المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الرَّهْنِ ــ بابُ الرَّهْنِ فوائد؛ إحْداها، الرَّهْنُ عِبارَةٌ عن تَوْثِقَةِ دَينٍ بعَينٍ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٢

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الرَّهْنِ ــ بابُ الرَّهْنِ فوائد؛ إحْداها، الرَّهْنُ عِبارَةٌ عن تَوْثِقَةِ دَينٍ بعَينٍ

‌بَابُ الرَّهْنِ

ــ

بابُ الرَّهْنِ

فوائد؛ إحْداها، الرَّهْنُ عِبارَةٌ عن تَوْثِقَةِ دَينٍ بعَينٍ يُمْكِنُ أخْذُه مِن ثَمَنِها إنْ تعَذَّرَ الوَفاءُ مِن غيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: تَوْثِقَةُ دَينٍ بعَينٍ، أو بدَينٍ، على قَوْلٍ. الثَّانيةُ، المَرْهونُ عِبارَةٌ عن كلُّ عَينٍ جُعِلَتْ وَثِيقَةً بحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفاؤُه منها. الثَّالثةُ، لا يصِحُّ الرَّهْنُ بدُونِ إيجابٍ وقَبُولٍ، أو ما يَدُلُّ عليهما. قال في «الرِّعايَةِ» ، مِن عندِه، وتصِحُّ المُعاطاةُ. الرَّابعةُ، لا بدَّ مِن مَعْرِفَةِ الرَّهْنِ،

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقَدْرِه، وصِفَتِه، وجِنْسِه. قاله في «الرِّعايَةِ» . الخامِسَةُ، يصِحُّ أخْذُ الرَّهْنِ على كلِّ دَينٍ واجِبٍ في الجُمْلَةِ، وهنا مَسائلُ فيها خِلافٌ؛ منها، دَينُ السَّلَمِ. وقد تقدَّم الخِلافُ فيه، والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. ومنها، الأعْيانُ المَضْمونةُ، كالغُصُوبِ، والعَوارِي، والمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ، أو في بَيعٍ فاسِدٍ، وفي صِحَّةِ أخْذِ الرَّهْنِ عليها وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. قال في «الكافِي»: هذا قِياسُ المذهبِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال في «الفائقِ» : قلتُ: وعليه يُخَرَّجُ الرَّهْنُ على عَوارِي الكُتُبِ للوَقْفِ ونحوها. والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ أخْذُ الرَّهْنِ بذلك. قال القاضي: هذا قِياسُ المذهبِ. قلتُ: وهو أَوْلَى. وأمَّا رَهْنُ هذه الأشياءِ، فيَصِحُّ بلا نِزاعٍ. ومنها، الدِّيَةُ التي على العاقِلَةِ قبلَ الحَوْلِ، ففي صِحَّةِ أخْذِ الرَّهْنِ عنها وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يصحُّ. قال في «الرِّعايَةِ»: وقيل: يصحُّ إنْ صحَّ الرَّهْنُ بدَينٍ قبلَ وُجوبِه. وأمَّا بعدَ الحَوْلِ، فيَصِحُّ، قوْلًا واحدًا. ومنها، دَينُ الكِتابَةِ، وفيه وَجْهان، وفي «المُوجَزِ» ، رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ المُحَرَّرِ» ؛ أحدُهما، لا يصحُّ أخْذُ الرَّهْنِ به. وهو المذهبُ. جزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يصحُّ. وقيل: إنْ جاز أنْ يعْجِزَ

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُكاتِبُ نفْسُه، لم يصِح، وإلَّا صحُّ. ومنها، هل يجوزُ أخْذُ الرَّهْنِ على الجُعْلِ في الجَعالةِ قبَل العَملِ؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالا: هذا أوْلَى. والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ. وهو احْتِمالٌ للقاضي. وأمَّا بعدَ العَمَلِ، فيَصِحُّ أخْذُ الرَّهْنِ، قوْلًا واحدًا. ومنها، هل يصِحُّ أخْذُ الرَّهْنِ على عِوَضِ المُسابقَةِ؟ فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يصِحُّ، وقطَع به كثيرٌ مِنَ الأصحابِ؛ لأنَّها جَعالةٌ، ولم يُعْلَمْ إفْضاؤُها إلى الوُجوبِ. وقال بعضُ الأصحابِ: فيها وَجْهان؛ هل هي إجارَةٌ، أو جَعالةٌ؟. فإنْ قُلْنا: هي إجارَةٌ. صحَّ أخْذُ الرَّهْنِ بعِوَضِها. وقال القاضي: إنْ لم يكُنْ فيها مُحَلِّلٌ، فهي جَعالةٌ، وإنْ كان فيها مُحَلِّلٌ، فعلى وَجْهَين. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهذا كلُّه بعيدٌ. ذكَروه في آخِرِ السَّلَمِ. السَّادسةُ، لا يصِحُّ الرَّهْنُ بعُهْدَةِ المَبِيعِ، ولا بعِوَضٍ غيرِ ثابِتٍ في الذِّمَّةِ، كالثَّمَنِ المُعَيَّنِ، والأُجْرَةِ المُعَيَّنَةَ في الإِجارَةِ، والمَعْقُودِ عليه في الإِجارَةِ، إذا كان مَنافِعَ مُعَيَنَّةَ، مثْلَ إجارَةِ الدَّارِ، والعَبْدِ المُعَيَّنِ، والجَمَلِ المُعَيَّنِ مُدَّةً معْلُومَةً، أو لحَمْلِ شيءٍ مُعَيَّنٍ إلى مَكانٍ مَعْلُومٍ. فأمَّا إنْ وَقعَتِ الإِجارَةُ على مَنْفَعَةٍ في الذِّمَّةِ، كخِياطَةِ ثَوْبٍ، وبِنَاءِ دارٍ، ونحو ذلك، صحَّ أخْذُ الرَّهْنِ عليه. السَّابعةُ، يصِحُّ عَقْدُ الرَّهْنِ مِن كلِّ مَن يصِحُّ بَيعُه. قال في «التَّرْغِيبِ» وغيرِه: وصحَّ تَبَرُّعُه. وفي «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه، لوَلِيٍّ رَهْنُه عندَ أمِينٍ لمَصْلَحَةٍ، كحِلِّ دَينٍ عليه. قال في «الرِّعايَةِ»: يصِحُّ ممَّن له بَيعُ مالِه، والتَّبَرُّعُ به، فلا يصِحُّ مِن سَفِيهٍ، ومُفْلِسٍ، ومُكاتَبٍ، وعَبْدٍ -ولو كان مأْذُونًا

ص: 361

وَهُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ،

ــ

لهم في تِجارَةٍ- ونحوهم.

ص: 362

لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ، جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ الْحَقِّ وَبَعْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، إلا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ.

ــ

قوله: يجوزُ عَقْدُه مع الحَقِّ وبعدَه - بلا نِزاعٍ - ولا يجوزُ قبلَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يجوزُ قبلَه. وقال: يحْتَمِلُه كلامُ أحمدَ. وأطْلَقَهما في «الحاويَيْن» .

فائدة: تجوزُ الزِّيادَةُ في الرَّهْنِ، ويَكُونُ حُكْمُها حُكْمَ الأصْلِ، ولا يجوزُ

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زِيادَةُ دَينِ الرَّهْنِ؛ لأنَّه رَهْنُ مَرْهُونٍ. قال القاضي وغيرُه: كالزِّيادَةِ في الثَّمَنِ. وهذا المذهبُ فيهما، وقطَع به الأصحابُ. وقال في «الرَّوْضَةِ»: لا يجوزُ تَقْويَةُ (1) الرهْنِ بشيءٍ آخَرَ بعدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، ولا بَأْسَ بالزِّيادَةِ في الدَّينِ على

(1) في الأصل، ط:«تقومة» .

ص: 364

وَيَصِحُّ رَهْنُ كُلِّ عَينٍ يَجُوزُ بَيعُهَا،

ــ

الرَّهْنِ الأوَّلِ. قال في «الفُروعِ» : كذا قال. ويأْتِي آخِرَ البابِ، أنَّ المُرْتَهِنَ لو فَدا (1) الرَّهْنَ الجانِيَ، وشرَط جَعْلَه رَهْنًا بالفِداءِ مع الدَّينِ الأوَّلِ، هل يصِحُّ أم لا؟ فعلى الصِّحَّةِ، يكونُ كالمُسْتَثْنَى مِن هذه المَسْألَةِ.

قوله: ويجوزُ رَهْنُ كُلِّ عَينٍ يجوزُ بَيعُها، إلَّا المُكاتَبَ، إذا قُلْنا: اسْتِدامَةُ القَبْضِ شَرْطٌ. لم يَجُزْ رَهْنُه. يصِحُّ رَهْنُ كلِّ عَينٍ يجوزُ بَيعُها. وهنا مَسائلُ فيها

(1) في الأصل، ط:«قدر» ، وبعدها بياض بقدر كلمة.

ص: 365

إلا الْمُكَاتَبَ، إِذَا قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ. لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ.

ــ

خِلافٌ؛ منها، المُكاتَبُ، ويصِحُّ رَهْنُه إذا قُلْنا: يصِحُّ بَيعُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال القاضي: قِياسُ المذهبِ صِحَّةُ رَهْنِه. قال في «الرِّعايَةِ» : هذا المذهبُ. وجزَم به في «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يصِحُّ رهْنُه، وإنْ قُلْنا بصِحَّةِ بَيعِه،

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا اشْتَرطْنا اسْتدامَةَ القَبْضِ في الرَّهْنِ. وهو الذي جزَم به المُصَنِّفُ هنا، [وصحَّحه في «المُغْنِي»](1). وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن»: ويصِحُّ رَهْنُ المُكاتَب إنْ جازَ بَيعُه، ولم يَلْزَمْ بَقاءُ القَبْضِ. فعلى المذهبِ، يُمَكَّنُ مِنَ الكَسْبِ كما قبلَ الرَّهْنِ، وما أدَّاه، فهو رَهْنٌ معه؛ فإنْ عجَز، ثبَت الرَّهْنُ فيه وفي أكْسَابِه، وإنْ عتَق، كان ما أدَّاه مِن نُجومِه بعدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنًا. ومنها، العَينُ المُؤْجَرَةُ،

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 367

وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيهِ الْفَسَادُ بِدَينٍ مُؤَجَّلٍ، وَيُبَاعُ، وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا.

ــ

ويصِحُّ رَهْنُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا يصِحُّ. ومنها، ما قاله المُصَنِّفُ، وهو قوْلُه: ويجوزُ رَهْنُ ما يُسْرِعُ إليه الفَسادُ بدَينٍ مُؤجَّلٍ، ويُباعُ ويُجْعَلُ ثَمَنُه رَهْنًا. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «التَّلْخِيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ،

ص: 368

وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ،

ــ

و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وفيه وَجْهٌ، أنَّه لا يصِحُّ. ذكَرَه القاضي.

قوله: ويجوزُ رَهْنُ المُشاعِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وخرَّج عدَمَ الصِّحَّةِ.

ص: 369

ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أحَدِهِمَا أوْ غَيرِهِمَا، جَازَ، وَإنِ اخْتَلَفَا، جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أمِين، أمانَةً، أوْ بِأُجْرَةٍ.

ــ

فائدة: يجوزُ رَهْنُ حِصَّتِه مِن مُعَيَّن، مثْلَ أن يكونَ له نِصْفُ دار، فيرْهَنَ نصِيبَه مِن بَيتٍ منها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَراه. وصحَّحه في «الفائقِ». وقدَّمه ابنُ رَزِين. وقيل:

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يصِحُّ رَهْنُ حِصَّتِه مِن مُعَيَّن مِن شيءٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُه. وهو احْتِمالٌ للقاضي. وجزَم في «التَّلْخِيصِ» لغيرِ الشَّرِيكِ. وأطْلقَهما في «الفُروعِ» . قال في «الرِّعايَةِ» : ولا يصِحُّ رَهْنُ حقِّه مِن بَيتٍ مُعَيَّن مِن داود مُشْتَرَكَةٍ تنْقَسِمُ. وفيه احْتِمالٌ. وإنْ رهَنَه عندَ شَرِيكِه فاحْتِمالان، وإنْ لم تَنْقَسِمْ صحَّ. وقيل: إنْ لَزِمَ الرَّهْنُ بالعَقْدِ صحَّ، وإلَّا فلا. انتهى. والوَجْهان الأوَّلان في بَيعِه أيضًا. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». وقال في «الانْتِصارِ»: لا يصِحُّ بَيعُه. نصَّ عليه. وقطَع في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» بصِحَّةِ بَيعِه. وهو المذهبُ. فعلى المذهبِ، لو

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اقْتَسَما، فوقَع المَرْهُونُ لغيرِ الرَّاهِنِ، فهل يلْزَمُ الرَّاهنَ بدَلهُ، أو رَهْنُه لشَرِيكِه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ إلْزامُه ببَدَلِه، أو رَهْنُه لشَرِيكِه. فيه وَجْهان، وأطْلَقَهما. وقطَع المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، بأن الرَّاهِنَ

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَمْنوعٌ مِنَ القِسْمةِ في هذه الصُّورَةِ. قلتُ: فيُعايىَ بها.

فائدة: قوْلُه: فإنِ اخْتَلَفا -أي الشَّرِيكُ والمُرْتَهِنُ في كوْنِه في يَدِ أحَدِهما أو غيرِهما- جعَلَه الحَاكِمُ في يَدِ أمين أمانَةً، أو بأُجْرَةٍ. بلا نِزاع. لكِنْ هل للحاكِمِ

ص: 373

وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمَبِيعِ غَيرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِه، إلا عَلَى ثَمَنِهِ، فِي أَحَدِ الوَجْهَينِ.

ــ

أن يُؤجِرَه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، له إجارَتُه. جزَم به في «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. والثاني، لا يجوزُ له. [وهو الصَّوابُ](1).

قوله: ويجوزُ رَهْنُ المَبِيعِ غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ قبلَ قبْضِه إلَّا على ثَمَنِه في أحَدِ الوَجْهَين. إذا أرادَ رَهْنَ المَبِيعِ للغيرِ، فلا يخْلُو، إمَّا أن يكونَ قبلَ قَبْضِه

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 374

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو بعدَه؛ فإن كان بعدَ قَبْضِه، جازَ، بلا نِزاع. وإنْ كان قبَل قَبْضِه، فلا يخْلُو، إمَّا أن يكونَ مَكِيلًا أو مَوْزنًا، وما يلْحَقُ بهما، مِنَ المَعْدُودِ والمَذْرُوعِ، أو غيرِ ذلك. فإن كان غيرَ هذه الأرْبَعَةِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أن يرْهَنَه على ثَمَنِه، أو على غيرِ ثَمَنِه، فإن رهَنَه على غيرِ ثَمَنِه، صحَّ. جزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، والمُصَنِّفُ هنا، وغيرُهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وصحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» ، سواءٌ قبَض ثَمَنَه، أو لا. وقيل: لا يصِحُّ. وأطْلَقَهما في «الحاوي الصَّغِيرِ» . وقيل: لا يصِحُّ قبلَ نَقْدِ ثَمَنِه. [وإنْ رهَنَه على ثَمَنِه](1)، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ كما في صِحَّتِه وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ؛ أحدُهما، يصِحُّ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يصِحُّ مُطْلَقًا.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وأمَّا المَكِيلُ والمَوْزونُ، وما يلْحَقُ بهما مِنَ المَعْدودِ والمَذْروعِ قبلَ قَبْضِه؛ فذكَر القاضي (1) جَوازَ رَهْنِه. وحكَاه هو، وابنُ عَقِيلٍ عنِ الأصحابِ. قاله في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والخَمْسِين» . واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ»: يصِحُّ في أصحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه في «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وجَعَلُوهما كغيرِ المَكِيلِ والمَوْزونِ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم؛ لأنَّهم أطْلَقُوا. وقال في «الشَّرْحِ»: ويحْتَمِلُ أن لا يصِحَّ رَهْنُه. قلتُ (2): وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل. وجزَم به في «الحاوي الكَبِيرِ» ، في أحْكامِ القَبْضِ. وقال في «التَّلْخيصِ»: ذَكر القاضي، وابنُ عَقِيل، في مَوْضِعٍ آخَرَ، إنْ كان الثّمَنُ قد قُبِضَ، صحَّ رَهْنُه، وإلَّا فلا. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، في بابِ التَّصَرُّفِ في المَبِيعِ وتلَفِه، لكِنَّ مَحِلَّهما عندَه، بعدَ قَبْضِ ثَمَنِه.

تنبيه: اقْتِصارُ المُصَنِّفِ على المَكِيلِ والمَوْزونِ بِناءً منه على أنَّ غيرَهما ليس مِثْلَهما في الحُكْمِ. وهو رِوايَة. واخْتارَه بعضُ الأصحابِ، والمُصَنِّفُ.

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

في الأصل، ط:«قال» .

ص: 376

وَمَا لَا يَجُوزُ بَيعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، إلا الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ

ــ

والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَ المَعْدودِ والمَذْروعِ، حُكْمُ المَكِيلِ والمَوْزونِ، على ما تقدَّم في آخِرِ الخِيارِ في البَيعِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: وأمَّا كَوْنُ رَهْنِ المَكِيلِ والمَوْزونِ قبلَ قَبْضه لا يجوزُ، فمَبْنِيٌّ على الروايَةِ التي اخْتارَها المُصَنِّفُ؛ وهي أنَّ المَنْع مِن بَيعِ المَبِيعِ قبلَ قَبْضه، مُخْتَصٌّ بالمَكِيلِ والمَوْزونِ. وتقدَّم في ذلك أرْبَعُ رِواياتٍ؛ هذه. والثَّانيةُ، مُخْتَصٌّ بالمَبِيعِ غيرِ المُعَيَّنِ، كقَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ. فعليها، لا يجوزُ رَهْنُ غيرِ المُعَيَّنِ قبل قَبْضه، ويجوزُ رَهْنُ ما عَداه على غيرِ ثَمَنِه، وفي رَهْنِه على ثَمَنِه الخِلافُ. والثَّالثَةُ، المَنْعُ مُخْتَصٌّ بالمَطْعومِ. فعليها، لا يجوزُ رَهْنُه قبلَ قَبْضِه، ويجوزُ رَهْنُ ما عَداه على غيرِ ثَمَنِه، وفي رَهْنِه على ثَمَنِه الخِلافُ. والرَّابعَةُ، المَنْعُ يعُمُّ كلَّ مَبِيع. فعليها، لا يجوزُ رَهْنُ كل مَبِيع قبلَ قَبْضِه على غيرِ ثَمَنِه، وفي رَهْنِه على ثَمَنِه الخِلافُ. فعلى الأوَّلِ، يزولُ الضَّمانُ بالرَّهْنِ على قِياسِ ما إذا رهَن المَغْصُوبَ عندَ غاصِبِه. قاله في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والثَّلاثين» . وقد تقدَّم ما يحْصُلُ به القَبْضُ، في آخِرِ بابِ الخِيارِ في البَيعِ، في أوَّل الفَصْلِ الأخيرِ. وتقدّم في أواخِرِ شُروطِ البَيعِ لو باعَه بشَرْطِ رَهْنِه على ثَمَنِه.

قوله: وما لا يجوزُ بَيعُه لا يجوزُ رَهْنُه، إلَّا الثَّمَرَةَ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها مِن غيرِ شَرْطِ القَطْعِ -وكذا الزَّرْعُ الأخْضَرُ- في أحَدِ الوَجْهَين فيهما. وأطْلَقَهما في

ص: 377

غَيرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

«المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، أحدُهما، يجوزُ. يعْنِي، يصِحُّ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الوَجيزِ» ،

ص: 378

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وصحّحه في «التَّصحيحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهما. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. والوَجْهُ الثَّاني، لا يجوزُ. يعْنِي، لا يصِحُّ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ رهَنَها قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها بدَين مُؤجَّل، صحَّ في الأصحِّ، إنْ شرَط القَطْعَ، لا التَّرْكَ. وكذا الخِلافُ إنْ أطْلَقا، فتُباعُ إذَنْ على القَطْعِ -ويكونُ (1) الثَّمَنُ رَهْنًا بدَين حال، بشَرْطِ القَطْعِ- صحَّ. وتُباعُ كذلك. انتهى.

فائدة: لو رهَنَه الثَّمَرَةَ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها بشَرْطِ القَطْعِ، صحَّ. علي الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ. وقيل: لا يصِحُّ. وأطْلَقَهما في «الحاوي» . وتقدَّم كلامُه في «الرِّعايَةِ» .

(1) في الأصل، ط:«أو يكون» .

ص: 379

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن عُمومِ كلامِ المصَنِّفِ، رَهْنُ الأمَةِ دُونَ وَلَدِها، وعكْسُه؛ فإَّنه يصِحُّ ويُباعان؛ حيثُ حَرُمَ التَّفْرِيقُ. جزَم به الأصحابُ.

فائدة: متى بِيعا كان مُتَعَلَّقُ المُرْتَّهِنِ ما يخْتَّص المَرْهُونَ منهما مِنَ الثَّمَنِ. وفي قَدْرِه ثَلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، أن يُقال: إذا كانتِ الأمُّ المَرْهُونَةَ، كم قِيمَتُها مُفْرَدَة؟ فيُقالُ: مِائَة، ومع الوَلَدِ مِائَة وخمسون. فله ثُلُثا الثَّمَنِ. وقدمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . الوَجْهُ الثَّانِي، أن يُقَومَ الوَلَدُ أيضًا مُفْرَدًا، فيُقالُ: كم قِيمَتُه بدُونِ أُمِّه؟ فيُقالُ: عِشْرون. فيكونُ للمُرتَهِنِ خَمْسَةُ أسْداس. الوَجْهُ الثَّالثُ، أن تُقُومَ الأمُّ ولها وَلَدٌ، ويُقَومَ الولَدُ وهو مع أُمِّه، فأنَّ التَّفْريقَ مُمْتَنِعٌ. قال في «التَّلْخيصِ»: وهذا الصحيحُ عندِي، إذا كان المُرْتَهِنُ يعْلَمُ أن لها وَلَدًا. قال

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ جَوازُ رَهْنِ المُصْحَفِ، إذا قُلْنا: يجوزُ بَيعُه لمُسْلِم. وهو إحْدَى الرِّوايتَين. نصَّ عليه. صحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال في «الفُروعَ» : ويصِحُّ في عَينٍ يجوز بَيعُها. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والخِلافُ هنا مَبْنِيٌّ على جَوازِ بَيعِه. والرِّوايَةُ الثَّانيَةُ، لا يصِحُّ. نقَلَه الجماعَة عن أحمدَ. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وهو ظاهِرُ ماقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، فإنَّهما ذكَرا حُكْمَ رَهْنِ العَبْدِ المُسْلِمِ لكافِر، [وقدَّما عدَمَ الصِّحَّةِ، وقالا: وكذا المُصْحَفُ إنْ جازَ بَيعُه. وأطلَقَهما في «الفائقِ». وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ صحَّحْنا بَيعَ مُصْحَفٍ مِن مُسْلِمٍ، صحَّ رَهْنُه منه على الأصحِّ. فظاهِرُهم أنَّ لنا رِوايَةً بعدَمِ صِحَّةِ رَهْنِه وإن صحَّحْنا بَيعَه. وأمَّا رَهْنُه على دَين كافِرًا](1) إذا كان بيَدِ مُسْلِم، ففيه وَجْهان، أحدُهما، يصِحُّ. صحّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قلتُ: وهو الصَّوابُ. والثَّاني، لا يصِحُّ، وإنْ صحَّحْنا رَهْنَه عندَ مُسْلِم. وجزَم به في «الفائقِ» ، و «الكافي» ، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» . وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» .

فوائد؛ الأولَى، قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وأُلحِقَتْ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 381

وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ المُسْلِمِ لِكَافِر، إلا عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ، إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِم.

ــ

بالمُصْحَفِ كتُبُ الحَديثِ. يعْنِي، في جَوازِ رَهْنِها بدَينِ كافِر. قال في «الكافي»: وإنْ رُهِنَ المُصْحَفُ، أو كتُبُ الحَديثِ لكافِر، لم يصِحَّ. انتهى. الثَّانيةُ، في جَوازِ القِراءَةِ في المُصْحَفِ لغيرِ رَبِّه بلا إذْنٍ ولا ضَرَرٍ وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يجوزُ. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في هذا البابِ. والثَّاني، يجوزُ. اخْتارَه في «الرِّعايَةِ» . وجوَّز الإمامُ أحمدُ القِراءَةَ للمُرْتَهِنِ. وعنه، يُكْرَهُ. ونقَل عبدُ الله، لا يُعْجِبُنِي بلا إذْنِه. الثَّالثةُ، يلْزَمُ رَبِّه بَذْلُه لحاجَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يلْزَمُ مُطْلَقًا. وقيل: لا يلْزَمُ مُطْلَقًا، كغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . ذكَر ذلك في «الفُروعِ» ، في أوَّلِ كتابِ البَيعِ. وتقدَّم بعْضُ أحْكامِ المُصْحَفِ هناك، وأكثرُها في آخرِ نَواقِضَ الوُضوءِ.

قوله: ولا يجوزُ رَهْنُ العَبْدِ المُسْلِمِ لكافِر. هذا أحَدُ الوَجْهَين. وجزَم به في

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهادِي» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه القاضي. والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ إذا شرَطَه في يَدِ عَدْلٍ مُسْلِم. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: اخْتارَه طائِفَةٌ مِن أصحابِنا. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس عن «تَذْكِرَتِه» . قال في «المُحَررِ» : ويصِحُّ في كلِّ عَين يجوزُ بَيعُها. وكذا في «التَّلْخيص» ، و «الوَجيزِ» (1). قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو المذهبُ، وإنْ كان مُخالِفًا لما أطْلَقْناه. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» .

فوائد؛ إحْداها، يجوزُ أن يسْتَأجِرَ شيئًا ليَرْهَنَه، وأنْ يَسْتَعِيرَه ليَرْهَنَه بإذْنِ رَبِّه

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيهما، سواءٌ بيَّن قَدْرَ الدَّينِ لهما أو لا. قاله القاضي. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقدَّم في «الرِّعايَةِ» ، لا بدَّ أن يُعَيِّنَ الدَّينَ. ويجوزُ لهما الرُّجوعُ قبلَ إقْباضِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما قبلَ العَقْدِ.

ص: 384

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقيل: ليس لهما الرُّجوعُ. قدَّمه في «التَّلْخيصِ» . قال في «القواعِدِ» ، في العارِيَّةِ: قال الأصحابُ: هو لازِمٌ بالنِّسْبَةِ إلى الرَّاهِنِ، والمالِكِ. وأمَّا بعدَ إقْباضِه، فلا يجوزُ لهما الرُّجوعُ، وإنْ جوَّزْناه فيما قبلَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وجزَم به كثيرٌ منهم. وقال في «الانْتِصارِ»: يجوزُ لهما الرُّجوعُ أيضًا. فإن حَلَّ الدَّينُ وبِيعَ، رجَع المُعِيرُ أو

ص: 385

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُؤجِرُ بقِيمَتِه، أو بمِثْلِه إنْ كان مِثْلِيًّا، ولا يرجِعُ [بما باعَه به](1)، سواءٌ زادَ على القِيمَةِ أو نقَص. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائق» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن». وقيل: يرْجِعُ بأكثْرِهما. اخْتارَه في «التَّرْغِيبِ» ، و «التَّلْخيصِ» (2). وجزَم به في

(1) في الأصل، ا:«ماباعه» .

(2)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، في بابِ العارِيَّةِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ بِيعَ بأكثرَ منها، رجَع بالزِّيادَةِ في الأصحِّ. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» .

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: وهو الصَّوابُ. [قال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِي الفُروعِ»: وهو الصَّوابُ قَطعًا. انتهى](1). وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . الثَّانيةُ، لو تَلِفَ المَرْهُونُ، ضَمِنَ المُستَعِيرُ فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ في مُسْتَأجِر مِن مُسْتَعِير. الثَّالثةُ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يجوزُ أن يرْهَنَ الإنسانُ مال نَفْسِه على دَينِ غيرِه، كما يجوزُ أن يضْمَنَه، وأوْلَى، وهو (1) نَظِيرُ إعارَته الرَّهْنَ. انتهى.

(1) في الأصل، ط:«قطع» .

ص: 389

وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إلا بِالْقَبْضِ، وَاستِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ،

ــ

قوله: ولا يلْزَمُ الرَّهْنُ إلَّا بالقَبْضِ. يعْنِي للمُرْتَهِنِ أو لمَنِ اتَّفَق عليه، فلو

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اسْتَنابَ المُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ (1) في القَبْضِ، لم يصِحَّ. قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. فشَمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ مَسْألتَين؛ إحْداهما، أن يكونَ الرَّهْنُ مَوْصُوفًا غيرَ مُعَيَّن، فلا يلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ، وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. فعلى. هذا، يكون قبلَ القَبْض جائزًا، ويصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وابنِ أبِي مُوسى، والقاضي، في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، وابنِ عَقِيل، في «التّذْكِرَةِ» ، وابنِ عَبْدُوس، أنَّ القَبْضَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الرَّهْنِ، وأنَّه قبلَ القَبْضِ غيرُ صَحيح. ويأتِي ذلك. وحمَل المُصَنِّفُ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ، والقاضي كلامَ الخِرَقِيِّ على الأوَّلِ. الثَّانيةُ، أن يكونَ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا، كالعَبْدِ، والدَّارِ، ونحوهما، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ، كغيرِ المُتَعَيِّنِ. قال في «الكافِي» ، وابنُ مُنَجَّى، وغيرُهما: هذا المذهبُ. وجزَم جده في «الوَجيزِ»

(1) في الأصل، ط:«والراهن» .

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ، وأبي بَكْر في «التَنْبِيهِ» ، وابنِ أبِي مُوسى. ونَصَره أبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَر، وغيرُهما. قال في «الفُروعِ»: ذكَرَه الشَّيخُ وغيرُه المذهبَ. وعنه، أنَّ القَبْضَ ليس بشَرْطٍ في المُتَعَيِّنِ، فيلْزَمُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ. نصَّ عليه. قال القاضي في «التَّعْليقِ»: هذا قَوْلُ أصحابِنا. قال في «التَّلْخيصِ» : هذا أشْهَرُ الرِّوايتَين. وهو المذهبُ عندَ ابنِ عَقِيل وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . فعليهما، متى امْتنَعَ الرَّاهِنُ مِن تَقْبِيضِه، أُجْبِرَ عليه، كالبَيعِ. وإنْ ردَّه المُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ بعارِيَّةٍ أو غيرِها، ثم طلَبَه، أُجْبِرَ الرَّاهِنُ على ردِّه. وذكَر جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، أنَّه لا يصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبوضًا، سواءٌ كان مُعَيَّنًا أو لا. ذكَرَه في «الفُروعِ». قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والأرْبَعِين»: وصرَّح أبو بَكْرٍ بأنَّ القَبْضَ شَرْطٌ لصِحَّةِ الرَّهْنِ، وأنَّه يبْطُلُ بزَوالِه. وكذلك المَجْدُ في «شَرْحِه» ، والشِّيرازِي، وغيرُهما. انتهى. وقد تقدَّم أنَّه ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ وغيرِه.

فائدة: صِفَةُ قَبْضِ الرَّهْنِ، كقَبْضِ المَبِيعِ، على ما تقدَّم.

ص: 392

فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِن، زَال لُزُومُه، فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيهِ، عَادَ اللُّزُومُ.

ــ

قوله: فإن أخْرَجَه المُرْتَهِنُ باخْتِيارِه إلى الرَّاهِنِ، زَال لُزُومُه. ظاهِرُه، سواءٌ أخَذَه الرَّاهِنُ بإذْنِه نِيابَةً أو لا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وظاهرُ كلامِ الأصحابِ. وذكَر في «الانْتِصارِ» احْتِمالًا، أنَّه لا يزُولُ لُزومُه إذا أخَذَه الرَّاهِنُ بإذْنِه نِيابَةً.

فائدة: لو أجَرَه أو أعارَة للمُرْتَهِنِ أو غيرِه بإذْنِه، فلُزومُه باقٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، اخْتارَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والمَجْدُ في «المُحَرَّرِ» ،

ص: 393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُهما. قال في «الانْتِصارِ» : هو المذهبُ، كالمُرْتَهِنِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّر» . وصحَّحه النَّاظِمُ. وعنه، يزُولُ لُزومُه. نصَرَه القاضي، وقطَع به جماعَة، واخْتارَه أبو بَكْر في «الخِلافِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أَنَّه لا يصِيرُ مَضْمُونًا مجالٍ. فلو اسْتَأجرَه المُرْتَهِنُ، عادَ اللُّزومُ بمُضِيِّ المُدَّةِ، ولو سكَّنَه بأجْرَتِه بلا إذْنِه، فلا رَهْنَ. نصَّ عليهما. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، إنْ أكْراه بإذْنِ الرّاهِنِ، أو له، فإذا رجَع صار رَهْنًا، والكِراءُ للرَّاهِنِ. وقيل: إنْ أعارَه للمُرْتَهِنِ، لم يزُلِ اللُّزومُ، وإلّا زال. وهي طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» . وقال

ص: 394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِيُّ: وفي المذهبِ قَوْلٌ: إنْ أجَر المُرْتَهِنُ بإذْنِ الرَّاهِنِ، لم يزُلِ اللُّزومُ. وإنْ أجَر الرَّاهِنُ بإذْنِ المُرْتَّهِنِ، زال اللُّزومُ. انتهى. وقال في «الرِّعايَة»: وقيل: إنْ زادَتْ مُدَّةُ الإِجارَةِ على أجَلِ الدينِ، لم يصِحَّ بحالٍ.

فائدة: لو رهَنَه شيئًا، ثم أذنَ له في الانْتِفاعِ به، فهل يصِيرُ عارِيَّةً حال الانْتِفاعِ به؟ قال القاضي في «خِلافِه» ، وابنُ عَقِيل في «نظرِيَّاتِه» (1)، [والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي»، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ»، وغيرُهم: يصِيرُ مَضْمُونًا بالانْتِفاعِ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ](2) احْتِمالًا، أنَّه يَصِيرُ مَضْمُونًا بمُجَرَّدِ القَبْضِ إذا قبَضَه على هذا الشَّرْطِ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا اتَّفَقا على ذلك، فإنِ اخْتلَفا، تعَطَّلَ الرَّهْنُ. على المذهبِ. واخْتارَ في «الرِّعايَةِ» ، لا يتَعَطلُ، ويُجْبَرُ مَن أبَى منهما الإِيجارَ. انتهى. قلتُ: الذي يظْهَرُ، أنَّه إنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ يتَعَطَّلُ الإِيجارُ، وإنِ امْتنَعَ المُرْتَهِنُ لم يتَعَطَّلْ.

(1) في ط: «تصرفاته» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 395

وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا، فَتَخَمَّرَ، زَال لُزُومُه، فَإِنْ تَخَلَّلَ، عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 396

وَعَنْهُ، أنَّ الْقَبْض وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيِّنِ لَيسَا بِشَرْطٍ، فَمَتَى امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ، أُجْبِرَ عَلَيهِ.

ــ

قوله: واسْتِدامَتُه شَرْطٌ في اللُّزُومِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ.

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يعْنِي، حيثُ قُلْنا: لا يلْزَمُ إلَّا بالقَبْض. وعنه، أنَّ اسْتِدامَتَه في المُتَعَيِّنِ ليسَتْ بشَرْطٍ. واخْتارَه في «الفائقِ» .

فائدة: لو رهَنَه ما هو في يَدِ المُرْتَهِنِ، ومَضمون عليه؛ كالغُصوبِ، والعَوارِي، والمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ -حيثُ قُلْنا: يُضْمَنُ- والمَقْبوضُ

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعَقْدٍ فاسدٍ، صحَّ الرَّهْنُ، وزال الضَّمانُ، كما لو كان غيرَ مَضْمُونٍ عليه، كالوَديعَةِ (1) ونحوها. وظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ لُزومُ الرَّهْنِ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، ولا يحْتاجُ إلى أمْر زائدٍ على ذلك. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قلتُ:

(1) في الأصل، ط:«كالوثيقة» .

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا المذهبُ، وهي شَبِيهَةٌ بالهِبَةِ. قال في «الفُروعِ»: فإن رهَنَه ما في يَدِه، ولو غَصْبًا، فكهِبَتِه إيَّاه. وقال القاضي وأصحابُه: لا يصيرُ رَهْنًا حتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ

ص: 400

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يتَأتَّى قَبْضه فيها. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» . فعلى الثَّاني، إنْ كان مَنْقُولًا (1)، فبمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيالُه واتِّزانُه فيها. وإنْ كان غيرَ مَنْقُولٍ، فبمُضِيِّ مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ.

(1) في الأصل: «مقبوضًا» .

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ كان غائبًا، ثم يصِرْ مَقْبُوضًا حتَّى يُوافِيَه هو أو وَكِيلُه، ثم تمْضِيَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُه فيها، فلو تَلِفَ قبلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يتَأتَّى قبْضُه فيها، فهو (1) كتَلَفِ الرَّهْنِ قبلَ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَبْضِه. ثم هل يفْتَقِرُ إلى إذْنِ الرَّاهِنِ في قَبْضِه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ». قال في «الفُروعِ»: فإن رهَنَه

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما في يَدِه، [ولو غَصْبًا](1)، فكهِبَتِه إيَّاه، ويزولُ ضَمانُه. وظاهِرُه أنَّه يلْزَمُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، على المذهبِ، ولا يصِحُّ القَبْضُ إلَّا بإذْنِه، على المذهبِ، كما في الهِبَةِ.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما يأتي في بابِ الهِبَةَ.

ص: 405

وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ، إلا الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَتُؤخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانهُ. وَعَنْهُ، لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْسِرِ.

ــ

قوله: وتصَرُّفُ الرَّاهِنِ في الرَّهْنِ لا يصِحُّ، إلَّا بالعِتْق، فإنَّه ينْفُذُ وتُؤخَذُ منه قِيمَتُه رَهْنًا مَكانَه. إذا تصَرَّفَ الرَّاهِنُ في الرَّهْنِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أن يكونَ بالعِتْقِ أو بغيرِه، فإن كان بالعِتْقِ، فالصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ، أَنَّه ينْفُذُ، وسَواءٌ كان مُوسِرًا أو مُعْسِرًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونصَّ عليه في المُعْسِرِ. قال الزَّرْكَشِيُّ:

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو المَشْهورُ، والمُخْتارُ مِنَ الرِّواياتِ للأكثرِين. ويحْتَمِلُ أن لا يَنْفُذَ عِتْقُ المُعْسِرِ. وذكَرَه في «المُحَرَّرِ» تخْرِيجًا. وهو رِوايَةٌ من أحمدَ، [وقدَّمه في بعضِ نُسَخِ «المُقْنِعِ» كذلك](1)، اخْتارَها أبو محمدٍ الجَوْزِيِّ. قلتُ: وهو قَويٌّ في النَّظرَ. وطَرِيقَةُ بعضِ الأصحابِ، إنْ كان المُعْتِقُ مُعْسِرًا، اسْتَسْعَى العَبْدَ بقَدْرِ قِيمَتِه تُجْعَلُ رَهْنًا. وقيل: لا يصِحُّ عِتْقُ المُوسِرِ أيضًا. وذكَرَه في «المُبْهِجِ» وغيرِه رِوايةً. واخْتارَه صاحِبُ «المُبْهِجِ» . وقال في

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفائقِ» : وعنه، لا ينْفُذُ عِتْقُ المُوسِرِ بغيرِه. اخْتارَه شيخُنا. يعْنِي به الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ. فعلى المذهبِ في المُوسِرِ، يُؤخَذُ منه قِيمَتُه رَهْنًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وخيَّره أبو بَكْرٍ في «التَّنبِيهِ» بينَ الرُّجوعِ بقِيمَتِه وبينَ أخْذِ عَبْدٍ مِثْلِه.

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى المذهبِ في المُعْسِرِ، متى أيسَرَ بقِيمَتِه قبلَ حُلولِ الدَّينِ، أُخِذَتْ، وجُعِلَتْ رَهْنًا. وأمَّا بعدَ الحُلولِ، فلا فائدَةَ في أخْذِها رَهْنًا، بل يُؤمَرُ بالوَفاءِ.

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، حيث قُلْنا: يأخُذُ القِيمَةَ. فإنَّها تكونُ وَقتَ العِتْقِ. وحيث قُلْنا: لا ينْفُذُ عِتْقُه. فقال الزَّرْكَشِيُّ: ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ، أنَّه لا ينْفُذُ

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدَ (1) زَوال الرهْنِ. وفي «الرِّعايَةِ» ، احْتِمالٌ بالنُّفوذِ. الثَّانيةُ، يحْرُمُ على الرَّاهِنِ عِتْقُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه لا يحْرُمُ.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 416

وَقَال الْقَاضِي: لَهُ تَزْويجُ الأمَةِ، وَيَمْنَعَ الزَّوْجَ وَطْأها، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا. وَالْأوَّلُ أصَحُّ.

ــ

ويأتِي إذا أقَرَّ بعِتْقِه، أو بَيعِه، أو غيرِهما، في كلامِ المُصَنِّفِ قَرِيبًا. وإنْ كان تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ بغيرِ العِتْقِ، لم يصِحَّ تَصَرُّفُه مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ هنا: وهو أصحُّ. وجزم به كثير منهم. وقيل: يصِحُّ وَقْفُه. وقال القاضي، وجماعةٌ: يصِحُّ تَزْويجُ الأمَةِ، ويُمْنَعُ الزَّوْجُ مِن وَطْئِها، ومَهْرُها رَهْنٌ معَها. وقاله أبو بَكْر، وذكَرَه عن أحمدَ. واخْتارَه ابنُ

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَبْدُوس كما في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقَهما في «التَّلْخِيصِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . وفي طَرِيقَةِ بعضِ الأصحابِ، يصِحُّ بَيعُ الرَّاهِنِ، ويلْزَمُه، ويقِفُ لُزومُه في حقِّ المُرْتَّهِنِ، كبَيعِ الخِيارِ. وتقدَّم في كتابِ الزَّكاةِ حُكْمُ إخْراجِها مِنَ المَرْهُونِ.

ص: 418

وَإنْ وَطِئ الْجَارِيَةَ، فَأولَدَهَا، خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ، وَأخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا، فَجُعِلَتْ رَهْنًا.

ــ

قوله: وإنْ وَطِئ الجارِيَةَ فأوْلَدَها، خرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الزرْكَشِيُّ: وعامَّةُ الأصحابِ يجْزِمُون بذلك، بخِلافِ العِتْقِ؛ لأنَّ الفِعْلَ أوْلَى مِنَ القَوْلِ، بدَليلِ نفُوذِ إيلادِ المَجْنُونِ دُونَ عِتْقِه. وظاهِرُ كلامِه في «التلْخيصِ» ، إجْراءُ الخِلافِ فيه، فإنَّه قال: والاسْتِيلادُ مُرَتَّب على العِتْقِ،

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأوْلَى بالنُّفوذِ؛ لأنَّه فِعْل. انتهى.

فائدة: للراهِنِ الوَطْءُ بشَرْطٍ. ذكَرَه في «عُيونِ المَسائلِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . نقَلَه في «الفُروعِ» ، في الكِتابَةِ.

قوله: وأخِذَتْ منه قِيمَتُها، فجُعِلَتْ رَهْنًا. وهذا بلا نِزاع. وأكثرُ الأصحابِ قالُوا كما قال المُصَنِّفُ. وقال بعضُهم: يتَأخَّرُ الضَمانُ حتَّى تضَعَ، فتلْزَمَه قِيمَتُها

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يومَ أحْبَلَها. قاله في «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والثَّمانِين» .

فائدة: له غَرْسُ الأرْضِ إذا كان الدَّينُ مُؤجَّلًا، في أصحِّ الاحْتِمالين. وأطْلَقَهما في «الفُروع» . ولا يُمْنَعُ مِن سَقْي شَجَرٍ وتَلْقِيحٍ، وإنْزاءِ فَحل على إناثٍ مَرْهُونَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «المُذْهَبِ» . وقدَّمه في «التبصِرَةِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يُمْنَعُ. ولا يُمْنَعُ مِن مُداواةٍ وفَصْدٍ ونحوه،

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بل مِن قَطْعِ سِلْعَةٍ فيها خطَر. ويُمْنَعُ مِن خِتانِه إلَّا مع دَيْنٍ مُؤجَّل يبْرأ قبلَ أجَلِه.

ص: 422

وَإنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لَهُ فِي بَيعِ الرَّهْنِ، أوْ هِبَتِهِ، وَنَحْو ذَلِكَ، فَفَعَلَ، صَحَّ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ، إلا أن يَأذَنَ لَهُ فِي بَيعِهِ بِشَرْطِ أن

ــ

وللمُرْتَهِنِ مداواةُ ما فيه للمَصْلَحَةِ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه.

قوله: وإنْ أذِنَ المُرْتَهِنُ له في بَيعِ الرَّهْنِ، أو هِبَتِه، ونحو ذلك، ففَعَل،

ص: 423

يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، أَوْ يُعَجِّلَ دَينَهُ كانْ ثَمَنِهِ.

ــ

صَحَّ وبطَل الرَّهْنُ. بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ، إلَّا أن يأذَنَ له في بَيعِه، بشَرْطِ أن يجْعَلَ ثَمَنَه رَهْنًا، فهذا الشرْطُ صحيحٌ، ويصِيرُ رَهْنًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: صحَّ وصارَ ثَمَنُه رَهْنًا في الأصحِّ. وذكَر الشَّيخُ صِحَّةَ الشرْطِ، وذكَرَه في «التَّرْغِيبِ» ، وأنَّ الثَّوابَ في الهِبَةِ كذلك. انتهى. وقيل: يبْطُلُ الرَّهْنُ.

فوائد؛ الأولَى، يجوزُ للمُرْتَهِنِ الرُّجوعُ في كلِّ تَصَرُّفٍ أذِنَ فيه، بلا نِزاع؛ فلو ادَّعَى أنَّه رجَع قبلَ البَيعِ، فهل يُقبَلُ قوْلُه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ قوْلُه. اخْتارَه القاضي، واقْتَصرَ عليه في «المُغْنِي» . والثانِي، لا يُقْبَلُ قوْلُه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّانيةُ، لو ثبَت رُجوعُه، وتصَرَّفَ الرَّاهِنُ جاهِلًا رُجوعَه، فهل يصِحُّ تصَرُّفُه؟ على وَجْهَينِ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ،

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي». وقالا: بِناءً على تصرُّفِ الوَكِيلِ بعدَ عَزْلِه قبلَ عِلْمِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ هناك، أنَّه ينْعَزِلُ، كما يأتي، فكذا هُنا. فلا يصِحُّ تَصرُّفُه هنا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ أيضًا. الثَّالثةُ، لو باعَه الرَّاهِنُ بإذْنِ المُرْتَّهِنِ، بعدَ أن حلَّ الدَّينُ، صحَّ البَيعُ، وصارَ ثَمَنُه رَهْنًا، بمَعْنَى أنَّه يأخُذ الدَّينَ منه. وهذا المذهبُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: صحَّ، وصارَ رَهْنًا في الأصحِّ. وقيل: لا يبْقَى ثَمَنُه رَهْنًا لو كان الدَّينُ غيرَ حال. ولم يُشْترَطْ جَعْلُ ثَمَنِه رَهْنًا مَكانَه، بل فيه الأمْران، فهل يبْقَى ثَمَنُه رَهْنًا، أو يبْطُلُ الرَّهْنُ؟ فيه وَجْهان. أطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المُذْهَبِ» ؛ أحدُهما، يبْقَى ثَمَنُه رَهْنًا. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى» . والثّاني، يبْطُلُ الرَّهْنُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» . وهو ظاهِرُ

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما جزَم به المُصَنِّفُ هنا، وجزَم به الشَّارِحُ. قلتُ: وهو المذهبُ.

قوله: أو بشَرْطِ أن يجْعَلَ دَينَه مِن ثَمَنِه. إذا باعَه بإذْنِه بشَرْطِ أن يُعَجِّلَ له دَينَه المُؤجَّلَ مِن ثَمَنِه، صحَّ البَيعُ. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». وقيل: لا يصِحُّ البَيعُ، والرَّهْنُ بحالِه. قدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفَائقِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» ، [وعَزاه المَجْدُ في «شَرْحِه» إلى القاضي في «رُءوس المَسائلِ». قال: ونصَرَه. قال: وهو أصحُّ عندِي] (1). قال شارِحُ «المُحَرَّرِ» : ولم أجِدْ أحدًا مِنَ الأصحابِ وافَقَ المُصَنِّفَ على ما حكاه هنا. قال في «الفُروعِ» : وكلُّ شَرْطٍ لم يقْتَضِه العَقْدُ أو

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 426

وَنَمَاءُ الرَّهنِ، وَكَسْبُهُ، وَأرْش الْجِنَايَةِ عَلَيهِ، مِنَ الرَّهْنِ.

ــ

نافاه، فهو فاسِدٌ، وفي العَقْدِ رِوايَتا البَيعِ. وأمَّا شَرْطُ التَّعْجيلِ؛ فيَلْغُو، قوْلًا واحدًا. قاله في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم: يصِح الشَّرْطُ. وجزَم به الشَّارِحُ. فعلى المذهبِ، هل يكونُ الثَّمَنُ رَهْنًا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائق» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، يكونُ رَهْنًا. قلتُ: وهو أوْلَى. [ثم وجَدْتُه صحَّحه في «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ»، وقال: قال المُصَنفُ في «شَرْحِه»، يعْنِي به المَجْدَ: يصِح البَيعُ، ويَلْغُو شَرْطُ التَّعْجِيلِ، لكِنَّه يُفِيدُ بَقاءَ كَوْنِه رَهْنًا. وعلى هذا يُحْمَلُ كلامُ أبِي الخَطَّابِ. انتهى](1). والثَّاني، لا يكونُ رَهْنًا. [قال شارِحُ «المُحَررِ»: الوَجْهان هنا كالوَجْهَين في المَسْألةِ السَّابِقَةِ. انتهى. فيكون الصَّحيحُ لا يكونُ رَهْنًا] (1).

قوله: ونَماءُ الرَّهْنِ، وكَسْبُه، مِنَ الرَّهْنِ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثر الأصحابِ. وجزَم به كثير منهم. وفي الصُّوفِ واللَّبَنِ ووَرَقِ الشَّجَرِ المَقْصودِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهٌ في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُصولِ» ، أنَّه ليس مِنَ الرَّهْنِ. قال في «القَواعِدِ»: وهو جَيِّدٌ. وقال في «الفائقِ» : والمُخْتارُ عدَمُ تَبَعِيَّةِ كَسْبِ الرَّهْنِ ونَمائِه، وأرْشُ

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجِنايَةِ عليه. انتهى. وكوْنُ الكَسْبِ مِنَ الرَّهْنِ مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.

قوله: وأرْشُ الجِنايَةِ عليه، مِنَ الرَّهْنِ. سواء كانتِ الجِنايَةُ عليه عَمْدًا أو

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خَطَأً، لكِنْ إنْ كانتْ عَمدًا، فهل لسَيِّدِه القِصاصُ أم لا؟ وإذا قبَض، فهل عليه القِيمَةُ أم لا يَلْزَمُه شيءٌ؟ يأتِي ذلك كله في كلامَ المُصَنفِ، في آخِرِ البابِ.

ص: 430

وَمُؤنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ، وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخزُونًا.

ــ

فوائد؛ إحْداها، قوْلُه: ومُؤنته على الرَّاهِنِ، وكَفَنُه إنْ ماتَ، وأجرَةُ مَخْزَنِه

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنْ كان مَخْزُونًا. بلا نِزاع. لكِنْ إنْ تَعذَّرَ الأخْذُ مِنَ الرَّاهِنِ، بِيعَ بقَدْرِ الحاجَةِ،

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن خِيفَ اسْتِغْراقُه، بيعَ كله.

ص: 433

وَهُوَ أمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، إِنْ تَلِفَ بِغَيرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَينهِ.

ــ

الثَّانيةُ، قوْلُه: وهو أمَانَة في يَدِ المُرْتَّهِنِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ولو قبلَ العَقْدِ. نقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ كبَعْدِ الوَفاءِ، ونقَل أبو طالب،

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا ضاعَ الرَّهْنُ عندَ المُرْتَّهِنِ، لَزِمَه. وظاهِرُه، لُزومُ الضَّمانِ مُطْلَقًا. وتأوَّلَه القاضي على التَّعَدِّي، وهو الصَّوابُ. وأبَى ذلك ابنُ عَقِيل، جَرْيًا على الظَّاهِرِ. قاله الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه. وإنْ تعَدَّى فيه، فحُكْمُه حكمُ الوَدِيعَةِ، على ما

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يأتِي. لكِنْ في بَقاءِ الرَّهْنِيَّةِ وَجْهان؛ لأنَّها تجْمَعُ أمانَةً واسْتِيثاقًا. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . قلتُ: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وكثيرِ مِنَ الأصحابِ، بَقاءُ الرَّهْنِيَّةِ، وهو الصَّوابُ. ثم وجَدْتُه قال في «القَواعِدِ» . لو تعدَّى المُرْتَهِنُ فيه، زال ائتمانُه، وبَقِيَ مَضْمونًا عليه، ولم تَبْطُلْ تَوْثِقَتُه. وحكَى ابنُ عَقِيل في «نظرَيَّاتِه» احْتِمالًا ببُطْلانِ الرّهْنِ. وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، وحقُّ

ص: 438

وَإن تَلِفَ بَعْضُهُ، فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيع الدَّين.

ــ

المُرْتَّهِنِ على الرَّاهِنِ. الثَّالثةُ، قوْلُه: وإنْ تَلِفَ بغَيرِ تَعَدٍّ منه، فلا شَيءَ عليه. بلا نِزاعٍ. وكذا لو تَلِفَ عندَ العَدْلِ، ويُقْبَلُ قَوْلُه. وإنِ ادَّعَى تلَفَه بحادِثٍ ظاهِر، وشَهِدَتْ بَيِّنةٌ بالحادِثِ، قُبِلَ قوْلُه فيه أيضًا. الرَّابعةُ، قوْلُه: ولا يسْقُطُ بهلَاكِه شَيءٌ مِنَ الدَّين. بلا نِزاع. نصَّ عليه، كدَفْعِ عَبْدٍ يبيعُه، ويأخُذُ حقَّه مِن ثَمَنِه، فيتْلَفُ، وكحبسِ عَينٍ مَوْجودَةٍ بعدَ الفَسْخِ على الأُجْرَةِ فتتْلَفُ، فلا يسْقُطُ ما عليه بسَبَبِ ذلك، بخِلافِ حَبْسِ البائعِ المَبِيعَ المُتَمَيِّزَ على ثَمَنهِ، فإنَّه يسْقُطُ بتَلَفِه. على إحْدَى الرِّوايتَين؛ لأنَّه عِوَض، والرَّهْنُ ليس بعِوَض للدَّينِ.

قوله: وإنْ تَلِفَ بعضُه، فبَاقِيه رَهْنٌ بجَمِيعِ الدَّينِ. بلا نِزاع في الجُمْلَةِ. لكِنْ لو رهَن شَيئَين بحَقٍّ، فتَلِفَ أحدُهما، فالآخَرُ رَهْنٌ بجَميعِ الحَقِّ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، و «الحاويَيْن» ،

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقيل: بل يُقَسِّطُه. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : سواءٌ اتَّحَدَ (1) الرَّاهِنُ والمُرْتَهِنُ، أو تعَدَّدَ أحدُهما.

(1) في ط: «اتخذ» .

ص: 440

وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّينِ.

ــ

قوله: ولا ينْفَكُّ شَيءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّينِ. بلا نِزاعٍ. حتَّى لو قضَى أحدُ الوَارِثِين ما يخُصُّه مِنَ دَين برَهْن.

ص: 441

وَإنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَينِ، فَوَفَّى أحدَهُمَا، انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ.

ــ

قوله: وإنْ رهَنَه عندَ رَجُلَين، فوَفَّى أحَدَهما، انْفكَّ في نَصِيبِه. هذا المذهبُ، وعليه أكثر الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا ينْفَكُّ. قال أبو الخَطَّابِ، في مَن رهَن عَبْدَه عندَ رَجُلَين، فوَفَّى أحدَهما: يبْقَى جَمِيعُه رَهْنًا عندَ الآخَرِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وكلامُه مَحْمُولٌ على أنَّه ليس للرَّاهِنِ مُقاسَمَةُ المُرْتَهِن

ص: 442

وَإنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيئًا، فَوَفَّاهُ أحَدُهُمَا، انْفَكَّ في نَصِيبِهِ.

ــ

لما عليه مِنَ الضَّرَرِ، لا بمَعْنَى أنَّ العَينَ كلَّها تكونُ رَهْنًا؛ إذْ لا يجوزُ أن يُقال: إنَّه رهَن نِصْفَ العَبْدِ عندَ رَجُل، فصارَ جَمِيعُه رَهْنًا. انتهى. والمَسْألةُ التي ذكَرَها، وهي ما إذا رهَن جُزْءًا مُشاعًا، وكان في المُقاسَمَةِ ضَرَرٌ على المُرْتَّهِنِ، بمَعْنَى أنَّه ينْقُصُ قِيمَةَ الثَّانِي، فإنَّه يَمْنَعُ الرَّاهِنَ قِسْمَتَه، ويُقَرُّ جَميعُه بيَدِ المُرْتَّهِنِ؛ البعضُ رَهْنٌ، والبعضُ أمانَةٌ.

قوله: وإنْ رهَنَه رَجُلَان شَيئًا، فوَفَّاه أحَدُهما، انْفَكَّ في نَصِيبِه. وهذا المذهبُ أيضًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يَنْفَكُّ. ونقَلَه مُهَنَّا. قال في «القاعِدَةِ الثالِثَةَ عَشَرَ (1) بعدَ المائَةِ» : إذا رهَنَ اثْنان عَينَين، أو عَينًا لهما صَفْقَةً واحدَة على دَينٍ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له عليهما، مثلَ أن يَرْهَناه دارًا لهما على ألْفِ دِرْهَم له عليهما، نصَّ أحمدُ، في رِوايَةِ مُهَنَّا، على أنَّ أحدَهما إذا قضَى ما عليه، ولم يَقْضِ الآخَرُ، أنَّ الدَّارَ رَهْنٌ على ما بَقِيَ. فظاهِرُ هذا، أنَّه جعَل نصِيبَ كلِّ واحدٍ رَهْنًا بجَمِيعِ الحَقِّ، تَوْزِيعًا للمُفْرَدِ على الْجُملَةِ، لا على المُفْرَدِ. وبذلك جزَم أبو بَكْر في «التَّنبِيهِ» ، وابنُ أبِي مُوسى، وأبو الخَطَّابِ، وهو المذهبُ عندَ صاحبِ «التَّلْخيصِ». قال القاضي: هذا بِناءً على الرَّوايَةِ التي تقولُ: إنَّ عَقْدَ الاثنَين مع الواحِدِ في حُكْمِ الصَّفْقَةِ الواحِدَةِ. أمَّا إذا قُلْنا بالمذهبِ الصَّحيحِ: إنَّهما في حُكْمِ عَقْدَين. كان نَصِيبُ كل واحدٍ مَرْهُونًا بنِصْفِ الدَّينِ. انتهى.

فائدة: لو قضَى بعضَ دَينه، أو أبرِئ منه، وببعضِه رَهْنٌ أو كَفِيلٌ، كان (1) عن ما نواه الدَّافِعُ أو المُشْتَرِي مِنَ القِسمَين، والقَوْلُ قوْلُه في النِّيَّةِ، بلا نِزاع، فإن أطْلَقَ، ولم يَنْو شيئًا، صرَفَه إلى أيُّهما شاءَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يُوَزَّعُ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 444

وَإذَا حَلَّ الدَّينُ، وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أذِنَ لِلْمُرْتَهِن أوْ لِلْعَدْلِ فِىِ بَيعِهِ، بَاعَه، وَوَفَّى الدَّينَ، وَإلَّا رَفَعَ الْأمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ، فيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّينِ أَوْ بَيعِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، بَاعَهُ الحَاكِمُ، وَقَضَى دَينَهُ.

ــ

بينَهما بالحِصَصِ. وهو احْتِمالٌ في «المُحَرَّرِ» .

قوله: وإذا حَلَّ الدَّينُ، وامتَنَعَ مِن وَفائِه، فإنْ كانَ الرَّاهِنُ أذنَ للمُرْتَهِنِ أو للعَدْلِ في بَيعِه، باعه ووَفَّى الدَّينَ. بلا نِزاع. لكنْ لو باعَه العَدْلُ: اشْتُرِطَ إذْنُ المُرْتَّهِنِ، ولا يَحْتاجُ إلى تَجْديدِ إذْنِ الرَّاهِنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: بلَى.

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[فائدة: يجوزُ إذْنُ العَدْلِ، أو المُرْتَّهِنِ ببَيعِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، كأصْلِه بالإِذْنِ الأوَّلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي، واقْتَصرَ عليه في «المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ». وجزَم به ابنُ رَزِين في «شَرْحِه»، وغيرُهم. وقيل: لا يصِحُّ إلَّا بإِذْنٍ مُتَجَدِّدٍ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ»](1).

قوله: وإلَّا رفَع الأمْرَ إلى الحَاكِمِ. يعْنِي، إذا امْتَنعَ الرَّاهنُ مِن وَفاءِ الدَّينِ، ولم يكُنْ أذِنَ في بَيعِه، أو كانَ أذِنَ فيه، ثم عزَلَه، وقُلْنا: يصِحُّ عزْلُه. وهو الصحيحُ، على ما يأتي قرِيبًا في كلام المُصَنِّفِ. فإن الأمْرَ يُرْفعُ إلى الحاكمِ، فيُجْبِرُه على وَفاءِ دَينه، أو بَيعِ الرَّهْنِ. وهو الصَّحيحُ، مِنَ المذهبِ (2)، وعليه. أكثرُ الأصحابِ. ومِنَ الأصحابِ مَن قال: الحاكِمُ مُخَيَّرٌ؛ إنْ شاءَ أجْبَرَه على البَيعِ، وإنْ شاءَ باعَه عليه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .

قوله: فإن لم يَفْعَلْ، بَاعَه الحَاكِمُ عليه، وقضَى دَينَه. قال الأصحابُ: فإنِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

في الأصل، ط:«الأصحاب» .

ص: 446

فَصْلٌ: وَإذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، صَحَّ، وَقَامَ قَبْضُهُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ.

ــ

امْتنَعَ مِنَ الوَفاءِ، أو مِنَ الإذْنِ في البَيعِ، حبَسَه الحاكِمُ أو عزَّرَه، فإن أصَرَّ، باعَه. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ.

قوله: وإنْ شرَط في الرَّهْنِ جعْلَه على يَد عَدْلٍ، صَحَّ، وقامَ قَبْضُه مَقامَ قَبْضِ المُرْتَّهِنِ. بلا نِزاعٍ. فظاهِرُ كلامِه. أنَّه لا يصِحُّ اسْتِنابَةُ المُرْتَّهِنِ للرَّاهِنِ في القَبْضِ. وهو كذلك، صرَّح به في «التَّلْخيصِ» . وعَبْدُه وأُمُّ وَلَدِه كهو، لكِن

ص: 447

وَإنْ شَرَطَ جَعْلَهُ فِي يَدِ اثْنَينِ، لَمْ يَكُنْ لِأحَدِهِمَا الانْفِرَادُ بِحِفْظِهِ.

ــ

يصِحُّ اسْتِنابَةُ مُكاتَبِه وعَبْدِه المَأذُونِ له، في أصحِّ الوَجْهَين. وفي الآخَرِ، لا يصِحُّ، إلَّا أن يكونَ عليه دَيْنٌ.

ص: 448

وَلَيسَ لِلرَّاهِن وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ إِذَا لَمْ يتَّفِقَا، وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ عَنْ يَدِ الْعَدْلِ، إلَّا أن يَتَغَيَّرَ حَالُهُ،

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 449

وَلَهُ رَدُّهُ إِلَيهِمَا، وَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُ إلَى أحَدِهِمَا، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيهِ رَدُّهُ إِلَى يَدِهِ، فَإن لَمْ يَفْعَلْ، ضَمِنَ حَقَّ الْآخَرِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 450

وإذا أذِنَا لَهُ فِي الْبَيعِ، لَمْ يَبعْ إلَّا بنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ، بَاعَ بجِنْسِ الدَّينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جنْسُ الدَّينِ، بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلحُ.

ــ

قوله: وإنْ أذِنا له في البَيعِ، لم يبعْ إلَّا بنَقْدِ البَلَدِ، فإن كان فيه نُقُود باعَ بجِنْسِ الدَّينِ، فإن لم يَكُنْ فيها جِنْسُ الدَّينِ، باعَ بما يَرَى أنَّه أصْلَحُ. إذا أذِنا للعَدْلِ، أو أذِنَ الراهِنُ للمُرْتَهِنِ في البَيعِ، فلا يَخْلُو، إمَّا أن يُعَيِّنَ نَقْدًا، أو يُطْلِقَ، فإن

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عيَّن نَقْدًا، لم يجُزْ بَيعُه بما يُخالِفُه. وإنْ أطْلَقَ، فلا يخْلُو؛ [إمَّا أن يكون في البَلَدِ نَقْدٌ واحدٌ، أو أكثرُ، فإن كان في البَلَدِ نَقْدٌ واحدٌ باعَ به، وإنْ كان فيه أكثرُ، فلا يخلُو](1)؛ إمَّا أن تتَساوَى أوْ لا، فإن لم تتَساوَ، باعَ بأغَلَبِ نُقودِ البَلَدِ. بلا نِزاعٍ. وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ ها هنا، أَنَّه يبِيعُ بجِنْسِ الدَّينِ مع عدَمِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّساوي. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : فيَجِبُ حَمْلُ كلامِه على ما إذا كانتِ النُّقودُ مُتَساويَةً. وإنْ تَساوَتِ النُّقودُ، باعَ بجِنْسِ الدَّينِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو الذي قطَع به المُصَنِّفُ هنا. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الهدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدوس» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغرَى» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: يبيعُ بما يرَى أنَّه أحَظُّ، اخْتارَه القاضي، واقْتَصرَ عليه في «المغْنِي». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما في «الشَّرْح» ، و «الفُروعِ» . فعلى المذهبِ، إنْ لم يكُنْ فيها جِنْسُ الدَّينِ، باعَ بما يرَى أنَّه أصْلَحُ. بلا نِزاعٍ، فإن تَساوَتْ عندَه في ذلك، عيَّن الحاكِمُ له ما يَبِيعُه به.

فوائد؛ إحْداها، لو اخْتلَفَ الرَّاهِنُ والمُرْتَهِنُ على العَدْلِ [في تَعْيِينِ](1) النَّقْدِ،

(1) في الأصل، ط:«وتعيين» .

ص: 454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يُسمَعْ قَوْلُ واحدٍ منهما، ويُرْفَعُ الأمْرُ إلى الحاكِمِ، فيأمُرُه ببَيعِه بنَقْدِ البَلَدِ، سواءٌ كان مِن جِنْسِ الحَقِّ أو لم يكُنْ، وافَقَ قوْلَ أحدهما أو لا. قال المُصَنِّفُ: والأوْلَى أن يبِيعَه بما يرَى الحَظَّ فيه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّانيةُ، لا يبِيعُ الوَكيلُ هنا نَساءً، قوْلًا واحدًا عندَ الجُمْهورِ. وذكَر القاضي رِوايَةً يجوزُ؛ بِناءً على المُوَكِّل. ورَدَّ. الثَّالثةُ، إذا باعَ العَدْلُ بدُونِ المِثْلِ، عالِمًا بذلك، فقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): لا يصِحُّ بَيعُه. لكِنَّه علَّلَه بمُخالفَتِه، وهو مُنْتَقِضٌ بالوَكيلِ، ولهذا ألْحَقَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، ببَيعِ الوَكيلِ. فصَحَّحاه وضَمَّنَّاه النَّقْصَ. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الخامسَةِ والأرْبَعِين». قال الشَّارِحُ: قال شيخُنا: لم يصِحَّ. وقال أصحابُنا: يصِحُّ، ويضْمَنُ النَّقصَ كلَّه. وهو المذهبُ، على ما يأتي في الوَكالةِ.

(1) في: المغني 6/ 476.

ص: 455

وَإنْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ وَإنِ اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 456

وَإنِ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَضَاهُ بِبَيِّنةٍ، ضَمِنَ. وَعَنْهُ، لَا يَضْمَنُ، إلا أن يَكُونَ أُمِرَ بِالإشْهَادِ، فَلَمْ يَفْعَلْ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ.

ــ

قوله: وإن ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إلى المُرْتَّهِنِ، فأنْكَرَ، ولم يَكُنْ قَضَاه ببيِّنةٍ، ضَمِنَ. إذا ادَّعَى العَدْلُ دَفْعَ الثَّمَنِ إلى المُرْتَّهِنِ، وأنْكَرَ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أن يدْفَعَه ببَيِّنةٍ أو بحَضْرَةِ الرَّاهنِ، أوْ لا؛ فإن دفَعَه ببَيِّنةٍ، وسواءٌ كانتْ حاضِرَةً أو غائِبَة، حيَّةً أو مَيِّتةً، قُبِلَ قوْلُه عليهما. وكذا بحَضْرَةِ الرَّاهِنِ، يُقْبَلُ قوْلُه. على الصَّحيحِ

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ المذهبِ. وقيل: لا ينْبَغِي الضَّمانُ إذا دفَعَه إليه بحَضْرَةِ الرَّاهِنِ، اعْتِمادًا على أنَّ السَّاكِتَ لا يُنْسَبُ إليه قوْله (1)، وإنْ كان بغيرِ بَيِّنةٍ ولا حُضورِ الرَّاهِن، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يُقْبَلُ قوْلُه (2) عليهما في تَسْليمِه. وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الخُلاصَةِ». وقيل: يُصَدَّقُ العَدْلُ مع يَميِنِه على راهِنِه، ولا يُصَدَّقُ على المُرْتَهِنِ. اخْتارَه القاضي. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» .

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل، ا.

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: يُصَدَّقُ عليهما في حقِّ نفْسِه. اخْتارَه القاضي. قاله في «الهِدايَةِ» وغيرِه، واختاره الشَّرِيفُ أبو جَعْفَر، وأبو الخَطَّابِ، في «رُءوسِ مَسائلِهما». قاله في «المُغْنِي». قال في الشَّرْحِ: ذكَرَه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَر. وأطْلَقَهُنَّ في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وأطْلَقَ الآخَرَ في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» . فعلى المذهبِ، يحْلِفُ المُرْتَهِنُ، ويرْجِعُ على أيِّهما شاءَ، فإنْ رجَع على العَدْلِ، لم يرْجِعِ العَدْلُ على الرَّاهِنِ، وإنْ رجَع على الرَّاهِنِ، رجَع على العَدْلِ. قاله في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال في «الفُروعِ»: فيَرْجِعُ على راهِنِه وعلى العَدْلِ. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلخيصِ» ، وغيرِهم: يَرْجِعُ على الرَّاهِنِ، والرَّاهِنُ يَرْجِعُ على العَدْلِ. انتهَوْا. وعلى الوَجْهِ الثَّاني، إذا حلَف المُرْتَهِنُ رجَع على مَن شاءَ منهما؛ فإنْ رجَع على العَدْلِ، لم يَرْجِعْ على الرَّاهِنِ؛ لأنَّه يقولُ: ظَلَمَنِي، وأخَذ مِنِّي بغيرِ حق. قاله المُصنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ. وإنْ رجَع على الرَّاهِنِ، فعَنْه، يرْجِعُ على العَدْلِ أيضًا؛ لأنَّه مُفَرِّط على الصَّحيحِ. قدَّمه في «الكافِي» . وعنه لا يَرْجِعُ عليه؛ لأنَّه أمِينٌ في حقِّه، سواءٌ صدَّقَه أو كذَّبَه، إلَّا أنْ يكُونَ أمَرَه بالإشْهادِ فلم يشْهَدْ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وعلى الثَّالثِ، يُقْبَلُ قوْلُه مع يَمِينه على المُرْتَهِن في إسْقاطِ الضَّمانِ عن نَفْسِه، ولا يُقْبَلُ في نَفْي الضَّمانِ عن غيرِه، فيرْجِعُ على الرَّاهِنَ وحدَه.

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: وكذلك الوَكِيلُ. يأْتِي حُكْمُ الوَكيلِ في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ الوَكالةِ، فيما إذا وكَّلَه في قَضاءِ دَين، فقَضاه ولم يُشْهِدْ.

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: قوْلُه: فإنْ عزَلَهما، صَحَّ عَزْلُه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جمهورُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وقيل: لا يصِحُّ. وهو توْجِيهٌ لصاحِبِ «الإرْشاد» ؛ سدًّا لذَرِيعَةِ الحِيلَةِ؛ لأنَّ فيه تَغْرِيرًا بالمُرْتَهِنِ. فيُعايَى بها على هذا

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القَوْلِ. قال في «القاعِدَةِ السِّتين» : ويتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثالثٌ بالفَرْقِ بينَ أنْ يُوجَدَ حاكِم يأمُرُ بالبَيعِ أوْ لا، مِن مَسْألةِ الوَصِيَّةِ.

ص: 463

وإنْ شَرَطَ ألا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ، أوْ إِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ، وَإلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ. وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ.

ــ

قوله: وإنْ شرَط أنْ لا يَبيعَه عندَ الحُلولِ، أو إنْ جَاءَه بحَقِّه، في مَحِلِّه، وإلَّا فالرَّهْنُ له، لم يَصِحَّ الشرْطُ، بلا نِزاع، وفي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوايَتان. اعلمْ أنَّ كلَّ شَرْطٍ وافَقَ مُقْتَضَى العَقْدِ، إذا وُجِدَ لم يُؤثِّرْ في العَقْدِ، وإنْ لم يَقْتَضِه العَقْدُ؛ كالمُحَرمِ، والمَجْهولِ، والمَعْدوم، وما لا يُقْدَرُ على تَسْليمِه، ونحوه، أو نافَى العَقْدَ؛ كعدَمِ بَيعِه عندَ الحُلولِ، أوَ إنْ جاءَه بحَقِّه في مَحِلِّه،

ص: 464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإلَّا فالرَّهْنُ له، فالشَّرْطُ فاسِدٌ. [وفي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوايَتان، كالبَيعِ إذا اقْتَرَنَ بشَرْطٍ فاسِدٍ](1). وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ؛ إحْداهما، لا يصِحُّ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشّرْحِ» ، فيما إذا شرَط ما يُنافِيه، ونصَراه. والثّانيَةُ، يصحُّ. وهو المذهبُ. نصَرَه أبو الخَطّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، فيما إذا شرَط ما يُنافِيه. وجزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وقدَّمه في «الرِّعايتَين». قال في «الفُروعِ»: وكُلُّ شَرْطٍ وافقَ مُقْتَضَاه، لم يُؤثِّرْ، وإنْ

ص: 466

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يَقْتَضِه، أو نافَاه؛ نحوَ كوْنِ مَنافِعُه له، وإنْ جاءَه بحَقِّه في مَحِلِّه، وإلَّا فهو له، أو لا يقْتَضِيه، فهو فاسِدٌ، وفي العَقْدِ رِوايَةُ البَيعِ. وقد تقدَّم في شروطِ البَيعِ أنَّه، لو شرَط ما يُنافِي مُقْتَضَاه، أنَّه يصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ وقدَّمه في

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» فيكونُ هذا كلُّه كذلك. وقيل: ما ينْقُصُ بفَسادِه حَقُّ المُرتَهِنِ، يُبْطِلُه، وَجْهًا واحِدًا، وما لا ينْقُصُ به، فيه الرِّوايَتان. وتجيل: إنْ سقَط دَينُ الرَّهْنِ، فسَد، وإلَّا فالرِّوايَتان، إلَّا جَعْلَ الأمَةِ في يَدِ أجْنَبِي عَزَب؛ لأنَّه لا ضرَرَ. وفي «الفُصولِ» احْتِمالٌ، يَبْطُلُ فيه أيضًا، بخِلافِ البَيعِ؛ لأنَّه القِياسُ. وقال في «الفائقِ»: وقال شيخُنا: لا يفْسُدُ الثَّاني، وإنْ لم يَأْتِه، صارَ له، وفعَلَه الإِمامُ. قلتُ: فعلَيه علْقُ الرَّهْنِ؛ اسْتِحْقاقُ المُرْتَهِنِ له بوَضْعِ العَقْدِ، لا بالشَّرْطِ، كما

ص: 468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لو باعَه منه. انتهى. قال في «الفُروعِ» ، بعدَ أنْ نقَل كلامَه في «الفُصولِ»:

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم إذا بطَل، وكان في بَيْعٍ، ففي بُطْلانِه لأخْذِه حَظًّا مِنَ الثَّمَنِ أم لا؟ لانْفِرادِه عنه كمَهْرٍ في نِكاحٍ، احْتِمالان. انتهى.

ص: 470

فَصْلٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّينِ، أو الرَّهْنِ، أوْ رَدِّهِ، أوْ قَال: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا. قَال: بَلْ خَمْرًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ.

ــ

قوله: إذا اخْتَلَفا في قَدْرِ الدَّينِ، أو الرَّهْنِ، أو رَدِّه، أو قال: أقْبَضْتُك

ص: 477

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَصِيرًا. قال: بل خَمْرًا. فالقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. أمَّا إذا اخْتَلفَا في قَدْرِ الدينِ الذي وقَع الرَّهْنُ به، نحوَ أنْ يقولَ: رَهَنْتُك عَبْدِي بألفٍ. فيَقولُ. المُرْتَهِنُ: بل بألفَين. فالقَوْلُ قولُ الرَّاهِنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: القَولُ قولُ المُرْتَهِنِ، ما لم يَدَّعِ أكثرَ مِن قِيمَةِ الرَّهْنِ. وهو قَوْلُ مالِكٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ. فعلى المذهبِ، يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ في قَدْرِ

ص: 478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما رهَنَه، سواءٌ اتفَقا على أنَّه رَهْن بجَميعِ الدينِ أو اخْتلَفا. فلو اتّفَقا على قَدْرِ الدَّينِ، فقال الراهِنُ: رَهَنْتُك ببعضِه. فقال المُرْتَهِنُ: بل بكُلِّه. فالقَوْلُ قولُ الراهِنِ. ولو اتفَقا على أنَّه رهَنَه بأحَدِ الألفَين، فقال الراهِنُ: بالمُؤجَّلِ منهما. وقال المُرْتَهِنُ: بل بالحالِّ. فالقَوْلُ قوْلُ الرَّاهِنِ أيضًا. وأما إذا اخْتَلَفا في قَدْرِ

ص: 479

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرَّهْنِ، نحوَ قوْلِه: رهَنْتُك هذا. [فقال المُرْتَهِنُ](1): وهذا أيضًا. فالقَوْلُ قوْلُ الرَّاهِنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه يتَحالفَان في المَشْروطِ. وذكَر أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ، يُقْبَلُ قَوْلُ المُدَّعَى عليه (2) منهما.

فائدة: لو قال: رهَنْتُك على هذا. قال: بل هذا. قُبِلَ قوْلُ الرَّاهِنِ. وأمَّا

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل، ا.

ص: 480

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا اخْتَلَفا في رَدِّ الرَّهْنِ (1)، فالقَوْلُ قولُ الرَّاهِنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «القَواعِدِ»: هذا المَشْهورُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال أبو الخَطَّابِ، وأبو الحُسَينِ (2): يُخرَّجُ فيه وَجْه بقَبُولِ قَوْلِ المُرْتَهِنِ، بِناءً على المُضارِبِ والوَكيلِ بجُعْل؛ فإنَّ فيهما وَجْهَين. وخرَّج هذا الوَجْهَ المُصَنِّفُ أيضًا في هذا الكتابِ، في بابِ الوَكالةِ، بعدَ قوْلِه: وإنِ اخْتلَفا في ردِّه إلى المُوَكِّلِ، حيثُ قال: وكذلك يُخَرَّجُ في الأجيرِ والمُرْتَهِنِ. وأطْلَقَهما في أصْلِ المَسْألةِ في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» .

(1) في الأصل، ط:«الراهن» .

(2)

في الأصل، ط:«أبو الحسن» .

ص: 481

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأولَى، لو ادَّعَى المُرْتَهِنُ أنَّه قبَضَه منه، قُبِلَ قوْلُه إنْ كان بيَدِه؛ فلو قال: رهَنْتُه. فقال الرَّاهِنُ: بل غَصَبْتَه. أو هو وَدِيعَة عندَك أو عارِيَّة. فهلِ القَوْلُ قَوْلُ المُرْتَهِنِ، أو الراهِنِ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، وأطْلَقَهما في «الفائقِ» ، في الغصْبِ؛ أحدُهما، القَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. جزَم به في «الحاويَيْن» . وجزَم به في «الرِّعايَةِ

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصُّغْرَى»، في الوَدِيعَةِ والعارِيَّةِ. وقدَّمه في الغَصْبِ. وقدَّمه في «الفائقِ» ، في الوَدِيعَةِ، والعارِيةِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، في العارِيَّةِ والغَصْبِ. وقيل: القَوْلُ قولُ المُرْتَهِنِ. قال في «التَّلْخيصِ» : الأقْوَى قَوْلُ المُرْتَهِنِ في أنَّه رَهْن وليس بودِيعَةٍ ولا عارِيَّةٍ. الثانيةُ، لو قال: أرْسَلْتَ وَكِيلَك، فرَهَن عندِي هذا على ألْفَين قبَضَهما مِنِّي. فقال: ما أذِنْتُ له إلَّا في رَهْنِه بألفٍ. فإنْ صدَّقَ الرسُولُ الراهِنَ، حلَف ما رهَنَه إلا بألْفٍ، ولا قبَض غيرَه، ولا يَمِينَ على الراهِنِ، وإنْ صدَّقَ المُرْتَهِنَ، حلَف الرَّاهِنُ، وعلى الرَّسُولِ ألْفٌ، ويَبْقَى الرهْنُ بألف. الثَّالثةُ، لو قال: رهَنْتُك عَبْدِي الذي بيَدِي بألفٍ. فقال: بل بِعْتَنِي هو بها. أو قال: بِعْتُك هو بها. فقال: بل رَهَنْتَنِي هو بها. حلَف كل منهما على نَفْي ما ادُّعِيَ عليه، وسقَط، ويأخُذُ الراهِنُ رَهْنَه، وتَبْقَى الألْفُ بلا رهن. الرَّابعَةُ، لو قال: رهَنْتُه عندَك بألفٍ، قَبَضْتُها منك. وقال مَن هو بيَدِه: بل بِعْتَنِي هو بها. صُدِّقَ ربُّه، مع عدَمِ بَيِّنةٍ، يقولُ خَصْمُه فلا رَهْنَ، وتَبْقَى الألْفُ بلا

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَهْن. الخامسَةُ، مَن طُلِبَ منه الرَّدُّ، وقُبِلَ قوْلُه، [فهل له تأخِيرُه ليُشْهِدَ؟ فيه وَجْهان إنْ حلَف، وإلَّا فلا. وفي الحَلِفِ احْتِمال. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»، في الوَكالةِ: وكلُّ أمِين يُقْبَلُ قوْلُه في الرَّدِّ، وطُلِبَ منه](1)، فهل له تأخِيرُه حتى يُشْهِدَ عليه؟ فيه وَجْهان؛ إنْ (2) قُلْنا: يحْلِفُ، وإلَّا لم يُؤخِّرْه لذلك. وفيه احْتِمال. انتهى. وأطْلَقَ الوَجْهَين في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» . وقطَع المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ليس له التَّأخيرُ. ذكَراه في آخِرِ الوَكالةِ. وكذا مُسْتَعِيرٌ ونحوُه لا حُجَّةَ عليه. وقدَّم في «الرعايَةِ الكُبْرَى» ،

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه لا يُؤخِّرُه، ثم قال: قلتُ: بلَى. وقطَع بالأوّلِ في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، والمُصَنِّفُ، والشارِحُ. وإنْ كان عليه حُجَّة أُخْرَى، كدَين بحُجَّةٍ. ذكَرَه الأصحابُ، ولا يلْزَمُ دَفْعُ الوَثِيقَةِ، بل الإشْهادُ بأخْذِه. قال في «الترْغِيبِ»: ولا يجوزُ للحاكِمِ إلْزامُه؛ لأنه رُبما خرَج ما قبَضَه مُسْتَحَقًّا، فيحْتاجُ إلى حُجَّةٍ بحقِّه. وكذا الحُكْمُ في تسْلِيمِ بائعِ كتابٍ ابْتياعُه إلى مُشْتَرٍ.

ص: 486

وإنْ أقَرَّ الرَّاهِنُ أنَّهُ أعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ رَهْنِهِ، عَتَقَ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ

ــ

وذكَر الأزَجِيُّ، لا يلْزَمُه دَفْعُه حتى يُزيلَ الوَثِيقَةَ، ولا يلْزَمُ رَبَّ الحقِّ الاحْتِياطُ بالإشْهادِ. وعنه في الوَدِيعَةِ، يدْفَعُها ببَينةٍ إذا قبَضَها ببَينةٍ. قال القاضي: ليس هذا للوُجوبِ، كالرَّهْنِ والضَّمِينِ والإشْهادِ في البَيعِ. قال ابنُ عَقِيل: حَمْلُه على ظاهِرِه للوُجوبِ أشْبَهُ. وأكثرُ الأصحابِ ذكَرُوا هذه المَسْألةَ في أواخِرِ الوَكالةِ. وأمَّا إذا قال الرَّاهِنُ: أقْبَضْتُك عَصِيرًا. قال المُرْتَهِنُ: بل خَمْرًا. ومُرادُه، إذا شرَط الرَّهْنَ في البَيع. صرَّح به الأصحابُ؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ القَوْلَ قولُ الرَّاهِنِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وعنه، القَوْلُ قوْلُ المُرْتَهِنِ. وجعَلَها القاضي كالحَلِفِ في حُدوثِ العَيبِ (1).

قوله: وإنْ أقَرَّ الراهِنُ أنَّه أعْتَقَ العبْدَ قبلَ رَهْنِه، عتَق وأُخِذَتْ منه قِيمَتُه رَهْنًا.

(1) في الأصل، ط:«البيع» .

ص: 487

رَهنًا، وَإنْ أَقَرَّ أنَّه كان جَنَى، أَو أنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، قُبِلَ عَلَى نَفسِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، إلا أَنْ يُصَدِّقَهُ.

ــ

[اعلمّ أنَّ حُكْمَ إقْرارِ الرَّاهِنِ بعِتْقِ العَبْدِ](1) المرْهُونِ، إذا كذَّبَه المُرْتَهِنُ، حُكْمُ مُباشَرَتِه لعِتْقِه حالةَ الرَّهْنِ، خِلافًا ومذهبًا، كما تقدَّم. فليُراجَعْ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقيل: إنْ أقَرَّ بالعِتْقِ، بطَل الرَّهْنُ مَجَّانًا، [ويحْلِفُ على البَتِّ](2). وقال ابنُ رَزِين في «نِهايته» ، وتَبِعَه ناظِمُها: وإنْ أقَرَّ الرَّاهِنُ بعِتْقِه قبلَ رَهْنِه، قُبِلَ على نَفْسِه لا المُرْتَهِنِ. وقيل: يُقْبَلُ مِنَ المُوسِرِ عليه.

قوله: وإنْ أقَرَّ أنَّه كان جَنَى، قُبِلَ على نَفْسِه، ولم يُقْبَلْ على المُرْتَهِنِ، إلَّا أنْ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 488

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُصَدِّقَه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يقْبَلُ إقْرارُ الرَّاهِنِ على المُرْتَهِنِ أيضًا؛ لأَنَّه غيرُ مُتَّهَمٍ، ويحْلِفُ له. فعلى المذهبِ، يلْزَمُ المُرْتَهِنَ اليَمِينُ؛ أنَّه ما يعْلَمُ ذلك، فإنْ نكَل، قُضِيَ عليه.

قوله: أو أقَر أنَّه باعَه، أو غصَبَه، قُبِلَ على نَفْسِه، ولم يُقْبَلْ على المُرْتَهِنِ، إلَّا أنْ يُصَدِّقَه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم.

وقيل: حُكْمُه حُكْمُ الإقْرارِ بالعِتْقِ، على ما تقدَّم. فيَأَتِي هنا وَجْه؛ أنَّ الرهْنَ يبْطُلُ مجَّانًا. وقال ابنُ رَزِينٍ في «نِهايِتَه» ، وناظِمُها هنا كما قال في الإِقْرارِ بالعِتْقِ، وجعَلا الحُكْمَ واحِدًا.

فائدة: لو أقَرَّ الرَّاهِنُ بالوَطْءِ بعدَ لُزومِ الرَّهْنِ، قُبِلَ في حقِّه، ولم يُقْبَلْ في

ص: 489

فَصْلٌ: وَإذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أوْ مَحْلُوبًا، فَلِلْمُرْتَهِنِ أنْ يَرْكَبَ وَيَحْلُبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ.

ــ

حقِّ المُرْتَهِنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويحْتَمِلُ أنْ يُقْبَلَ في حقِّ المُرْتَهِن أيضًا.

قوله: وإذا كان الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أو مَحْلُوبًا، فللمُرْتَهِنِ أنْ يرْكَبَ ويحْلُبَ بقَدْرِ نفَقَتِه، مُتَحَرِّيًا للعَدْلِ في ذلك. وهذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، وأحمدَ بنِ القاسِمِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الخِرَقِيِّ» ، و «العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال النَّاظِمُ:

ص: 490

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو أوْلَى. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه المَشْهورَةُ، والمَعْمولُ بها [في المذهبِ](4). وهو مِن مُفرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا يجوزُ. نقَل ابنُ مَنْصُورٍ، في مَنِ ارْتَهَنَ دابَّةً، فعَلَفها بغيرِ إذْنِ صاحبِها، فالعَلَفُ على المُرْتَهِنِ، مَن أمَرَه أنْ يعْلِفَ؟ وهذه الرِّوايَةُ ظاهِرُ ما أوْرَدَه ابنُ أبِي مُوسى.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا فرْقَ بينَ حُضورِ الرَّاهِنِ وغَيبَتِه، وامْتِناعِه وعدَمِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وأبِي الخَطَّابِ،

ص: 491

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمَجْدِ، وغيرِهم. وذكَر جماعةٌ، يجوزُ ذلك مع غَيبَةِ الرَّهْنِ فقط؛ منهم القاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الحاويَيْن» . زادَ في «الرعايتَين» ، أو مَنْعِها. وشرَط أبو بَكْر في «التَّنْبِيهِ» ، امْتِناعَ الرَّاهِنِ مِنَ النَّفَقَةِ. وحمَل ابنُ هُبَيرَةَ في «الإفْصاحِ» كلامَ الخِرَقِيِّ على ذلك. وقال ابنُ عَقِيل، في «التَّذْكِرَةِ»: إذالم يتْرُكْ راهِنُه نفَقَتَه، فعَل ذلك.

ص: 492

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، قد يُقالُ: دخَل في قوْلِه: أو مَحْلوبًا. الأمَةُ المُرْضِعَةُ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. جزَم به الزَّرْكَشِيُّ. وصحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وأشارَ إليه أبو بَكْر في «التنبِيهِ» . وقيل: لا يدْخُلُ. وهما رِوايَتان مُطْلَقَتان في «الرعايَةِ الصُّغْرَى» . الثَّاني، ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ وغيرِه، أنَّه لا يجوزُ للمُرْتَهِنِ أنْ يتَصَرَّفَ في غيرِ المَرْكوبِ والمَحْلُوبِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال المُصَنِّفُ، والشارِحُ: ليس للمُرْتَهِنِ أنْ يُنْفِقَ على العَبْدِ والأمَةِ، ويسْتَخْدِمَهما بقَدْرِ النَّفَقةِ، على ظاهِرِ المذهبِ. ذكَرَه

ص: 493

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِرَقِيُّ. ونصَّ عليه في رِوايَةِ الأثْرَمِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا أشْهَرُ الرِّوايتَين. ونقَل حَنْبَل، له أنْ يَسْتَخْدِمَ العَبْدَ. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه». وقدَّمه في «الفائقِ». وصحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». لكِنْ قال أبو بَكْر: خالفَ حَنْبَل الجماعَةَ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» و «شَرْحِه» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ،

ص: 494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاويَيْن» .

فائدتان؛ إحْداهما، إنْ فضَل مِنَ اللَّبَنِ فضْلَةٌ، باعَه، إنْ كان مَأْذُونًا له فيه، وإلَّا باعَه الحاكِمُ. وإنْ فضَل مِنَ النَّفَقَةِ شيءٌ، رجَع به على الرَّاهِنِ. قاله أبو بَكْر، وابنُ أبِي مُوسى، وغيرُهما. وظاهِرُ كلامِهم الرُّجوعُ هنا، وإنَّما لم يرْجِعْ إذا [أنْفَق على الرَّهْنِ] (1) في غيرِ هذه الصُّورَةِ. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وقال: لكِنْ ينْبَغِي أنَّه إذا أنْفَقَ تطَوُّعًا، لا يرْجِعُ، بلا رَيبٍ. وهو كما قال. الثَّانيَةُ، يجوزُ له فِعْلُ ذلك كله بإذْنِ المالِكِ، إنْ كان عندَه بغيرِ رَهْن. نصَّ عليهما. وقال في «المُنْتَخَبِ»: أو جُهِلَتِ المَنْفَعَةُ. وكَرِه الإمامُ أحمدُ أكْلَ الثَّمَرَةِ بإذْنِه. ونقَل حَنْبَل، لا يسْكُنُه إلَّا بإذْنِه، وله أُجْرَةُ مِثْلِه.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 495

وَإنْ أنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ مَعَ إِمْكَانِهِ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ،

ــ

قوله: وإنْ أنْفَقَ على الرَّهْنِ بغيرِ إذْنِ الرَّاهِنِ مع إمْكانهِ، فهو مُتَبَرِّعٌ. إذا أنْفَقَ المُرْتَهِنُ على الرَّهنِ بغيرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، مع إمْكانِه، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يَنْويَ الرُّجوعَ، أو لا؛ فإنْ لم يَنْو الرُّجوعَ، فهو مُتَبَرِّعٌ، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وإنْ نَوى الرُّجوعَ، فهو مُتَبَرِّعٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به المُصَنِّفُ هنا، وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وحكَى جماعةٌ رِوايَةً، أنَّه كإذْنِه، أو إذْنِ حاكِم. قال المُصَنِّفُ: يُخَرَّجُ على رِوايتَين؛ بِناءً على ما إذا قضَى

ص: 496

وَإنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْحَاكِمَ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

دَينَه بغيرِ إذْنِه. قال الشَّارحُ: وهذا أقْيَسُ؛ إذْ لا يُعْتبَرُ في قَضاءِ الدَّينِ العَجْزُ عنِ اسْتِئْذانِ الغَرِيمِ. ويأْتِي كلامُه في «القَواعِدِ» بعدَ هذا.

قوله: وإنْ عجَز عنِ اسْتِئْذانِه، ولم يسْتَأَذنِ الحَاكِمَ، فعلى رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ» ؛ إحْداهما، يُشْتَرطُ إذْنُه، فإنْ لم يسْتَأْذِنْه، فهو مُتَبرِّعٌ. قال شارِحُ «المُحَرَّرِ»: إذْنُ الحاكِمِ كإذْنِ الرَّاهِنِ عندَ تعَذُّرِه. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . وظاهِرُ ما جزَم به في «الفُروعِ» ، أنَّه يُشْترَطُ إذْنُ الحاكِمِ مع

ص: 497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القُدْرَةِ عليه. والرِّوايَةُ الثَّانيَةُ، لا يُشْترَطُ إذْنُه، ويرْجِعُ على الرَّاهِنِ بما [أنْفَقَ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَررِ»، وجزَم به [في]«الوَجيز» . قال في «القَواعِدِ» : إذا] (1) أنْفَقَ على عَبْدٍ أو حَيوانٍ مَرْهُونٍ، ففيه طريقان؛ أشْهَرُهما، أنَّ فيه الروايتَين اللَّتَيْن في مَن أدَّى حقًّا واجِبًا عن غيرِه. كذلك قال القاضي، في «المُجَرَّدِ» ، و «الرِّوايتَيَنْ» ، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل، والأكْثَرون. والمذهبُ عندَ الأصحابِ الرُّجوعُ. ونصَّ عليه في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ. والطَّريقُ الثَّاني، أنَّه يرْجِعُ، رِوايَةً واحدة. انتهى. وكَلامُه عامٌّ.

فائدة: لو تعَذَّرَ اسْتِئْذانُ الحاكِمِ، رجَع بالأقَل ممَّا أنْفَقَ أو بنَفَقَةِ مِثْلِه إنْ أشْهَدَ، وإنْ لم يُشْهِدْ، فهل له الرُّجوعُ إذا نَواه؟ على رِوايَتْين. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». قلتُ: المذهبُ أنَّه متى نوَى الرُّجوعَ مع التَّعَذر، فله ذلك، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ورَجَّحه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» وغيرِه. وفي «القَواعِدِ» هنا كَلامٌ حسَن.

ص: 498

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَفِي نَفَقَةِ الْجِمَالِ إِذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُكْتَرِي.

ــ

قوله: وكذلك الحُكْمُ في الوَدِيعَةِ، وفي نَفَقةِ الجِمَالِ، إذا هَرَّبَ الجَمَّالُ وترَكَها في يَدِ المُكْتَرِي. قال في «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما: وكذا حُكْمُ حَيوانٍ [مُؤجَر أو مُودَعٍ](1). وكذا قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» . وزادَ، وإذا أنْفَقَ على الآبِقِ حالةَ ردِّه. ويأْتِي ذلك في الجَعالةِ. وقال في «الهِدايَةِ» وغيرِها: وكذلك الحُكْمُ إذا ماتَ العَبْدُ المَرْهونُ فكَفَّنَه. أمَّا [إذا أنفْقَ على الحَيوانِ المُودَعِ، فقال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والسَّبْعِين»](2): إذا أنفْقَ عليه ناويًا للرُّجوعِ؛ فإنْ تعَذَّرَ اسْتِئْذانُ مالِكِه، رجَع. وإنْ لم يتَعذَّرْ، فطَرِيقان؛ أحدُهما، أنَّه على الرِّوايتَين في قَضاءِ الدَّينِ وأوْلَى. والمذهبُ في قَضاءِ الدَّينِ، الرُّجوعُ، كما يأْتِي في بابِ الضَّمانِ. قال: وهذا طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» . والطَّريقُ الثَّاني، لا يرْجِعُ، قولًا واحدًا. وهي طَرِيقَةُ صاحبِ «المُحَرَّرِ» ، مُتابِعًا لأبِي الخَطابِ. انتهى. قلتُ: وهذه الطَّرِيقَةُ هي المذهبُ. وهي طَرِيقَةُ صاحبِ «التلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. ويأْتِي الكلامُ في هذا، في الوَدِيعَةِ بأتَمَّ مِن هذا. وأمَّا إذا أنْفقَ على الجِمالِ إذا هرَب الجَمَّالُ، فقال في القاعِدَةِ المُتَقَدِّمَةِ: إذا أنْفَقَ على الجِمالِ بغيرِ إذْنِ حاكِمٍ، ففي الرُّجوعِ رِوايَتان. قال: ومُقْتَضَى طَرِيقَةِ

(1) في الأصل، ط:«ومودع» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 499

وَإنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ، فَعَمَرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيرِ إِذْنِ الرَّاهِن، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

ــ

القاضي، أنَّه يرْجِعُ، روايَةً واحدَةً. ثم إنَّ الأكْثَرِين اعْتَبُروا هنا اسْتِئْذانَ الحاكِمِ، بخِلافِ ما ذكَرُوه في الرَّهْنِ، واعْتَبَرُوه أيضًا (1) في المُودَعِ واللقطَةِ. وفي «المُغْنِي» إشارَةٌ إلى التَّسْويَةِ بينَ الكلِّ في عدَمِ الاعْتِبارِ، وأنَّ الإِنْفاقَ بدُونِ إذْنِه، يُخَرجُ على الخِلافِ في قَضاء الدَّينِ. وكذلك اعْتَبَروا الإشْهادَ على نِيَّةِ الرُّجوعِ. وفي «المُغْنِي» وغيرِه، وَجْهٌ آخَرُ أنَّه لا يُعْتَبرُ. وهو الصَّحيحُ. انتهى.

قوله: وإنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ، فعمَرَها المُرْتَهِنُ بغيرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، لم يَرْجِعْ به، رِوايَةً واحدَةً. وكذلك قال القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وغيرُهم. وهذا المذهبُ، بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهيَّةِ» . فعلى هذا، لا يَرْجِعُ إلَّا بأعْيانِ آلتِه. وجزَم القاضي في «الخِلافِ الكَبِيرِ» ، أنَّه يرْجِعُ بجَميعِ ما عمَر في الدَّارِ؛ لأنَّه مِن مَصْلَحَةِ الرَّهْنِ،

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 500

فَصْلٌ: وَإذَا جَنَى الرَّهْنُ جِنَايَةً مُوجبَةً لِلْمَالِ، تَعَلَّقَ أرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ، وَلِسَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ بِالأقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَو أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ فِي الْجِنَايَةِ، أوْ يُسَلِّمُهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَيَمْلِكُهُ. وَعَنْهُ، إِنِ اخْتَارَ فِدَاءَهُ، لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأرْشِ.

ــ

وجزَم به في «النَّوادِرِ» . وقاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَن عمَر وَقْفًا بالمَعْروفِ: ليَأْخُذْ عِوَضَه. فيَأْخُذُه مِن مُغِلِّه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويحْتَمِلُ عندِي أنَّه يَرْجِعُ بما يحْفَظُ أصْلَ مالِيَّةِ الدَّارِ؛ لحِفْظِ وَثِيقَتِه. وقال ابنُ رَجَبٍ، في القاعِدَةِ المذْكُورَةِ أعْلاه: ولو قيلَ: إنْ كانتِ الدَّارُ بعدَ [ما خَرِبَ منها تُحْرزُ](1) قِيمَةَ الدَّينِ المَرْهُونِ به، لم يَرْجِعْ. وإنْ كانتْ دُونَ حقِّه، أو وَفْقَ (2) حقِّه، ويُخْشَى مِن تَداعِيها للخَرابِ شيئًا فشيئًا، حتى تنْقُصَ عن مِقْدارِ الحقِّ، فله أنْ يَعْمُرَ ويَرْجِعَ، لكانَ مُتَّجِهًا. انتهى. قلتُ: وهو قَويٌّ.

قوله: وإذا جنَى الرَّهْنُ جِنَايَةً مُوجِبَةً للمالِ، تَغَلَّقَ أرْشُه برَقَبَتِه، ولسَيِّدِه فِداؤُه بالأقَلِّ مِن قِيمَتِه، أو أرْشِ جِنَايَتِه، أو بَيعُه في الجِنايَةِ، أو يُسَلِّمُه إلى وَليِّ الجِنايَةِ فيَمْلِكُه. يعْنِي، إذا كانتِ الجِنايَةُ تسْتَغْرِقُه، إذا اخْتارَ السَّيِّدُ فِداءَه، فله أنْ يفْدِيَه

(1) في ط: «ما جرت منها يجوز» .

(2)

في ا: «فوق» .

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بأقَلِّ الأمْرَين؛ مِن قِيمَتِه، أو أرْشِ جِنايَتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّوايتَين. [قال الشّارِحُ: هذا أصحُّ الرِّوايتَين](1). وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال ابنُ مُنَجَّى وغيرُه: هذا المذهبُ. وعنه، إنِ اخْتارَ فِداءَه، لَزِمَه جميعُ الأرْشِ. وهما وَجْهان مُطْلقان في «الكافِي» .

تنبيه: خيَّر المُصَنِّفُ السَّيِّدَ بينَ الفِداءِ والبَيعِ والتَّسْليمِ. وهو المذهبُ هنا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَتين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُغْنِي» ، و «تجريدِ العِنايَةِ» و «إدراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»:

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُخَيَّرُ السَّيِّدُ بينَ فِدائِه وبينَ تَسْليمِه للبَيعِ. فاقْتَصرَ عليهما. وهذه الرِّواياتِ ذَكَرَهُنَّ في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما، في مَقاديرِ الدِّياتِ. ولم نَرَ مَن ذكَرَهُنَّ إلَّا الزَّرْكَشِيَّ، وهو قِياسُ ما في مَقادِيرِ الدِّياتِ، بل هذه المَسْأَلةُ هنا فَرْدٌ مِن أفْرادِه هناك، لكِنَّ اقْتِصارَهم هنا على الخِيَرَةِ بينَ الثَّلاثةِ وهناك بينَ شَيئَين على الصَّحيحِ، على ما يأْتِي، يدُلُّ على الفَرْقِ، ولا نَعْلَمُه. لكِنْ ذكَر في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، بعدَ أنْ قطَعُوا بما تقدَّم، أنَّ غيرَ المَرْهونِ كالمَرْهونِ. وهو أظْهَرُ؛ إذْ لا فَرْقَ بينَهما. واللهُ أعلمُ. قال الزَّرْكَشِي: هذا إحْدَى الرِّواياتِ [في «الرِّعايتَين»، و «الحاويَيْن»](1). وجزَم به ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 503

فَإِنْ فَدَاهُ، فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإنْ سَلَّمَهُ، بَطَلَ الرَّهْنُ.

فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ، بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَبَاقِيهِ رَهْنٌ. وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ، ويَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا.

ــ

الشارِحُ. والثَّانيةُ، يُخَيَّرُ بينَ البَيعِ والفِداءِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . والثَّالثةُ، يُخَيَّرُ بينَ التسْليمِ والفِداءِ. وأطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِي. ويأْتِي ذلك في بابِ مَقادِيرِ دِياتِ النَّفْسَ، في كلامَ المُصَنِّفِ، ويأْتِي هناك، إذا جنَى العَبْدُ عَمْدًا، وأحْكامُه.

قوله: فإنْ لم يسْتَغْرِقِ الأرْشُ قِيمَتَه، بِيعَ منه بقَدْرِه، وباقِيه رَهْنٌ. هذا المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الكافِي» . وقامه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الخُلاصَةِ». وقيل: يُباعُ جَمِيعُه، ويكونُ باقِي ثَمَنِه

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَهْنًا. وهو احْتِمالٌ في «الحاويَيْن» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». وقال ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه»: ويُباعُ بقَدْرِ الجِنايَةِ. فإنْ نقَصتْ قِيمَتُه بالتَّشْقيصِ، بِيعَ كلُّه. قلتُ (1): وهو الصَّوابُ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ عندَ المُصَنِّفِ، والمَجْدِ، والشَّارِحِ، وغيرِهم، إذا لم يتَعَذَّرْ بَيعُ بعْضِه. أمَّا إنْ تعَذَّرَ بَيعُ بعْضِه، فإنه يُباعُ جميعُه، قوْلًا واحدًا.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 505

وَإِنِ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ، فَفَدَاهُ بإِذْنِ الرَّاهِنِ، رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِغَير إِذْنِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَين.

ــ

فائدة (1): قوْلُه: وإنِ اخْتارَ المُرْتَهِنُ فِداءَه، ففَداه بإذْنِ الرَّاهِنِ، رجَع به. بلا نِزاع. ويأْتِي قرِيبًا، لو شرَط المُرْتَهِنُ جعْلَه رَهْنًا بالفِداءِ مع الدَّينِ الأوَّلِ، هل يصِحُّ أم لا؟

وقوله: وإنْ فَداه بغَيرِ إذْنِه، فهل يَرْجِعُ به؟ على رِوايتَين. وتحْرِيرُ ذلك؛ أنَّ المُرْتَهِنَ إذا اخْتارَ فِداءَه ففَداه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ بإذْنِ الرَّاهِنِ أو لا، فإنْ فَداه بإذْنِ الرَّاهِنِ، رجَع، بلا نِزاعٍ. لكِنْ هل يَفْدِيه بالأقَلِّ مِن قِيمَتِه، أو

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 506

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أرْشِ جِنايَتِه؟ أو يَفْدِيه بجَمِيعِ الأرْشِ؟ فيه الرِّوايَتان المُتَقَدِّمَتان. وإنْ فَداه بغيرِ إذْنِه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يَنْوِيَ الرُّجوعَ أوْ لا؛ فإنْ لم يَنْو الرُّجوعَ، لم يَرْجِعْ. وإنْ نوَى الرُّجوعَ، فهل يرْجِعُ به؟ على رِوايَتين. ويُحْمَلُ كلامُ المُصَنِّفِ على ذلك. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَتين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الزرْكَشِيِّ» . قال أبو الخَطَّاب، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التلْخيصِ» ، و «الحاويَيْن» ، والزَّرْكَشِي، وغيرُهم: بِناءً على مَن (1) قضَى دَينَ غيرِه بغيرِ إذْنِه. ويأْتِي في بابِ الضَّمانِ، أنَّه يَرْجِعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. فكذا هنا عندَ هؤلاءِ؛ إحْداهما، لا يَرْجِعُ. جزَم به في «المُحَررِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الوَجيز» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ،

(1) في الأصل، ط:«أنَّ مَن» .

ص: 507

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «النَّظْمِ» . [قلتُ: وهو أصحُّ؛ لأنَّ الفِداءَ ليس بواجِبٍ على الرَّاهِنِ](1). قال في «القَواعِدِ» : قال أكثرُ الأصحابِ؛ كالقاضي، وابنِ عَقِيل، وأبي الخَطَّابِ، وغيرِهم: إنْ لم يَتَعذَّرِ اسْتِئْذانُه، فلا رُجوعَ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: وقيل: لا يَرْجِعُ هنا، وإنْ رجَع مَن أدَّى حقًّا واجِبًا (2) عن غيرِه. اخْتارَه أبو البَرَكاتِ. والرِّوايَة الثَّانيَةُ، يَرْجِعُ. قال الزَّرْكَشِي: وبه قطَع القاضي، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» . وهذا المذهبُ عندَ مَن بَناه على قَضاءِ دَينِ غيرِه بغيرِ إذْنِه.

فوائد؛ إحْداها، لو تعَذَّرَ اسْتِئْذانُه، فقال ابنُ رَجَبٍ: خُرِّجَ على الخِلافِ في نَفَقَةِ الحَيوانِ المَرْهونِ، على ما تقدَّم. وقال صاحِبُ «المُحَرَّرِ»: لا يَرْجِعُ بشيءٍ. وأطْلَقَ؛ لأنَّ المالِكَ لم يجِبْ عليه الافْتِداءُ هنا، وكذلك لو سلَّمَه، [لم يَلْزَمْه](3) قِيمَتُه ليكونَ رَهْنًا. وقد وافَقَ الأصحابُ على ذلك، وإنَّما خالفَ فيه ابنُ أبِي مُوسى. الثَّانيةُ، لو شرَط المُرْتَهِنُ كوْنَه رَهْنًا، بفِدائِه، مع دَينِه الأوَّلِ، لم يصِحَّ. قدَّمه في «الكافِي» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» . وفيه وَجْهٌ آخَرُ، يصِحُّ.

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

في الأصل، ط:«واحدًا» .

(3)

في الأصل، ط:«يلزمه» .

ص: 508

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتارَه القاضي. وقدمه الزرْكَشِيُّ. قال في «الفائقِ» : جازَ في أصحِّ الوَجْهَين. قلتُ: فيُعايَى بها. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، [والمُصَنِّفُ في هذا الكتابِ، في مَقادِيرِ الدِّيَاتِ](1). الثَّالثةُ، لو سلمَه لوَلِيِّ الجِنايَةِ فرَدَّه، وقال: بِعْه وأحْضِرِ الثمَنَ. لَزِمَ السَّيِّدَ ذلك. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ.

(1) زيادة من: ش.

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قدَّمه في «الرِّعايَتين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . وعنه، لا يَلْزَمُ. وقيل: يَبِيعُ الحاكِمُ. [قلتُ: وهو الصَّوابُ. صحَّحه في «الخُلاصَةِ»، و «التَّصْحيحِ»](1). قال في «الرِّعايَةِ» ، مِن عندِه: هذا إذا لم يَفْدِه المُرْتَهِنُ.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتأْتِي هذه المَسْأْلَةُ في كلامِ المُصَنِّفِ، في آخِرِ بابِ مَقادِيرِ دِياتِ النَّفْسِ، مُحَرِّرَةً مُسْتَوْفاةً.

ص: 511

وَإنْ جُنِيَ عَلَيهِ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاص، فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ، فَإِنِ

ــ

قوله: وإنْ جُنِيَ عليه جِنايَة مُوجِبَةٌ للقِصاصِ، فلسَيِّدِه القِصاصُ. هذا المذهبُ

ص: 514

اقْتَصَّ، فَعَلَيهِ قِيمَةُ أَقلِّهِمَا قِيمَةً، تُجْعَلُ مَكَانَهُ.

ــ

مُطْلَقًا. جزَم به في «الشرْحِ» ، و «الوَجيزِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَررِ» ، و «الكافِي» ، و «الفُروعِ» . وقدَّمه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «نَظْمِهما». قال في «القاعِدَةِ الرَّابعةِ والخَمْسِين»: ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، جَوازُ القِصاصِ. وقيل: ليس له القِصاصُ بغيرِ رِضَى المُرْتَهِنِ. وحكاه ابنُ رَزِين رِوايَةً. وجزَم به في «الهدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل. قاله في «القَواعِدِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «الرعايتَين». وقال في «الحاويَيْن»: ولسَيِّدِه القَوَدُ في العَمْدِ برِضَى المُرْتَهِنِ، وإلَّا جعَل قِيمَةَ أقَلِّهما

ص: 515

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قِيمَةً رَهْنًا. نصَّ عليه. قال في «التَّلْخيصِ» : ولا يقْتَصُّ إلَّا بإذْنِ المُرْتَهِنِ، أو إعطائِه قِيمَتَه رَهْنًا مَكانَه.

قوله: فإنِ اقْتَصَّ، فعليه قِيمَةُ أقَلِّهما قِيمَةً تُجْعَلُ مَكانَه. [يعْنِي، يلْزَمُ الضَّمانُ](1). وهذا المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ عندَ الأصحابِ، والمَنْصوصُ عن أحمدَ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: اخْتارَه القاضي، والأكْثَرون. وقيل: لا يلْزَمُه شيءٌ. وهو تَخْريجٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال في «المُحَرَّرِ»: وهو أصحُّ عندِي. وقطَع به ابنُ الزَّاغونِيِّ في «الوَجيزِ» . وحُكِيَ عنِ القاضي. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وحكاهما في «الكافِي»

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 516

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهَين، وأطْلَقَهما.

تنبيه: قوْلُه: فعليه قِيمَةُ أقَلِّهما قِيمَةً. هكذا قال المُصَنِّفُ هنا، والشَّارِحُ، وصاحِبا «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى». قال في «القواعِدِ»: قاله القاضي، والأكْثَرون. وقيل: يلْزَمُه أرْشُ الجِنايَةِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال في «القَواعِدِ» : وهو المَنْصوصُ. قال ابنُ مُنَجَّى: قال في «المُغْنِي» : إنِ اقْتَصَّ أُخِذَتْ منه قِيمَتُه فجُعِلَتْ مَكانَه رَهْنًا. قال: وظاهِرُه، أنَّه يجِبُ على الرَّاهِنِ جميعُ قِيمَةِ الجانِي. قال: وهو مُتَّجِهٌ. قلتُ: الذي وجَدْناه في «المُغْنِي» ، في الرَّهْنِ، عندَ قَوْلِ الخِرَقِيِّ: وإذا جرَح العَبْدُ المَرْهونُ أو قتَل، فالخَصْمُ في ذلك السَّيِّدُ. أنَّه قال: فإذا اقْتَصَّ، أُخِذَتْ منه قِيمَةُ أقَلِّهما، فجُعِلَتْ مَكانَه رَهْنًا. نصَّ عليه. هذا لَفْظُه. فلعَلَّ ابنَ مُنَجَّى رأى ما قال في غيرِ هذا المَكانِ.

تنبيهات؛ الأوَّلُ، مَعْنَى قوْلِه: قِيمَةُ أقَلِّهما قِيمَةً. لو كان العَبْدُ المَرْهونُ يُساوي عَشَرَةً، وقاتِلُه يُساوي خَمْسَةً، أو عكْسَه، لم يلْزَمِ الرَّاهِنَ إلَّا خَمْسَة؛ لأنَّه في

ص: 517

وَكذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ أَوْ ورَثتُهُ.

ــ

الأُولَى، لم يُفَوِّتْ على المُرْتَهِنِ إلَّا ذلك القَدْرَ، وفي الثَّانيةِ، لم يَكُنْ حقُّ المُرْتَهِن مُتَعَلِّقًا إلَّا بذلك القَدْرِ. الثَّاني، محَلُّ الوُجوبِ، إذا قُلْنا: الواجِبُ في القِصاصِ أحَدُ شَيئَين. فإذا عَيَّنَه بالقِصاصِ، فقد فوَّتَ المال الواجِبَ على المُرْتَهِنِ. وظاهِرُ كلامِه في «الكافِي» ، أنَّ الخِلافَ على قَوْلِنا: مُوجِبُ العَمْدِ القَوَدُ عَينًا. فأمَّا إنْ قُلْنا: مُوجِبُه أحدُ شَيئَين. وجَب الضَّمانُ. قال في «القَواعِدِ» : وهو بعيدٌ. وأمَّا إذا قُلْنا: الواجِبُ القِصاصُ عَينًا. فإنَّه لا يضْمَنُ قَطْعًا. وأطْلَقَ القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنفُ هنا الخِلافَ مِن غيرِ بِناءٍ. قال في «القَواعِدِ»: ويتَعَيَّنُ بِناؤُه على القَوْلِ بأنَّ [الواجبَ أحدُ شَيئَين. قال في «التَّلْخيصِ»: وإنْ عَفا، وقُلْنا](1): الواجِبُ أحدُ أَمْرَين، أُخِذَتْ منه القِيمَةُ. وإنْ قُلْنا: الواجِبُ القِصاصُ. فلا قِيمَةَ، على أصحِّ الوَجْهَين.

قوله: وكذلك إنْ جنَى على سَيِّدِه، فاقْتَصَّ منه هو أو ورثَتُه. وكذا قال الأصحابُ. يعْنِي، حُكْمُه حُكْمُ ما إذا كانتِ الجِنايَةُ على العَبْدِ المَرْهونِ مِن أجْنَبِيٍّ، واقْتَصَّ السَّيِّدُ؛ مِنَ الخِلافِ والتَّفْصِيلِ، على ما مَرَّ. قال المُصَنِّفُ، وابنُ

(1) بياض في: الأصل، ط.

ص: 518

وَإنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، فما قُبِضَ مِنْهُ، جُعِلَ مَكَانَهُ.

ــ

رَزِين، والشَّارِحُ: فإنْ كانتِ الجِنايَةُ على سيِّدِ العَبْدِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ مُوجبَة للقَوَدِ، أو غيرَ مُوجِبَةٍ له، كجِنايَةِ الخَطَأ، أو إتْلافِ المالِ؛ فإنْ كانتْ خَطَأً، أو مُوجِبَةً للمالِ، فهَدَرٌ. وإنْ كانتْ مُوجِبَةً للقَوَدِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ على النفْسِ، أو على ما دُونَها؛ فإنْ كانتْ على ما دُونَها؛ بأنْ عفَا على مالٍ، سقَط القِصاصُ، ولم يجِبِ المالُ. وكذلك إنْ عفَا على غيرِ مالٍ. وإنْ أرادَ أنْ يقْتَصَّ، فله ذلك، فإنِ اقْتَصَّ، فعليه قِيمَتُه تكونُ رَهْنًا مَكانَه، أو قَضاءً عنِ الدَّينِ قال الشَّارِحُ: ويحْتَمِلُ أنْ لا يجِبَ عليه شيءٌ. وكذلك إنْ كانتِ الجِنايَةُ على النَّفْسِ، فاقْتَصَّ الوَرَثَةُ، فهل تجِبُ عليهم القِيمَةُ؟ يُخرجُ على ما ذكَرْنا، وليس للوَرَثَةِ العَفْوُ على مالٍ. وذكَر القاضي وَجْهًا؛ لهم ذلك، وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . فإنْ عفَا بعْضُ الوَرَثَةِ، سقَط القِصاصُ، وهل يثْبُتُ لغيرِ العافِي نَصِيبُه مِنَ الدِّيةِ؟ على الوَجْهَين. انتَهى كلامُهما.

قوله: وإنْ عفَا السَّيِّدُ على مَالٍ، أو كانتْ مُوجِبَةً للمالِ، فما قُبِضَ منه جُعِلَ مَكانَه. لا أعلَمُ فيه خِلافًا.

فائدة: لو عفَا السَّيِّدُ على غيرِ مالٍ أو مُطْلَقًا، وقُلْنا: الواجِبُ القِصاصُ عَينًا،

ص: 519

وَإنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ، صَحَّ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذا انْفَكَّ الرَّهْنُ، رُدَّ إِلَى الْجَانِي. وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ.

ــ

[كان كما لو اقْتَصَّ](1). فيه القَوْلان السَّابِقان (2). قاله المُصَنفُ، والشَّارِحُ. وصحَّح صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، أنَّه لا شيءَ على السَّيِّدِ هنا، مع أنَّه قطَع هناك بالوُجوبِ، كما هو المَنْصوصُ.

قوله: فإنْ عفَا السَّيِّدُ عَنِ المالِ، صَحَّ في حَقِّه، ولم يصِحَّ في حَق المُرْتَهِنِ،

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

في الأصل، ط:«يجعل» .

ص: 520

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإذا انْفكَّ الرَّهْنُ، رُدَّ إلى الجانِي. يعْنِي، إذا عفَا السَّيِّدُ عنِ المالِ الذي وجَب على الجانِي بسَبَبِ الجِنايَةِ، صحَّ في حقِّ الرَّاهِنِ، ولم يصِحَّ في حقِّ المُرْتَهِنِ، بمَعْنَى، أنَّه يُؤْخذُ مِنَ الجانِي الأرْشُ، فيُدْفَعُ إلى المُرْتَهِنِ، فإذا انْفَكَّ الرَّهْنُ، رُدَّ ما أُخِذَ مِنَ الجانِي إليه. وهذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: هذا الأشْهَرُ. واخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «ابنِ رَزِين» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفائقِ» ، و «الحاويَيْن». وقال أبو الخَطَّابِ: يصِحُّ، وعليه قِيمَتُه. يعْنِي، على الرَّاهِنِ قِيمَتُه، تُجْعَلُ رَهْنًا مَكانَه. جزَم به في «الهِدايَةِ» ،

ص: 521

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُذْهَبِ» . قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو قَوْلُ صاحِبِ «التَّلْخيصِ» . انتهى. وقال بعضُ الأصحابِ: لا يصِح مُطْلَقًا. واخْتارَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وقال: هو أصحُّ في النَّظَرِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . واخْتارَه في «الفائقِ» . وأطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا قُلْنا: الواجِبُ أحدُ شَيئَين. فأمَّا إنْ قُلْنا: الواجِبُ

ص: 522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القِصاصُ عَينًا. فلا شيءَ على المُرْتَهِنِ، كما تقدَّم. فعلى المذهبِ، إنِ اسْتَوْفَى المُرْتَهِنُ حَقَّه مِنَ الرَّاهِنِ، رَدَّ ما أخَذ مِنَ الجانِي، كما قال المُصَنِّفُ. وإنِ اسْتَوْفاه مِنَ الأرْشِ، فقِيلَ: يرْجِعُ الجانِي على العافِي، وهو الرَّاهِنُ؛ لأنَّ ماله ذهَب في قَضاءِ دَينِ العافِي. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ثم رأَيتُ ابنَ رَزِين قدَّمه في «شَرْحِه» . وقيل: لا يرْجِعُ عليه؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه في حقِّ الجانِي ما يَقْتَضِي وُجوبَ الضَّمانِ، وإنَّما اسْتَوْفى بسَبَبٍ كان منه حال مِلْكِه له، فأشْبَهَ ما لو جنَى إنْسانٌ على عَبْدِه، ثم رهَنَه لغيرِه، فتَلِفَ بالجِنايَةِ السَّابِقَةِ. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .

فائدة: لو أتْلَفَ الرَّهْنَ مُتْلِفٌ، وأُخِذَتْ قِيمَتُه، قال في «القاعِدَةِ الحادِيَةِ والأرْبَعِين»: ظاهِرُ كَلامِهم، أنَّها تكونُ رَهْنًا بمُجَرَّدِ الأخْذِ. وفرَّع القاضي على

ص: 523

وَإنْ وَطِئَ المُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ مِنْ غَيرِ شُبْهَةٍ، فَعَلَيهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ.

ــ

ذلك، أنَّ الوَكِيلَ في بَيعِ المُتْلَفِ يَمْلِكُ بَيعَ البدَلِ المأُخُوذِ بغيرِ إذْنٍ جديدٍ، وخالفَه صاحِبُ «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» . وظاهِرُ كلامِ أبِي الخَطَّابِ، في «الانتِصارِ» ، في مَسْأَلةِ إبْدالِ الأضْحِيَةِ، أنَّه لا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بجَعْلِ الرَّاهِنِ.

قوله: وإنْ وَطِيء المُرْتَهِنُ الجارِيَةَ مِن غيرِ شُبْهةٍ، فعَليه الحَدُّ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا حَدَّ.

ص: 524

وَإنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وادَّعَى الْجَهَالةَ، وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَلَا حَدَّ عَلَيهِ، وَلَا مَهْرَ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ، لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ.

ــ

قوله: وإنْ وَطِئَها بإذْنِ الرَّاهِنِ، وادَّعَى الجَهالةَ، وكانَ مِثْلُه يجْهَلُ ذلك، فلا حَدَّ عليه، بلا نِزاع، ولا مَهْرَ عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا، وعليه الأكثرُ. وقيل: يجِبُ المَهْرُ للمُكْرَهةِ.

قوله (1): ووَلَدُه حُرٌّ لا تلْزَمُه قِيمَتُه. يعْنِي، إذا وَطِئَها بإذْنِ الرَّاهِنِ، وهو يجْهَلُ (2). وهذا الصحيحُ مِنَ المذهبِ. قال أبو المَعالِي في «النِّهايَةِ»: هذا الصَّحيحُ. واخْتارَه القاضي في «الخِلافِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِه في «الكافِي» .

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

في الأصل، ط:«يجعل» .

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزم به في «الوجيز» . وقدَّمه في «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». وقال ابنُ عَقِيل: لا تسْقُطُ قِيمَةُ الوَلَدِ؛ لأنَّة حال بينَ الوَلَدِ ومالِكِه باعْتِقادِه، فلَزِمَتْه قِيمَتُه، كالمَغْرورِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» . وصحَّحه في «الرِّعايَةِ» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ،

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاويَينِ» ، و «الفائقِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، لو وَطِئَها مِن غيرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، وهو يجْهَلُ التَّحْرِيمَ، فلا حدَّ، ووَلَدُه حُرٌّ، وعليه الفِداءُ والمَهْرُ. الثَّانيةُ، لو كان عندَه رُهون لا يعْلَمُ أرْبابَها، جازَ له بَيعُها، إنْ أيِسَ مِن مَعْرِفَتِهم، ويجوزُ له الصَّدَقَة بها، بشَرْطِ ضَمانِها. نصَّ عليه. وفي إذْنِ الحاكِمِ في بَيعِه مع القُدْرَةِ عليه، وأخْذِ حقِّه مِن ثَمَنِه مع عدَمِه، رِوايتان، كشِراءِ وَكِيل. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وهو ظاهِرُ «الشَّرْحِ» ، و «المُغْنِي». قال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والتسْعين»: نصَّ أحمدُ على جَوازِ الصَّدَقَةِ بها، في رِوايَةِ أبِي طالِبٍ، وأبِى الحارِثِ. وتأوَّلَه القاضي، في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل، على أنَّه تعَذَّرَ إذْنُ الحاكِمِ. وأنْكَرَ ذلك المَجْدُ وغيرُه، وأقَرُّوا النُّصوصَ على ظاهِرِها. وقال في «الفائقِ»: ولا يَسْتَوْفِي حقه مِنَ الثَّمَنِ. نصَّ عليه. وعنه، بلَى، ولو باعَها الحاكِمُ ووَفَّاه، جازَ. انتهى.

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّم في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، ليس له بَيعُه بغيرِ إذْنِ الحاكِمِ. ويأْتِي في آخِرِ الغَصْبِ، إذا بَقِيَتْ في يَدِه غُصُوب لا يَعْرِفُ أرْبابَها، في كلامِ المُصَنِّفِ. ويأتي في بابِ الحَجْرِ، أنَّ المُرْتَهِنَ أحقُّ بثَمَنِ الرَّهْنِ في حَياةِ الرَّاهِنِ ومَوْتِه مع الإِفْلاسِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ.

ص: 529