الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ القَرْضِ
ــ
بابُ القَرْضِ
فائدتان؛ إحْداهما، يُشْترَطُ في صِحَّةِ القَرْضِ، مَعْرِفَةُ قَدْرِه بمُقَدَّرٍ معْروفٍ، ووَصْفُه. ويأْتِي قَرْضُ الماءِ، وأنْ يكونَ المُقْرِضُ ممَّن يصِحُّ تَبرُّعُه. ويأْتِي، هل للوَلِيِّ أنْ يُقْرِضَ مِن مالِ المُوَلَّى عليه؟ الثَّانيةُ، القَرْضُ عِبارَةٌ عن دَفْعِ مالٍ إلى الغيرِ؛ ليَنْتَفِعَ به ويَرُدَّ بدَلَه. قاله شارِحُ «المُحَرَّرِ» .
وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ الْمَنْدُوبِ إِلَيهَا.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَينٍ يَجُوزُ بَيعُهَا، إلا بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا، مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ فِيهِمَا.
ــ
قوله: ويصِحُّ في كلِّ عَينٍ يجوزُ بَيعُها، إلا بَنِي آدَمَ، والجَواهِرَ، ونحوَهما، ممَّا لا يصِحُّ السَّلَمُ فيه، في أحَدِ الوَجْهَين فيهما. أمَّا قَرْضُ بَنِي آدَمَ، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في صِحَّةِ قَرْضِه وَجْهَين، وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ». قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ»: لا يصِحُّ قَرْضُ آدَمِيٍّ في الأظْهَرِ. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وجزَم به
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَزَجِيِّ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرحِ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ مُطْلَقًا. وقيل: يصِحُّ في العَبْدِ دُونَ الأمَةِ. وهو ضَعِيفٌ. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقَهُنَّ في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يصِحُّ قَرْضُ الأمَةِ [إذا كانتْ غيرَ مُباحَةٍ للمُقْتَرِضِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وقيل: يصِحُّ قَرْضُ الأمَةِ](1) لمَحْرَمِها. وجزَم أنَّه لا يصِحُّ لغيرِ مَحْرَمِها. وأمَّا قَرْضُ الجَواهِرِ وغيرِها ممَّا يصِحُّ بَيعُه، ولا يصِحُّ السَّلَمُ فيه؛ فأطْلَقَ المُصَنِّفُ في صِحَّتِه وَجْهَين، وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يصِحُّ. وهو الصَّحيحُ. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَحيزِ» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . فعليه، يرُدُّ المُقْتَرِضُ القِيمَةَ، على ما يأْتِي. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يصِحُّ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «مُنْتَخَبِ
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآدَمِيِّ»، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الرِّعايتَين». واخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ». قال في «التَّلْخيصِ»: أصْلُ الوَجْهَين، هل يَرُدُّ في المُتَقَوِّماتِ القِيمَةَ أو المِثْلَ؟ على رِوايتَين تأْتِيان.
فائدة: قال في «الفُروعِ» : ومِن شأْنِ القَرْضِ، أنْ يُصادِفَ ذِمَّةً، لا على ما يحْدُثُ. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» . وفي «المُوجَزِ» ، يصِحُّ قَرْضُ حَيوانٍ، وَثْوبٍ لبَيتِ المالِ، ولآحَادِ المُسْلِمِين. [فعلى الأولِ، لا يصِحُّ قَرْضُ جِهَةٍ، كالمَسْجِدِ والقنْطَرَةِ ونحوه، ممَّا لا ذِمَّةَ له](1).
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، ظاهِرُ قوْلِه: ويصِحُّ في كلِّ عَينٍ يجوزُ بَيعُها. أنَّه لا يصِحُّ قَرْضُ المَنافِعِ؛ لأنَّها ليستْ بأعْيانٍ. قال في «الانْتِصارِ» : لا يجوزُ قَرْضُ المَنافِعِ. وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ؛ حيثُ قالُوا: ما صحَّ السَّلَمُ (1)
(1) في الأصل، ط:«السلف» .
وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بَالْقَبْضِ،
ــ
فيه، صحّ قَرْضُه، إلَّا ما اسْتَثْنَى. وقال الشّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يجوزُ قَرْضُ المَنافِعِ، مثْلَ أنْ يحْصُدَ معه يوْمًا، ويحْصُدَ معه الآخرُ يَوْمًا، أو يُسْكِنَه الآخَرُ دارًا ليُسْكِنَه الآخرُ بدَلَها.
الثَّانِي، ظاهرُ قوْلِه: ويثْبُتُ المِلْكُ فيه بالقَبْضِ. أنَّه لا يثْبُتُ المِلْكُ فيه قبلَ قَبْضِه. وهو أحَدُ الوَجْهَين. جزَم به المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ المُنَجَّى» . قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم: ويملِكُه المُقْتَرِضُ بقَبْضِه. انتهوا. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَتِمُّ بقَبُولِه، ويمْلِكُ بقَبْضِه. قال في «الفُروعِ»: ويَتِمُّ بقَبُولِه. قال جماعةٌ: ويُمْلَكُ. وقيل: يثْبُتُ مِلْكُه بقَبْضِه كهِبَةٍ، وله الشِّراءُ مِن مُقْرِضِه. نقَلَه مُهَنَّا. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكرِةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم: ويتِمُّ بالقَبُولِ، ويَمْلِكُ بقَبْضِه. وقال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والأرْبَعِين»: القَرْضُ (1)، والصَّدَقَةُ، والزَّكاةُ، وغيرُها، فيه طَرِيقان؛ إحْداهما، لا يُمْلَكُ إلَّا بالقَبْضِ، رِوايَةً واحدَةً. وهي طَرِيقَةُ «المُجَرَّدِ» ، و «المُبْهِجِ» . ونصَّ عليه في مَواضِعَ. والثَّانيةُ، لا يُمْلَكُ المُبْهَمُ بدُونِ القَبْضِ. ويُمْلَكُ المُعَيَّنُ (2) بالعَقْدِ (3). وهي طَرِيقَةُ القاضي في «خِلافِه» ، وابنِ عَقِيلٍ في «مُفْرَداتِه» ، والحَلْوانِيِّ، وابنِه، إلَّا أنَّهما حكَيا في المُعَيَّنِ رِوايتَين. وأمَّا اللُّزومُ (4)، فإنْ كانَ مَكِيلًا أو مَوْزونًا، فبكَيلِه أو وَزْنِه، وإنْ كانْ غيرَ ذلك، ففيه رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». قلتُ: حُكْمُ المَعْدُودِ والمَذْرُوعِ، حُكْمُ المَكِيلِ والمَوْزُونِ. [والصَّحيحُ، أنَّه لا يلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ](5). وجزَم في «التَّلْخيصِ» ، أنَّه يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه إذا كان مُعَيَّنًا. وكذا جزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في بابِ القَبْضِ والضَّمانِ.
(1) في الأصل، ط:«المقرض» . انظر: القواعد الفقهية 71.
(2)
في الأصل، ط:«العين» . انظر: القواعد الفقهية 71.
(3)
في النسخ: «بالقبص» . والمثبت كما في القواعد الفقهية، وتصحيح الفروع.
(4)
بياض في: الأصل، ط.
(5)
سقط من: الأصل، ط.
فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ، وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ،
ــ
قوله: فلا يَمْلِكُ المُقْرِضُ اسْتِرْجاعَه، وله طَلَبُ بَدَلِه. بلا نِزاعٍ.
فَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيهِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ، أَوْ يَكُنْ فُلُوسًا،
ــ
قوله: فإنْ رَدَّه المُقْتَرِضُ عليه، لَزِمَه قَبُولُه. إنْ كان مِثْلِيًّا، لَزِمَه قَبُولُه. بلا نِزاعٍ. وإنْ كان غيرَ مِثْلِيٍّ، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنه يلْزَمُه قَبُولُه أيضًا. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ،
أَوْ مُكَسَّرَةً، فَيُحَرِّمَهَا السُّلْطَانُ، فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَرْضِ.
ــ
و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «النظْمِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، وغيرِهم؛ لإطْلاقِهم الرَّدَّ. وقال شارِحُ «المُحَرَّرِ»: وأصحابُنا لم يُفَرِّقُوا بينَهما. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين». وقيل: لا يلْزَمُه قَبُولُه؛ لأنَّ القَرْضَ فيه يُوجِبُ رَدَّ القِيمَةِ، على أحَدِ الوَجْهَين، فإذا ردَّه [بعَينِه، لم](1)، يرُدَّ الواجِبَ عليه. وهذا الوَجْهُ هو الصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به ابنُ رَزِينٍ و «الحَاويَين». وقدَّمَه في «الفُروعِ». وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال شارِحُ «المُحَرَّر»: ولم أجِدْ ما قال في كتابٍ آخَرَ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ له ردَّه، سواءٌ رَخُصَ السِّعْرُ أو غَلا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يلْزَمُه القِيمَةُ إذا رَخُصَ
(1) في الأصل، ط:«بعيب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السِّعْرُ.
قوله: ما لم يتَعَيَّبْ، أو يَكُنْ فُلُوسًا، أو مُكَسَّرَةً، فيُحَرِّمَها السُّلْطانُ، فتكونُ له القِيمَةُ. [إذا تَعَيَّبَتْ أو تَغَيَّرَتْ فله القِيمَةُ، وإنْ كانَتْ فُلُوسًا أو مُكَسَّرَةً، فيُحَرِّمَها السُّلْطَانُ](1)، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ له القِيمَةَ أيضًا، سواءٌ اتَّفَقَ النَّاسُ على تَرْكِها أو لا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وقال القاضي: إنِ اتَّفَقَ النَّاسُ على تركِها، فله القِيمَةُ، وإنْ تَعامَلُوا بها مع تَحْريمَ السُّلْطانِ لها، لَزِمَه أخْذُها.
(1) سقط من: الأصل، ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فتَكونُ له القِيمَةُ وَقْتَ القَرْضِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الإِرْشادِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «والمُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وقيل: له القِيمَةُ وَقْت تَحْرِيمِها. قاله أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» . وقال في «المُسْتَوْعِبِ» : وهو الصَّحيحُ عندِي. قال في «الفُروعِ» وغيرِه: والخِلافُ فيما إذا كانت ثَمَنًا. وقيل: له القِيمَةُ وَقْتَ الخُصُومَةِ.
فائدتان؛ إحْداهما، قوْلُه: فتَكونُ له القِيمَةُ. اعلمْ أنَّه إذا كان ممَّا يجْرِي فيه الرِّبا، [فإنَّه يُعْطى ممَّا لا يجْرِي فيه الرِّبا](1)؛ فلو أقْرَضَه دَراهِمَ مُكَسَّرَةً، فحَرَّمَها السُّلْطانُ، أُعْطِيَ قِيمَتَها ذهبًا، وعكْسُه بعَكْسِه. صرَّح به في «الإِرْشادِ» ، و «المُبْهِجِ». وهو واضِحٌ. قال في «الفُروعِ»: فله القِيمَةُ مِن غيرِ جِنْسِه. الثَّانيةُ، ذكَر ناظِمُ «المُفْرَداتِ» هنا مَسائِلَ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ القَرْضِ، فأحْبَبْتُ أنْ
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أذْكُرَها هنا؛ لعِظَمِ نَفْعِها، وحاجَةِ النَّاسِ إليها، فقال:
والنَّقْدُ في المَبِيعِ حيثُ عُيِّنا
…
وبعدَ ذا كسادُهُ تَبَيَّنا
نحوَ الفُلوسِ، ثم لا يُعاملُ
…
بها، فمنه عندَنا لا يُقْبَلُ
بل قِيمةُ الفُلوسِ يومَ العَقْدِ
…
والقَرْضِ أيضًا، هكذا في الرَّدِّ
ومثْلُه مَن رامَ عَوْدَ الثَّمَنِ
…
برَدِّه المَبِيعَ، خُذْ بالأَحْسَنِ
قد ذكَر الأصحابُ ذا في ذِي الصُّوَرْ
…
والنَّصُّ في القَرْضِ عِيانًا (1) قد ظهَرْ
والنَّصُّ بالقِيمَةِ في بُطْلانِها
…
لا في ازْدِيادِ القَدْرِ أو نُقْصانِها
بل إنْ غلَتْ فالمِثْلُ فيها أحْرَى
…
كدانِقٍ عِشْرِين صارَ عشْرًا
والشَّيخُ في زِيادَةٍ أو نَقْصِ
…
مِثْلًا كقَرْضٍ في الغَلا والرُّخْصِ
وشَيخُ الاسْلامِ فتَى تَيمِيَّهْ
…
قال: قِياسُ القَرْضِ عن جَلِيَّهْ
الطَّرْدُ في الدُّيونِ كالصَّداقِ
…
وعِوَضْ في الخُلْعِ والإِعْتاقِ
والغَصْبُ والصُّلْحُ عنِ القِصاصِ
…
ونحوُ ذا طُرًّا بلا اخْتِصاصِ
قال: وجا في الدَّينِ نصٌّ مُطْلَقٌ
…
حرَّرَه الأثْرَمُ؛ إذْ يُحقِّقُ
وقوْلُهم: إن الكَسادَ نقْصًا
…
فذاك نَقْصُ النَّوْعِ عابَتْ رُخْصًا
قال: ونقْصُ النَّوْعِ ليس يُعْقَلُ
…
فيما سِوَى القِيمَةِ، ذا لا يُجْهَلُ
وخرَّج القِيمَةَ في المِثْلِيِّ
…
بنَقْصِ نَوْعٍ ليس بالخَفِيِّ
واخْتارَه وقال: عدلَ ماضي
…
خَوْفَ انتِظارِ السِّعْرِ (2) بالتَّقاضِي
لحاجَةِ النَّاسِ إلى ذِي المَسْألَهْ
…
نَظَمْتُها مَبْسُوطَةً مُطَوَّلَهْ
(1) في الأصل، ط:«عينًا» ، ولا ينتظم بها الوزن.
(2)
في الأصل، ا:«العسر» .
وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوهَا، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَجْهَانِ.
ــ
قوله: ويَجِبُ رَدُّ المِثْلِ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ، والقِيمَةِ في الجَواهِرِ ونحوها. يجِبُ رَدُّ المِثْلِ في المَكيلِ والمَوْزونِ، بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو أعْوَزَ المِثْلُ فيهما، لَزِمَه قِيمَتُه يومَ إعْوازِه. ذكَره الأصحابُ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: ولو اقْترَضَ حِنْطَةً، فلم تَكُنْ عندَه وَقْتَ الطَّلَبِ، فرَضِيَ بمِثْلِ كيلِها شَعِيرًا، جازَ، ولا يجوزُ أخْذُ أكثرَ. وأمَّا الجَواهِرُ ونحوُها، فيَجِبُ رَدُّ القِيمَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما قال المُصَنِّفُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم يَوْمَ قَبْضِه. وقيل: يجِبُ رَدُّ مِثْلِه جِنْسًا وصِفَةً وقِيمَةً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وفيما سِوَى ذلك -يعْنِي في المَذْروعِ والمَعْدودِ، والحَيوانِ ونحوه- وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «تجْريدِ العِنايَةِ» ؛ أحدُهما، يرُدُّ القِيمَةَ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، و «التَّسْهيلِ» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «شَرْحِ ابنَ رَزِينٍ» ، و «الرِّعايتَين» . والوَجْهُ الثَّانِي، يجِبُ رَدُّ مِثْلِه مِن جِنْسِه بصِفاتِه. وإليه مَيلُه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وهو ظاهِرُ كلامِه في «العُمْدَةِ» . فعلى الأوَّلِ، يرُدُّ القِيمَةَ يَوْمَ القَرْضِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعلى الثَّانِي، يُعْتَبرُ مِثْلُه في الصِّفاتِ تَقْرِيبًا، فإنْ تعَذَّرَ المِثْلُ، فعليه قِيمَتُه يومَ التَّعَذُّرِ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو اقْتَرضَ خُبْزًا أو خَمِيرًا عدَدًا، ورَدَّ عدَدًا بلا قَصْدِ
وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ.
ــ
زِيادَةٍ، جازَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونقَلَه الجماعَةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ. وعنه، بل مِثْلُه وَزْنًا. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ». وقال في «الرِّعايَةِ»: وقيل: يرُدُّ مِثْلَه عدَدًا -مع تحَرِّي التَّساوى والتَّماثُلِ- بلا وَزْنٍ ولا مُواطَأَةٍ. الثَّانيةُ، يصِحُّ قَرْضُ الماءِ كَيلًا، ويصِحُّ قَرْضُه للسَّقْيِ، إذا قُدِّرَ بأُنُبُوبَةٍ ونحوها. قاله في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وسألَه أبو الصَّقرِ، عن عَينٍ بينَ أقوْامٍ لهم نَوَائِبٌ في أيَّامٍ؛ يقْتَرِضُ الماءَ مِن صاحبِ نَوْبَةِ الخَمِيسِ ليَسْقِيَ به، ويَرُدُّ عليه يومَ السَّبْتِ؟ قال: إذا كان مَحْدُودًا، يُعْرَفُ كم يَخْرُجُ منه، فلا بَأْسَ، وإلَّا أكْرَهُه.
قوله: ويَثْبُتُ العِوَضُ (1) في الذِّمَّةِ حَالًّا، وإنْ أَجَّلَه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ يُوسُفَ بنِ مُوسى، وأخِيه الحُسَينِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرُهم. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، صِحَّةَ تأْجِيلِه، ولزُومَه إلى أجَلِه، سواءٌ كان قَرْضًا أو غيرَه، وذكَرَه وَجْهًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو مذهبُ مالِكٍ. واللَّيثِ. وذكَرَه البُخارِيُّ في «صَحِيحِه» (2) عن بعضِ السَّلَفِ. وقال في
(1) في الأصول: «القرض» .
(2)
في: باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع، من كتاب الاستقراض. صحيح البخاري 3/ 156.
وَيَجُوزُ شَرطُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِيهِ.
ــ
«الرِّعايةِ» : وقيل: إنْ كان دَينُه مِن قَرْضٍ أو غَصْبٍ، جازَ تأْجِيلُه، إنْ رَضِيَ. وخرَّج رِوايَةً مِن تأْجِيلِ العارِيَّةِ، ومِن إحْدَى الرِّوايتَين في صِحَّةِ إلْحاقِ الأجَلِ والخِيارِ بعدَ لُزومِ العَقْدِ.
فائدة: وكذا الحُكْمُ في كلِّ دَينٍ حَلَّ أجَلُه، لم يَصِرْ مُؤَجَّلًا بتَأْجِيلِه. فعلى المذهبِ، في أصْلِ المَسْألَةِ، يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وصحَّحه في «الفُروعِ». قال الإِمامُ أحمدُ: القَرْضُ حالٌّ، وَيَنْبَغِي أنْ يَفِيَ بوَعْدِه. وقيل: لا يَحْرُمُ تأْجِيلُه. وهو الصَّوابُ. ويأْتِي آخِرَ البابِ وُجوبُ أداءِ دُيونِ الآدَمِيِّين على الفَوْرِ في الجُمْلَةِ.
وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا؛ نَحْوَ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيرًا مِنْهُ، أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ. وَيَحْتَمِلُ جَوَازُ هَذَا الشَّرْطِ.
ــ
قوله: ولا يجوزُ شَرْطُ ما يَجُرُّ نفْعًا، نحوَ أنْ يُسْكِنَه دارَه، أو يقْضِيَه خَيرًا مِنه، أو في بَلَدٍ آخَرَ. أمّا شَرْطُ ما يَجُرُّ نفْعًا، أو أنْ يَقضِيَه خَيرًا منه، فلا خِلافَ في أنَّه لا يجوزُ. وأمَّا إذا شرَط أنْ يَقْضِيَه ببَلَدٍ آخَرَ؛ فجزَم المُصَنِّفُ هنا أنَّه لا يجوزُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. وهو الصَّحيحُ. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الهِدايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِبِ» . قال المُصَنِّفُ هنا: ويحْتَمِلُ جَوازُ هذا الشَّرْطِ. وهو عائدٌ إلى هذه المَسْألَةِ فقط. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» . وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ أبِي مُوسى. وقطع المُصَنِّفُ والشَّارِحُ -فيما إذا لم يكُنْ لحَمْلِه مُؤْنَةٌ- بالجَوازِ، [وعدَمِه فيما لحَمْلِه مُؤَنَةٌ](1). وأطْلَقهما في [«المُغْنِي»، و «الكافِي»، و](3)«الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» . وعنه، الكراهَةُ إنْ كان لبَيعٍ. وعنه، لا بَأْسَ به على وَجْهِ المَعْرُوفِ. فعلى الأوَّلِ، في فَسادِ العَقْدِ رِوايَتان. وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ،
(1) سقط من: الأصل، ط.
وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيرِ شَرْطٍ، أَوْ قَضَى خَيرًا مِنْهُ، أَوْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ
ــ
و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . وجزَم ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» بالفَسادِ.
قلتُ: الأَوْلَى عدَمُ الفَسادِ.
فائدة: لو أرادَ إرْسال نفَقَةٍ إلى أهْلِه، فأَقْرَضَها رَجُلًا ليُوَفِّيَها لهم، جازَ. وقيل: لا يجوزُ. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» وغيرِه.
قوله: وإِنْ فعَلَه بغيرِ شَرْطٍ، أو (1) قضَى خَيرًا منْه -يعْنِي بغيرِ مُواطَأَةٍ، نصَّ
(1) بعده في الأصل، ط:«ذكر» .
الْوَفَاءِ، جَازَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَرَدَّ خَيرًا مِنْهُ، وَقَال:«خَيرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» .
ــ
عليه -أو أَهْدَى له هَدِيَّةً بعدَ الوَفَاءِ، جازَ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: صحَّ على الأصحِّ. وكذا قال في «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» . وصحَّحه في الثَّانيَةِ والثَّالِثَةِ في «الفائقِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفائقِ» ، فيما إذا فعَلَه بغيرِ شَرْطٍ. وقدَّمه في الجَميعِ في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» . وعنه، لا يجوزُ. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» . وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، فيما إذا أهْدَى له هَدِيَّةً بعدَ الوَفاءِ، أو زادَه. وجزَم الحَلْوَانِيُّ أنْ يأْخُذَ أجْوَدَ مع العادَةِ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو عَلِمَ أنَّ المُقْتَرِضَ يزِيدُه شيئًا على قَرْضِه، فهو كشَرْطِه. اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ». وقدَّمه في «الرِّعايتَين». وقيل: يجوزُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وفي «الحاوي الكَبِيرِ» ، وقالُوا: لأنَّه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ كان مَعْرُوفًا بحُسْنِ الوَفاءِ، فهل يَسُوغُ لأحَدٍ أنْ يقولَ: يُكْرَهُ القَرْضُ له؟ وعلَّلُوه بتَعْليلٍ جيِّدٍ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . قلتُ: وهو الصَّوابُ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقهما في «الفائقِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: إنْ زادَ مَرَّةً في الوَفاءِ، فزِيادَةُ مَرَّةٍ ثانيةٍ مُحَرَّمَةٌ. ذكَرَه في «النَّظْمِ» . الثانيةُ، شَرْطُ النَّقْصِ كشَرْطِ الزِّيادَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين». وقيل: يجوزُ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجّهُ أنَّه فيما لا رِبًا فيه. قلتُ: قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وإنْ شرَط في القَرْضِ أنْ يُوَفِّيَه أنْقَصَ، وكان ممَّا يَجْرِي فيه الرِّبا،
وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، لَمْ يَجُزْ، إلا أنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَينَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ.
ــ
لم يَجُزْ، وإنْ كان في غيرِه، لم يَجُزْ أيضًا. وقال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: وإنْ شرَط التَّوْفِيَةَ أنْقَصَ، وهو ممَّا يَجْرِي فيه الرِّبا، لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ. وقيل: لا يجوزُ.
فائدة: لو أَقْرَضَ غَرِيمَه ليَرْهَنَه على مالِه، عليه وعلى المُقْرَضِ، ففي صِحَّتِه رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «المُسْتَوْعِبِ». قال في «الحاوي الكَبِيرِ»: لو قال صاحِبُ الحقِّ: أَعْطِنِي رَهْنا، وأُعْطِيك مالًا تَعْمَلُ فيه وتَقْضِينِي. جازَ. وكذا قال أيضًا في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وجزَم به في مَوْضِعٍ.
قوله: وإنْ فعَلَه قبلَ الوَفاءِ، لَمْ يَجُزْ، إلَّا أنْ تَكُونَ العادَةُ جارِيَةً بينَهما قبلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَرْضِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجوزُ.
تنبيه: قوْلُه: لم يَجُزْ. يعْنِي، لم يَجُزْ أخْذُه مَجَّانًا. فأمَّا إذا نوَى احْتِسابَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن دَينِه، أو مُكافَأَتَه، جاز. نصَّ عليه. وكذلك الغَرِيمُ؛ فلو اسْتَضافَه، حسَب له ما أكَلَه. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ لا يَحْسُبُ له. [قلتُ: يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ؛ فإنْ كان له عادَةٌ بإطْعامِ مَن أضافَه، لم يحْسُبْ له](1)، وإلا حسَب. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِه، أنَّه في الدَّعَواتِ كغيرِه.
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ منها، لو أقْرَضَ لمَن له عليه دَينٌ ليُوَفِّيَه كلَّ وَقْتٍ شيئًا، جازَ. نقلَه مُهَنَّا، وجزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. ونقَل حَنْبَلٌ، يُكْرَهُ. واخْتارَه في «التَّرْغِيبِ» . ومنها، لو أقْرَضَ فَلَّاحَه في شِراءِ بقَرٍ أو بَذْرٍ، بلا شَرْطٍ، حَرُمَ عندَ الإِمامِ أحمدَ. واخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. وجوَّزَه المُصَنِّفُ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وإنْ أمَرَه ببَذْرِه، وأنَّه في ذِمَّتِه -كالمُعْتادِ في فِعْلِ النَّاسِ- ففاسِدٌ، له تَسْمِيَةُ المِثْلِ، ولو تَلِفَ لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه أمانَةٌ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ومنها، لو أقْرَضَ مَن عليه بُرٌّ؛ يَشْتَرِيه به، ويُوَفِّيه إيَاه، فقال سُفيانُ: مَكْرُوهٌ، أَمْرٌ بَيِّنٌ. قال الإمامُ أحمدُ: حَرُمَ (1). وقال في «المُسْتَوْعِبِ» : يُكْرَهُ. وقال: وقال في «المُغْنِي» ،
(1) في الأصل، ا:«جود» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» : يجوزُ. ومنها، لو جعَل له جُعْلًا على اقْتِراضِه له بجاهِه، صحَّ؛ لأنَّه في مُقابَلةِ ما بذَلَه مِن جَاهِه فقط، ولو جعَل له جُعْلًا على ضَمانِه له، لم يَجُزْ. نصَّ عليهما؛ لأنَّه ضامِنٌ، فيَكونُ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً. ومنَع الأَزَجِيُّ في الأُولَى أيضًا.
وَإِذَا أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا، فَطَالبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ، لَزمَتْهُ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيرَهَا، لَمْ تَلْزَمْهُ. فَإِنْ طَالبَهُ بِالْقِيمَةِ، لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا.
ــ
قوله: وإذا أَقْرَضَه أثْمانًا -وكذا لو غصَبَه أثْمانًا- فطالبَه بها ببَلَدٍ آخَرَ، لَزِمَتْه. مُرادُه، إذا لم يَكُنْ لحَمْلِها على المُقْتَرِضِ مُؤْنَةٌ. فلو أقْرَضَه أثْمانًا كثِيرةً، ولحَمْلِها مُؤْنَةٌ على المُقْتَرِضِ، وقِيمَتُها في بلَدِ القَرْضِ أنْقَصُ، لم يَلْزَمْه، بل يلْزَمُ إذَنْ قِيمَتُه فيه فقط. وقوْلِي: ولحَمْلِها مُؤْنَةٌ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وأطْلَق أكثرُ الأصحابِ لُزومَ الرَّدِّ في الأثْمانِ، كالمُصَنِّفِ هنا. وصرَّح في «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّ الأثْمانَ لا مُؤْنَةَ لحَمْلِها. والظَّاهِرُ، أنَّهم أرادُوا في الغالِبِ، والتَّحْقيقُ ما قاله في «الفُروعِ» .
قوله: وإنْ أَقْرَضَه غيرَها، لم تَلْزَمْه، فإنْ طالبَه بالقِيمَةِ، لَزِمَه أدَاؤُها. ظاهِرُه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه سواءٌ كان لحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أو لا؛ أمَّا إنْ كان لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، فلا يَلْزَمُه، وإنْ كان ليس لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، فظاهِرُ كلامِه، أنَّه لا يَلْزَمُه أيضًا. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ الأثْمانِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مُرادُ المُصَنِّفِ هنا، وكلامُه جارٍ على الغالِبِ.
تنبيه: ذكَر المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، وجماعةٌ، ما لحَمْلِه مُؤْنَةٌ لا يلْزَمُ المُقْتَرِضَ [بَذْلُه، بل قِيمَتُه](1)، وما ليس له مُؤَنَةٌ يَلْزَمُه. وذكَر صاحِبُ «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم، وقدَّمه في «الفُروعِ» ، [لو طلَب المُقْرِضُ مِنَ المُقْتَرِضِ بدَلَه في بَلَدٍ آخَرَ، لَزِمَه، إلا إذا كان لحَمْلِه مُؤْنَةٌ -إذا كان ببَلَدِ القَرْضِ أنْقَصَ قِيمَةً- فلا يلْزَمُه سِوَى قِيمَتِه فيه](2). قال شارِحُ «المُحَرَّرِ» : إنْ لم يكُنْ لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، وهو في بَلَدِ القَرْضِ بمِثْلِ ثَمَنِه، أو أعلَى منه في ذلك البَلَدِ، لَزِمَه رَدُّ بدَلِه. وإنْ كان لحَمْلِه مُؤْنَةٌ؛ فإنْ كان في بَلَدِ القَرْضِ أقَلَّ قِيمَةً، لم يجبْ رَدُّ البَدَلِ، ووجَبَتِ القِيمَةُ، وإنْ كان في بَلَدِ القَرْضِ بمِثْلِ قِيمَتِه، أو أكثرَ، أمْكنَه أنْ يَشْتَرِيَ في بَلَدِ المُطالبَةِ مِثْلَها ويَرُدَّها عليه.
(1) في الأصل، ط:«بذلها» .
(2)
في الأصل، ط:«لو طلب المقرض من المقترض بدله في بلد آخر، أو مما لا لحمله مؤنة إذا كان ببلد القرض أنقص قيمة، فلا يلزمه سوى قيمته فيه» . وانظر: الفروع 4/ 207.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ إحْداها، أداءُ دُيونِ الآدَمِيِّين واجِبٌ على الفَوْرِ عندَ المُطالبَةِ. قطَع به الأصحابُ، وبدُونِ المُطالبَةِ لا يجِبُ على الفَوْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: هذا المذهبُ. وقاله أبو المَعالِي، والسَّامَرِّيُّ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، في أوَّلِ الفَلَسِ. قال الشَّيخُ زَينُ الدِّينِ بنِ رَجَبٍ: محَلُّ هذا، إذا لم يَكُنْ عيَّن له وَقْتًا للوَفاءِ، فأمَّا إنْ عيَّن له وقْتًا للوَفاءِ، كيَوْمِ كذا، فلا يَنْبَغِي أنْ يجوزَ تأْخِيرُه؛ لأنَّ تَعْيِينَ الوَفاءِ فيه كالمُطالبَةِ. قال في «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: قلتُ: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ محَلَّ جَوازِ التَّأْخيرِ، إذا كان صاحِبُ المالِ عالِمًا بأنَّه مُسْتَحِقٌّ في ذِمُّتِه الدَّينَ، وأمَّا إذا لم يَكُنْ يعْلَمُ، فيَجِبُ إعْلامُه. انتهى. والوجهُ الثَّانِي، يجِبُ على الفَوْرِ مِن غيرِ مُطالبَةٍ. قاله القاضي في «الجامِعِ» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، في قَسْمِ الزَّوْجاتِ؛ أنَّه يجِبُ على الفَوْرِ. ذكَرَه محَلَّ وفاقٍ. الثَّانيةُ، لو بذَل المُقْترِضُ للمُقْرِض (1) ما عليه مِنَ الدَّينِ في بَلَدٍ آخَرَ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ لحَمْلِه على المُقْرِضِ مُؤْنَةٌ، أو لا، فإنْ كان لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، لم يَلْزَمِ المُقْرِضَ أخْذُها، وإنْ لم يكُنْ لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، فلا يَخْلُو؛ إما أنْ يكونَ البَلَدُ والطَّرِيقُ آمِنَين أولًا، فإنْ كانا آمِنَين، لَزِمَه أخْذُه. بلا نِزاعٍ. قلتُ: لو قيلَ بعَدَمِ اللُّزومِ لم يكُنْ بعيدًا؛ لأنَّه قد يتَجَدَّدُ (2) عدَمُ الأمْنِ، وإنْ كانا غيرَ آمِنَين، لم يَلْزَمْه أخْذُه. الثَّالثةُ، لو بذَل الغاصِبُ بدَلَ المُغْصَوبِ التَّالِفِ
(1) في الأصل، ط:«من المقرض» .
(2)
في الأصل، ط:«يتخذ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في غيرِ بَلَدِ المَغْصُوبِ منه، فحُكْمُه حكمُ بَذْلِ المُقْتَرِضِ للمُقْرِضِ في بَلَدِه، على ما تقدَّم. وإنْ كان غيرَ تالِفٍ، لم يُجْبَرْ على قَبْضِه مُطْلَقًا، واللهُ أعْلَمُ.