المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الربا والصرف - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٢

[المرداوي]

الفصل: ‌باب الربا والصرف

بسم الله الرحمن الرحيم

‌بَابُ الرِّبَا والصَّرْفِ

ــ

بابُ الرِّبا والصرْفِ

ص: 5

وَهُوَ نَوْعَانِ؛ رِبَا الْفَضْلِ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 6

فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ، فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِن كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَإنْ كَان يَسِيرًا كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَينِ وَحَبَّةٍ بِحَبتين. وَعَنْهُ، لَا يَحْرُمُ إلا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ مَطْعُومٍ.

ــ

قوله: فأمَّا رِبا الفَضْلِ، فيَحْرُمُ في الجِنْسِ الواحدِ مِن كلِّ مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ.

ص: 8

وَعَنْهُ، لَا يَحْرُمُ إلا فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا.

ــ

هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، بلا رَيبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال: هذا المذهبُ. قال

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّارِحُ: هذا أشْهَرُ الرِّواياتِ. وذكَرَه الخِرَقِيُّ، وابنُ أبي مُوسى، وأكثرُ الأصحابِ. قال القاضي: اخْتارَها الخِرَقِيُّ، وشيوخُ أصحابِنا. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي الأشْهَرُ عنه، ومُخْتارُ عامَّةِ أصحابِه. قال في «الفائقِ»: اخْتارَه الأكْثَرون.

ص: 10

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعليها، عِلَّةُ الرِّبا في الذهَبِ والفِضَّةِ، كوْنُهما مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وعِلَّةُ الأرْبَعَةِ

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الباقيةِ -المنْصُوصِ عليها في الحَديثِ- كوْنُهُنَّ مَكِيلاتِ جِنْسٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال بعضُ الأصحابِ: الكَيلُ بمُجَرَّدِه عِلَّةٌ، والجِنْسُ شرْطٌ. وقال: أو اتَّصافُه بكَوْنِه مَكِيلَ جِنْسٍ هو العِلَّةُ، وفِعْلُ الكيَّالِ

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شرْطٌ، أو نقولُ: الكَيلُ أمارَةٌ. فالحُكْمُ على المذهبِ، إيجَابُ المُماثَلَةِ، مع أنَّ

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصْلَ إباحَةُ بَيعِ الأمْوالِ الرِّبَويَّةِ بعضِها ببعضٍ مُطْلَقًا، والتَّحْريمُ لعارِضٍ. وعلى المذهبِ، يجوزُ إسْلامُ النَّقْدَين في المَوْزُونِ، وبه أُبْطِلَتِ العِلَّةُ، لأنَّ كلَّ شَيئَين شَمِلَهما (1) إحْدَى عِلَّتَي ربا الفَضْلِ، يحْرُمُ النَّساءُ فيهما. وفي طَريقةِ بعضِ

(1) في الأصل، ط:«شملها» .

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ، يحْرُمُ اسمُهما فيه، ولا يصِحُّ، وإنْ صحَّ فللحاجةِ.

تنبيه: فعلى هذه الرِّوايَةِ، يَجْرِى الرِّبا في كلِّ مَكِيلٍ أو مَوْزونٍ بجِنْسِه، مطْعومًا كان أو غيرَ مطْعومٍ؛ كالحُبُوبِ، والأُشْنانِ، والنُّورَةِ، والقُطْنِ، والصُّوفِ، والحِنَّاءِ، والكَتَّانِ، والحَديدِ، والنُّحاسِ، والرَّصاصِ، ونحو ذلك، ولا يَجْرِي في مَطْعومٍ لا يُكالُ ولا يُوزنُ، كالمَعْدوداتِ ونحوها. وعنه، لا يحْرُمُ إلَّا في

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجِنْسِ الواحدِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وكُلِّ مَطْعومٍ. مُرادُه، مَطْعومٌ للآدَمِيِّ. وهو واضحٌ. قال أبو بَكْرٍ: روَى ذلك عن أحمدَ جماعةٌ. فتكونُ العِلَّةُ في الأثْمانِ الثَّمَنِيَّةَ، وفيما عَداها، كوْنَه مَطْعومَ جِنْسٍ،، فيخْتَصُّ بالمَطْعُوماتِ، ويَخرُجُ ما عدَاها. وعنه، لا يحْرُمُ إلَّا في ذلك إذا كان مَكِيلًا أو مَوْزونًا. اختارَها المُصَنِّفُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقوَّاها الشَّارِحُ، وجزَم به في «العُمْدَةِ» . فتَكونُ العِلَّةُ في الأثْمانِ الثَّمَنِيَّةَ، وفي الأربعةِ الباقِيَةِ، كوْنَهُنَّ مَطْعومَ جِنْسٍ، إذا كان مَكِيلًا أو مَوْزونًا، فلا يَجْرِي الرِّبا في مَطْعومٍ لا يُكالُ ولا يُوزَنُ؛ كالتُّفَّاحِ، والرُّمَّانِ، والبِطِّيخِ، والجَوْزِ، والبَيضِ، ونحوه، ولا فيما ليس بمَطْعومٍ؛ كالزَّعْفَرانِ،

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأُشْنانِ، والحديدِ، ونحوه. وأطْلَقَهُنَّ في «المُذْهَبِ» .

فوائد؛ الأولَى، قوْلُنا في الرِّوايتَين الأخِيرتَين: العِلَّةُ في الأثْمانِ الثَّمَنِيَّةُ هي عِلَّةٌ قاصِرَةٌ. قال في «الفُروعِ» : لا يصِحُّ التَّعْليلُ بها (1) في اخْتِيارِ أكثرِ، ونُقِضَتْ طَرْدًا بالفُلوسِ؛ لأنَّها أثْمانٌ، وعَكْسًا بالحَلْي. وأُجيبُ؛ لعدَمِ النَّقْدِيَّةِ الغالِبَةِ. قال في «الانْتِصارِ»: ثم يِجبُ أنْ يقولُوا -إذا نفَقَتْ حتى لا يُتعامَلَ إلَّا بها: إنَّ فيها الرِّبا؛ لكَوْنِها ثمَنًا غالِبًا. قال في «التَّمْهيدِ» : مِن فوائدِها؛ رُبَّما حدَث جِنْسٌ آخَرُ يُجْعَلُ ثمَنًا، فتكونُ تلك عِلَّةً. الثَّانيةُ، رجَّح ابنُ عَقِيلٍ -أخِيرًا في «عُمَدِ الأدِلَّةِ» - أنَّ الأعْيانَ السِّتَّةَ المنْصوصَ عليها لا تُعْرَفُ عِلَّتُها؛ لخَفائِها. فاقْتصرَ عليها ولم يَتَعَدَّها؛ لتَعارُضِ الأدِلَّةِ عندَه في «المُغْنِي» . وهو

(1) سقط من الأصل، ط.

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مذهبُ طاوُسٍ، وقَتادَةَ، وداودَ، وجماعةٍ. الثَّالثةُ، القاعِدَةُ -على غيرِ قوْلِ ابنِ عَقِيلٍ- أنَّ كلَّ شيءٍ اجْتمَعَ فيه الكَيلُ والوَزْنُ والطَّعْمُ مِن جِنْسٍ واحدٍ، فيه الرِّبا رِوايَةً واحدةً، كالأُرْزِ، والدُّخْنِ، والذرةِ، والقُطْنِيَّاتِ، والدُّهْنِ واللَّبَنِ، ونحو ذلك. وما عُدِمَ فيه الكَيلُ، والوَزْنُ، والطَّعْمُ، أو اخْتلَفَ جِنْسُه، فلا رِبًا فيه، رِوايَةً واحدةً، كالتِّينِ، والنَّوَى، والقَتِّ، والطِّينِ، إلَّا الأرْمَنِيَّ؛ فإنَّه يُؤكَلُ دَواءً، فيكونُ مَوْزونًا مأكُولًا، فهو مِنَ القِسْمِ الأوَّلِ. وما وُجِدَ فيه الطَّعْمُ وحدَه، أو الكَيلُ والوَزْنُ مِن جِنْسٍ واحدٍ، ففيه الخِلافُ. قال الشَّارِحُ: والأوْلَى -إنْ شاءَ الله- حِلُّه. الرَّابعةُ، لا رِبًا في الماءِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، لإِباحَتِه أصْلًا، وعَدَمِ تموُّلِه عادةً، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به، منهم القاضي، والمُصَنِّفُ، وابنُ الجَوْزِيِّ، والسَّامَرِّيُّ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم.

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصحَّحَه في «الفُروعِ» . فعليها، قال المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ، والزَّرْكَشِيُّ: لأنَّه ليس بمَكِيلٍ، فلا يجْرِي فيه الرِّبا. وظاهِرُ كلامِه في «الفُروعِ» وغيرِه، أنَّه مَكِيلٌ، فيكونُ مُسْتَثْنًى مِن عُمومِ كلامِهم، ويُعايَى بها. وقيل: يَجْرِي فيه الرِّبا، إنْ قيلَ: إنَّه مَكِيلٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: والقِياسُ، جَرَيانُ الرِّبا فيه، على رِوايَةِ أنَّ عِلَّةَ الرِّبا الطَّعْمُ. قال: وهو ظاهِرُ ما في «خِلافِ أبي الخطَّابِ الصَّغِيرِ» . وتعْليلُهم بأنَّ الأصْلَ الإِباحَةُ، ينْتَقِضُ بلَحْمِ الطَّيرِ، وبالطِّينِ الأرْمَنِيِّ، ونحوهما، وبأنَّه ممَّا لا يُتمَوَّلُ، مَرْدودٌ بأنَّ العِلَّةَ عندَنا ليستِ المالِيَّةَ. الخامسةُ، الذَّهَبُ والفِضَّةُ داخِلان، على الرِّواياتِ كلِّها، فيَحْرُمُ التَّفاضُلُ فيهما مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، إلَّا أنَّ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ جوَّز بَيعَ المَصُوغِ المُباحِ بقِيمَتِه حالًا. قلتُ: وعمَلُ النَّاسِ عليه. وكذا جوَّزَه نَساءً، ما لم يقْصِدْ كوْنَها ثمنًا. قال: وإنَّما خرَج عنِ القُوتِ بالصَّنْعَةِ، كنِشًا، فليس برِبَويٍّ، وإلَّا فجِنْسٌ بنَفْسِه، فيُباحُ خُبْزٌ بهَرِيسَةٍ. وجوَّز الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا، بَيعَ مَوْزونٍ رِبَويِّ بالتَّحَرِّي للحاجَةِ. السَّادسةُ، فعلى المذهبِ في أصْلِ المسْألةِ، هل يجوزُ التَّفاضُلُ فيما لا يُوزَنُ لصِناعَتِه أم لا؟ فيه رِوايَتان، وذلك كالمَعْمُولِ مِنَ الذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والصُّفْرِ، والحديدِ، والرَّصاصِ، ونحوه، وكالمَعْمُولِ مِنَ المَوْزُوناتِ، كالخَواتمِ والأسْطالِ، والإِبرِ، والسَّكاكِينِ، والثِّيابِ، والأكْسِيَةِ، ونحو

ص: 19

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، فيما لا يُقْصَدُ وَزْنُه؛ إحْداهما، يجوزُ التَّفاضُلُ. وهو المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وهو الصَّوابُ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والثَّانيةُ، لا يجوزُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصُولِ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين». قال الزَّرْكَشِيُّ: المَنْعُ اخْتِيارُ جماعةٍ، مِنهم ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. وعنه، يجوزُ بَيعُ ثَوْبٍ بثَوْبَين، وكِساءٍ بكِساءَين يدًا بيَدٍ. وأصْلُ ذلَك الوَزْنُ، ولم يُراعَ أصْلُه. وقال القاضي في «الجامِعِ الصغِيرِ» ، و «التَّعْليقِ»: إنْ قُصِدَ وَزْنُه، كالأسْطالِ، والإِبرَيسَمِ، ونحوهما، لم يَجُزِ التَّفاضُلُ، وإنْ لم يُقْصَدْ وَزْنُه، كالصُّوفِ، والقُطْنِ، ونحوهما، جازَ التَّفاضُلُ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو قولُ جماعةٍ، وهو أوْجَهُ. وقاله في «الكافِي» ، في المَوْزونِ، وقطَع به في المَنْسوجِ مِنَ القُطْنِ،

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والكَتَّانِ، أنَّه لا رِبًا فيه. قال في «الفُروعِ»: وعلى هذه المَسْألةِ يُخرَّجُ بَيعُ فَلْسٍ بفَلْسَين. وفيه رِوايَتان مَنْصُوصَتان. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ؛ إحْداهما، لا يجوزُ التَّفاضُلُ. نصَّ عليه في رِوايَةِ جماعةٍ. قدَّمه في «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يجوزُ التَّفاضُلُ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، لو كانتْ نافِقَةً، هل يجوزُ التَّفاضُلُ فيها؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يجوزُ. جزَم به أبو الخَطَّابِ في

ص: 21

وَلَا يُبَاعُ مَا أصْلُهُ الكَيلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيلًا.

ــ

«خِلافِه الصغِيرِ» ، وقدَّمه في «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: قال القاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، وابنُ عَقِيل، والشيرازِيُّ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم: سواء كانت نافِقَةً أو كاسِدَةً، بِيعَتْ بأعْيانِها، أو بغيرِ أعْيانِها. وجزَم أبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ» بأنَّها -مع نَفاقِها- لا تُباعُ بمِثْلِها إلَّا مُتَماثِلَةً، مُعَلّلًا بأنَّها أثْمانٌ. ثم حكَى الخِلافَ في مَعْمولِ الحديدِ، قال: وتلَخَّصَ من ذلك في الفُلُوسِ النَّافِقَةِ، هل تَجْرِى مجْرَى الأثْمانِ؟ فيَجْرِى الرِّبا فيها -إنْ قُلْنا: العِلَّةُ في النَّقْدَين الثَّمَنِيَّةُ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ ما حكَاه أبو الخَطَّابِ في «جامِعِه الصَّغِيرِ» - أو لا يجري مجْراها، نظرًا إلى أنَّ العِلَّةَ ما هو ثمَنٌ غالِبًا، وذلك يخْتَصُّ الذَّهَبَ والفِضَّةَ، وهو قوْلُ أبي الخَطَّابِ في «خِلافِه الكَبِيرِ» ؟ على قَوْلِين. وعلى الثَّاني، لا يَجْرِي الرِّبا فيها، إلَّا إذا اعْتبَرْنا أصْلَها، وقُلْنا: العِلَّةُ في النَّقْدَين الوَزْنُ، كالكاسِدَةِ. انتهى كلامُ الزَّرْكَشِيِّ.

قوله: ولا يُباعُ ما أصْلُه الكَيلُ بشيءٍ مِن جِنْسِه وَزْنًا، ولا ما أصْلُه الوَزْنُ -أي بشيءٍ مِن جِنْسِه- كَيلًا. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفائقِ»: وقال شيخُنا -يعْنِي به الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ: إنَّ بَيعَ المَكِيلِ بجِنْسِه

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَزْنًا، شاعَ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِن جَوازِ بَيعِ حبٍّ بدَقيقِه وسَويقِه،

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جَوازُ بَيعِ مَكيلٍ وَزْنًا، ومَوُزونٍ كَيلًا. اخْتارَه شيخُنا.

ص: 24

فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، جَازَ بَيعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيلًا، وَوَزْنًا، وَجُزَافًا.

ــ

قوله: فإنِ اخْتَلَفَ الجِنْسُ، جازَ بَيعُ بعضِه ببعض كَيلًا، ووَزْنًا، وجُزافًا. شَمِلَ مَسْألتَين؛ إحْداهما، باعَ مَكِيلًا بمَوْزونٍ، أو مَوْزونًا بمَكيلٍ. فهذا يجوزُ بَيعُ بعْضِه ببَعْض كيلًا، ووَزْنًا، وجُزافًا، إذا اخْتلَفَ الجنْسُ، قوْلًا واحِدًا، ونصَّ عليه. لكِنَّ أحمدَ كَرِهَ المُجازَفَةَ في رِوايَةِ ابنِ الحَكَم. الثَّانيةُ، باعَ مَكِيلًا بمَكيلٍ، أو مَوْزونًا بموزونٍ، واخْتَلَفَ الجِنْسُ. فعُمومُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه يجوزُ. وهو قوْلُ أكثرِ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «المُنَورِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ،

ص: 25

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمَجْدُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرعايةِ الكُبْرى» ، وغيرِهم. وعنه، لا يجوزُ ذلك جُزافًا. اخْتارَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم أبو

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَكْرٍ، وابنُ أبي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، و «الخِلافِ» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وقيل: يَحْرُمُ. وهو أظهَرُ، وأوْمَأ إليه أحمدُ. وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. قال ابنُ أبي مُوسى: لا خَيرَ فيما يُكالُ بما يُكالُ جُزافًا، ولا فيما يُوزَنُ بما يُوزَنُ جُزافًا، اتَّفَقَتِ الأجْناسُ أو اخْتلَفَتْ. وقاله القاضي، وهو المَنْصُوصُ عنِ الإِمامِ أحمدَ في رِوايَةِ الحسَنِ بنِ ثوابٍ وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: ونصُّه، لا يجوزُ. قلتُ: هذا المذهبُ؛ لأنَّه المنْصُوصُ عن أحمدَ. والأوَّلُ اخْتارَه كثيرٌ مِنَ الأصحابِ، لكِنْ لم يُنْقَلْ عن صاحبِ المذهبِ. وأطلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَين» .

ص: 27

وَالْجنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا؛ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، والْمِلْحِ.

ــ

قوله: والجِنْسُ، ما له اسْم خاصّ يَشْمَلُ أنْواعًا، كالذَّهَبِ، والفِضَةِ، والبُرِّ، والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ، والمِلْحِ. نصَّ عليه. قال في «الطَّرِيقِ الأقْرَبِ»: والأبازِيرُ جِنْسٌ.

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: صرَّح المُصَنِّفُ أن البُرَّ والشعِيرَ جِنْسان. وهو المذهبُ، وعليه

ص: 29

وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجنَاسٌ، كَالْأَدِقَّةِ، وَالْأَخْبَازِ، وَالْأَدْهَانِ.

ــ

الأصحابُ. وعنه، هما جِنْسٌ واحدٌ.

قوله: وفُرُوعُ الأجناسِ أجناسٌ؛ كالأدِقَّةِ، والأخْبازِ، والأدْهانِ. وكذا الخُلُولُ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، أنَّ خَلَّ التَّمْرِ والعِنَبِ جِنْسٌ واحدٌ. ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقال في «التَّلْخيصِ»: وفي الخُلُولِ وَجْهان. قال الزَّرْكَشِيُّ: وفي «التَّلْخيصِ» ، الخُلُولُ كلُّها جِنْسٌ، ولا مُعَوَّلَ عليه. انتهى. قلتُ: يحْتَمِلُ أنْ يكونَ الوَجْهُ الثَّاني، الذي في

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّلْخيصِ» ، مُوافِقًا للرِّوايَةِ. وخرَّج في «النِّهايَةِ» مِن هذه الرِّوايَةِ، أنَّ الأدْهانَ المائعَةَ جِنْسٌ واحدٌ، وأنَّ الفاكِهَةَ؛ كتُفَّاحٍ وسَفَرْجَلٍ، جِنْسٌ.

فائدة: لا يصِحُّ بَيعُ خَلِّ العِنَبِ بخَلِّ الزَّبِيبِ مُطْلَقًا. نصَّ عليه. وقال القاضي وغيرُه: لانْفِرادِ أحَدِهما بالماءِ. قلتُ: فيُعايَى بها. واقْتَصرَ عليه الزَّرْكَشيُّ.

ص: 31

وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ. وَعَنْهُ، جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ. وَعَنْهُ، فِي اللَّحْمِ، أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ؛ لَحْمُ الْأَنْعَامِ، وَلَحْمُ الْوَحْشِ، وَلَحْمُ الطَّيرِ، وَلَحْمُ دَوَابِّ الْمَاءِ.

ــ

قوله: واللَّحْمُ أجْناسٌ باخْتِلافِ أصُولِه. وهو المذهبُ، وعليه الأكْثرُ؛ منهم أبو بَكْرٍ، والقاضي في «تَعْليقِه» ، وأبو الحُسَينِ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه» ،

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. قال في «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» : اللَّحْمُ أجْناسٌ باعْتِبارِ أُصولِه، على الأظْهَرِ. وعنه، جنْسٌ واحِدٌ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ. وأنْكَر القاضي كوْنَ هذه الرِّوايَةِ عن أَحمدَ. وقدَّمه

ص: 33

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ» .

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وكذلك اللَّبَنُ. يعْنِي، أنَّ فيه رِوايتَين، هل هو أجْناسٌ باخْتِلافِ أُصولِه -وهو المذهبُ، كاللَّحْمِ -أو جِنْسٌ واحدٌ كاللَّحْمِ؟ سواءٌ، خِلافًا ومذهبًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لَبَنُ البَقَرِ الأهْلِيَّةِ، والوَحْشِيَّةِ، جنْسٌ واحدٌ، على الرواياتِ كلِّها؛ لأنَّ اسْمَ البَقَرِ يشْمَلُها. ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وعنه، في اللَّبَنِ، أنَّه أربَعةُ أجْناسٍ أيضًا، كاللَّحْمِ. ذكَرَها في «المُذْهَبِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، في اللَّحْمِ، أنَّه أربعةُ أجْناسٍ، لَحْمُ الأنْعامِ، ولَحْمُ الوَحْشِ، ولَحْمُ الطَّيرِ، ولَحْمُ دَوابِّ الماءِ. اخْتارَها القاضي في «رِوايتَيه» ، وحمَل كلامَ الخِرَقِيِّ عليه. وضعَّف المُصَنِّفُ اخْتِيارَ القاضي. وأطْلَقهُنَّ في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ». وقال ابنُ أبي مُوسى: لا خِلافَ عن أحمدَ، أنَّ لَحْمَ الطيرِ والسَّمَكِ جِنْسان. انتهى. وعنه، في اللَّحْمِ، أنَّه ثلاثةُ أجْناس، لَحْمُ الأنْعامِ، ولَحْمُ الطَّيرِ، ولَحْمُ دَواب الماءِ. قلتُ: وهو ضعِيفٌ، فإنَّ لَحْمَ

ص: 35

وَاللَّحْمُ والشَّحْمُ وَالْكَبِدُ أَجْنَاسٌ.

ــ

الوَحْشِ على هذه الرِّوايَةِ لم يُذْكَرْ له حُكْمٌ.

فائدتان؛ إحْداهما، لَحْمُ الغَنَمِ جِنْسٌ واحدٌ. على الصَّحيِحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقيل: جِنْسان؛ ضَأن ومَعْزٌ؛ لتَفْريقِه سبحانه وتعالى بينَهما. وهو احْتِمالٌ ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. الثانيةُ، الشُّحومُ، والأكبِدَةُ، والأطْحِلَةُ، والرِّئاتُ، والجُلودُ، والأصْوافُ، والعِظامُ، والرُّءوسُ، والأكارِعُ، ونحوُ ذلك ممَّا اشْتمَلَ عليه اللَّحْمُ، يَجْرِي فيهنَّ منَ الخِلافِ ما يجْرِي في اللَّحْمِ؛ هل ذلك جِنْسٌ أو أجْناسٌ، أو أرْبعَةٌ أو ثلاثةٌ؟ قاله الزَّرْكَشِيُّ، والسَّامَرِّيُّ، وغيرُهما.

قوله: واللَّحْمُ، والشَّحْمُ، والكَبِدُ أجْنَاسٌ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما:

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقال القاضي، وصاحِبُ «عُيُونِ المَسائلِ»: لا يجوزُ بَيعُ اللَّحْمِ بالشَّحْمِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا أعلَمُ له وَجْهًا. قال في «عُيُونِ المَسائلِ» : لا يَنْفَكُّ عنه؛ ولهذا لو حلَف لا يأكلُ لَحْمًا، فأكلَ شَحْمًا، حَنِثَ. قال في «الفروعِ»: كذا قال. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فإنْ منَع القاضي منه -لكَوْنِ اللحْمِ لا يخْلُو عن شَحْم- لم يصِحَّ؛ لأنَّ الشَّحْمَ لا يظْهَرُ، وإنْ كان فيه شيءٌ، فهو غيرُ مَقْصودٍ، فلا يمنَعُ البَيعَ، ولو منَع لذلك، لم يَجُزْ بَيعُ لَحْمٍ بلَحْمٍ؛ لاشْتِمالِ كلِّ واحدٍ منهما على ما ليس مِن جِنْسِه، ثم لا يصِحُّ هذا عندَ القاضي؛ لأنَّ السَّمِينَ الذي يكونُ مع اللَّحْمِ عندَه لَحْم، فلا يَتصَوَّرُون اشْتِمال اللَّحْمِ على الشَّحْمِ. انتهيا.

فوائد؛ منها، القُلوبُ، والرُّءوسُ، والأطْحِلَةُ، والرئاتُ، والجُلودُ، والأصْوافُ، والعِظامُ، والأكارِعُ، كاللّحْمِ، والشَّحْمِ، والكَبِدِ. يعْنِي، كلُّ واحدٍ مِن ذلكِ جِنْسٌ غيرُ اللَّحْمِ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقيل: الرُّءوسُ مِن جِنْسِ اللَّحْمِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقيل: لا. ومنها، الأليَةُ، والشَّحْمُ جِنْسان. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. قال الزرْكَشيُّ: هو المَشْهورُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: هما جِنْسٌ واحدٌ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «النَّظْمِ» .

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . واخْتارَه المُصَنِّفُ، وقال: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ كلَّ ما هو أبْيَضُ في الحَيوانِ يذُوبُ بالإِذابَةِ ويَصِيرُ دُهْنًا، فهو جِنْسٌ واحدٌ. قال: وهو الصَّحيحُ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ومنها، اللَّحْمُ الأبيَضُ؛ كسَمِينِ الظَّهْرِ والجَنْبَين، ونحوه، هو واللَّحْمُ الأحْمَرُ الخالِص، جِنْسٌ واحدٌ. قاله القاضي، وابنُ البَنَّا، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: جِنْسٌ واحدٌ على الأشهَرِ. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال المُصَنِّفُ: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِي، أنَّهما جِنْسان. ومنها، حكَى ابنُ البَنَّا، وابنُ الجَوْزِي، في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، في جَوازِ بَيعِ اللَّبَأَ باللَّبَنِ وَجْهَين. وخصَّهما القاضي بما إذا مَسَّتِ النَّارُ أحدَهما، ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وعندَهما، مع صاحِبِ «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّهما جِنْسٌ واحدٌ، يجوزُ بَيعُ أحَدِهما بالآخَرِ مُماثِلًا، ولا يجوزُ مُتَفاضِلًا، ولا يجوزُ إنْ مسَّتِ النَّارُ أحدَهما. وجزَم به في «النَّظْمِ» . وحمَل صاحِبُ «المُسْتُوْعِبِ» وَجْهَ مَنْعِ ابنِ البَنَّا على ما إذا مسَّتِ النَّارُ أحدَهما.

ص: 38

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» بعدَمِ الجَوازِ. ومنها، لا يجوزُ بَيعُ الزّبْدِ بالسَّمْنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين». وجزَم به في «الكافِي». وقيل: يجوزُ. اخْتارَه القاضي، ورَدَّه المُصَنِّفُ. قال في «المُحَرَّرِ»: وعندِي، أنَّه جائز. واقْتَصَرَ عليه، وصحَّحَه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقال: ذكَرَهما ابنُ عَقِيلٍ. وذكَرَهما ابنُ عَقِيلٍ رِوايتَين. قاله في «الفُروعِ» . ومنها، يجوزُ بَيعُ الزُّبْدِ، أو السَّمْنِ بالمَخِيضِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: يجُوزان به في ظاهِرِ المذهبِ، مُتَماثِلًا ومُتَفاضِلًا (1). وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال: نصَّ عليه في الزُّبْدِ. وجزَم به في «النَّظْمِ» ، في بَيعِ السَّمْنِ بالمَخِيضِ. وقيل: لا يجوزُ. ومنها، لا يجوزُ بَيعُ اللَّبَنِ بالزُّبْدِ، ولا بالسَّمْنِ، ولا بشيءٍ مِن فُروعِ اللَّبَنِ، كاللِّبَأ ونحوه، وسواءٌ كان فيه شيءٌ مِن غيرِه أوْ لا. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، يجوزُ بَيعُ

(1) سقط من: الأصل، وفي ط بياض بمقدارها.

ص: 39

وَلَا يَجوزُ بَيعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَفِي بَيعِهِ بِغَيرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ.

ــ

اللَّبَنِ بالزُّبْدِ، إذا كان الزُّبْدُ المُنْفَرِدُ أكْثَرَ مِنَ الزُّبْدِ الذي في اللَّبَنِ. وهذا يقْتَضِي جوازَ بيعِه مُتَفاضِلًا، ومَنْعَ جَوازِه مُتَماثِلًا. قال القاضي: وهذه الرِّوايَةُ لا تَخْرُجُ عنِ المذهبِ. قلتُ: هذه الرِّوايةُ شَبِيهَةٌ بالرِّوايَةِ الثَّانيةِ التي (1) في مُدِّ عَجْوَةٍ، على ما يأْتِي قرِيبًا. وقد صرَّح بذلك في «المُذْهَبِ» . والحُكْمُ في السَّمْنِ كالحُكْمِ في الزُّبْدِ. وقدَّم في «الرِّعايَةِ» ، أنَّه لا يجوزُ بَيعُه بسَمْن، وإنْ جوَّزْناه بزُبْدٍ. ومنها، لا يجوزُ بَيعُ اللَّبَنِ بالمَخِيضِ. نصَّ عليه، ويتَخَرَّجُ الجَوازُ مِنَ التي قبلَها. قلتُ: صرَّح في «المُذْهَبِ» بها مثْلَها، وحكَى الخِلاف في الكُلِّ. ومنها، قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: لا يجوزُ بَيعُ اللَّبَنِ، سواءٌ كان رائبًا أو حَلِيبًا، بلبَن جامِدٍ، أو مَصْلٍ، أو جُبْنٍ، أو أَقِطٍ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، وجزَم به في «النَّظْمِ» ، في غيرِ المَصْلِ.

قوله: ولا يَجُوزُ بَيعُ لَحْم بحَيَوانٍ مِن جِنْسِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا يخْتَلِفُ المذهبُ في ذلك. وقال الشَّيخُ

(1) في الأصل، ط:«الذي» .

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ إذا كان الحَيوانُ لمَقْصُودِ اللَّحْمِ، وإلَّا فلا.

قوله: وفي بَيعِه بغيرِ جِنْسِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ،

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، أحدُهما، لا يجوزُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِيِّ، وأبي بَكْرٍ، وابنِ أبي مُوسى، والقاضي في «تَعْليقِه» ، و «جامِعِه الصَّغِيرِ» ، وأبي الخطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. انتهى. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاويَين» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تذكِرَتِه» . والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وصحَّحه المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وشيخُنا في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ». وهو المذهبُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: وبعضُ الأصحابِ (1) المُتَأخِّرِين بنَى القَوْلَين على الخِلافِ في اللَّحْمِ، هل هو جِنْسٌ وأجْناسٌ؛ وصرَّح أبو الخَطَّابِ أنَّهما على القَوْلِ بأنَّه أجْناسٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو الصَّوابُ. انتهى. قلتُ: قال في «الكافِي» : وإنْ باعَ اللَّحْمَ بحَيوانٍ مأْكُولٍ غيرِ أصْلِه -وقُلْنا: هما أصْلٌ واحدٌ- لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ. وقال في «المُغْنِي» (2): احْتَجَّ مَن منَعَه، بعُموم الأخْبارِ، وبأنَّ اللَّحْمَ كلَّه جِنْس واحدٌ. ومَن أجازَه قال: مَالُ الرِّبا بِيعَ بغيرِ أَصْلِه ولا جنْسِه، فجازَ،؛ لو باعَه بالأثْمانِ. وقال في «إدْراكِ الغايَةِ»: وعنه، اللَّحْمُ أَجْناسٌ باخْتِلافِ أُصولِه،

(1) زيادة من: ش.

(2)

انظر: المغني 6/ 91.

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلا يصِحُّ بَيعُه بحَيوانٍ مِن جِنْسِه، وفي غيرِه وَجْه. فبَنَى الخِلافَ على القَوْلِ بأنَّ اللَّحْمَ أجْناسٌ. وقال الشَّارِحُ: والظَّاهِرُ أنَّ الاخْتِلافَ مَبْنِيٌّ على الاخْتِلافِ في اللَّحْمِ، فإنْ قُلْنا: إنَّه جِنْسٌ واحدٌ، لم يَجُزْ. وإنْ قُلْنا: أجْناسٌ، جازَ بَيعُه بغيرِ جِنْسِه.

فوائد؛ الأولَى، يجوزُ بَيعُ اللَّحْمِ بحَيوانٍ غيرِ مأُكُولٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفائقِ»: جازَ في أصحِّ الوَجْهَين. قال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ: جازَ في ظاهِرِ قوْلِ أصحابِنا. وكأَنَّهما لم يطَّلِعَا على نَقْل فيه خاصٍّ. قال أبو الخَطَّابِ: ولا رِوايَةَ فيه، فيَحْتَمِلُ وَجْهَين. وصرَّح بالجَوازِ، القاضي في «التَّعْليقِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ» ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ. وصحَّحه ابنُ عَقِيل في «الفُصُولِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِ الشَّريفِ أبي جَعْفَرٍ، والقاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ». وقيل: هو كالمأْكُولِ. جزَم به ابنُ عَقِيل في «التَّذْكِرَةِ» . وأطْلَقَ وَجْهَين في «المُسْتَوْعِبِ» . الثَّانيةُ، يجوزُ بَيعُ اللَّحْمِ بمِثْلِه بشَرْطِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ذهَب جُمْهورُ الأصحابِ إلى الجَوازِ. واخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهما. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يجوزُ إذا كان رَطْبًا. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وأبو حَفْص العُكْبَرِيُّ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» . ويأتِي قريبًا بَيعُ رَطْبَةٍ برطْبَةٍ، وهو شامِلٌ لهذه المَسْأَلةِ. فعلى المذهبِ، يُشْتَرَطُ نَزْعُ عَظْمِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال

ص: 43

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَلَا سَويقِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَينِ.

ــ

الزَّرْكَشِيُّ: اشْترَطَ القاضي والأكْثَرُون في بَيعِ اللَّحْمِ بمِثْلِه نَزْعَ العَظْمِ. قال في «الفُروعِ» : ويُعْتَبرُ نَزْعُ عَظْمِه في الأصحِّ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الإِيضاحِ». وقيل: لا يُشْترَطُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الحاوي الكَبِيرِ» ، وغيرُهم: وكلامُ أحمدَ يَقْتَضِي الإِباحَةَ مِن غيرِ نزْعِ عِظامِه. ومالُوا إلى ذلك. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . الثَّالثةُ، يُشْترَطُ لصِحَّةِ بَيعِ العَسَلِ بالعَسَلِ (1)، تَصْفِيَتُه مِنَ الشَّمْعِ، فإنْ لم يُصَفَّ، فحُكْمُه حُكْمُ مُدِّ عَجْوَةٍ، على ما يأْتِي في كلامَ المُصَنِّفِ.

قوله: ولا يَجُوزُ بَيعُ حَبٍّ بدَقِيقِه، ولا سَويقِه، في أصَحِّ الرِّوايَتَين. وهي

(1) زيادة من: ش.

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، وعليه الأصحابُ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ، فيُبَاحُ وَزْنًا. اخْتارَها في «الفائقِ» . وعلَّل الإِمامُ أحمدُ المَنْعَ، بأنَّ الأصْلَ الكَيلُ.

فوائد؛ إحْداها، يحْرُمُ بَيعُ دَقِيقِه بسَويقِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفروعِ» ، وغيرِهم. قال في «الرعايتَين»: يجوزُ، على الأضْعَفِ. وعنه، لا يَحْرُمُ وَزْنًا. قال في «الحاويَين»: يجوزُ بَيعُ دَقِيقِه بسَويقِه، في أصحِّ الوَجْهَين. الثَّانيةُ، لا يجوزُ بَيعُ خُبْزٍ بحَمه، ولا بدَقِيقِه. نصَّ عليه مِرارًا. وجزَم به في «الرِّعايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، وغيرِهما. نقَل ابنُ القاسِمِ وغيرُه المَنْعَ؛ لأن فيه ماءً. وعلَّلَه

ص: 45

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَلَا: أَصْلِهِ بِعَصِيرِهِ، وَلا خَالِصِهِ بِمَشُوبِهِ، وَلَا رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ.

ــ

ابنُ شِهُابٍ، بأنَّهما إذا صارا خُبْزًا، كان أكثرَ مِن هذا. وفي «الفُروعِ» هنا كلامٌ مُحْتَملٌ، فلم نذْكُرْه. الثَّالثةُ، لا يجوزُ بَيعُ حب جيِّدٍ بمُسَوِّسٍ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». ويصِحُّ بَيعُ حَبٍّ جَيِّدٍ بحَبٍّ خَفيفٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ: وبَيعُ عَفِنِه بسَليمِه، يُحْتَمَلُ كذلك.

قوله: ولا أصْلِه بعَصِيرِه. يعْنِي، لا يجوزُ، كزَيتُونٍ بزَيتٍ، ونحوه. وهذا

ص: 46

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونقَل مُهَنَّا، في الزَّيتونِ، يُكْرَهُ. وهو قوْلٌ في «الرِّعايَةِ» .

ص: 47

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ولا خالِصِه بمَشُوبِه. وكذا لا يجوزُ مَشُوبُه بمَشُوبِه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ويجوزُ بَيعُ ذلك، والذي قبلَه، على الروايَةِ التي في مُدِّ عَجْوَةٍ.

ص: 48

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فظاهِرُ ما قطَع به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ،

ص: 49

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، جَوازُ بَيع خالِصِه بمَشُوبِه. وفيه نظَرٌ ظاهِرٌ، ورُبَّما كان سَهْوًا.

ص: 50

وَيَجُوزُ بَيعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ، وَمَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّشَافِ، وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ، وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ.

ــ

قوله: ويَجُوز بَيعُ دَقِيقِه بدَقِيقِه، إذا اسْتَوَيا في النُّعُومَةِ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّم في «التبصِرَةِ» عدَمَ الجَوازِ. فعلى المذهب، يُباعُ بالكَيلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَين» ،

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقيل: بالوَزْنِ. اخْتارَه القاضي، ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين»: وقيل: أو وَزْنًا.

قوله: ومَطْبُوخِه بمَطْبُوخِه. يعني، يجوزُ؛ كاللِّبَأَ بمِثْلِه، والأقِطِ بمِثْلِه، والسَّمْنِ بمِثْلِه، وما أشْبَهَه. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: لا يصِحُّ. وقيل: إنِ اسْتَوَيا في عمَلِ النَّارِ، صحَّ، وإلَّا فمُدُّ عَجْوَةٍ. قوله: وخُبْزِه بخُبْزِه. هذا المذهبُ في الجُمْلةِ، وعليه الأصحابُ، وأكثرُهم قطَع به. وقال في «المُبْهِجِ»: لا يجوزُ فَطِيرٌ بخَمِيرٍ.

قوله: إذا اسْتَوَيا في النَّشافِ. أو الرُّطُوبَةِ. وهذا المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ،، «الحاويَين» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقال في

ص: 55

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» : وخُبْزُه بخُبْزِه. وقيل: إنِ اسْتَوَيا جَفافًا. وقال في «الفُروعِ» : وخُبْزُه بخُبْزِه. وأطْلَقَ، ولم يحْكِ خِلافًا. وكذا قال في «الهِدايَةِ». قال في «المُذْهبِ»: يجوزُ بَيعُ الخُبْزِ بالخُبْزِ، وإنْ تَفاوَتا في الرُّطُوبَةِ واليُبُوسَةِ. ولعَلَّ

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا المذهبُ.

قوله: وعَصِيرِه بعَصِيرِه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وصحَّحه في «الفُروعِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وقال: نصَّ عليه. وقيل: لا يجوزُ.

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ورَطْبِه برَطْبِه. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وقال: نصَّ عليه. وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو قوْلُ جُمْهورِ

ص: 58

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ؛ القاضي، وأبي الخَطَّابِ، والشَّيخَين، وغيرِهم. ومنَع منه ابنُ شِهابٍ، وأبو حَفْص العُكْبَرِيُّ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. وقالا: يَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ في اللَّحْمِ بمِثْلِه. قال في «المُحَرَّرِ» : ولم يُجِزْه الخِرَقِيُّ في اللَّحْمِ رَطْبًا. وقال المُصَنِّفُ: ومَفْهومُ كلامَ الخِرَقِيِّ إباحَتُه هنا؛ لقَوْلِه: ولا يُباعُ شيء مِنَ

ص: 59

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ الْمُحَاقَلَةِ؛ وَهُوَ بَيعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ. وَفِي بَيعِهِ بِغَيرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ.

ــ

الرَّطْبِ بيابِس مِن جِنْسِه. فإنَّ مفْهومَه، جَوازُ بَيع (1) الرَّطْبِ بالرَّطْبِ. وتقدَّم بَيعُ اللَّحْمِ باللَّحْمِ، عندَ بَيعِ اللَّحْمِ بالحَيوانِ.

قوله: ولا يَجُوزُ بَيعُ المُحاقَلَةِ؛ وهو بَيعُ الحَبِّ في سُنْبُلِه بجِنْسِه. فأَطْلَقَ المُصنِّفُ قوْلَه: الحَبُّ في سُنْبُلِه. وأطْلَقَه أيضًا جماعَةٌ؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين» ، و «الشَّرْحِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ بَيعَ المُحاقَلَةِ، بَيعُ الحَحب المُشْتَدِّ في سُنْبُلِه. فلابُدَّ أنْ يكون مُشْتَدًّا. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: ولم يُقَيِّدْه جماعَةٌ.

قوله: وفي بَيعِه بغيرِ جنْسِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يصِحُّ. وهو الصَّحيحُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» . وهو ظاهِرُ ما صحَّحه في «البُلْغَةِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وجزَم به (1) في «المُغْنِي» ، في بابِ الربا، عندَ مسْأَلةِ، والبُرُّ والشَّعِيرُ جِنْسان. الوَجْهُ الثَّاني، لا يصِحُّ.

(1) سقط من الأصل، ط.

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: وفي بَيعِه بغيرِ جِنْسِه. قال في «الفُروعِ» : وفي بَيعِه بمَكِيل غيرِ جِنْسِه. ثم قال: ويصِح بغيرِ مَكِيل. فخَصَّ الخِلافَ بالمَكيلِ. وهو الصَّحيحُ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . ومثَّلَ في «الحاوي الصَّغِيرِ» بالشَّعِيرِ ونحوه، ومثَّلَ في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، وغيرِها بالشَّعيرِ. وخصَّ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم الخِلافَ بالحَبِّ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. فالأوَّلُ أعَم مِنَ الثَّانِي؛ لأنَّ كلَّ حَب مَكِيل، وليس كلُّ مَكِيل بحَب. وتظْهَرُ فائدةُ الخِلافِ في الأُشْنانِ ونحوه، فإنَّه داخِلٌ في القَوْلِ الأوَّلِ، لا الثَّانِي؛ لأنَّه ليس بحَبٍّ.

ص: 62

وَلَا الْمُزَابَنَة؛ وَهِيَ بَيعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، إلا فِي الْعَرَايَا؛ وَهِي بَيعُ الرُّطَب فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ كَيلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ.

ــ

قوله: ولا بَيعُ المُزَابَنَةِ؛ وهي بَيعُ الرُّطَبِ في رُءوسِ النَّخْل بالتَّمْرِ، إلَّا في العَرايا؛ وهو بَيعُ الرُّطَبِ في رُءوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بمثْلِه مِنَ التَّمْرِ كيلًا فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ لمَن به حاجَةٌ إلى أَكْلِ الرُّطَبِ، ولا ثَمَنَ معه. العَرايا التي يجوزُ بَيعُها، هي بَيعُ الرُّطَبِ في رُءوسِ النَّخْلِ، سواء كان مَوْهوبًا، أو غيرَ مَوْهوبٍ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. واخْتارَه القاضي، وجُمْهورُ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ، والمَجْدِ، وصاحِبِ «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» . وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ -وتبِعَه جماعة مِنَ الأصحابِ، منهم صاحِبُ «التَّلْخيصِ» - تَخْصِيصُ العَرايا بالهِبَةِ. وهو ظاهِرُ

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلامِ الإِمامِ أحمدَ. قال في رِوايَةِ سِنْدِيِّ، وابنِ القاسِمِ: العَرِيَّةُ؛ أنْ يهَبَ الرَّجُلُ للجارِ، أو ابنِ العَمِّ، النَّخْلةَ والنَّخْلتَين، ما لا تجِبُ فيه الزَّكاةُ، فلِلمَوْهُوبِ له أنْ يَبِيعَها بخَرْصِها تَمْرًا للرِّفْقِ.

قوله: فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ. يُشْترَطُ في صِحَّةِ ذلك، أنْ يكونَ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجوزُ في

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خَمْسَةِ أوْسُقٍ. وذكَر ابنُ الزَّاغُونِيِّ في «الوَجيزِ» ، أنَّه لا تُشْترَطُ الأوْسُقُ أصْلًا فيما إذا كان المُشْتَرِي هو الواهِبَ، إذا كان يشُقُّ عليه دُخولُ المَوْهوبِ له وخُروجُه في بُسْتانِه، أو يَكْرَهُ المَوْهوبُ له دُخولَ بُسْتانِ غيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وأغْرَبَ

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنُ الزَّاغُونِيِّ في ذلك، ولا نَظيرَ له.

قوله: لمَن به حاجَةٌ إلى أَكْلِ الرُّطَبِ. ولا نِزاعَ في ذلك. ومَفْهومُ كلامِ

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصنِّفِ، أنَّ البائعَ لو احْتاجَ إلى أكْلِ التَّمْرِ، ولا ثَمَنَ معه إلَّا الرطَبَ، أنَّه لا يجوزُ له ذلك. وهو صَحِيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يجوزُ ذلك. وعلَّلُوه؛ فقالوا: جَوازُ ذلك بطَرِيقِ التنبِيهِ؛ لأنَّه إذا جازَ مُخالفَةُ الأصْلِ لحاجَةِ التَّفَكُّهِ، فلِحاجَةِ الاقْتِياتِ أوْلَى. اخْتارَه أبو بَكْر في «التنْبِيهِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الفائقِ»

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنتَخَبِ الأزجِي» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وجعَل ابنُ عَقِيلٍ مِن صُوَرِ الحاجَةِ، إذا كانتْ مَوْهُوبَةً، ويشُقُّ على الواهِبِ دُخولُ الموْهوبِ له وخُروجُه، أو يَكْرَهُ الواهِبُ دُخولَ غيرِه، فيَجوزُ البَيعُ إذنْ.

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: يُكْتَفَى بالحاجَةِ المُتقَدِّمَةِ مِن جِهَةِ البائعِ أو المُشْتَرِي. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهُورُ المُخْتارُ لأبي محمدٍ وغيرِه. وجزَم به أبو بَكْرٍ في «التنبِيهِ» . وحكَى المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، عن أبي بَكْرٍ، والقاضي، اشْتِراطَ الحاجَةِ مِن جانبيِ البائعِ والمُشْتَرِي. وهو المُقَدَّمُ عندَ ابنِ عَقِيلٍ. قال

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِيُّ: وظاهِرُ ما في «التَّلْخيصِ» ، أنَّه يُشْتَرَطُ، مع حاجَةِ المُشْتَرِي المُتقَدِّمَةِ، أنْ يَشُق على المَوْهوبِ له القِيامُ عليها. فعلى المذهبِ -وهو اشْتِراطُ

ص: 71

وَيُعْطِيهِ مِنَ التَّمْرِ مِثْلَ مَا يَؤُولُ إِلَيهِ مَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَفَافِ.

وَعَنْهُ، يُعْطِيهِ مِثْلَ رُطَبِهِ.

ــ

حاجَةِ المُشْتَرِي، وعَدمُ اشْتِراطِ حاجَةِ البائعِ -يجوزُ للبائعِ أنْ يَبِيعَ أكثرَ مِن مِائَةِ وَسَقٍ في عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ، بالشُّروطِ الآتِيَةِ. وعلى القوْلِ باشْتِراطِ الحاجَةِ مِنَ البائعِ أو المُشْتَرِي، لا يجوزُ أنْ يَبِيعَ عَرِيتين مِن رَجُلَين خَمْسةَ أوْسُقٍ فأكثرَ. وهو قوْلُ أبي بَكْر، والقاضي، وابنِ عَقِيلٍ.

قوله: ويُعْطِيه مِنَ التمْرِ مثلَ ما يَؤُولُ إليه ما في النَّخْلِ عندَ الجَفَافِ -وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ- وعنه، يُعْطِيه مِثْلَ رُطَبِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولعَلَّه ظاهِرُ الأحاديثِ. وقيل: إنَّه المَنْصُوصُ. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: يتَلَخَّصُ ممَّا تقدَّم، أنَّه يُشْتَرَطُ لصِحَّةِ بَيعِ العَرايا شُروط، بعضها مُتَّفقٌ عليه، وبعضُها مُخْتلَص فيه، فمنها، كوْنُها رُطَبًا على رُءوسِ النَّخْلِ، فلا يجوزُ بَيعُ الرُّطَبِ الذي على الأرْضِ بتَمْرٍ. ومنها، كوْنُها دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، على

ص: 73

وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

المذهبِ. ومنها، كوْنُها خَرْصًا لا جُزافًا. ومنها، كوْنُ البَيعِ بتَمْرٍ، فلا يجوزُ بَيعُها بخَرْصِها رُطَبًا. ومنها، كوْنُ التَّمْرِ المُشْتَرَى به، كَيلًا لا جُزافًا. ومنها، كوْنُ التَّمْرِ مِثْلَ ما حصَل به الخَرْصُ، لا أزْيدَ ولا أنْقَصَ. ومنها، الحُلولُ والقَبْضُ مِنَ الطرفَين في مَجْلِسِ العَقْدِ. نصَّ عليه، وقَبْضُ كلِّ واحدٍ منهما بحَسَبِه، ففي النَّخْلَةِ بالتَّخْلِيَةِ، وفي التَّمْرِ بكَيلِه، فإنْ سلَّم أحدُهما، ثم مَشَيَا إلى الآخَرِ فسَلَّمَه، جازَ التَّبايُعُ. ويأْتِي إذا ترَك الرُّطَبَ حتى أتْمَرَ، في البابِ الذي يَلِيه. ومنها، الحاجَةُ إلى أكْلِ الرُّطَبِ أو التَّمْرِ، على ما تقدَّم. ومنها، أنْ لا يكونَ مع المُشْتَرِي نَقْدٌ يَشْتَرِي به. فهذه تِسْعَةُ شروطٍ.

قوله: ولا يَجُوزُ في سائرِ الثمارِ، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. اخْتارَه

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنُ حامِدٍ، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. قاله القاضي. وهو مُقْتَضَى اخْتِيارِ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ.

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: وهو الصَّوابُ عندَ مَن يعْتَادُه. وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يجوزُ في العِنَبِ وحدَه. وهو احْتِمالٌ للمُصَنفِ. وهو ظاهِرُ ما قطَع به الطُّوفِيُّ في «مُخْتَصَرِه» ، في الأصُولِ في القِيَاسِ.

تنبيه: مفْهومُ كلام المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّه لا يجوزُ في غيرِ التَّمْرِ. قولًا واحدًا. وهو كذلك، إلَّا أنَّ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ جَوَّزَ ذلك في الزَّرْعِ (1). وخرَّجَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوازَ بَيعِ الخُبْزِ الطَّرِيِّ باليابِسِ في برِّيَّةِ الحِجازِ، ونحوها. ذكَرَه عنه

(1) في الأصل، ط:«الفروع» .

ص: 76

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ جِنْس فِيهِ الرِّبَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمَعَ أحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيرِ جِنْسِهِمَا، كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَم بمُدَّينِ، أو بِدِرْهَمَينِ، أوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غيرُهُ، أوْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيرِ جِنْسِهِ.

ــ

في «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وزادَ بَيعَ الفِضَّةِ الخالِصَةِ بالمَغْشُوشَةِ، نظَرًا للحاجَةِ.

قوله: ولا يَجُوزُ بَيعُ جنْس فيه الرِّبا بعضِه ببعض، ومع أحَدِهما، أو معهما مِن غيرِ جِنْسِهما، كمُدِّ عَجْوَةٍ، ودِرْهَم بمُدَّين، أو بدِرْهَمَين، أو بمُدٍّ ودِرْهَم. وهو المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقدَّمُوه ونَصَرُوه.

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويأْتِي، إذا ظهَر أنَّ المُدَّين مِن شجَرَةٍ، أو زَرْع واحدٍ، أو الدِّرْهَمَين مِن نَقْدٍ واحدٍ. وعنه، يجوزُ، بشَرْطِ أنْ يكونَ المُفْرَدُ أكثرَ مِنَ الذي معه غيرُه، أو يكونَ مع كلِّ واحدٍ منهما مِن غيرِ جِنْسِه. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في مَوْضِعٍ مِن كلامِه. فعليها، يجوزُ بَيعُ دِرْهَمَين بمُدٍّ ودِرْهَمَين، ومُدَّين بدِرْهَم ومُدٍّ، ودِرْهَمٍ ومُدٍّ بدِرْهَمٍ ومُا، ومُدَّين ودِرْهَمٍ بمُدٍّ ودِرْهَمٍ، وعَكْسُه. ولا يجوزُ دِرْهَمٌ بمُدٍّ ودِرْهَمِ، ولا مُدٌّ بِدِرْهَم ومُدِّ، ونحوُ ذلك. ومِنَ المُتَأخرِين،

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كصاحِبِ «المُسْتَوْعِبِ» ، مَن يَشْتَرِطُ -فيما إذا كان مع كلِّ واحدٍ مِن غيرِ جِنْسِه مِنَ الجانِبَين- التَّساويَ؛ جَعْلًا لكلِّ جِنْسٍ في مُقابلَةِ جِنْسِه. وهو أوْلَى مِن جَعْلِ الجِنْسِ في مُقابلَةِ غيرِه، لا سِيَّما مع اخْتِلافِهما في القِيمَةِ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، يُشْتَرَطُ أنْ لا يكونَ حِيلَةً على الرِّبا. ونصَّ الإِمامُ أحمدُ على هذا الشَّرْطِ في رِوايَةِ حَرْبٍ، ولابُدَّ منه. وعنه، رِوايَةٌ ثالثةٌ، يجوزُ، إنْ لم يَكُنِ الذي معه مَقْصودًا، كالسَّيفِ المُحَلَّى. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وذكَرَه ظاهِرَ المذهبِ. ونصرَه صاحِبُ «الفائقِ» في فَوائدِه. فأمَّا إنْ كانتِ الحِيلَةُ مِن غيرِ جِنْسِ الثَّمَنِ، فإنَّه يجوزُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا يجوزُ. قال في «الإِرْشادِ»: وهي أظْهَرُهما، لأنَّه لو اسْتُحِقَّ وتَلِفَ، لم يَدْرِ بما يرْجِعُ. قال

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» : وللأصحابِ في المَسْأَلةِ طَرِيقَةٌ ثانيةٌ، وهي (1) أنَّه لا يجوزُ بَيعُ المُحَلَّى بجِنْسِ حِلْيَيه. قوْلًا واحدًا. وفي بَيعِه بنَقْدٍ آخَرَ رِوايَتان. ويجوزُ بَيعُه بعَرْض، رِوايَةً وا حدةً. وهي طَرِ يقَةُ أبي بَكْر في «التَّنْبِيهِ» ، وابنِ أبي مُوسى، والشيرَازِيِّ، وأبي محمدٍ التَّمِيمي، وأبي عَبْدِ اللهِ الحُسَينِ الهَمَذانِيِّ (2)، في كِتابِه «المُقْتَدَى» . ومِن هؤلاءِ مَن جزَم بالمَنْعِ مِن بَيعِه بنَقْدٍ مِن جِنْسِه وغيرِ جِنْسِه،

(1) في الأصل، ط:«وهو» .

(2)

هو الحسين بن الهمذاني، أبو عبد الله، شمس الحفاظ، له كتاب «المقتدى» في الفقه، في المذهب، توفي في المائة السادسة. ذيل الطبقات 1/ 208، المنهج الأحمد 2/ 254.

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كأبي بَكْرٍ. وقال الشِّيرَازِي: الأظْهَرُ المَنْعُ. ومنهم مَن جزَم بالجَوازِ في بَيعِه بغيرِ جِنْسِه، كالتَّمِيمِيِّ. ومنهم مَن حكَى الخِلافَ، كابنِ أبي مُوسى. ونقَل البُرْزَاطِيُّ عن أحمدَ، ما يشْهَدُ لهذه الطَّرِيقَةِ، في حَلْي صُنِعَ مِن مِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ ومِائَةٍ نُحاسٍ، أنَّه لا يجوزُ بَيعُه كلِّه بالفِضَّةِ ولا بالذَّهَبِ، ولا بوَزْنِه مِنَ الفِضَّةِ والنُّحاسِ، ولا يجوزُ بَيعُه، حتى يُخَلِّصَ الفِضَّةَ مِنَ النُّحاسِ، ويَبِيعَ كلَّ واحدٍ منهما وحدَه.

تنبيه: فعلى المذهبِ، في أصْلِ المَسْألةِ يكونُ مِن بابِ تَوْزيعِ الأفْرادِ على الجُمَلِ، وتَوْزيعِ الجُمَلِ على الجُمَلِ. وعلى الرِّوايَةِ الثانيةِ، يكونُ مِن بابِ تَوْزيعَ الأفْرادِ على الأفْرادِ.

فائدتان؛ إحْداهما، للأصحابِ في توْجِيهِ المذهبِ مَأخَذان؛ أحدُهما، وهو مَأْخَذُ القاضي وأصحابِه، أنَّ الصَّفْقَةَ إذا اشْتمَلَتْ على شَيئَين مُخْتَلِفَي القيمَةِ، يُقَسَّطُ الثَّمَنُ على قِيمَتِهما. وهذا يُؤدِّي هنا؛ إمَّا إلى يَقِينِ التَّفاضُلِ، وإمَّا إلى الجَهْلِ بالتَّساوي. وكِلاهُما مُبْطِلٌ للعَقْدِ، في بابِ الرِّبا. والمأْخَذُ الثَّاني، أنَّ ذلك مَمْنوعٌ؛ سدًّا لذَرِيعَةِ الرِّبا؛ فإنَّ اتِّخاذَ ذلك حِيلَةً على الرِّبا الصَّريحِ واقِعٌ، كبَيعِ

ص: 81

وَإنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ؛ كَدِينَارٍ قُرَاضَةً وَصَحِيحٍ

ــ

مِائَةِ دِرْهَم في كِيسٍ بمِائتَين، جعْلًا للمِائَةِ في مُقابلَةِ الكِيسِ، وقد لا يُساوي دِرْهَمًا، فمُنِعَ مِن ذلك وإنْ كانَا مَقْصُودَين، حَسْمًا لهذه المادَّةِ. وفي كلامِ أحمدَ، إيماءٌ إلى هذا المأخَذِ. فلو فُرِضَ أنَّ المُدَّين مِن شجَرَةٍ واحدَةٍ، أو مِن زَرْع واحدٍ، وأنَّ الدِّرْهَمَين مِن نَقْدٍ واحدٍ، ففيه وَجْهان. ذكَرَهما القاضي في «خِلافِه» احْتِمالين؛ أحدُهما، الجوازُ؛ لتَحَقُّقِ التَّساوي. والثَّاني، المَنْعُ؛ لجَوازِ أنْ يَعِيبَ أحدُهما قبلَ العَقْدِ، فتَنْقُصَ قيمَتُه وحدَه وصحَّحه أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه». قلتُ: وهو المذهبُ، وداخِل في كلامِ الأصحابِ، لكِنَّ القِياسَ الأوَّلُ. وأطْلقَهما في «الفُروعِ» ، و «قَواعِدِ ابنِ رَجَبٍ» . الثَّانيةُ، لو دفَع إليه دِرْهَمًا، وقال: أعْطِني بنِصْفِ هذا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَم، وبنِصْفِه فُلُوسًا. أو: حاجَةً أُخْرَى. جازَ، كما لو دفَع إليه دِرْهَمَين، وقال: أعْطِني بهذا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا، وبالآخَرِ نِصْفَين. وكذا لو قال: أعْطِني بهذا الدرهَمِ نِصْفًا وفُلُوسًا. جازَ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما.

قوله: وإنْ باعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بنَوْعٍ واحِدٍ منه؛ كدِينارٍ قُراضةً -وهو قِطَعُ الذَّهَبِ- وصَحِيح بصَحِيحَين -وكذا عكْسُه- جازَ. وكذا لو باعَ حِنْطَةً حَمْراءَ وسَمْراءَ ببَيضاءَ، أو تَمْرًا بَرْنِيًّا ومَعْقِليًّا بإبْرَاهِيمِيٍّ ونحوه. وهذا المذهبُ

ص: 82

بِصَحِيحَينِ، جَازَ. أَومَأَ إِلَيهِ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ أبُو بَكْرٍ. وَعِنْدَ الْقَاضِي، هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا.

ــ

في ذلك كلِّه. أوْمَأَ إليه أحمدُ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّرْغِيبِ». قال في «التَّلْخيصِ»: وهو الأقْوَى عندِي. وصحَّحَه في «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» . وعندَ القاضي، هي كالتي قبلَها. قال في «القَواعِدِ»: وهي طَرِيقَةُ القاضي وأصحابِه. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» . وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكَافِي» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين» . قال في «الرِّعايَةِ

ص: 83

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكُبْرَى»: وَجْهان. وقيلَ: رِوايَتان. انتهى. ونقَل ابنُ القاسِمِ، إنْ كان نَقْدًا، فكمُدِّ عَجْوَةٍ. وأطْلَقهُنَّ في «الفُروعِ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» .

فائدة: هذه المَسْأَلةُ، ومَسْأَلةُ مُدِّ عَجْوَةٍ وفُروعِها، الرِّبا فيه مَقْصُودٌ؛ فلذلك وقَع الخِلافُ فيهما أمَّا إذا كان الرِّبا غيرَ مَقْصُودٍ بالأصالةِ، وإنَّما هو تابعٌ لغيرِه، فهو على ثَلاثَةِ أنْواعٍ؛ أحدُها، ما لا يُقْصَدُ عادةً، ولا يُباعُ مُفْرَدًا، كتَزْويقِ الدَّارِ، ونحوه. قال في «الرِّعايَة»: وكذا ثَوْبٌ طِرازُه ذَهَبٌ، فلا يُمْنَعُ مِنَ البَيعِ بجِنْسِه بالاتِّفاقِ. الثَّاني، ما يُقْصَدُ تبَعًا لغيرِه، وليس أصْلًا لمالِ الرِّبا؛ كبَيعِ العَبْدِ ذِي المالِ بمالٍ مِن جِنْسه. فهذا له حُكْمٌ يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ. الثَّالثُ، ما لا يُقْصَدُ، وهو تاجٌ لغيرِه، وهو أصْلٌ لمالِ الرِّبا إذا بِيعَ بما فيه منه. وهو ضَرْبان؛ أحدُهما، أنْ يُمْكِنَ إفْرادُ التَّابعِ بالبَيعِ؛ كبَيعِ نَخْلَةٍ عليها رُطَبٌ برُطَبٍ. ففيه طَرِيقان؛ أحدُهما، المَنْعُ. وهي طَرِيقَةُ القاضي في «المُجَرَّدِ» . والثَّاني، الجَوازُ. وهي طَرِيقَةُ أبي بَكْرٍ، والخِرَقِيِّ، وابنِ بَطَّةَ، والقاضي في «الخِلافِ» . والضَّرْبُ الثَّاني، أنْ يكونَ التَّابعُ ممَّا لا يجوزُ إفْرادُه بالبَيعِ؛

ص: 84

وَفِي بَيعِ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى، وَاللَّبَنِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ، وَالصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيهَا صُوفٌ، رِوَايَتَانِ.

ــ

كبَيعِ شَاةٍ لَبُونٍ بلَبَنٍ، أو ذاتِ صُوفٍ بصُوفٍ، وبَيعِ التَّمْرِ بالنَّوَى. وهو قوْلُ المُصَنِّفِ: وفي بَيعِ النَّوَى بتَمْرٍ فيه النَّوَى، واللَبَنِ بشَاةٍ ذاتِ لَبَنٍ، والصُّوفِ بنَعْجَةٍ عليها صُوفٌ، رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكَافِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «النَّظْم» ؛ إحْدَاهما -وهو المذهبُ- يجوزُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحَه في «التَّصحيحِ» وغيرِه. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» . والثَّانيةُ، لا يجوزُ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ، والقاضي في «خِلافِه» . وقدَّمه في «الهادِي» . وقال ابنُ عَبْدوس في

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«تَذْكِرَتِه» : يجوزُ بَيعُ اللَّبَنِ والصُّوفِ، بشَاةٍ ذاتِ لَبَنٍ أو صُوفٍ، ولا يجوزُ بَيعُ نَوًى بتَمْرٍ بنَواه. قال الشَّارِحُ [على القَوْلِ بالجَوازِ] (1): يجوزُ بَيعُه مُتَفاضِلًا، ومُتساويًا، على المذهبِ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: ولعَلَّ المَنْعَ يَتَنزَّلُ على ما

(1) زيادة من: ش.

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا كان الرِّبَويُّ مَقْصُودًا، والجَوازَ على عدَمِ القَصْدِ. وقد صرَّحَ باعْتِبارِ عدَمِ القَصْدِ، ابن عَقِيلٍ وغيره، ويَشْهَدُ له تعْليلُ الأصحابِ كلِّهم الجَوازَ بأنَّه تابعٌ

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرُ مقْصُودٍ.

ص: 88

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا نَوَاهُ فِيهِ.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، الصَّحيحُ مِن المذهبِ، تَحْريمُ بَيعِ تَمْرٍ بلا نَوًى، بتَمْرٍ فيه النَّوَى، وإنْ أبَحْناه في عكْسِها. وقيل: يُباحُ كالعَكْسِ. الثَّانيةُ، قال ابنُ رَجَبٍ: واعْلمْ، أنَّ هذه المَسائِلَ مُنْقَطِعَةٌ عن مُدِّ عَجْوَةٍ؛ فإنَّ القَوْلَ بالجَوازِ فيها لا يتَقَيَّدُ بزِيادَةِ المُفْرَدِ على ما معَه. وقد نصَّ أحمدُ في بَيعِ العَبْدِ الذي له مالٌ، بمالٍ دُونَ الذي معه، وقال القاضي في «خِلافِه» ، في مَسْأَلَةِ العَبْدِ والنَّوَى بالتَّمْرِ: وكذلك المَنْعُ فيها عندَ الأكْثَرِين. ومِنَ الأصحاب مَن خرَّجَها -أو بعضَها- على مَسائِل مُدِّ عَجْوَةٍ؛ ففَرَّق بينَ أنْ يكونَ المُفْرَدُ أكْثَرَ مِنَ الذي معه غيرُه، أوْ لا. وقد صرَّح

ص: 89

وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيلِ وَالْوَزْنِ إِلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمَا لا عُرْفَ لَهُ بهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُعْتَبَرُ عُرْفة فِي مَوْضِعِهِ،

ــ

به طائِفَةٌ مِنَ الأصحابِ؛ كأبي الخَطَّابِ، وابنِ عَقِيلٍ، في مَسْأَلَةِ العَبْدِ ذِي المالِ. وكذلك حكَى أبو الفَتْحِ الحَلْوانِيُّ رِوايةً، في بَيعِ الشَّاةِ ذاتِ الصُّوفِ واللَّبَنِ، بالصَّوفِ واللَّبَنِ، أنَّه يجوزُ، بشَرْطِ أنْ يكونَ المُفْرَدُ أكثرَ ممَّا في الشَّاةِ مِن جِنْسِه. قال ابنُ رَجَبٍ: ولعَلَّ هذا مع (1) قَصدِ اللَّبَنِ والصُّوفِ بالأصالةِ، والجوازَ مع عدَمِ القَصْدِ. فيرْتَفِعُ الخِلافُ. وإنْ حُمِلَ على إطْلاقِه، فهو مُنَزَّل على أنَّ التَّبَعَيَّةَ هنا لا عِبْرَةَ بها، وأنَّ الرِّبَويَّ التَّابعَ كغيرِه، فهو مُسْتَقِلٌّ بنَفْسِه.

قوله: والمَرْجِعُ في الكَيلِ والوزْنِ إلى عُرْفِ أَهْلِ الحِجازِ في زَمَنِ النَّبِيِّ،

(1) في الأصل، ط:«من» .

ص: 90

وَالْآخَرُ يُرَدُّ إِلَى أقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالحِجَازِ.

ــ

صلى الله عليه وسلم. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقال في «المُجَردِ»: ومَرَدُّ الكَيلِ عُرْفُ المَدِينَةِ، والوَزْنِ عُرْفُ مَكَّةَ، على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، و «الفروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قلتُ: لو قيل: إنَّ عِباراتِ الأوَّلِين مطلَقَةٌ وهذه مُبَيِّنَةٌ، وإنَّ المَسْأَلَةَ قَوْلًا واحدًا. لكانَ مُتَّجَهًا. ويُقَوى ذلك، أنَّ صاحِبَ «الفُروعِ» جزَم

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بذلك مع كَثْرَةِ اطِّلاعِه. وقد اسْتدَلَّ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما للأوَّلِ بقَوْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«المِكْيالُ مِكْيالُ أَهْلِ المَدِينَةِ، والمِيزانُ مِيزانُ أهْلِ مَكَّةَ» . فدَلَّ أنَّ مُرادَهم ما قُلْناه. وهو واضِحٌ. لكِنْ قال في «الفائقِ» : ومَرْجِعُ الكَيلِ والوَزْنِ، إلى عُرْفِ أهْلِ الحِجازِ. ورَدَّ في «المُجَرَّدِ» (1) الكَيلَ إلى المدِينَةِ، والوَزْنَ إلى مَكَّةَ، زمَنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وحكَى في «الرعايَةِ الكُبْرَى» الخِلافَ. فظَاهِرُهما التَّغايُرُ. ويُمْكِنُ الجَوابُ بأنَّهما حكَيا عِباراتِ الأصحابِ.

قوله: وما لا عُرْفَ له به، فَفِيه وَجْهان. أصْلُهما احْتِمالان للقاضي في «التَّعْليقِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ،

(1) في الأصل، 1:«المحرر» .

ص: 92

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، أحدُهما، يُعْتَبرُ عُرْفُه في مَوْضِعِه. وهذا المذهبُ. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمَ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . والوَجْهُ الآخَرُ، يُرَدُّ إلى أقْرَبِ الأشْياءِ شَبَهًا به بالحِجَازِ. قدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: يُرَدُّ إلى أقْرَبِ الأشْياءِ شَبَهًا به بالحِجازِ، في الوَزْنِ لا غيرُ. فعلى المذهبِ، لو اخْتلَفَ عُرْفُ البِلادِ، فالاعْتِبارُ بالغالِبِ، فإنْ لم يكُنْ غالِب، تَعيَّنَ الوَجْهُ الثَّانِي. وعلى الوَجْهِ الثَّانِي، إنْ تعَذَّرَ، رجَع إلى عُرْفِ بلَدِه. قاله في «الحاوي» وغيرِه.

فوائد؛ إحْداها، المائِعُ كلُّه مَكِيلٌ. على الصَّحيحِ مِنَ الذهبِ. كالأدْهانِ، والزَّيتِ، والشَّيرَجِ، والعَسَلِ، والدِّبْسِ، والخَلِّ، واللَّبَنِ، ونحوه. قدَّمه

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروعِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: الظَّاهِرُ أنَّها مَكِيلَةٌ. قال القاضي: الأدْهانُ مَكِيلَةٌ. وفي اللَّبَنِ، يصِحُّ السَّلَمُ فيه كَيلًا. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، إلَّا في اللَّبَنِ والسَّمْنِ؛ فإنَّه أطْلَقَ الخِلافَ فيهما، وقدَّم في مَوْضع، أنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ، وقال: الزُّبْدُ مَكِيلٌ. وسُئِلَ أحمدُ، عنِ السَّلَفِ في اللَّبَنِ؛ فقال: نعم، كَيلًا أو وَزْنًا. وجزَم ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، أنَّ الدُّهْنَ واللَّبَنَ مَكِيلٌ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: يُباعُ السَّمْنُ بالوَزْنِ، ويتَخَرَّجُ، أنْ يُباعَ بالكَيلِ. وجزَ ما بأنَّ الزُّبْدَ مَوْزُونٌ. وجعَل في «الرَّوْضَةِ» العسَلَ مَوْزُونًا. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والخُبْزُ إذا يَبِسَ ودُقَّ وصارَ فَتِيتًا، بِيعَ كَيلًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ: فيه وَجْهٌ، يُباعُ بالوَزْنِ. انتهى. والدَّقيقُ مَكِيلٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال القاضي: يجوزُ بَيعُ بعضِه ببَعضٍ وَزْنًا، ولا يَمْتنِعُ أنْ يكونَ مَوْزُونًا، وأصْلُه مَكِيل كالخُبْزِ. وتقدَّم ذلك عندَ جَوازِ بَيعِ بعضِه ببَعض. الثَّانيةُ، مِن جُمْلَةِ المَوْزُونِ؛ الذَّهَبُ، والفِضَّةُ، [والنُّحاسُ الأصْفَرُ](1)، والحَدِيدُ، والرَّصاصُ، والزِّئْبَقُ،

(1) في الأصل، ط:«والنحاس والصفر» .

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والكَتَّانُ، والقُطْنُ، والحَريرُ، والقَزُّ، والصُّوفُ، والشَّعَرُ، والوَبَرُ، والغَزْلُ، واللُّؤْلُؤُ، والزُّجاجُ، واللَّحْمُ، والشَّحْمُ، والشَّمْعُ، والزَّعْفرانُ، والعُصْفُرُ، والوَرْسُ، والخُبْزُ، والجُبْنُ، وما أشْبَهه. ومِن ذلك؛ البُقولُ، والسَّفَرْجَلُ، والتُّفَّاحُ، والكُمَّثْرَى، والخَوْخُ، والإجَّاصُ، وكل فاكِهَةٍ رَطْبَةٍ. ذكَرَه القاضي. ومِن جُمْلَةِ المَكِيلِ؛ كُلُّ حَبٍّ، وبَزْرٍ، وأبازِيرَ، وجَصٍّ، ونُورَةٍ، وأُشْنانٍ، وما أشْبهَه، وكذلك سائِرُ ثَمَرِ النَّخْلِ، مِنَ الرُّطَبِ، والبُسْرِ، وغيرِهما، وسائِرُ ما فيه الزَّكاةُ مِنَ الثِّمارِ؛ كالزَّبِيبِ، والفُسْتُقِ، والبُنْدُقِ،

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واللَّوْز، والعُنَّابِ، والمِشْمِشِ، والزَّيتُونِ، والبُطْمِ، والمِلْحِ، وما أشْبَهَه. الثَّالثةُ، قال في «النِّهايَةِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم: يجوزُ التَّعامُلُ بكَيل لم يُعْهَدْ.

ص: 96

فَصْلٌ: وَأمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ، فَكُلُّ شَيئَينِ لَيسَ أحَدُهُمَا ثَمَنًا، عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، كَالْمَكِيلِ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ، لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا، وَإنْ تَفرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، بَطَلَ الْعَقْدُ.

ــ

قوله: وأمَّا رِبا النَّسِيئَةِ؛ فكُلُّ شَيئَين ليس أحَدُهما ثَمَنًا، عِلَّةُ رِبا الفَضْلِ فيهما واحِدَة، كالمَكِيلِ بالمَكِيلِ، والمَوْزُونِ بالمَوْزُونِ، لا يجوزُ النَّساءُ فيهما، وإنْ تَفَرَّقا قبلَ القَبْضِ، بطَل العَقْدُ. فيُشْتَرطُ الحُلولُ والقَبْضُ في المَجْلِسِ في ذلك. نصَّ عليه، فيَحْرُمُ مُدُّ بُرٍّ بجِنْسِه، أو بشَعِيرٍ، ونحوُهما نَسِيئَةً. بلا خِلافٍ أعْلَمُه.

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو أصْرفَ الفُلوسَ النَّافِقَةَ بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، لم يَجُزِ النَّساءُ فيهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ الجَوازَ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنف هنا. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وذكَرَه رِوايَةً. قال في «الرِّعايَةِ»: قلتُ: إنْ قُلْنا: هي عَرْض. جازَ، وإلَّا فلا. قال في «المُذْهَبِ»: يجوزُ إسْلامُ الدَّراهِمِ في الفُلُوسِ، إذا لم تَكُنْ ثَمَنًا، ولا يجوزُ إذا كانت ثَمَنًا.

ص: 98

وَإنْ بَاعَ مَكِيلًا بِمَوْزُونٍ، جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْض. وَفِي النَّسَاءِ رِوَايَتَانِ.

ــ

قوله: وإنْ باعَ مَكِيلًا بمَوْزُونٍ، جازَ التَّفَرُقُ قبلَ القَبْضِ. هذا المذهب، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال أبو الخَطَّابِ، والمُصَنفُ، وغيرُهما: جازَ. رِوايَةً واحدةً. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَعْرُوفُ عندَ كثيرٍ مِنَ المُتَأخرِين. وقال في «الفُروعِ» ، و «الخُلاصَةِ»: جازَ على الأصحِّ. وعنه، لا يجوزُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ، فإنَّه قال: وما كانَ مِن جِنْسَين، فجائزٌ التَّفاضُلُ فيه يَدًا بيَدٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو ظاهِرُ كلامَ الخِرَقِيِّ.

قوله: وفي النَّساءِ رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابِنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الفُروعَ» ، و «شَرْحَ ابنَ رَزِينٍ» ؛ إحْداهما، يجوز. وهو المذهبُ. صحَّحَه في «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ،

ص: 99

وَمَا لا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ؛ كالثيابِ، وَالْحَيَوَانِ، يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ فِي الْجنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ، وَيَجُوزُ فِي الْجِنْسَينِ، كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوانِ.

ــ

و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ. قطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» . وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . وذكَر جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ هاتَين الرِّوايتَين فيما إذا اخْتلَفا في العِلَّةِ، أو كان أحدُهما غيرَ رِبَويٍّ. وأطْلَقَ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، فيما إذا كان أحَدُ المَبِيعَين غيرَ رِبَويٍّ؛ كالمَكِيلِ أو المَوْزونِ بالمَعْدُودِ، رِوايتَين. قلتُ: ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ هنا، الصِّحَّةُ.

قوله: وما لا يَدْخُلُه رِبا الفَضْلِ؛ كالثِّيابِ، والحَيوَانِ، يَجُوزُ النَّسَاءُ فيهما. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، سواءٌ بِيعَ بجِنْسِه، أو بغيرِ جِنْسِه، مُتَساويًا، أو مُتَفاضِلًا. اخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَبْدُوسٍ المُتقَدِّمُ، والمُصَنِّفُ،

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحُ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «نَظْمِها» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهمِ. وقال القاضي: إنْ كانَ مَطْعومًا، حَرُمَ النَّساءُ، وإنْ لم يَكُنْ مَكِيلًا ولا مَوْزُونَا. وهو مَبْنِيٌّ على، أنَّ العِلَّةَ الطَّعْمُ. وعنه، رِوايَةٌ ثانيةٌ، لا يجوزُ النَّساءُ في كلِّ مالٍ بِيعَ بآخَرَ، سواءٌ كان مِن جِنْسِه، أَوْ لا. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبي مُوسى. قال القاضي، وأبو الخَطَّابِ،

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُهما: واخْتارَه الخِرَقِيُّ. فعليها، عِلَّةُ النَّساءِ المَالِيَّةُ. وضعَّف المُصَنِّفُ هذه الروايَةَ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، لو باعَ عَرْضًا بعَرْض، ومع أحَدِهما دَراهِمُ؛ العُروضُ نقدًا، والدَّراهِمُ نَسِيئَة، جازَ. وإنْ كان بالعَكْسِ، لم يَجُزْ؛ لأنه يُفْضِي إلى النَّسِيئَةِ في العُروضِ. وعنه، رِوايَةٌ ثالثةٌ، لا يجوزُ في الجِنْسِ الواحدِ؛ كالحَيوانِ

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالحَيوانِ، ويجوزُ في الجِنْسَين، كالثِّياب بالحَيوانِ. فالجِنْسُ أحَدُ صِفَتَي العِلَّةِ، فأثَّرَ. وعنه، رِوايَةٌ رابعةٌ، يجوزُ النَّساء الَّا فيما بِيعَ بجِنْسِه مُتَفاضِلًا. اخْتارَه الشَّيخُ

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِيُّ الدِّينِ. وأطْلَقهُنَّ في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . فعلى المذهبِ، قال بعضُ الأصحابِ: الجِنْسُ شَرْطٌ مَحْضٌ، فلم يُؤثِّرْ، قياسًا على كلِّ شَرْط، كالإِحْصانِ مع الزِّنَا.

فائدتان؛ إحْداهما، حيثُ قُلْنا: يَحْرُمُ. فإنْ كانَ مع أحَدِهما نَقْدٌ؛ فإنْ

ص: 104

وَلَا يَجُوزُ بَيعُ الكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَهُوَ بَيعُ الدَّينِ بِالدَّينِ.

ــ

كان (1) وحدَه نَسِيئَةً، جازَ، وإنْ كان نقْدًا، والعِوَضان أو أحدُهما نَسِيئةً، لم يَجُزْ. نصَّ عليه. وقاله القاضي وغيرُه. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» . واقْتَصرَ عليه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحٍ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وفي «الواضِحِ» رِوايَةٌ، يَحْرُمُ بأفَضْلٍ جِنْسِه، لأنه ذَرِيعَةٌ إلى قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا.

الثَّانيةُ، قوله: ولا يَجُوزُ بَيعُ الكالئِ بالكالئِ، وهو بَيعُ الدَّينِ بالدَّينِ. قال في «التَّلْخيصِ»: له صُوَرٌ، منها، بَيعُ ما في الذِّمَّةِ حالًّا، مِن عُروض أو أثمانٍ، بثَمَنٍ إلى أجَلٍ ممَّن هو عليه. ومنها، جَعْلُ رأْسِ مالِ السَّلَمِ دَينًا. ومنها، لو كانَ لكُلِّ واحدٍ مِنِ اثْنَين دَينٌ على صاحِبِه مِن غيرِ جِنْسِه، كالذَّهَبِ والفِضَّةِ، وتَصارَفا، ولم يُحْضرا شيئًا، فإنَّه لا يجوزُ، سواءٌ كانَا حالَّين أو مُؤَجَّلَين. نصَّ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 105

فَصْلٌ: وَمَتَى افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، أَو افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْس مَالِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ.

ــ

عليه فيما إذا كانَا نَقْدَين. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ الجَوازَ. فإنْ أحضَر أحدُهما، جازَ بسِعْرِ يَوْمِه، وكان العَينُ بالدَّينِ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يجوزُ. فعلى المذهبِ، لو كان مُوجَّلًا، فقد توَقَّفَ أحمدُ عن ذلك. وذكَر القاضي فيه وَجْهَين؛ أحدُهما، يجوزُ أيضًا. اخْتارَه المُصَنِّف، والشَّارِحُ. قال في «الرِّعايَةِ»: الأظْهَرُ، لا يُشْتَرطُ حُلولُه. والوَجْهُ الثَّاني، لا يجوزُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وهي مِن مَسائلِ المُقاصَّةِ، والمُصَنِّف، رحمه الله، لمِ يَذكرْ ما هنا، وقد ذكَر في كتابِ الصَّداقِ ما يدُلُّ عليها في قوْلِه: وإنْ زوَّج عبْدَه حُرةَ، ثم باعَها العَبْدُ بثَمَن في الذمةِ، تحوَّلَ صَداقُها أو نِصْفُه -إنْ كان قبلَ الدُّخول- إلى ثَمَنِه. فنَذْكُرُها في أوَاخِرِ السَّلَمِ، والخِلافَ فيها؛ ذكَرَها كثير مِنَ الأَصحابِ هناك.

ص: 106

وَإنْ قَبَضَ الْبَعْضَ، ثُمَّ افْتَرَقَا، بَطَل فِي الْجَمِيعِ، فِي أحدِ الْوَجْهَينِ. وفِي الآخرِ، يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ.

ــ

قوله في الصَّرْفِ والسَّلَمِ: وإنْ قبَض البَعضَ، ثم افْتَرَقَا، بطَل في الجَمِيعِ، في أحَدِ الوَجْهَين. جزَم به في «الوَجيزِ» في الصَّرْفِ، وصحَّحه في

ص: 108

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّصْحيحِ» . وفي الآخَرِ، يَبْطُلُ فما لم يقْبِضْ. وهو المذهبُ؛ لأنَّهما مَبْنِيَّان عندَ الأصحابِ على تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. وقد علِمْتَ فيما مضَى المذهبَ في ذلك.

ص: 109

وَإنْ تَقَابَضَا، ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَجَدَ أحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا، فَرَدَّهُ، بَطَلَ الْعَقْدُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ. وَالأخْرَى، إِنْ قَبَضَ عِوَضَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، لَمْ يَبْطُل، وَإنْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَقُلْنَا: يَبْطُلُ فِي الْمَرْدُودِ. فَهَلْ يَبْطُلُ فِي غيرِه؟ عَلَى وَجهَينِ.

ــ

قوله: وإنْ تَصارَفا، ثم افْتَرَقا، فوجَد أحَدُهما ما قبَضَه رَديئًا، فرَدَّه، بطَل العَقْدُ، في إحْدَى الرِّوايتَين. والأخْرَى، إنْ قبَض عِوَضَه في مَجْلِسِ الرَّدِّ، لم يَبْطُلْ. اعلمْ أنَّه إذا تَصارَفا ووجَدا، أو أحَدُهما، بما قبَضَه عَيبًا، أو غَصبًا، فتارَةً يكونُ العَقْدُ قد وقَع على عَينَين، وتارَةً يكونُ في الذِّمَّةِ. فإنْ كان قد وقَع على عَينَين؛ فتارَةً يكونُ العَيبُ مِن جِنْسِه، وتارَةً يكونُ مِن غيرِ جِنْسِه. فإنْ كان مِن غيرِ جنْسِه، فتارَةً يكونُ قبلَ التَّفَرُّقِ، وتارَةً يكونُ بعدَه، وإنْ كان مِن جِنْسِه، فتارَةً أيَضًا يكونُ قبلَ التَّفَرُّقِ، وتارَةً يكونُ بعدَه. وإنْ كان العَقْدُ وقَع في الذمةِ؛ فتارَةً يكونُ العَيبُ مِن غيرِ جِنْسِه، وتارَةً يكونُ مِن جِنْسِه. فإنْ كان

ص: 110

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِن غيرِ جِنْسِه؛ فتارَةً يكونُ قبلَ التَّفَرُّقِ، وتارَةً يكونُ بعدَه، وإنْ كان مِن جِنْسِه، فتارَةً أيضًا يكونُ قبلَ التَّفَرُّقِ، وتارَةً يكونُ بعدَه، كما قُلْنا فيما إذا وقَع العَقْدُ على عَينَين. فهذه ثَمانِ مسَائِلَ، أرْبعَةٌ فيما إذا وقعَ العَقْدُ على عَينَين، وأرْبعَةٌ فيما إذا كان في الذِّمَّةِ. وهذه الثَّمانِيَةُ تارَةً تكونُ المُصارَفَةُ فيها مِن جِنْسٍ واحدٍ، وتارَةً تكونُ مِن جِنْسَين. فهذه سِتَّةَ عشَرَ مَسْألَةً. فإنْ وقَع العَقْدُ على عَينَين مِن جِنْسَين -ولو بوَزْنٍ مُتَقَدِّمٍ يعْلَمانِه، أو إخْبارِ صاحبِه، وكان العَيبُ مِن غيرِ جِنْسِه- فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، بُطْلانُ العَقْدِ، سواء كان قبلَ التَّفَرُّقِ أو بعدَه. وعليه

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال المُصَنِّفُ: كقَوْلِه: بِعْتُك هذا البَغْلَ. فإذا هو حِمارٌ. وعنه، يصِحُّ ويقَعُ لازِمًا. قال في «الرِّعايَةِ»: وهو بعيدٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا مُعَوَّلَ عليها. وعنه، له رَدُّه وأخْذُ البَدَلِ. وقال في «القَواعِدِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ يصِحَّ بما في الدِّينارِ مِنَ الذَّهَبِ بقِسْطِه مِن البَيعِ، ويَبْطُل في الباقِي، وللمُشْتَرِي الخِيارُ لتَبْعيضِ المَبيعِ عليه.

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلت: وهو قَويٌّ في النَّظَرِ. فعلى المذهبِ، ظاهِرُه سَواءٌ كان العَيبُ كثِيرًا أو يسِيرًا. وهو كذلك. وظاهرُ كلامِ أبي الحَسَنِ التَّمِيميِّ في «خِصالِه» ، إنْ كان العَيبُ يَسِيرًا مِن غيرِ جِنْسِه، لا يَبْطُلُ العَقْدُ، وإليه مَيلُ ابنِ رَجَب. وما هو ببَعِيدٍ. وإنْ وقَع على عَينَين مِن جنْسَين، والعَيبُ مِن جِنْسِه، وقُلْنا: النُّقودُ تتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ، فَتارَةً يكونُ قبلَ التَّفَرقِ، وتارةً يكونُ بعدَه. فإنْ كان قبلَ التَّفَرُّقِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، صِحَّةُ العَقْدِ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «القَواعِدِ» ، وغيرِهما. قال في «الفُروعِ»: هذا الأشْهَرُ. وقال في «الواضِحِ»

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِه: يَبْطُلُ. وهو ظاهِرُ نَقْلِ جَعْفَرٍ، وابنِ الحَكَمِ. فعلى المذهبِ، له قَبُولُه، وأخْذُ أرْشِ العَيب مِن غيرِ جِنْسِ الثَّمَنِ، ولا يَأخُذُ مِن جِنْسِ الثَّمَنِ. وهذا الصَّحيحُ، وعليه أَيضًا أكثرُ الأصحابِ. وهو في بعضِ نُسَخِ الخِرَقِيِّ. وقال في «القَواعِدِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وظاهِرُ ما أوْرَدَه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» مذهبًا، وإحْدَى نُسَخِ الخِرَقِيِّ، لا يجوزُ أخْذُ الأَرْشِ مُطْلَقًا. وإنْ كان بعدَ التَّفَرُقِ عن مَجْلِسِ العَقْدِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ ما لو كان قبلَ التَّفَرُّقِ،

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما تقدَّم. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الشَّرْحِ» . قال في «الفُروعِ» : هذا الأشْهَرُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: والصَّوابُ، لا فَرْق بينَ المَجْلِسِ وبعدَه. وقيَّدَه في «الوَجيزِ» بالمَجْلِسِ. وهو اختِيارُ المُصَنِّفِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وأظُنُّه أنَّه اخْتِيارُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وفي «الواضِحِ» وغيرِه، يَبْطُلُ. وهو ظاهِرُ نَقْلِ جَعْفَر، وابنِ الحَكَمِ، كما تقدَّم. فعلى المذهبِ، له قَبُولُه، وأخْذُ أرْشِ العَيبِ، ويكونُ مِن غيرِ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لأنَّه لا يُعْتَبرُ قَبْضه، كبَيعِ بُرٍّ بشَعِير، فيَجِدُ أحَدُهما عَيبًا،

ص: 115

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيأخُذُ أرْشَه دِرْهَمًا بعدَ التَّفَرُّقِ، ولا يجوزُ أخْذُه مِن جِنْسِ الثَّمَنِ، كما تقدَّم. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، له ردُّه سواءٌ ظهَر على العَيبِ في المَجْلِسِ أو بعدَه، ولا بدَلَ؛ لأنَّه يأْخُذُه ما لم يَشْتَرِه، إلَّا على رِوايَةِ أنَّ النُّقودَ لا تتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَرَّرِ» . ونقَل أكثرُ عن أحمدَ، أنَّ له ردَّه وبدَلَه. ولم يُفَرِّقْ في العَيبِ. وأمَّا إذا وقَع العَقْدُ في الذمةِ على جِنْسَين، وكان العَيبُ مِن جِنْسِه، فَتارَةً يجِدُه قبلَ التَّفَرُّقِ، وتارةً بعدَه. فإن وجَدَه قبلَ التَّفَرُّقِ، فالصَّرْفُ صَحِيحٌ، وله المُطالبَةُ بالبَدَلِ، وله الإِمْساكُ وأخْذُ الأرْشِ في

ص: 116

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجِنْسَين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وجزَم في «الوَجيزِ» بأنَّ له المُطالبَةَ بالبَدَلِ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» وغيرِه. وإنْ وجَدَه بعدَ التَّفَرُّقِ، فالصَّرْفُ أيضًا صَحِيح، ثم هو مُخَيَّرٌ بينَ الرَّدِّ والإِمْساكِ، فإنِ اخْتارَ الرَّدَّ، فعَنه، يَبْطُلُ العَقْدُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وعنه، لا يَبْطُلُ، وله البَدَلُ في مَجْلِسِ الرَّدِّ، فإنْ تفَرَّقا قبلَه، بطَل العَقْدُ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، والخَلَّالِ، والقاضي وأصحابِه، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَررِ» .

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقهما المُصَنِّفُ هنا، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، والزَّرْكَشِيُّ، وصاحِبُ «الفُروعِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وحُكِيَ رِوايَةٌ ثالثةٌ، أنَّ البَيعَ قد لَزِمَ. قال: وهي بعيدَةٌ. فعلى الأولَى، إنْ وجَد البَعضَ رَدِيئًا فرَدَّه، بطَل فيه، وفي البَقِيَّةِ، رِوايَتا تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. والمُصَنِّفُ أطْلَقَ هنا الوَجْهَين. وعلى الثَّانيةِ، له بدَلُ المَرْدُودِ في مَجْلِسِ الرَّدِّ. وإنِ اخْتارَ الإِمْساكَ، فله ذلك بلا رَيبٍ، لكِنْ إنْ طلَبَ معه الأرْشَ، فله ذلك في الجِنْسَين على الرِّوايتَين. قال الزَّرْكُشِيُّ: هذا هو المُحَقَّقُ. وقال أيضًا: وقال أبو محمدٍ، يَعْنِي به المُصَنِّفَ: له الأرْشُ على الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، لا الأُولَى. انتهى. وإنْ كان العَيبُ مِن غيرِ الجِنْسِ -فيما إذا

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانا جِنْسَين -فإنْ كان قبلَ التَّفَرُّقِ ردَّه، وأخَذ بدَلَه، والصَّرْفُ صَحَيحٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، والشِّيرَازِيُّ، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التُّلْخيصِ» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وهو ظاهِرُ كلام أبِي الخَطَّابِ. وقال صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّرْفُ فاسِدٌ.

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِي. فعلى المذهبِ، لو وجَد العَيبَ في البَعضِ، فبعدَ التَّفَرُّقِ يَبْطُلُ فيه، وفي غيرِ المَعِيبِ رِوايَتا تَفْريقِ الضَفْقَةِ، وقبلَ التَّفَرُّقِ ببَدَلِه، وإنْ وجَدَه بعدَ التَّفَرُّقِ، فسَد العَقْدُ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا هو المذهبُ المُحَقَّقُ، وعليه يُحْمَلُ كلامُ الخِرَقِيِّ عندِي. انتهى. وجزَم به في «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» . وأجْرَى المُصَنِّفُ في «الكافِي» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» فيه، قال في «الفُروعِ»: وجماعَةٌ، الرِّوايتَين اللَّتَين فيما إذا كان

ص: 120

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العَيبُ مِنَ الجِنْسِ؛ إحْداهما، بُطْلانُ العَقْدِ برَدِّه. والثَّانيةُ، لا يَبْطُلُ، وبدَلُه في مَجْلِسِ الرَّدِّ يقُومُ مَقامَه. فمُجَرَّدُ وُجودِ العَيبِ مِن غيرِ الجِنْسِ عندَهما بعدَ التَّفَرُّقِ لا يُبْطِلُ، قَولًا واحدًا، عكْسَ «المُذهَبِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وليس بشيءٍ.

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: هذه الأحْكامُ التي ذُكِرَتْ، فيما إذا كانتِ المُصارَفَةُ في جِنْسَين، وحُكْمُ ما إذا كانتْ مِن جِنْس وأحدٍ حُكْمُ ما إذا كانتْ مِن جِنْسَين، إلَّا في أخْذِ الأرْشِ، فإنَّه لا يجوزُ أخْذُه مِن جِنْسِه، قوْلًا واحدًا،؛ تقدَّم. وقيل: يجوزُ. قال في «الفُروعِ» : وهو سَهْوٌ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ولا وَجْهَ له. ويأْتِي ذلك

ص: 122

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قِريبًا. وأمَّا مَسْألَةُ السَّلَمِ التي ذكَرَها المُصَنِّفُ هنا، فَيأْتِى حُكْمُها في بابِ السَّلَمِ، في أوَّلِ الفَصلِ السَّادِسِ.

فوائد؛ إحْداها، يجوزُ اقْتِضاءُ نَقْدٍ مِن آخَرَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأثْرَمِ، وابنِ مَنْصُورٍ، وحَنْبَلٍ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم، ويُؤخَذُ ذلك مِن كلامِ المُصَنِّفِ، في قوْلِه في آخِرِ الإِجارَةَ: وإذا اكْتَرَى

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بدَراهِمَ وأعْطاه عنها دَنانِيرَ. وعنه، لا يصِحُّ. فعلى المذهبِ، يُشْتَرَطُ أنْ يُحْضِرَ أحدَهما، والآخَرُ في الذِّمَّةِ مُسْتَقِر بسِعْرِ يَوْمِه. نصَّ عليه، ويكونُ صَرْفًا بعَينٍ وذِمَّةٍ. وهل يُشْتَرَطُ حلُولُه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقال: توَقَّفَ أحمدُ، أحدُهما، لا يُشْتَرطُ. وهو الصَّحيحُ. صحَّحَه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وغيرِهم. والثَّاني، يُشْتَرطُ. قال في «الوَجيزِ»: حالًّا. الثَّانيةُ، لو كانَ له عندَ رَجُلٍ ذَهَبٌ، فقَبَضَ منه دَراهِمَ مِرارًا،

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنْ كان يُعْطِيه كل دِرْهَمٍ بحِسابِه مِنَ الدِّينارِ، صحَّ. نصَّ عليه. وإنْ لم يَفْعَلْ ذلك، ثم تَحاسَبا بعدُ، فصارَفَه بها وَقْتَ المُحاسَبَةِ، لم يَجُزْ. نصَّ عليه؛ لأنَّه بَيعُ دَينٍ بدَينٍ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ كانا في ذِمَّتَيهما فاصْطَرَفا، فنَصُّه، لا يصِحُّ. وخالفَ شيخُنا. انتهى. الثَّالثةُ، متى صارَفَه وتَقابَضا، جازَ له الشِّراءُ منه مِن جِنْسِ ما أخَذ منه بلا مُواطَأةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابن رَزِينٍ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يُكْرَه في المَجْلِسِ. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . ومنَعَه ابنُ أبي مُوسى، إلَّا أنْ يَمْضيَ ليُصارِفَ غيرَه، فلم يَسْتَقِمْ. ونقَل الأثْرَمُ وغيرُه، ما يُعْجِبُني، إلَّا أنْ يَمْضِيَ فلم يَجِدْ. ونقَل حَرْبٌ وغيرُه، مِن غيرِه أعْجَبُ إليَّ.

ص: 125

وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ، فِي اظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا،

ــ

قولُه: والدَّراهِمُ والدَّنانيرُ تَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ في العَقْدِ، في أظْهَرِ الرِّوايتَين. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، حتى أنَّ القاضِيَ في «تَعْليقِه» أنْكَرَ ثبوتَ الخِلافِ في ذلك في المذهبِ، والأكْثَرُون أثْبَتُوه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَنْصوصُ عن أحمدَ في رِوايَةِ الجَماعَةِ، والمَعْمُولُ عليه عندَ الأصحابِ كافَّةً. انتهى. وعنه، لا تتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينَ.

ص: 126

وَإنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً، خُيِّر بَينَ الإمْسَاكِ وَالْفَسْخِ، وَيَتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالأرْشِ، وإنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَة، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَالأخْرَى، لَا تَتَعَيَّنُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ.

ــ

تنبيهات؛ أحدُها، قوْلُه: تَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ في العَقْدِ. يعْنِي، في جَميعِ عُقُودِ المُعاوَضاتِ. صرَّح به صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «القَواعِدِ» ،

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، وغيرُهم. وهو واضِحٌ. الثَّاني، لهذا الخِلافِ فَوائدُ كثيرةٌ، ذكَر المُصَنِّف هنا بعضَها؛ منها -على المذهبِ، لا يجوزُ إبْدالُها، وإنْ خرَجَتْ مَغْصُوبَةً، بطَل العَقْدُ، ويُحْكَمُ بمِلْكِها للمُشْتَرِي بمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ، فيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيها، وإنْ تَلِفَتْ، فمِن ضَمانِه، وإنْ وجَدَها مَعِيبَةً مِن غيرِ جنْسِها، بطَل العَقْدُ. وإنْ كان العَيبُ مِن جِنْسِها -وهو مُرادُ المُصَنِّف هنا- خُيِّرَ بينَ الفَسْخِ والإِمْسَاكِ بلا أَرشٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وإذا وقَع العَقْدُ على مِثْلَين؛ كالذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والفِضَّةِ بالفِضَّةِ. وخرَّج القاضِي وَجْهًا

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بجَوازِ أخْذِ الأَرْشِ في المَجْلِس. قال المُصنِّفُ: ولا وَجْهَ له. قال في «الفُروعِ» : وهو سَهْوٌ. وإنْ كانَ العَقْدُ وقَع على غيرِ مِثْلِه، كالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ، فله أخْذُ الأَرْش في المَجلِسِ، وإلَّا فلا. وجزَم به في «المُغْنِي» وغيرِه. قال ابنُ مُنَجَّى: فيَجِبُ حَمْلُ كلامِ المُصَنِّف هنا على ما إذا كان العَقْدُ مُشْتَمِلًا على الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ مِنَ الطَرِّفَين. انتهى. قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه، في هذا التَّفْريعِ: فإنْ أمْسَكَ، فله الأرْشُ، إلَّا في صَرْفِها بجِنْسِها. [وظاهِرُ كلامِ الشَّارحِ، أنَّه أجْرَى كلامَ المُصَنِّفِ في الصَّرْفِ وغيرِه](1). وقال المُصَنِّفُ هنا:

(1) زيادة من: ش.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويتَخَرَّجُ أنْ يُمْسِك ويُطالِبَ بالأَرْشِ. وهو لأبي الخَطَّابِ. قال الزَّرْكَشي: أطْلَقَ التَّخْريج، فدَخلَ في كلامِه الجِنْسُ والجِنْسان، وفي المَجْلِسِ وبعدَه. انتهى. وعلى الروايةِ الثَّانيةِ، له إبْدالُها مع عَيبٍ وغَصْبٍ، ولا يَمْلِكُها المُشتَرِي إلَّا بقَبْضِها، وهي قبلَه مِلكُ البائعِ، وإنْ تَلِفَتْ، فمِن ضمانِه. ومنها، لو باعَه سِلْعَةً بنَقْدٍ مُعَيَّنٍ، وتَشاحَّا في التَّسْليمِ، فعلى المذهبِ، يُجْعَلُ بينَهما عَدْلٌ، يقبِضُ منهما ويُسَلمُ إليهما. وعلى الثَّانيةِ، هو كما لو باعَه بنَقْدٍ في الذِّمَّةِ. يَعْنِي، أنَّه يُجْبَرُ البائِعُ على التَّسْليمِ أوَّلًا، ثم يُجْبَرُ المُشْتَرِي على تَسْليمِ الثَّمَنِ، على ما تقدَّم في كلامِ

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفِ، في البابِ قبلَه، في آخِرِ فَصْلِ اخْتِلافِ المُتَبايِعَين مُحَرَّرًا. ومنها، لو باعَه سِلْعَةً بنَقْدٍ مُعَيَّنٍ حالةَ العَقْدِ، وقبَضَه البائِعُ، ثم أحْضَره وبه عَيبٌ، وادَّعَى أنَّه الذي دفَعَه إليه المُشْتَرِي، وأنْكَرَ المُشْتَرِي، وفيه طَرِيقان. وتقدَّم ذلك مُسْتَوفَى

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في البابِ الذي قبلَه، بعدَ قوْلِه: وإنِ اخْتَلَفا في العَيبِ، هل كان عندَ البائعِ، أو

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حدَث عندَ المُشْتَرِي؟ فليُعاوَدْ.

ص: 133

وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَينَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَينَ الْمُسْلِمينَ فِي دَارِ

ــ

قوله: ويَحْرُمُ الرِّبا بينَ المُسْلِمِ والحَرْبِيِّ، وبينَ المُسْلِمِين في دارِ الحَرْبِ، كما يَحْرُمُ بينَ المُسْلِمِين في دارِ الإِسْلامِ. يَحْرُمُ الرِّبا بينَ المُسْلِمِين في دارِ الحَرْبِ،

ص: 134

الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَينَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الإسْلَامِ.

ــ

ودارِ الإِسْلام، بلا نِزاعٍ. والصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الربا مُحَرَّم بينَ الحَرْبِي والمُسلم مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهما، ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ. وقال في «المستوعِبِ» في بابِ الجِهادِ، و «المُحَررِ» ، و «المُنَور» ، و «تَجريدِ العنايَةِ» ، و «إدراكِ الغايَةِ»: يجوزُ الربا بينَ المسْلِمِ والحَرْبِيِّ الذي لا أمانَ بينَهما. ونقَلَه المَيمُونِيّ. وقدَّمه ابن عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِي في دارِ الحَربِ؛ حيثُ قال: ومَن دخَل إلى أرْضِ العَدُوَ بأَمانٍ، لم يَخنهم في مالهم، ولا يُعامِلهم بالربا. وأطلَقهما الزرْكَشِيُّ، ولمُ يَقيِّدْ هذه الرِّوايةَ في «التبصِرَةِ» وغيرِها بعَدَمِ الأَمان. وفي «المُوجَزِ» رِوايَة، لا يَحْرُمُ الرِّبا في دارِ الحَربِ. وأقرَّها الشَيخ تَقِيّ الدِّينِ على ظاهِرِها. قلتُ: يُمْكِنُ أنْ يُفرقَ بينَ الروايَةِ في «التبصِرَةِ» وغيرِها، وبينَ الروايَةِ في «المُوجَزِ» ، وحَمْلِها على ظاهِرِها؛ بأنَّ الروايةَ التي في «التبصرَةِ» وغيرَها لم يُقَيِّدْها بعَدَمِ الأمانِ، فيَدْخُلُ فيها لو كانُوا بدارِنا أو دارِهم، بأَمانٍ أو غيرِه. والروايَةُ التي في «المُوجَزِ» ، وحَمْلُها على ظاهِرِها، أنَّه لا يَحْرم الربا في دارِ الحَرْبِ سواءٌ كان بأمانٍ أو غيرِه. فرِوايَةُ «التبصرَةِ» أعَم؛ لشُمُولِها دارَ الحَرْبِ ودارَ الإِسْلامِ، بأمانٍ أو غيرِه. ورِوايَةُ «المُوجَزِ» أخَصُّ؛ لقُصُورِها على دارِ الحَرْبِ، وحَمْلِها على ظاهِرِها، سواءٌ كان بينَهم أمانٌ أوْ لا، ولا يتَوهَّمُ مُتَوَهِّم أنَّ ظاهِرَها يشْمَلُ المُسْلِمَ، فإنَّ هذا لا نِزاعَ فيه، ومعاذَ اللهِ أنْ يُرِيدَ ذلك

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإِمامُ أحمدُ. وقال في «الانْتِصارِ» : مالُ كافِرٍ مُصالحٍ مُباحٌ بطِيبِ نَفْسِه، والحَربِي مُباحٌ أخْذُه على أي وَجْهٍ كان.

فائدة: لا رِبا بينَ عَبْدٍ أو مُدَبرِ أو أمِّ وَلَدٍ ونحوهم، وبينَ سيِّدِهم. هذا المذهبُ، وقطَع به الأصحابُ، ونصَّ عليه. والْتزَمَ المَجْدُ -في مَوْضِعٍ- جَرَيانَ الرِّبا بينَه وبينَ سيِّدهِ، إذا قُلْنا: يَمْلِكُ. قاله في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، تَحْريمُ الرِّبا بينَ السَّيِّدِ ومُكاتَبِه، كالأجْنَبِي. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا رِبا بينَه وبينَ مُكاتَبِه، كعَبْدِه. اخْتارَه أبو بَكْرِ، وابنُ أبي مُوسى. ويُسْتَثْنَى مِن ذلك مَالُ الكِتابَةِ؛ فإنَّه لا يَجْرِى الرِّبا فيه. قاله في «الوَجيزِ» ،

ص: 136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، وغيرِهم هناك. فعلى المذهبِ، لو زادَ الأجَلُ والدَّينُ، جازَ في احْتِمالٍ. ويأتي ذلك في أولِ الكِتابَةِ، في أوَّلِ الفَصْلِ الثَّاني.

ص: 137