الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ في زيادة همزةِ الوصل
هذا الفصل ألحقَه بفصل حروف الزيادة لأن همزة الوصل مزيدة على
حروف الكلمة إلا أنها عندهم ليست بزيادةٍ مبنية عليها الكلمة كهمزة
أخرَج وأكرَم بل هي مأتيٌّ بها لعارض يعرض للكلمة من سكون أولها ليبتدأ
بها متحركةً لأن العرب لا تبتدئ بساكن فإذا استُغني عن تلك الهمزة
بوصلِ متحرِّكٍ بذلك الساكن سقطت إذ لا حاجة إليها ولذلك بوّب عليه
سيبويه في غير أبواب التصريف وهذه الترجمة تُشعر بعدِّها من الحروف
المزيدة ألا تراه قال «فصلٌ في زيادة همزة الوصل» فجعلها مما يُزاد في
الكلمة وهذا إنما يطلق في العُرف على ما كان من نحو همزة أفعَل وحمراءَ
ونحو ذلك ووجهُ ما فعَل من هذا الإلحاق بالمزيد أنه قد عدَّ في حروف
الزيادة ما ليس مبنيا عليها الكلمة كهاء السكت وتاء التأنيث ونحوهما فكان
هذا من جملة ما زِيدَ ذلك النوع من الزيادة وأيضا لما كانت الكلمة لا يمكن
النطق بها إلا مع تقدم هذه الهمزة أو ما ينوب عنها من الكلام قبلها عُدّت كأنها
من نفس الكلمة وأيضا فإن المازني أدخلها في باب الزوائد في تصريفه
وتكلم عليها هنالك فكان الناظم متبعا له في ذلك وقد عدُّوا هذه الهمزة في
جملة حروف الكلمة ولذلك أتوا بها في الأوزان كانفعل وافتعل ونحوهما
[474]
فإن قيل فإذا كان قد اعتبر هذا الاعتبار فهلا تكلم عليها حيث تكلم
على زيادة الهمزة
قيل إن زيادة همزة الوصل لها حكم خاص بها ومواضع محفوظة
وكلام يليق أن تُفرَد به دون غيرها ولذلك بوّب عليها الناس بابا على حدته
فهذا وجهُ ما فعله ولا شك أنّ هذا الموضع لائق به وهمزةُ الوصل هي الهمزة
الثابتة في أول الكلمة إذا ابتُدِئ بها فإذا وَصلْت الكلمة بما قبلها سقطت
تلك الهمزة حتما على كلِّ حال وفي كلِّ لغة وهي نظيرة ألف القطع لأن
الهمزات الواقعة في أوائل الكلم وإن تشعِّبت أقسامُها عند المتكلمين عليها
يحصرها قسمان: ألفاتُ قطع وألفات وصل فألفُ الوصل ما تقدم وألف
القطع هي الهمزة الثابتة في أول الكلمة سواءٌ ابتُدِئ بها أم وُصلت بما قبلها
ولا تسقُط إلا أن يكون آخرُ الكلمة التي قبلها ساكن فتنقل حركتها إلى ذلك
الساكن نحو: قَدَ افْلَحَ ومَنَ اعْلَمُ؟ وذلك مختص بلغة من يُسهِّل الهمزة من
العرب وقد ضمَّن الناظمُ هذا التعريف المذكور في قوله
لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لَا يَثْبُتُ
…
إِلَّا إِذَا ابْتُدِيْ بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا
يريد أن الوصلَ له همز سابق على الكلمة لا يقع إلا أوَّلها وقبل الإتيان
بها لا يثبت ذلك الهمز إلا إذا كان هو المبتدأ به في أول النطق فإنه
إذا كان كذلك ثبت نطقُه كقولك استثبتوا إذا ابتدأت بالهمز من هذا اللفظ
قلت اِستثبتوا** هكذا بهمزة مكسورة فأما إذا لم تبتدئ به وإنما تبتدئُ
بما قبله من الكلام فإنه يسقط من النطق ولا يثبتُ كقولك يا رجالُ
[475]
استثبِتوا وهو أمرٌ للجماعة من الناس بالاستثبات وهو طلب تحقيق الأمر
والثبات فيه ومثله يا زيدُ اضرِبْ واخرُجْ ثمَّ ارجِعْ ونحو ذلك
وقوله «سَابِقٌ» سابقٌ تبيينٌ لموضعه ليس بتحرُّزٍ من شيء إذ ليس
له ما يدخل عليه مما يخرج بقوله «سَابِقٌ» لو قلت: للوصل همزٌ لا يثبتُ
إلا إذا ابتُدئَ به إلا أنّ بيان موضعه هو الوجه الأحقّ
وقوله «ابْتُدِيْ بِهِ» أصله: ابْتُدِئَ بِهِ بالهمز ثم سهّل الهمزة بالإبدال
فصار ابتُدِيَ ثمَّ سكَّن الياء ضرورة إما لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف
وإما لأنه استثقل الفتحة على الياء كالضمة والكسرة وإن كانت لا تُستثقَلُ في
الحقيقة ومثله في حركة الإعراب في النظم قولُ الشاعر أنشده ابن جني
وغيرُه
كأنَّ أيديْهِنَّ بالقاع القَرِق
…
أيدي جَوارٍ يتعاطَيْنَ الوَرِق
ثم يبقى النظرُ في قوله «لِلْوَصْلِ هَمْزٌ» ما المراد بالوصل هنا؟
والذي يظهرُ أنَّه** مرادُه من جهة معنى كلامه وقُوَّتِه: أنه التوصُّلُ إلى النطق
بالساكن وهذه هي فائدةُ الإتيان بهذه الهمزة فكأنه يقول: للتوصل إلى
[476]
النطق بالساكن همزٌ من صفته كذا وهذا هو الذي ذكره المؤلف في شرح
التسهيل وذكره ابن جني وإنّ هذا هو العلة في إثباتها حيث تثبُت
فكأنها على هذا إنما سُمِّيت همزةَ وصلٍ لأنها يُوصَل بها إلى هذا المعنى وقد
يظهر هذا من سيبويه إذ قال «وهي زائدة قُدِّمت لإسكان أول الحرف فلم
تصل إلى أن تبتدئ بساكن فقدِّمت الزيادةُ متحركة لتصل إلى التكلم» ثم
قال «والزيادة ههنا الألف الموصولة» فاعترض الشلوبين هذا الذي قالوا
من أنها سُمِّيت بهمزة الوصل لأنها يُوصل بها إلى النطق بالساكن وزعم أن
هذا خطأ لأن مصدر وَصَلْتُ بكذا إلى كذا وُصولٌ لا وَصْلٌ ووصلٌ
مصدرُ وصلتُ الشيءَ بالشيء وصلا
قال وإنما سُميت بذلك لأنها وُصلت بأول الكلمة قال وقولُ
سيبويه «يتصل إلى التكلم» ثم قال وهي الألف الموصولة ليس فيه
«الموصولة» من قوله: يتصل إلى التكلم كما قلنا قال ابن الضائع فإن
قيل فألف القطع أيضا موصولة بأول الكلمة فما قال الأستاذُ ليس بخاص
بألف الوصل قلت لما كانت الكلمة مستغنية عنها بالنظر إلى دلالتها على
العنى إذ تسقطُ ولا يختل معنى الكلمة بخلاف همزة القطع صارت همزةُ
الوصل موصولة بالحقيقة بأول الكلمة لضرورة الابتداء وهمزة القطع ليست
[477]
كذلك بل هي أولُ الكلمة فعلى ما قال الشلوبين يكون الوصلُ في كلام الناظم
من قولك وثلت كذا بكذا أي إن في الكلام همزة من صفتها كذا توصل
بالكلمة وقال ابن الضائع وقد يقال سميت همزة الوصل لسقوطها عند
وصلِ الكلمة بما قبلها قال والإضافة قد تكون بأدنى ملابسة وتكون سُميت
بما تختص به عن ألف القطع وعلى هذا يكون قوله «لِلْوَصْلِ هَمْزٌ»
أي لهذا المعنى همزٌ أضيف إليه ونُسب له على الجملة فقيل همزُ الوصلِ
والأمر في هذا قريب لأنه اصطلاح لفظي ولا شك أن ما قال
الشلوبين صحيح من جهة حقيقة اللفظ إلا أن المعنى الجاري على الأذهاب في
الاستعمال هو المعنى الأول
وقوله «سابقٌ» وقوله «لَا يَثْبُتُ
…
إِلَّا إِذَا ابْتُدِيْ بِهِ» فجعل له مرتبة
السبقية والابتداء به مشعرٌ بأنه في الأصل صالح لذلك ولا يصلح لذلك إلا
المتحرك في الأصل إذ لا يُبتدأ بساكن ولا يُجتلب للابتداء به فإن هذا
خلاف الحكمة وإن كان من المعلوم أنه إذا التقى ساكنان فلا بد من تحريك
أحدهما لكن في هذه الدعوى استجلابُ عملٍ من غير فائدة وإنما هي
متحركة أصلا واستعمالا وهو مذهب سيبويه لأنه قال «فقُدمت الزيادةُ
متحركة لتصل إلى التكلم» قال ابن خروف: لا يُجتلب ساكنٌ لساكن
وقد ذهب ابن جني وتبعه من المتأخرين الشلوبين وبعض طلبته فيما أظن
إلى أنها إنما أُتي بها ساكنة فحرِّكت لسكونها وسكون ما بعدها، قال
[478]
ابن جني «فإن قلت أنت هَرَبْت من سكون الأول في الفعل فكيف زِدتَ
عليه ساكنا آخر وهو الهمزة؟ قيل هذه الهمزة وإن كانت ساكنة فإنها إنما
جيء بها قبل السكون لأنه قد عُلم أنها إذا اجتمعت معه فلا بد من حذفِ
أحدهما أو حركته والحركة والحذف لم يصلح واحدٌ منهما في الحرف
الساكن من الفعل لئلا تزول بِنيَته التي قد أُريدت له من سكون أوله فلم يبق
إلا حذفُ الهمز أو حركتُها فلم يَجُز حذفها لأنّ ذلك يُؤدي إلى ما منه هُرِب
وهو الابتداء بالساكن فلم يبق إلا حركة الهمزة فحُركت فانكسرت على
ما يجب في الساكنين إذا التقيا»
واستُدل على كونها ساكنة في الأصل أنهم أتوا بها مكسورة عندما
أرادوا التحريك ولو كانت متحركة في الأصل كانت مفتوحة أبدا بمنزلة
الحروف التي تكون على حرف واحد كهمزة الاستفهام وواو العطف
وكلامُ العرب على كسرها والضمُّ فيها لعلة وكذلك الفتح
فال ابن الضائع وهذا لا يحتاج. وحقٌّ ما قال. وقد يُعلل كسرُها
وخروجُها عن الأصل من الفتح بقصد التفرقة بين همزة القطع وهمزة الوصل
إذ لو فُتحت لكان اللفظ بهما واحدا فاضرِبْ وانْطِح كقولك أَعْلِم وأَكْرِم
ففرَّقوا بينهما بأن كسروا همزة الوصل وكانت هي أولى بالكسر لأنها ليست
من أصل البنية حقيقة إذ لو كانت كذلك لوجب الفتحُ كما وجب في همزة
[479]
القطع، لأن العرب اعتزمت في الأفعال أن تأتي بأوائلها مفتوحة أعني صيغ
الماضي كأكل وخرج ودحرج وأعلم وتَفَعَّلَ وتَفَعْلَلَ ونحو ذلك ولا
يذهبون إلى غير الفتح إلا لعلة فلما كانت همزة الوصل إذا فُتحت
تلتبس بهمزة القطع كسروها وخالفوا بها حكم الأخرى ولا يلزم إذا كان
أصل الحرف الفتح أن لا يُنتقل عنه أصلا بل إذا جاءت علةٌ موجبة
اتُّبعت كما قيل في باء الجر إن أصلها الفتح وإنما كُسرت ليُناسب لفظُها
عملها اللازم لها
فالحاصلُ أن الذي يُشير إليه النظمُ مطلق التحريك وأما تعيينُ الحركة
من كَسْرٍ أو غيره فليس له إليه إشارة وهو بلا شك نقصٌ والحكم في ذلك
في مشهور الكلام أنها تُضم إذا كان ما بعد الساكن مضموما
تحقيقا أو تقديرا ضمةً لازمةً لا عارضة وتكسر فيما عدا ذلك فلو قال بعد
الشطرين الأولين
يُكسَرُ لا إنْ ضُمَّ تِلوُ تِلوِهِ
…
ضمًّا مُدامًا كاغْزُ واخشَ وانْوِهِ
لكَمُل مرادُه من المسألة
وقوله «
…
إِلَّا إِذَا ابْتُدِيْ بِهِ» هذا هو الأمر العام وقد شذَّ من
هذا قولهم آلرجل** خيرٌ أم المرأة؟ وآيمنُ** الله ما تحلف به؟ فإن الهمزة
فيه قد ثبتت وإن لم يبتدأ به ما سيأتي
[480]
ثم في كلامه نظر وهو أنه اقتضى أن همزة الوصل تثبت إذا ابتدئ
بها مطلقا من غير ذلك وذلك في المواضع التي يذكرها وهذه المواضع
تارة تبقى على أصلها من سكونِ ما يلي همزة الوصل وتارة ينزاح عنه ذلك
السكون فتتحرك وإذا تحركت فلا بد من سقوط همزة الوصل وإن
كانت مما يُبتدأ بها وذلك كافْعَلْ من سأل ورأى لأنك تقول سَلْ ورَهْ
وكذلك كل ما حُذف منه الفاء في الأمر نحو خِدْ ورِدْ وقِه وشِهْ وعِهْ
وكذلك خُذْ وكُلْ ومُرْ ومنه أيضا ما نُقل إلى ساكنه حركةٌ نحو قُمْ وهَبْ
وبعْ وسِرْ أو التقى معه ساكن مدغم فحُرك نحو قُِتَّل* في اقتَتَلَ
وحُِجَّب* في احتَجَبَ وما أشبه ذلك من الأمور العارضة حتى يصير ما يلي
الهمزة مُحرَّكا فلا تثبُتُ البتة وما جاء من قولهم اِسَلْ واِحِجَّبْ واِخِطَّفْ
فهو نادر واعتداد بالعارض وكذلك ما تحرك فيه الساكنُ الأول من جميع
ما يذكره فإذًا ليس ثبوتها حيث يُبتدأ بها بإطلاق كما أنه ليس سقوطها
حيث لا يُبتدأ بها بإطلاق بل إذا كانت في محل الابتداء بها فهي على وجهين
ثابتة وغير ثابتة والضابط لثبوتها في الابتداء هو أنها تثبت حيث يكون ما
[481]
بعدها ساكنا لأنها إنما أتي* بها هروبا من وقوع الساكن في الابتداء فإذا
وُصلت الكلمة بما قبلها ناب ذلك مناب همزة الوصل فلم يقع الساكن في
ابتداء الكلام وإذا لم تُوصل بما قبلها أُتي بهمزة الوصل متحركة للابتداء
بها فإذا تحرك ما بعدها لم يُحتج إليها
فالحاصل أن همزة الوصل لا تثبت إلا إذا ابتدئَ بها وكان ما بعدها
باقيا على سكونه وإن شئت أن تحترز من نحو اِسَلْ والحمر واِخِطِّف
فقل لا تثبت إلا إذا ابتدئ بها وكان ما بعدها باقيا على سكونه تحقيقا
أو تقديرا ولا يبقى عليك إشكال فقوله «وكان ما بعدها باقيا على سكونه»
هو الذي نقص الناظم فلحقه بسبب ذلك الاعتراض
والجواب عن هذا أن يقال إن هذا الكلام لم يأت به لتعريف مواضع
الثبوت من مواضع السقوط وإنما أُتي به على جهة التعريف بهمزة الوصل
وتمييزها عن همزة القطع فكأنه يقول إذا أردتَ أن تعرف همزة الوصل من
غيرها فخاصَّتُها التي تختص بها أنها لا تثبت في الوصل أصلا وإنما تثبت
حالة الابتداء بها فإذا وَجَدْت همزة تثبت إذا ابتدأت بها وتسقط إذا وصلت
ما قبلها بكلمتها فتلك همزة الوصل فإنما ساق هذا الكلام مساق
التعريف الرسمي ولا خفاء بأنه إذا تعرفتْ وتبينتْ عن غيرها يتعلق بها من
الأحكام ما ذُكر في السؤال فلو كان الناظم لم يأت بهذا الكلام إلا لبيان هذا
الحكم منها دون التعريف لكان هذا الاعتراض متوجها لكنه قصد
[482]
مقصدًا آخر فيُسلَّمُ له من حيث مقصده إلا أنه يبقى عليه أنه لم يُبيِّن موضع
سقوطها بيانا شافيا
* * *
وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ اِحْتَوَى عَلَى
…
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى
وَالْأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ، وَكَذَا
…
أَمْرُ الثُّلَاثِيْ كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا
لما تم الكلام على التعريف بهمزة الوصل أخذ يذكر مواضعها وذلك أنها
تدخل في الأسماء والأفعال والحروف وابتدأ بذكر دخولها على الأفعال لأنه
الأصل وما عداه ليس بأصل وأيضا فلحاقُها الأفعالَ كالمطَّرِد ولذلك قال
سيبويه «وأكثر ما تكون في الأفعال» وهو في غيرها بالسماع وإنما كان
كذلك لأن الأفعال موضوعة للتصرف فيها والإعلال تابع للتصرف فكما
كثر تصرفها كثر إعلالها وعدم بقائها على حالة واحدة فلما كانت كذلك
شجعهم ذلك على أن سكنوا أوائلها حتى احتاجوا إلى همزة الوصل قال ابن
جني «وهذا من أغلظ ما جرى على الأفعال» وهذا التعليل جار في
الأفعال الماضية وأما الأمر فإنما دخلته وجميعُ ما كانت حروفُ المضارعة منه
مفتوحة وبعدها ساكن لأنه لما حُذف حرفُ المضارعة حين أُريد الأمرُ لئلا
يلتبس الأمر بالخبر بقي* أولُ الفعل ساكنا فَسِيق له همزةُ الوصلِ فقيل
اقتُلْ واستَخْرِجْ ونحو ذلك
[483]
فقوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ» الضمير عائدٌ على الهمز أي: والهمزُ
كائنٌ لفعلٍ ماضٍ، واللام للاستحقاق كقولك السرج للدابة كأنه يقول وهو
يستحقه الفعلُ الذي من صفته كذا وذلك أن الأفعال على ثلاثة أقسام قسمٌ
وُضع للماضي من الأزمنة وهو فَعَل وما ضاهاه وقسمٌ وُضع للزمان
المستقبل وهو افْعَلْ وما شابهه مما هو أمر للمخاطب وقسمٌ وُضع
دلا بالاشتراك على الحال والاستقبال وهو يفعل وما كان مثله مما في أوله
إحدى الزوائد الأربع
فأما المضارعُ فليس في أول شيء منه همزةُ وصل لأن حروف
المضارعة متحركة وهي الواقعةُ في أوله والهمزةُ الداخلة عليه همزة قطع
دالة على المتكلم وحده وهي إحدى تلك الزوائد
وأما الأفعالُ الماضيةُ فعلى ثلاثة أقسام ثلاثية ورباعية وما فوق ذلك
وهي الخماسية والسداسية وهي أقصى ما تبلغه الأفعال
فأما الثلاثية والرباعية فليس في شيء منها همزةُ الوصل فمفهوم
كلامه أنها إنما تكون فيما كان على أكثر من أربعة فما عدا ذلك فمفهومه
أنها لا تكون فيما دون ذلك وذلك صحيح فمتى وجدت فعلا ثلاثيا أو رباعياً في أوله الهمزة فاحكم بأنها همزة قطع البتة نحو أخذ وأكل وكذلك أعلم وأكرم
[484]
وأما الخماسية فما فوق ذلك فهي التي تدخلها همزة الوصل لقوله
«وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ اِحْتَوَى عَلَى
…
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ» أي هو مختص بكل فعل
ماض اشتمل على خمسة أحرف أو ستة فكل همزةٍ وُجدت في أوله مما عِدَّةُ
حروفه هذه العدَّةُ فهي همزة وصل والأمثلة التي اختصت بها سبعة عشر
منها خماسية وسداسية
فالخماسية ثلاثة: انفَعَلَ نحو انطلق وامَّحى وانجلى وهو مثاله
من جلوت الشيء إذا أظهرته فانجلى أي ظهر وتبين وافتَعَلَ نحو
اقتدر واصطفى واحتمل وافعلَّ نحو احمرَّ واصفرَّ وابيضَّ
والسداسية** ستة افْعَالَّ نحو احمارَّ واصفارَّ وافْعنَنْلَلَ نحو
اقعنسس واسحنكك واستَفعَل* نحو استخرج واستمكن وافعَوَّلَ نحو
اعلوَّط اخروَّط وافْعَنْلَى نحو اسلنقى واحرَنْبَى وافعَوْعَلَ نحو اغدَوْدَن
واعشوشب فهذه ستة أبنية مشهورة وقد عُدَّ منها افعولَلَ نحو اعْثَوْجَجَ
وافعَيَّل نحو اهبيَّخَ وكذلك افْوَنْعَل نحو احوَنْصَل الطائر وافْعَنْلَى
كاحْبَنْطَى ولم يذكر سيبويه هذه الأبنية الأربعة فالجميع عشرة أبنية كلُّها
[485]
يختص بالثلاثي الأصول إلا افْعَنْلَل فإنه يشترك معه فيه الرباعي الأصول نحو
احرنجم فافعنلل على هذا بناءان في التقدير وثَمَّ يناء آخر مختص بالرباعي
الأصول وهو افْعَلَلَّ نحو اطمأنَّ واقشعرَّ وما أشبه ذلك يضافُ إليها
تَفاعَلَ وتَفَعَّل لكن في حال وذلك إذا اتفق أن يكون بعد التاء حرفٌ تدغم فيه
فإنه يجوز إدغامها فتُسكَّن وتجلب لها همزة الوصل ويصير الفعل بهمزة
الوصل سُداسيا فمن ذلك قولك ادَّارك وازَّاور** وادَّيَّن وازَّيَّن وفي
القرآن الكريم {ادَّارأْتُم فيها} {بل ادَّارك علمهم في الآخرة} {حتى
إذا أخذت الأرضُ زُخرُفها وازَّيَّنت} فجميع أبنية الماضي المختصة بهمزة
الوصل سبعة عشر بناءً ما بين شهير ونادر وأصل ومنقول إلا أن
هذين الأخيرين يمكن ألا يكون قصدهما بالذكر لأنه قال «وَالْأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ
مِنْهُ» والمصدر من هذين لا يلحقه ألف الوصل لأنه لا تُدغم تاؤه فلا يقال
في التزيّن والتدارُؤِ ازَّيُّنٌ ولا ادارُؤٌ بل تَزَيُّنٌ وتدارُؤٌ على الأصل وكذلك
التضارُبُ والتطيُّرُ والمسألة مذكورة في باب الإدغام وإذا كان كذلك وكان
سببُ إلحاق الهمزة هنا إنما هو الإدغام ولم يتعرَّض هنا لذلك ولا يعد له
[486]
نقصا لأنه إنما تكلم هو وغيره في هذا الباب فيما كان فيه ألف
الوصل بحق الأصل فالحاصل من هذا أن جميع ما اختص بهمزة الوصل من
أبنية الماضي خمسة عشر بناءً وهي المشار إليها بقوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ
اِحْتَوَى عَلَى
…
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ» ويريد من أربعة أحرف ولا يُريد بها الأصول
فقط بل الحروف على أي حالة كانت من أصالة وزيادة بل لا يتأتى فيها إلا
أن تكون مزيدا فيها لكن منها ما هو ثلاثي الأصول ورباعيها كما ذُكر إلا
أنَّ في كلامه نظرا وذلك يقتضي أن هذه الأفعال التي تدخلها الهمزة إنما
تكون على أكثر من أربعة أحرف دون الهمزة لقوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ» إلى
آخره أي إنما تدخُل على الفعل الذي هذه صفته فإن كان يمشي له في
السداسي نحو استَفْعَل* وافْعَنْلل من حيث هي خماسية دون الهمزة فلا
يمشي له في انْفَعَل وافْتَعَل وافْعَلَّ لأنها رباعية الحروف دون الهمزة فكان
غير شامل لها وكان تمثيله بانجلى مع مقتضى كلامه كالمتناقض
والجواب أنه لا يعني بقوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ» إلى آخره أن الهمز
يدخُل عليه وإنما يعطي كلامه مجرد الانتساب إلى أكثر من الأربعة وذلك أن
كلام النحويين في المسألة إنما هو على ما أذكره لك وذلك أنهم يعقدون
القانون في ألف الوصل على أنَّ كل فعلٍ ماضٍ كان في أوله همزة وكان على
أكثر من أربعة أحرف فالهمزة همزة وصل وإلا فهي همزةُ قطع فهم إنما يتكلمون بعد استقرار الهمزة في أوله لا أنهم يريدون أن ما كان على كذا دونها** فإنك تدخلها عليه لأنها معدودةٌ في حروف الكلمة عندهم وهو الذي قَصَد الناظم بقوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ» يعني أن ما أوله همزةٌ من الأفعال
[487]
الماضية التي على أكثر من أربعة يحكم عليها بأن تلك الهمزة همزةُ وصل لا
همزةُ قطع وعلى هذا لا بد من عدِّ الهمزة في جملة الحروف ويشمل كلامُه
انجلى واقتدَر ونحوهما لأنها خماسية الحروف مع عدِّ الهمزة حرفا من حروف
الفعل
ثم قال «وَالْأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ» ينبغي أن يكون قوله «وَالْأَمْرِ»
مخفوضا عطفا على «فِعْلٍ» من قوله «وَهْوَ لِفِعْلٍ» كأنه قال وهو لفعل
ماضٍ وللأمر منه وللمصدر منه وقد رأيته مرفوعا في بعض النسخ ووجهُ
الرفع فيه متكلَّف
وقوله «مِنْهُ» أي من ذلك الفعل الماضي وهو كلُّ فعل أمر في أوله
الهمزةُ إذا كان محتويا على أكثر من أربعةٍ وكلُّ مصدر لتلك الأفعال المذكورة
فالهمزة في ذلك كله همزة وصل فأما الأمر فنحو انطلق واقتَدِرْ واحمررْ
واحْمَارْ* اقْعَنْسِسْ واستخرِج واعلوِّطْ واسلَنْقِ واغْدَوْدِنْ واحرنْجِمْ
واطمَئِنَّ واعثَوْجِجْ واهْبَيِّخْ واحوَنْصِلْ واحْبَنْطِئ وما كان نحو ذلك
وأما المصدرُ فنحو انطلاق واقتدار واحمرار واحميرار
واقعنساس واستخراج واعلوَّاط واسلِنقاء واغْدِيدان واحرِنْجام
واطمئنان واعثِيجاج واهبيَّاخ واحوِنْصال واحبِنْطاء ونحو ذلك وإنما
لحقت المصادر لأنها من شأنها أن تتبع أفعالها في الصحة والإعلال
[488]
والزيادة والحذف فكما زيدت ألف الوصل في الفعل لما لحقه من الإعلال كذلك
فعلوا في مصادرها
ثم قال «وَكَذَا
…
أَمْرُ الثُّلَاثِيْ» يعني أن فعل الأمر من الفعل الثلاثي
الحروف حكمه أيضا أن الهمزة التي في أوله همزة وصل لا همزة قطع نحو
اخشَ يا زيد وامضِ لحاجتك وانفُذْ لما قصدته وهذه ثلاثة أمثلة لثلاثة
الأفعال التي هي من يَفْعَل ويَفْعِل ويَفْعُل قصد بها التنويع وأمر
وآخر وهو كون الفاء ساكنة فيها فهو السبب في لحاق الهمزة تحرزا من
كونها متحركة نحو خَفْ ودِنْ ودُمْ فإنَّ الفاءَ هنا قد تحركت بحركة العين
المنقولة إليها فلم يُحتَج إلى همزة الوصل وكذلك ما كان من الأفعال محذوف
الفاء في الأمر نحو دَعْ وقَعْ وصِلْ وعِدْ وقِهْ وشِهْ وما أشبه ذلك
ومثل ذلك انهَضْ واصدَعْ واضرِبْ وانْطِحْ واقْرُب وابْعُدْ وهذه الأفعالُ
رباعية الحروف للحاق الهمزة لها ولكن ضبطها بالفعل الماضي فيريد أن
الأمر من الماضي الثلاثي حكمُه كذا
وفي عبارته شيءٌ وذلك أنَّ قوله «وَالْأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ» يريد به
الأمر من الفعل الزائد على أربعة الأحرف والمصدر من ذلك الفعل أيضا
فيظهر أن الأمر والمصدر مأخوذان** من الفعل الماضي وهذه الجملة لا يقول بها
أحد أما المصدرُ وحده فقد زعم الكوفيون أنه مأخوذٌ من الفعل ولم يُعيِّن
أحد منهم فيما أعلم ما المأخوذُ منه المصدر ألماضي أم المضارع أم
الأمر؟ فالتعيين للماضي دون غيره لم يَقُلْ به أحد وأمَّا فعل الأمر فليس
[489]
بمأخوذ من الماضي اتفاقا منا ومن الكوفيين وكذلك قوله «وَكَذَا
…
أَمْرُ الثُّلَاثِيْ»
يريد الماضي الثلاثي فنسبه إليه وهو موافقٌ لما تقدم والجميع غير
صحيح فظاهر كلامه غير مستقيم
والجواب أنَّ عبارته هنا قد عُلم مرادُه بها وأنّ معناها أنّ الأمر
والمصدر اللذين هما مع الماضي جاريان على مجرًى واحدٍ ملتقيان من
كلِّ وجه في الأصول والزوائد وغير ذلك وأنه لم يُرِ بقوله «منه» الاشتقاق
لكنه ترك الاحتراز في العبارة اتكالا على فهم المعنى ويسمح له في مثل هذا؛
إذ ليس محلَّ ربط قانونٍ ولا تقييد حكم وقد قدَّم حكم الاشتقاق في بابه
فالأمر فيه قريب
وقوله «وَانْفُذَا» أراد انفذَنْ فوقف على النون بالألف على ما
يجبُ فيها
ثم أخذ الناظم في ذكر ما يختص بها من الأسماء فقال
وَفِي اسْمٍ، اسْتٍ، ابْنٍ، ابْنِمٍ سُمِعْ
…
وَاثْنَيْنِ وَامْرِئٍ وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ
وَايْمُنُ هَمْزُ أَلْ كَذَا، وَيُبْدَلُ
…
مَدًّا فِي الِاسْتِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ
ودخولها في الأسماء إنما هو لشبه ما بالأفعال وذلك أن
الأسماء يلحقها التصرُّف بالتحقير والتكسير والحذف وغيرها من وجوه
[490]
التصرفات، لما بينها وبين الأفعال من التقارب فلمّا كان ذلك* وكانوا قد
ألحقوا ألف الوصل الأفعالَ اجترءوا على أنْ ألحقوها أيضا بعض الأسماء
لِما أدخلوا لها من الإعلال وإسكان الأول وكان ذلك في بعض المحذوفات لتقع
فيها كالعِوَض منه ولم يكن ذلك في جميع المحذوفات كيدٍ ودم وهنٍ وغدٍ
لأنهم لما قصدوا التعويض لم يسغ أن يجري ذلك في جميع الأسماء لأن
العوض يقوم مقام المعوّض منه كأنه هو وإن لم يكن إياه في جميع الأشياء
فكأن المحذوفَ لم يحذف وذلك نقض لما قصدوا من غرض الحذف هذا
تعليل ابن جني
وجملة الأسماء التي لحقتها هذه الهمزة سبعة أسماء على ما ذكره
أحدها اسم وهو واحد الأسماء وإذا كان بالهمزة ففيه لغتان اِسْمٌ
اُسْمٌ وكلاهما همزُ وصل يذهب في الوصل وقد تقطع همزته في الشعر
ضرورة كقول الشاعر أنشده الجوهري
وما أنا بالمخسوس في جِذْمِ مالك
…
ولا من تَسَمَّة ثم يلتزمُ الإسْما
والثاني اسْتٌ وهو العَجُزُ وقد يراد به حلْقَة الدبر من الناس وقد
يستعار لغير ذلك من الحيوان قال الأخطل
[491]
وأنت مكانُك مِنْ وائلٍ
…
مكانَ القُراد مِنَ اسْتِ الجَمَلْ
وقولهم باسْتِ فلان شَتْمٌ للعرب قال الحطيئة
فباسْتِ بني قيس وأسْتاه طيِّئٍ
…
وبِاسْتِ بني دُودان حاشا بني نَصْرِ
ويقال ما زال فلان على اسْتِ الدهر مجنونًا أي لم يزل يُعرَف
بالجنون قال أبو نُخيلة
ما زالَ مُذْ كان على اسْتِ الدَّهْر
…
ذا حُمُقٍ يَنْمي وعقلٍ يَحْرِي
وكلها همزاتها همزات وصل
والثالث ابن وهو واحدُ الأبناء وألفُه ألفُ وصل وقولُهم
مَنْ يَكُ لا ساءَ فقد ساءني
…
تَرْكُ أُبَيْنيك إلى غير راع
كأن واحده إبن مقطوع الألف فصغره على أُبَين كأُعَيْمٍ ثم جمعه على
أُبَيْنُون ومثل هذا لا يُتعدَّى به محلُّه
ثم أُتبع فيه ما قبل الآخر فقيل ابنُمٌ وابنَمًا وابنِمٍ لأنّ الميم بصدد
الزوال
والرابع ابنُمٌ وهو بمعنى الابن زيدتْ فيه الميم فاعتبر الأصل فجيء
بحركة النون على مقتضى* العامل قال الشاعر:
[492]
عِرَارَ الظَّليم اسْتَحْقَب الركبُ بيضَه
…
ولم يَحْمِ أنفًا عند عِرْسٍ ولا ابنِمِ
وقال حسان
وَلَدْنا بني العَنْقاءِ وابْنَيْ مُحرِّقِ
…
فَأَكْرمْ بنا خالًا وأَكْرِمْ بنا ابنَما
وأنشد ابن جني
وهل لي أُمٌّ غيرُها إن تركتها
…
أبى الله إلا أن أكون لها ابنما
والخامس اثنان من أسماء العدد للمذكر ألفُه ألف وصل لأنك تقول
هما خير اثنيا في الناس وقد قطعت همزته في الضرورة قال قيس بن
الخطيم
إذا جاوز الإثنين سِرٌّ فإنَّه
…
بِنَثٍّ وتكثير الحديثِ قمينُ
وقال جميل
ألا لا تَرَى إثنينِ أحسن شِيمةً
…
على حَدَثانِ الدَّهر مِنِّي ومن جُمْل
وقال الآخر
يا نفسُ صبرًا كلٌّ حيّ لاقِ
…
وكلُّ إثنين إلى افْتراقِ
وقعت هذه الأبيات في كتاب سيبويه في باب الضرائر في النسخة الشرقية
والسادس امرُؤٌ* وهو الرَّجُل وقد يُراد به الذئب كذا نقل الجوهري عن
يونس في قول الشاعر:
[493]
وأنت امرؤٌ تعدو على كلِّ كل** غِرَّةٍ
…
فتُخْطِئُ فيها مرة وتصيب
وفيه ثلاث لغات إذا كان بهمزة الوصل امرُؤٌ وامرَأً وامرِئٍ
بإتباع ما قبل الآخر الآخر وهي اللغة الفصحى وفتح الراء في الأحوال
كلها حكاها الفراء وضم الراء كذلك في الأحوال كلها
والسابع ايمن وهو بمعنى يمين فألفه ألف وصل وفيه لغتان
ايمن الله واِيمنُ الله بفتح الهمزة وكسرها وكذلك اَيمُ** الله واِيمُ الله
إذا حذفت النون وكذلك اِم الله بكسرها مع إبقاء الميم وحدها ويقولون
ليْمُنُ الله باللام قال نصيب
فقال فريقُ القومِ لما نَشَدْتُهمْ
…
نَعَمْ وفريقٌ لَيُمنُ الله ما نَدْرِي
هذا مذهبُ جمهور البصريين وهو الذي ارتضاه الناظم ومذهب الفراء
وهو منقول عن الكوفيين أيضا في الجملة أن الهمزة همزة قطع وهو
جمع يمين كما قال زهير
فتُجْمَع أيمُنٌ منت ومِنْكمْ
…
بمُقْسَمَةٍ تَمُورُ بها الدِّماءُ
ثم حلفوا به فقالوا أيمُن الله ثم كثر على ألسنتهم حتى أدرجوا الهمزة
وحذفوها في الوصل وإلى هذا المذهب ذهب ابن كيسان وابن درستويه
ورأيهم في ذلك ضعيفٌ يُدَلُّ على ضعفه بأمور منها:
[494]
أن همزة الجمع همزة قطع وهمزة هذا الاسم همزةُ وصل
لسقوطها مع اللام في «ليمنك لَئِن ابتَلَيْتَ لقد عافيتَ» وفي قول الشاعر
.... وفريقٌ لَيْمُنُ اللهِ ما نَدْرِيْ
قال وليس هذا بضرورة لتمكن الشاعر من إقامة الوزن بتحريك التنوين
والاستغناء عن اللام بهذا ردّه المؤلف وقد أجابوا** عنه بأن أصلها أنها همزة
قطع ثم كثر استعمالها حتى عوملت معاملة ألف الوصل لكثرة الاستعمال مع
ما في كلامه في البيت من الرأي الضعيف وإنما يُردُّ عليهم أنّ مثل هذا لا
يُوجَد في كلام العرب إلا نادرا شاذا نحو وَيْلُمِّه** ومثل هذا لا يقاس
عليه ولا يدعى مثله إلا إذا تعين ولم يتعين ذلك هنا فوجب البقاءُ فيه
على الظاهر
والثاني أن من العرب من يفتح الميم ومنهم من يضمها فيقولون
اَيمَنُ** الله وايمُنُ الله وأفعَلُ لا يوجدُ في الجموع
والثالث أن من العرب من يكسر الهمزة ومنهم من يفتحها وألف
أفعل المختص بالجمع لا تكسر أبدا
فالصحيح ما ذهب إليه الناظم والبصريون
وإذا تقرَّر هذا فقوله «وَفِي اسْمٍ، اسْتٍ، ابْنٍ، ابْنِمٍ سُمِعْ» حُذف
العاطف في هذه الأشياء وأصله وفي اسمٍ واست وكذا وكذا سُمع وحرفُ
[495]
الجر متعلق بسُمع وضمير «سُمِع» عائد على الهمز يريد أن همز الوصل
في هذه الأشياء ثابتٌ وجوده لكنْ مسموعا ليس بمقيس كما كان ذلك في
الفعل وقد تقدم وجه ذلك
وقوله «وَاثْنَيْنِ وَامْرِئٍ» معطوف على المجرورات المتقدمة
ثم قال «وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ» يعني أن المؤنث من هذه الأشياء المعدودات قد
تبع المذكر منها في لحاق همزة الوصل لها فكل هذه المتقدمة مذكرات
فإذا أنثت فالحكم فيها كذلك وإنما يؤنث منها ما يصح تأنيثه إذ ليست
كلها مما يصح أن يؤنث فاسم لا يصح فيه التأنيث كما أن استا كذلك
إذ هي مؤنثة فتقول هي الاست وتصغيرها ستيهة وقال الشاعر
شأَتْكَ قُعَينٌ غَثُّها وسمينها
…
فأنت السَّهُ السُّفْلَى إذا دُعِيَتْ نَصْرُ
والسَّهُ والاستُ واحد فوصفها بصفة المؤنث وهي السفلى
والمراد بالتأنيث هنا التأنيث بالتاء خاصة لا مجرد التأنيث بعلامة أو بغير
علامة فأما اسم واست فلا مؤنث لهما وأما ابن فمؤنثه ابنة فالهمزة
فيه همزة وصل وأما ابنُمٌ فلا يقال فيه ابنمة وإنما اختص بذلك في
[496]
المذكر وأما اثنان فمؤنثه اثنتان وحكمهما في الهمزة واحد وأما امرؤ
فمؤنثها امرأة وليس في كلام الناظم تعيين لما يؤنث مما لا يؤنث بل قال
«وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ» يعني تأنيث ما يؤنث منها وذلك على حسب السماع إذ
ليس تأنيث ما يؤنث منها بقياس لأنها ليست بأسماء فاعلين ولا ما
أشبهها وإنما هي أسماءٌ جوامد والجوامد لا تؤنث* ولا تلحقها التاء
قياسا البتة فلأجل ذلك لم يقل ومؤنثاتها ولا تأنيثها ولا ما كان نحو ذلك
ثم قال «وَايْمُنُ» معطوفٌ على قوله «وَفِي اسْمٍ، اسْتٍ» إلى آخره
فهو في موضع خفض وأتى به على حكاية رفعه اللازم له؛ إذ هو مما لزم
الابتداء فلا يدخله جر ولا نصب
ثم قال «هَمْزُ أَلْ كَذَا» أي وهمز أل فحذف العاطف وهذا هو
قسم الحروف وكان الأصل ألا تدخل همزة الوصل الحرف لعدم تصرفها
وندور إعلالها لكنها دخلت في حرف واحد وهو لام التعريف تركوه على
أصله من السكون ثم أتوا له بهمزة الوصل وفتحوها فرقا بينها وبين
الداخلة على الأفعال والأسماء ويعني أن الهمزة الثابتة في أل التي هي أداة
التعريف همزةُ وصل أيضا وهذا نصٌّ في اتّباعه أحد المذهبين المنسوبين
إلى الخليل وسيبويه فعندهم أن سيبويه ذهب إلى أن الهمزة زائدة وأن
[497]
الخليل ذهب إلى أنها همزة قطع لكن لما كثر استعمالها أسقطوها في الدرج
فقالوا جاء الرجل وذهب الغلام والأول هو الذي اتبع الناظم هنا خلاف ما
ذهب إليه في التسهيل إذ قال «وليست الهمزة زائدة خلافا لسيبويه*»
واستدل على صحة ما ذهب إليه في التسهيل بأمور:
«أحدها أنَّ هذا تصدير زيادةٍ فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف
والثاني أنه وضع لكلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن
ولا نظير لذلك
والثالث افتتاح حرف بهمزة وصل ولا نظير لذلك
والرابع لزوم فتح همزة الوصل بلا سبب ولا نظير لذلك أيضا قال: احترزت باللزوم ونفي السبب من فتح همزة اَيمن في القسم فإنها تكسر وتفتح وكسرها هو الأصل ففتحت لئلا ينتقل من كسر إلى ضم دون حاجز حصين. قال: ولم تضم لئلا تتوالى الأمثال المستثقلة فإن جعل فتح همزة التعريف تخفيفا لأجل الاستعمال لزم محذور آخر وهو أن التخفيف مصلحة تتعلق باللفظ فلا يترتب الحكم عليها إلا بشرط السلامة من مفسدة
[498]
تتعلق بالمعنى كخوف اللبس وهو هنا لازم لأن همزة الوصل إذا فُتحت
التبست بهمزة الاستفهام فيحتاج الناطق بها إلى معاملتها بما يليق بها
من إبدال أو تسهيل ليمتاز الاستفهام عن الخبر وذلك يستلزم وقوع البدل
حيث لا يقع المبدل منه لأن همزة الوصل لا تثبت إذا ابتُدئَ بغيرها فإذا
أُبدِلَت أو سُهِّلت بعد همزة الاستفهام وقع بدلها حيث لا تقع هي وذلك
ترجيح فرع على أصل أفضى إليه القولُ بأن همزة أل همزة وصل زائدة
فوجب اطّراحه.
والخامس أن المعهود الاستغناءُ عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى
الساكن نحو رَ زيدًا والأصل ارْءَ فنقلت حركة الهمزة إلى الراء
واستُغني عن همزة الوصل ولم يفعل ذلك بلام التعريف المنقول إليه حركة إلا
على شذوذ بل يبتدأ بالهمزة على المشهور كقراءة ورش في مثل {الآخرة}
وذلك في مثل رَ زيدًا لا يجوز أصلا فلو كانت همزةُ أداة التعريف همزة
وصل زائدة لم يبتدأ بها مع النقل كما لا يبتدأ بها مع الفعل المذكور
السادس أنه لو كانت همزة وصل لم تُقطَع في يألله ولا في قولهم
أفأللهِ لأفعلَنَّ فالقطع عوض من حرف الجر لأن همزة الوصل لا تقطع إلا
اضطرارا وهذا قطع اختيار روجع به أصل متروك ولو لم تكن مراجعة أصل
[499]
لكن قولهم أفألله لأفعلنّ أقرب إلى الإجحاف* منه إلى التعويض إذ في ذلك
جمع بين حذف ما أصله أن يثبت وإثبات ما أصله أن يحذف. قال:
فصَحَّ أن الهمزة المذكورة كهمزة أم وأن وأوْ لكن التُزِم حذفها
تخفيفا إذا لم يُبْدَأ بها ولم تَلِ همزة الاستفهام كما التزم أكثرهم حذف
عين المضارع والأمر من رأى وحذف فاء الأمر من أخذ وأكل وهمزة أُمٍّ
في وَيْلُمِّه
واحتج بعض النحويين لسيبويه بأن قال قد قيل مررت بالرجل
فتخطى العامل حرف التعريف فلو كان الأصلُ أل لكان في تقدير
الانفصال وكان يجب أن يقع قبل الجار كما أن الحروف التي لا تمتزج
بالكلمة كذلك؛ ألا ترى أنك تقول هل بزيدٍ مررتَ؟ ولا تقول بهل زيدٍ
مررتَ؟ فلولا أنَّ حرف التعريف بمنزلة الزاي من زيد ما تخطاه العامل
والجواب: أن تقدير الانفصال لا يترتب على كثرة الحروف، بل على
إفادة معنى زائد على المعنى المصحوب ولو كان المشعر به حرفا واحدا
كهمزة الاستفهام فإنها وإن كانت حرفا واحدا في تقدير الانفصال لأن ما
تفيده من المعنى زائدٌ على مصحوبها غير ممازج له وعدم تقدير الانفصال
[500]
يترتب على إفادة معنى ممازج لمعنى المصحوب كسوف فإنها وإن
كانت على ثلاثة أحرف غير مقدرة الانفصال لكن ما تفيده ممازجا لمعنى
الفعل الذي تدخل عليه فإنها تخلصه للاستقبال وذلك تكميل لدلالته
وهكذا حرف التعريف غير مقدر الانفصال وإن كان على حرفين لأن ما
أفاده تكميل لتعيين الاسم مسماه فتنزل منزلة الجزء من مصحوبها
لفظا كما تنزل منزلة الجزء معنى إلا أن امتزاج حرف التعريف بالاسم
أشد من امتزاج سوف بالفعل لوجهين: أحدهما: أن معنى حرف التعريف لا
يختص به بعض مدلول الاسم بخلاف معنى سوف فإنه مختص بأحد جزأي
مدلول الفعل. والثاني: أن حرف التعريف يجعل الاسم المقرون به شبيها بمفرد
يحصل به التعيين وضعا كالمضمر واسم الإشارة والعلم المرتجل. فلا
يقدح في الامتزاج المعنوي كون أحد المتمازجين بحرفين أو أكثر، وسوف إن
مازج معناها معنى مصحوبها، لكن لا تجعله شبيها بمفرد قصد به وضعا ما
قصد بها وبمصحوبها، لأن ذلك غير موجود. وقد يترتب على هذا امتناع
الفصل بين حرف التعريف والمعرَّف به، ووقوعُه بين سوف والفعل المصاحب لها
نحو قول الشاعر:
وما أَدْرِي وسوف إخالُ أَدْرِي
…
أقومٌ آل حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
[501]
وفُعل أيضا ذلك بقد كقول الشاعر:
لقد أرسلوني في الكواعب راعيا
…
فقد - وأبي - راعي* الكواعب أفْرِسُ
أراد: فقد أفرسُ راعي الكواعب وحق أبي، فسكن الياء وفصل.» **
هذا ما قاله المؤلف واحتج به على ما ذهب إليه من كون الهمزة همزة
قطع من أصل الأداة لا همزة وصل زائدة عليها أردتُ الإتيان بما احتج به
على كماله ليقع الكلامُ معه حتى يتبين بحول الله تعالى
وينظر أولا في هذا الخلاف المحكي عن الخليل وسيبويه فإنه غير مسلم
الوجود وإنما استقرءوه من حكاية سيبويه عنه أن أل كقد قال ابن الضائع
ولا يخرج من هذا أنها همزة قطع قال فإن قيل جعْلُها كقافِ قد دليلُ
أن الحرفين موضوعان لمعنى التعريف قلت همزةُ الوصل مع ما بعدها لها
حالان حالٌ هي فيه كبعض حروف الكلمة وهي من جهة الوزن وأن الكلمة
مبنية عليها ألا ترى أنها مأخوذة مع ما بعدها في أوزان الأفعال فتقول
في انطلق وزنه انْفَعَلَ كما تقول في أكرَمَ وزنُه أَفْعَلَ [و] على هذا
[502]
النحو يصح أن تقول أل كقد والحالُ الأخرى دلالة ما بعدها على مسماه
ثبتت أو سقطت فصارت من هذا الوجه كأنَّ الكلمة ليست مبنية عليها وبهذا
الوجه نقول لام التعريف وننسب المعنى للام فقط قال فإن قيل فينبغي
على هذا الوجه أن يكون لها حظٌ في أوزان الأسماء فتقول في ابن إنه افْعٌ
وفي ابنُم إنه افعُم وفي امرئ إنه افْعِل وسيبويه لم يثبت هذا الوزن في
الأسماء قلت لما كنت هذه الألف لا تثبت في الأسماء إلا فيما حذفت لم
يكن له وزن يخصه ألا ترى أن الوزن إنما يتبين بالحرفين الأولين وأحدهما
متحرك بحركة الإعراب ولذلك لم يُذكر يدٌ وحرٌ في أوزان الأسماء فأما امرؤ
فلكون الراء فيه تابعة صار حكمه حكم ابن وكذلك ابنم قال وكذلك عندي
ايمُنُ فإن حركة الميم اتباع لحركة النون كما هي في قولهم امرؤ في حال
الرفع غير أن هذه الكلمة لما كانت لازمة إعراب الرفع لزمت ضمة الميم فكما
لا تثبت بقولهم امرُؤٌ وابنُم في حال ارفع حركة في الأوزان فكذلك لا تثبت
بقولهم ايمُنُ الله افْعُلًا في الأوزان وهذا ظاهر جدا انتهى ما قاله ابن
الضائع إلا أني جمعته من موضعين متفرقين من كلامه ثم قال ومن تتبع
كلام سيبويه وفهمه تبين ولا بد أنه لا خلاف بينه وبين الخليل بوجه وتبين
أن قوله أل كقد لا يناقض أن ألفها ألف وصل كما تقدم قال سيبويه في باب
ألف الوصل «وتكون موصولة في الحرف الذي تعرف به الأسماء» * ثم قال
«وإنما هما حرف بمنزلة قد وسوف» يعني أن اللام مع الألف حرف منفصل
كانفصال قد مما بعدها وانفصال سوف مما بعدها ولم تكن اللام لاحقة
للاسم ثم أُتِي بعد ذلك بالألف وهذا كله معنى قوله «ألا ترى أن الرجل إذا
نسي فتذكر ولم يُرد أن يقطع كلامه أَلِي* كما تقول قدِي* ثم تقول: كان
[503]
وكان. ولا يكون ذلك في ابن وامرئ، لأن الميم ليست منفصلة ولا الباء قال
ذو الرُّمةِ واسمه غيلانُ:
دَعْ ذا، وعَجِّلْ ذا، وأَلْحِقْنا بِذَلْ
…
بالشَّحْمِ، إنا قد مَلِلْناهُ بَجَلْ
كما تقول: إنه قَدِي ثم تقول: قد كان كذا وكذا، فتُثَنِّي قد، ولكنه لم
يكسر اللام في قوله بِذَلْ ويجئ بالياء لأن البناء قد تمَّ. وزعم الخليل
رحمه الله تعالى أنها مفصولة كقَدْ وسوف، ولكنها جاءت لمعنى كما
يجيئان للمعاني» هذا كلام سيبويه مُردَفا بكلام الخليل دليلا على ما قرر
وحجةً لما فَسَّر من أنَّ أل موصولةٌ بما بعدها ليست اللام بجزء مما بعدها
وذلك بعد ما بين وصل الهمزة ولم يحك فيها عن الخليل خلافا فالصحيح أن لا
خلاف بينهما وهو الذي فسَّر عليه السيرافي وابن خروف وغيرهما الكتاب
ثم إن نقول لا فرق بين همزة الوصل وهمزة القطع إلا أن همزة
الوصل لا تثبت مع وصل الكلمة بكلام قبلها فكل همزة تثبت في الوصل حتى
يكون إثباتها لحنا فهي همزةُ وصل بلا شك وقد وجدنا همزة اللام كذلك في
شائع الكلام فلنقُلْ إنَّها همزة وصل بهذه القاعدة المجمع عليها
ثم نقول من قال إنها همزة قطع وزعم مع ذلك أنها تسقط في الدرج
ولا بد فلا خلافَ بينه وبين من يقول إنها همزة وصل إلا في مجرد
العبارة خاصة ثم نقول أما قولُ المؤلف أولا إن هذا تصديرٌ للزيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة
[504]
فتقول: إذا قام الدليلُ على الزيادة في الحرف أو غيره فلا بد من القول
به كما دخل التصريف بعض الحروف من الزيادة والنقص والقلب والإبدال
وقد قالوا إنّ اللام في لعلّ زائدة لقولهم علّ فليكن ذلك هنا
وأما قوله إنه وضْعُ كلمةٍ مستحقَّةٍ للتصدير على حرفٍ واحدٍ ساكنٍ
ولا نظير لذلك
فنقول إذا دلّ الدليل فلا يجب الإتيانُ بالنظير وهي قاعدةٌ في الأصول
ثابتة وأيضا فكان يجب على هذا ألا يسكن أولُ كلمة لأنها معرضة للتصدير
وللابتداء بها ومستحقة لذلك ولا فرق بين الوضع أولا والإعلال ثانيا في
حكم الابتداء فإذا كانوا هنالك قد أتوا بهمزة الوصل فليأتوا بها في الموضع
الآخر على أنَّ ابن جني قد علَّل إسكانهم للام وضعًا فتأمله في حرف اللام
من سر الصناعة
وأما افتتاح حرف بهمزة وصل فلا يلزم من وجوده وجودُ النظير كما
تقدم كما أنه يعارَض بأنا لم نجد نحن همزة قطع تحذف في الدرج لزوما
وقولهم ويلُمِّه شاذ يحفظ
وأما فتح الهمزة فليس لغير سبب بل لسبب عندهم قوي وقد ذكروا
في ذلك أوجها منها ما ذكر سيبويه من التفرقة بينها وبين ما في الأسماء
والأفعال وعلل السيرافي بما أشار إليه المؤلف من التخفيف لكثرة
الاستعمال لأن كل اسم منكور بتعرف باللام وهو اكثر من أن يحصى
[505]
فلزم اللام كثرة الاستعمال ففتحت لذلك وما عارض به الناظمُ هذا التعليل قد
يُجاب عنه بأن الهمزة المسهّلةَ في حُكم المحقَّقة وليست غيرها فهي هي
فلا يُقال إنها وقعت في غير موضع المبدل منه وإنما يقال ذلك في المبدلة
وهي في الحقيقة واقعة موقع الهمزة ألا ترى أنها تثبت إذا سقطت الهمزة
فالبدل على الجملة في موضع المبدل منه ويعارض ببدل الهمزة الثانية من
أيمّة على عامة اللغة فإن المحققة لا تقع هنالك فإن قال ذلك للاستثقال
وليس هنا استثقال قيل خلف الاستثقال هنا قُبْحُ بقاءِ همزة الوصل
على صورتها من التحقيق فسهلت إصلاحا* للفظ
وأما عدم سقوطها مع تحريك اللام فإنها تسقط في لغة قوم فيقولون
لَرْضُ ولَحْمَر وأيضا قد حُكِي اِسَلْ وإن كان شاذا فإن قيل فلم
تثبت في الأفصح تسقط من سل ونحو في المشهور؟ فالجواب أن لام
التعريف مبنية على السكون لا أصل لها في الحركة بوجه بخلاف سين اسل
فإن لهذه الكلمة تصرفاتٍ كثيرة تكون السين فيها متحركة كسؤال وسأل
وسائل وغير ذلك فلما تحركت السين في سل صارت الحركة كأنها ليست
بعارضة لها فسقطت همزة الوصل ولما تحركت اللام في الأرض كانت
الحركة عارضةً البتة ومن كلامهم ترك الاعتداد بالعراض فمن لم يعتدَّ
به ترك الهمزة ولم يحذفها ومن اعتدّ به أسقطها وهذا توجيهٌ في غاية
[506]
الحسن وفرقٌ واضح بين الموضعين
وأما قطعها في يألله وأَفَأَلله فإن هذه الكلمة اختصت بأشياء لم
يختص بها غيرها وظهر فيها من الأحكام التي لا يُقاس عليها ما سواها
نحوٌ من خمسة عشر حكما فيكون هذا الفرد من تلك الجملة فإن التغيير
يأنسُ بالتغيير وإذا كان كذلك فلا نُكر في أن يُجعل ذلك القطع عوضا من
حرف القسم كما جعلوا في غير هذا الموضع الواو نائبة عن رُبَّ فقالوا
وبَلَدٍ عامِيَةٍ أعماؤُهُ
وبَلَدٍ مِلْءِ الفِجاجِ قَتَمُهْ
فلو كان ما قاله من الإجحاف لازما للزم أيضا في هذا الآخر لكنه
موافق على صحته فكذلك يلزمه أن يوافق على أفألله ويكفي من المناقشة
هذا
واعلم أن الناظم أشار في باب المعرَّف بالأداة إلى خلافٍ سوى ما ذُكر
هنا وقد تقدم بيانه على الجملة هنالك وإن الذي يتخلَّص من كلامه في
الموضعين أنه ذهب في هذا الكتاب إلى ما نقل عن سيبويه من زيادة الهمزة مع
أن أل بجملتها هي الدالة على التعريف وتعلّق في ذلك بظاهر طلتك سيبويه في
باب «عِدَّة ما يكون عليه الكلم» حين ذكر من الحروف ما هو على حرفين
[507]
وأدرج في أثنائه أل فأخذ المؤلف من ذلك أن الجملة هي الدالة ثم نقل
عنه في باب ألِف الوصل أن الهمزة زائدة فجعل هذا خلافا لمن لم ينصّ
على هذا المقدار من النحويين بل نسب التعريف إلى اللام فقط وكل ذلك لا
يتحصل منه خلاف محقق في المسألة أما كون الهمزة أصلية أو زائدة فقد
ذُكِر أنه لا خلاف بين الخليل وسيبويه وكذلك لا خلاف أيضا بين سيبويه وغيره
في الدلالة على التعريف لأن همزة الوصل كما تقدم لها حالان حال تُعد فيه
كالجزء من الكلمة فمن ههنا أطلق ههنا أطلق سيبويه الدلالة على الجملة وحال تعد فيه
كالمنفصلة ومن هنا أطلق غير سيبويه الدلالة على اللام وحدها ويدلك على
أن الخلاف في المسألة مندفعٌ فيما بين الخليل وسيبويه ومَن وراءهما أن
الشراح للكتاب لم يتعرضوا له ولا نصوا على استنباطه من لفظ الكتاب إلا
ما حكاه السيرافي عن غيره من استنباطه من تشبيه سيبويه أل بقد وسوف
أنها ألف قطع ولم يحك ذلك عن الخليل والذي حكاه عن الخليل ابن جني في
سر الصناعة
فالحاصل أنَّ ما نقله المؤلف لم يذهب إليه فيما أعلم أحد من
النحويين ولا تحقق له فيه نقل محرر والله أعلم
وقد يمكن أن يكون قولُه في باب المعرَّف بالأداة «أل حرفُ تعريف أو
اللامُ فقط» ليس بإشارة إلى خلافٍ كما مرَّ الشرح فيه ولكن يكون معناه
[508]
التخيير في الإطلاق أي قُلْ أيَّ ذلك شئتَ فإن شئت أن تقول إن حرف
التعريف أل بجملتها أو اللام وحدها فذلك إليك وكلاهما صحيح وبمعنى
واحد في محصول الأمر وأن الخلاف خلافٌ في عبارة لا في حقيقة معنى
ويكون وجه التنبيه على هذا أمران أحدهما رفْعُ ما يتوهم من الخلاف في
المسألة والثاني الجمعُ بين عبارات النحويين وأنّ من أطلق أنّ التعريف
بأل اعتبر حال وقوع الهمزة كالجزء ومن أطلق أنّ التعريف باللام اعتبر حال
وقوعها كالمنفصل ولا يكون على هذا في المسألة إشكالٌ يتعلق بهذا النظم
وكثيرا ما تجده فيه ينزع إلى منازع التحقيق والتحصيل وقد مرَّ من ذلك
مواضعُ متعددة يكون فيها إذا قررها في هذا النظم أسَدَّ منه في تقريرها في
التسهيل والله الموفق
ثم قال «وَيُبْدَلُ
…
مَدًّا فِي الِاسْتِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ» ضمير «يُبْدَلُ» عائدٌ
على همز الوصل المتأخر الذكر في قوله «هَمْزُ أَلْ كَذَا» فيعني أن همزة
الوصل المذكورة آنفا إذا وقعت في الاستفهام ووقوعها فيه أن تتقدمها أداته
فإنها لا تحذف كما يُحذف ما تقدم في الدرج بل تبقى إلا أنّ لك في بقائها
وجهين:
أحدهما أنْ تبدلها مدة والمدة هنا من جنس حركة أداة الاستفهام
ولا شك أن حركة الهمزة الفتحُ فالمدة المبدلة من الهمزة ألفٌ فتقول آلرجل
[509]
خير أم المرأة؟ وآلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟ وقرأ القراء
{آلذكرين حَرَّمَ أم الأنثيين} {آلله أذِنَ لكم} {آلله خيرٌ أم ما
يُشركون} وهذا أشهر ما نُقل عنهم وهذا منه دليل على أن تلك المَدَّةَ
عنده هي الهمزة في الأصل وهو مذهب الجمهور وذهب بعضُهم إلى أنها
ألِفٌ أجنبية سِيقتْ للفرق لا أنّها الهمزة أُبدلت لما يُلفى من المحذور
واستجاده بعضُ من تأخر من النحويين لولا حكاية التسهيل فيها فهو الذي
يقطع على الألف أنَّها مبدلةٌ كما قال الناظم إذ لو تحامَوا الإتيان بالهمزة
لم يثبتوها مُسهّلة لكنهم فعلوا ذلك فدلَّ على أنها هي أيضا الألف الظاهرة
والثاني التسهيل بَيْنَ بَيْنَ فتقول أالرجلُ** أفضلُ أم المرأة؟
وأالشجاعة** أفضلُ أم البذلُ؟ وقد قُرئ به للقراء في المواضعِ المعلومة وزعم
ابن الباذش أنّ هذا الوجه هو الذي يوجبه قولُ سيبويه في باب الهمز أنها
تخففُ بينَ بينَ كما يخفف غيرها من الهمزات المتحركة إلا ما استثني من
المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة وإنما يُخفَّف بالبدل الهمزة الساكنة وهذا
العمومُ يتناول الوصل والقطع"
[510]
والفرق بين هذا والذي قبله أنّ الهمزة في هذا الوجه بزنة المتحركة ولذلك جاء
في الشعر
وما أدْري إذا يَمَّمْتُ أمرا
…
أُريدُ أيُّهما يليني
أالخير** الذي أنا أبتغيه
…
أمِ الشَّرُّ الذي لا يأْتَلِيني
أنشد بيت الشاهد السيرافي وقول عمر بن أبي ربيعة أنشده
سيبويه
أالحقُّ** أن دار الرباب تباعَدَتْ
…
أو انْبَتَّ حبلٌ أن قَلْبكَ طائِرٌ**
بخلاف الوجه الأول فإن الهمزة فيه بزنة الساكن لا بزنة المتحرك
ولذلك قال الناظم «وَيُبْدَلُ
…
مَدًّا»
وأراد الاستفهام الهمزة خاصة وقد ظهر من هنا ومما تقدم أن سائر
الهمزات في الأفعال والأسماء والمتقدمة لا تثبتُ مع استفهام ولا غيره بل
تقول أسْتَعْلَم زيد عمرًا؟ وأبنُك أكرمُ أم ابن زيدٍ؟ وفي التنزيل الكريم
{أصْطَفى البنات على البنين} وذلك على الأصل إذ لا حاجة إلى إثباتها
لحصول الفرق بين الاستفهام والخبر لأنَّ الهمزة في الخبر مكسورة فتقول
[511]
اِبنُك أفضلُ من فلان واِستعْلم زيد عمرًا. وفي الاستفهام مفتوحة كما تقدم
فلا لبس بخلاف همزة أل فإنها لما فُتحت لم يظهر فرق بين الاستفهام والخبر
فإذا قلت الرجل عند فلان والغلام في الدار لم يتبين للمخاطب معنى
كلامِك فتركوا الهمزة وأثبتوها ليحصل الفرق ويزول اللبسُ لكن على غير
صورتها الأولى ليزول قُبحُ اللفظ إذ لو بقيت على حالها لكانت همزةُ
الوصل في ظاهر الحال مع وصلِ اللام بما قبلها على حالها دون وصلها بما
قبلها وذلك قبيحٌ فغيروها عن لفظها الأول ليخفى موضعها وكان ذلك بأحد
الوجهين إلا أنّ تقديم الناظم للإبدال مشعرٌ بأولويته عنده وذلك صحيح في
النقل والقياس أما في النقل فلأنَّ الأشهر عند القراء الإبدال وبه يقرأ هؤلاء
المتأخرون وبه أخذ علينا شيوخُنا للقراء السبعة وأما في القياس فإنَّ
الأولى حين أرادوا أن يهربوا من قُبحِ اللفظ بالهمزة أن يبلغوا بها أقصى ما
يمكن من التغيير حتى تصير كأنها غيرها ولا يكون ذلك إلا مع الإبدال
ولذلك انقلبت إلى السكون بعد التحريك بخلاف التسهيل بينَ بينَ فإن الهمزة
معه باقيةٌ على قوتها وعلى زِنَةِ أصلها ومعاملةٌ معاملة المحققة فلم يزُلْ
قُبحُ اللفظ بذلك كل الزوال مع أن التسهيل أيضا وجهه ظاهر كما تقدم
وههنا مسألة تتعلَّقُ بمحلِّ الإبدال والتسهيل وذلك أنَّ قوله «هَمْزُ أَلْ
كَذَا» يحتمل أن يكون مستأنفا مما تقدم كأنه قال وهمزُ أل حكمه ذلك
[512]
الحكم ثم ذكر فيه الإبدال والتسهيل مع همزة الاستفهام فيكون الإبدال
والتسهيل لم يحكم به إلا على همزة أل وحدها وعلى هذا التقرير جرى
تفسيرُ كلامه فيما تقدم وهو الذي ذكره كثير من النحويين إذ لم يتعرضوا
لهمزة ايمُن في هذا الحكم بل ظاهر قولهم فيها أن حكمها حكمها حكم همزة ابنٍ
واسمٍ وغيرهما من سقوطها مع همزة الاستفهام فتقول أيمُن** الله ما
يُحلَف به؟ كما تقول أَبنُك قائمٌ أم ابن فلان؟ ولا شك أن هذا الوجه يُلقى
فيه على لغة من فتح الهمزة اللبسُ الذي يُلقى في همزة أل ولكن يكون الناظم
تابعا لغيره في هذا المعنى ويحتمل أن يكون قوله «هَمْزُ أَلْ كَذَا» غير مُستأنفٍ
وحدَه بل مع ايمُن كأنه قال وهمزُ أيمُن** وهمزُ أل كذلك في الحكم أيضا من
كونه همز وصل ولذلك قال قبله «وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ» ولم يذكره مع ما تقدم كما
ذكر ابنًا واستا وإن كان لا يتبعهما تأنيث فيكون قوله بعد ذلك «وَيُبْدَلُ
مَدًّا» إلى آخره راجعا إلى همزهما معا أي ويُبدَل همزُ أيمُن** وهمز أل مدا في الاستفهام أو يُسهَّل وذلك أنّ «أيمن**» الأفصح فيه فتحُ الهمزة وقد تكسر فإذا كُسرت جرى الاسم مجرى ابن واسم وأخواتهما وإذا فتحت جرت مجرى أل في إثبات الهمزة للفرق المذكور فتقول على الإبدال آيمن** الله ما يُحلف به؟ وعلى التسهيل أَايمن** الله ما يُحلف به؟ وجعل الفارسي هذا في الإيضاح قياسا على أل* فقال «حكم التي في أيمُن** في
[513]
القسم حكمها في القياس» يعني في إثبات الهمزة مع الاستفهام فجعل ذلك
قياسا ولم يلتزم فيه السماع فيظهر أنه لم يأخذ كلام سيبويه على أنه نصٌّ
على هذه المسألة وذلك أنَّ سيبويه تكلم على فتح همزة أل وأنَّ ذلك للفرق
بينها وبين التي في الأفعال والأسماء ثم قال «وصارت في ألف الاستفهام
إذا كانت قبلها لا تحذف» ومضى في تمام التعليل ثم قال «ومثلها من
ألفات الوصل الألف التي في أيمُ** وأيمُنُ**» ثم تكلم على فتحها وعلى كونها
ألف وصل ولم يتعرض لحكم الإثبات والحذف فيها ونحو هذه العبارة
ذكر في آخر أبوبا ما لا ينصرف في باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد
فظاهر هذا أنه لم يتكلم على حكمها مع الاستفهام وعلى هذا الظاهر جرى
السيرافي وابن خروف من أنهما إنما فسر كلامه بأنها مثل همزة أل في كونها
موصولة وكونها مفتوحة ولم يتكلما على إثباتها مع الاستفهام فظهر أن هذا
قياسٌ من الفارسي لا نص من سيبويه فيه ودل على ذلك قوله «في القياس»
إذ ليس في كلام سيبويه ما يُشعر بأنه لا سماع فيه وقياسُ الفارسي صحيح
كما قاسوا فتح همزته على همزة أل لكونه لم يتمكن في بابه تمكن الأسماء
ولم يستعمل إلا في موضع واحد وهو القسم فكذلك قاس الفارسي فيه الحكم
الآخر وقد حمل ابن الضائع قول سيبويه «ومثلها من ألفات الوصل الألف
التي في أيمن**» على أنه يريد ما ذكره الفارسي من قياس الإثبات وعلى كلِّ
[514]
تقدير فيكون الناظم على هذا قد نبَّه على ما نبّهوا عليه من ثبوت الهمزة في
أيمن** مع ألف الاستفهام وعبارتُه في التسهيل مشعرةٌ بهذا المقصد إذا قال
«لا تثبت همزة الوصل غير مبدوءٍ بها إلا في ضرورة ما لم تكن مفتوحة تلي
همزة استفهام فتبدل ألِفًا أو تسهل» فهذه العبارة تشمل بعمومها
همة أيمن** لكنه لم ينبه في الشرح إلا على همزة أل* خاصة
وفي إطلاق الناظم لفظ الاستفهام إيهامٌ ما إذ كان للاستفهام أدوات
كثيرة من جملتها الهمزة وهي المرادةَ بلا شك إلا أنه لم يبين ذلك فيوهم
أنه يريد الهمزة وسائر الأدوات وذلك فاسدٌ إذ لا موجب لإثبات همزة
الوصل مع هل أو غيرها فكان من حقه أن يحرر العبارة فيقول مثلا
اَيمُنُ** هَمْزُ أَلْ كَذَا وَيُبْدَلُ
…
مَعْ هَمْزِ الاسْتِفْهامِ أَوْ يُسَهَّلُ
أو نحو هذا فلا يبقى عليه اعتراضٌ.
ولما أتم الكلام على فَصْلِ الزِّيادة أخذ في الكلام على الإبدال فقال:
[515]
فهرس موضوعات
الجزء الثامن
الموضوع الصفحة
الوقف ....... 5
الإمالة ....... 129
التصريف ....... 218
فصل في زيادة همزة الوصل ....... 474
[516]