتق من وَلَقَ إذا أسرعَ والأَوْلَقُ الجنون وهو
موصوف بالسرعة فقد رددت الأولق إلى مادته التي بُني منها وهي د ل
ق ويصح لك أن تقول إنك رددته إلى حروفه الأول وإذا قلت إنّ اقلولى
مشتق من وَلَق لأنّ الاقليلاء الخفّةُ والطيش من الكِبْر وهي سرعةٌ ظاهرة فقد
[450]
رددته إلى حروفه الأُوَل وهي الواو والقاف واللام مطلقا من غير مراعاةِ
ترتيبها وهذا في الإطلاق صحيح بخلاف ما إذا قلتَ إنك رددتها إلى
مادته لأن المادة إنما تُطلق اصطلاحا على الحروف مرتَّبا بعضُها على بعض
فمادةُ الاقليلاء: ق ل ووليست في الترتيب كمادة ولق التي هي: ول ق
فليست ول ق للاقليلاء وإنما هي حروفها مطلقا وبهذا المعنى بيّن ابن جني
كل واحد من الاشتقاقين فقال في حد الأصغر: هو أن تأخذ أصلا من
الأصول فتتقرّاه فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صِيَغُهُ ومبانيه وقال في
الأكبر: هو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة
معنى واحدا تجمع فيه التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه
وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه وقد حُدَّا بحدود
أُخَر لا حاجة إلى ذكرها والمستعمل في التصريف الجاري على ألسنة أهله هو
الأصغر وحده وهو الذي يُعتمد عليه باتفاق منهم
والثاني من الأدلة التصريف وهو على قسمين تصريف عربي
وتصريف صناعي
فالتصريف العربي هو إبراز المادة في صُوَرٍ مختلفة لتدل دلالة
إضافية تفصيلية على ما دلت عليه المادة دلالة مطلقة إجمالية وذلك أنّ المادة
الأولى إنما تدل على معناها الذي وُضعت له دلالة مجملة لا مُفصَّلة ومطلقة لا
مُقيَّدة بشيء ولا مضافة إلى شيء ولا إلى اعتبارٍ ما دون اعتبار بل هي
مطلقة بحسب الأزمان والأمكنة والفاعلين والمفعول بهم والأحوال والأنواع وغير
ذلك من الاعتبارات فالتصريف يُبرز تلك المادة في أبنية مختلفة دالة على أمور
[451]
تضاف إليها دلالة تلك المادة وتُقيَّد بها وتُنوَّع بحسب وضع تلك البنية
للمعنى الذي دلت عليه فتصير تلك الأبنية تدل على معنى المادة على التفصيل
فمادة ع ل م مثلا دالة على معنى العلم مطلقا فإذا أبرزته في نبية «عالم»
دلت على علم اتصف به ذات من الذوات* أو في بنية «معلوم» دلت على
علم مُتعلق* بماهيّة من الماهيات أو قلت «عَلِم» دلت على عِلم مُقيَّد بفاعل
في الزمان الماضي وكذلك إلى آخر ما يقال في ذلك
وأما التصريف الصناعي فهو الذي حده ابن جني وغيره بأنه بناؤك من
حروف الكلمة على وزان ما شئت من الأبنية على الحد الذي يقتضيه قياس كلام
العرب كبنائك من ضرب مثل جعفر أو قمطر أو سفرجل أو
دحرجَ أو ما أشبه ذلك
وهذا الثاني ليس من الأدلة وإنما المعتبر في الأدلة هو الأول
كما تقول إنّ «أَيْصر» وزنُه فَيْعَلٌ لا أَفْعلٌ بدليل جمعه على إصَارٍ
[452]
وكذلك أَيْطَلٌ بدليل إطْلٍ وكذلك أحمرُ همزته زائدة بدليل جمعه على حُمْرٍ
ومن هذا كثير وهو والاشتقاق منعكسان في الدلاة فالاشتقاق يُستدل
به بالأصل على الفرع والتصريف يُستدل به الفرع على الأصل
والثالث الكثرة وهو أن يكون الحرفُ في موضع ما قد كثرت
زيادته فيما عُرف له اشتقاق أو تصريف ويقل وجوده أصليا فيه فيجعل
ذلك الحرف في ذلك الموضع زائدا إذا لم يُعرف له اشتقاق ولا تصريف حملا
على الأكثر وذلك كالهمزة الواقعة أولا بعدها ثلاثة أحرف أصولٍ فإنها كثرت
زيادتُها فيما عُرف له اشتقاق أو تصريف نحو أحمرَ وأصفرَ إلا ألفاظا
يسيرةً فإن الهمزة فيها أصلية كأرطى دل على ذلك التصريف من قولهم
أديم مأروط فإذا جاءت الهمزة فيما لا اشتقاق له ولا تصريف نحو
أفْكلٍ وجب حملُها على الزيادة وأن لا يلتفت إلى أرطى وأخواته لقّلتها وكثرة
باب أحمر
والرابع اللزوم ومعناه أن يكون الحرف في موضع ما قد لزم الزيادة
في جميع ما عُرف له اشتقاق أو تصريف فإذا جاء ذلك الحرف في ذلك
الموضع فيما لا يُعرف له اشتقاق ولا تصريف حُكم له بالزيادة حملا على ما
ثبتت زيادته فيه بالتصريف أو الاشتقاق كالنون الواقعة ثالثة ساكنة بين
[453]
حرفين قبلها وحرفين بعدها لما تقدم ذكره فإنها أبدا زائدة فيما عُرف
اشتقاقه أو تصريفه كجحَنْفل من الجَحْفَلة وحَبَنْطًى من حَبِك بطنُه وكذلك
سائرها فإذا جاءت النون في مثل عَبَنْقسٍ مما لا يُعرَفُ له اشتقاق
ولا تصريف حُمل على ما عُرف ذلك فيه فجعلت نونُه زائدة
والفرق بين دليل الكثرة ودليل اللزوم أن اللزوم من حقيقته أنه لم
يأت له معارض في اطّراد الزيادة بخلاف الكثرة فإنه قد أتي فيه المعارض
كأرطًى في باب الهمزة كلنه قليل فلم يُحمل عليه غيرُه
والخامس لزوم حرف الزيادة البناءَ وذلك أن يأتي بناءٌ على هيئة ما
فيلزمه في كل ما جاءت من الكلم على وزنه حرفٌ من حروف الزيادة في
موضع ما بحيث لا تنفك كلمة على ذلك الوزن من ذلك الحرف بعينه فإنه
يُقضى عليه بالزيادة إذ لو كان أصليا لوقع في موضع حرف من الحروف
غير المحتملة للزيادة أو المحتمل لها وذلك حِنْظَأْوٌ وكِنْتَأوٌ
وكنْثأْو وسِنْدأْوٌ فلزوم النون ثانية لما كان على هذا المثال دليل على
زيادتها ولمّا لم تلزم الهمزةُ رابعة بل قالوا عِنْزَهْو فأوقعوا في
[454]
موضعها حرفاً آخر ادّعوا أصالتها وإنما قالوا هذا لأنه مُستقرًى مما عُلم
اشتقاقُه أو تصريفه نحو استفعل في الأبنية إذا قلت استقدر واستعلم
واستخرج واستكبر واستدعى وما أشبه ذلك من الأمثلة التي على هذا
الحكم حين رأوا تلك الحروف لازمة وإن اختلفت المواد مع القطع بزيادتها
بالاشتقاق والتصريف حكموا بذلك فيما لم يعرفوا له اشتقاقا ولا تصريفا
وأصَّلوها قاعدة فقالوا لزومُ الحرف الصيغة مع اختلاف المواد يدل على
الزيادة كما أنّ لزوم الحرف المادة مع اختلاف الصيغة يدل على الأصالة
والسادس كونُ الزيادة لمعنًى يُفقد بفقدها ويوجد بوجودها وذلك
كحروف المضارعة وواو مفعول وميمه وألف التكسير على مفاعِل ومفاعيل
وعلامات التثنية والجمع ونحو ذلك فمثل هذا يدل على معنًى إذا وُجد ولم
يأت حرف أصلي قط على هذه الصفة قال ابن عصفور «على أن هذا
الدليل قد يمكن أن يُستغنى عنه بالاشتقاق والتصريف إذ ما مِن كلمة فيها
حرفُ معنًى إلا ولها اشتقاقٌ أو تصريف يُعلَم به أصولُها من زوائدها
لكن مع ذلك قد يُعلم كون الحرف زائدا بكونه لمعنى من غير نظر إلى
اشتقاقه أو تصريفه» قال «فلذلك أوردناه في الأدلة المُوصِلة إلى معرفة
الزيادة من غيرهما»
[455]
والسابع: النظير ومعناه أن يكون في لفظ ما حرفٌ لا يمكن حملُه
إلا على الزيادة بدليل دلّ على ذلك ثم يسمع في ذلك اللفظ لغةٌ أخرى
يحتمل ذلك الحرفُ فيها أن يُحمل على الأصالة وعلى الزيادة فيقضى عليه
بالزيادة لثبوت زيادته البتة في اللغة الأخرى النظيرة لهذه نحو تَتْفُل
فإن فيه لغتين فتحُ التاء الأولى وضمُّها فمن فتح التاء لم يمكن أن تكون التاءُ
عنده إلا زائدةً لأنها لو كانت أصلية لكان وزن الكلمة فَعْلُلا وليس في الكلام
مثل جَعْفُرٍ وفيه على الجملة تَفْعُل وأما من ضمّ التاء فيمكن في لغته أصالة
التاء لأن وزنه حينئذ فُعْلُلٌ وهو موجود كفُلفُل وبُرثُن إلا أنه لا يُقضى عليها
بذلك لثبوت زيادتها في لغة من فتحها وإن لم يوجد في الكلام مثل تُفْعُلٍ
والثامن الخروجُ عن النظير وهو أن يكون الحرفُ إن قُدِّر زائدا كان
له نظير وإن قُدِّر أصليا خرج عن النظير أو يكون الأمر فيه بالعكس إن
قُدِّر أصليا كان له نظير وإن قُدّر زائدا لم يكن له نظير فالحكم له
هنا بما لا يخرج به عن النظير فالأول كغِزْويت فإن حملنا التاء على
[456]
الأصالة كان وزن الكلمة فِعْويل وليس بموجود في الكلام وإن جعلناها على
الزيادة كان وزنها فعليت ولن نظير وهو عفريت فحكمنا بزيادة التاء لأجل
هذا
والثاني كالنون في دَهْقَن إذا جعلناه مشتقا من الدهقنة والنون أصلية
ووزنه فَعْلَل وهو بناء موجود وإن جعلناه مشتقا من الدّهق كانت النون
زائدة ووزنه فَعْلن وهو بناء غير موجود فوجب العدول عن الخروج عن
النظير إلى الدخول في بابه
والفرق بين هذا والذي قبله - فإنهما قد اجتمعا في اعتبار النظير -
أن الأول مختص بما فيه لغتان يجب حمل إحداهما على الأخرى وإن أدى إلى
الخروج عن نظير آخر فلا يتعارض فيه عدم النظير حتى يُطلَب الترجيح بوجهٍ
آخر بخلاف هذا فإنه غير مختص بما فيه لغتان ولا بد من مراعاة عدم
النظير حتى إذا تعارض عدم النظير في الاحتمالين رُجع إلى دليل آخر وإذا
تأملت التمثيل في الدليلين تبيّن لك صحة ما ذكرتُه والتاسع الدخول في أوسع البابين عند لزوم الخروج عن النظير وذلك أن يكون في الكلمة حرف يمكن أن تدّعى فيه الزيادة إلا أنه يلزم من دعوى زيادته الخروج عن النظير ومن دعوى أصالته الخروج عن النظير أيا فينبغي أن يحمل الحرف على الزيادة لا على الأصالة لأن أبنية الزيادة كثيرة جدا وبابها واسع بخلاف الأبنية المجردة من الزوائد فإنها قليلة فكان إدخال الكملة فيما كثر أولى من جعلها من القليل مثل كَنَهْبُل فإنك إن
[457]
ادعيت أصالة النون كان وزنه فَعَلُّلا وليس في الكلام وإن ادعيت
زيادتها كان وزنه فَنضعْلُلا وليس في الكلام أيضا فكان هذا الثاني أولى
لكثرته واتساع بابه
والعاشرُ الهروب عن ترتيب الحكم على غير سبب وذلك أن يتعلق
بالكلمة حكمٌ من الأحكام مفتقر إلى سبب وُجد ذلك الحكم من أجله ويكون
فيها حرف إن جعل زائدا ترتب الحكم على سببه وإن جعل أصليا ترتب
الحكم على غير سبب فالأولى دعوى الزيادة ليترتب الحكم على سببه وإن
أدى إلى الخروج من الكثرة إلى القلة ومثاله الكُلَّاءُ هو محتمل لأصالة
الهمزة ولزيادتها فعلى الأول يكون فَعَّلا من كَلأ وهو أقرب في صناعة
الاشتقاق وعلى الثاني يكون فَعَّالا من كَلَّ يَكِلّ وهو أبعد لكن من منعَ
صرفه يجب أن يُحمل عنده على الثاني وإن كان أبعد إذ في حمله على الأول
ترتيبُ منع الصرف على غير موجب لأنه فَعَّالٌ بالفرض بخلاف ما إذا حُمل
على الثاني فإن مَنْع الصرف يترتَّبُ على موجبه لأنه فعلاء فتكون الهمزة
للتأنيث
هذه جملة ما ذكروا من الأدلة في باب التصريف وأكثرها بل جميعها
مستنبط من كلام سيبويه وإليها أشار الناظم بقوله «إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ»
وأما النظر الثاني في جملةٍ مما خرج عن القاعدتين مما ذُكر احتمالُه للأصالة والزيادة أو لم يُذكر فنأتي بها على توالي الحروف بحول الله:
[458]
فأما الألف ففيها من المحتمِل قَطَوْطًى وبابُه والوجهُ فيه أن تكون
الألف أصلية لا زائدة لأنها إن جعلتها زائدة كان وزن الكلمة إما فَعَوْلى
وإما فَعَلَّى أما فعولى فنادر مع أنه في قطوطى يقضي بتركيب ق ط ط
وليس قطوطى من ذلك بل هو من القَطَوان كذا قال سيبويه لأن
القطوطى من قطا يقطو قَطْوًا إذا قارب الخطو مع النشاط قال الجوهري
«فهو قَطَوانٌ بالتحريك وقَطَوَطًى*» وكذلك يقضي في ذلولى وقلولى من
ذ ل ل وق ل ل وليس كذلك بل هو من ذ ل وو ق ل ووقالوا قلا يقلو
واذلولى وكذلك ما عداها مما له اشتقاق إلا شطوطى فإنهم قالوا ناقة
شطوط وشَطُوطَى أي عظيمة الشطِّ وهو السنام فهو بلا شك فَعَولى
وألفه زائدة إذ هو من تركيب ش ط ط وأما فَعَلَّى فيلزم عليه أصالة الواو
في بنات الأربعة دون تضعيف وذلك لا يكون إلا نادرا كوَرَنْتل فثبت أنّ
الألف ليست فيها بزائدة وإنما هي أصلية لكن يمكن أن يكون وزنها فَعَلْعَلا
كدَمَكْمَكٍ ويمكن أن يكون فَعَوْعَلا كعَثَوْثَلٍ والذي رجّح الفارسي** فيها
الأول لأنه الأكثر ووقع في كلام سيبويه اضطراب في المسألة وللناس
معه كلام عليك به في مظانه إن تشوفت إليه
[459]
ومنها دارانُ وهامان ونحوهما وقد تقدم القول فيه على ظاهر التسهيل
من أنه من باب ساباط وأنّ الألف الأولى زائدة بدليل أنها لو كانت أصلية
لترتب الحكم فيها وهو الإعلال على غير سبب إذ هو إذ ذاك من باب
الدوران والهيمان والجمهور على أنه من ذلك لأنه دخول في باب الكثرة
لاتساع باب الفَعَلان وقلة باب فاعال
وأما الياء ففيها من المحتمل مريم ومدين والراجح عندهم أصالة الياء
فيهما وزيادة الميم لأن الميم والهمزة إذا وقعتا أول الكلمة حُكم
بزيادتهما وأصالة ما بعدهما من ياء أو واو أو غيرهما وما قيل من لزوم
شذو التصحيح فهو يَرِد في الأعلام كثيرا كمكوزَةَ وحيوةَ وغير ذلك
وأيضا إن حكمنا على الياء بالأصالة أدخلناهما في الباب الأكثر وهو مَفْعَل
وإن حكمنا بزيادتهما أدخلناهما في الباب النادر أو المعدوم وهو فَعْيل إذ لم
يُنقل منه إلا ضَهْيد وقدح فيه السيرافي
ومن ذلك يَأْجَجُ الياء فيه أصلية لا زائدة عند سيبويه إذ لو
كانت زائدة لوجب الإدغام ولكان إظهار التضعيف فيه شذوذا كشذوذه
في مَحْبَبٍ وكان إذ ذالك يُلفى فيه ترتيب حكم وهو الفكّ على غير
سبب والفكّ لا يكون إلا لسبب فلو جعلتها أصلية لكان إظهار التضعيف
لسبب وهو الإلحاق بجعفر كقَرْدَدٍ ومَهْدَدَ. ويرويه أهل الحديث بكسر الجيم
[460]
الأولى، قال السيرافي وهو شاذ لأنه ليس في الكلام فَعْليل أصل ولا
مزيد ولو كان يَفْعِل لكان مدّغما لكن الأولى أن يكون كسرُه مما شذّ في
الأعلام ويحكم على الكسر بالفتح
ومن ذلك يَهْيَرُّ لا يجوز أن تكون الياءان معا أصلين إذ لا
تكون الياء أصلا في بنات الأربعة إلا مع التضعيف كيُؤيؤ كما قال الناظم
وأيضا ليس في الكلام فَعْلَلٌّ كجَرْدَحْلٍ فلا بد من زيادة إحدى الياءين فزعم
سيبويه أن الزائدة هي الأولى لأنه ليس في الكلام فَعْيّ** قالوا وهذا
مشكل لأنه ليس في الكلام أيضا يَفْعَلّ
والجواب أن سيبويه لم يستدل بهذا خاصة بل مع ما بعده من أنّ
ما أولُه زيادة قد ثُقِّلَ يعني أن «يَفْعَلّ» وإن لم يكن في الكلام فقد ثُقِّل ما أوله
زيادة مما ثبت في الكلام كمكوَرّ فَلِجَعْلِ الأولى زائدة نظيرٌ بوجه ما
وهو مُكْورّ ولم يُثَقَّل آخرُ ثلاثيٍّ أوسطُه زيادةٌ كفَوعل أو فيعل ونحوهما
وأيضا فالياء أولا كالهمزة فإذا تعارض جعلها أولا زائدة وسطا غُلِّبت زيادة
الأول لأن زيادة الياء أولا أكثر من زيادتها وسطا ولا سيّما ثالثة ألا ترى
أنها تزاد أولا في الأسماء والأفعال ولا تزاد ثالثة في الأفعال؟
[461]
وأما الواو ففيها من المحتمل قولُهم غِزْويت واوه أصلية والتاء
زائدة إذ لو عكست الحكم لكان وزنها فِعْويلا ولم يثبت من كلامهم وثبت
فيه فعليتٌ كعفريت وهو ومن الاستدلال بعدم النظير
ومنه أيضا ضَيْونٌ وحكم الفارسي عليه في التذكرة أنه فَيْعلٌ لا
فَعْوَلٌ فالواو عنده أصلية لأن باب ضَيْغَمٍ أكثر من باب جَهْوَرٍ ولأمر آخر
وهو أن الألف إذا كانت ثانية في نحو با** ودارٍ ولم يُعرفْ أصلُها فاحكم
بأنها من الواو ففي هذه القاعدة أنّ كون الواو عينا أكثر من كون الياء عينا
فكذلك ضَيْوَن تُجعل فيه الواوُ عينا دون الياء
وأما الهمزة ففيها من المحتمل أيدعٌ وإشْفًى وأفعى والأوْتَكَى
والهمزةُ في الجميع زائدة حملا على الأكثر لأنّ زيادة الهمزة أولا أكثر من
زيادة الياء والألف والواو غير أول وأيضا قد قالوا الأُفْعُوان في معنى الأفعى
وهو إما أن يكون على وزن أُفْعُلان أو فُعْلُوان فأما فُعلوان فقليل ولا ينبغي
الحمل عليه وأما الأُفعلان فأكثر منه فوجب الحمل عليه وأيضا قالوا
أرضٌ مُفْعاة أي كثيرة الأفاعي وهذا قاطع بزيادتها في أفعى وأيضا أفعلُ
أكثر من فيعل وأفعل أكثر من فَعْلى والأفْعَلى أكثر من الفَوْعَلى فهذا من
الحمل على الأكثر
وأما إبّان فهمزه أصلٌ ووزنه فِعَّال إذ لو عددت همزته زائدة لأدّى إلى
دخوله في باب دَدن وهو كون الفاء والعين من جنسِ واحد
[462]
ومن ذلك أرطًى همزته أصلية عند من قال أديم مأروط ولم يحفظ
سيبويه مَرْطيّ وهي زائدة على القياس عند من قال أدِيمٌ مَرْطيٌّ وحكاه
الجرمي
ومن الهمز الأخير المحتمل قولهم المُزَّاء هو فُعَّال فالهمزة أصلية
إمّا من المِزيَّةِ أو من المُزَّةِ على أن يكون أصلُه «مُزَّاز» ثم أبدل
كدَسَّاها ولا يكون فُعْلاء لقلَّته في باب الإلحاق كقوباءٍ حتى قال المبرد
ليس لقُوباءٍ نظير إلا خُشَّاءً وإنما لم يكن فُعّالا لإهمال هذه المادة فيه حيث
قالوا خُشَشاءَ كقوباء وهذا بلا شك فُعَلاء لإهمال فُوَعَال وفُعَعَال
وحُوَّاء همزته أصلية وهو فَعَّالٌ لكثرته لا فُعْلاء لقته وقلة باب قوّ**
والدُّبَّاء السُّلَّاء الثُّدَّاء: فُعَّالٌ والهمزة أصلية أعني غير زائدة
لكثرة فُعَّال وقلة فُعْلاء
وأما الكَلَّاء فمن منع صرفه قضى فيه بفَعْلاء ومن صرفه فالأولى
فيه أصالةُ الهمزة من كَلأ أي حفظ لظهور الاشتقاق ولكثرة فَعَّال بخلاف
فعلاء
والخَشَّاءُ همزته زائدة لقولهم أنْبَطَ بِئْرَه في خَشَّاءَ أي في
أرض فيها طين وحصى فمنع صرفه
[463]
وقضَّاءُ الإبل فَعَّال دل على ذلك الاشتقاق لأنها إذا بلغت ذلك
المبلغ قضت عن صاحبها
والعَوَّاء لغير الكلب يُحمل على فَعَّال ويدَّعى الأصالة في الهمزة
إن لم يمنع صرفُه إذ ليس في الكلام فَعْلاءٌ ملحقا
والقِثَّاء فِعَّال لا فِعْلاء لكثرة فِعَّال وقلة فِعْلاء
وأما تَيْماءُ ففعلاء والهمزة زائدة لفقد مادة ت مء أو ت م ي
أو ت م
ووكذا شِيْصاءٌ وسِيناءُ وتِيْناء همزاتها زائدة لندور فِيعال وكثرة
فِعْلاء للإلحاق بسِرْداح وإن كان في نفسه قليلا فهو أكثر من فِيعالٍ
وسيناء كذلك أيضا
والخَوْصاء والعَوْصاء والزَّوْراء والرَّوحاء همزاتها زائدة وهي على
فَعْلاء لا فَوْعالٍ لقلّته ولا يمنع ذلك عدم الصرف لأنها من أسماء البقاع
ومما لم تتوفر فيه الشروط وبيّنتِ الحجّةُ زيادة الهمزة فيه نحو جُرائضٍ هو فُعائل قال سيبويه «لأنك تقول جِرْواض» وهو لا شك فِعْوالٌ فجرائض فعائل وهو من الاستدلال بالنظير وكذلك حُطائِط
[464]
لأنه القصير فهو مشتق من الحَط قال سيبويه «لأنّ الصغير
محطوط» والظاهر أن الهمزة هي الزائدة بنفسها إذ لم يثبت هنا
كونها بدلا من شيء* وكذلك النئدلان* همزته زائدة اعتبارا بالنظير وهو
النَّيدُلان
وأما الميم ففيها من المُحتمِلِ قولهم مِجَنٌّ والظاهر فيه أن الميم زائدة
وأن وزنه مِفْعَلٌ لوجهين أحدهما ظهور اشتقاقه من الجُنَّة بخلاف ما لو
اشتق من مَجَن إذا صَلُب فإنه اشتقاق ضعيف والثاني كثرةُ زيادة الميم
أولا إذا أمكن أن يكون بعدها ثلاثة أحرف أصول ولذلك جعل سيبويه موسى
مُفْعَلا وإلى هذا مال الزبيدي وهو كان أليق بمذهب سيبويه إلا أنه جعل
الميم أصلية ووزنه فِعَلٌّ كخِدَبّ وخالفه فيه طائفة
ومن ذلك مَأْجِجٌ ومَهْدَد فرأى سيبويه أصالة الميم استدلالا بظهور
التضعيف لئلا يكون ظهوره من ترتيب حكم على غير سبب إذ
الواجب مع فرض الزيادة الإدغام كمكرّ ومفرّ ومردّ فإذا اعتقد الأصالة
في الميم كان ظهور التضعيف للإلحاق بجعفر
ومما تخلّف فيه بعض الشروط إلا أنه قام الدليل على زيادته قولهم
الدُّلامِص على قول الخليل لأنه من الدِّلاص وهو البَرَّاق والدُّلامِص
البراقُ وقالوا دَمالص ودُلِمَصٌ ودُمَلِصٌ
[465]
وكذلك لبنٌ قُمارصٌ أي قارص فالنظير هنا دل على الزيادة
وجعل ابن جني من ذلك على قول الخليل حُلْقومٌ من الحَل** وبُلْعومٌ
لأنه من البَلْع وسَرْطمٌ من الاستراط ورأس صُلادِمٌ من الصَّلْد
وأسد ضُبارم من الضَّبْر قال ابن الضائع: وهذه الألفاظ كلُّها ما الاشتقاقُ
فيها ظاهر لدُلامص فيجوز أن يقال بزيادة الميم فيه وما هو فيها بعيد فلا
ينبغي أن يقال بالزيادة لأن زيادة الميم حشوا قليل قال: ومن ذلك
قولهم زُرْقُمٌ للأزرق وسُتْهُمٌ للأسته ودِرْدِمٌ من الدَّرَدِ ودِقْعَمٌ للاصقة
بالتراب والدقعاء التراب وخِدْلِمٌ للخَدْلَة
وأما النون ففيها من المحتمل نحو حَسّان وتبّان ورُمّان ونحو
ذلك من المضاعف وقاعدة سيبويه فيه أنه يُحمل على زيادة النون وأنه
[466]
فُعلان أو فعلان أو فِعلان ما لم يدل دليل على سواه قال في رُمّان حكايةً
عن الخليل «وأحمله على الأكثر إذ لم يكن له معنى يُعرَف» قال الفارسي:
يقول إذا لم أعرف له اشتقاقا حملته على أنه فُعلان لأن فُعلان أكثر من
فُعّالٍ ثم حكى عن الأخفش العكس لكن في أسماء النبات خاصّة كرمّان
شهادةً منه بأنه في النبات أكثر من فُعلان كتُفّاح وحُمّاض وجُمّار
وخُبّاز وشبه ذلك فأما إذا عُرف له اشتقاق أو تصريف أو دل دليل على
غير ذلك فالواجب اتباعه فتَبَّان يحتمل الوجهين لكن لو حمل على أصالة
النون دخل في باب دَدنٍ وإن حُمل على زيادتها دخل في باب بَبَّه* وواوٍ والأول
أمثلُ من الثاني فكان الحمل على أنه فَعَّال أولى وكنَيَّان اسم** موضع
يحمل على زيادة النون على أن يكون الأصل نَوْيان فيكون من باب
طَوَيتُ وهو كثير ولا يحمل على أصالتها لأنه عند ذلك إما فَعَّال من مادة
ن ي ن وهي مهملة وإما فَيْعال من مادة ن ون وهي مادة داخلة في باب
قلق وهو قليل وعلى هذا الترتيب حكم سائرها
وأما ما كان نحو حَوْران وفَيْنان ونحوهما فالقاعدة الأولى
جارية من كثرة باب فعلان إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك كما تقول في
[467]
رُومان هو فُعلان لا فوعال لقلته فماوان فاعال لا فَعَلان وهو من مان
يمون لعدم مادة م وو ومادة م ي ووكذلك فَيْنَان نونه أصليّةٌ عند
الخليل لأنه من الفَنَنِ كما كان مُرَّان في المضاعف عند سيبويه فُعَّال
من المَرانة وهو اللين وقد يكون اللفظ من هذا ومن المضاعف ذا اشتقاقين
يحتملهما فلا يُرجَّح أحدهما على الآخر كما يقال في زيتون إنه إن
اشتُقَّ من الزيت فهو فَعْلُونٌ وإن عُمل على قولهم: أرضٌ زَتِنَة فهو فيعول
وكلاهما دليل قوي فالأول من الاشتقاق والثاني من التصريف وكذلك
رُمَّان إن أخذ من رمّ كان فُعْلان وإن أخذ من قولهم أرضٌ رَمِنَةٌ فهو
فُعَّال وهذا أظهر في الاشتقاق من الأول وعلى هذا السبيل يجري سائرُها
فقد عرفت الطريق فيه
ومما لم تتوفر فيه شروط الزيادة وقام الدليل على زيادته قولهم
نَرْجِس قياسُه زيادةُ النون إذ ليس في الكلام مثل جَعْفِر وأما من قال
نِرْجِسٌ بكسر النون فكذلك أيضا وإن وُجِد فِعْلِلٌ لأن الفتح قد قضى
بالزيادة في إحدى اللغتين فيُقضى أيضا بذلك عملا بالنظير وحكى ابن
جني عن ابن الأعرابي قال «والنون في نفاطِيرٌ** ونباذِيرَ ونخاريبَ
[468]
زائدة لأنها من فطره: قطعه وبذره: فرَّقه ومن الخراب» ** وأجاز ابن جني
في النبراس أن يكون البِرْس وهو القُطن لأن فتيله من قطن
قال ابن الضائع: وهذا الاشتقاق بعيد مع قلة زيادة النون أولا في غير
الفعل مع أن هذا البناء غير موجود ومن ذلك قولهم عَنْسَلٌ قال سيبويه
«لأنهم يريدون العَسُول وعنبس لأنهم يريدون العَبُوس» وخُنَفْقيق
لأنه من الخُفْوق وقِنْفَخْرٌ لأنهم قالوا في معناه قُفاخِريّ وهو التَّارُّ
الناعمُ. وكُنْتَأْلٌ للقصير وكَنَهْبُل إذ ليس في الكلام مثل جُرْدَحلٍ ولا
سِفَرْجُل وإنما أُدخلا في المزيد وإن كان مثل فَنَعْلُلٍ غير موجود لأن
باب الزيادة أوسع وقُنْبَر: فُنْعَل بدليل قولهم قُبَّرةٌ
وأما التاء فمما زِيدت فيه التاءُ مما ليس من المواضع المذكورة
قولهم تنضُب إذ ليس في الكلام مثلُ جَعْفُر وكذلك تَتْفُل
وكذلك تُتْفَل إذ ليس في الكلام مثل جُعْفَر وبهذين يتبين أن تُتْفَل
[469]
بضمها تُفْعُل وإن وُجد مثل تُرْتُم وبُرْثُن عملا بالنظير ومن ذلك
تِجْفاف لأنه الذي يجعل على الفرس في الحرب فهو من جَفّ
وكذلك التمثال من المثال والتِّلقاء من لَقِي والتِّبيان من البيان
التَّعْضُوض من العَضّ وأيضا ليس في الكلام فَعْلُول وصَعْفُوقٌ نادر
ومن ذلك الرغّبُوت والرهَبُوت والرحمُوت ورَهَبُوتي ورَحموتي ورَغبُوتي
من الرغبة والرهبة والرحمة. وعنكبوت التاء فيه زائدة لقولهم عناكب
بهذا استدل سيبويه واعتُرض بأنه لو كان الجمع دليلا على زيادة الساقط
لكان في عَضرَفُوط حين قلت عَضارِفُ دليلا على زيادة الطاء وفي
فرزدق حين قلت فرازد دليلا على زيادة القاف وأجاب ابن الضائع
بأن استدلاله ليس بمجرد الجمع بل بكثرته على ألسنتهم من غير استكراه
لأنه زعم أنه لا يكسَّر ما يؤدي تكسيره إلى حذف حرف أصلي إلا قليلا
وباستكراهٍ لهم على ذلك مثل أن يقال له كيف تجمع سفرجلا على حدّ
قولك مساجد وجعافر ونحو ذلك؟ فحينئذ ينطقون به محذوفا كارهين
[470]
وهم يجمعون عنكبوتا كذلك على غير كراهية فدل ذلك على أنه رباعي مزيد
وأيضا فقد قالوا عَنْكَباءُ
وأما السين فمن زيادتها في غير الموضع المعين عند بعضهم قولهم
للمؤنث أكْرمتُكِس* ويلزمه على هذا عد السين أيضا من حروف الزوائد
كما قال ابن خروف وقد تقدم الكلام عليه وعدّ المؤلف في التسهيل من
هذا قولهم قُدْموس وهو القديم وحكم في ذلك بالنظير وليس هذا مُتَّفقا
عليه فقد جعله بعض النحويين من باب سَبِط وسِبَطْر وأما أسطاعَ
فالسينُ عند سيبويه عِوَضٌ ولذلك لم يذكُرْ في أمثلة الفِعْلِ هذا البناء
بالسين كما لم يذكُرْ أهراق وأهراحَ
وأما الهاء فمن زيادتها في غير الموضع المذكور قولهم أُمّهات وزنُه
فَعْلَهات والهاء زائدة لأنها جمع أم وقد ثبت بقولهم أمٌّ بَيِّنَةُ الأُمُومَةِ أنّ
أصلهء م م وقد أجاز ابن السراج فيها الأصالة كتُرَّهَةٍ وذهب أبو
الحسن إلى أن الهاء في هِجْرَع وهِبْلَعٍ زائدتان لأنهما عنده من الجَرع
[471]
والبلع وذلك لأن الهجرع هو الطويل والجرع هو المكان السهل المنقاد
والهبلع الأكول هو من البلع فمثالهما هِفْعلٌ وذهب الخليل فيما حكى
عنه أبو الحسن إلى أن هِرْكَولة هِفْعَولةٌ أن الهاء زائدة قال لأنها
التي تَرْكُلُ في مشيتها. قال ابن جني «وقياسُ قولِ الخليل أن يكون
هِرَّكلة** هِفَّعْلةٌ فتكون الفاء مضاعفَةً» * قال «ويجب على قياس هذا أن يكون
قول الراجز
هُلَقِمٌ يأكل أطراف النُّجُدْ
وزنه هُفَعِلٌ لأنه من اللقم قال ومن قول العجاج
بسَلْهَبَينِ قوق أنفٍ أذْلَفا
يجوز لقائل أن يقول إن سلْهَبًا فَعْهَلٌ لأنه من معنى السلب وهو الطويل» والذي عليه الأكثر أصالة الهاء في هِبْلَع وهِجْرَع وهِرْكَولة قال ابن جني «ولست أرى بما ذهب إليه الخليل وأبو الحسن بأسا»
[472]
وأما اللام فمن زيادتها في غير موضعها المذكور قولهم في عبد عبدلٌ
وفي زيدٍ زيدلٌ وفي الأفْحَج فَمْحَلٌ وأجاز ابن جني في هَيْقٍ
وهَيْقَلٍ أن تكون اللام زائدةً لسقوطها في النظير وقالوا فَيْشَلةٌ وفَيْشَةٌ
فاللام زائدة والأول في هَيْقَلٍ الأصالة لقولهم فيه هِقْلٌ فيكون هَيْقٌ
وهَيْقَلٌ كضَيَّاطٍ وضَيْطارٍ
وهنا انقضى تمثيل ما خرج عن تلك الضوابط المذكورة وحصل تفسير
قوله «وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ» إلى آخره على التمام والحمد لله، ولا تظنَّ
أنّ هذا تطويل بغير فائدة بل فيه من حيث الشرحُ أعظمُ الفائدة ولو سكتُّ
عن هذا التفصيل كلِّه أو عن بعضه لنقص من شرح كلام الناظم ذلك المقدار
فلا يطُلْ عليك فإنه بتوفيق الله فائدةٌ كلُّه وبالله التوفيق
* * *
[473]