المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ اللُّقَطَةِ وَهِيَ الْمَالُ الضائِعُ مِنْ رَبهِ. ــ بابُ اللُّقَطَةِ فائدة: قوْلُه: وهي المالُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ اللُّقَطَةِ وَهِيَ الْمَالُ الضائِعُ مِنْ رَبهِ. ــ بابُ اللُّقَطَةِ فائدة: قوْلُه: وهي المالُ

‌بَابُ اللُّقَطَةِ

وَهِيَ الْمَالُ الضائِعُ مِنْ رَبهِ.

ــ

بابُ اللُّقَطَةِ

فائدة: قوْلُه: وهي المالُ الضائِعُ مِن رَبه. هو تعْريف لمَعْناها الشرْعِي. وكذا قال غيرُه. قال الحارِثي: وعلى هذا سُؤالان؛ أحدُهما، قد يكونُ المُلْتَقَط غيرَ ضائع؛ كالمَتْروكِ قَصْدًا لأمْر يقْتَضِيه، ومنه المالُ المَدْفونُ، والشيءُ الذي يُتْرَكُ

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثِقَةً به؛ كأحجارِ الطحْنِ، والخَشَبِ الكِبارِ. والثَّاني، أنَّهم اخْتَلَفوا في التِقاطِ الكَلْبِ المُعَلَّمِ. فعلى القَوْلِ بالتِقاطِه، يكونُ خارِجًا عمَّا ذُكِرَ. ومَن قال مِنَ الأصحابِ: لا يُلْتَقَطُ. إنما قال؛ لأجْلِ كَوْنِه مُمْتَنِعًا بنَابِه، لا لأنه غيرُ مالٍ. قال الحارِثِي: ويعْصِمُ مِنَ السُّؤالِ، أنْ يُضافَ إلى الحَدِّ، ما جرَى مَجْرَى المالِ.

ص: 186

وَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أقْسَامٍ: أحدُهَا، مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، كَالسَّوْطِ، وَالشِّسْعِ، وَالرَّغِيفِ، فَيُمْلَكُ بِأخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ.

ــ

قوله: وتنْقَسِمُ ثَلاثةَ أقْسام؛ أحَدُها، ما لا تتْبَعُه الهِمةُ. يَعْنِي، هِمةَ أوْساطِ الناسِ، ولو كثرُ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ومثلَه المُصَنِّفُ بالسوطِ،

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشِّسْعِ، والرغِيفِ. ومثلَه في «الإرْشادِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَقِيل» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وجماعةٌ، بالتمْرَةِ، والكِسْرَةِ، وشسعِ النعْلِ، وما أشْبَهَه. ومثلَه في «المُغْنِي» بالعَصا والحَبْلِ، وما قِيمَتُه كقِيمَةِ ذلك. قال الحارِثي: ما لا تتبعُه الهِمةُ. نص أحمدُ في رِوايَةِ عَبْدِ اللهِ وحَنبل، أنه ما كان مِثْلَ التمْرَةِ، والكِسْرَةِ، والخِرْقَةِ، وما لا خطَر له، فلا بأسَ. وقال في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُور: الذي يُعَرفُ مِنَ اللُّقَطَةِ كل شيءٍ، إلا مالا

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قِيمَةَ له. وسُئِلَ في رِوايَةِ حَرْبٍ، الرجُلُ يُصِيبُ الشِّسْعَ في الطريقِ، أيأخُذُه؟ قال: إذا كان جَيِّدًا مما لا يُطْرَحُ مِثْلُه، فلا يُعْجِبُنِي أنْ يأخُذَه، وإنْ كان رَدِيئًا قد طرَحَه صاحِبُه، فلا بَأسَ. قال الحارِثِي: فكلامُ أحمدَ لا يُوافِقُ ما قال في «المُغْنِي» ، ولا شكَّ أن الحَبْلَ، والسَّوْطَ، والرغِيفَ يزِيدُ على التمْرَةِ،

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والكِسْرَةِ. قال: وسائرُ الأصحابِ على ما قال الإمامُ أحمدُ في ذلك كله، ولا أعْلَمُ أحدًا وافَقَ المُصَنِّفَ، إلا أبا الخَطابِ في الشِّسْعِ فقط. انتهى. قال في «الرِّعايَةِ»: وما قل؛ كتَمْرَةٍ، وخِرْقَةٍ، وشسعِ نَعْل، وكِسْرَةٍ، وقيل: ورَغيفٍ. انتهى. فحكَى في الرغيفِ الخِلافَ. وقيل: هو ما دُونَ نِصابِ السرِقَةِ. قال في «الكافِي» : ويحْتَمِلُ أنْ لا يجِبَ تَعْريفُ ما لا يُقْطَعُ فيه السارِقُ. وقيل: هو ما دُونَ قِيراطٍ؛ مِن عَين أو وَرِق. اخْتارَه أبو الفَرَجِ في «المُبْهِجِ» ، ورَدهْ المُصَنفُ. وذكَر القاضي، وابنُ عَقِيل، لا يجِبُ تَعْريف الدَّانِقِ. قال الحارِثِي: والظاهِرُ أنه عنَى دانِقًا مِن ذهَبٍ. وكذا قال صاحِبُ «التلْخيصِ» . قال في «الرعايَةِ» : وقيلَ: بل ما فوقَ دانِقِ ذَهَبٍ. وقال أيضًا: وعنه، يُعَرَّفُ الدِّرْهَمُ فأكثرُ.

فائدة: لو وجَد كَنَّاسٌ، أو نَخالٌ، أو مقلشٌ، قِطعًا صِغارًا مُفرَّقَةً، ملكَها بلا تَعْريفٍ، وإنْ كَثُرَتْ.

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: فيُمْلَكُ بأخْذِه بلا تَعْرِيض. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونص عليه أحمدُ. وعنه، يلْزَمُه تَعْريفُه. ذكَرَها أبو الحُسَينِ. وقيل: يلْزَمُه تَعْريفُه مُدَّة يظُنُّ طلَبَ رِّبه له. اخْتارَه في «الرِّعايَةِ» .

فوائد؛ منها ما قاله في «التبَّصَرَةِ» : إن الصدَقَةَ بذلك أوْلَى. ومنها، أنَّه لا يلْزَمُه دَفْعُ بَدَلِه، إذا وجَد ربه. على الصَّحيع مِنَ المذهبِ، وقُوةُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا تقْتَضِيه؛ لقَوْلِه: فيُمْلَكُ بأخْذِه بلا تَعْريفٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال في «التبصِرَةِ» : يلْزَمُه. قال في «الفُروعِ» : وكلامُهم فيه يحْتَمِلُ وَجْهَين. وقيل لأحمدَ في التَّمْرَةِ تجِدُها، أو يُلْقِيها عُصْفُوز: أيأكُلُها؟ قال: لا. قال: أيطْعِمُها صَبِيًّا، أو يتَصَدقُ بها؟ قال: لا يعْرِضُ لها. نقَلَها أبو طالب وغيرُه، واخْتارَه عَبدُ الوَهابِ الوَرَّاقُ. ومنها: لا يُعَرِّفُ الكَلْبَ إذا وجَدَه، بل ينتفِعُ به، إذا كان مُباحًا. على الصحيح مِنَ المذهبِ. وقيل: يُعَرِّفُ سنَةً. ويأتِي قريبًا.

ص: 191

الثَّانِي، الضوالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، كَالْإبِل، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيلِ، وَالْبِغَالِ، وَالظِّبَاءِ، وَالطَّيرِ، وَالفُهُودِ، وَنحْوهَا، فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا، وَمَنْ أخذَهَا ضَمِنَهَا، فَإنْ دَفَعَهَا إِلَى نَائِبِ الإمَامِ زَال عَنْهُ الضَّمَانُ.

ــ

قوله: الثانِي، الضوالُّ التي تمْتَنِعُ مِن صِغارِ السِّباعِ؛ كالأبِلِ، والبَقَرِ، والخَيلِ، والبِغالِ، والظباءِ، والطيرِ، والفُهُودِ، ونحوها، فلا يجوزُ التِقاطُها. بلا نِزاع.

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، الصحيحُ مِنَ المذهبِ، أن الحُمُرَ مما يمْتَنِعُ مِن صِغارِ السِّباعِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وغيرُهما: قاله الأصحابُ. قال الحارِثِي: هو قوْلُ القاضي في آخرَين. وجزَم به في «الرِّعايتَين» وغيرِهما. وقدمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما. وألْحَقَ المُصَنِّفُ الحُمُرَ بالشاةِ ونحوها. قال الحارِثِي: وهو أوْلَى. ومنها، قال الحارِثِي: اخْتَلفَ الأصحابُ في الكَلْبِ المُعَلمِ؛ فأدْخَلَه المُصَنِّفُ فيما يمْتَنِعُ التِقاطُه، كما اقْتَضاه

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ظاهِرُ لَفْظِه هنا، وصَريحُ لَفْظِه في «المُغْنِي» ؛ اعْتِبارًا بمَنَعَتِه بنابِه. وجوَّزَ التِقاطَه القاضي وغيرُه، وهو أصحُّ؛ لأنه لا نَصَّ في المَنْعِ، وليس في مَعْنَى المَمْنُوعِ، وفي أخْذِه حِفْظ على مُسْتَحِقِّه، أشْبَهَ الأثْمانَ وأوْلَى، مِن جِهَةِ أنه ليس مالًا، فيكونُ أخَفَّ. وعلى هذا، هل يَنْتَفِعُ به بعدَ حَوْلِ التعْريفِ؟ فيه وَجْهان، وفيهما طَرِيقان؛ أحَدُهما، بِناءُ الخِلافِ على الخِلافِ في تَمَلك الشَّاةِ بعدَ الحَوْلِ. وهي طَريقَةُ القاضي. الآخَرُ، بِناءُ الانْتِفاعِ على التمَلك لما يتمَلَّكُ بعدَ الحَوْلِ، وبِناءُ مَنْعِ الانْتِفاعِ على أنه لا يضْمَنُ لما ضاعَ منه بالقِيمَةِ لو تَلِفَ؛ لانْتِفاءِ كوْنِه مالا، فيُؤدِّي إلى الانْتِفاعِ مجَّانًا، وهو خِلافُ الأصْلِ. انتهى كلامُ الحارِثيِّ. ومنها، يجوزُ للإمامِ ونائبِه أخْذُ ما يمْتَنِعُ مِن صِغارِ السِّباع، وحِفْظُه لرَبِّه، ولا يلْزَمُه تَعْرِيفُه. قاله الأصحابُ. ولا يُكْتَفَى فيها بالصِّفَةِ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ». ولا يجوزُ لغيرِهما أخْذُ شيء مِن ذلك لحِفْظِه لرَبه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال المُصَنِّفُ ومَن تَبِعَه: يجوزُ أخْذُها إذا خِيفَ عليها؛ كما لو كانتْ في أرْض مَسْبَعَةٍ، أو قريبًا مِن دارِ الحَرْبِ، أو بمَوْضِع يسْتَحِلُّ أهله أمْوال المُسْلِمين، أو في برِّيَّةٍ لا ماءَ فيها ولا مَرْعَى، ولا ضَمانَ على آخِذِها؛ لأنه إنْقاذ مِنَ الهَلاكِ. قال الحارِثِي: وهو كما قال. وجزَم به في «تَجْريدِ العِنايَةِ» .

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: لو قيلَ بوُجوبِ أخْذِها، والحالةُ هذه، لكان له وَجْه. ومنها، قطَع المُصَنِّفُ والشارِحُ بجَوازِ التِقاطِ الصيودِ المُتَوحِّشَةِ التي إذا تُرِكَتْ، رجَعَتْ إلى

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصحْراءِ، بشَرْطِ أنْ يعْجِزَ عنها صاحِبُها. واقْتَصَر عليه الحارِثِي. قلتُ: فيُعايَى بها. وظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» ، عدَمُ الجَوازِ. قلتُ: وهو ضعيف، [لكِنَّه إنما حُكِيَ ذلك عنه في طَير مُتَوَحِّشَةٍ. وكلامُ المُصَنف أعَمُّ مِن ذلك](1). ومنها، قال ابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، والمُصَنفُ، والشارِحُ، والزرْكَشِي، وجماعةٌ: أحْجارُ الطواحِينِ، والقُدورُ الضخْمَةُ، والأخْشابُ الكَبيرَةُ ونحوُها مُلْحَقَة بالإبِلِ في مَنْعِ الالتِقاطِ. [قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ: بل أوْلَى] (1). قال الحارِثِي: فظاهِرُ كلامِ غيرِ واحدٍ مِنَ الأصحابِ، جوازُ الالتِقاطِ، وكذا نَصُّه في رِوايَةِ حَنْبَل. [وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الفُروعِ» في الخَشَبَةِ الكَبيرةِ](1).

قوله: ومَن أخَذَها، ضَمِنَها. يعْنِي، إذا تَلِفَتْ، [ويضْمَنُ نَقْصَها](2)، إذا تعَيبتْ، لكِن إتْلافَها لا يخْلُو؛ إما أنْ يكونَ قد كتَمَها، أوْ لا؛ فإنْ كان ما كتَمَها وتَلِفَتْ، ضَمِنَها كغاصِبٍ، وإنْ كان كتَمَها حتى تَلِفَتْ، ضَمِنَها بقِيمَتِها مرَّتَين،

(1) زيادة من: ا.

(2)

في ط: «ونقص ضنها» .

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على المذهبِ، نص عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُور؛ إمامًا كان أو غيرَه. وأخْتارَه أبو بَكْرْ وغيرُه. وجزَم به في «المُحَررِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِي: وقال به غيرُ واحدٍ. قال في «الفُروعِ» : ويضْمَنُه كغاصِبٍ، ونَصُّه، وقاله أبو بَكْر، يضمَنُ ضالةً مَكْتُومَةً بالقِيمَةِ مرَّتَين؛ للخَبَرِ.

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، قوْلُه: فإنْ دفَعَها إلى نائبِ الإمامِ، زال عنه الضمانُ. بلا نِزاعٍ. قال الحارِثِي (1): هذا يَنْبَنِي على أن لنائبِ الإمامِ أخْذَها ابتداءً للحِفْظِ. وهو شيء قاله مُتَأخرُو أهلِ المذهبِ؛ القاضي، وابنُ عَقيل، والسامَرِّي، والمُصَنِّف، وغيرُهم. وكذا لو أمَرَه برَدِّها إلى مَوْضِعِها، ورَدها، بَرِئ. قاله في «الفُروع» وغيرِه. الثَّانيةُ، إذا أخَذَها الإمامُ أو نائبُه منه، لم يلْزَمْه تَعْريفُها. قاله الأصحابُ.

(1) في الأصل: «صاحب الحاوي» .

ص: 198

الثَّالِثُ، سَائِرُ الْأمْوَالِ؛ كَالْأثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ وَالْغَنَم وَالفصْلَانِ، وَالْعَجَاجِيلِ، وَالأفْلَاءِ.

ــ

قوله: الثالِثُ، سائرُ الأموالِ؛ كالأثْمانِ، والمَتاعِ، والغَنَمِ، والفُصْلانِ، والعَجاجِيلِ، والأفْلاءِ. يعْنِي، يجوزُ التِقاطُها. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال في «الفائقِ»: قلتُ: وكذا مرِيض لا ينْبَعِثُ، ولو كان كبيرًا. وعنه، في شاةٍ، وفَصِيل، وعِجْل، وفِلْو، لا يجوزُ التِقاطُه. ذكَرَها المُصَنِّفُ وغيرُه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وعنه، لأ يلْتَقِطُ الشاةَ ونحوَها إلا الإمامُ. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وذكَر أبو الفَرَجِ في العَرْضِ رِوايَةً، لا يلْتَقِطُه.

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: شَمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ العَبْدَ الصغيرَ، والجارِيَةَ. وهو صحيح. قال في «الرِّعايَةِ»: والعَبْدُ الصغيرُ كالشَّاةِ. وكذا كل جارِيَةٍ تحْرُمُ على المُلْتَقِطِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . قال الحارِثِي: وصِغارُ الرقيقِ مُطْلَقًا يجوزُ التِقاطُه. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيل، واقْتَصَر على ذلك. وقيل: لا يُمْلَكُ بالتعْريفِ. قال القاضي: هذا قِياسُ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): وهذه المَسْألةُ فيها نظَر؛ فإن اللقِيطَ مَحْكوثم بحُرِّيته، فإنْ كان ممَّن لا يُعَبِّرُ عن نَفْسِه، فأقَرَّ (2) بأنه مَمْلوك، لم يُقْبَلْ إقْرارُه؛ لأن الطِّفْلَ لا قَوْلَ له، ولو اعْتُبِرَ قَوْلُه في ذلك، لاعْتُبِرَ في تعرِيفِه سيِّدَه. انتهى. وتقام كلامُ المُصَنِّفِ، في آخِرِ البابِ الذي قبلَه، وفيه إشارَة إلى أنَّ الصغيرَ يُمْلَكُ بالتعْريفِ.

(1) المغني 8/ 349.

(2)

في الأصل: «فذلك» .

ص: 204

فَمَنْ لَا يَأمَنُ نَفْسَهُ عَلَيهَا، لَيس لَهُ أخْذُهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا وَلَمْ يَمْلِكْهَا وَإنْ عَرَّفَهَا. وَمَنْ أمِنَ نفْسَهُ عَلَيهَا. وَقَوىَ عَلَى تَعْرِيفِهَا، فَلَهُ أخدهَا، وَالْأفْضَلُ تَرْكُهَا.

ــ

قوله: ومَن أمِنَ نَفْسَه عليها، وقَوىَ على تَعْريفِها، فله أخْذُها، والأفْضَلُ تَرْكُها. هذا المذهبُ، نص عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في

ص: 206

وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إن وَجَدَهَا بمَضْيَعَةٍ فَالْأفْضَلُ أخْذُهَا.

ــ

«الوَجيز» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو مِنَ المُفرَداتِ. وعندَ أبِي الخَطَّابِ، إنْ وجَدَها بمَضْيَعَةٍ، فالافْضَلُ أخْذُها. قال الحارِثِيُّ: وهذا أظْهَرُ الأقْوالِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وخرَّج بعضُ الأصحابِ مِن هذا القَوْلِ وُجوبَ أخْذِها، وهو قَوي في النَّظَرِ.

تنبيه: ظاهِرُ قَوْلِه: وقَوىَ على تَعْريفِها. أنَّ العاجِزَ عنِ التعْريفِ ليس له أخْذُها. وهو صَحيح. وكذا الحُكْمُ إنْ لم يأمَنْ نَفْسَه عليها. ولا يمْلِكُها بالتعْريفِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفيه وَجْه، يمْلِكُها. ذكَرَه في

ص: 207

وَمَتَى أخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، أوْ فَرَّطَ فِيهَا، ضَمِنَهَا.

ــ

«المُغْنِي» وغيرِه.

فائدة: لو أخَذَها لنيةِ الأمانَةِ، ثم طرأ قَصْدُ الخِيانَةِ. قال في «التلْخيصِ»: يحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحدُهما، لا يضْمَنُ، كما لا يضْمَنُ لو كان أوْدَعَه. قال الحارِثِي: وهذا اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، وهو الصَّحيحُ. انتهى. والثَّاني، يضْمَنُ. قال في «التلْخيص»: وهو الأشْبَهُ بقَوْلِ أصحابِنا في التَّضْمِينِ بمُجَرَّدِ اعْتِقادِ الكِتْمانِ، ويُخالِفُ المُودَعَ، فإنَّه مُسَلَّط مِن جِهَةِ المالِك. انتهى. وتقدَّم نَظيرُ ذلك في الوَدِيعَةِ، قبلَ قوْلِه: وإنْ أوْدَعَه صَبِي وَدِيعَةً. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» حِكايَةً عن صاحِبِ «الترْغيبِ» .

قوله: ومَتَى أخَذَها ثم رَدها إلى مَوْضِعِها، أو فَرَّطَ فيها، ضَمِنَها. اعلمْ أنه إذا التقَطَها، ثم رَدها إلى مَوْضِعِها، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ ممَّا يجوزُ التِقاطُه، أوْ لا؛ فإنْ كانتْ ممَّا يجوزُ التِقاطُه، ضَمِنَها، إلى أنْ يأمُرَه الحاكِمُ أو نائبُه بذلك، فإنه لا يضْمَنُ، بلا نِزاع، كما تقدّم. وإنْ كانتْ مما لا يجوزُ التِقاطُه إذا رَدّه، فلا يخْلُو؛ إما أنْ يكونَ بإذْنِ الإمامِ أو نائبِه، أوْ لا؛ فإنْ كان بإذْنِ أحَدِهما، لم يضْمَنْ، وإنْ

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان بغيرِ إذْنٍ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يضْمَنُ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يضْمَنُ. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . فعلى المذهبِ، يزُولُ عنه الضَّمانُ لو أخَذَها ودَفعَها إلى الامامِ أو نائبِه.

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو أخَذ مِن نائمٍ شيئًا، لم يبْرَأ منه إلَّا بتسْليمِه له بعدَ انْتِباهِه، وكذلك السَّاهِي (1).

(1) سقط من: الأصل، ا.

ص: 210

وَهِيَ عَلَى ثَلًاثَةِ أضْرُبٍ؛ حَيَوان، فَيُخَيَّرُ بَينَ أكْلِهِ وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ، وَبَينَ بَيعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، وَبَينَ حِفْظِهِ والإنْفَاقِ عَلَيهِ مِنْ مَالِهِ.

ــ

قوله: وهي على ثَلاثةِ أضْرُبٍ؛ أحَدُها، حَيَوان، فيُخَيَّرُ بينَ أكلِه وعليهِ

ص: 217

وهل يَرجِعُ بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهينِ.

ــ

قِيمَتُه، وبينَ بَيعِه وحِفْظِ ثَمَنِه، وبينَ حِفْظِه والإنْفاق عليه مِن مالِه. قال المُصَنِّف، وتَبعَه الشّارِحُ: لم يذْكُر أصحابُنا له تَعريفًا. ومُرادُه، إذا اسْتَوَتِ الثَّلاثةُ عندَه، أَمَّا إذا كان أحدُهما أحظ، فإنه يلْزَمُه فِعلُه. قال في «الفُروعِ»: ويفْعَلُ الأحظَّ لمالِكِه. قال الحارِثِيُّ: وفي «المُجَردِ» ، و «الفُصولِ» في بابِ الوَدِيعَةِ، أن كل مَوْضِعٍ وجَبَ عليه نَفَقَةُ الحَيَوانِ، فحُكْمُه حُكْمُ الحاكمِ؛ إنْ

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رأى مِنَ المصلَحَةِ بَيعَها وحِفْظَ ثَمَنِها، أو بَيعَ البَعضِ في مُؤنَةِ ما بَقِيَ، أو أنْ يسْتَقْرِضَ على المالِكِ، أو يُؤْجِرَ في المُؤْنَةِ، فعَل. انتهى. وقال في «التَّرغيب»: لا يبيعُ بعضَ الحَيوانِ. وأفْتَى أبو الخَطَّابِ، وابنُ الزَّاغُونِي بأكْلِه بمَضْيَعَةٍ بشَرطِ ضَمانِه، وإلا يجُزْ تَعجيلُ ذَبْحِه؛ لأنّه يُطْلَبُ. وقال أبو الحُسَينِ، وابنُ عَقِيل

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُصولِ» ، وابنُ بَكْروسٍ: لا يتَصَرفُ قبلَ الحَوْلِ في شاةٍ ونحوها بأكْل ولا غيرِه، رِوايَةً واحِدَةً، ونحوُه قَوْلُ أبِي بَكْر، قال في «زادِ المُسافِرِ»: وضالةُ الغَنَمِ إذا أخَذَها يُعَرِّفُها سَنةً، وهو الواجِبُ، فإذا مَضتِ السَّنَةُ، ولم يعرِفْ صاحِبَها، كانتْ له مِثْلَ ما التَقَطَ مِن غيرِها. قال الحارِثِيُّ: وقد قال الشَّرِيفان؛ أبو جَعفَر، والزيدِي: لا تُملَكُ الشاةُ قبلَ الحَوْلِ، رِوايَةً واحِدَةً. وكذا حكَى السَّامري، قال: إنْ كانتِ اللُّقَطَةُ حَيَوانًا، يجوزُ أخْذُه كالغَنَمِ، وما حُكْمُه حُكْمُها، لم يملِكْها قبلَ الحَوْلِ. قال الزَّركَشِيُّ: وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ الحَيَوانَ يُعَرَّفُ كغيرِه، وهو مُقْتَضَى كلامِ صاحِبِ «التلْخيصِ» ، وأبِي البَرَكاتِ، وغيرِهما. قال الحارِثِيُّ: وهذا يَنْفِي اخْتِيارَ الأكْلِ؛ لأنّه تَمَلُّكٌ عاجِلٌ. قال (1): وهذا، أعنِي الحِفْظَ مِن غيرِ تَخْيِير، هو الصَّحيحُ، وكان قال قبلَ ذلك: أوْلَى الأمُورِ، الحِفْظُ مع الإنْفاقِ، ثم البَيعُ وحِفْظُ ثَمَنِه (2)، ثم الأكْلُ وغُرمُ القِيمَةِ. انتهى. وقال ناظِمُ المُفْرَداتِ:

والشَّاةُ في الحالِ ولو في المِصْرِ. . . . تُملَكُ بالضَّمانِ إنْ لم يُبْرِي

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: ط.

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وهل يرجِعُ بذلك؟ على وَجْهين. وهما رِوايَتان في «المُجَردِ» ، و «الفُصول» ، و «المُغْنِي» ، و «الشّرحِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشرحِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الزركَشِي» ؛ أحدُهما، يرجِعُ إذا نوَى الرُّجوعَ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وصحّحه في «التصحيحِ». قال الحارِثِي: والأصَحُّ الرُّجوعُ. والرُّجوعُ هو المَنْصوصُ في الآبِقِ، والآبِقُ مِن نحو الضَّالةِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الإرشادِ». قال أبو بَكْر: يرجِعُ مع تَركِ التعَدِّي، فإنْ تعَدَّى، لم يُحسبْ له. والوَجْهُ الثاني، لا يرجِعُ. قال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والسبْعِين»: إنْ كانتِ النفقَةُ بإذْنِ حاكِم، رجَع، وإنْ لم تَكُنْ بإذْنِه، ففيه الرِّوايَتان. يعنِي اللَّتَين في مَن أدَّى حَقًّا واجِبًا عن

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرِه بغيرِ إذْنِه، ونوَى الرُّجوعَ، والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ الرُّجوعُ، على ما تقدم في بابِ الضمانِ، فكذا هنا. قال ابنُ رَجَبٍ: ومنهم مَن رجَّحَ هنا عدَمَ الرُّجوعِ؛ لأنَّ حِفْظَها لم يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، بل كان مُخَيَّرًا بينَه وبينَ بَيعِها وحِفْظِ ثَمَنِها. وذكَر ابنُ أبِي مُوسى، أن المُلْتَقِطَ إذا أنْفَقَ غيرَ مُتَطَوِّع بالنَّفَقَةِ، فله الرُّجوعُ بها، وإنْ كان مُحتَسبًا، ففي الرُّجوع رِوايَتان. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: إنْ كان بإذْنِ

ص: 222

الثَّانِي، مَا يُخْشَى فَسادُهُ، فَيَتَخَيَّرُ بَينَ بَيعِهِ وَأكْلِهِ إلا أنْ يمكِنَ

ــ

حاكِم، فله الرُّجُوعُ، وإنْ أنْفَقَ بغيرِ إذْنِه، ولم يُشْهد بالرجوعِ، فهو مُتَطَوِّعٌ، وإنْ أنْفَقَ مُحتَسِبًا بها، وأشْهدَ على ذلك، فهل يملِكُ الرجوعَ؟ على رِوايتَين. قوله: الثَّانِي، ما يُخْشَى فَسادُه، فيُخَيَّرُ بينَ بَيعِه وأكلِه. يعنِي، إذا اسْتَوَيا، وإلا فعَل الأحظ، كما تقدّم. قال في «الفُروعِ»: وله أكْلُ الحَيَوانِ، وما يُخْشَى فَسادُه بقِيمَتِه. قاله أصحابُنا. وقال في «المُغْنِي» (1): يقْتَضِي قوْلُ أصحابِنا: إن العُروضَ لا تُملَكُ. أنه (2) لا يأكلُ، ولكِنْ يُخَيَّرُ بينَ الصدَقَةِ وبينَ بَيعِه.

(1) المغني 8/ 342.

(2)

في ط: «لأنه» .

ص: 223

تَجْفِيفُهُ؛ كَالْعِنَبِ، فَيَفْعَلَ مَا يَرَى الْحَظَّ فِيهِ لِمَالِكِهِ.

ــ

وذكَر نصًّا يدُلُّ على ذلك. انتهى. قال الحارِثِيُّ: ما لا يبْقَى، قال المُصَنِّفُ فيه، والقاضي، وابنُ عَقِيل: يتَخَيَّرُ بينَ بَيعِه وأكْلِه. بهذا أوْرَدُوا مُطْلَقًا. وقيَّد أبو الخَطابِ بما بعدَ التعريف؛ فإنه قال: عرفَه بقَدرِ ما يَخافُ فَسادَه، ثم هو بالخِيارِ. قال: وقوْلُه: بقَدرِ ما يخَافُ فَسادَه. وَهْمٌ، وإنَّما هو بقَدرِ ما لا يخافُ. قلتُ: وتابَع أبا الخَطَّابِ على هذه العِبارَةِ في «المُذْهبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «التلْخيصِ» ، وجماعة. ومشَى على الصوابِ في «الخُلاصةِ» ، فقال: عرَّفَه، ما لم يخْشَ فَسادَه. قال الحارِثِيُّ: والمذهبُ الإبقاءُ، ما لم يفْسُد مِن غيرِ تَخْيِيرٍ، على ما مَر نصُّه في الشاةِ. وهو الصحيحُ، فإذا دَنا الفَسادُ، فرِوايَتان؛ إحداهما، التصَدُّقُ بعَينه مَضْمُونًا عليه. والثانيةُ، البَيعُ وحِفْظُ الثمَنِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما الحارِثِي. وقال ابنُ أبِي موسى: يتَصَدقُ بالثمَنِ. انتهى. ومنع تَعذر البَيعِ أو الصَّدَقَةِ يجوزُ له أكْلُه، وعليه القِيمَةُ.

تنبيه: حيثُ قُلْنا: يُباعُ. فإن البائعَ المُلْتَقِطُ. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ سواء كان يسيرًا أو كثيرًا؛ تَعذَّر الحاكِمُ أوْ لا. وعنه، يبِيعُ اليَسِيرَ، ويرفَعُ الكَثِيرَ إلى الحاكِمِ. وعنه، يبِيعُه كُله إنْ فقدَ الحاكِمَ، وإلَّا رفَعَه إليه.

فائدة: لو ترَكَه حتى تَلِفَ، ضَمِنَه.

قوله: إلا أنْ يُمكِنَ تَجْفِيفُه، كالعِنَبِ، فيفْعَلَ ما يرَى فيه الحَظَّ لمالِكِه. أي مِنَ

ص: 224

وغَرَامَةُ التَّجْفِيفِ مِنْهُ. وَعَنْهُ، يَبِيعُ الْيَسِيرَ، وَيَدفَعُ الْكَثِيرَ إِلَى الْحَاكِمِ.

ــ

التَّجْفيفِ والبَيعِ والأكلِ. وصرَّح به المُصَنفُ في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» . ولم يجْعَلْ له القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل، والسَّامَريُّ الأكلَ، لأنّه يملِكُ قبلَ انْقِضاءِ التَّعريفِ فيما يبْقَى، وهو خِلاف الأصلِ. واقْتَصَروا على الأحَظِّ، مِنَ التجْفيفِ والبَيعَ. قال الحارِثِي: وهو الأقْوَى. وقال: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، مِن رِوايَةِ مهنَّا، وإسحاقَ، التَّسْويَةُ بينَ هذا النوْعِ والذي قبلَه. وكذا كلامُ ابنِ أبِي مُوسى، قال: فيجْرِي فيه (1) ما مَر مِنَ الخِلافِ. انتهى.

(1) في ط: «منه» .

ص: 225

الثَّالِثُ، سَائِرُ الْمَالِ، فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهُ، وَيُعَرِّف الْجَمِيعَ بِالنِّدَاءِ عَلَيهِ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ؛ كَالْأَسْوَاقِ وَأبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أوْقَاتِ

ــ

قوله: ويُعَرِّف الجَمِيعَ -يعنِي وُجوبًا- بالنِّداءِ عليه في مَجامِعِ النَّاسِ؛ كالأسْواق، وأبوابِ المَساجِدِ في أوْقاتِ الصَّلَواتِ، حَوْلًا كامِلا: مَن ضاعَ منه

ص: 226

الصَّلَوَاتِ، حَوْلًا كَامِلا: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيء أوْ نَفَقَةٌ. وَأجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَيهِ. وَقَال أبو الْخَطَّابِ: مَا لَا يملَكُ بِالتّعرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ، يَرجِعُ بِالأجْرَةِ عَلَيهِ.

ــ

شيء أوْ نَفَقَة. وهذا بلا نِزاع في الجُملَةِ. ووَقْتُ التعريفِ النهارُ، ويكونُ في الأسْبُوعِ الأولِ، في كُلِّ يَوْم. قال في «الترغيب» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرّعايَةِ» ، وغيرِهم: ثم مرة في كُلِّ أسْبُوع مِن شَهْر، ثم مَرةً في كلِّ شَهْر. وقيل: على العادَةِ بالنِّداءِ. وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ. قلتُ: وهو

ص: 227

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصوابُ، ويكونُ ذلك على الفورِ. وقيل: يُعَرفُها بقُربِ الصحراءِ، إذا وجَدَها فيها. قال في «الرعايَةِ الكُبرَى»: قلتُ: في أقْرب البُلْدانِ منه.

تنبيه: شَمِلَ قوْلُه: ويُعَرف الجميعَ. الحَيَوانَ وغيرَه. وهو أحدُ القَوْلَين.

ص: 228

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتقدَّم أن أبا بَكْر، وأبا الحُسَينِ، وابنَ عَقِيلٍ، وابنَ بَكْروسٍ، والشرِيفَين، وغيرَهم قالوا: لا يتَصَرفُ في شاةٍ ولا في غيرِها قبلَ الحَوْلِ، رِوايَةً

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واحدةً. ونقَل أبو طالِبٍ، تُعَرَّف الشاةُ. وذكَرَه أبو بَكْر وغيرُه. وقال في «الفُروع»: أكثرُ الأصحابِ لم يذكُروا للحَيَوانِ تَعرِيفًا. وتقدّم أيضًا، أنَّ ما يُخْشَى فَسادُه، يُعَرفُ (1) بمِقْدارِ ما لا يُخافُ فَسادُه عندَ أبِي الخَطَّابِ، وابنِ الجوْزِي، والسامَري، وصاحِب «التلْخيصِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم.

(1) سقط من: ط.

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الحارِثِي: والأصَحُّ أنها تُعَرفُ حَوْلًا.

تنبيه: ظاهِرُ قَوْلِه: وأبوابِ المَساجِدِ. أنه لا يُعَرِّفُها في نَفْسِ المَساجِدِ. وهو صحيحٌ. بل يُكْرَهُ، على الصحيح مِنَ المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ». وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: يحرُمُ. وقاله ابنُ بَطةَ في إنْشادِها.

ص: 231

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو أخَّرَ التعريفَ عنِ الحَوْلِ الأولِ، مع إمكانِه، أثِمَ، وسقَط التعريفُ. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصّ عليه، وعليه الأصحابُ. وخرَّج عَدَمَ السُّقوطِ مِن نصه على تعريف وما يُوجَدُ مِن دِفْن المُسْلِمِين. وهو وَجْهٌ ذكَرَه في «المُغنِي». قال الحارِثِي: وهو الصحيحُ. فيأتِي به في الحَوْلِ الثانِي، أو يُكمِلُه إنْ أخَلَّ ببَعضِ الأولِ. وعلى كِلا القَولَين، لا يملِكُها بالتعريف فيما عَدا الحَوْلَ

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأوَّلَ. وكذا لو ترَك التّعريفَ في بعضِ الحَوْلِ الأوَّلِ، لا يملِكُها بالتَّعريفِ بعدَه. وفي الصَّدَقَةِ به الروايتَان اللَّتان في العُروضِ. أمَّا إنْ ترَك التّعريفَ في الحَوْلِ الأوَّلِ لعَجزِه عنه؛ كالمَرِيضِ والمَحبُوسِ، أو لنِسْيان ونحوه، أو ضاعَتْ، فعَرَّفَها في الحَولِ الثَّانِي، فقيلَ: يسقُطُ التَّعريفُ، ولا يملِكُها. قدَّمه في «الرعايتَين» ،

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «شَرحِ ابنِ رَزِين». وقيل: يملِكُها، ولا يسْقُط التّعريفُ. وأطْلَقَهما في «المُغنِي» ، و «الشرحِ» ، و «شَرح الحارِثِي» ، و «الفُروع» ، و «الفائقِ» .

قوله: وأجْرَةُ المُنادِى عليه. يعنِي، على المُلْتَقِطِ. وهذا المذهبُ، نصّ عليه، وعليه جمهورُ الأصحابِ. قال الحارِثِي: هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقذمه في «المُغْنِي» ، و «الشرح» ، و «شرح الحارِثِي» ، و «الفائق» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِير» ، وغيرِهم.

قوله: وقال أبو الخَطَّابِ: ما لا يُملَكُ بالتّعريف، وما يُقْصَدُ حِفْظُه لمالِكِه، يرجِعُ بالأجْرَةِ عليه. قلتُ: وهو الصوابُ. وقال ابنُ عَقِيل: ما لا يُملَكُ

ص: 234

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالتعريفِ، يرجِعُ عليه بأجْرَةِ. وذكَر في «الفُنونِ» أنه ظاهِرُ كلامِ أصحابِنا. وقيل: على رَبِّها مُطْلَقًا. وعندَ الحَلْوانِي وابْنِه، الأجْرَةُ مِن نَفْسِ اللُّقَطَةِ، كما لو جفَّفَ العِنَبَ ونحوَه. وقيل: مِن بَيتِ المالِ، فإنْ تعَذرَ، أخَذَها الحاكِمُ مِن ربها.

ص: 235

فَإِنْ لَم يُعرَفْ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعدَ الْحَوْلِ حُكْمًا، كَالْمِيرَاثِ. وَعِنْدَ أبِي الْخَطَّابِ، لَا يملِكُهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذَلِكَ.

ــ

قوله: فإنْ تُعرَفْ، دخَلَتْ في مِلْكِه بعدَ الحَوْلِ حُكْمًا كالمِيراثِ. هذا

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ بلا رَيب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. قال في «عُيونِ المَسائلِ»: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وصححه في «النظْم» وغيرِه. قال الزّركَشِي: نصَّ عليه في رِرايَةِ الجماعةِ، واخْتارَه الجُمهورُ. قال الحارِثِيُّ: المذهبُ أنَّ المِلْكَ قَهْرِي، يثْبُتُ عندَ انْقِضاء الحَوْلِ، كالإرثِ. وقدمه في «الكافِي» ، و «شَرحِ ابنِ رَزِين» ، و «الشَّرح» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروع» ، وغيرِهم. وجزَم به في «العُمدَة» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَور» ، وغيرِهم. وعندَ أبِي الخَطابِ، لا يملِكُه حتى يخْتارَ. وهو رِوايَة ذكَرَها في «الواضِح» ، فيتَوقفُ على الرّضا، كالشراءِ.

ص: 237

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قدم المُصَنفُ أن لُقَطَةَ الحَرَمِ كغيرِها. وهو الصحيحُ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثي: عدَمُ الفَرق هو المَشْهورُ في المذهبِ، واخْتِيارُ أكثرِ الأصحابِ، ونص عليه. قال الزركَشِي: هو اخْتِيارُ الجمهورِ. وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «الشرح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والمُصَنِّفُ، والشارِحُ، وصاحِبُ «النهايَة» وغيرُهم، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرقِي. وعنه، لا تُملَكُ لُقَطَةُ الحَرَمِ بحال. اخْتارَه الشيخُ تَقِيُّ الدينِ، وغيرُه مِن المُتَأخرِين. قال في «الفائقِ» أيضًا: وهو المُخْتارُ. قال الحارِثِي: وهو الصحيحُ. وأطْلَقَهما في «المُحررِ» . قال في «الانْتِصارِ» : ونُقِلَ عنه ما يدُلُّ

ص: 238

وَعَنْ أحمَدَ، لَا تُملَكُ إلا الْأثْمَانُ. وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذهبِ. وَهل لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيرها؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

على أنَّ اللُّقَطَةَ لا تُملَكُ مُطْلَقًا. قال الزَّركَشِي: قلتُ: وهو غريبٌ لا تفْرِيعَ عليه، ولا عَملَ. وعنه، يتَمَلَّكُها فَقِير غيرَ ذَوي القُربَى. قال في «الفائق»: وعنه، لا يملِكُ، لكِنْ يأكلُه بعدَ الحَوْلِ مع فَقْرِه. نقَلَه حَنبل، وأنْكَرَه الخَلالُ.

تنبيه: قدَّم المُصَنفُ، أنَّ غيرَ الأثمانِ كالأثْمانِ. وهو إحدَى الروايتَين، وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ. قال في «عُيونِ المَسائلِ»: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وصحَّحه النَّاظِمُ، واخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والمُصَنِّفُ، وغيرُهما. قال في «الفائقِ»: وهو المُختارُ. قال ابنُ رَزِين: هذا الأظهرُ. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُحَرر» ، و «الشَّرح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وجزم به في «العُمدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَورِ» . وعن أحمدَ، لا يملِكُ إلَّا الأثمانَ. وهي ظاهِرُ المذهبِ. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهب» ، و «المستَوعبِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «الرعايَةِ الكُبرَى»: هذا أشهرُ.

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «الخُلاصَةِ» ، و «الرعايَةِ الصغْرَى»: وتُملَكُ الأثمانُ، ولا تُملَكُ العُروضُ، على الأصح. انتهيا. واخْتارَه أبو بَكْر، والقاضي، وابنُ عَقِيل، وغيرُهم. قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وصاحِب «الفُروعِ»: اخْتارَه أكثرُ الأصحابِ. قال القاضي: نصَّ عليه في رِوايَةِ الجماعَةِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وجزَم به ناظِمُ المُفْرَداتِ، فقال:

مُلْتَقِطُ الأثْمانِ مُذْ عَرَّفَها

حَوْلا فقَهْرًا ذو الغِنَى يملِكُها

قال الزركَشِيُّ: وعنه، وهي المَشْهورَةُ في النَّقلِ، والمذهبُ عندَ عامَّةِ الأصحابِ، أنَّ الشاةَ ونحوَها تُملَكُ دونَ العُروضِ. انتهى.

ص: 240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وهل له الصَّدقَةُ بغيرِها؟ على رِوايتَين. يعنِي، على القَوْلِ بأنه لا يملِكُ غيرَ الأثْمانِ. وعلى هذا، قال الأصحابُ؛ القاضي، وابنُ عَقِيل، والسَّامَري، وصاحِبُ «التلْخيصِ» ، وغيرُهم: إنْ شاءَ، سلَّم إلى الحاكمِ وَبرِئ، وإنْ شاءَ، لم يُسَلّم، وعَرَّفَها أبدًا. قال في «الفُروع»: وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، لا تُدفَعُ إليه، وهل له الصَّدقَةُ بها؟ على رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَة» ، و «المُذْهبِ» ،، و «الخُلاصةِ» ، و «التلْخيص» ، و «المُحَرَّر» ، و «النظْم» ، و «المُغْنِي» ، و «الشّرحِ» ، و «شَرحِ ابنِ مُنجى» ، و «شَرحِ الحارِثِي» هنا؛ إحداهما، له الصَّدقَة به بشَرطِ الضمانِ. وهو المذهبُ. قال الخَلَّالُ: كلُّ مَن روَى عن أحمدَ روَى عنه أنَّه يُعَرِّفُها سنَةً، ويتَصَدَّقُ بها. قال في «الفائقِ»: هو المَنْصوصُ أخِيرًا. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِب» ، و «الفُروعِ». قال في «القاعِدَةِ السادِسَةِ بعدَ المِائَةِ»: يتَصَدقُ به عنه، على الصحيحِ. والروايةُ الثَّانيةُ، ليس له ذلك، بل يُعَرفُها أبدًا. [نقَلَه عنه طاهِرُ بنُ محمدٍ](1)، واخْتارَه أبو بَكْر في «زادِ المُسافِر» ، وابنُ عَقِيل. وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير». قال الحارِثِي في الغصبِ عندَ قولِه: وإنْ بَقِيَتْ في يَدِه غُصُوبٌ: والمذهبُ أنه لا يتَصدقُ. انتهى. لكِنْ قال الخَلالُ: هذا قَوْل قديم رجَع عنه، وكل من روَى عنه، روَى عنه أنّه

(1) سقط من: الأصل. وهو طاهِر بن محمد بن نزار، أبو الطيب، أحد أصحاب الإمام أحمد. طبقات الحنابلة 1/ 179.

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُعَرِّفُها سنَةً، [ويتَصَدَّقُ بها](1). وذكَر أبو الخَطَّابِ رِوايَةً؛ أنَّه إنْ كان يسِيرًا، باعَه وتَصَدَّقَ به، وإنْ كان كثيرًا، رفَعَه إلى السُّلْطانِ، وقال: نقَلَه مهنَّا، ورَدَّه المَجْدُ. ذكَرَه في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ والتِّسْعِين» . وتقدَّمَتْ هذه المسْألةُ، في كلامِ المُصَنِّفِ، ونظائِرُها في أوَاخِرِ الغصبِ عند قَوْلِه: وإنْ بقِيَتْ في يَدِه غُصُوب لا يعرِفُ أربابَها.

تنبيه: تلَخَّصَ لنا ممَّا تقدَّم في هذه المَسْالةِ، أنَّ الصَّحيح مِنَ المذهبِ، أنَّ اللقَطَةَ تدخُلُ في مِلْكِه قَهْرًا، كالمِيراثِ، حيثُ قُلْنا: تُملَكُ. وأنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، التسْويَةُ بينَ لُقَطَةِ الحَرَمِ وغيرِها، وأنَّ أكثرَ الأصحابِ قالوا: لا يملِكُ غيرَ الأثْمانِ. وهو المَشْهورُ عنه. وهو المذهبُ. لكِنْ على المُصطَلَحِ الذي تقدَّم في الخُطبةِ، يكونُ المذهبُ المِلْكَ في الكُلِّ قهْرًا.

فائدة: قال في «الفُروعِ» : يتَوَجَّهُ الرِّوايَتان المُتقَدِّمَتان اللَّتان في الصَّدَقةِ في غيرِ الأثْمانِ، أنْ يأتِيا في ما يأخُذُه السُّلْطانُ مِنَ اللصوصِ، إذا لم يُعرَفْ رُّبه.

فائدتان؛ إحداهما، لو الْتَقَطَ اثْنان، وعَرَّفا، ملَكاها. وعلى القَوْلِ بالاخْتِيارِ، لو اخْتارَ أحدُهما فقط، ملَك النِّصفَ، ولا شيءَ لصاحِبِه. الثَّانَيةُ، لو رأى اللقَطَةَ اثْنان، فقال أحدُهما للآخَرِ: هاتها، فأخَذَها لنَفْسِه، فهي للآخِذِ، وإنْ أخَذَها للآمِرِ، فهي له، أعنِي للآمِرِ، كما في التوْكِيلِ في الاصطِيادِ. ذكرَ ذلك المُصَنِّفُ وغيرُه.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 242

وَعَنْهُ، لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 245

فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وعَاءَهَا، وَوكَاءَهَا، وَقَدْرَهَا، وَجنْسَهَا، وَصِفَتَهَا. وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وجْدَانِهَا، وَالإشْهَادُ عَلَيهَا.

ــ

قوله: ولا يجوزُ التَّصَرُّفُ في اللُّقَطَةِ حتى يعْرِفَ وعاءَها، ووكاءَها، وقَدْرَها، وجنْسَها، وصِفَتَها، ويُسْتَحَبُّ ذلك عندَ وجْدانِها. الأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذلك عندَ التِقاطِها، وإنْ أخَّرَ مَعْرِفَةَ ذلك إلى مَجِئِ صاحِبِها، جازَ، فإنْ لم يجِئْ، وأرادَ التَّصَرُّفَ فيها بعدَ الحَوْلِ، لم يجُزْ حتى يَعْرِفَ صِفَتَها، وكذلك إنْ أرادَ خَلْطَها بمالِه على وَجْهٍ لا تتمَيَّزُ. وقال في «المُغْنِي» (1): تجِبُ حالةَ الأخْذِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وحالةَ إرادَةِ التَّصَرُّفِ وُجُوبًا مُضَيَّقًا.

(1) المغني 8/ 308.

ص: 247

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: الوعاءُ هو ظَرْفُها. والوكاءُ، هو الخَيطُ الذي تُشَدُّ به. والعِفاصُ، قال في «المُسْتَوْعِبِ»: هو الشَّدُّ والعَقْدُ. وقيل: هو صِمامُ القارُورَةِ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، أنَّه الصُّرَّةُ، وهو ظَرْفُها. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو الوعاءُ الذي تكونُ فيه؛ مِن خِرْقَةٍ أو غيرِها. [وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: الوكاءُ، ما يُشَدُّ به. والعِفاصُ، هو صِفَةُ شدِّه وعقْدِه. وقيل: بل سِدادَةُ القارُورَةِ. وقيل: بل الوعاءُ. انتهى](1). قال الحارثيُّ: العِفاصُ مَقُولٌ على الوعاءِ، وورَد، احْفَظْ عِفاصَها ووعاءَها. والعِفاصُ في هذه الرِّوايَةِ، صِمامُ القارُورَةِ، أي الجِلْدُ المَجْعُولُ على رأْسِها، يُقالُ عليه أيضًا، فيَتَعَرَّفُ الوعاءَ، كِيسًا هو، أو غيرَ ذلك، وهل هو مِن خِرَقٍ أو جُلُودٍ أو وَرَقٍ؟ وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويتَعَرَّفُ، هل هو إبْرَيسَمٌ، أو كَتَّانٌ؟ وإنْ كان ثِيابًا، تُعَرَّفُ لَفائِفُها، أو مائِعًا، يُتَعرَّفُ ظَرْفُه، خِرَقٌ، أو خَشبٌ، أو جِلْدٌ. ويُتعَرَّفُ الوكاءُ، وهو ما يُرْبَطُ به، أَسَيرٌ، أم خَيطٌ، أم شَرَّابَةٌ؟ قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما: ويُتَعَرَّفُ الرَّبْطُ، هل هو عُقْدَةٌ أو عُقْدَتان، وأُنْشُوطَةٌ أو غيرُها؟

(1) سقط من: الأصل.

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: والإشْهادُ عليها. يعْنِي، يُسْتَحَبُّ الإشْهادُ عليها، ويكُونان عَدْلَين. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: قاله. كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَشْهورُ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائق» ، وغيرِهم. وقيل: يجِبُ الإشْهادُ. اخْتارَ أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» ، وابنُ أبِي مُوسى. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ. قال في «الفائقِ» : وهو المَنْصوصُ.

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: يكونُ الإشْهادُ عليها لا على صِفَتِها. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وقيل: يكونُ عليها وعلى صِفَتِها. ويحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ.

ص: 250

فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا، لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيهِ بِنَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ، وَزِيَادَتُهَا الْمُنْفَصِلَةُ لِمَالِكهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلوَاجِدِهَا بَعْدَهُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَينِ.

ــ

قوله: فمتى جاءَ طالِبُها فوصَفَها، لَزِمَه دَفْعُها إليه. يعْنِي، مِن غيرِ بَيِّنَةٍ ولا يَمِينٍ، بلا نِزاعٍ، وسواءٌ غلَب على ظَنِّه صِدْقُه أوْ لا؟ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ،

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يدْفَعُها إليه إذا وصَفَها إلَّا مع ظَنِّ صِدْقِه. قدَّمه في «الرّعايَةِ الكُبْرَى» . وقال في «المُبْهِجِ» ، و «التَّبْصِرَةِ»: جازَ الدَّفْعُ. ونقَل ابنُ هانِيء، ويُوسُفُ بنُ مُوسى، لا بأْسَ به.

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ فيما إذا وصَفَها فقط، أمَّا إذا قامَتْ له بَيِّنَةٌ بذلك، لَزِمَه دَفْعُها. وهو واضِحٌ.

فائدة: قال الحارِثِيُّ: إذا قُلْنا بوُجوبِ الدَّفْعِ إذا وصَفَها، فقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ، والقاسِمُ بنُ الحَسَنِ بنِ الحدَّادِ، في كتُبِهم الخِلافِيَّةِ (1): إذا وصَف العِفاصَ والوكاءَ والعدَدَ، لَزِمَ الدَّفْعُ. ونصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مُشَيشٍ. وقال أبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ: إذا جاءَ بالصِّفَةِ والوَزْنِ، جازَ الدَّفْعُ إليه.

(1) في ط: «الخلاف» .

ص: 253

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وزِيادَتُها المُنْفَصِلَةُ لمالِكِها قبلَ الحَوْلِ، ولواجِدِها بعدَه، في أصَحِّ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. وصحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الكافِي» . والوَجْهُ الثَّاني، تكونُ لصاحِبِها أيضًا. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير» . وهما رِوايَتان في «التَّرْغيبِ» ، و «التَّلْخيصِ» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . قال في «الهِدايَةِ» ، وتَبِعَه في «المُسْتَوْعِب» ، بعدَ أنْ أطْلَقَ الوَجْهَين: بِناءً على

ص: 254

وَإنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَمْ يَضْمَنْهَا، وَإنْ كَانَ بَعْدَهُ ضَمِنَهَا.

ــ

الأبِ إذا اسْتَرْجَعَ العَينَ المَوْهوبَةَ. وقال أبو الخَطَّابِ أيضًا، عن الوَجْهِ الثَّاني: بِناءً على المُفْلِسِ. وقال الحارِثِيُّ: ما مَبْنِيَّان على الخِلافِ في مِثْلِه في المَبِيعِ المُرْتجَعِ مِنَ المُفْلِسِ، والمَوْهُوبِ المُرْتَجَعِ مِنَ الوَلَدِ. انتهى. قلتُ: أمَّا الزِّيادَةُ المُنْفَصِلَةُ في العَينِ المَوْهوبَةِ إذا رجَع فيها الأبُ، فإنَّها للوَلَدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، على ما يأْتِي في الهِبَةِ. وأمَّا الزِّيادَةُ المُنْفَصِلَةُ في المَبِيعِ المأْخُوذ مِنَ المُفْلِسِ، فالخِلافُ فيها قَويٌّ، والمذهبُ أنَّها للبائعِ. واخْتارَ المُصَنفُ وغيرُه أنَّها للمُفْلِسِ، على ما تقدَّم. وأمَّا الزِّيادَةُ المُتصِلَةُ فهي لمالِكِها على كلِّ حالٍ.

قوله: وإنْ تَلِفَتْ، أو نقَصَتْ قبلَ الحَوْلِ، لم يضْمَنْها. مُرادُه، إذا لم يُفَرِّطْ؛

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنَّها أمانَةٌ في يَدِه. وإنْ كان بعدَه، ضَمِنَها، ولو لم يُفَرِّطْ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونَصَرُوه. وعنه، لا يضْمَنُها، إذا تَلِفَتْ. حكَى ابنُ أبِي مُوسى، عن أحمدَ، أنَّه لَوَّحَ في مَوْضِعٍ، إذا أنْفَقَها بعدَ الحَوْلِ والتَّعْريفِ، لم يضْمَنْها؛ لحَديثِ عِياضِ بنِ حمارٍ. وقيل: ولا يرُدُّها إنْ كانتْ باقِيَةً.

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ هذا، إذا قُلْنا: يمْلِكُها بعدَ الحَوْلِ. فأمَّا على القَوْلِ بعدَمِ المِلْكِ، فإنَّه لا يضْمَنُها إذا لم يُفَرِّطْ، بل حُكْمُها حُكْمُ الحَوْلِ الأوَّلِ.

فوائد؛ الأُولَى، لو قال مالِكُ اللُّقَطَةِ، بعدَ التَّلَفِ، للمُلْتَقِطِ: أخَذْتَها لتَذْهَبَ بها. وقال المُلْتَقِطُ: بل لأُعَرِّفَها. فالقَوْلُ قولُ المُلْتَقِطِ. ذكَرَه المَجْدُ في

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«شَرْحِه» . نقَلَه عنه الحارِثِيُّ، آخِرَ البابِ. الثَّانيةُ، إذا تصَرَّفَ في اللُّقَطَةِ بعدَ الحَولِ؛ فإنْ كانَتْ مِثْليَّةً، ضَمِنَها بمِثْلِها، وإنْ لم تكُنْ مِثْلِيَّةً، ضَمِنَها بقِيمَتِها يومَ عرَف رَبَّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَبْدُوسٍ، وغيرُهما. وجزَم به في «المُحَرَّر» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يضْمَنُها بقِيمَتِها يومَ ملَكَها. قطَع به ابنُ أبِي مُوسى، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وصحَّحه في «الفائقِ» . وقدَّمه في «الرَّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وأطْلَقَهما الحارثيُّ في «شرْحِه». وقيل: يضْمَنُها بقِيمَتِها يومَ غَرِمَ بدَلَها. الثَّالثةُ، لو أدْرَكَها ربُّها بعدَ الحَوْلِ مَبِيعَةً، أو مَوْهُوبَة، فليس له إلَّا البدَلُ، كما في التَّلَفِ، ولو أدْرَكَها في زَمَنِ الخِيارِ، فوَجْهان؛ أصحُّهما، وُجوبُ الفَسْخِ والرَّدِّ إليه. قاله الحارِثيُّ. وجزَم به في «الكافِي» ، و «الرِّعايَةِ» والوَجْة الثَّاني، عدَمُ الوُجوبِ. وهو قَويٌّ في النَّظَرِ؛ لأنَّ المِلْكَ ينْتَقِلُ إلى المُشتَرِي، زَمَنَ الخِيارِ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. ولو كان عادَ إليه بفَسْخٍ أو شِراءٍ، أو غيرِ

ص: 258

وَإنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ، قُسِمَتْ بَينَهُمَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ، وفَىِ الْآخَرِ يُقْرَعُ بَينَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا.

ــ

ذلك، أخَذَه المالِكُ. قطَع به الحارِثِيُّ. ولو أدْرَكَه مَرْهُونًا، ملَك انْتِزاعَه؛ لقِيامِ مِلْكِه، وانْتِفاءِ إذْنِه في الرَّهْنِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: يتَوَجَّهُ عدَمُ الانتِزاعِ؛ لتَعَلُّقِ حقِّ المُرْتَهِنِ به. الرَّابعَةُ، تدْخُلُ اللُّقَطَةُ في مِلْكِ المُلْتَقِطِ مِن غيرِ عِوَض يثْبُتُ في الذِّمَّةِ، وإنَّما يتَجَدَّدُ وُجوبُ العِوَضِ بظُهورِ المالِكِ، كما يتَجَدَّدُ به زَوالُ المِلْكِ عن العَينِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه الحارِثِيُّ، ونصَرَه. وقال القاضي: إنَّما يمْلِكُ بعِوَضٍ كالقَرْضِ. ثم قال: إنما تجِبُ القِيمَةُ بحُضورِ المالِكِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا تَناقُضٌ. وقال: ما قاله القاضي، وكثيرٌ مِن أصحابِه قاله الزَّرْكَشيُّ.

قوله: وإنْ وصَفَها اثْنان، قُسِمَتْ بينَهما، في أحَدِ الوَجْهين. وكذا قال في

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُذْهَب» ، وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «القَواعِدِ» ، في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والتِّسْعِين» .

وَفِي الآخَرِ، يُقْرَعُ بينَهما، فمَن قرَع صاحِبَه، حلَف وأخَذَها. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: والمذهبُ القُرْعَةُ، ودفْعُها إلى القارِعِ مع يَمِينِه. نصَّ عليه. وذكَرَه المُصَنِّفُ في «كِتابَيه» . وبه جزَم القاضي، وابنُ عَقِيل، كما في تَداعِي الوَدِيعَةِ. قال الشَّارِحُ: وهذا أشْبَهُ بأصولِنا فيما إذا تَداعَيا عَيْنًا في يَدِ غيرِهما. انتهى. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» . وصحَّحه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، وقال: هذا أقْيَسُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، في «القاعِدَةِ السِّتِّينْ بعدَ المائَةِ» .

تنبيه: محَلُّ هذا، إذا وصَفاها معًا، أو وصَفَها الثَّانيَ قبلَ دَفْعِها إلى الأوَّلِ، أمَّا إذا وصَفَها واحدٌ، ودُفِعَتْ إليه، ثم وصَفَها آخَرُ، فإنَّ الثَّاني لا يسْتَحِقُّ شيئًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «شَرْحِ الحارِثيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» غيرِه، وعليه الأصحابُ. وقال أبو يَعلَى الصَّغِيرُ: إنْ زادَ في وَصْفِها، احْتَمَلَ تخْرِيجُه على بَيِّنةِ النِّتاجِ والنِّساجِ، فإنْ رجَّحْنا به هناك رجَّحْنا به هنا.

فائدتان؛ إحداهما، لو ادَّعاها كلُّ واحدٍ منهما، فوصَفَها أحدُهما دُونَ الآخَرِ، حلَف وأخَذَها. ذكَرَه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ» ومِثْلُه وَصْفُه مَغصُوبًا

ص: 260

وَإنْ أَقَامَ آخَرُ بَيَّنةً أنَّهَا لَهُ، أَخَذَهَا مِنَ الْوَاصِفِ، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنَ الْوَاصِفِ أَوْ الدَّافِعِ إِلَيهِ،

ــ

ومَسْرُوقًا. ذكَره في «عُيونِ المَسائل» ، والقاضي، وأصحابُه على قِياسِ قَوْلِه: إذا اخْتَلَف المُؤْجِرُ والمُسْتَأْجِرُ في دِفْنٍ في (1) الدَّارِ، فمَن وصَفَه فهو له. وقيل: لا. كوَدِيعةٍ، وعارِيَّةٍ، ورَهْنٍ، وغيرِه؛ لأنَّ اليَدَ دليلُ المِلْكِ، ولا تتَعَذَّرُ البَيِّنَةُ. الثَّانيةُ، يلْزَمُ مُدَّعِي اللُّقَطَةِ، مع صِفَتِها، أنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بالْتِقاطِ العَبْدِ لها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّ إقْرارَ العَبْدِ لا يصِحُّ فيما يتَعَلَّقُ برَقَبَتِه. صحَّحه في «المُسْتَوْعِب». وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يلْزَمُه.

قوله: وإنْ أقامَ آخَرُ بَيِّنَةً أنَّها له، أخَذَها مِنَ الواصِفِ، فإنْ تَلِفَتْ، ضَمَّنَها مَن شاءَ مِنَ الواصِفِ أو الدَّافِعِ إليه -وهو المُلْتَقِطُ- إلَّا أَنْ يدْفَعَها بحُكْمِ حَاكِمٍ، فَلا ضَمانَ علَيه. إنْ دَفَعَها إلى الواصِفِ بحُكْمِ حاكِمٍ، فلا ضمانَ عليه، قوْلًا واحِدًا. وإنْ لم يكُنْ بحُكْمِ حاكِمٍ، فقدَّم المُصَنِّفُ أنَّه مُخَيَّرٌ بينَ تَضْمِينِ الواصِفِ

(1) سقط من: الأصل، ا.

ص: 261

إلا أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيهِ. وَمَتَى ضَمِنَ الدَّافِعُ، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ.

ــ

والدَّافِعِ، وهو أحدُ الوَجْهَين. قال الحارِثِيُّ: هو قَوْلُ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. قلتُ: منهم القاضي. ذكَرَه في «القَواعِدِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» [فإنْ ضَمَّنَ الدَّافِعَ، رجَع على الواصِفِ، إلَّا أنْ يكونَ قد أقَرَّ له بالمِلْك. قاله في «القَواعِدِ»، وغيرِه](1). وقيل: لا يلْزَمُ المُلْتَقِطُ شيءٌ، إذا قُلْنا بوُجوبِ الدَّفْعِ إليه. وهو تَخْرِيجٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ؛ لأنَّه فعَل ما أُمِرَ به، ولا مَنْدُوحَةَ عنه، كما لو كان بقَضاءِ قاضٍ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحَ.

تنبيه: قوْلُه: ومتى ضَمِنَ الدَّافِعُ، رجَع على الواصِفِ. مُرادُه، إذا لم يعْتَرِفْ له بالمِلْك. فأمَّا إنِ اعْتَرفَ له بالمِلْكِ، فإنَّه لا يرْجِعُ عليه أَلْبَتَّةَ.

(1) زيادة من: ا.

ص: 262

فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَينَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَو فَقِيرًا، مُسْلِمًا أَو كَافِرًا، عَدْلًا أَو فَاسِقًا، تَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيها. وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا.

ــ

قوله: ولا فرْقَ بينَ كَوْنِ المُلْتَقِطِ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا، مُسْلِمًا أوْ كافِرًا، عَدْلًا أوْ فاسِقًا، يأْمَنُ نَفْسَه عليها. وهذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «الفُروعِ». قال ابنُ مُنْجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. قال

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الخُلاصَةِ» : فإنْ كان الفاسِقُ لا يُؤْمَنُ على تَعْريفِها، ضُمَّ إليه أمِينٌ. انتهى. وقيل: يُضَمُّ إلى الفاسِقِ أمِينٌ في تعْريفِها وحِفْظِها. قطَع به القاضي، وابنُ عَقيلٍ، وأبو الحَسَنِ ابنُ البَنَّا، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ،

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الكافِي» ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ». قال في «الفائقِ»: ويُضَمُّ إلى الفاسِقِ أمِينٌ في أصحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه الحارِثِيُّ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ: وإنْ عَلِمَ الحاكِمُ أو السُّلْطانُ بها، أقَرَّها في يَدِه، وضمَّ إليه مُشْرِفًا يُشْرِفُ عليه، ويتَوَلَّى تعْرِيفَها وقيل: يُضَمُّ إلى الذِّمِّيِّ عَدْلٌ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: إنْ عَلِمَ بها الحاكِمُ، أقَرَّها في يَدِه، وضمَّ إليه مُشْرِفًا عَدْلًا يُشْرِفُ عليه، ويُعَرِّفُها. قال الحارِثِيُّ: ولابُدَّ مِن مُشْرِفٍ يُشْرِفُ عليه. وقيل: تُنْزَعُ لُقَطَةُ الذِّمِّيِّ [مِن يَدِه](1)، وتُوضَعُ على يَدِ عَدْلٍ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .

(1) سقط من: الأصل.

ص: 267

وَإنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ أَوْ سَفِيهٌ، قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا، فَإِذَا عَرَّفَهَا، فَهِيَ لِوَاجِدِهَا.

ــ

قوله: وإنْ وجَدَها صَبِيٌّ أوْ سَفِيهٌ، قامَ وَليُّه بتَعْريفِها، فإذا عَرَّفَها، فهي

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لواجدِها. وكذا المَجْنونُ. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم.

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، قال الأصحابُ: يضْمَنُ الوَلِيُّ إنْ أبْقاها بيَدِ الصَّبِيِّ بعدَ عِلْمِه؛ وإنْ تَلِفَتْ في يَدِ أحَدِهما بغيرِ تَفْريطٍ، فلا ضَمانَ عليه، وإنْ تَلِفَتْ بتَفْريطِه،

ص: 270

وَإنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ، فَلِسَيِّدِهِ أَخذُهَا مِنْهُ وَتَرْكُهَا مَعَهُ، يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَإنْ لَمْ يَأْمَنِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ عَلَيها، لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ، وَإنْ أَتلَفَهَا بَعْدَهُ، فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ.

ــ

ضَمِنَها في مالِه. نصَّ عليه في صَبِيٍّ كإتْلافِه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» . وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وفي «المُنْتَخَبِ» وغيرِه، لا يضْمَنُ. الثَّانيةُ، لو كان الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا، فعَرَّفَ، قال الحارِثِيُّ: فظاهِرُ كلامِه في «المُغْنِي» عدَمُ الإجْزاءِ. والأظْهَرُ الإجْزاءُ؛ لأنَّه يعْقِلُ التَّعْريفَ، فالمَقْصودُ حاصِلٌ. واقْتَصرَ على كلامِهما في «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» .

قوله: وإنْ وجَدَها عَبْدٌ، فلسَيِّدِه أخْذُها منه وتَرْكُها معه، ويتَوَلَّى تَعْرِيفَها إذا كان عَدْلًا. للعَبْدِ أنْ يلْتَقِطَ، وأنْ يُعَرِّفَها مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. قال في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ»: له ذلك في الأَصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: يصِحُّ

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التِقاطُه، على المذهبِ. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِب» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ». وقيل: ليس له ذلك بغيرِ إذْنِ السَّيِّدِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وهو رِوايَةٌ ذكَرَها الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه. وجزَم به في «البُلْغَةِ». قال الحارِثِيُّ: وعن أبي بَكْرٍ، يتَوقَّفُ التِقاطُه على إذْنِ السَّيِّدِ. ذكَرَه السَّامَريُّ؛ أخْذًا مِن قوْل في «التَّنْبِيهِ»: إذا الْتقَطَ العَبْدُ، فَضاعَتْ منه أو أتْلَفَها، ضَمِنَها. قال: فسَوَّى بينَ الإتْلافِ والضَّياعِ، ولم يُفَرِّقْ بينَ الحَوْلِ وبعدَه، فدَلَّ على عدَمِ الصِّحَّةِ بدُونِ إذْنٍ. قال الحارِثِي: وفي اسْتِنْباطِ السَّامَرِّي نظَرٌ (1).

قوله: فإنْ أتْلَفَها قبلَ الحَوْلِ، فهي في رَقَبَتِه -بلا نِزاعٍ- وانْ أتْلَفَها بعدَه، فهي في ذِمَّتِه. هذا أحدُ القَوْلَين. نصَّ عليه. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «الفائقِ» ، وغيرهم. قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ»: إذا أتْلَفَها بعدَ الحَولِ، ففي ذِمَّتِه، على الأظْهَرِ. ويأْتِي كلامُ الزَّرْكَشِيِّ علي هذا القَوْلِ. وقيل: إنْ أتْلَفَها بعدَ الحَوْلِ؛ فإنْ قُلْنا: يمْلِكُها. فهي في ذِمَّتِه، وإن قُلْنا: لا يمْلِكُها. فهي في رَقَبَتِه. وهذا المذهبُ على ما يأْتِي. واعلمْ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّ العَبْدَ، هل يحْصُلُ له المِلْكُ مِن غيرِ تَمْليكِ سيِّدِه، أم لا؟ فيه خِلافٌ سبَق في أوَّلِ كتابِ الزَّكاةِ، عندَ الفَوائدِ التي ذُكِرَتْ هناك. فمتى أتْلَفَها، أو فرَّطَ حتى تَلِفَتْ؛ فإنْ كان قبلَ الحَوْلِ، فهي في رقَبَتِه. نصَّ عليه، وعلى السَّيِّدِ الفِداءُ أو التَّسْلِيمُ، وإنْ كان بعدَه؛ فإن قُلنا: يمْلِكُها. فهي في ذِمَّتِه، وإن قُلْنا: لا يمْلِكُها. فهي في رَقَبَتِه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروع». قال الحارِثيُّ: وهذا إنَّما يتَّجِهُ على تَقْدِيرِ أنَّ السَّيِّدَ لم يمْلِكْ؛ لكَوْنِه لم يتَمَلَّكْ، اسْتِنادًا إلى تَوَقُّفِ المِلْكِ على التَّمَلُّك. وفيه بُعْدٌ. وقال في «الشَّرْحِ» أيضًا: ويصْلُحُ أنْ ينْبَنِي على اسْتِدانَةِ العَبْدِ، هل تتَعلَّقُ برَقَبَتِه أو ذمَّتِه؟ علي رِوايتَين. قال الحارِثِيُّ: وهو تَخْريجٌ حَسَنٌ؛ لشِبْهِ الغُرْمِ بعدَ الإنْفاقِ بأداءِ المُقتَرَضِ. وقال أبو بَكْرٍ، في «زادِ المُسافِرِ»: لأبي عَبْدِ اللهِ في ضَمانِ ما أتْلَفَه العَبْدُ قوْلان، أي رِوايَتان؛ إحْداهما، في رَقَبَتِه كالجِنايَةِ. والأُخْرَى، في ذمَّتِه. وبالأَوَّلِ أقولُ. قال السَّامَرِّيُّ: ولم يُفَرِّقْ قبلَ الحوْلِ وبعدَه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يتَّجِهُ الفرْقُ في التَّعَلُّقِ

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالرَّقبَةِ بينَ ما قبلَ الحوْلِ وبعدَه. قال الحارِثِيُّ: وهذا ضعيفٌ جدًّا. انتهى. وقال الزَّرْكَشِيُّ، عن كلامِ المُصَنِّفِ هنا، ومَن تابعَه: كلامُهم مُتَوَجِّهٌ، إنْ قُلْنا: إنَّ العَبْدَ يمْلِكُ. وإنْ قُلنا: المِلْكُ للسَّيِّدِ، كما صرَّح به أبو محمدٍ، واقْتَضاه كلامُ صاحِبِ «التَّلْخيص» وغيرِه، فالجِنايَةُ على مالِ السَّيِّدِ، فلا تتَعَلَّقُ بذِمَّتِه، ولا

ص: 274

وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَهِيَ بَينَهُ وَبَينَ سَيِّدِهِ، إلا أَنْ يَكُونَ بَينَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَهَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأةِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

برَقبَتِه، بلِ الذي ينْبَغِي، أن تتعَلَّقَ بذِمَّةِ السَّيِّدِ، وإنْ قيل: إنَّ العَبْدَ لا يمْلِكُ ولا السَّيِّدَ. تعَيَّنَ. التَّعَلُّقُ برَقبَتِه، كجِنايَتِه (1). انتهى. وقال في «الكافِي»: وإنْ أتْلفَها العَبْدُ، فحُكمُ ذلك حُكْمُ جِنابَتِه. انتهى. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، جِنايَتُه في رَقَبَتِه، وإنْ خرَق ثوْبَ رجُلٍ، فهو دينٌ عليه.

قوله: والمُكاتبُ كالحُرِّ. بلا نِزاعٍ. والمُدَبَّرُ، والمُعَلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ، وأمُّ الوَلَدِ، كالعَبْدِ، بلا نِزاعٍ أيضًا.

قوله: ومَن بعضُه حُرٌّ، فهي بينَه وبينَ سَيِّدِه، إلَّا أنْ يكُونَ بينَهما مُهايَأَةٌ، فهل تدْخُلُ فِي المهايَأةِ؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، لا تدْخُلُ في المُهايَأَةِ، بل تكونُ بينَه وبينَ سَيِّدِه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وقدَّمه في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، تدْخُلُ في المُهايَأَةِ، فإذا وجَدَها في نَوْبَةِ أحَدِهما، فهي له. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» .

فائدة: وكذا الحُكْمُ في النَّادِرِ مِن (1) كَسْبِ المُعْتَقِ بعضُه؛ كالهِبَةِ، والهَدِيَّةِ، والوَصِيَّةِ، ونحوها، خِلافًا ومذهبًا.

تنبيه: الخِلافُ هنا، مَبْنِيٌّ على الخِلافِ في دُخولِ نَوادِرِ (2) الأكسابِ؛ كالوَصِيَّةِ، والهَدِيَّةِ، والرِّكازِ. قال الحارِثِيُّ.

فوائد؛ منها، لو وجَد لُقَطَةً في غيرِ طريقٍ مَأْتِيٍّ، فهي لُقَطَةٌ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفائقِ» . واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أنَّه كالرِّكازِ. واخْتارَه في «الفائقِ» ، وجعَلَه في «الفُروعِ» توْجيهًا له. ومنها، لو أُخِذَ مَتاعُه، أو ثَوْبُه، وتُرِكَ له بدَلُه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّه لُقَطَةٌ. نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ القاسِمِ، وابنِ بخْتانَ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «ابنِ رَزِينٍ» ، و «الفُروعِ» ،

(1) في الأصل: «ضمن» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يُعَرِّفُه مع قَرينَةِ سَرِقَةٍ. وهو احْتِمالٌ للمُصنِّفِ. قلتُ: وهو عَينُ الصَّوابِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا حَسَن. وقال: قد يُقالُ فيه بمَعْنى مسْأَلَةِ الظَّفَرِ. ومذهبُ أحمدَ، منْعُ الأخْذِ فيها. فعليها، هل يتَصَدَّقُ به (1) بعدَ تَعْرِيفِه؟ إنْ قُلْنا: يُعَرفُه، أو يأْخُذُ حَقَّه بنَفْسِه، أو بإذْنِ حاكِمٍ. فيه أوْجُهٌ. وأطْلَقَهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» . قال المُصَنِّفُ، وتابعَه الشَّارِحُ: القَوْلُ بأخْذِ حَقِّه بنَفْسِه أقْرَبُ إلى الرِّفْقِ بالنَّاسِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا قَويٌّ على أصْلِ مَن يرَى أنَّ العَقْدَ لا يتَوَقَّفُ على اللَّفْظِ، أمَّا على التَّوَقُّفِ، فلا يُكْتَفَى بمِثْلِ هذا. قال: وبالجُمْلَةِ، فالأظْهَرُ الجَوازُ. ورجَّحَه المُصَنفُ. ومنها، لو وجَد في جَوْفِ حَيوانٍ دُرَّةً، أو نَقْدًا، فهو لُقَطَة لواجِدِه. على الصَّحيحِ مِنَ الِمذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وصحَّحه. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، تكونُ لُقَطَةً (2) للبائعِ إنِ ادَّعَاه، إلا أنْ يدَّعىَ المُشْتَرِي أنَّه أكَلَه عندَه، فهو له. فأمَّا إنْ كانتِ الدُّرَّةُ غيرَ مثْقُوبَةٍ في السَّمَكَةِ، فهي للصَّيَّادِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ ابْتلاعُها مِن مَعْدِنِها. ومنها، لو وجَد لُقَظةً بدارِ الحَرْبِ وهو في الجَيشِ، عرَّفَها، ثم وضَعَها في المَغْنَمِ. نصَّ عليه. وإنْ كان دخَل بأمانٍ، عرَّفَها، ثم هي له، إلَّا أنْ يكونَ في جَيشٍ، فهي كالتي قبلَها. وإنْ دخَل مُتَلَصِّصًا، عرَّفَها، ثم هي كالغنِيمَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويحْتَمِلُ أنْ تكونَ له مِن غيرِ تَعْريفٍ. ذكَرَه المُصَنِّفُ. قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ، وكيفَ يُعَرِّفُ ذلك؟

(1) سقط من: الأصل.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها، مُؤْنَةُ رَدِّ اللُّقَطَةِ على رَبِّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقاله القاضي في «التَّعْلِيقِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، لتَبرُّعِه. ومَعْناه في «شَرْحِ المَجْدِ» ، في عدَمِ سُقوطِ الزَّكاةِ بتَلَفِ المالِ قبلَ التَّمَكُّنِ. وقال في «التَّرْغيبِ» ، و «الرِّعايَةِ»: مُؤْنَةُ الرَّدِّ على المُلْتَقِطِ. ومنها، ضَمانُها بمَوْتِه، كالوَدِيعَةِ. وقيل: به بعدَ الحَوْلِ، ووارِثُه كهُوَ. ومنها، الالْتِقاطُ يشْتَمِلُ على أمانَةٍ واكْتِسابٍ. قال الحارِثِيُّ: وللنَّاسِ خِلافٌ في المُغلَّبِ منهما؛ منهم مَن قال: الكَسْبُ. ووَجَّه بأنَّه ملاكُ (1) الأمْرِ. ومنهم مَن قال: الأمانَةُ. وهو الصَّحيحُ؛ لأنَّ المَقْصودَ إيصالُ الشيءِ إلى أهْلِه، ولأجْلِه شُرِعَ الحِفْظُ والتَعْريف أوَّلًا والمِلْكُ آخِرًا، عندَ ضَعْفِ التَّرَجِّي للمالِكِ. ومنها، لو اسْتَيقَظَ فوجَد في ثَوْبِه دَراهِمَ، لا يعْلَمُ مَن صَرَّها، فهي له، ولا تَعْريفَ. ولأحمدَ نصٌّ يُوجِبُ التعْرِيفَ وينْفِي المِلْكَ. ومنها، لو ألْقَتِ الرِّيحُ إلى دارِه ثَوْبَ إنْسانٍ؛ فإنْ جَهِلَ المالِكَ، فلُقَطَةٌ، وإنْ عَلِمَه، دفَعَه إليه، فإنْ لم يفْعَلْ، ضَمِنَ بحَبْسِ مالِ الغيرِ مِن غيرِ إذْنٍ ولا تَعْريفٍ. ومنها، لو سقَط طائرٌ في دارِه، فقال في «المُغْنِي»: لا يلْزَمُه حِفْظُه ولا إعْلامُ صاحِبِه؛ لأنَّه مَحْفوظٌ بنَفْسِه، وهذا ما لم ينْقَطِعْ عنه، أمَّا إنِ انْقَطَع، وجَب حِفظُه والدَّفْعُ إليه؛ لأنَّه ضائعٌ عنه.

(1) في الأصل، ا:«مآل» .

ص: 278