المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ اللَّقِيطِ وَهُوَ الطِّفْل الْمَنْبُوذُ. ــ بابُ اللَّقِيطِ فائدة: قولُه: وهو الطِّفْلُ المَنْبُوذُ. قال - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ اللَّقِيطِ وَهُوَ الطِّفْل الْمَنْبُوذُ. ــ بابُ اللَّقِيطِ فائدة: قولُه: وهو الطِّفْلُ المَنْبُوذُ. قال

‌بَابُ اللَّقِيطِ

وَهُوَ الطِّفْل الْمَنْبُوذُ.

ــ

بابُ اللَّقِيطِ

فائدة: قولُه: وهو الطِّفْلُ المَنْبُوذُ. قال الحارِثِيُّ: تعْريفُ اللقِيطِ بالمَنْبوذِ يحْتاجُ إلى إضْمارٍ؛ لتَضادِّ ما بينَ اللَّقْطِ والنَّبْذِ، كما بُيِّنَ. ومع هذا فليس جامِعًا؛

ص: 279

وَهُوَ حُرٌّ،

ــ

لأنَّ الطِّفْلَ قد يكونُ ضائعًا لا مَنْبُوذًا. ومنهم مَن عرَّفَ بأنَّه الضَّائعُ. وفيه ما فيه. وقال في «الرِّعايتَين» : وهو كلُّ طِفْلٍ نُبِذَ، أو ضَلَّ.

تنبيه: قولُه: وهو الطِّفْلُ. يعْنِي، في الواقِعِ في الغالِبِ، وإلَّا فهو لَقِيطٌ إلى سِنِّ التَّمْيِيزِ فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحارِثِي». وقيلَ: والمُمَيِّزُ أيضًا إلى البُلُوغِ. قال في «الفائقِ» : وهو المَشْهورُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ قال في «التَّلْخيصِ» : والمُخْتارُ عند أصجابِنا أنَّ المُمَيِّزَ يكونُ لَقِيطًا؛ لأنَّهم قالوا: إذا الْتَقَطَ رجُلٌ وامْرأةٌ معًا مَن له أكَثرُ مِن سَبْعِ سِنِين، أُقْرِعَ بينَهما (1)، ولم يُخَيَّرْ، بخِلافِ الأَبوَين.

قوله: وهو حُرٌّ. يعْنِي (2)، في جميعِ أحْكامِه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيّ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: إلَّا في القَوَدِ. ومِثْلُه دَعْوَى قاذِفِه رِقَّه (3)، على ما يأْتِي.

(1) زيادة من: م.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

سقط من: ط.

ص: 280

يُنْفَقُ عَلَيهِ مِنْ بَيتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيهِ.

ــ

فائدة: يُسْتَحَبُّ للمُلْتَقِطِ الإِشهادُ عليه وعلى ما معه. على الصَّحيحِ مِنَ المَذهبِ. وقيل: يِجبُ. وتقدَّم نَظِيرُه في اللُّقَطَةِ.

تنبيه: قولُه: يُنْفَقُ عليه مِن بَيتِ المالِ، إنْ لم يكُنْ معه ما يُنْفَقُ عليه. بلا نِزاعٍ. لكِنْ إنْ تَعذَّرَ، اقْتَرَضَ (1) الحاكِمُ عليه. قاله الحارِثِيُّ. فإنْ تَعذَّرَ، فعلى مَن عَلِمَ حاله الإِنْفاقُ، فهي فَرْضُ كِفايَةٍ، كالْتِقاطِه (2). وهذا الإنْفاقُ يجِبُ مجَّانًا عندَ

(1) في ط: «أقرض» .

(2)

زيادة من: ا.

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضي وجماعةٍ؛ منهم صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» . واخْتارَه صاحِبُ «المُوجَزِ» ، و «التبصِرَةِ» ، وقالا: له أنْ يُنْفِقَ عليه مِنَ الزَّكاةِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» . قال الحارِثِيُّ: وهو أصحُّ. وقال: وكلامُ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي»

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقْتَضِي ثُبوتَ العِوَضِ للمُنْفِقِ (1)، إنِ اقْتَرنَ بالإنْفاقِ قَصْدُ الرُّجوعِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ؛ لأنَّه جعَل الإِنْفاقَ عليه بنِيَّةِ الرُّجوعِ، كمَن أدَّى حَقًّا واجِبًا عن غيرِه. على ما تقدَّم في بابِ إلضَّمانِ. وقال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والسَّبْعِين»: نفَقَةُ اللَّقِيطِ خرَّجَها. بعضُ الأصحابِ على الرِّوايتَين، في مَن أدَّي حَقًّا واجِبًا عن غيرِه، على ما تقدَّم في بابِ الضَّمانِ، ومنهم مَن قال: يرْجِعُ هنا، قوْلًا واحدًا. وإليه ميلُ صاحِبِ «المُغْنِي» ؛ لأنَّ له ولايةً على اللَّقِيطِ. ونصَّ أحمدُ، أنَّه يرْجِعُ بما أنْفقَه على بَيتِ المالِ. انتهى. وقال النَّاظِمُ: إنْ نوَى الرُّجوعَ، واسْتَأْذَنَ الحاكِمَ، رجَع على الطِّفْلِ بعدَ الرُّشْدِ، وإلَّا رجَع على بَيتِ المالِ. قال الحارِثِيُّ: وناقَضَ السَّامَرِّيُّ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، فقالا، بعدَ تَعذُّرِ الاقْتِراضِ على بَيتِ المالِ، وامْتِناعِ مَن وجَب عليه الإنْفاقُ مجَّانًا: إنْ أنْفَقَ المُلْتَقِطُ، رجَع على اللَّقِيطِ، في إحْدَى الرِّوايتَين، والأُخْرَى، لا يرْجِعُ ما لم يكُنِ الحاكِمُ أذِنَ له في الإنْفاقِ. زادَ في «التَّلْخيصِ» ، والأصحُّ أنَّه يرْجِعُ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: والوُجوبُ مجَّانًا

(1) في ط: «للمنقول» .

ص: 283

وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، إلا أنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ، فَيَكُونَ كَافِرًا. فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

واسْتِحْقاقُ العِوَضِ لا يجْتَمِعان، وإنَّما ذلك، واللهُ أعلمُ، ما إذا كان للَّقِيطِ مال تعَذَّر إنْفاقُه لمانعٍ، أو يُنْتَظَرُ حصُولُه مِن وَقْفٍ، أو غيرِه.

قوله: ويُحْكَمُ بإِسْلامِه -بلا نِزاعٍ- إلَّا أنْ يُوجَدَ في بَلَدِ الكُفَّارِ، ولا مُسْلِمَ فيه، فيَكُونَ كافِرًا. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: فالمذهبُ عندَ الأصحابِ، الحُكْمُ بكُفْرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وقال القاضي: يُحْكَمُ بإسْلامِه أيضًا؛ لأنَّه يحْتَمِلُ أنْ يكونَ فيه مُؤْمِنٌ يكْتُمُ إيمانَه. قال الحارِثِيُّ: وحكَى صاحِبُ «المُحَرَّرِ» وَجْهًا بأنَّه مُسْلِمٌ؛ اعْتِبارًا بفَقْدِ أبَوَيه.

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو كان في دارِ الإسْلامِ بَلدٌ، كلُّ أهْلِها أهْلُ (1) ذِمَّةٍ، ووُجِدَ فيها لَقِيط، حُكِمَ بكُفْرِه، وإنْ كان فيها مُسْلِمٌ، حُكِمَ بإسْلامِه، قوْلًا واحدًا فيهما، عندَ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وغيرِهم. وقيل: يُحْكَمُ بإسْلامِه إذا كان كل أهْلِها أهْلَ (2) ذِمَّةٍ. قال الحارِثِيُّ: اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ.

قوله: فإنْ كان فيه مُسْلِمٌ، فعلى وَجْهَين. يعْنِي، إذا كان في بلَدِ الكُفَّارِ مُسْلِمٌ ولو واحِدًا. قاله في «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغني» ، و «الشَّرْحِ» و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الكافِي» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يُحْكَمُ بكُفْرِه. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ،

(1) سقط من: ط.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 285

وَمَا وُجِدَ مَعَهُ، مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ، أوْ ثِيَابٍ، أوْ مَالٍ فِي جَيبِهِ أوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ، أوْ حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِثِيَابِهِ، فَهُوَ لَهُ. وَإنْ كَانَ مَدْفُونًا

ــ

و «الفائقِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُحْكَمُ بإسْلامِه. جزَم به في «الوَجيزِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، قال الحارِثِيُّ: مَثَّل الأصحابُ في المُسْلِمِ هنا بالتَّاجِرِ والأسِيرِ، واعْتَبرُوا إقامتَه زَمَنًا ما، حتى صرَّح في «التَّلْخيصِ» ، أنَّه لا يكْفِي مُرورُه مُسافِرًا. وقال في «الرِّعايَةِ»: وإنْ كان فيها مُسْلِمٌ ساكِنٌ، فاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ. الثَّانيةُ، قال في «الفائقِ»: لو كَثُرَ المُسْلِمون في بلَدِ الكُفَّارِ، فلَقِيطُها مُسْلِمٌ. وقاله ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرُهم. ومثَّل مسْألَةَ الخِلافِ في «الرِّعايَةِ» بالمُسْلِمِ الواحِدِ.

قوله: وما وُجِدَ معه؛ مِن فِراشٍ تحتَه، أو ثِيابٍ، أو مالٍ في جَيبِه أو تحتَ فِراشِه، أوْ حَيَوانٍ مَشْدُودٍ بثِيابِه، فهو له. وهذا بلا نِزاعٍ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ،

ص: 286

تَحْتَهُ، أو مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

و «الكافِي» ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، وغيرُهم: وكذا لو كان مَدْفُونًا (1) في دارٍ، أو خَيمَةٍ، تكونُ له. وظاهِرُ كلامِ المَجْدِ وجماعَةٍ خِلافُه.

قوله: وإنْ كان مَدْفُونًا تحتَه -يعْنِي، إذا كان الدِّفْنُ طَرِيًّا- أو مَطْرُوحًا قَرِيبًا منه، فعلى وَجْهَين. ذكَر المُصَنِّفُ هنا مَسْألَتَين؛ إحْداهما، إذا كان مدْفُونًا تحتَه، والدِّفْنُ طَرِيًّا، فأطْلَقَ فيه وَجْهَين، وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، يكونُ له. وهو المذهبُ، صحَّحه (2) في «التَّصْحيحِ» . وقطَع به ابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيز» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تذكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. والوَجْهُ الثَّاني، لا يكونُ له. قدَّمه في «الهِدايَةِ» ،

(1) في ط: «مجعولًا» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وهو المذهبُ، على المُصْطَلَحِ في الخُطةِ. وحكَى في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» وَجْهًا، أنَّه له، ولو لم يكُن الدِّفْنُ طَرِيًّا. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وهو بعيدٌ جِدًّا. ولم يذْكُره في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» (1)، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . الثَّانيةُ (2)، إذا كان مَطْرُوحًا قريبًا منه، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ فيه الوَجْهَين، وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي» ،

و «ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ،

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في ط: «الثالثة» .

ص: 288

وَأوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إِنْ كَانَ أمِينًا.

ــ

و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، يكونُ له. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يكونُ له. قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . واخْتارَه ابنُ البَنَّا. ولنا قَوْلٌ ثالثٌ في أصْلِ المَسْألتَين بالفَرْقِ بين المُلْقَى قريبًا منه وبينَ المَدْفُونِ تحتَه، فيكونُ المُلْقَى القريبُ له دُونَ المَدْفُونِ تحتَه. قاله في «المُجَردِ» ، وقطَع به. قال الحارِثِيُّ: ويقْتَضِيه إيرادُه في «المُغْنِي» . قلتُ: قدم في «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، أنَّه لا يمْلِكُ المَدْفُونَ. وأطْلَقا في المُلْقَى القريبِ الوَجْهَين، كما تقدَّم.

ص: 289

وَلَهُ الإنفَاقُ عَلَيهِ مِمَّا وُجدَ مَعَهُ بِغَيرِ إِذْنِ حَاكِمٍ. وَعَنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

ــ

قوله: وله الإِنفْاقُ عليه مما وُجِدَ معه بغيرِ إذْنِ حاكِمٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقطَع به ابنُ حامِدٍ، والمُصَنفُ في «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه ما يدُلُّ على أنَّهُ لا ينفِقُ إلَّا بإذْنِه.

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو وَجْهٌ في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، ورَدَّ هذه الرِّوايَةَ المَجْدُ في «شرْحِه» . ذكَرَه في «القَواعِدِ» ، وكذا المُصَنِّفُ، نقَلَه الزَّرْكَشِيُّ. وتقدَّم قريبًا، إذا أنْفَقَ عليه مِن مالِه، ونوَى الرُّجوعَ.

ص: 291

وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا،

ــ

فوائد؛ منها، وكذا الحُكْمُ في حِفْظِ مالِه. قطَع به في «المُغْنِي» وغيرِه. وقال في «التَّلْخيصِ»: يحْتَمِلُ اعْتِبارَ إذْنِ الحاكِمِ فيه. ومنها، قَبُولُ الهِبَةِ، والوَصِيَّةِ. قال الحارِثِيُّ: مُقْتَضَى قَوْلِه في «المُغْنِي» ، أنَّه للملتقِطِ، ومُقْتَضَى كلامِ صاحِبِ «التَّلْخيصِ» ، أنَّه للحاكِمِ. قلتُ: كلامُ صاحِبِ «المُغْنِي» مُوافِقٌ لقَواعِدِ المذهبِ في ذلك.

قوله: وإنْ كان فاسِقًا، أو رَقِيقًا، أو كافِرًا، واللَّقِيطُ مُسْلِمٌ، أوْ بَدَويًّا ينْتَقِلُ

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في المَواضِعِ، أو وجَدَه في الحَضَرِ، فأرادَ نَقْلَه إلى البادِيَةِ، لم يُقَرَّ في يَدِه. يُشْتَرَطُ في المُلْتَقِطِ أنْ يكونَ عَدْلًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقد قال المُصَنِّفُ قبلَ ذلك: وأوْلَى النَّاسِ بحَضانَتِه واجِدُه، إنْ كان أمِينًا. واخْتارَه القاضي، وقال: المذهبُ علي ذلك. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهم. قال في «الفائقِ»: وتُشْتَرَطُ العَدالةُ في أصحِّ الرِّوايتين. وجزَم باشتِراطِ الأمانَةِ في المُلْتَقِطِ في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ،

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقطَع في «الوَجيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهما، أنَّه لا يُقَرُّ بيَدِ فاسِقٍ. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُقَرُّ بيَدِ الفاسِقِ، إذا كان أمِينًا. وقدمه في «الرِّعايَةِ» في مَوْضِعٍ، وابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ، فإنَّه قال: وإنْ لم يكُنْ مَن وجَد اللَّقِيطَ أمِينًا، مُنِعَ مِنَ السَّفَرِ به. فظاهِرُه، أنَّه إذا أقامَ به، كان أحَقَّ به، وإنْ كان فاسِقًا. وأجْراه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهما على ظاهِرِه، وقال المُصَنِّفُ وتَبِعَه الشَّارِحُ على قَوْلِه: ينْبَغِي أنْ يُضَمَّ إليه مَن يُشْرِفُ عليه، ويُشْهِدَ عليه، ويُشِيعَ أمْرَه؛ ليُؤْمَنَ مِنَ التَّفْرِيطِ فيه.

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: وإنْ كان فاسِقًا، لم يُقَرَّ في يَدِه. أنَّ مَسْتُورَ الحالِ يُقَرُّ في

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَدِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. لكِنْ لو أرادَ السَّفَرَ به، فهل يُقَرُّ بيَدِه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لا يُقَرُّ بيَدِه. جزَم به في «الكافِي» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والثَّانِي، يُقَرُّ في يَدِه. وأمَّا الرَّقيقُ؛ فليس له التِقاطُه إلَّا بإذْنِ سيِّدِه، اللَّهُمَّ إلَّا أن لا يجِدَ مَن يلْتَقِطُه، فيجِبَ التِقاطُه؛ لأنَّه تخْليصٌ له مِنَ الهَلَكَةِ. أمَّا مع وُجودِ مَن هو أهْلٌ للالتِقاطِ، فقطَع كثيرٌ مِنَ الأصحابِ بمَنْعِه مِنَ الأخْذِ؛ مُعَلِّلًا بأنَّه لا يُقَرُّ في يَدِه، أو بأنَّه لا ولايةَ له. قال الحارِثِيُّ: وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ أخْذَ اللَّقِيطِ قُرْبَةٌ، فلا يخْتَصُّ بحُرٍّ، وعدَمُ الإقْرارِ بيَدِه دَوامًا لا يمْنَعُ أخْذَه ابْتِداءً. فعلى المذهب، إنْ أذِنَ له سيِّدُه، فهو نائبُه، وليس له الرُّجوعُ في الإذْنِ.

ص: 295

أوْ رَقِيقًا،

ــ

قاله ابنُ عَقِيلٍ. واقْتَصرَ علمِه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . وجزَم به. في «الفُروعَ» .

فائدة: المُدَبَّرُ، وأمُّ الوَلَدِ، والمُعَلَّقُ عِتْقُه، كالقِنِّ؛ لقِيامِ الرِّقِّ، والمُكاتَبُ كذلك. قاله في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . ومَن بعضُه رَقيقٌ كذلك؛ لأنَّه لا يتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِكْمالِ الحَضانَةِ. وأمَّا الكافِرُ، فليس له التِقاطُ المُسْلِمِ، ولا يُقَرُّ بيَدِه. ومُرادُه بالكافِرِ هنا، الذِّمِّيُّ، وإنْ كان الحَرْبِيَّ بطَرِيقٍ أوْلَى.

ص: 296

أَوْ كَافِرًا وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ، أوْ بَدَويًّا يَنْتَقِلُ في الْمَوَاضِعِ،

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ، أنَّ الكافِرَ إذا التقَطَ مَن حُكِمَ بكُفْرِه، أنَّه يُقَرُّ بيَدِه. وهو صحيحٌ. صرَّح به القاضي، وغيرُه مِنَ الأصحابِ. لكِنْ لو التقَطَه مُسْلِمٌ وكافِرٌ، فقال الأصحابُ: هما سواءٌ. وهو المذهبُ. وقيل: المُسْلِمُ أحقُّ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والنَّاظِمُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ بلا ترَدُّدٍ. ويأْتِي ذلك في عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ قريبًا.

فائدتان؛ إحْداهما، يُشْتَرَطُ في المُلْتَقِطِ أيضًا، أنْ يكونَ مُكَلفًا، فلا يُقَرُّ بيَدِ صَبِيٍّ، ولا مَجْنونٍ. الثَّانيةُ، يُشْتَرَطُ الرُّشْدُ، فلا يُقَرُّ بيَدِ السَّفِيهِ. جزَم به في «الهدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، ثم قال: قلت: والسَّفِيهُ كالفاسِقِ. انتهى. لأنَّه

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا ولايَةَ له على نَفْسِه، فأَوْلَى أنْ لا (1) يكونَ وَلِيًّا على غيرِه. وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وصاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهما، أنَّه يُقَرُّ بيَدِه؛ لأنَّه أهْلٌ للأمانَةِ والتَّرْبِيَةِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا أصحُّ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأمَّا إذا التَقَطَه البَدَويُّ الذي ينْتَقِلُ في المَواضِعِ، فجزَم المُصَنِّفُ هنا أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِه. وهو أحدُ الوَجْهَين، وهو المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «شَرْحِ ابنَ مُنَجَّى». قال الحارِثِيُّ: هذا أقْوَى. والوَجْهُ الثَّاني، يُقَرُّ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم، وقال في «التَّرْغيبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: متى وجَدَه في فَضاءٍ خالٍ، فله نقْلُه حيث شاءَ. وأمَّا إذا التَقَطَه مَن في الحَضَرِ، فأرادَ نُقْلَتَه إلى البادِيَةِ، فجزَم المُصَنِّفُ أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» ، و «الوَجيزِ» ، والزَّرْكَشِيُّ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيَل: يُقَرُّ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وتقدَّم كلامُ صاحِبِ «التَّرْغيبِ» .

(1) سقط ش: ط.

ص: 298

أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ، لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِه. وَإنِ الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حِلَّةٍ، أوْ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى الْحَضَرِ أُقِرَّ مَعَهُ. وَإنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَينَ.

ــ

قوله: وإنِ التَقَطَه في الحَضَرِ مَن يُرِيدُ النقلَةَ إلى بَلَدٍ آخَرَ، فهل يُقَرُّ في يَدِه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي

ص: 299

وَإنِ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ، قُدِّمَ الْمُوسِرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ.

ــ

الصَّغِيرِ»، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، أحدُهما، لا (1) يُقَرُّ في يَدِه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُقَرُّ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الوَجيزِ» . وصحَّحه النَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» .

فوائد؛ إحْداها، وكذا الحُكْمُ لو نقَلَه مِن بلَدٍ إلى قَرْيَةٍ، فيه الوَجْهان. قاله القاضي في «المُجَرَّدِ» وغيرِه. الثَّانِيَةُ، وكذا الحُكْمُ لو نقَلَه مِن حِلَّةٍ إلى حِلَّةٍ.

تنبيه؛ يُسْتَثْنَى مِن هذه المَسائلِ، لو كان البَلَدُة وبيئًا؛ كغَوْرِ بَيسانَ ونحوه، فإنَّه يجوزُ النَّقْلُ إلى البادِيَةِ، لتعَيُّنِ المَصْلَحَةِ في النَّقْلِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: فيُعايىَ بها. الثَّالثةُ، حيثُ يُقالُ بانْتِزاعِه مِنَ المُلْتَقِطِ، فيما تقدَّم مِنَ المَسائلِ، فإنَّما ذلك عندَ وُجودِ الأَوْلَى به. أمَّا إذا لم يُوجَدْ، فإقْرارُه في يَده أوْلَى، كيف كان؛ لرُجْحانِه بالسَّبْقِ إليه.

قوله: وإنِ التَقَطَه اثْنان، قُدِّمَ المُوسِرُ منهما على المُعْسِرِ، والمُقِيمُ على

(1) سقط من: ط.

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُسافِرِ. لا أعلمُ فيه خِلافًا. وظاهِرُ كلامِه، أنَّ البَلَدِيَّ وضِدَّه، والكرِيمَ وضِدَّه، وظاهِرَ العَدالةِ وضِدَّه، في ذلك على جَدٍّ سواء. وهو كذلك. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وقال في «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرْغِيبِ»: يُقَدَّمُ البَلَدِيُّ على ضِدِّه. وقال في «المُغْنِي» (1)، ومَن تبِعَه: وعلى قِياسِ قوْلِهم في تقْديمِ المُوسِرِ، ينْبَغِي أنْ يُقَدَّمَ الجَوادُ على البَخيلِ. انتهى. وقيل: يُقَدَّمُ ظاهِرًا لعَدالةِ على ضِدِّه. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وأطْلَقَ الوَجْهَين الحارِثِيُّ.

(1) المغني 8/ 364.

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: الشَّرِكَةُ في الالتِقاطِ أنْ يأْخُذاه جميعًا، ولا اعْتِبارَ بالقِيام المُجَرَّدِ عندَه؛ لأنَّ الالتِقاطَ حقيقَةُ الأَخْذِ، فلا يُوجَدُ بدُونِه، إلَّا أنْ يأْخُذَه الغيرُ بأَمْرِه، فالمُلْتَقِطُ هو الآمِرُ؛ لأنَّ المُباشِرَ نائبٌ عنه، فهو كاسْتِنابَتِه في أخْذِ المُباحِ.

تنبيه: دخَل في كلامِ المُصَنِّفِ، لو التَقَطَه مُسْلِمٌ وكافِرٌ. وهو كذلك. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقيل: المُسْلِمُ أوْلَى. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والحارِثِيُّ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم. وتقدَّم ذلك أيضًا.

ص: 302

فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا، أُقْرِعَ بَينَهُمَا.

ــ

قوله: فإنْ تَشاحَّا؛ أُقرِعَ بينَهما. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم؛ منهم صاحِبُ «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «القَواعِدِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ». وقيل: يُسَلِّمُه الحاكِمُ إلى مَن شاءَ منهما أو مِن غيرِهما. وقال الحارِثِيُّ: وذكَر

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، في بابِ الحَضانَةِ، أنَّ الرَّقيقَ إذا كان بعضُه حُرًّا تَهايَأ في حَضانَتِه سَيِّدُه ونَسِيبُه. وحُكِيَ ذلك عن أبي بَكْرٍ عَبْدِ العَزِيزِ، قال: فيُخَرَّجُ هنا مِثْلُه، والمذهبُ الأوَّلُ. انتهى.

ص: 304

فَإِنِ احْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا، قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ.

ــ

تنبيه: قولُه: وإنِ اخْتَلَفا في المُلْتَقِطِ منهما، قُامَ مَن له بَيَّنَةٌ. بلا نِزاعٍ. فإنْ كان لكُل واحدٍ منهما بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ أسْبَقُهما تارِيخًا. قاله في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وإنِ اتَّحَدَ تارِيخُهما، أو أُطْلِقَتا، أو أرِّخَتْ إحْداهما وأُطْلِقَتِ الأُخْرَى، تَعارَضَتا،. وهل يسْقُطان أو يُسْتَعْمَلان؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، يسْقُطان، فيصِيران كمَن لا بَيِّنَةَ لهما. وجزَم به، فيما إذا تَساوَيا، في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. والثَّاني، يُسْتَعْمَلان ويُقْرَعُ بينَهما، فمَن قرَع صاحِبَه، كان أوْلَى به. قال في «الكافِي»: وإن تَساوَيا في اليَدِ أو عدَمِها، سقَطَتا، وأُقْرِعَ بينَهما، فقُدِّمَ

ص: 305

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ،

ــ

بها أحدُهما. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . ومحَلُّهما إذا لم يَكُنْ في يَدِ أحَدِهما. قال الحارِثِيُّ: وفي بَيِّنَةِ المالِ وَجْهٌ بتَقْديم المُطْلَقَةِ على المُؤَرَّخةِ، وهو ضَعيفٌ، بلِ الأَوْلَى تَقْدِيمُ المُؤَرَّخَةِ. انتهى. ويأْتِي ذلك في بابِ الدَّعاوَى مُحَرَّرًا. فإنْ كان اللَّقِيطُ في يَدِ أحَدِهما، فهل تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الخارِجِ؟ فيه وَجْهان مَبْنِيَّان على الرِّوايتَين في دَعْوَى المالِ، على ما يأْتِي في بَيِّنةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ. وقال في «الفُروعِ»: يُقَدَّمُ ربُّ اليَدِ مع بَيِّنَةٍ، وفي يَمِينِه وَجْهان.

قوله: فإنْ لم يكُنْ لهما بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ صاحِبُ اليَدِ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ هل يحْلِفُ معها؟ فيه وَجْهان، وأطْلَقَهما في «الكافِي» ، «الفُروعِ» ؛ [أحدُهما، لا يحْلِفُ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، والقاضي، وقال: هو قِياسُ المذهبِ](1). وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثَّاني، يحْلِفُ. قاله أبو الخَطَّابِ، ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 306

فَإِنْ كَانَ فِي أَيدِيهِمَا، أُقْرِعَ بَينَهُمَا. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، قُدِّمَ،

ــ

فائدة: قوْلُه: فإنْ كان في أَيدِيهما، أُقْرِعَ بينَهما. فمَن قرَع، سُلِّمَ إليه مع يَمِينِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالا: وعلى قَوْلِ القاضي لا تُشْرَعُ اليَمِينُ هنا، ويُسَلَّمُ إليه بمُجَرَّدِ وُقوعِ القُرْعَةِ له. وأطْلَقَهما في «الكافِي» .

فائدة: لو ادَّعَى أحدُهما أنَّه أخَذَه منه قَهْرًا، وسألَ الحاكِمَ يَمِينَه، قال في «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ إحْلافُه. وقال في «المُنْتَخَبِ» : لا يحْلِفُ؛ كطَلاقٍ ادُّعِيَ على الزَّوْجِ.

قوله: وإنْ لم يكُنْ لهما يَدٌ، فوصَفَه أحدُهما -يعْني، بعَلامَةٍ مَسْتورَةٍ في جَسَدِه- قُدِّمَ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والتِّسْعِين» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وذكَر القاضي في «الخِلافِ» ، وصاحِبُ «المُبْهِجِ» ،

ص: 307

وَإلَّا سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إِلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أوْ مِنْ غَيرِهِمَا.

ــ

و «المُنْتَخَبِ» ، و «الوَسِيلَةِ» أنَّه لا يُقَدَّمُ واصِفُه. وذكَرَه في «الفُنونِ» ، و «عُيونِ المَسائلِ» عن أصحابِنا، وإليه مَيلُ الحارِثِيِّ؛ فإنَّه نظَر على تعْليلِ الأصحابِ.

فائدة: لو وَصَفاه جميعًا، أُقْرِعَ بينَهما. قاله في «التَّلْخيصِ» ، واقْتَصرَ عليه الحارِثِيُّ.

قوله: وإلَّا سَلَّمَه الحاكِمُ إلى مَن يرَى منهما، أو مِن غيرِهما. يعْنِي، إذا لم يكُنْ في أيدِيهما، ولا في يَدِ واحدٍ منهما، ولا بَيِّنَةَ لهما، ولا لأحَدِهما، ولا وصَفاه، ولا أحدُهما. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: قال

ص: 308

فَصْلٌ: وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَدِيَتُهُ إِنْ قُتِلَ لِبَيتِ الْمَالِ.

ــ

الأصحابُ، والمُصَنِّفُ هنا: يُسَلِّمُه القاضي إلى مَن يرَى منهما، أو مِن غيرِهما. قال في «القَواعِدِ»: قال القاضي، والأكْثَرون: لا حق لأحَدِهما فيه، ويُعْطِيه الحاكِمُ لمَن شاءَ منهما، أو مِن غيرِهما. انتهى. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفروع» وغيرِه. وقال المُصَنِّفُ: الأوْلَى أنْ يُقْرَعَ بينَهما، كما لو كان في أيدِيهما.

فائدة: مَن أسْقَطَ حقه منه، سقَط.

قوله: ومِيراثُ اللَّقِيطِ ودِيَتُه إنْ قُتِلَ لبَيتِ المالِ. هذ المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثير منهم. وذكَر ابنُ أبي مُوسى في «الإرْشادِ» ، أنَّ بعضَ شُيوخِه حكَى رِوايَةً عن أحمدَ، أنَّ المُلْتَقِطَ يرِثُه. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ونصَرَه، وصاحِبُ «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: وهو الحقُّ.

ص: 309

وَإنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَوَلِيُّهُ الإِمَامُ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ (1)، وَإنْ شَاءَ أخَذَ الدِّيَةَ. وإنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا، انْتُطرَ بُلُوغُهُ، إلا أنْ يَكُونَ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيهِ.

ــ

قوله: وإنْ قُتِلَ عَمْدًا، فوَلِيُّه الإمامُ؛ إنْ شاءَ اقْتَصَّ، وإنْ شاءَ أخَذ الدِّيَةَ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أبو الخَطابِ في «الهِدايَةِ» وغيرُه، وذكَر في «التَّلْخيصِ» وَجْهًا، أنَّه لا يجِبُ له حَقُّ الاقْتِصاصِ، وأنَّ أبا الخَطَّابِ خرَّجه، قال: ووَجْهُه أنَّه ليسِ له وارِثٌ مُعَيَّنٌ، فالمُسْتَحِقُّ جميعُ المُسْلِمين، وفيهم صِبْيانٌ ومَجانِينُ، فكيف يُسْتَوْفى؟ قال: وهذا يجْرِي في قَتْلِ كُلِّ مَن لا وارِثَ له. انتهى.

قوله: وإنْ قُطِعَ طَرَفُه عَمْدًا، انْتُظِرَ بُلُوغُه. يعْنِي، مع رُشْدِه. هذا

(1) في حاشية المخطوطة: «وإن شاء عفا» .

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا الصَّحيحُ المَشْهورُ في المذهبِ. قال في «الفُروعِ» : والأشْهَرُ، يُنْتَظَرُ رُشْدُه، إذا قُطِعَ طَرَفه. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» وغيرِه. وعنه، للإمامِ اسْتِيفاؤُه قبلَ البُلُوغِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. قال في «الفائقِ»: وهو المَنْصوصُ المُخْتارُ. وأطْلَقَهما في «الفائقِ» .

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: إلَّا أنْ يكُونَ فَقِيرًا مَجْنُونًا، فللإمامِ العَفْوُ على مالٍ يُنْفَقُ عليه. هذا المذهبُ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، [وغيرُهم مِنَ الأصحاب](1). فعلى هذا، يجِبُ على الإمامِ فِعْلُ ذلك؛ لأنَّ عليه رِعايَةَ الأصْلَحِ، والتَّعْجيلُ هنا. هو الأصْلَحُ. قدَّمه الحارِثيُّ في «شَرْحِه» . وهو الصَّوابُ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيل: يُسْتَحَبُّ ذلك، ولا يجِبُ.

تنبيه: دخَلِ في عُمومِ قوْلِه: انْتُظِرَ بُلُوغُه. أنَّه لو كان فِقيرًا عاقِلًا، فليس للإمامِ العَفْوُ علي مالٍ يُنْفقُ عليه. وهو أحدُ الوَجْهَين، وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الشَّرْحِ» هنا، و «الفُصولِ» ، و «المُغْنِي» هنا. والوَجْهُ الثَّاني، للإِمام ذلك. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال القاضي، والمُصَنفُ، في بابِ القَوَدِ، عندَ قَوْلِ الخِرَقِيِّ: إذا اشْتَركَ جماعَةٌ في القَتْلِ: هذا أصحُّ. وكذا قال في «الكافِي» ، في بابِ العَفْو عنِ القِصاصِ. وصحَّحه في «الشَّرْحِ» ، في بابِ اسْتِيفاءِ القِصاصِ. وحكاه المَجْدُ عن نصِّ أحمدَ. وفي بعض نُسَخِ «المُقْنِعِ»

(1) سقط من: الأصل.

ص: 313

وَإنِ ادَّعَى الْجَانِي عَلَيهِ أوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ، وَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ.

ــ

هنا: إلَّا أنْ: يكونَ فِقيرًا أو مجْنونًا. بـ «أو» ، لا بـ «الواو» . وقد قال المُصَنِّفُ، في هذا الكِتابِ، في بابِ اسْتِيفاءِ القِصاصِ: فإنْ كانا مُحْتاجَين إلى النَّفَقَةِ، يعْني وكذا الصَّبِيَّ، والمَجْنونَ، فهل لوَلِيِّهما العَفْوُ عنِ الدِّيَةِ؟ يحْتَمِلُ وَجْهَين. وكذا أبو الخَطابِ، في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرُهم هناك. وأطْلَقهما أيضًا في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» . ودخَل أيضًا في عُمومِ كلامِه، لو كان مَجْنونًا غَنِيًّا، فليس للإمامِ العَفْوُ على مالٍ، بل تُنْتَظَرُ إفاقَتُه. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وقطَع به في «الشَّرْحِ» . وذكَر في «التَّلْخيصِ» وَجْهًا، للإمامِ ذلك. وجزَم به في «الفُصولِ» ، و «المُغْنِي» ، وهو ظاهِرُ كلامِه في «الوَجيزِ» . وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: حيثُ قُلْنا: ينتَظَرُ البُلوغُ أو العقْلُ. فإنَّ الجانِيَ يُحْبَسُ إلى أوانِ البُلوغِ والإفاقَةِ، وحيثُ قُلْنا بالتَّعْجِيلِ وأخْذِ المالِ، لو طلَب اللَّقِيطُ بعدَ بُلُوغِه وعقْلِه القِصاصَ، ورَدَّ المالِ، لم يجِبْ. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» وغيرِه، وفرَّقُوا بينَه وبين الشُّفْعَةِ.

قوله: وإنِ ادَّعَى الجانِي عليه أو قاذِفُه رِقَّه، فكَذَّبَه اللَّقِيطُ بعدَ بُلُوغِه، فالقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ»

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. ويحْتَمِلُ أنَّ القَوْلَ قَوْلُ القاذِفِ. قاله المُصَنِّفُ. قال الحارِثِيُّ: وذكَر صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، في قَتْلِ مَن لا يُعْرَفُ إذا ادُّعِيَ رِقُّه، وَجْهًا،

ص: 315

وَإنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، لَمْ يُقْبَلْ إلا بِبَيِّنةٍ تَشْهَدُ أنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَيَحْتَمِلُ ألا يُعْتَبَرَ قَوْلُهَا فِي مِلْكِهِ.

ــ

أنَّ القَوْلَ قَوْلُه. وعنِ القاضي، في كتابِ «الخِصالِ» ، أنَّه جزَم به؛ لأنَّ الرِّقَّ مُحْتَملٌ، والأصْلُ البَراءَةُ. وذكَر صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، في قَذْفِ مَن لا يُعْرَفُ إذا ادُّعِيَ رِقُّه، رِوايةً بقبُولِ قَوْلِه؛ لأنَّ احْتِمال الرِّقِّ شُبْهَةٌ، والحَدُّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، والأصْلُ البَراءَةُ.

فائدة: لو كان اللَّقِيطُ مُمَيِّزا، يَطأُ مِثْلُه، وجَب الحدُّ على قاذِفِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ نصَّ عليه. وخُرِّجَ وَجْهٌ بانْتِفاءِ الوُجوبِ، وقيل: هو رِوايَةٌ. فعلى المذهبِ، يُشترَطُ لإقامَتِه المُطالبَةُ بعدَ البُلُوغِ، وليس للوَلِيِّ المُطالبَةُ. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه. ويأْتِي ذلك في أوائلِ بابِ القَذْفِ.

قوله: وإنِ ادَّعى إئسانٌ أنَّه مَمْلُوكُه، لم يُقْبَلْ إلَّا ببَيِّنَةٍ تشْهَدُ أنَّ أَمَتَه ولَدَتْه في مِلْكِه. إذا ادَّعَى إنْسانٌ أنَّه مَمْلُوكُه، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ له بَيِّنَةٌ، أو لا، فإنْ لم يكُنْ له بَيِّنَةٌ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ في يَدِه، أو لا؛ فإنْ لم يكُنْ في يَدِه، فلا شيءَ لي. وإنْ كان في يَدِه، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ المُلْتَقِطَ أو غيرَه، فإنْ

ص: 316

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان المُلْتَقِطَ، فلا شيءَ له أيضًا. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وإنْ كان غيرَ المُلْتَقِطِ، صُدِّقَ. قاله الحارِثِيُّ، وقاله في «التلْخيصِ» وغيرِه، لدِلالةِ اليَدِ على المِلْكِ. قال الحارِثِيُّ: ومُقْتَضَى كلامِ المُصَنِّفِ في «المُغنِي» ، و «الكافِي» ، وُجوبُ يَمِينِه. وهو الصَّوابُ؛ لإِمْكانِ عدَمِ المِلْكِ، فلا بُدَّ مِن يمَينٍ تُزِيلُ أثَرَ ذلك، ثم إذا بلَغ، وقال: أنا حُرٌّ. لم يُقْبَل. وإن كان له بَيِّنَةٌ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ تشْهَدَ بيَدِه، أو بمِلْكِه، أو بسَبَبِ مِلْكِه، فإنْ شهِدَت بيَدِه، فإنْ كان غيرَ

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُلْتَقِطِ، حُكِمَ له بها، والقَوْلُ قَوْلُه مع يَميِنِه في المِلْكِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والقاضي أيضًا؛ لدِلالةِ اليَدِ على المِلْكِ، زادَ القاضي، وأنَّه ضلَّ عنه، أو ذهَب، أو غُصِبَ. وإنْ شَهِدَتْ أنَّ أمَتَه ولَدَتْه في مِلْكِه، فعندَ الأصحابِ، هو له. وإنِ اقْتَصرَتْ على أنَّ أمَتَه ولَدَتْه، ولم تقُلْ: في مِلْكِه. فقدَّم المُصَنِّفُ، أنَّه لابُدَّ أنْ تشْهَدَ أنَّ أمَتَه ولَدَتْه في مِلْكِه. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وصحَّحه النَّاظِمُ. وجزَم به في «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقطَع به المُصَنِّفُ في هذا الكِتابِ، في أثْناءِ كتابِ الشَّهاداتِ. ويحْتَمِلُ أنْ لا يُعْتَبرَ قوْلُ البَيِّنَةِ: في مِلْكِه. بك يكْفِي الشَّهادَةُ بأنَّ أمَتَه ولَدَتْه. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَررِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وإنْ شهِدَتْ أنَّه مِلْكُه، أو مَمْلُوكُه، أو عَبْدُه، أو رَقِيقُه، ثبَت مِلْكُه بذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وصاحبُ «المُحَرَّرِ» ، وغيرُهم. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا بُدَّ مِن ذِكْرِ السَّبَبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وأبي الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وصاحِبِ «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم؛

ص: 318

وَإنْ أقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغهِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَعَنْهُ، يُقْبَلُ. وَقَال الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.

ــ

لاحْتِمالِ التَّعْويلِ على ظاهِرِ اليَدِ. وأطْلَقَهما الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» . وفيه وَجْهٌ ثالثٌ، بأنَّ البَيِّنَةَ لا تُسْمَعُ مِنَ المُلْتَقِطِ، وتُسْمَعُ مِن غيرِه؛ لاحْتِمالِ تعْوليها على يَدِ المُلْتَقِطِ، ويَدُه لا تقْبَلُ المِلْكَ. اخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» .

فائدة: قال في «المُغْنِي» (1): إنْ شهِدَتِ البَيِّنَةُ بالمِلْكِ، أو باليَدِ، لم يُقْبَلْ إلَّا رجُلان، أو رجُلٌ وامْرَأتان، وإنْ شهِدَتْ بالولادَة (2)، قُبِلَ امْرأَةٌ واحدَةٌ، أو رجُلٌ واحدٌ؛ لأنَّه ممَّا لا يطلِعُ عليه الرِّجالُ. وقال القَاضي: يُقْبَلُ فيه شاهِدان، وشاهِدٌ وامْرأَتان، ولا يُقْبَلُ فيه النِّساءُ. قال الحارِثِيُّ: وهو أشْبَهُ بالمذهبِ.

قوله: وإنْ أقَرَّ بالرِّقِّ بعدَ بُلُوغِه، لم يُقْبَلْ. إذا أقَرَّ اللَّقِيطُ بالرِّقِّ بعدَ البُلوغِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يتقَدَّمَه تصَرُّفٌ، أو إقْرارٌ بحُرِّيَّةٍ، أو لا، فإنْ لم يتَقَدَّمْ إقرارَه تصَرُّفٌ ولا إقْرارٌ بحُرِّيَّةٍ، بل أقَرَّ بالرِّقِّ؛ جَوابًا أو ابْتِداءً، وصدَّقَه المُقَرُّ له، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يُقْبَلُ إقْرارُه بالرِّقِّ والحالةُ هذه. صحَّحه المُصَنِّفُ

(1) المغني 8/ 384.

(2)

في النسخ: «بالولاء» والمثبت من المغني.

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «المُغْنِي» ، وحكاه القاضي وَجْهًا. وقطَع صاحِبُ «المُحَرَّرِ» بأنَّه يُقْبَلُ قوْلُه. واخْتارَه في «التَّلْخيصِ» ، ومال إليه الحارِثِيُّ، وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقَهما في «الشَّرْحِ» . وإنْ تقَدَّم إقْرارَه بالرِّقِّ تصَرُّفٌ ببَيعٍ، أو شِراءٍ، أو نِكاحٍ، أو إصْداقٍ ونحوه، فهذا لا يُقْبَلُ إقْرارُه بالرِّقِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأكثرُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يُقْبَلُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ». وقال القاضي: يُقْبَلُ فيما عليه. رِوايَةً واحدةً. وهل يُقْبَلُ في غيرِه؟ على رِوايتَين. قال الحارِثِيُّ: وحكَى أبو الخطَّاب في «كِتابِه» ، والسَّامَرِّيُّ عن القاضي، اخْتِصاصَ الرِّوايتَين بما تضَمَّنَ حقًّا له، أمَّا ما تضَمَّنَ حقًّا

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه، فيُقْبَلُ، رِوايَةً واحدةً. قال: وحكاه المُصَنِفُ هنا مُطْلَقًا عنه. وإنْ تقدَّم إقْرارُه بالحُريَّةِ، ثم أقَرَّ بالرِّقِّ، لم يُقْبَلْ، قوْلًا واحدًا. ولو أقَرَّ بالرِّقِّ لزَيدٍ، فلم يُصَدِّقْه، بطَل إقْرارُه، ثم إنْ أقَرَّ لعَمْرٍو، وقُلْنا بقَبْولِ الإقْرارِ في أصْلِ المَسْألَةِ، ففي قَبُولِه له (1) وَجْهان. وأطْلَقَهما الحارِثِيُّ، و «الفُروعِ» ، وذكَرَهما القاضي وغيرُه؛ أحدُهما، يُقْبَلُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. والثاني، لا يُقْبَلُ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 321

وَإنْ قَال: إِنِّي كَافِرٌ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُه إلا أنْ يَكُونَ قَدْ نَطَقَ بِالإسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ.

ــ

قوله: وإنْ قال: إنِّي كافِرٌ. لم يُقْبَلْ قوْلُه، وحُكْمُه حُكْمُ المُرْتَدِّ. إذا بلَغ اللَّقِيطُ سِنًّا يصِحُّ منه الإسْلامُ والرِّدَّة فيه، على ما يأْتِي في بابِ الرِّدَّةِ، فنَطق بالإسْلامِ،

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهو مُسْلِمٌ، ثم إنْ قال: إنِّي كافِرٌ. فهو مُرْتَدٌّ، بلا نِزاعٍ. وإنْ حكَمْنا بإسْلامِه تبَعًا للدَّارِ، وبلَغ، وقال: إنِّي كافِرٌ، وهي مَسْألةُ المُصَنِّفِ، لم يُقْبَلْ قوْلُه، وحُكْمُه حُكْمُ المُرْتَدِّ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: هذا الصَّحيحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يُقَرُّ، على ما قاله القاضي، قال: إلَّا أنْ يكونَ قد نطَق بالإِسْلامِ وهوْ يعْقِلُه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو وَجْهٌ بعيدٌ. فعلى هذا الوَجْهِ، قال القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهما: إِنْ وصَف كُفْرًا يُقَرُّ عليه بالجِزْيَةِ، عُقِدَتْ له الذِّمَّةُ، وأُقِرَّ في الدَّارِ، وإن لم يبْذُلْها، أو كان كُفْرًا لا يُقَرُّ عليه، أُلحِقَ بمَأْمَنِه. قال في «المُغْنِي» (1): وهو بعيدٌ جِدًّا.

(1) المغني 8/ 352.

ص: 326

فصْلٌ: وَإنْ أقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ، أُلحِقَ بِهِ، مُسْلِمًا كَانَ أوْ كَافِرًا، رَجُلًا كَانَ أَو امْرَأةً، حَيًّا كَانَ اللَّقِيطُ أوْ مَيِّتًا.

ــ

قوله: وإنْ أقَرَّ إنْسانٌ أنَّه وَلَدُه، أُلْحِقَ به؛ مُسْلِمًا كان أو كافِرًا؛ رَجُلًا كان

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو امْرأةً؛ حَيًّا كان اللَّقِيطُ أو مَيتًا. إذا أقَرَّ به حرٌّ مُسْلِمٌ، يُمْكِنُ كوْنُه منه، لَحِقَ به، بلا نِزاعٍ. ونصَّ عليه في رِوايَةِ جماعةٍ، وإنْ أقَرَّ به ذِمِّيٌّ، أُلْحِقَ به نَسَبًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وهو داخِلٌ في عُمومِ نصِّ أحمدَ. [وقيل: لا يَلْحَقُ به أيضًا في النَّسَبِ. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ» ] (1). إذا علِمْتَ ذلك، فلا يلْحَقُه في الدِّينِ، بلا نِزاعٍ، على ما يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، ويأْتِي حُكْمُ نفَقَتِه في النَّفَقاتِ. قال القاضي وغيرُه: وإذا بلَغ، فوصَفَ الإسْلامَ، حكَمْنا بأنَّه لم يزَلْ مُسْلِمًا، وإنْ وصَفَ الكُفْرَ، فهل يُقَرُّ؟ فيه الوَجْهان المَذْكوران في المسْأَلَةِ التي قبلَها.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 328

وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إلا أنْ يُقِيمَ بَيَنةً أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. وَعَنْهُ، لَا يُلْحَقُ بِامْرَأةٍ ذَاتِ زَوْجٍ، وَعَنْهُ، إِنْ كَانَ لهَا إِخْوَةٌ أوْ نَسَبٌ مَعْرُوف، لَمْ يُلْحَقْ بِهَا وَإلَّا لَحِقَ.

ــ

قوله: ولا يتْبَعُ الكافِرَ في دِينِه، إلَّا أنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّه وُلِدَ على فِراشِه. هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال الشَّارِحُ: هذا قَوْلُ بعضِ أصحابِنا، وقِياسُ المذهبِ، لا يلْحَقُه في الدِّينِ، إلَّا أنْ تشْهَدَ البَيِّنةُ أنَّه وُلِدَ بينَ كافِرَين حَيَّيْن؛ لأنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ بإسْلامِه بإسْلامٍ أحَدِ أبوَيه، أو مَوْتِه. انتهى. قال الحارِثِيُّ: قال الأصحابُ: إنْ أقامَ الذِّمِّي بَيِّنَة بولادَتِه على فِراشِه، لَحِقَه في الدِّينِ أيضًا؛ لثُبوتِ أنَّه وُلِدَ بينَ (1) ذِمِّيَّين، فكما لو لم يكُنْ لَقِيطًا. وهذا مُقَيَّدٌ باسْتِمْرارِ أبوَيه على الحياةِ والكُفْرِ، وقد أشارَ إليه في «الكافِي» ؛ لأنَّ أحدَهما لو ماتَ، أو أسْلَم، لحُكِمَ

(1) سقط من: ط، ا.

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بإسْلامِ الطِّفْلِ، فلا بُدَّ فيما قالوا مِن ذلك. انتهى. وإنْ أقَرَّتْ به امْرَأةٌ، أُلْحِقَ بها. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. فعلى هذا، قال الأصحابُ: لا يسْرِي اللَّحاقُ إلى الزَّوْجِ بدُونِ تَصْديقِه، أو قيامِ بَيِّنَةٍ بولادَتِه على فِراشِه. وعنه، لا يلْحَقُ بامْرأةٍ مُزَوَّجَةٍ (1). وعنه، لا يلْحَقُ بامُرأةٍ لها نسَبٌ معْروفٌ أو إخْوَةٌ. وقيل: لا يُلْحَقُ بامْرأةٍ بحالٍ. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ، وحكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا.

(1) في الأصل: «من وجه» .

ص: 330

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: شمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ، لو أقَرَّ به عَبْدٌ، أنَّه يلْحَقُ به. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: اسْتِلْحاقُ العَبْدِ كاسْتِلْحاقِ الحُرِّ في لَحاقِ النَّسَبِ، قاله الأصحابُ. انتهى. ولا تجِبُ نفَقَتُه عليه، ولا على سيِّدِه؛ لأنَّه محْكومٌ بحُرِّيَّتِه، وتكونُ نَفَقَتُه مِن بَيتِ المالِ.

تنبيهٌ آخَرُ: شمِلَ قوْلُه: أو امْرأةً. لو أقَرَّتْ أمَةٌ به. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: والأمَةُ كالحُرَّة في دَعْوَى النَّسَبِ، على ما ذكَرْنا. قاله الأصحابُ، إلَّا أنَّ الوَلَدَ لا يُحْكَمُ برِقِّه بدونِ بَيِّنَةٍ. حكاه المُصَنِّفُ، ونصَّ عليه مِن رِوايَةِ ابنِ مُشَيشٍ.

فوائد؛ إحْداها، المَجْنونُ كالطِّفْلِ، إذا أمْكَنَ أنْ يكونَ منه، وكانْ مَجْهولَ النَّسَب. الثَّانِيَةُ، كلُّ مَن ثبَت لحَاقُه بالاسْتِلْحاقِ، لو بلَغ وأنْكَرَ، لم يُلْتَفَتْ إليه. قاله الأَصحابُ. نقَلَه الحارِثِيُّ. ويأْتِي حُكمُ الإرْثِ، في بابِ الإِقْرارِ بمُشارِكٍ في المِيراثِ، وكتابِ الإقْرارِ. الثَّالثةُ، لو ادَّعَى أجْنَبِيٌّ نسَبَه، ثبَت، مع بَقاءِ مِلْكِ سيِّدِه، ولو مع بَيِّنَةٍ بنَسَبِه. قال في «التَّرْغيبِ» وغيرِه: إلَّا أنْ يكونَ مُدَّعِيه امْرأَةً،

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فتَثْبُتُ حُرِّيَّتُه، وإنْ كان رجُلًا عرَبِيًّا، فرِوايَتان، وفي مُمَيِّزٍ وَجْهان؛ أحدُهما، صِحَّةُ إسْلامِه. واقْتَصرَ على ذلك في «الفُروعِ» .

ص: 332

وَإنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أوْ أكْثَرُ، لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ بهَا. وَإنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ أوْ عَدَمِهِا، عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ أوْ مَعَ أقَارِبِهِمَا إِنْ مَاتَا.

ــ

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: وإنِ ادَّعاه اثْنان أو أكْثَرُ، لأحَدِهم بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ بها، فإنْ تَساوَوا في بَيِّنَةٍ، أو عَدَمِها، عُرِضَ معهما على القافَةِ، أو مع أقارِبِهما إنْ ماتا. سمَاعُ دَعْوَى الكافِرِ، ولو لم يكُنْ لهَ بَيِّنَةٌ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وفي «الإرْشادِ» وَجْهٌ، لا تُسْمَعُ دَعْوَى الكافِرِ بلا بَيِّنَةٍ. وقال في «التَّلْخيصِ»: إنْ كان لأحَدِهما يَدٌ غيرُ يَدِ الالتِقاطِ، وكان قد سبَق اسْتِلْحاقُه، فإنَّه يُقدَّمُ على مُسْتَلْحِقِه مِن بعدُ، وإنْ لم يُسْمَعِ اسْتِلْحاقُه إلَّا عندَ، دَعْوَى الثَّاني، ففي تقْديمِه بمُجَرَّدِ اليَدِ احْتِمالان. انتهى.

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو كان في يَدِ أحَدِهما، وأقامَ كل واحدٍ منهما بَيِّنةً، قُدِّمَتْ بَيِّنةُ الخارِج. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، والرِّوايتَين. وتقدَّم ذلك، ويأتي في الدَّعاوَى والبَيِّناتِ. الثَّانيةُ، لو كان في يَدِ امْرأةٍ، قُدِّمَتْ على امْرأةٍ ادَّعَتْه بلا بَيِّنةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وتقدَّم التنبِيهُ على ما هو أعَمُّ مِن ذلك.

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: عُرِضَ معهما على القافَةِ، أو مع أقارِبِهما إنْ ماتا. وذلك مِثْلُ؛ الأخِ، والأخْتِ، والعَمَّةِ، والخالةِ، وأولادِهم.

ص: 336

فَإِنْ ألحَقَتْهُ بِأحَدِهِمَا، لَحِقَ بِهِ، وَإنْ ألْحَقَتْهُ بِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا.

ــ

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: فإنْ ألحَقَتْه بأحَدِهما، لَحِقَ به. أنَّها لو توَقَّفَتْ في إلْحاقِه بأحَدِهما، ونفَتْه عنِ الآخَرِ، أنَّه لا يلْحَقُ بالذي توَقَّفَتْ فيه. وهو صحيح، وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، وهو المذهبُ، وظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «المُحَرَّرِ»: يلْحَقُ به. وتَبِعَه جماعَةٌ.

ص: 341

وَلَا يُلْحَقُ بِأكْثَرَ مِنْ أمٍّ وَاحِدَةٍ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 343

وَإنِ ادَّعَاهُ أكْثَرُ مِنِ اثْنَين فَألِحِقَ بِهِمْ، لَحِقَ بِهِمْ وإنْ كَثُرُوا. وَقَال ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأكثرَ مِنِ اثنَينِ.

ــ

قوله: وإنِ ادَّعاه أكثرُ مِنِ اثْنَين فالحِقَ بهم، لَحِقَ بهم، وإنْ كَثُرُوا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ جماعَةٍ. قال في «الفائقِ»: اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْح الحارِثِيِّ» ، ونصَرُوه، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ، قاله ناظِمُها. وقال الحارِثِيُّ: قال أبو حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيُّ: يلْحَقُ بأكْثَرَ مِنِ اثْنَين. لكِنْ عنده، لا يلحَقُ بأكْثَرَ مِن خَمْسَةٍ. وقال ابنُ حامِدٍ: لا يلْحَقُ بأكْثَرَ مِنِ اثْنَين. وعنه، يلْحَقُ بثَلاثةٍ فقط. نصَّ عليه في رِوايَةِ مُهَنَّا. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وذكَر في «المُسْتَوْعِبِ» وَجْهًا، أنَهم (1) إذا ألْحَقُوه بأكْثَرَ مِن ثلاثةٍ، لا يلْحَقُ بواحدٍ منهم؛ لظُهورِ خطَئِهم.

(1) في ط: «أنهما» .

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: يرِثُ مِن (1) كلِّ مَن لَحِقَ به ميِراثَ وَلَدٍ كامل، ويرِثُونه ميِراثَ أبٍ واحدٍ، ولهذا لو أوصِيَ له، قَبِلُوا له جميعًا، ليحْصُلَ له. وإنْ ماتَ وخَلَّفَ أحدَهم، فله ميِراثُ أبٍ كامِلٍ؛ لأَن نَسَبَه كامِلٌ مِنَ المَيتِ. نصَّ عليه. ولأمَّيْ أبوَيه اللذَين لَحِقَ بهما مع أُمِّ أُمِّ، نِصْفُ السُّدْسِ، ولأُمِّ الأُمِّ نِصْفُه. قلتُ: فيُعايَى بها.

فائدة: امْرأةٌ ولَدَتْ ذكَرًا، وأُخْرَى أُنثَى، وادَّعَتْ كل واحِدَةٍ أنَّ الذكَرَ ولَدُها دُونَ الأُنثَى، فقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يحْتَمِلُ وَجْهين؛ أحدُهما، العَرْضُ على القافَةِ مع الوَلَدَين. قال الحارِثِيُّ: قلتُ: وهذا المذهبُ على ما مَرَّ مِن نصِّه، مِن رِوايَةِ ابنِ الحَكَمِ. والوَجْهُ الثَّاني، عَرْضُ لَبَنِهما على أهْلِ الطِّبِّ

(1) سقط من: ط.

ص: 347

وَإنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أوْ أشْكَلَ عَلَيهِمْ، أوْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ، ضَاعَ نسَبُهُ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ وَفِي الْآخَرِ، يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنهُمْ. أَوْمَأ إِلَيهِ أَحْمَدُ.

ــ

والمَعْرِفَةِ؛ فإنَّ لبَنَ الذَّكرِ يُخالِفُ لبَنَ الأُنثَى في طَبْعِه وزِنَتِه. وقيل: لبَنُ الذَّكَرِ ثَقِيلٌ، ولبَنُ الأنْثَى خفِيف، فيُعْتَبران بطَبْعِهما وزِنَتِهما، وما يخْتَلِفان به عندَ أهْلِ المَعْرِفَةِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا الاعْتِبارُ إنْ كان مُطرِدًا في العادَةِ غيرَ مُخْتَلِفٍ، فهو إنْ شاءَ اللهُ أظْهَرُ مِنَ الأوَّلِ؛ فإنَّ أصولَ السُّنَّةِ قد تخفَى على القائِفِ. قال في «المُغْنِي» (1): فإنْ لم يُوجَدْ قافَةٌ، اعْتُبِرَ باللَّبَنِ خاصَّةً. وإنْ كان الوَلدَان ذكَرَين أو أُنثَيَين، وادَّعَتا أحَدَهما، تَعيَّنَ العَرْضُ على القافَةِ.

قوله: وإنْ نَفَتْه القافَةُ عنهم، أو أُشْكَلَ عليهم، أو لم يُوجَدْ قافَةٌ -أو اخْتلَفَ قائِفان- ضاعَ نَسَبُه في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، نصَّ عليه في المَسْالةِ الأولَى. وجزَم به في «الوَجيزِ». واخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال المُصَنِّفُ: قوْلُ أبي

(1) المغني 8/ 383.

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَكْرٍ أقْرَبُ. قال الحارِثِي: وهو الأشْبَهُ بالمذهبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وفي الآخرِ، يُترَكُ حتى يبْلُغ، فينْتَسِبَ إلى مَن شاءَ منهم. قال القاضي: وقد أوْمَأ إليه أحمدُ، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وقطَع به في «العُمْدَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ». قال الحارثيُّ: ويحْتَمِلُ أنْ يُقْبَلَ مِن مُمَيِّز أيضًا، تفْريعًا (1) على وَصِيَّته وطَلاقه، وعلى قَبُولِ شَهادَتِه، على رِوايَةٍ. والمذهبُ خِلافُه. وذكَر ابنُ عَقِيل وغيرُه، هو لمَن يمِيلُ بطَبْعِه إليه؛ لأن الفَرْعَ يمِيلُ إلى الأصْلِ، لكِنْ بشَرْطِ أنْ لا يتَقدَّمَه إحْسان. وقيل: يلْحَقُ بهما. اخْتارَه في «المُحَرَّرِ» . ونقَل ابنُ هانِئ، يُخَيَّرُ بينَهما، ولم يذْكُرْ قافَةً. وعنه، يُقْرَعُ بينَهما، فيَلْحَقُ نَسَبُه بالقُرْعَةِ. ذكَرَها في «المُغْنِي» ، في كتابِ الفَرائضِ. نقَلَه عنه في «القَواعِدِ» .

(1) في ط: «تعريفًا» .

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، على قوْلِ ابنِ حامِدٍ ومَن تابعَه، لو ألْحَقَتْه القافَةُ، بعدَ انْتِسابِه، بغيرِ مَنِ انْتَسَبَ إليه، بطَل انْتِسابُه. ومنها، ليس له الانْتِسابُ بالتّشَهِّي، بل بالمَيلِ الطبيعِيِّ الذي تُثِيرُه الولادَةُ. ومنها، يسْتَقِرُّ نَسَبُه بالانْتِسابِ، فلو انْتَسَبَ إلى أحَدِهما، ثم عَنَّ له الانْتِسابُ إلى الثّاني، أو الانْتِفاءُ مِنَ الأولِ، لم يُقْبَلْ. ومنها، لو انْتَسَبَ إليهما جميعًا لمَيلِه، لَحِقَ بهما. قاله الحارِثِيُّ وغيرُه. ومنها، لو بلَغ ولم ينْتَسِبْ إلى واحدٍ منهما، لعدَمِ مَيلِه، ضاعَ نسَبُه؛ لانْتِفاءِ دَليلِه، ولو انْتَسَبَ إلى مَن عَداهما، وادَّعاه ذلك المُنْتَسَبُ إليه، لَحِقَه. ومنها، وُجوبُ النَّفَقَةِ عليهما مُدَّةَ الانْتِظارِ؛ لإقْرارِه بمُوجِبِها، وهو الولادَةُ، وكذلك في مُدَّةِ انْتِظارِ البَيِنةِ، أو القافَةِ.

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: أو لم يُوجَدْ قافَةٌ. حَقِيقَةُ العَدَمِ، العدَمُ الكُلِّيُّ، فلو وُجِدَتْ بعيدةً، ذهَبُوا إليها. ومنها، لو قتَلَه مَنِ ادَّعَياه، قبلَ أنْ يلْحَقَ بواحدٍ منهما، فلا

ص: 351

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ وَطِئ اثْنَانِ امْرأةً بِشُبْهَةٍ، أوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَينَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُل أوْ أمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأتتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنْه، فَادَّعَى الزَّوْجُ أنهُ مِنَ الْوَاطِئ، أُرِيَ الْقَافَةَ جَمعَهُمَا.

ــ

قوَدَ على واحدٍ منهما، ولو رجَعا؛ لعدَمِ قَبُولِه. ولو رجَع أحدُهما، انْتَفَى عنه، وهو كشَرِيكِ الأبِ، على ما يأتِي في آخِرِ كتابِ الجِناياتِ.

قوله: وكذلك الحُكْمُ إنْ وَطِئ اثْنان امْرَأةً بشُبْهَةٍ، أو جارِيَةً مُشْتَرَكَةً بينهما في طُهْرٍ واحِدٍ، أو وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أو أُمُّ وَلَدِه بشُبْهَة، وأتتْ بوَلَدٍ يُمْكن

ص: 352

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إلا أن يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا، مُجَرَّبًا فِي الإصَابَةِ.

ــ

أنْ يكُونَ منه، فادَّعى الزوْجُ أنَّه مِن الواطِئ، أُرِيَ القافَةَ معهما. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وسواءٌ ادعياه أو جحَداه، أو أحدُهما. ذكَرَه القاضي وغيرُه. وشرَط أبو الخَطابِ، في وَطْءِ الزَّوْجَةِ، أنْ يدّعِيَ الزوْجُ أنَّه مِنَ الشُّبْهَةِ، فعلى قوْلِه، إنِ ادَّعاه لنَفْسِه، اخْتَصّ به لقُوَّةِ جانِبِه. وفي «الانْتِصارِ» ، رِوايَة مِثْلُ ذلك. ونقَل أبو الحارِثِ، في امْرأةِ رَجُلٍ غُصِبَتْ، فوَلَدَتْ عندَه، ثم رجَعَتْ إلى زَوْجِها، كيفَ يكونُ الوَلَدُ للفِراشِ في مِثْلِ هذا؟ إنَّما يكونُ له إذا ادَّعاه، وهذا لا يدَّعِيه، فلا يلْزَمُه. وقيل: إنْ عُدِمَتِ القافَةُ، فهو لرَبِّ الفِراش. ويأتِي في آخِرِ اللِّعانِ، هل للزوْجِ أو للسيِّدِ نَفْيُه، إذا أُلحِقَ به، أو بهما؟

قوله: ولا يُقْبَلُ قَوْلُ القائفِ إلا أنْ يكونَ ذَكَرًا عَدْلًا مُجَرَّبًا في الإصابَةِ. يُشْتَرَطُ في القائفِ أنْ يكونَ عَدْلًا مُجَربا في الإصابِة. بلا نِزاع. ومعْنَى كوْنِه عَدْلًا (1) مُجَربًا في الإصابَةِ، على ما قاله القاضي، ومن تابعَه، بأنْ يُترَكَ الصبِيُّ بينَ عَشَرَةِ

(1) سقط من: ط.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِجالٍ مِن غيرِ مَن يدَّعِيه، ويُرِيَهم إيَّاه؛ فإنْ ألْحَقَه بواحدٍ منهم، سقَط قوْلُه لتَبَيُّنِ خطَئِه، وإنْ لم يُلْحِقْه بواحدٍ منهم، أريناه إيَّاه مع عِشْرِين فيهم مَن يدَّعِيه، فإنْ ألْحَقَه به، لَحِقَه. ولو اعْتُبِرَ بأنْ يُرَى صَبِيًّا معْروفَ النَّسَبِ مع

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْمٍ فيهم أبوه أو أخوه؛ فإنْ ألْحَقَه بقَرِيبه، عُرِفَتْ إصابَتُه، وإنْ ألْحَقَه بغيرِه، سقَط قوْلُه، جاز. وهذه التَّجْرِبَةُ عندَ عَرْضِه على القافَةِ للاحْتِياطِ في مَعْرِفَةِ إصابَته، ولو لم نُجَرِّبْه بعدَ أنْ يكونَ مشْهورًا بالإصابَةِ، وصِحَّةِ المَعْرِفَة في مرَّاتٍ كثيرةٍ، جازَ.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنه لا يُشْترَطُ حُرِّيةُ القائفِ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِه في «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. ذكَرُوه فيما يلْحَقُ مِنَ النَّسَبِ، وقدَّمه في «الفروعِ». قال الحارِثِيُّ: وهذا أصحُّ. وقيل: تُشْتَرَطُ حُريته. جزَم به القاضي، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وذكَرَه في «الترْغيبِ» عنِ الأصحاب. قال في «القَواعِدِ الأصُوليةِ»: الأكثرون على أنه كحاكِمٍ، فتُشْتَرَطُ حُريته. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفائقِ» ، و «الزرْكَشِيِّ» . فعلى الأوَّلِ، يكونُ بمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وعلى الثَّانِي، يكونُ (1) بمَنْزِلَةِ الحاكِمِ. وجزَم في «التَّرْغِيبِ» ، أنه تُعْتَبَرُ فيه شُروطُ الشهادَةِ.

فوائد؛ الأولَى، يكْفِي قائفٌ واحدٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه

(1) زيادة من: ا.

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في رِوايَةِ أبي طالِبٍ، وإسْماعِيلَ بنِ سَعِيدٍ. واخْتارَه القاضي، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتين» ،

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وعنه، يُشْتَرَطُ اثْنان. نصَّ عليه، في رِوايَةِ محمدِ بنِ داودَ المصِّيصِيِّ، والاثْرَمِ، وجَعْفَرِ بنِ محمدٍ. وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزين» . وأطْلَقَهما في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» ، والحارِثِيُّ في «شَرْحِه» ، و «الكَافِي» ، و «الزَّرْكَشِيُّ» ، وظاهِرُ «الشَّرْحِ» الإطْلاقُ. وخرَّج الحارِثِيُّ الاكتِفاءَ بقائفٍ واحدٍ عندَ العدَمِ، مِن نَصِّه على الاكتِفاءِ بالطبيبِ والبَيطارِ، إذا لم يُوجَدْ سِواه، وأوْلَى؛ فإنَّ القائفَ أعَزُّ وُجودًا منهما.

تنبيه: هذا الخِلافُ مَبْنِيٌّ، عندَ كثير مِنَ الأصحابِ، على أنه؛ هل هو شاهِدٌ أو حاكِمٌ؟ فإنْ قُلْنا: هو شاهِدٌ. اعْتَبرْنا العدَدَ، وإنْ قُلْنا: هو حاكِمٌ. فلا. وقال جماعَة مِنَ الأصحابِ: ليس الخِلافُ مَبْنِيًّا على ذلك، بلِ الخِلافُ جارٍ؛ سواء قُلْنا: القائفُ حاكِمٌ. أو: شاهِدٌ؛ لأنَّا إنْ قُلْنا: هو حاكِمٌ. فلا يَمْتَنِعُ التَّعَدُّدُ في الحُكْمِ، كما يُعْتَبرُ حاكِمان في جَزاءِ الصيدِ، وإنْ قُلْنا: شاهِدٌ. فلا تَمْتنِعُ شَهادة الواحِدِ، كما في المَرْأةِ، حيثُ قَبِلْنا شَهادَتَها وشَهادَةَ الطَّبِيب، والبيطارِ. وقالت طائِفَةٌ مِنَ الأصحاب: هذا الخِلافُ مَبْنِيٌّ على أنَّه شاهِدٌ، أوَ مُخْبِرٌ؛ فإنْ جعَلْناه شاهِدًا، اعْتَبرْنا التَّعَدُّدَ، وإنْ جعَلْناه مُخْبِرًا، لم نْعْتَبِرِ التعَدُّدَ، كالخَبَرِ في الأمُورِ

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّينيَّةِ. الثَّانيةُ، القائفُ كالحاكمَ. عندَ أكثرِ الأصحابِ. قاله في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» . و «الحارِثِيِّ» ، وقطَع به في «الكافِي». وقيل: هو كالشّاهِدِ. وهو الصَّحيحُ على ما تقدّم. وأكثرُ مَسائلِ القائفِ مَبْنِيَّة على هذا الخِلافِ. الثّالثةُ، هل يُشْترَطُ لَفْظُ الشهادَةِ مِنَ القائفِ؟ قال في «الفُروعِ» ، بعدَ القَوْلِ باعْتِبارِ الاثْنَين: ويُعْتَبَرُ منهما لَفْظُ الشَّهادَةِ. نصَّ عليه. وكذا قال في «الفائقِ» . قال في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» : وفيه نَظَرٌ؛ إذْ مِن أصْلِنا قَبُولُ شَهادَةِ الواحدِ في مَواضِعَ. وعلى المذهبِ، يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشّهادَةِ. انتهى. قلتُ: في تَنْظيرِه نظَرٌ؛ لأن مَن نقَل عنِ الأصحابِ؛ كصاحِبِ «الفُروعِ» وغيرِه، إنَّما نقَلُوا ذلك عن الإمامِ أحمدَ. وقد روَى الأثْرَمُ أنَّه قال: لا يُقْبَلُ قوْلُ واحدٍ، حتى يجْتَمِعَ اثْنان، فيَكُونا شاهِدَين. وإذا شَهِدَ اثْنان مِنَ القافَةِ، أنه لهذا، فهو له. وكذا قال في روايَةِ محمدِ بنِ داودَ المصِّيصِيِّ. فالذي نقَل ذلك، قال: يُعْتَبَرُ مِنَ الاثْنَين لَفْظُ الشَهادَةِ. وهو مُوافِقٌ للنصِّ، ولا يلْزَمُ مِن ذلك أنه لا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشهادَةِ في الواحدِ، ولا عدَمُه، غايَتُه أنه اقْتَصرَ على النصِّ، فلا اعْتِراضَ عليه في ذلك. وقال في «الانْتِصارِ»: لا يُعْتَبرُ لَفْظُ الشهادَةِ ولو كانا اثْنَين، كما في المُقَوِّمَين. الرابعةُ، لو عارَضَ قوْلُ اثْنَين قوْلَ ثلاثةٍ فأكْثَرَ، أو تعارَضَ اثْنان، سقَط الكُل، وإنِ اتفَقَ اثْنان، وخالفَ ثالث،

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أُخِذَ بقَوْلِ الاثْنَين. نصَّ عليه، ولو رجَعا، فإنْ رجَع أحدُهما، لَحِقَ بالآخَرِ. قال في «المُنْتَخَب»: ومِثْلُه بَيطاران وطَبِيبان، في عَيبٍ. الخامسةُ، يُعْمَلُ بالقافَةِ في غيرِ بُنُوَّةٍ، كأخُوَّةٍ وعُمومَةٍ عندَ أصحابِنا، وعندَ أبي الخَطَّابِ، لا يُعْمَلُ بها في غيرِ البُنُوَّةِ، كإخْبارِ راعٍ بشَبَهٍ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» ، في التَّفْرِقَةِ بينَ الوَلَدِ والفَصِيلِ: لأنَّا وقَفْنا على مَوْرِدِ الشَّرْعِ، ولتَأكُّدِ النَّسَبِ، لثُبوتِه مع السُّكُوتِ. السَّادسةُ، نفَقَةُ المَوْلودِ على الواطِئَين؛ فإذا لَحِقَ بأحَدِهما، رجَع على الآخَرِ بنَفَقَتِه. ونقَل صالِحٌ، وحَنْبَلٌ، أرَى القُرْعَةَ، والحُكْمَ بها. يُرْوَى عنه، عليه أفْضَلُ الصلاةِ والسَّلامِ، أنَّه أقْرَعَ في خَمْسَةِ مَواضِعَ، فذكَر منها؛ إقْراعَ عَلِيٍّ في الوَلَدِ بينَ الثلاثةِ الذين وَقَعُوا على الأمَةِ في طُهْرٍ واحِدٍ، ولم يُرَ هذا في رِوايَةِ الجماعَةِ، لاضْطِرابِه. وقال ابنُ القَيِّمِ في «الهَدْي»: القُرْعَة تُسْتَعْمَلُ عندَ فُقْدانِ مُرَجِّحٍ سِواها؛ مِن بَينة، أو إقْرار، أو قافَةٍ. قال: وليس ببعيدٍ تعْيينُ المُسْتَحِقِّ في هذه الحالِ بالقرْعَةِ؛ لأنها غايَةُ المَقدُورِ عليه مِن ترْجيحِ الدَّعْوَى، ولها دُخولٌ في دَعْوَى الأمْلاكِ التي لا تثْبُتُ بقَرِينة، ولا أمارَةٍ، فدُخولُها في النَّسَبِ الذي يثْبُتُ بمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الخَفِيِّ المُسْتَنِدِ إلى قَوْلِ قائفٍ أوْلَى.

ص: 359