المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم - الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي من رِوَايَة أَبِي بكر رضي الله عنه

- ‌الحَدِيث الثَّالِث من رِوَايَة عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌الحَدِيث الرَّابِع من حَدِيث عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عَن عَليّ رضي الله عنه

- ‌الحَدِيث السَّادِس عَن طَلْحَة بْن عبيد الله

- ‌الحَدِيث السَّابِع عَن الزبير

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عَن سعد

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عَن سعيد

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَوْف

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر عَن أَبِي عُبَيْدَة بن الْجراح

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر من حرف الْألف عَن أنس

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر من حرف الْبَاء عَن بُرَيْدَة

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر من حرف التَّاء الْمُثَنَّاة عَن تَمِيم

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر من حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة عَن ثَوْبَان

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر من حرف الْجِيم عَن جَابر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر من حرف الْحَاء الْمُهْملَة عَن حَازِم بن حَرْمَلَة

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر من حرف الْخَاء عَن خَوات بن خَبِير

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر من حرف الدَّال عَن دحْيَة

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ من حرف الذَّال الْمُعْجَمَة عَن ذِي الْيَدَيْنِ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من حرف الرَّاء عَن رَافع بْن عَمْرو

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من حرف الزَّاي عَن زُهَيْر بْن صرد

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من حرف السِّين عَن أبي سعيد

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من حرف الشين عَن شكل بْن حميد

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ من حرف الصَّاد الْمُهْملَة

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ من حرف الضَّاد عَن ضميرَة

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ من حرف الطَّاء عَن طلق بْن عَليّ

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ من حرف الظَّاء الْمُعْجَمَة عَن ظهير بْن نَافِع

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ من حرف الْعين عَن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود

- ‌الحَدِيث الثَّلَاثُونَ من حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة عَن غرفَة بْن الْحَارِث

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْفَاء عَن فضَالة اللَّيْثِيّ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْقَاف عَن قَتَادَة بْن ملْحَان

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْكَاف عَن كَعْب بْن عجْرَة

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من حرف اللَّام عَن لَقِيط

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْمِيم عَن مُحَمَّد بْن جحش

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ من حرف النُّون عَن النُّعْمَان بْن بشير

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْهَاء عَن هِنْد بْن أَبِي هَالة

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْوَاو عَن وهب بْن عَبْد الله

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من حرف الْيَاء عَن يعلى بْن مرّة

- ‌الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بن الْخطاب

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس رَابِع العبادلة

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌تمت الْأَرْبَعُونَ

- ‌أسئلة من خطّ الشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَالْجَوَاب عَلَيْهَا جمع شيخ الْإِسْلَام الْقُسْطَلَانِيّ

- ‌ تَحْقِيق عبد الله مُحَمَّد حسن مُحَمَّد حسن اسماعيل الشَّافِعِي

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌لعن يزِيد

- ‌الطّواف وَالْعمْرَة

- ‌أَحَادِيث سُئِلَ عَنْهَا شَيخنَا

- ‌وَمن خطه نقلت

- ‌عَن الْبكاء على الْأَمْوَات وَأُمُور برزخية

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا

أسئلة نقلتها من خطّ شيخ الْإِسْلَام الْعَسْقَلَانِي تغمده الله برحمته

وَصُورَة مَا كتب بِخَطِّهِ الشريف

الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى أما بعد فَإِن هَذِه الأسئلة قد تكلم النَّاس فِيهَا وَلَكِن فِي إِيرَاد بَعْضهَا خلل سَيَأْتِي إِيرَاد الصَّوَاب فِيهِ وَكَذَا فِي تبيينها

فَأَما قَوْله الْمَيِّت إِذا جَاءَ الْملكَانِ مُنكر وَنَكِير وسألاه فَلَا يجب سؤالهما هَل يعذبان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَو يعذبان زَمَانا مَخْصُوصًا قلت الْمَسْأَلَة لَيست محررة الْعبارَة وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن يَقُول بدل قَوْله فَلَا يجب سؤالهما فَلَا يقر بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة فَإنَّا لَا نَعْرِف فِي الْأَخْبَار أَن أحدا من المسؤولين يمْنَع من الْجَواب بل إِمَّا أَن يَقُول هُوَ مُحَمَّد جَاءَ بِالْحَقِّ أَو معنى ذَلِك أَو يَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته أَو معنى ذَلِك فَكَأَن السَّائِل أَرَادَ بقوله فَلَا يجب سؤالهما أَي بِالْجَوَابِ الْحق أَو نَحْو ذَلِك وَكَذَا قَوْله هَل يعذبان لَا معنى لنسبة ذَلِك إِلَيْهِمَا خَاصَّة بل صَوَاب الْعبارَة أَن يَقُول هَل يعذب على الْبناء للْمَجْهُول من غير نِسْبَة الْعَذَاب لأحد بِعَيْنِه فَإِذا تقرر ذَلِك فَالْجَوَاب أَن الْكَافِر وَالْمُنَافِق نفاق كفر يسْتَمر عذابهما أبدا على مَا دلّت عَلَيْهِ الْأَخْبَار فَفِي بعض طرق حَدِيث الْبَراء بن عَازِب الطَّوِيل الَّذِي أخرجه أَحْمد وَصَححهُ أَبُو عوَانَة فِي صفة المساءلة فِي الْقَبْر قَالَ فِي آخِره ويخرق لَهُ خرق إِلَى النَّار فيأتيه من غمها ودخانها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي طَرِيق أُخْرَى ثمَّ يقيض لَهُ أعمى أَصمّ أبكم مَعَه مرزبة من حَدِيد لَو ضرب بهَا جبلا لصار تُرَابا يضْربهُ بهَا ضَرْبَة فَيصير تُرَابا ثمَّ يُعَاد // صَحِيح // وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة

ص: 75

الَّذِي أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان فِي صفة المساءلة أَيْضا فَيُقَال للْأَرْض التئمي عَلَيْهِ فتلتئم فتختلف أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذبا حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك // حسن // وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضا فتلتئم عَلَيْهِ حَتَّى

ص: 76

تخلف أضلاعه ثمَّ يقيض لَهُ سبعين تنينا لَو أَن أحدا مِنْهَا تفج فِي الأَرْض مَا أبقت شَيْئا فتنهشه وتخدشه حَتَّى يبْعَث لِلْحسابِ وَالْجمع بَين هَذِه الْأَخْبَار أَن الْعَذَاب يتنوع للْكفَّار

وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن الشّعبِيّ قَالَ مر رجل بِقَبْر فَرَأى رجلا يمرح من الأَرْض فقيضه بِهِ رجل بمقمعة حَتَّى يغيب فِي الأَرْض ثمَّ يخرج فيفعل بِهِ فَبلغ ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (ذَاك أَبُو جهل بن هِشَام يعذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) // ضَعِيف //

وَأما قَوْله هَل يعرف الْمَيِّت قَرِيبه إِذا جلس قَرِيبا من قَبره وَيسمع قِرَاءَته فهما مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا معرفَة الْمَيِّت بِمن نمى إِلَى قَبره وَثَانِيهمَا سَمَاعه لِلْقُرْآنِ وَلَكِن لَا معنى لتقييد ذَلِك بالقريب دون الْبعيد وَلَا بالبعيد دون الْقَرِيب وَلَا بِسَمَاع الْقِرَاءَة دون غَيرهمَا من سَائِر الْكَلَام وَنحن نبين ذَلِك فِي الْجَواب

أما معرفَة الْمَيِّت بِمن يزروه وسماعه كَلَامه فَهُوَ مُفَرع عَن مَسْأَلَة مَشْهُورَة وَهِي أَيْن مُسْتَقر الْأَرْوَاح بعد الْمَوْت فجمهور أهل الحَدِيث عل أَن الْأَرْوَاح على أقنية قبورها نَقله ابْن عبد الْبر وَغَيره وتورع فِي إِطْلَاق ذَلِك على أَرْوَاح الشُّهَدَاء قد ورد فِيهَا أَخْبَار ظَاهرهَا بِخِلَاف ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَواب عَن بعض هَذِه الْمسَائِل وَلَا شكّ أَن الْأَنْبِيَاء أعظم قدرا من الشُّهَدَاء فَلَا شكّ أَن لأرواحهم من الْفَضِيلَة فَوق مَا للشهداء وَأما سَائِر الْأَرْوَاح فمؤمن وَكَافِر فَروح الْكَافِر كَمَا مضى وَيَأْتِي فِي الْجَواب عَن بعض الْمسَائِل فِي غم وضيق وَحبس وكرب

ص: 77

وتعذيب وروح الْمُؤمن إِمَّا فِي غم إِذا كَانَ عَاصِيا لله دون غم الْكَافِر وَإِمَّا فِي بشر وسرور إِذا كَانَ مُطيعًا وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك وَالَّذِي تَقْتَضِيه ظواهر الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين وَلَكِن لكل مِنْهُمَا اتِّصَال بجسدها وَذَلِكَ الِاتِّصَال معنوي لَا يشبه الِاتِّصَال الَّذِي بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَأقرب مَا يشبه بِهِ النّوم فَإِن روح النَّائِم قد فَارَقت جسده وَلَكِن لَيْسَ فراقا كليا بِحَيْثُ تنفصل عَنهُ الْبَتَّةَ بل اتصالها بالجسد اتِّصَال قوي جدا وَأما روح الْمَيِّت ففارقت جسده فراقا كليا لَكِن يبْقى لَهَا بِهِ اتِّصَال مَا بِهِ يَقع إِدْرَاك لبدن الْمُؤمن التَّنْعِيم وَإِدْرَاك الْكَافِر التعذيب لِأَن النَّعيم يَقع لروح هَذَا وَالْعَذَاب يَقع لروح هَذَا وَيدْرك ذَلِك الْبدن على مَا هُوَ الْمَذْهَب الْمُرَجح عِنْد أهل السّنة فَهُوَ أَن النَّعيم وَالْعَذَاب فِي البرزخ يَقع على الرّوح والجسد وَذهب فريق مِنْهُم على أَنه يَقع على الرّوح فَقَط فقد وَردت آثَار كتبت فِي منامات عديدة تبلغ التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ فِي تَقْوِيَة الْمَذْهَب الرَّاجِح أورد مِنْهَا الْكثير أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور وَأَبُو عَبْد اللَّهِ بْن مَنْدَه فِي كتاب الرّوح وَذكر الْكثير مِنْهَا ابْن عبد الْبر فِي الاستذكار وَعبد الْحق فِي الْعَاقِبَة وَغَيرهم وَهِي إِن كَانَت لَا تنهض للحجة لَكِنَّهَا مِمَّا تصلح أَن يرجح بِهِ وَإِذا تقرر ذَلِك فَمن قَالَ إِن النَّعيم أَو الْعَذَاب يَقع على الرّوح وَالْبدن مَعًا يَقُول إِن الْمَيِّت يعرف من يزوره وَيسمع من يقْرَأ عِنْده إِذْ لَا مَانع من ذَلِك وَمن قَالَ إِن النَّعيم أَو الْعَذَاب يَقع على الرّوح فَقَط وَلَا يمْنَع ذَلِك أَيْضا إِلَّا من زعم مِنْهُم أَن الْأَرْوَاح المعذبة مَشْغُولَة بِمَا فِيهِ والأرواح المنعمة مَشْغُولَة بِمَا فِيهِ فقد ذهب إِلَى ذَلِك طوائف من النَّاس وَالْمَشْهُور خِلَافه وَسَنذكر فِي السُّؤَال الرَّابِع أَشْيَاء تقَوِّي الْمَذْهَب الرَّاجِح وَالله الْمُوفق

وَأما قَوْله إِذا تبرع عَن الْمَيِّت بصدقه أَو عتق أَو ضحية أَو وقف هَل يصل إِلَيْهِ ثَوَابه فَالْجَوَاب أَن ثَوَاب الصَّدَقَة يصل إِلَى الْمَيِّت عِنْد جُمْهُور أهل الْعلم من أهل السّنة وشذ من

ص: 78

قَالَ من المبتدعة إِنَّه لَا يصل إِلَى الْمَيِّت شَيْء من الثَّوَاب إِلَّا مَا عمله أَو تسبب فِي عموله لثُبُوت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة بمشروعية الصَّدَقَة عَن الْمَيِّت وَأَنه ينْتَفع بذلك وَالْأَخْبَار بذلك فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا شهيرة فقد ذكر مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه عَن ابْن الْمُبَارك أَنه لَا خلاف فِي الصَّدَقَة وَأجْمع أهل الْعلم على انْتِفَاع الْمَيِّت بِدُعَاء الْمُؤمنِينَ لَهُ واستغفارهم لَهُ وَهَذَا يدْفع الْحصْر الَّذِي قَالَه المبتدعة وَإِذا ثَبت ذَلِك فِي الصَّدَقَة فَجَمِيع مَا ذكر من الْعتْق وَالْأُضْحِيَّة وَالْوَقْف ملتحق بهَا لعدم الْفَارِق اخْتلف أهل السّنة فِي التنوعات الْبَدَنِيَّة فَذَهَبت جمَاعَة من السّلف وَهُوَ قَول بعض الْحَنَفِيَّة وَهُوَ الْمَنْصُوص عَن أَحْمد أَنه يَصح عَن الْمَيِّت وَينْتَفع بِهِ وَخَالفهُم غَيرهم فِي ذَلِك فقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه) // صَحِيح // وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهر أفأقضيه عَنْهَا قَالَ نعم) أَخْرجَاهُ أَيْضا // صَحِيح //

وَعَن بُرَيْدَة أَن امْرَأَة قَالَت (يَا رَسُول الله كَانَ على أُمِّي صَوْم شهر أفأصوم عَنْهَا قَالَ صومي عَنْهَا قَالَت إِنَّهَا لم تحج أفأحج عَنْهَا قَالَ حجي عَنْهَا) أخرجه مُسلم // صَحِيح // ويحسنوه فِي الْحَج عَن ابْن عَبَّاس عِنْد البُخَارِيّ // صَحِيح // فَإِذا ثَبت ذَلِك فِي بعض الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة فَمَا الْمَانِع من ثُبُوته فِي بقيتها وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على أَن قَضَاء الدّين يسْقط عَن ذمَّة الْمَيِّت التبعة وينفعه ذَلِك حَتَّى وَلَو من الْأَجْنَبِيّ

ص: 79

وَمن عِنْد تركته وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي قَتَادَة قَالَ فِي قصَّة ضَمَانه الدينارين عَن الْمَيِّت فَلَمَّا قضاهما قَالَ لَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (الْآن بردت عَلَيْهِ جلده) // صَحِيح // وَصرح ابْن حمد أَن الْحَنْبَلِيّ فِي كتاب الرِّعَايَة وُصُول جَمِيع الْقرب إِلَى الْمَيِّت سَوَاء كَانَت بدنية أَو مَالِيَّة كالصدقة وَالْعِتْق وَالصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالْقِرَاءَة ثمَّ قَالَ وَقيل إِن نَوَاه حَال فعله أَو قبله وصل وَإِلَّا فَلَا وَرجح الِاشْتِرَاط جمَاعَة من الْمُحَقِّقين من الْحَنَابِلَة وحجتهم أَنه لم يُؤثر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنه أَمر أحدا مِمَّن جعل لَهُ أَن يفعل شَيْئا عَن ميت أَن يَقُول (اللَّهُمَّ اجْعَل ثَوَاب ذَلِك لفُلَان وَلَا أجعَل ذَلِك لفُلَان) وَلذَلِك لم ينْقل عَن أحد من السّلف مِمَّن فعل ذَلِك أَنه كَانَ يَقُول ذَلِك فَدلَّ على انه لَا بُد عِنْد الْفِعْل من القصيد إِلَى فعل ذَلِك عَن الْمَيِّت وعَلى هَذَا مِمَّن لم يقل أَي يدع عتب الْفِعْل بوصول ذَلِك يشْتَرط الْقَصْد مَعَ الْفِعْل وَمن كَانَ يَدْعُو بذلك لَا يشْتَرط الْقَصْد وَالْأولَى الِاتِّبَاع فيترجح جَانب اشْتِرَاط الْقَصْد بِهَذِهِ الطَّرِيق والأعمال بِالنِّيَّاتِ وَسَيَأْتِي زِيَادَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي أَوَاخِر هَذِه الأسئلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأما قَوْله هَل تَجْتَمِع الْأَهْل والأقارب كَمَا كَانُوا يَجْتَمعُونَ بعد الْحساب وَالْعَذَاب فَفِيهِ خلل أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا أَرَادَ بقوله بعد الْحساب وَالْعَذَاب أَي عِنْد الِاسْتِقْرَار فِي الْجنَّة أَو النَّار فَهَذَا مَا لَا يحْتَاج أَن يسْأَل عَنهُ لِأَن أهل الْجنَّة

ص: 80

يتزاورون ويجتمعون وَأهل النَّار يتخاصمون ويتنابذون وَإِن أَرَادَ أَن يَقُول بعد الْحساب وَالْعَذَاب بعد المساءلة الَّتِي تقع فِي الْقَبْر وَبعد الْعَذَاب الْوَاقِع فِي الْقَبْر فالمساءلة لَا تسمى حسابا وَأَيْضًا فالحساب يَقع على أَكثر النَّاس إِلَّا من شَاءَ الله وَالْعَذَاب يَقع على بعض النَّاس دون بعض فَلَا وَجه لتخصيصه لما بعد الْحساب وَالْعَذَاب

وَقد وَردت فِي تلاقي أَرْوَاح الْمَوْتَى أَخْبَار كَثِيرَة مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ التقى سلمَان الْفَارِسِي وَعبد الله بن سَلام فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر إِن مت قبلي فالقني فَأَخْبرنِي بِمَا لقِيت رَبك وَإِن مت قبلك لقيتك فأخبرتك فَقَالَ الآخر وَهل يلتقي الْأَمْوَات والأحياء قَالَ نعم أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة تذْهب حَيْثُ شَاءَت // صَحِيح // ذكر بَقِيَّة هَذَا فِي أَوَاخِر هَذِه الأسئلة

وَأما قَوْله هَل يعذب العَاصِي فِي قَبره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَو لَا يعذب إِلَّا عِنْد مَجِيء مُنكر وَنَكِير فَجَوَابه أَن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف كبر الْمعْصِيَة وصغرها وَحُصُول الْعَفو عَن بعض الْمَوْتَى دون بعض فقد لَا يعذب بعض العصاة وَقد لَا يسْتَمر التعذيب على بعض العصاة وَقد يرفع عَن بعض وشواهد ذَلِك من الْأَحَادِيث مَوْجُود مِنْهَا حَدِيث خَالِد بن عرفطة وَسليمَان بن صرد مَرْفُوعا (من قَتله بَطْنه لم يعذب فِي قَبره) أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان // صَحِيح //

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رَفعه قَالَ (مَا من رجل يَمُوت لَيْلَة الْجُمُعَة أَو يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا وَقَاه الله فتْنَة الْقُبُور) أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم // حسن // وَعَن

ص: 81

ابْن عَبَّاس قَالَ ضرب رجل خباء على قبر فَإِذا هُوَ بِإِنْسَان يقْرَأ سُورَة الْملك فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (هِيَ الْمَانِعَة هِيَ المنجية تنجيه من عَذَاب الْقَبْر) أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه // حسن //

وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب فِي الْمَنَام الطَّوِيل قَالَ (وَأما الَّذِي يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحتمل عَنهُ حَتَّى تبلغ الْآفَاق تصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) أخرجه البُخَارِيّ // صَحِيح //

وَفِيه (وَأما الَّذِي يشدح رَأسه فَرجل علمه الله الْقُرْآن فَنَامَ عَنهُ بِاللَّيْلِ وَلم يعْمل بِهِ بِالنَّهَارِ يعْمل بِهِ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)

وَعَن أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة الْإِسْرَاء قَالَ صلى الله عليه وسلم (ومررت بِقوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت رؤوسهم عَادَتْ كَمَا كَانَت لَا يفتر عَنْهُم شَيْء من ذَلِك) أخرجه الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ // مَوْضُوع //

وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث

وَمن الْأَحَادِيث الدَّالَّة على أَنه يُخَفف عَذَاب الْقَبْر عَن بعض العصاة حَدِيث الجريدتين وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَهَذَا إِن قُلْنَا إنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَأما إِن قُلْنَا كَانَا كَافِرين فلست بميال لهَذَا الْموضع وَالله أعلم

وَأما قَوْله أَرْوَاح الشُّهَدَاء تكون فِي السَّمَاء أَو فِي الأَرْض فَالْجَوَاب أَنَّهَا تسرح حَيْثُ شَاءَت وتأوى إِلَى قناديل معلقَة بالعرش

ص: 82

كَمَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن مَسْعُود // صَحِيح //

وروى أَحْمد بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن عَبَّاس (أَرْوَاح الشُّهَدَاء على بارق لَهُم على بَاب الْجنَّة يخرج عَلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة بكرَة وعشيا) // حسن // وَلَا مُغَايرَة عَن الْحَدِيثين لِأَن النَّهر على بَاب الْجنَّة والقناديل الْمُعَلقَة بالعرش أَيْضا تحمل على أَنَّهَا بجوار بَاب الْجنَّة

وَأما مَا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رَفعه (إِن كل ميت يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار فَيُقَال هَذَا مَقْعَدك إِلَى أَن يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة) // صَحِيح // فَلَا يُنَافِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا لِأَنَّهُ إِمَّا مَحْمُول على غير الشُّهَدَاء وَإِمَّا على عُمُومه وَالْمرَاد بالمقعد المستقر فِي الْقِيَامَة كالقصر وَنَحْوه بذلك لَا يحصل دُخُوله والاستقرار فِيهِ إِلَّا يَوْم الْقِيَامَة فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَالله أعلم

وَأما قَوْله هَل يصل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب الْقِرَاءَة سَوَاء قرئَ عِنْد قَبره أَو غَائِبا عَن قَبره وَهل لَهُ ثَوَاب الْقِرَاءَة بكاملها أَو ثَوَاب مستمع فهاتان مَسْأَلَتَانِ الثَّانِيَة مِنْهُمَا مفرعة عَن الأولى وَقد قدمت مَذْهَب الْحَنَابِلَة فِي ذَلِك وَأَن الْقَارئ إِذا

ص: 83

قصد بقرَاءَته أَنَّهَا عَن الْمَيِّت نفعته وَوصل ثَوَابهَا لَهُ وَأَن مِنْهُم من قَالَ لَا يشْتَرط الْقَصْد ابْتِدَاء بل إِذا قَرَأَ ثمَّ أهْدى ثَوَاب ذَلِك للْمَيت وصل إِلَيْهِ وَذكرت مَا رجح بِهِ القَوْل الأول وعَلى الْقَوْلَيْنِ فَلَا فرق عِنْد هَؤُلَاءِ بَين الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر أَو غَائِبا عَنهُ وَكَانَ ثَوَاب الْقِرَاءَة يحصل للْمَيت فِي الْحَالين وَمَسْأَلَة المستمع يحثها بعض الشَّافِعِيَّة بِنَاء على قاعدتين أَحدهمَا عدم صِحَة إهداء الثَّوَاب وَالْأُخْرَى أَن الْأَرْوَاح بأفنية الْقُبُور أَو أَنَّهَا فِي مستقرها وَلها اتِّصَال بالقبر وببدن الْمَيِّت اتِّصَالًا معنويا بِحَيْثُ يحس الْبدن بِالتَّنْعِيمِ والتعذيب كَمَا تقرر تَقْرِيره وعَلى هَذَا فيستمع الْمَيِّت الْقِرَاءَة وَإِذا اسْتمع حصل لَهُ ثَوَاب مستمع وَهَذَا قد تورط قَائِله فِيهِ لِأَن إِدْرَاكه وسماعه لَيْسَ كإدراك الْمُكَلّفين لَكِن ذَلِك رَاجع إِلَى فضل الله تَعَالَى فَيجوز أَن يتفضل على هَذَا الْمَيِّت بذلك

وسلك بعض الشَّافِعِيَّة فِي ثَوَاب الْقِرَاءَة مسلكا آخر فَقَالَ إِن قصد الْقِرَاءَة عَن الْمَيِّت لم يَصح وَإِن قَرَأَ لنَفسِهِ ثمَّ دَعَا الله أَن يَجْعَل ذَلِك الثَّوَاب للْمَيت أمكن أَن يصل إِلَيْهِ وَيكون ذَلِك من جملَة مَا يَدْعُو بِهِ لَهُ فَأمره إِلَى الله تَعَالَى إِن شَاءَ استجابه وَإِن شَاءَ رده وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَول من قَالَ مِنْهُم إِن إهداء الثَّوَاب لَا يَصح لِأَن العَبْد لَا تصرف لَهُ فِي الْعِبَادَات بالهبات كَمَا جعل لَهُ ذَلِك فِي المَال لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يقْصد بِالْقِرَاءَةِ أَن يكون ثَوَابهَا للْمَيت أَو يَقُول جعلت ثوابي للْمَيت وَهَذَا بِخِلَاف مَا ذكر من الدُّعَاء إِلَّا أَن

ص: 84

الَّذِي جنح إِلَى مَسْأَلَة الدُّعَاء لَا يتهيأ لَهُ الْجَزْم بوصوله الثَّوَاب إِلَى الْمَيِّت كَمَا تقدم وَقد وَردت عَن السّلف آثَار قَليلَة فِي الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر ثمَّ اسْتمرّ عمل النَّاس عَلَيْهِ من عهد أَئِمَّة الْأَمْصَار إِلَى زَمَاننَا هَذَا فأجبت فِي ذَلِك مَا أخرجه الْخلال فِي كتاب الْجَامِع لَهُ قَالَ حَدثنَا الْعَبَّاس بن أَحْمد الدوري قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل تحفظ فِي الْقِرَاءَة على الْقُبُور شَيْئا قَالَ لَا قَالَ وَسَأَلت يحيى بن معِين فَحَدثني عَن مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي قَالَ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج عَن أَبِيه قَالَ قَالَ إِنِّي إِذا أَنا مت فضعني فِي اللَّحْد وَقل بِسم الله وعَلى سنة رَسُول الله وَسن عَليّ التُّرَاب سنا واقرأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْكتاب وَأول الْبَقَرَة وخاتمتها فَإِنِّي سَمِعت ابْن عمر يوص بذلك // مُنكر // ثمَّ أخرج الْخلال من وَجه آخر أَن أَحْمد كَانَ فِي جَنَازَة فَلَمَّا دفن الْمَيِّت جَاءَ رجل ضَرِير يقْرَأ عِنْد الْقَبْر فَقَالَ لَهُ أَحْمد يَا هَذَا إِن الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر بِدعَة فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن قدامَة يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فِي مُبشر الْحلَبِي قَالَ ثِقَة فَذكر لَهُ عَنهُ هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَهُ أَحْمد ارْجع إِلَى الرجل وَقل لَهُ يقْرَأ // ضَعِيف جدا //

وَقَالَ الْخلال أَيْضا حَدثنَا أَبُو بكر الْمروزِي سَمِعت أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُول إِذا دَخَلْتُم الْمَقَابِر فاقرأوا بِفَاتِحَة الْكتاب والمعوذتين وَقل هُوَ الله أحد وَاجْعَلُوا ذَلِك لأهل الْمَقَابِر فَإِنَّهُ يصل إِلَيْهِم وروى أَيْضا عَن الزَّعْفَرَانِي قَالَ سَأَلت الشَّافِعِي رضي الله عنه الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ // حسن //

وَهَذَا نَص غَرِيب عَن الشَّافِعِي والزعفراني من رُوَاة الْقَدِيم وَهُوَ ثِقَة وَإِذا لم يرد فِي الْجَدِيد مَا يُخَالف مَنْصُوص الْقَدِيم فَهُوَ مَعْمُول بِهِ وَلَكِن

ص: 85

يلْزم من ذَلِك أَن يكون الشَّافِعِي قَائِلا بوصول ثَوَاب الْقُرْآن لِأَن الْقُرْآن أشرف الذّكر وَالذكر يحْتَمل بِهِ بركَة للمكان الَّذِي يَقع فِيهِ وتعم تِلْكَ الْبركَة سكان الْمَكَان وأصل ذَلِك وضع الجريدتين فِي الْقَبْر بِنَاء على أَن فائدتهما أَنَّهُمَا مَا دامتا رطبتين تسبحان فَتحصل الْبركَة بتسبيحهما لصَاحب الْقَبْر وَلِهَذَا جعل غَايَة التَّخْفِيف جفافهما وَهَذَا على بعض التأويلات فِي ذَلِك وَإِذا حصلت الْبركَة بتسبيح الجمادات فبالقرآن الَّذِي هُوَ أشرف الذّكر من الْآدَمِيّ الَّذِي هُوَ أشرف الْحَيَوَان أولى بِحُصُول الْبركَة بقرَاءَته وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الْقَارئ رجلا صَالحا وَالله أعلم

وَاسْتدلَّ جمَاعَة مِنْهُم عبد الْحق على حُصُول الِاسْتِمَاع من الْمَيِّت بمشروعية السَّلَام على الْمَوْتَى فَقَالُوا لَو لم يسمعوا السَّلَام لَكَانَ خطابهم بِهِ عَبَثا وَهُوَ بحث ضَعِيف لِأَنَّهُ يحْتَمل خلاف ذَلِك

فقد ثَبت فِي التَّشَهُّد مُخَاطبَة النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ لَا يسمع جَمِيع ذَلِك قطعا فخطاب الْمَوْتَى بِالسَّلَامِ فِي قَول الَّذِي يدْخل الْمقْبرَة السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْقُبُور من الْمُؤمنِينَ لَا يسْتَلْزم أَنهم يسمعُونَ ذَلِك بل هُوَ بِمَعْنى الدُّعَاء فالتقدير اللَّهُمَّ اجْعَل السَّلَام عَلَيْكُم كَمَا تقدر فِي قَوْلنَا الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله فَإِن الْمَعْنى اللَّهُمَّ اجْعَل الصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُول الله فقد ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح فِي أَن العَبْد إِذا قَالَ السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أصَاب كل عبد صَالح // صَحِيح // فَهُوَ خبر بِمَعْنى الطّلب فالتقدير اللَّهُمَّ سلم عَلَيْهِم وَالله أعلم

وَأما قَوْله إِذا دفن الْمَيِّت قَرِيبا من قبر آخر أَو بَعيدا هَل يعرفهُ ويسأله عَن أَحْوَال الدُّنْيَا فَالْجَوَاب نعم قد ورد فِي عدَّة أَحَادِيث مَا يدل لذَلِك مِنْهَا مَا أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَحْسنُوا

ص: 86

أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتباهون ويتزاورون فِي قُبُورهم) // ضَعِيف // وروى ابْن الْمُبَارك عَن أبي أَيُّوب مَوْقُوفا

وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ بِنَحْوِهِ عَنهُ مَرْفُوعا قَالَ (تعرض أَعمال الْأَحْيَاء على الْمَوْتَى فَإِذا رَأَوْا حسنا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَإِذا رَأَوْا شرا قَالَ اللَّهُمَّ رَاجع بِهِ) // ضَعِيف // لَكِن هَذَا لَا يخْتَص بِمن يدْفن قَرِيبا أَو بَعيدا بل فِيهِ إِبْهَام الَّذِي يعرض عَلَيْهِم ذَلِك فَيحْتَمل أَن يُفَسر بِمن يدْفن عِنْدهم

وروى ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الله بن أَوْس أَنه قَالَ لسَعِيد بن جُبَير هَل تَأتي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ نعم قَالَ مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا ويأتيه أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سر بِهِ وَإِن كَانَ شرا أحزنه وَأخرجه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا نَحوه

وَأخرجه البُخَارِيّ فِي تَارِيخه من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَفعه فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ الله الله فِي إخْوَانكُمْ من أهل الْقُبُور فَإِن أَعمالكُم تعرض عَلَيْهِم فصححه الْحَاكِم وَقد تقدم فِي أَوَائِل هَذِه الأسئلة حَدِيث عبد الله بن سَلام وسلمان الْفَارِسِي فِي هَذَا أَيْضا

وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور من طَرِيق يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي لَبِيبَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لما مَاتَ بشر بن الْبَراء بن معْرور وجدت عَلَيْهِ أم بشر وجدا شَدِيدا فَقَالَت يَا رَسُول الله لَا يزَال يَمُوت حَالا فِي بني سَلمَة فَهَل تتعارف الْمَوْتَى فأحمل إِلَى بشر السَّلَام قَالَ _ نعم يَا أم بشر إِنَّهُم ليتعارفون كَمَا يتعارف الطير) فَكَانَت إِذا احْتضرَ أحد من بني سَلمَة جَاءَت إِلَيْهِ فَقَالَت اقرئ بشر السَّلَام // ضَعِيف // وروى الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر أَن أم بشر وَهِي هَذِه جَاءَت إِلَى كَعْب بن مَالك عِنْد مَوته فَقَالَت اقرئ بشر السَّلَام

وَهُوَ شَاهد قوي لحَدِيث أبي لَبِيبَة وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي جَامعه ثَنَا عَمْرو بن دِينَار عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ إِن أهل الْقُبُور يتوكفون الْأَخْبَار فَإِذا أَتَاهُم الْمَيِّت قَالُوا مَا فعل فلَان فَيَقُول صَالح فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان فَيَقُول ألم يأتكم

ص: 87

فَيَقُولُونَ لَا فَيَقُول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون سلك بِهِ غير طريقنا

وَهَذَا مَوْقُوف على عبيد الله بن عُمَيْر أحد كبار التَّابِعين والإسناد صَحِيح إِلَيْهِ وَمثله لَا يُقَال من قبيل الرَّأْي فَهُوَ من قبيل الْمُرْسل

وَقد أخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَفِي آخِره فَيَقُول ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية وَعَن ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد من حَدِيث أبي أَيُّوب نَحوه مَرْفُوعا وَله حكم الرّفْع أَيْضا وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِلَفْظِهِ إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت يلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ انْظُرُوا صَاحبكُم يستريح كَأَنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد ثمَّ يسألونه مَاذَا فعل فلَان وماذا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل مَاتَ قبله قَالَ هَيْهَات قد مَاتَ قبلي فَيَقُولُونَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية // ضَعِيف // وَفِي هَذِه الْأَخْبَار أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى تتلاقى وتتحادث

وَأما كَون حَالهم فِي ذَلِك شَبِيها بِحَال أهل الدُّنْيَا فَلَا يظنّ ذَلِك من لَهُ اطلَاع على أَن حَال البرزخ مُغَاير بِحَال الدُّنْيَا فَلَا يلْزم من اشْتِرَاك الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْإِدْرَاك أَن يَسْتَوِي إدراكهما وَالله أعلم

وَأما قَوْله قَارِئ الْقُرْآن إِذا كَانَ عَاصِيا يمحو الله بقرَاءَته مَا يتَّفق لَهُ من الذُّنُوب صغَارًا كَانَت أَو كبارًا أَو شَرط ذَلِك أَن لَا يقدم على كَبِيرَة فَالْجَوَاب أَن فِي السُّؤَال خللا أَيْضا لِأَنَّهُ لم يتَعَرَّض إِلَى الْمُسْتَند فِي أَن الْقِرَاءَة يمحى بهَا ذنُوب الْقَارئ حَتَّى يَتَرَتَّب على ذَلِك التَّرَدُّد هَل تمحى ذنُوبه الْكِبَار وَالصغَار أَو الصغار دون الْكِبَار أَو لَا يمحو عَنهُ شَيْء إِلَّا إِذا اجْتنب الْكَبَائِر وَالَّذِي أَقُول إِنَّه لَا اخْتِصَاص لذَلِك بقارئ الْقُرْآن بل وَردت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي إسباغ الْوضُوء وَفِي الصَّلَوَات الْخمس وَفِي الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَفِي رَمَضَان إِلَى رَمَضَان وَغير ذَلِك فَأطلق فِي بَعْضهَا أَنَّهَا تكفر مَا بَينهَا من الذُّنُوب وَقيد فِي بَعْضهَا باجتناب الْكَبِيرَة الْجُمْهُور مُطلقهَا على مقيدها وَقَالُوا إِنَّهَا محو الصَّغَائِر وَأما الْكَبَائِر فَلَا يمحوها إِلَّا التَّوْبَة بشروطها وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِي نعتقده أَن لله أَن

ص: 88

يفعل من ذَلِك مَا شَاءَ فقد يغْفر للطائع المديم الطَّاعَة والعاصي المديم الْمعْصِيَة وَقد يعذبهما لَا يسْأَل عَمَّا يفعل

وَأما قَوْله كَيفَ يُمكن الْجمع بَين قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} وَبَين قَوْله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْمَيِّت ليسمع صرير نعالكم فاخلعوها) الْجَواب فَهَذَا من خلل أَيْضا فِي نقل الحَدِيث وَكَأَنَّهُ ملفق من حديثين أَحدهمَا (أَنه ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا ولوا عَنهُ) وَالْآخر (يَا صَاحب السبتتين اخلع سبتتيك) والْحَدِيث الأول فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه إِنَّه ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا انصرفوا) // صَحِيح // الحَدِيث والْحَدِيث الثَّانِي أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث بشير بن الخصاصية فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ فِيهِ (فَإِذا رجل يمشي على الْقُبُور عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ يَا صَاحب السبتتين ألق سبتتيك) فَنظر فَلَمَّا عرف رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خلع نَعْلَيْه

وَقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ لما أخرجه لَا يعرف هَذَا الحَدِيث إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد انْتهى

وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عصمَة بن مَالك قَالَ نظر رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رجل يمشي فِي نَعْلَيْه من الْمَقَابِر فَقَالَ (يَا صَاحب السبتية اخلع نعليك) فإسناده ضَعِيف // ضَعِيف جدا //

وَإِذا تقرر ذَلِك فللعلماء فِي الْجمع بَين الحَدِيث وَالْآيَة مَذَاهِب فَمنهمْ من أول الْآيَة وَحمل الحَدِيث على ظَاهره وعممه فِي جَمِيع الْمَوْتَى وَمن هَؤُلَاءِ من خصّه بِبَعْض الْمَوْتَى كقتلى بدر كَمَا قَالَ قَتَادَة أحد رُوَاته فِي الصَّحِيح بعد أَن سَاقه (أحياهم الله تَعَالَى

ص: 89

حَتَّى سمعُوا كَلَامه توبيخا وحسرة وندامة وَمِنْهُم من خصّه بِبَعْض أَحْوَال الْمَوْتَى كوقت المساءلة لَا فِيمَا بعد المساءلة وَمِنْهُم من أول الحَدِيث وَحمل الْآيَة على ظَاهرهَا وعمومها وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة جدا وَقد حررتها فِي شرح البُخَارِيّ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

الْحَمد لله

سُئِلت عَن الْحِكْمَة فِي تفَاوت الْمَوَاقِيت فِي الْمسَافَة إِلَى مَكَّة فأجبت بِأَن الَّذِي وقفت عَلَيْهِ من ذَلِك لأهل الْعلم شَيْئَانِ أَحدهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ القَاضِي عِيَاض فِي الْإِكْمَال فِي شرح مُسلم لما تكلم على حَدِيثي ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي الْمَوَاقِيت قَالَ وَفِي الحَدِيث (رفق النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بأمته حَيْثُ بأمته جعل لَهُم هَذِه الْمَوَاقِيت لِأَن الْمَدِينَة أقرب الْبِلَاد إِلَى مَكَّة فَجعل ميقاتها أبعد الْمَوَاقِيت إِلَى مَكَّة رفق بالآخرين) هَذَا كَلَامه أَو مَعْنَاهُ وَثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ مِيقَات أهل الْمَدِينَة أبعد لِأَنَّهَا أشرف فَيكون ذَلِك أعظم أجرا لأَهْلهَا زِيَادَة فِي فَضلهمْ على غَيرهم هَذَا كَلَامه أَو مَعْنَاهُ فَأَما كَلَام عِيَاض فَهُوَ وَاضح فِي الْمَدِينَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّة الْبِلَاد وَلَكِن فِي نِسْبَة بعض الْبِلَاد الْأُخْرَى إِلَى بعض نظر لِأَن أبعد الْمَوَاقِيت بعد الْمَدِينَة من مَكَّة مِيقَات أهل الشَّام وَالشَّام إِلَى مَكَّة أبعد الْبِلَاد الَّتِي جعلت لَهَا الْمَوَاقِيت كاليمن ونجد وَالْعراق مَعَ أَن ميقاتها أبعد فَكَانَ قِيَاس قَوْله أَن يكون أقرب فَلم يسْتَمر مَا أَشَارَ إِلَيْهِ عِيَاض فِي الْمَوَاقِيت كلهَا

وَأما كَلَام ابْن حزم فَهُوَ يتألم من هَذَا الِاعْتِرَاض وَذَلِكَ أَنه وَاضح فِي الْمَدِينَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّة الْبِلَاد الَّتِي نَص على مواقيتها والمواقيت المنصوصة بعد ذِي الحليفة هِيَ الْجحْفَة وَقرن ويلملم وَذَات عرق على اخْتِلَاف فِيهَا هَل هِيَ منصوصة من النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَو بِاجْتِهَاد من عمر فأبعد هَذِه الْمَوَاقِيت من مَكَّة بعد ذِي الحليفة

ص: 90

الْجحْفَة كَمَا تقدم وَهِي مِيقَات الشَّام وَالشَّام أشرف الْبِلَاد الْمَذْكُورَة بعد الْمَدِينَة وَمَكَّة لِأَنَّهَا من الأَرْض المقدسة ويليها فِي الْبعد من مَكَّة يَلَمْلَم وَهِي مِيقَات أهل الْيمن واليمن تلو الشَّام فِي الْأَفْضَلِيَّة على الْعرَاق والمشرق لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح (اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي شامنا وَفِي يمننا) قَالُوا وَفِي نجد قَالَ (مِنْهَا يطلع قرن الشَّيْطَان) // صَحِيح // وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَيْضا (الْإِيمَان يمَان) // مَوْضُوع // إِلَى غير ذَلِك من الْأَحَادِيث وَأقرب الْمَوَاقِيت من مَكَّة قرن بَينهَا وَبَينهَا يَوْم وَاحِد وَهِي مِيقَات أهل نجد وَمن يَأْتِي من الْمشرق وَقد ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي الْمشرق وَأَن الْفِتْنَة تجئ مِنْهُ وَأما ذَات عرق فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ مَا يدل على أَن مسافتها إِلَى مَكَّة مَطِيَّة مَسَافَة قرن لِأَنَّهُ أخرج عَن ابْن عمر قَالَ لما فتح هَذَانِ المصران يَعْنِي الْكُوفَة وَالْبَصْرَة أَتَوا عمر فَقَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا وَإنَّهُ حور عَن طريقنا قَالَ انْظُرُوا حذوها فَإِذا هُوَ ذَات عرق // مَوْضُوع //

الحَدِيث فَعرف من هَذَا أَن ذَات عرق تحاذي قرنا وَلَا علينا بعد هَذَا هَل تَوْقِيت ذَات عرق بِنَصّ من النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَو بِاجْتِهَاد من عمر لِأَن غرضنا هُنَا إِيضَاح أقرب الْمَوَاقِيت وأبعدها وَقد ظهر أَن أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة ذُو الحليفة وَالَّذين وقتت لَهُم أفضل الْبِلَاد بعد مَكَّة ويليها الْجحْفَة وَهِي الشَّام وَهِي تلِي الْمَدِينَة فِي الْفضل ويليها يَلَمْلَم وَهِي لليمن وَهِي تلِي الشَّام فِي الْفضل وَأقرب الْمَوَاقِيت مُطلقًا قرن وَذَات عرق فِي حذوها وَهِي للعراق والمشرق وَهِي مفصولة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيمن فَصحت الْمُنَاسبَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا ابْن حزم وَالله سبحانه وتعالى أعلم بِالصَّوَابِ

مَسْأَلَة كتب إِلَيّ صدر الموقعين شمس الدّين بن مُحَمَّد بن الْخضر بن

ص: 91

الْمصْرِيّ الْحلَبِي الأَصْل

(يَا طَالبا علم الحَدِيث وسالكا

طرق الْهدى بتتبع الْآثَار)

(إِن رمت كشف غوامض فِيهِ أَبَت

مرت عَلَيْهَا برهت الْأَعْصَار)

(الزم إِمَامًا حَافِظًا لمتونه

وفنونه وَرِجَاله الأخيار)

(قَاضِي الْقُضَاة وعالم الْعَصْر

الَّذِي فاق الْأَنَام بفضله الْمدَار)

(تلقى لَدَيْهِ جَمِيع مَا فِيهِ

الْهدى من سنة الْهَادِي النَّبِي الْمُخْتَار)

ذكر القَاضِي نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة} حَدِيثا عَن أنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَتى لقِيت أحدا من أمتِي فَسلم عَلَيْهِ يطلّ عمرك وَإِذا دخلت بَيْتك فَسلم عَلَيْهِم يكثر خير بَيْتك وصل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَبْرَار الْأَوَّابِينَ)

فَهَل سنح بِالذكر الْكَرِيم لهَذَا الحَدِيث من خرجه فَإِن الْحَاجة إِلَى الْوُقُوف على ذَلِك ماسة لَا زَالَت آمال الطلاب ببابك واقفة ومحرم فضلك وأفضالك عاكفة

الْجَواب هَذَا الحَدِيث مَشْهُور عَن أنس جَاءَ فِيهِ من رِوَايَة ثَابت الْبنانِيّ وَسليمَان التَّيْمِيّ وَأبي عمرَان الْجونِي وَسَعِيد بن الْمسيب وَضِرَار بن عَمْرو وَعَمْرو بن دِينَار وَحميد وَسَعِيد بن زون فِي آخَرين غَيرهم من الضُّعَفَاء المتروكين وَفِي رِوَايَة بَعضهم مَا لَيْسَ عِنْد الآخر أما طَرِيق ثَابت فَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَمْرو الْعقيلِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء لَهُ فِي تَرْجَمَة الْفضل بن الْعَبَّاس فَقَالَ ثَنَا جدي ثَنَا بكار بن عدي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْفضل بن الْعَبَّاس ثَنَا ثَابت الْبنانِيّ سَمِعت أنسا يَقُول صببت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوضُوء بيَدي فَقَالَ لي (يَا غُلَام أَسْبغ الْوضُوء يزدْ فِي عمرك وَسلم على مَا لقِيت من أمتِي تكْثر حَسَنَاتك وَسلم على أهل بَيْتك إِذا دخلت عَلَيْهِم يكثر خير بَيْتك وَوقر الْكَبِير وَارْحَمْ الصَّغِير ترافقني غَدا فِي الْجنَّة) // مَوْضُوع // قَالَ الْعقيلِيّ الْعَبَّاس بَصرِي مَجْهُول لَا يُتَابِعه إِلَّا من هُوَ

ص: 92

مثله أَو دونه قلت قد تَابعه على بعض أَشْعَث بن براذ أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَاب الْحَادِي وَالسبْعين من شعب الْإِيمَان من طَرِيق يُونُس بن مُحَمَّد الْمُؤَدب عَن أَشْعَث عَن ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أفش السَّلَام تكْثر حَسَنَاتك وَسلم على أهل بَيْتك يكثر خير بَيْتك) // ضَعِيف جدا // وَأَشْعَث أَيْضا ضَعِيف ضعفه ابْن معِين وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك وَأَبوهُ بموحدة ثمَّ رَاء خَفِيفَة ثمَّ زَاي

وَأما طَرِيق سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ فَرَوَاهُ أَبُو أَحْمد عبد الله بن عدي فِي الْكَامِل فِي الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة أَزور بن غَالب قَالَ ثَنَا بن زريح هُوَ مُحَمَّد بن صَالح ثَنَا سُفْيَان بن وَكِيع ثَنَا يحيى بن سليم عَن الْأَزْوَر بن غَالب عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أنس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَا أنس أَسْبغ الْوضُوء يزدْ فِي عمرك وَسلم على من لقِيت من أمتِي تكْثر حَسَنَاتك وصل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ قبلك وصل بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار تحبك الْحفظَة وَلَا تنم إِلَّا وَأَنت طَاهِر فَإِن مت مت شَهِيدا وَوقر الْكَبِير وَارْحَمْ الصَّغِير) // مَوْضُوع // قَالَ ابْن عدي الْأَزْوَر مُنكر الحَدِيث وَأما طَرِيق عوبد بن أبي عمرَان فَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأبي يعلى عَن نصر بن عَليّ كِلَاهُمَا عَن عوبد بن أبي عمرَان الْجونِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالك قَالَ أَوْصَانِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِخمْس خِصَال قَالَ (أَسْبغ الْوضُوء يزدْ فِي عمرك وَسلم على من لقِيت من أمتِي تكْثر حَسَنَاتك وَإِذا دخلت بَيْتك فَسلم على أهلك يكثر خير بَيْتك وصل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ وَارْحَمْ الصَّغِير وَوقر الْكَبِير تكن من رُفَقَائِي) // مَوْضُوع // لفظ الْبَزَّار وَلَفظ أبي يعلى نَحوه قَالَ الْبَزَّار تفرد بِهِ عوبد وَقَالَ ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء عوبد روى عَن أَبِيه مَا لَيْسَ من حَدِيثه مَعَ قلَّة رِوَايَته ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث ثمَّ تناقص فَذكره فِي الثِّقَات وَقد ضعفه قبله

ص: 93

البُخَارِيّ فَقَالَ مُنكر الحَدِيث وَابْن معِين فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْء والجوزجاني فَقَالَ آيَة من الْآيَات وَالنَّسَائِيّ فَقَالَ مَتْرُوك وَأَبُو دَاوُد فَقَالَ أَحَادِيثه تشبه البواطيل وَقَالَ ابْن عدي الضعْف على حَدِيثه بَين وَقد وجدت مَعَ ذَلِك لَهُ مُتَابعًا عَن أَبِيه أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طَرِيق مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي قَالَ نَا بشر بن حَازِم ثَنَا أَبُو عمرَان الْجونِي عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا أنس إِذا دخلت بَيْتك فَسلم على أهل بَيْتك يكثر خير بَيْتك وصل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ قبلك) وَبِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَى أنس قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذا خرجت من بَيْتك فَسلم على من لقِيت من أمتِي تكْثر حَسَنَاتك وأسبغ الْوضُوء يصلح لَك دينك) وَقد أخرجه حديثين وَبشر مَجْهُول // مَوْضُوع //

وَأما طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أنس رَوَاهُ أَبُو يعلى قَالَ حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن أبي يزِيد الْهَمدَانِي وَعباد المغفري عَن عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن انس بن مَالك قَالَ قدم رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين فَذكر حَدِيثا طَويلا وَفِيه (يَا بني عَلَيْك بإسباغ الْوضُوء يحبك حافظاك ويزد فِي عمرك) // ضَعِيف جدا // الحَدِيث وَعلي بن زيد صَدُوق إِلَّا أَنه كبر وَتغَير حفظه وَكَثُرت الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته وَقد أخرج بعض هَذَا الحَدِيث التِّرْمِذِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عبد الله بن الْمثنى عَن عَليّ بن زيد مقطعا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي الصَّلَاة وَالْعلم والاستئذان وَقَالَ حسن غَرِيب وَقد روى هَذَا الحَدِيث عباد الْمنْقري مطولا عَن عَليّ بن زيد عَن أنس بِدُونِ ذكر سعيد بن الْمسيب كَذَا قَالَ وَهَذِه طَرِيق عباد الْمنْقري فِيهَا ذكر سعيد بن الْمسيب وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَرْجَمَة الْعَلَاء بن زيد روى عَن أنس خَبرا مُنْكرا وَقَالَ علته يزِيد بن هَارُون ثمَّ قَالَ قَالَ لنا عَمْرو بن زُرَارَة ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن ثَنَا عباد الْمنْقري عَن عَليّ بن زيد عَن أنس فَذكر هَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ عِنْده فِيهِ ذكر سعيد بن الْمسيب وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ أَنه ذَاكر البُخَارِيّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أخرجه فَلم يعرف لسَعِيد بن الْمسيب عَن

ص: 94

أنس شَيْئا لَا هَذَا الحَدِيث وَلَا غَيره وَالله أعلم وَقد أخرجه أَبُو يعلى بِطُولِهِ نَحْو رِوَايَة عوبد بن عمرَان من طَرِيق عَمْرو بن أبي خَليفَة عَن ضرار بن عَمْرو عَن أنس وَضِرَار ضعفه ابْن حبَان لَكِن قَالَ إِنَّه يروي عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس فَكَأَن يزِيد سقط من النُّسْخَة

ورد عَليّ من الشَّيْخ شمس الدّين بن مُحَمَّد بن الْخضر بن دَاوُد الْحلَبِي الْأَصْلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمصْرِيّ شيخ الباسطية بالقدس الشريف فِي أَوَائِل جمادي الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ من الْقُدس الشريف مَا هَذَا ملخصه

(أسيدنا قَاضِي الْقُضَاة وَمن غَدا

يُفِيد طلاب الْعلم كل غَرِيب)

(حَدِيثا روينَا فِي ابْن ماجة مُسْندًا

بِلَفْظ أبي الدَّرْدَاء نعم غَرِيب)

(فَمَعْنَاه خير الرُّسُل لم نحْشر فعرنا

يصدق هَذَا كل قلب منيب)

(سوى صبه الدُّنْيَا علينا تزيغنا

الهنة فِي الزيغ زيغ عَجِيب)

(فَكل نحا فِي النُّطْق فِيهِ مُخَالفا

لصَاحبه مَعْنَاهُ غير قريب)

(فَبين رعاك الله تَحْرِير مَتنه

وَأَلْفَاظه بالْقَوْل قَول مُصِيب)

(فَلَا زلت يَا مَوْلَانَا لكل لمة

فَأَنت إمامي فِي الورى ومثيبي)

ثمَّ ذكر أَن السُّؤَال عَن الحَدِيث الْوَارِد فِي أول سنَن الْحَافِظ ابْن مَاجَه رحمه الله من طَرِيق أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنحن نذْكر الْفقر ونتخوفه إِلَى آخِره وَكَيف النُّطْق بِهَذِهِ اللَّفْظَة الْوَاقِعَة فِيهِ إزاغة إِلَّا هية وَذكر أَنه رَاجع شرح ابْن مَاجَه للكمال الدَّمِيرِيّ بعد أَن تطلبه بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ بلغه أَنه بِدِمَشْق

فَائِدَة أنْشد بعض لحضرة شَيخنَا

(يَا عَالما قد حل أقليدسا

لم يخطه شكل من أشكاله)

(أَي شَيْء نصفه عشرَة

وَنصفه الثَّانِي تِسْعَة أعشار)

فجالت أفكار الطّلبَة فِي ذَلِك فبادر منشدهما بقوله هَذَا كتاب الله عز وَجل

ص: 95