المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنواع التراجم في " صحيح البخاري - الإمام البخاري وفقه التراجم في جامعه الصحيح

[نور الدين عتر]

الفصل: ‌أنواع التراجم في " صحيح البخاري

أَغْرَاضِ البُخَارِيِّ المُبْهَمَةِ فِي الجَمْعِ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالتَرْجَمَةِ ".

وَتَكَلَّمَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيٌّ بْنُ المُنِير أَخُو الْعَلَاّمَةِ نَاصِرِ الدِّينِ فِي " شَرْحِهِ عَلَى البُخَارِيِّ " وَأَمْعَنَ فِي ذَلِكَ وَوَقَفْتُ عَلَى مُجَلَّدٍ مِنْ كِتَابٍ اسْمُهُ " تُرْجُمَانُ التَّرَاجِمِ " لأَبِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رُشَيْدٍ السََّبْتِيِِّ يَشْتَمِلُ عَلَىَ هَذَا المَقْصَدِ وَصَلَ فِيهِ إِلَى كِتَابِ الصِّيَامِ وَلَوْ تَمَّ لَكَانَ فِي غَايَةِ الإِفَادَةِ وَأَنَّهُ لِكَثِيْرٍ الْفَائِدَةٌ [مَعَ نَقْصِهِ] وَاللهُ [تَعَالَىْ] المُوَفِّقُ». انتهي.

فقد ذكر الحافظ ابن حجر أربع مؤلفات مفردة، عثرنا منها على كتاب القاضي بدر الدين بن جماعة، مخطوطا في دارالكتب الوقفية بحلب، بعنوان " مناسبات تراجم البخاري "، وأخذنا منه في بحثنا هذا، ونضيف لما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني الكتابين التاليين:

" شرح تراجم أبواب صحيح البخاري "[لِلْعلَاّمَةِ] شيخ مشايخ الهند، أحمد بن عبد الرحيم، المعروف بـ «شاه ولي الله الدهلوي» ، وهي رسالة قَيِّمَةٌ طبعت في الهند.

و" فيض الباري " للشيخ المُحَدِّثُ العَلَاّمَةُ محمد أنور شاه الكشميري. وهو مرجع ضخم حافل.

‌أَنْوَاعُ التَّرَاجِمِ فِي " صَحِيحِ البُخَارِيِّ

":

ولدى الرجوع إلى تلك الدراسات لتراجم البخاري في " صحيحه " وجدنا جُهُودًا كبيرة ضخمة، دراسات مفصلة حافلة، قد تناولت تراجم الامام البخاري على سبيل التفصيل، ترجمة بعد ترجمة، لكن هذه الدراسات مع غزارة فائدتها لم تضبط تراجم البخاري بتقسيم يصنفها تصنيفا كاملاً، وليبين مسالك كل صنف منها، اللهم إلا محاولتين لضبط هذه التراجم وتصنيف أنواعها ألخصهما فيما يلي:

المحاولة الأولي: وهي للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في كتابة " هَدي الساري "(1) مقدمة " فتح الباري "، فقد تعرض لضبط تراجم " صحيح البخاري "، لمناسبة

(1) جـ 1 ص 9 - 10.

ص: 71

حديثه عن فضائل الجامع الصحيح فقال:

ولنذكر ضَابِطًا يشتمل عَلَى بيان أنواع التراجم فيه، وهي ظاهرة وخفية.

أما الظاهرة فليس ذكرها من غرضنا هنا، وهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما ورد في مضمنها، وإنما فائدتها الاعلام بما ورد في ذلك الباب من اعتبار لمقدار تلك الفائدة، كأنه يقول: هذا الباب الذي فيه كيت وكيت، أو باب ذكر الدليل عَلَى الحكم الفلاني مَثَلاً، وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بصفة أو بمعناه، وهذا في الغالب قد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد، فيعين أحد الاحتمالين بما يذكر تحتها من الحديث، وقد يوجد فيه ما هو بالعكس من ذلك، بأن يكون الاحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة، والترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث، نائبة مناب قول الفقيه مثلا: المراد بهذا الحديث العام الخصوص، أو بهذا الحديث الخاص العموم، إشعاراً بالقياس لوجود العلة الجامعة، أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم، مِمَّا يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى، ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكرنا في الخاص والعام، وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض، وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل، وهذا الموضع هو معظم ما يُشْكِلُ من تراجم هذا الكتاب، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء:«فِقْهُ البُخَارِي فِي تَرَاجِمِهِ»

إلى آخر ما ذكره على هذا الأسلوب في العرض.

فقد قسم الحافظ ابن حجر التراجم إلى قسمين: ظاهرة وخفية، ثم مضى في الشرح عَلَى النحو الذي رأينا، ونلاحظ عليه ما يلي:

1 -

أنه لَمْ يُعْنَ بالتفصيل للتراجم الظاهرة، وَلَا بَيَّنَ مسالك البخاري فيها، وما امتاز به منها.

2 -

أنه تداخل معه بحث التراجم «الخَفِيَّةِ» بالتراجم «الظَّاهِرَةِ» .

3 -

أنه لم يستكمل كل أنواع التراجم، فلم يذكر النوع الثالث من تقسيمنا الذي أطلقنا عليه اسم «التَّرَاجِمَ المُرْسَلَةَ» .

المحاولة الثانية: [لِلْعَلَاّمَةِ] مُحَدِّثُ الهِنْدِ وَلِيُّ اللهِ الدَّهْلَوِي في كتابه " شرح تراجم

ص: 72

أبواب البخاري " (1) صَدَّرَ بِهَا كَتَابَهُ هذا فقال:

«وجملة تراجم أبوابه تنقسم أَقْسَامًا:

منها: أنه يترجم بحديث مرفوع ليس على شرطه، ويذكر في الباب حديثًا شاهدًا له على شرطه.

ومنها: أنه يترجم بمسألة استنباطها من الحديث بنحو من الاستنباط من نصه أو إشارته أو عمومه أو إيمائه.

ومنها: أنه يترجم بمذهب ذُهب إليه قبل، ويذكر في الباب ما يدل عليه

من غير قطع بترجيح ذلك المذهب، فيقول:«باب من قال كذا» .

ومنها: أنه يترجم بمسألة اختلفت فيها الأحاديث، فيأتي بتلك الأحاديث على اختلافها، لِيُقَرِّبَ إِلَى الفَقِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَمْرَهَا، مثاله (بَابُ خُرُوجُ النِّسَاءِ إِلَى البُرَازِ) جمع فيه حديثين مختلفين.

ومنها: أنه قد تتعارض الأدلة ويكون عند البخاري وجه التطبيق بينهما، بحمل كل واحد على محمل، فيترجم بذلك المحمل إشارة إلى وجه التطبيق. مثاله:(بَابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ، وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الاصْرَارِ عَلَى التَّقَاتُلِ وَالعِصْيَانِ)، ذكر فيه حديث:«سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَاله كُفْر» .

ومنها: أنه قد يجمع في باب أحاديث كثيرة، كل واحد منها يدل على الترجمة، ثم يظهر له في حديث واحد فائدة أخرى سوى الفائدة المترجم عليها، وَيُعَلِّمَ على ذلك الحديث بِعَلَامَةِ الباب،

ومنها: أنه قد يكتب لفظة (باب) مكان قول المُحَدِّثِينَ «وبهذا الإسناد» . وذلك حيث جاء حديثان بإسناد واحد

» إلى أخر ما ذكره على هذا النحو.

ونلاحظ على تقسيمه ما يلي:

1 -

انه لم يضبط فنون التراجم بأنواع كما فعل الحافظ ابن حجر، بل راح يسرد صُوَرًا من التراجم يعدُّها أَقْسَامًا

(1) الصفحات الأربع الأولى منه.

ص: 73