المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الجَعَالةِ ــ بابُ الجَعالةِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الجَعَالةِ ــ بابُ الجَعالةِ

‌بَابُ الجَعَالةِ

ــ

بابُ الجَعالةِ

ص: 161

وَهِيَ أنْ يَقولَ: مَنْ رَد عَبْدِي، أوْ لُقَطَتِي، أوْ بَنَى لِيَ هَذَا الْحَائطَ، فَلَهُ كَذَا.

ــ

فائدة: قولُه، وهي أنْ يقولَ: مَن رَد عَبْدِي، أو لُقَطَتِي، أو بنَى لي هذا الحائطَ، فله كذا. قال في «الرعايَةِ»: وهي أنْ يجْعَلَ زَيدٌ شيئًا مَعْلومًا لمَن يعْمَلُ له عَمَلًا مَعْلومًا، أو مَجْهولًا مُدةً مَجْهولَةً. قال الحارِثِي: وهي في اصْطِلاح الفُقَهاءِ، جَعْلُ الشيءِ مِن المالِ لمَن يفْعَلُ أمْرَ كذا. قال: وهذا أعَمُّ مما قال المُصَنفُ؛ لتَناوُلِه الفاعِلَ المُبْهَمَ والمُعَيَّن، وما قال لا يتَناوَلُ المُعَيَّنَ. انتهى. قلتُ: لكِنه يدْخُلُ بطَريق أوْلَى.

تنبيه: قولُه: مَن ردَّ عَبْدِي. يقْتَضِي صحَّةَ العَقْدِ في ردِّ الآبِقِ. وسيأتِي آخِرَ البابِ، أن لرَدِّ الآبِقِ جُعْلًا مُقَارًا بالشرْعِ. فالمُستفادُ إذَنْ بالعَقْدِ، ما زادَ على

ص: 162

فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقهُ.

ــ

المُقَدرِ المَشْروعِ. فوجودُ الجَعالةِ يُوجِبُ أكثرَ الأمْرَين مِنَ المُقَدرِ والمَشْروطِ، قاله الحارِثِي. [وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ، أنه لا يسْتَحِقُّ إلَّا ما شرَطَه له، وإنْ كان أقل مِن دِينار، وهو ظاهِرُ ما قدمه في «الفُروعِ»](1).

فائدة: الجعالةُ نَوْعُ إجارَةٍ؛ لوُقوعِ العِوَضِ في مُقابلَةِ مَنْفَعَة، وإنما تُمَيَّزُ بكَوْنِ الفاعِلِ لا يلْتَزِمُ الفِعْلَ، وبكَوْنِ العَقْدِ قد يقَعُ مُبْهَمًا لا مع مُعَيَّن، ويجوزُ في الجَعالةِ الجَمْعُ بينَ تَقْديرِ المُدَّةِ والعَمَلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا. كالإجارَةِ. وتقدَّم ذلك في الإجارَةِ أيضًا.

قوله: فمَن فعَلَه بعدَ أنْ بلَغه الجُعْلُ، اسْتَحَقَّه. بلا نِزاع. فإنْ كانوا جماعَة، فهو بينَهم بالسَّويَّةِ. وإنْ بلَغه في أثْنائِه، اسْتَحَقَّ بالقِسْطِ. فإنْ تَلِفَ الجُعْلُ، كان له مِثْلُه إنْ كان مِثْلِيًّا، وإلَّا قِيمَتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال في «التبصِرَةِ»: إذا عيَّن عِوَضًا، ملَكَه بفَراغِ العَمَلِ، فلو تَلِفَ، فله أجْرَةُ المِثْلَ.

فائدة: لو ردَّه مِن نِصْف الطَّريقِ المُعَينةِ، أو قال: مَن ردَّ عبْدَيَّ. فردَّ أحدَهما، فله نِصفُ الجُعْلِ، [وإنْ ردَّه مِن ثُلُثِ الطَّريقِ، اسْتَحَقَّ الثلُثَ، ومِن ثُلُثَي الطريقِ، اسْتَحَقَّ الثُّلُثَين. فيسْتَحِق، إذا رده مِن أقْرَبَ مِنَ المَوْضِعِ الذي عَيَّنه، بالقِسْطِ](2)، وإنْ رده مِن مَسافَة أبعَدَ مِن المُعَينةِ، فله المُسَمَّى لا غيرُ. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» ، وتَبِعَه في «الرعايَةِ» وغيرِه، واقتصرَ عليه في «الفُروعِ» .

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

سقط من: ط.

ص: 163

وَإنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ، فَهُوَ بَينَهُمْ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 164

وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِك لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، سَواء رَدَّهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْل أوْ بَعْدَهُ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 166

وَتَصِحُّ عَلَى مُدةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَمَل مَجْهُولٍ، إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا.

ــ

قوله: وتصِحُّ على مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وعَمَل مَجْهُولٍ، إذا كان العِوَضُ مَعْلومًا. يُشْتَرطُ أنْ يكونَ العِوَضُ مَعْلومًا، كالأجْرَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): ويحْتَمِلُ أنْ تصِح الجَعالةُ مع الجَهْلِ بالعِوَضِ، إذا كان الجَهْلُ لا يمْنَعُ التسْليمَ، نحوَ أنْ يقولَ: مَن رد عبْدِي الآبِقَ، فله نِصْفُه، ومَن ردَّ ضالَّتِي، فله ثُلثها. قال الإمامُ أحمدُ: إذا قال الأمِيرُ في الغزْو: مَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوس فله رأس. جازَ. وقالوا: إذا جعَل جُعْلًا لمَن يدُله على قَلْعَةٍ أو طَريقٍ سَهْل، وكان الجُعْلُ مِن مالِ الكُفَّارِ، كجارِيَةٍ بعَينها، جازَ. فيُخَرَّجُ هنا مِثْلُه. انتهى. وقال الحارِثِيُّ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ

(1) انظر المغني 8/ 324.

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجُعْلِ مَعْلومًا، فإنْ شرَط عِوَضًا مَجْهولا فسَد العَقْدُ. وإنْ قال: فلَك ثُلُثُ الضالَّةِ، أو رُبْعُها. صح، على ما نص عليه في الثَّوْبِ يُنْسَجُ بثُلُثِه. والزَّرْعِ يُحْصَدُ، والنَّخْلِ يُصْرَمُ بسُدْسِه، لا بَأسَ به، وفي الغزْو: مَن جاءَ بعَشَرَةِ أرْوس، فله رأس. جازَ. وعندَ المُصَنِّفِ، لا يصِحُّ، وللعامِلِ أجْرَةُ المِثْلِ. والأوَّلُ المذهبُ. وذكَر المُصَنِّفُ في أصْلِ المَسْألةِ وَجْهًا بجَوازِ الجَهالةِ التي لا تمْنَعُ التَّسْليمَ، ونظَّر بمَسْألةِ الثُلُثَ، واسْتَشْهَدَ بنَصِّه الذي حَكَيناه في الغزْو، وبما إذا جعَل جُعْلًا لمَن يدُله على قَلْعَةٍ، أو طريق سَهْل، وكان الجُعْلُ مِن مالِ الكُفَّارِ، جازَ أنْ يكونَ مَجْهولًا، كجارِيَةٍ يُعَينها للعامِلِ. قال: فيُخَرَّجُ هنا

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِثْلُه. انتهى. [وقد قطَع في «الرِّعايتَين»، و «الحاوي الصغِيرِ»، مع اشْتِراطِهم أنْ يكونَ الجُعْلُ مَعْلومًا، فظاهِرُه، أن جَعْلَ جُزْءٍ مُشاعٍ مِنَ الضالة، ليس بمَجْهُول](2).

فائدة: إذا كانتِ الجَهالةُ تَمْنَعُ التسْلِيمَ، لم تصِح الجَعالةُ، قوْلًا واحدًا، ويسْتَحِقُّ أجْرَةَ المِثْلِ مُطْلَقًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبَ. وقيل في رَدِّ الآبِقِ، المُقَدرُ شَرْعًا. [وكذا إن كانتْ لا تمْنَعُ التسْلِيمَ. على المذهبِ، كما تقدَّم، وله أجْرَةُ المِثْلَ](1).

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو قال: مَن داوَى لي هذا حتى يبرَأ مِن جُرْحِه أو مَرَضِه أو رَمَدِه، فله كذا. لم يصِح مُطْلَقًا. على الصحِيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي. وقيل: تصِحُّ جَعالةً. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والمُصَنِّفُ. نقَلَه الزرْكَشي في الإجارَةِ. وقيل: تصِح إجارَةً.

ص: 170

وَهِيَ عَقْد جَائِز، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا. فَمَتَى فَسَخَهَا الْعَامِلُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيئًا، وَإنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، فَعَلَيهِ لِلْعَامِلِ أجْرَةُ عَمَلِهِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 171

وإنِ اخْتَلَفَا فِي أصْلِ الْجُعْلِ، أوْ قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجاعِلَ.

ــ

قوله: وإنِ اخْتَلَفا في أصْلِ الجُعْلِ أو قَدْرِه، فالقَوْلُ قَوْلُ الجاعِلِ. هذا المذهبُ في قَدْرِه، وعليه جمهورُ الأصحابِ. قال القاضي: هذا قِياسُ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجِيزِ» وغيرِه. وقدمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يتَحالفان في قَدْرِ الجُعْلِ؛ قِياسا على اخْتِلافِ الأجيرِ والمُسْتَأجِرِ في قَدْرِ الأجْرَةِ. وهو احْتِمال للقاضي، وتَبِعَه مَن بعدَه على ذلك، وهو تخْريجٌ في «الرعايَةِ» . فعليه (1)، يُفْسَخُ العَقْدُ، وتجِبُ أجْرَةُ المِثْلِ.

(1) في ط: «فلعله» .

ص: 172

وَمَنْ عَمِلَ لِغَيرِهِ عَمَلًا بِغَيرِ جُعْل، فَلَا شَيْءَ لَهُ، إلا فِي رَدِّ الآبِقِ،

ــ

تنبيه: قال الحارِثِي في «شَرْحِه» ، في قوْلِ المُصَنِّفِ: فالقَوْلُ قَوْلُ الجاعِلِ: تجَوُّز منه؛ فإنه ليس بجاعِل فيما إذا اخْتَلَفا في أصْلِ الجَعالةِ. انتهى. قلتُ: [إنما حُكِمَ](1) بكَوْنِه جاعِلًا في المَسْألتَين في الجُمْلَةِ. أما في اخْتِلافِهم في قَدْرِ الجُعْلِ، فهو جاعِلٌ بلا رَيبٍ. وأما في اخْتِلافِهم في أصْلِ الجُعْلِ، فليس بجاعِل بالنِّسْبَةِ إلى نَفْسِه، وهو جاعِل بالنِّسْبَةِ إلى زَعْمِ غَرِيمِه. فعلى الأولِ، يكونُ مِن بابِ إطْلاقِ اللفْظِ المُتَواطئ إذا أرِيدَ به بعضُ مَحالِّه، وهو كثير شائع في كَلامِهم، على ما تقدم في كتابِ الطهارَةِ.

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو اخْتَلَفا في قَدْرِ المَسافَةِ.

تنبيه: ظاهِرُ قَوْلِه: ومَن عَمِلَ لغيرِه عَمَلًا بغيرِ جُعْل، فلا شيءَ له. ولو كان العَمَلُ تخْلِيصَ مَتاعِ غيرِه مِن فَلاةٍ، ولو كان هَلاكُه فيه مُحَققًا، أو قريبًا منه؛ كالبَحْرِ، وفَمِ السَّبُعِ، وهو قَوْلُ القاضي في «المُجَردِ» ، وله احْتِمال بذَلك. في غيرِ «المُجَرَّدِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ مِنَ الأصحابِ. والصحيح مِنَ المذهبِ المَنْصُوصِ عن أحمدَ، أنه يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِه في ذلك، بخِلافِ اللُّقَطَةِ، وعليه الأصحابُ. وكذلك لو انْكَسَرتِ السَّفينَةُ، فخَلّصَ قَوْمٌ الأمْوال مِنَ البَحْرِ، فإنه يجِبُ لهم الأجْرَةُ على المُلاكِ. ذكَرَه في «المُغْنِي» ،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشرْحِ» ، و «شَرْح ابنِ رَزِين» ، وغيرِهم. وألْحَقَ القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ، وجماعة بذلك، العَبْدَ إذا خَلصَه مِن فَلاةٍ مُهْلِكَةٍ. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ذكَرَه في بابِ إحْياءِ المَواتِ. وتقدمَتِ الإشارَةُ إلى ذلك هناك. وحكَى القاضي احْتِمالًا في العَبْدِ، بعَدَمِ الوُجوبِ، كاللقَطَةِ، وأوْرَدَ في «المُجَرَّدِ» على نصِّ أحمدَ، في مَن خلصَ مِن فَمِ السبعِ شاةً، أو خَرُوفًا، أو غيرَهما، أنه لمالِكِه الأولِ، ولا شيءَ للمُخَلِّصِ. وقال المَجْدُ في «مُسَودَتِه»: وعندِي أن كلامَ أحمدَ، على ظاهِرِه في وُجوبِ الأجْرَةِ على تخْليص المَتاعِ مِنَ المَهالِكِ، دُونَ الآدَمِيِّ؛ لأن الآدَمِي أهْل في الجُمْلَةِ لحِفْظِ نَفسِه. قال في «القاعِدَةِ الرابعَةِ والسَّبْعِين» (1): وفيه نظَرٌ، فقد يكونُ صغيرًا أو عاجِزًا، وتخْليصُه أهَم وأوْلَى مِنَ المَتاعِ، وليس في كلامِ أحمدَ تفْرِقة. انتهى.

فائدتان؛ إحْداهما، لو تَلِفَ ما خلَّصَه مِن هَلَكَةٍ، لم يضْمَنْه مُنْقِذُه. على الصحِيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يضْمَنُه. حَكاه في «التَّلْخيصِ» . قال في «القاعِدَةِ الثالثَةِ والأرْبَعِين» : وفيه بُعْد. الثَّانيةُ، متى كان العَمَلُ في مالِ الغيرِ إنْقاذًا له مِنَ التَّلَفِ المُشْرِفِ عليه، كان جائِزًا، كذَبْحِ الحَيوانِ المأكُولِ إذا خِيفَ مَوْتُه. صرَّح به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزين» ، وغيرِهم. واقْتَصَر عليه في آخِرِ «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والسَّبْعِين» ، وقال: ويفيدُ هذا أنه لا يضْمَنُ ما نقَص بذَبْحِه.

(1) في النسخ: «الثمانين» والمثبت كما هو في القواعد.

ص: 174

فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ دِينَارًا أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا.

ــ

تنبيه: مُرادُ المُصَنِّف وغيرِه، بقَوْلِهم: ومَن عَمِلَ لغيرِه عمَلًا بغيرِ جُعْل، فلا شيءَ له. غيرُ المُعَدِّ لأخْذِ الأجْرَةِ. فأما المُعَدُّ لأخْذِها، فله الأجْرَةُ قَطْعًا؛ كالمَلاحِ، والمُكارِي، والحَجَّامِ، والقَصَّارِ، والخَيَّاطِ، والدلالِ، ونحوهم ممن يرْصُدُ نَفْسَه للتكَسُّبِ. بالعَمَلِ، فإذا عَمِلَ، اسْتَحَق أجْرَةَ المِثْلِ. نصَّ عليه. وتقدّم بعضُ ذلك في بابِ الإجارَةَ.

قوله: إلا في رَدِّ الآبِقِ. هذا الصحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونص عليه. وعنه، لا شيءَ لرادِّه مِن غيرِ جَعالة. اخْتارَه المُصَنِّفُ، وقال: هو ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ. ونازَعَ الزرْكشِي المُصَنِّف في كوْنِ هذا رِوايَة عن أحمدَ، وأنه ظاهِرُ كَلام الخرَقِي.

قوله: فَإنّ له بالشرْعِ دِينارًا، أو اثْنَي عَشَرَ دِرْهَمًا (1). هذا المذهبُ. قال في «الرِّعايَةِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي» ، وغيرِهما: وسواء كان يُساويهما أوْ لا، وسواء كان زَوْجًا أو ذا رَحِم في عِيالِ المالِكِ أوْ لا. قال الحارِثِيُّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرر» ، و «الرِّعايَتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، إنْ ردَّه مِن خارِج

(1) سقط من: الأصل.

ص: 175

وَعَنْهُ، إنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ فَلَهُ أرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

ــ

المِصْرِ، فله أرْبَعُون دِرْهَمًا، قَرُبَتِ المَسافَةُ أو بَعُدَتْ. قال المُصَنِّف، وتَبِعَه الشارِحُ، و «الفائِقِ»: اخْتارَه الخَلالُ. وعنه، ومِنَ المِصْرِ عشَرَة. قال

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَلالُ: اسْتَقَرتْ عليه الرِّوايَةُ. قال القاضي: هذا رِوايَة واحِدة. وجزَم به ابنُ البَنا في «خِصالِه» ، وصاحِبُ «عُيونِ المَسائلِ» ، وقال: الرِّوايَةُ الصحيحةُ مِن خارِج المِصْرِ، دينار، أو عَشَرةُ دَراهِمَ. قال في «الفائقِ»: ولو ردَّ الآبِقَ، قله، بغيرِ شَرْطٍ، عًشَرةُ دَراهِمَ. وعنه، اثْنا عَشَرَ. وعنه، أرْبَعُون دِرْهمًا مِن خارِج النِصْرِ. قال الزَّرْكَشِي: في «المُغْنِي» ، إذا ردَّه مِنَ المِصْرِ دِينار، أو عَشَرَةُ دَراهِمَ، وفي «الكافِي» ، دِينار، أو اثْنا عَشَرَ دِرْهَمًا، في رِوايَةٍ، وفي أخْرَى، دينار. وفي «خِلافَي الشريفِ، وأبي الخَطابِ» ، و «الجامعِ الصَّغيِرِ» ، دِينار، أو اثْنا عَشَرَ دِرْهَمًا في رِوايَةٍ، وفي أخْرَى، عَشَرَةُ دَراهِمَ. انتهى. وتقام كلامُ القاضي، وابنِ البَنَّا، والحَلْوانِيِّ. وقال الحارِثِي: إذا رده مِن داخِلِ المِصْرِ، فله عَشَرَةُ دَراهِمَ، قَوْلًا واحدًا. نص عليه في رِوايَةِ حَرْبٍ. قال: ولا أعْلَمُ نَصًّا بخِلافِه. وفي كتابِ «الرِّاويَتَين» للقاضي، لا تخْتَلِفُ الروايَةُ، إذا جاءَ به مِنَ المِصْرِ، أن له عَشَرةَ دَراهِمَ. وقاله ابنُ أبي مُوسى في

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الإرْشادِ» . ونقَلَه أبو بَكْر في «زادِ المُسافِرِ» ، و «التنبِيهِ» . وقاله القاضي أيضًا في «المُجَردِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، ولم يُورِدُوا سِواه. قال: فأما ما (1) في «المُقْنِعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» لأبِي الحُسَينِ، و «الأعْلامِ» لابن بَكْروس، و «المُحَررِ» ، وغيرِهم، مِنَ التقْديرِ بالدينارِ أو اثْنَي عَشَرَ، وفي داخِلِ المِصْرِ، كما في خارِجِه، فلا يثْبُتُ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأصْلُ ذلك كلِّه، قوْلُ القاضي في «الجامِعِ الصغِيرِ»: مَن رد آبِقًا، اسْتَحَق دِينارًا، أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، سواء جاءَ به مِنَ المِصرِ أو خارِجِ المِصْرِ، في إحْدَى الرِّواتتَين. والأخْرَى، إنْ جاءَ به مِنَ المِصْرِ، اسْتَحَق عَشَرةَ دَراهِمَ، وإنْ جاءَ به مِن خارِجِ المِصْرِ، اسْتَحَق أرْبَعِين دِرْهَمَا. فمنهم مَن حكَى ذلك كله، ومنهم مَنِ اخْتَص العَشَرَةَ في المِصْرِ؛ بِناءً على أنها معْنَى الدِّينارِ، وأن الدِّينارَ قد يُقَومُ بالعَشَرةِ والاثْنَي عَشَرَ، فيكونُ داخِلًا في الرِّوايَةِ الأولَى (1). قال: وهذا الذي قاله القاضي مِنِ اسْتِحْقاق الدِّينارِ، أو الاثْنَي عَشَرَ في المِصْرِ، لا أصْلَ له في كَلامِ أحمدَ، ألْبَتَّةَ، ولا دَلِيلَ عليه. انتهى كلامُ الحارِثِيِّ. قلتُ: وفيه نظر؛ لأن ناقِلَ هذه الرِّوايَةِ هو (2) القاضي، وهو الثِّقَةُ الأمِينُ في النقْلِ، بل هو ناقِلُ غالِبِ رِواياتِ المذهبِ، ولا يَلْزَمُ مِن عدَمِ اطِّلاعِ الحارِثِي على هذه الروايَةِ أنْ لا (2) تكونَ نُقِلَتْ عنِ الإمامِ أحمدَ، خُصوصًا وقد تابَعَه عليها (3) الأعْلامُ المُحَقِّقُون.

(1) سقط من: ط.

(2)

سقط من: الأصل، ط.

(3)

في ط، ا:«هؤلاء» .

ص: 179

وَيَأخذ مِنْه مَا أنْفقَ عَلَيهِ فِي قُوتِهِ، وإنْ هَرَبَ مِنْه فِي طَرِيقِهِ.

ــ

تنبيه: دخَل في عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ، لو رده الإمامُ. وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، وهو ظاهِرُ ما قدمه في «الفُروعِ» . ونقَل حَرب، إنْ ردَّه الإمامُ، فلا شيءَ له. وجَزم به ابنُ رَجَب في «قواعِدِه» ، وقال: وذلك (1) لانْتِصابِه للمَصالِح، وله حَق في بَيتِ المالِ على ذلك. وكذا قال الحارِثِي، وقطَع به. وتقدم نَظيرُها في عامِلِ الزَّكاةِ.

قوله: ويأخُذُ مِنه ما أنْفَقَ عليه في قوتِه. هذا المذهبُ، نص عليه، سواء قُلْنا باسْتِحْقاق الجُعْلِ أم لا. جزَم به في «الوَجِيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ»

(1) سقط من: الأصل.

ص: 180

فَإنْ مَاتَ السَّيِّدُ، اسْتُحِقَّ ذَلِك فِي تَرِكَتِهِ.

ــ

وغيرِه. وقال ابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» : وجزَم به الأكْثَرون مِن غيرِ خِلافٍ. قال الزَّرْكَشِي: هذا المَشْهُورُ. وخرج المُصَنِّفُ قَوْلًا بأنه لا يرجِعُ. وقيل: لا يرجِعُ إلَّا (1) إذا أنْفَقَ بنِيَّةِ الرُّجوعِ. واخْتارَه في «الرِّعايَةِ» . واشْتَرَطَ أبو الخَطَّابِ، والمَجْدُ في «المُحَرَّرِ» ، العَجْزَ عنِ اسْتِئْذانِ المالِكِ، وضعَّفَه المُصَنِّفُ، ولا يتَوقفُ الرُّجُوعُ على تَسْلِيمِه، بل لو أبقَ قبلَ ذلك، فله الرُّجُوعُ بما أنْفَقَ عليه. نص عليه في رِوايَةِ عَبْدِ اللهِ، وصرَّح به الأصحابُ.

فوائد؛ إحْداها، علَفُ الدابَّةِ كالنَّفَقَةِ. الثانيةُ، لو أرادَ اسْتِخْدامَه بَدَلَ النفَقَةِ، ففي جَوازِه رِوايَتان. حَكاهما أبو الفَتْحِ الحَلْوانِي في «الكِفايَةِ» ، كالعَبْدِ المَرْهُونِ، وذَكَرَهما في «المُوجَزِ» ، و «التبصِرَةِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنه لا يجوزُ ذلك في العَبْدِ المَرْهونِ، فكذا هنا بطَريق أوْلَى. والله أعلمُ.

(1) سقط من: ط.

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: أفادَنا المُصَنِّف جوازَ أخذِ الآبِقِ لمن وجَدَه. وهو صحيحٌ؛ لأنه لا يُؤْمَنُ عليه أنْ يلْحقَ بدارِ الحَرْبِ ويرْتَد، أو يشْتَغِل بالفَسادِ في البلادِ، بخِلافِ الضوالِّ التي تحْفَظُ نفْسَها. إذا عُلِمَ ذلك، فهو أمانة في يَدِه، إذا أَخَذَه، إنْ تَلِفَ بغيرِ تَفْريطٍ، فلا ضَمانَ عليه، وانْ وجَد صاحِبَه، دفَعَه إليه، إذا اعْتَرف العَبْدُ أنه سيِّدُه، أو أقامَ به بَيِّنةً، فإنْ لم يجِدْ سيِّدَه، دَفَعَه إلى الامامِ أو نائبهِ، فيحْفَظُه لصاحِبِه، أو بيعُه إنْ رأى المَصْلَحَةَ فيه، وليس لواجِدِه بَيعُه، ولا تمَلكُه بعدَ تَعْريفِه؛ لأنه ينْحَفِظُ بنَفْسِه، [فهو كضَوالِّ الإبلِ. ذكَرَه المُصنِّفُ، والشارِحُ. وقوْلُهما: ينْحَفِظُ بنَفْسِه](1). دَليل على أنهما أرادا الكبيرَ؛ لأن الصغِيرَ لا ينْحَفِظُ بنَفْسِه. ويأتِي في بابِ اللقَطَةِ. فإنْ باعَه الامامُ أو نائبُه لمَصْلَحَةٍ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رآها، فجاءَ سَيِّدُه، فاعْتَرَف أنه كان أعْتَقَه، قُبِلَ قوْلُه. على الصحيع مِنَ المذهبِ. قامه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين». وقيل: لا يقبَلُ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» . وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» و «الحارِثِيِّ» ، ذكَرَه في اللقَطَةِ. الثالثةُ، العَبْدُ وغيرُه أمانَة في يَدِه، لا ضَمانَ عليه إلا أن يتَعَدَّى. نص عليه، على ما تقدم. الرابَعةُ، أمُّ الوَلَدِ، والمُدَبرُ، كالقِنِّ فيما تقدم؛ إذا جاءَ بهما إلى السيِّدِ، فإنْ ماتَ قبلَ وُصُولهما إليه، فلا جُعْلَ؛ لأنهما يعْتِقان بالمَوْتِ، فالعَمَلُ لم يتم، بخِلافِ النَّفَقَةِ، فإنه يرْجِعُ بما أنْفَقَ حال الحياةِ. واللهُ أعلمُ بالصوابِ. وتقدم أن المَنْصُوصَ، أنه يسْتَحِقُّ الأجْرَةَ بتَخْليصِ مَتاعِ غيره مِن مَهْلَكَةٍ.

ص: 183