المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الْوَقْفِ وَهُوَ تَحْبِيسُ الأصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ. ــ كتابُ الوَقْفِ قوله: وهو تَحْبِيسُ الأصْلِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٦

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الْوَقْفِ وَهُوَ تَحْبِيسُ الأصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ. ــ كتابُ الوَقْفِ قوله: وهو تَحْبِيسُ الأصْلِ

‌كتابُ الْوَقْفِ

وَهُوَ تَحْبِيسُ الأصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ.

ــ

كتابُ الوَقْفِ

قوله: وهو تَحْبِيسُ الأصْلِ وتَسْبِيلُ المنْفَعَةِ. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال الزرْكَشِيُّ: وأرادَ مَن حَدَّ بهذا الحَدِّ، مع شُروطِه المُعْتَبَرَةِ، وأدْخَلَ غيرُهم الشروطَ في الحَدِّ. انتهى. وقال في «المُطْلِعِ»: وحَدُّ

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفِ لم يجْمَعْ شُروطَ الوَقْفِ، وحدَّه غيرُه، فقال: تَحْبِيسُ مالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ماله المُنْتَفَعَ به مع بَقاءِ عَينه، بقَطْعِ تصَرُّفِ الواقِفِ في رقَبَتِه، يُصْرَف رِيعُه إلى جِهَةِ برٍّ؛ تقَرُّبًا إلى الله تعالى. انتهى. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وأقْرَبُ

ص: 362

وَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أنهُ يَحْصُل بِالقوْلِ والفِعْلِ الدَّال عَلَيهِ؛ مِثْلَ أنْ يبنِيَ مَسْجِدًا وَيَأذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، أوْ يَجْعَلَ أرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أوْ سِقَايَةً وَيَشرَعَهَا لَهُمْ. وَالأُخْرَى، لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ.

ــ

الحُدودِ في الوَقْفِ، أنَّه كلُّ عَينٍ تجوزُ عارِيَّتُها. فأدخَلَ في حدِّه أشياءَ كثيرةً لا يجوزُ وَقْفُها عندَ الإِمامِ أحمدَ، والأصحابِ، يأتي حُكْمُها.

قوله: وفيه رِوايَتان؛ إحْداهما، أنَّه يَحْصُلُ بالقَوْلِ والفِعْلِ الدَّالِ عليه. كما مَثَّلَ به المُصَنِّفُ. وهذا المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: مذهبُ أبي عبدِ اللهِ، انْعِقادُ الوَقْفِ

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به، وعليه الأصحابُ. انتهى. وجزَم به في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، و «رُءُوسِ المَسائلِ» للقاضي، و «رُءُوسِ المَسائِل» لأبِي الخَطَّابِ، و «الكافِي» ، و «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. والروايَةُ الأخْرَى، لا يصِحُّ إلَّا بالقَوْلِ وَحْدَه، كما مثَّلَ المُصَنِّفُ. ذكَرَها القاضي في «المُجَرَّدِ» ، واخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ. ومنَع المُصَنِّفُ دلالتَها، وجعَل المذهبَ رِوايَةً واحدَةً، وكذلك الحارِثِيُّ.

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: قال في «المُطْلِعِ» : السقايَةُ، بكَسْرِ السِّينِ، المَوْضِعُ الذي يُتَّخَذُ فيه الشرابُ في المَواسِمِ وغيرِها. عن ابنِ عبَّادٍ (1)، قال: والمُرادُ هنا بالسِّقايَةِ؛ البَيتُ المَبْنيُّ لقَضاءِ حاجَةِ الإنْسانِ، سُمِّيَ بذلك تَشْبِيهًا بذلك. قال: ولم أرَه مَنْصُوصًا عليه في شيءٍ مِن كُتُبِ اللُّغَةِ والغَرِيبِ، إلَّا بمَعْنَى مَوْضِعِ الشَّرابِ، وبمَعْنَى الصُّواعِ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: أرادَ بالسِّقايَةِ مَوْضِعَ التَّطَهُّرِ وقَضاءِ الحاجَةِ، بقَيدِ وُجودِ الماءِ. قال: ولم أجِدْ ذلك في كُتُبِ اللُّغَويين، وإنَّما هي عندَهم مَقُولَةٌ بالاشْتِراكِ على الإنْاءِ الذي يُسْقَى به، وعلى مَوْضِعِ السقْي، أي المَكانِ المُتَّخَذِ به الماءُ. غيرَ أنَّ هذا يُقَربُ ما أرادَ المُصَنِّفُ بقوْلِه: وشرَعَها. أي فتَح بابَها. وقد يُريدُ به مَعْنَى الوُرودِ. انتهى قلتُ: لعَلَّه أرادَ أعَمَّ ممَّا قالا، فيَدْخُل في كلامِه: لو وقَف خابِيَةً للماءِ على الطَّريقِ ونحوه، وبَنَى عليها، ويكونُ ذلك تَسْبِيلًا له. وقد صرَّح بذلك المُصَنف في «المُغْنِي» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِي: لو وقَف سِقَايَةً، ملَك الشُّرْبَ منها، لكِنْ يَرِدُ على ذلك قوْله: ويشْرَعها لهم.

(1) هو إسماعيل بن عباد بن عباس الطالقاني، أبو القاسم المعروف بالصاحب، الوزير الكبير العلامة الأديب الكاتب وزير الملك مؤيد الدولة بويه، له تصانيف منها «المحيط» في اللغة، و «الإمامة» . توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 16/ 511 - 514.

ص: 365

وَصَرِيحُه: وَقَفْتُ، وَحَبَّسْتُ، وَسَبَّلْتُ. وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ، وَحَرَّمْتُ، وَأبدتُ. فَلَا يَصِح الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ إِلا أنْ يَنْويَهُ، أوْ يَقْرِنَ بِهَا أحَدَ الألفَاظِ الْبَاقِيَةِ، أوْ حُكْمَ الْوَقْفِ، فيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ

ــ

تنبيه: قولُه: مِثْلَ أنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا -أي يَبْنِيَ بُنْيانًا على هَيئَةِ المَسْجِدِ- ويَأذَنَ للنَّاسِ في الصلاةِ فيه. أي إذْنًا عامًّا؛ لأنَّ الإذْنَ الخاص قد يقَعُ على غيرِ المَوْقُوفِ، فلا يُفيدُ دلالةَ الوَقْفِ. قاله الحارِثِي.

قوله: وصَرِيحُه: وَقَفْتُ، وحَبَّسْتُ، وسبَّلْتُ. وقَفْتُ، وحَبسْتُ، صرِيح في الوَقْفِ، بلا نِزاعٍ، وهما مُترَادِفان على مَعْنَى الاشْتِراكِ في الرقَبَةِ عنِ التَّصَرُّفاتِ

ص: 366

صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أو مُحَبَّسَةً، أوْ مُسَبَّلَةً، أو مُحَرَّمَةً، أو مُؤبّدَةً، أو لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ.

ــ

المُزِيلَةِ للمِلْك. وأمَّا سَبَّلْتُ، فصَرِيحَة، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال الحارِثِيُّ: والصَّحيحُ أنَّه ليس صَرِيحًا؛ لقَوْلِه عليه أفْضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: «حَبسِ الأصْلَ، وسَبِّلِ الثَّمَرَةَ» (1). غايرَ بينَ مَعْنَى التَّحْبِيسِ، والتَّسْبِيلِ، فامْتنَعَ كوْنُ أحَدِهما صَرِيحًا في الآخَرِ. وقد عُلِمَ كَوْنُ الوَقْفِ هو الإمْساكَ في الرَّقَبَةِ عن أسْبابِ التَّمَلُّكاتِ. والتَّسْبِيلُ إطْلاقُ التَّمْليكِ، فكيفَ يكون صَرِيحًا في الوَقْفِ؟ انتهى.

(1) أخرجه النسائي، في: باب حبس المشاع، من كتاب الأحباس. المجتبى 6/ 193، 194. وابن ماجه، في: باب من وقف، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه 2/ 801.

ص: 367

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وكِنايَتُه: تَصَدَّقْتُ. وحَرَّمْتُ. وأبدْتُ. أما تصَدقْتُ، وحَرمْتُ، فكِنايَةٌ فيه، بلا خِلافٍ أعْلَمُه. وأما أبدْتُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّها مِن ألْفاظِ الكِنايَةِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به الأكثرُ. وذكَر أبو الفَرَجِ، أن أبدْتُ. صَرِيح فيه.

قوله: فلا يَصِحُّ الوَقْفُ بالكِنايَةِ إلَّا أنْ يَنْويَه -بلا نِزاعٍ- أو يَقْرِنَ بها أحَدَ الألفاظِ الباقيةِ -يعْنِي الألفاظَ الخَمْسَةَ مِنَ الصَّريحِ والكِنايَةِ -أو حُكْمَ الوَقَفِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ صَدَقةً مَوْقُوفَةً، أو مُحَبَّسَةً، أو مُسَبَّلَةً، أو مُحَرَّمَةً، أو مُؤبَّدَةً، أو لا تُباعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ. وهذا الصحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وذكَر أبو الفَرَجِ أن قوْلَه: صدَقَةً مَوْقُوفَةً، أو مُؤيدَةً، أو لا تُباعُ. كِنايَة. وقال الحارِثِيُّ: إضافَةُ التَّسْبِيلِ بمُجَرَّدِه إلى الصدَقَةِ لا تفيدُ زَوال الاشْتِراكِ، فإنَّ التَّسْبِيلَ إنَّما يُفِيدُ ما تُفِيدُه الصَّدَقَةُ، أو بعضه، فلا يُفيدُ مَعْنًى زائِدًا. وكذا لو اقْتَصَر على إضافَةِ التأبِيدِ إلى التحْريمِ، لا تفِيدُ الوَقْفَ؛ لأنَّ التَّأبِيدَ قد يُريدُ به دَوامَ التَّحريم؛ فلا يخْلُص اللَّفْظُ عن الاشْتِراكِ. قال: وهذا الصحيحُ. انتهى.

وقد قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لو جعَل عُلْوَ بَيته أو سُفْلَه مَسْجِدًا، صح. وكذا لو جعَل وسْطَ دارِه مَسْجِدًا، ولم يذْكُرْ الاسْتِطْراق، صح كالبَيعِ. قال في «الفُروعِ»: فيتَوجهُ منه الاكتِفاءُ بلَفْظٍ يُشْعِرُ بالمَقْصودِ، وهو أظْهَرُ على أصْلِنا، فيَصِحُّ، جعَلْتُ هذا للمَسْجِدِ، أو في المَسْجِدِ ونحوُه. وهو ظاهِرُ نصُوصِه. وصحح في رِوايةِ يَعْقُوبَ وقْفَ مَن قال: قَرْيتي التي بالثَّغْر لمَوالِيَّ الذين به، ولأوْلادِهم. وقاله شيخُنا، وقال: إذا قال واحدٌ، أو جماعَة: جعَلْنا هذا المَكانَ مسْجِدًا، أو وقفًا. صارَ مسْجِدًا ووَقْفًا بذلك، وإنْ لم يُكْمِلُوا عِمارَتَه.

ص: 368

وَلَا يَصِحُّ إلا بِشرُوطٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدهَا، أنْ يَكونَ فِي عَين يَجُوز بَيعُهَا وَيمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَينهَا؛ كَالْعَقَارِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْأثَاثِ، وَالسِّلَاحِ.

ــ

وإذا قال كلٌّ منهم: جعَلْتُ مِلْكِي للمَسْجِدِ. أو في المَسْجِدِ. ونحوَ ذلك، صارَ بذلك حقًّا للمَسْجِدِ. انتهى.

فائدتان؛ إحْداهما، إذا قال: تصَدَّقتُ بأرْضِي على فُلانٍ، وذكَر مُعَينًا، أو مُعَيَّنين، والنَّظرُ لي أيامَ حياتِي، أو لفُلانٍ، ثم مِن بعدِه لفُلانٍ. كانُ مُفيدًا للوَقْفِ. وكذا لو قال: تصَدَّقْتُ به على فُلانٍ، ثم مِن بعدِه على وَلَدِه، أو على فُلانٍ. أو: تصَدَّقْتُ به على قَبِيلَةِ كذا، أو طائفَةِ كذا كان مُفِيدًا للوَقْفِ؛ لأنَّ ذلك لا يُسْتَعْمَلُ فيما عَداه، فالشرِكَةُ مُنْتَفِيَة. الثَّانيةُ، لو قال: تصَدَّقْتُ بدارِي على فُلانٍ. ثم قال بعدَ ذلك: أرَدْتُ الوَقْفَ. ولم يُصَدِّقه فُلان، لم يُقْبَلْ قوْلُ المُتَصَدِّقِ في الحُكْمِ؛ لأنَّه مُخالِف للظَّاهِرِ. قلتُ: فيُعايىَ بها.

قوله: ولا يَصِحُّ إلا بشُروطٍ أرْبَعَةٍ؛ أحَدُها، أنْ يكونَ في عَينٍ يَجُوزُ بَيعُها، ويُمْكِنُ الانْتِفاعُ بها دائمًا مع بَقاءِ عَينها. يعْنِي، في العُرْفِ، كالإجارَةِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. واعْتَبرَ أبو محمدٍ الجَوْزِي بَقاءً مُتَطاولًا، أدْناه عُمْرُ الحَيوانِ.

قوله: كالعَقارِ، والحَيَوانِ، والأثاثِ، والسِّلاحِ. أمَّا وَقْفُ غيرِ المَنْقولِ،

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيَصِحُّ بلا نِزْاع. وأمَّا وقْفُ المَنْقولِ؛ كالحَيوانِ، والأثاثِ، والسلاحِ، ونحوها، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ صِحَّةُ وقْفِها، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. وعنه، لا يصِحُّ وَقْفُ غيرِ العَقارِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأثرَمِ، وحَنبل. ومنَع

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحارِثِي دَلالةَ هذه الروايَةِ، وجَعَل المذهبَ رِوايةً واحدةً. ونقَل المَروذِيُّ، لا يجوزُ وَقْفُ السِّلاحِ. ذكَرَه أبو بَكْر: وقال في «الإِرْشادِ» : لا يصِح وَقفُ الثيابِ.

ص: 371

وَيَصِحُّ وَقْف الْمُشَاعِ.

ــ

قوله: ويَصِحُّ وَقفُ المُشاعِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً. وفي طريقةِ بعضِ الأصحابِ، ويتَوَجَّهُ مِن عدَمِ صِحَّةِ إجارَةِ المُشاعِ، عدَمُ صِحَّةِ وَقْفِه.

فائدة: قال في «الفُروعِ» : يتَوَجَّهُ أنَّ المُشاعَ لو وقَفَه مسْجِدا، ثبَت فيه حُكْمُ المَسْجِدِ في الحالِ، فيُمنَعُ مِنَ الجُنُبِ، ثم القِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هنا؛ لتَعَيُّنها طريقا للانْتِفاعِ بالمَوْقوفِ. انتهى. وكذا ذكَرَه ابنُ الصَّلاحِ (1).

(1) عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري، الشافعي، أبو عمرو. الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام، وصاحب كتاب «علوم الحديث» . توفي سنة ثلاث وأربعين وسمائة. سير أعلام النبلاء 23/ 140 - 144.

ص: 372

وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحَلْي عَلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيةِ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ.

ــ

قوله: ويَصِحُّ وَقْفُ الحَلْي للُّبْسِ، والعارِيَّةِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّف وغيرُه: هذا المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا الصَّحيحُ. وذكَرَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» عن عامَّةِ الأصحابِ، واخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل، والمُصَنفُ، والشَّارِحُ، في آخَرِين، ونقَلَها الخِرَقِيُّ، وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الفُروعِ» في الحَلْي وغيرِه. وعنه، لا يصِحُّ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، ذكَرَه الحارِثِيُّ. وتأوَّلَها القاضي، وابنُ عَقِيل.

ص: 373

وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الذِّمَّةِ؛ كَعَبْدٍ، وَدَارِ،

ــ

قال في «التلْخيصِ» : وهذه الرِّوايَةُ مَبْنِيَّة على ما حَكَيناه عنه في المَنْعِ في وَقْفِ المَنْقُولِ. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» .

فائدة: لو أطْلَقَ وقْفَ الحَلْي، لم يصِحَّ. قطَع به في «الفائقِ». قلتُ: لو قِيلَ بالصِّحَّةِ، ويُصْرَفُ إلى اللُّبْس والعارِيَّةِ، لكانَ مُتَّجِهًا، وله نَظائِرُ.

ص: 374

وَلَا غَيرِ مُعَيَّن، كَأحَدِ هَذَينِ، وَلَا وَقْفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيعُهُ، كَأمِّ الْوَلَدِ، وَالْكَلْبِ،

ــ

قوله: ولا يَصِح وَقْفُ غيرِ مُعَيَّن، كأحَدِ هذين. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. وقال في «التَّلْخيصِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ يصِحر، كالعِتْقِ. ونقَل جماعة عن أحمدَ، في مَن وقَفَ دارًا، ولم يَحُدَّها، قال: يصِحُّ، وإنْ لم يَحُدَّها، إذا كانتْ معْروفَةً. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فعلى الصِّحَّةِ، يخْرُجُ المُبْهَمُ بالقُرْعَةِ. قلَه الحارِثِي، وصاحِبُ «الرِّعايَةِ» ، وغيرُهما.

قوله: ولا يَصِح وَقْفُ ما لا يَجُوزُ بَيعُه؛ كأمِّ الوَلَدِ، والكَلْبِ. أمَّا أم الوَلَدِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، أنَّه لا يصِح وَقْفُها. قطَع به في

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي» ، و «الفُروعِ» ،

وغيرِهم. وقيل: يصِحُّ. قاله في «الفائقِ» . وأطْلَقَهما في «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الضغِيرِ». قلتُ: فلعَل مُرادَ القائلِ بذلك إذا قيلَ بجَوازِ بيعِها، أو أنَّه يصِحُّ ما دامَ سيِّدُها حيًّا، على قوْلٍ يأتِي. ثم وجَدْتُ صاحِبَ «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» قال: وفي أم الوَلَدِ وَجْهان، قلتُ: إنْ صح بيعُها، صح وَقْفُها، وإلا فلا. انتهى. لكِنْ ينْبَغِي على هذا أنْ يصِح وقْفُها، قوْلًا واحدًا، وعندَ الشَّيخِ تَقِي الدينِ، يصِحُّ وَقْفُ مَنافِعِ أم الوَلَدِ في حَياتِه.

فائدتان؛ إحْداهما، قال الحارِثِي: المُكاتَبُ؛ إنْ قيلَ بمَنْعِ بيعِه، فكأمِّ الوَلَدِ، وإنْ قيل بالجَوازِ، كما هو المذهبُ، فمُقْتَضَى ذلك صِحةُ وَقْفِه، ولكِنْ إذا أدَّى، هل يبْطُلُ الوَقفُ؟ يحْتاجُ إلى نظَر. انتهى. الثانيةُ، حُكْمُ وَقف المُدَبَّرِ حُكْمُ بيعِه، على ما يأتِي في بابِه. ذكَرَه في «الرِّعايتَين» ، و «الزَّرْكَشِي» ، وغيرِهم. وأمَّا الكَلْبُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنه لا يصِحُّ وَقْفُه، وعليه الأصحاب؛ لأنه لا يصِحُّ بيعُه. وقَال الحارِثِيُّ في «شَرْحِه»: وقد تُخَرَّجُ الصِّحَّةُ مِن جوازِ إعارَةِ الكَلْبِ المُعَلَّمِ، كما خُرِّجَ جوازُ الإجارَةِ؛ لحُصولِ نقْلِ المَنْفَعَةِ، والمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَة بغيرِ إشْكالٍ، فجازَ أنْ تُنْقَلَ. قال: والصَّحيحُ اخْتِصاصُ النَّهْي عنِ البَيعِ بما عَدا كَلْبَ الصَّيدِ؛ بدَليلِ رِوايَةِ حمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن أبِي الزْبيرِ، عن جابر قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ثَمَنِ الكَلْبِ، والسِّنَوْرِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيدِ (1). والإسْنادُ جيِّدٌ، فيَصِحُّ وقف مُعَلمِ؛ لأن بيعَه جائز. وفي

(1) تقدم تخريجه في 11/ 43.

ص: 376

وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقائِهِ دَائِمًا؛ كَالْأثْمانِ، وَالمَطْعُومِ، وَالريَاحِينَ.

ــ

مَعْناه جَوارِحُ الطيرِ، وسِباع البهائمِ الصَّيادَةُ، يصِحُّ وقْفُها، ويجوزُ بيعُها، بخِلافِ غيرِ الصَّيَّادَةِ. ومَر في المذهبِ رِوايَة بامْتِناعِ بيعِها، أعْنِي الصيَّادَةَ، فيَمْتَنِعَ وقْفُها. والأوَّلُ أصحُّ. انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ويصِحُّ وَقْفُ الكَلْبِ المُعَلَّمِ، والجَوارِحِ المعَلَّمَةِ، وما لا يُقْدَرُ على تَسْليمِه.

قوله: وما لا يُنتَفَعُ به مع بقائِه دَائمًا، كالأثْمانِ. إذأ وقَف الأثْمانَ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يقِفَها للتَّحَلِّي والوَزْنِ، أو غيرِ ذلك، فإنْ وقَفَها للتحَلي والوَزْنِ، فالصَّحيح مِنَ المذهبِ، أنه لا يصِحُّ. ونَقَله الجماعَةُ عن أحمدَ، وهو ظاهِرُ ماقدمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال الحارِثِي: وعدَمُ الصِّحَّةِ أصحُّ. وقيل: يصِحُّ؛ قِياسًا على الإجارَةِ. قال في «التَّلْخيصِ» : إنْ وقَفَها للزنَةِ بها، فقِياسُ قوْلِنا في الإجارَةِ، أنه يصِحُّ. فعلى هذا؛ إنْ وقَفَها وأطْلَقَ، بطَل الوَقْفُ. على الصَّحيحِ. وقيل: يصِحُّ، ويُحْمَلُ عليهما. وإنْ وقَفَها لغيرِ ذلك، لم يصِحَّ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال في «الفائقِ»: وعنه، يصِحُّ وَقْفُ الدَّراهمِ،

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيُنْتَفَعُ بها في القَرْضِ ونحوه. اخْتارَه شيخُنا. يعْنِي به الشيخَ تَقِي الدينِ. وقال في «الاخْتِياراتِ» : ولو وقَف الدَّراهِمَ على المُحْتاجِين، لم يكُنْ جوازُ هذا بعيدًا.

فائدتان؛ إحْداهما، لو وقَف قِنْديلَ ذَهَبٍ، أو فِضةٍ على مسْجِدٍ، لم يصِح، وهو باقٍ على مِلْكِ رَبه، فيُزَكِّيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يصِح، فيُكْسرُ ويُصرَفُ في مصَالحِه. اخْتارَه المُصَنفُ. قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدينِ: لو وقَف قِنْدِيلَ: نقْدٍ للنَّبِي، صلى الله عليه وسلم، صُرِفَ لجِيرانِه، صلى الله عليه وسلم قِيمَتُه. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: النَّذْرُ للقُبورِ هو للمَصالِحِ، ما لم يُعلمْ رَبُّه، وفي الكفَارَةِ الخِلافُ، وإنَّ مِنَ الحُسْنِ صَرْفَه في نَظيرِه مِنَ المَشْرُوعِ. ولو وقَف فَرَسًا بسَرْجٍ ولِجامٍ مُفَضَّض، صحَّ. نصَّ عليه تَبَعًا. وعنه، تُباعُ الفِضَّةُ، وتُصْرَفُ في وَقْفٍ مِثْلِه. وعنه، تُنْفَقُ عليه. الثانيَةُ، قال في «الفائقِ»: ويجوزُ وَقْفُ الماءِ. نصَّ عليه. قال في «الفُروع» : وفي «الجامِعِ» ، يصِح وَقْفُ الماءِ. قال الفَضْلُ: سألتُه عن وَقْفِ الماءِ؟ فقال: إنْ كان شيئًا اسْتَجازُوه بينَهم، جازَ. وحمَلَه القاضي وغيرُه على وَقْفِ مَكانِه. قال الحارِثِي: هذا النَّص يقْتَضِي تَصْحيحَ الوَقْفِ لنَفْسِ الماءِ، كما يفْعَلُه أهْلُ دِمَشقَ؛ يقِفُ أحَدُهم حِصَّةً أو بعضَها مِن ماء النَّهْرِ. وهو مُشْكِلٌ مِن وَجْهَين؛ أحدُهما، إثباتُ الوَقْفِ فيما لم يَمْلِكْه بعدُ، فإنَّ الماءَ يتَجددُ شيئًا فشيئًا. الثَّانِي، ذَهابُ العَينِ بالانْتِفاعِ. ولكِنْ قد يُقالُ: بَقاءُ مادَّةِ الحُصولِ مِن غيرِ تَأثُّر بالانْتِفاعِ يتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقاءِ أصْلِ العَينِ مع الانْتِفاعِ.

ص: 378

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويُؤيِّدُ هذا صِحَّةُ وَقْفِ البِئْرِ، فإنَّ الوَقْفَ وارِد على مَجْموعِ الماءِ والحَفيرَةِ، فالماءُ أصْل في الوَقْفِ. وهو المَقْصودُ مِنَ البِئْرِ. ثم لا أثَرَ لذَهابِ الماءِ بالاسْتِعْمالِ؛ لتجدُّدِ بدَلِه، فهنا كذلك، فيجوزُ وَقْفُ الماءِ كذلك. الهى.

قوله: والمَطْعومِ والرَّياحِينِ. يعْنِي، لا يصِحُّ وَقْفُها. وهو صحيح، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لو تصَدَّقَ بدُهْنٍ على مَسْجِدٍ ليُوقَدَ فيه، جازَ، وهو مِن بابِ الوَقْفِ، وتَسْمِيَتُه وَقْفًا، بمَعْنَى أنَّه وُقِف على تلك الجِهَةِ، لا يُنْتَفَعُ به في غيرِها، لا تأباه اللُّغَةُ، وهو جارٍ في الشَّرْعِ. وقال أيضًا: يصِحُّ وَقْفُ الرَّيحانِ ليَشُمَّه أهْلُ المَسْجِدِ. قال: وطِيبُ الكَعْبَةِ حُكْمُه حُكْمُ كُسْوَتِها. فعُلِمَ أن التطيبَ مَنْفَعَة مقْصودَة، لكِنْ قد تطُولُ مُدَّةُ التَّطيُّبِ، وقد تَقْصُرُ، ولا أثرَ لذلك. قال الحارِثِيُّ: وما يبقَى أثَرُه مِنَ الطيبِ؛ كالندِّ، والصَّنْدَلِ، وقِطَعِ الكافُورِ، لشَمِّ المَريضِ وغيرِه، فيصِحُّ وَقْفُه على ذلك؛ لبَقائِه مع الانْتِفاعِ، وقد صحتْ إجارَتُه لذلك، فصَحَّ وَقْفُه. انتهى. وهذا ليس داخِلًا في كلامِ المُصَنِّفِ، والظَّاهِرُ أن هذا مِنَ المُتَّفَقِ على صِحَّتِه؛ لوُجودِ شُروطِ الوَقْفِ فيه.

ص: 379

الثَّانِي، أنْ يَكونَ عَلَى بِرٍّ؛ كَالْمَسَاكِينِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْأقَارِبِ، مُسْلِمِينَ كَانُوا أوْ مِنْ أهْلِ الذمَّةِ.

ــ

قوله: الثانِي، أنْ يكونَ على بِرٍّ -وسواء كان الواقِفُ مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا، نصَّ

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه الإمامُ أحمدُ- كالمَساكِينِ، والمَساجِدِ، والقَناطِرِ، والأقارِبِ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وقيل: يصِحُّ الوَقْفُ على مُباحٍ أيضًا. وقيل: يصِحُّ على مُباح ومَكْرُوهٍ. قال في «التَّلْخيصِ» : وقيل: المُشْتَرَط أنْ لا يكونَ على جِهَةِ مَعْصِيَةٍ، سواء كان قُرْبَةً وثَوابًا، أو لم يكُنْ. انتهى. فعلى هذا، يصِحُّ الوَقْفُ على الأغْنِياءِ. فعلى المذهبِ، اشْتِراطُ العُزوبَةِ باطل؛ لأنَّ الوَصْفَ ليس قُرْبَة، ولتَمْييزِ الغَنِيِّ عليه. وعلى هذا، هل يلْغُو الوَصْفُ ويَعُمُّ، أو يلْغُو الوَقْفُ، أو يُفَرَّقُ بينَ أَنْ يقِفَ ويَشْتَرِطَ، أو يذْكُرَ الوَصْفَ ابْتِداءً، فيُلْغَى في الاشْتِراطِ، ويصِحُّ الوَقْفُ؟ يحْتَمِلُ أوْجُهًا. قاله في «الفائقِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، أبطَلَ ابنُ عَقِيلٍ وَقْفَ الستورِ لغيرِ الكعْبَةِ؛ لأنه بِدْعَة، وصحَّحَه ابنُ الزاغُونِيِّ، فيُصْرَفُ لمَصْلَحَةٍ. نَقَله ابنُ الصَّيرَفِيِّ عنهما. وفي «فَتاوَى ابنِ الزاغُونِيِّ» ، المَعْصِيَةُ لا تنعَقِدُ. وأفْتَى أبو الخَطَّابِ بصِحتِه، ويُنْفَقُ ثمَنُها على عِمارَته ولا يُسْتَرُ؛ لأنَّ الكَعْبَةَ خُصَّتْ بذلك، كالطَّوافِ. الثَّانيَةُ، يصِحُّ وَقْفُ عَبْدِه على حُجْرَةِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم؛ لإخراجِ تُرابِها، وإشْعالِ قَنادِيلِها وإصْلاحِها، لا لإشْعالِها وحْدَه، وتَعْليقِ سُتُورِها الحريرِ، والتَّعْليقِ، وكَنْسِ الحائطِ، ونحو ذلك. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ» .

قوله: مُسْلِمِين كانُوا أو مِن أهلِ الذِّمَّةِ. يعنِي، إذا وقَف على أقارِبِه مِن أهلِ الذِّمَّةِ، صحَّ. وهذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً.

تنبيهان؛ أحدُهما، قد يُقالُ: مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يصِحُّ الوَقْفُ على ذِمِّيٍّ، غيرِ قَرابَتهِ. وهذا أحَدُ الوَجْهَين، وهو مفْهومُ كلامِ جماعَةٍ؛ منهم صاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «التلْخيصِ» ، وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، ومال إليه الزَّرْكَشِيُّ.

ص: 381

وَلَا يَصِحُّ على الْكَنَائِس وَبُيُوتِ النَّارِ، وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيل.

ــ

وقيل: يصِحُّ على الذمي، وإنْ كان أجْنَبِيًّا مِنَ الواقِفِ. وهو الصحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشرْحِ» ، و «المُنْتَخَب» ، و «عُيونِ المَسائلِ» ، وغيرِهم. قال في «الفائقِ»: ويصِحُّ على ذِمِّيٍّ مِن أَقارِبِه. نصَّ عليه وعلى غيرِه، مِن مُعَيَّن، في أصح الوَجْهَين دُون الجهَةِ. انتهى. وهو ظاهِرُ ما قطَع به الحارِثِي. وأطْلَق الوَجْهَين في «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال الحَلْوانِيُّ: يصِحُّ على الفُقَراءٍ منهم دُونَ غيرِهم. وصحَّح في «الواضِحَ» صِحَّةَ الوَقْفِ من ذِمِّيٍّ علهم دُون غيرِه. الثَّانِي (1)، قال الحارِثِيُّ: قال الأصحابُ: إنْ وقَف على مَن ينْزِلُ الكَنائسَ، والبِيَعَ مِنَ المارَّةِ والمُجْتازِين، صح. قالوا: لأنَّ الوَقْفَ علهم لا على البُقْعَةِ، والصَّدقَةُ علهم جائزَة وصالِحَة خصَّ أهْلَ الذمةِ، فوقَف على المارَّةِ منهم، لم يصِح. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: وفي «المُنْتَخَبِ» ، و «الرعايَةِ» ، يصِحُّ على المارَّةِ بها منهم. يعْنِي، مِن أهْلِ الذمةِ. وقاله في «المُغْنِي» ، في بِناءِ بَيتٍ يسْكُنُه المُجْتازُ منهم. ولم أرَ ما قال عنه صاحِبُ «الرعايَةِ» فيهما في مَظِنَّتِه، بل قال: ويصِحُّ منها على ذِميّ بهما أو ينْزِلُهما، أو يجتازُ؛ راجِلًا، أو راكِبًا.

قوله: ولا يصِحُّ على الكَنائسِ وبُيوتِ النَّارِ. وكذا البِيَعُ. وهذا المذهبُ، وعليه

(1) في الأصل، ط:«فائدة» .

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ، ونصَّ عليه في الكَنائسِ والبِيَعِ. وفي «المُوجَزِ» روايَة، يصِح على الكَنِيسَةِ والبِيعَةِ كمارٍّ بهما.

فوائد؛ الأولَى، الذمي كالمُسْلِمِ في عدَمِ الصِّحَّةِ في ذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، فلا يصِح وَقْفُ الذمي على الكَنائسِ والبِيَعِ وبُيوتِ النَّارِ، ونحوهم، ولا على مَصالحِ شيءٍ مِن ذلك، كالمُسْلِمِ. نصَّ عليه، وقطَع به الحارِثِيُّ وغيرُه. قال المُصَنِّفُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وصحَّح في «الواضِحِ» وَقْفَ الذمي على البِيعَةِ

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والكَنِيسَةِ. وتقدَّمِ كلامُه في وَقفِ الذِّميِّ على الذِّمِّيِّ. الثانيَةُ، الوَصِيةُ كالوَقْفِ في ذلك كلِّه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ». وقيل: مِن كافر. وقال في «الانْتِصارِ» : لو نذَر الصدَقةَ على ذِميةٍ، لَزِمَه. وذكَر في

ص: 384

وَلَا عَلَى حَرْبي، وَلَا مُرْتَدٍّ.

ــ

«المُذْهَبِ» وغيرِه، يصِحُّ للكُل، وذكَرَه جماعَة رِوايَةً. وذكَر القاضِي صِحَّتَها بحَصيرٍ وقَنادِيلَ. قال في «التبصِرَةِ»: إنْ وصَّى لما لا معْروفَ فيه ولا بِرَّ؛ ككَنِيسَةٍ أو كَتْبِ التَّوْراةِ، لم يصِحَّ. وعنه، يصِحُّ. الثَّالثَةُ، لو وقَف على ذِمِّيٍّ، وشرَط اسْتِحْقاقَه ما دامَ كذلك، فأسْلَمَ، اسْتَحقَّ ما كان يَسْتَحِقُّه قبلَ الإسلامِ، ولغَى الشَّرْطُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وقطَع به كثير مِنَ الأصحابِ. وصحَّحَ ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ» هذا الشَّرْطَ، وقال: لأنه إذا وقَفَه على الذمةِ (1) مِن أهلِه دُونَ المُسْلِمِ، لم لا يجوزُ شَرْط لهم حال الكُفْرِ، وأي فَرْق؟

قوله: ولا على حَرْبِيّ، أو مُرْتَد. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وأكثرُهم قطَع به؛ منهم صاحِبُ «المغْنِي» ، و «الرعايَةِ» ، «الفُروعِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقال الحارِثِي: هذا أحدُ الوَجْهَين. قال في «المُجَرَّدِ» ، في كِتابِ الوَصايا: إذا أوْصَى مُسْلِم لأهْلِ قَرْيَته أو قَرابَتِه، لم يتَناوَلْ كافِرَهم الأ بتَسْمِيَته. قال في «المُحَرَّرِ»: والوَقْفُ كالوَصِيَّةِ في ذلك كله. قال الحارِثِيُّ: فصَحَّحه على الكافرِ القَرِيبِ والمُعَيَّنِ. قال: وهو الصَّحيحُ، لكِنْ بشَرْطِ أنْ لا يكونَ مُقاتِلًا، ولا مُخْرِجًا للمُسْلمِين مِن دِيارِهم، ولا مُظاهِرًا للأعْداءِ (2) على الإخْراجِ. انتهى. وقواه بأدِلَّة كثيرَة.

(1) في ا: «الذمي» . والذمة هم المعاهدون، مفردها الذم.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 385

وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَينِ.

ــ

قوله: ولا يصِحُّ على نَفْسِه، في إحْدَى الروايتَين. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الحرَبيِّ. قال في «الفُصولِ»: هذه الروايَةُ أصحُّ. قال الشارحُ: هذا أقْيَس. قال في «الرعايتَين» : ولا يصِحُّ على نفسِه، على الأصحِّ. قال الحارِثِيُّ: وهذا الأصحُّ عندَ أبِي الخَطابِ، وابنِ عَقِيل، والمُصَنِّفِ. وقطَع به ابنُ أبِي مُوسى في «الإرْشادِ» ، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ في «المُبْهِجِ» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. نقَل حَنْبَل، وأبو طالِبٍ، ما سَمِعْتُ بهذا، ولا أعْرِفُ الوَقْفَ إلَّا ما أخْرَجَه للهِ تعالى. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيَةُ، يصِحُّ. نصَّ عليه في رِوايَةِ إسْحَاقَ بنِ إبْراهِيمَ،

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويُوسُفَ بنِ مُوسى، والفَضْلِ بنِ زِيادٍ. قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: صحَّ في ظاهرِ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: هذا هو الصَّحيحُ. تال أبو المَعالِي في «النِّهايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ»: يصِحُّ على الأصحِّ. قال النَّاظِمُ: يجوزُ على المَنْصُورِ مِنَ نصِّ أحمدَ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ». قال في «الفائقِ»: وهو المُخْتارُ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ومال إليه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وجزَم به في «المُنَورِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِي» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه المَجْدُ في مُسَوّدَتِه على «الهِدايَةِ» ، وقال: نصَّ عليه. قال المُصَنفُ، وتبِعَه الشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. وقال ابنُ عَقِيل: هي أصحُّ. قلتُ: الذي رأيتُه في «الإرْشادِ» ، و «الفُصولِ» ، ما ذكَرْتُه آنِفًا. ولم يذْكُرِ المَسْألةَ في «التَّذْكِرَةِ» ، فلعَلَّهما اخْتاراه في غيرِ ذلك، لكِنَّ عِبارَتَه في «الفُصولِ» مُوهِمَة. قلتُ: وهذه الروايَةُ عليها العمَلُ في زَمانِنا وقبلَه، عندَ حُكَّامِنا مِن أزْمِنَةٍ مُتَطاولَةٍ. وهو الصَّوابُ، وفيه مصْلَحَة عَظيمَة، وترْغيب في فِعْلِ الخَيرِ، وهو مِن مَحاسِنِ المذهبِ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «البُلْغَةِ» ،

ص: 387

وإنْ وَقَفَ عَلَى غَيرِهِ وَاسْتَثْنَى الْأكْلَ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، صَح.

ــ

و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . فعلى المذهبِ، هل يصح على مَن بعدَه؟ على وَجْهَين، بِناءً على الوَقْفِ المُنْقَطِعِ الابتِداءِ، على ما يأتِي، إنْ شاءَ الله تعالى. قال الحارِثِيُّ: ويحْسُنُ بِناؤه على الوَقْفِ المُعَلقِ.

فائدة: إذا حكَم به حاكِمٌ، حيثُ يجوزُ له الحُكْمُ، فقال في «الفُروع»: ظاهِرُ كلامِهم ينْفُذُ الحُكْمُ ظاهِرًا، وفيه في الباطِنِ الخِلافُ، وفي «فَتاوَى ابنِ الصَّلاحِ» ، إذا حكَم به حَنَفِي، وأنْفَذَه شافِعِي، للواقِفِ نقْضُه، إذا لم يَكُن الصَّحيحَ مِن مذهبِ أبِي حَنِيفَةَ، وإلَّا جازَ نقْضُه في الباطِنِ فقط، بخِلافِ صلاته في المَسْجِدِ وحدَه حياتَه؛ لعدَمِ القُرْبَةِ والفائدَةِ فيه، ذكَرَها ابنُ شِهابٍ وغيرُه.

قوله: وإنْ وقَف على غيرِه، واسْتَثْنَى الأكْلَ منه مُدَّةَ حَياتِه، صحَّ. هذا

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. وجزم به في «المغني» ، و «الشرح» ، و «شرح الحارثي» ، و «ابن منجَّى» و «المحرر» ، و «الوجيز» ، و «القواعد» وغيرهم. وقدَّمه في «الفُروع» ، و «الرِّعايَةِ». وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ.

فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ لو اسْتَثْنَى الأكْلَ مُدَّةً مُعَينةً، وكذا لو اسْتَثْنَى الأكْلَ والانْتِفاعَ لأهْلِه، أو يُطْعِمَ صَديقَه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِي، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ»: ويصِحُّ شرْطُ غَلَّتِه له أو لوَلَدِه مُدَّةَ حَياتِه، في

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَنْصوصِ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : وكذلك إنْ شرَط لأوْلادِه أو لبعضِهم سُكْنَى الوَقْفِ مُدَّةَ حَياتِهم، جازَ. وقيل: لا يصِحُّ، إذا شرَط الانْتِفاعَ لأهْلِه، أو شرَط السُّكْنَى لأوْلادِه أو لبعضِهم. ذكَرَه في «الفائقِ» وغيرِه. فعلى المذهبِ، لو اسْتَثْنَى الانْتِفاعَ مُدَّةً مُعَينةً، فماتَ في أثْنائِها، فقال في «المُغْنِي» (1): ينبَغِي أنْ يكونَ ذلك لوَرَثَتِه، كما لو باعَ دارًا واسْتَثْنَى لنَفْسِه السُّكْنَى مُدَّةً، فماتَ في أثْنائِها. واقتصَرَ عليه الحارِثِيُّ. وعلى المذهبِ أيضًا، يجوزُ إيجارُها للمَوْقُوفِ عليه ولغيرِه. الثانيةُ، لو وقَف على الفُقَراءِ، ثم افْتَقَرَ، أُبِيحَ له التَّناوُلُ منه. على الصحيحِ

(1) المغني 8/ 192.

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونص عليه في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ. قال في

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّلْخيصِ» : هذا ظاهِرُ كلامِ أصحابِنا. قال الحارِثِيُّ: هذا الصَّحيحُ. قال في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ»: شَمِلَه في الأصح. قال في «القَواعِدِ

ص: 392

الثَّالِثُ، أنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّن يَمْلِكُ. وَلَا يَصِح عَلَى مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ،

ــ

الأصُولِيةِ»، و «الفِقْهِيةِ»: يدْخُلُ، على الأصحِّ، في المذهبِ. وقيل: لا يُباحُ له ذلك. وهو احْتِمالٌ في «التلْخيصِ» . قال في «القَواعِدِ الأصُولِيةِ» : والظاهِرُ أنَّ محَل الخِلافِ في دُخولِه إذا افْتَقرَ، على قَوْلِنا بأن الوَقْفَ على النفْسِ يصِحُّ. وأما على القَوْلِ بأنه لا يصِحُّ، فلا يدْخُلُ في العُمومِ، إذا افتقَرَ جَزْمًا؛ لأنه لا يُتَناوَلُ بالخُصوصِ، فلا يُتَناوَلُ بالعُمومِ بطَريقِ الأوْلَى. وأئَا إذا وقَف دارَه مسْجِدًا، أو أرْضَه مقْبَرَةً، أو بِئْرَه؛ ليَسْتَقِيَ منها المُسْلِمُون، أو بنَى مدْرَسَةً بعُمومِ الفُقَهاءِ أو لطائفَةٍ منهم، أو رِباطًا للصُّوفِيَّةِ، ونحوَ ذلك ممَّا يعُمُّ، فله الانْتِفاعُ كغيرِه. قال الحارِثِيُّ: له ذلك مِن غيرِ خِلافٍ.

قوله: الثَّالثُ، أنْ يَقِفَ على مُعَيَّن يَملِكُ، ولا يَصِحُّ على مَجْهُولٍ؛ كرَجُل، ومَسْجِدٍ. بلا نِزاع. وكذا لا يصِحُّ لو كان مُبْهَمًا، كَأحَدِ هذين الرجُلَين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: يصِحُّ. ذكَرَه في «الرعايَةِ» احْتِمالًا. وقيل: يصِحُّ، إنْ قُلْنا: لا يفْتَقِرُ الوَقْفُ إلى قَبُولٍ. مُخَرَّجٌ مِن وَقْفِ إحْدَى الدَّارَين. وهو احْتِمالٌ في «التَّلْخيصِ» . فعلى الصِّحَّةِ، يخرجُ المُبْهَمُ بالقُرْعَةِ. قاله في «الرِّعايتَين». قلتُ: وهو مُرادُ مَن يقولُ بذلك. وتقدَّم نظيرُه فيما إذا وقَف أحَدَ هذَين.

ص: 393

وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ؛ كَالْعَبدِ، وَالْحَمْل، والملك، وَالْبَهِيمَةَ.

ــ

قوله: ولا على حَيَوانٍ لا يَمْلِكُ، كالعَبْدِ. لا يصِحُّ الوَقْفُ على العَبْدِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: الأكْثرَون على أنَّه لا يصِحُّ الوَقْف على العَبْدِ، على الروايتَين؛ لضَعْفِ مِلْكِه. وجزَم به في «المُغْنِي» وغيرِه. وقَدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يصِحُّ، إنْ قُلْنا: يمْلِكُ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، حيثُ اشْتَرطَ لعدَمِ الصِّحَّةِ عدَمَ المِلْكِ. قال في «الرِّعايَةِ»: ويكونُ لسَيِّدِه. وقيل: يصِحُّ الوَقْفُ (1) عليه؛ سواءٌ قُلنا: يمْلِكُ. أو لا. ويكونُ لسيدِه. واخْتارَه الحارِثِيُّ.

فائدتان؛ إحْداهما، لا يصِحُّ الوَقْفُ على أمِّ الوَلَدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. واخْتارَ الحارِثِي الصِّحةَ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ: يصِحُّ الوَقْفُ على أمِّ وَلَدِه بعدَ مَوْتِه، وإنْ وقَف على غيرِها، على أنْ يُنْفِقَ عليها مُدَّةَ حياتِه، أو يكونَ الرَّيْعُ لها مُدَّةَ حياتِه، صحَّ؛ فإنَّ اسْتِثْناءَ المَنْفَعَةِ لأمِّ وَلَدِه كاسْتِثْنائِها لنَفْسِه.

(1) زيادة من: ا.

ص: 394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ وقَف عليها مُطْلَقًا، فيَنْبَغِي أنْ يُقال: إنْ صحَّحْنا الوَقْفَ على النَّفْسِ، صحَّ. لأن مِلْكَ أمِّ وَلَدِه أكثرُ ما يكونُ بمَنْزِلَةِ مِلْكِه. وإنْ لم نُصَحِّحْه، فيتَوَجَّهُ أنْ يُقال: هو كالوَقْفِ على العَبْدِ القِنِّ. ويتَوَجَّهُ الفَرْقُ بأنَّ أمَّ الوَلَدِ لا تَمْلِكُ بحالٍ. وفيه نظَرٌ. وقد يُخرَّجُ على مِلْك العَبْدِ بالتَّمْليكِ؟ فإنَّ هذا نَوْعُ تَمْلِيكٍ لأمِّ وَلَدِه، بخِلافِ العَبْدِ القِنِّ؛ فإنَّه قد يخْرُجُ عن مِلْكِه، فيكونُ مِلْكًا لعَبْدِ الغيرِ. وإذا ماتَ السَّيِّدُ، فقد تُخَرج هذه المَسْألةُ على مَسْألةِ تفْريقِ الصَّفْقَةِ؛ لأنَّ الوَقف على أمِّ الوَلَدِ يعُمُّ حال رِقِّها وعِتْقِها، فإذا لم يصِحَّ في إحْدَى الحالين، خُرِّجَ في الحالِ الأخْرَى وَجْهان، وإنْ قُلْنا: إنَّ الوَقْف المُنْقَطِعَ الإشدِاءِ يصِحُّ. فيَجِبُ أنْ يُقال ذلك، وإنْ قُلْنا: لا يصِحُّ. فهذا كذلك. انتهى. الثَّانيةُ، لا يصِحُّ الوقْف على المُكاتَبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «التَّلْخيص» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، وغيرِهمِ. وقيل: يصِحُّ. ويَحْتَمِلُه مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، وقد يَشْمَلُه قوْلُه: أنْ يَقِف على مُعَيَّن يَمْلِكُ. واخْتارَه الحارِثِيُّ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم.

قوله: والحَمْلِ. يعْنِي، لا يصِحُّ الوَقْف عليه (1). وهذا المذهبُ، وعليه

(1) زيادة من: ا.

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ؛ فهم ابنُ حَمْدانَ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وصحَّح ابنُ عَقِيل جَوازَ الوَقْفِ على الحَمْلِ ابْتِداءً، واخْتارَه الحارِثِيُّ. قال في «الفُروعِ»: ولا يصِحُّ على حَمْل؛ بِناءً على أنه تَمْلِيك إذَنْ، وأنَّه لا يَمْلِكُ. وفيهما نِزاعٌ.

تنبيه: إيرادُ المُصَنفِ في مَنْعِ الوَقْفِ على الحَمْلِ، يخْتَصُّ بما إذا كان الحَمْلُ أصْلًا في الوَقْفِ. أمَّا إذا كان تبَعًا؛ بأنْ وقَف على أوْلادِه، أو أوْلادِ فُلان، وفيهم حَمْلٌ، أو انْتقَلَ إلى بَطْنٍ، وفيهم حَمْلٌ، فيَصِحُّ بلا نِزاع، لكِنْ لا يُشارِكُهم قبلَ ولادَتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. قال في «القاعِدَةِ الرابِعَةِ والثَّمانِين»: هو قوْلُ القاضي، والأكْثَرِين. وجزَم به الحارِثِيُّ وغيرُه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يثْبُتُ له اسْتِحْقاقُ الوَقْفِ في حالِ كَوْنِه حَمْلًا، حتى صحَّح الوَقفَ على الحَمْلِ ابْتِداءً، كما تقدَّم. وأفْتَى الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ باسْتِحْقاق الحَمْلِ مِنَ الوَقْفِ أيضًا.

فائدة: لو قال: وَقَفْتُ على مَن سيُولَدُ لي. أو: مَن سيُولَدُ لفلانٍ. لم يصِحَّ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به القاضي في «خِلافِه» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحه المُصَنفُ في

ص: 396

الرَّابعُ، أنْ يَقِف نَاجِزًا، فَإنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أنْ يَقُولَ: هُوَ وَقفٌ بَعْدَ مَوْتِي. فَيَصِحَّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَال أبو الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ.

ــ

«المُغْنِي» وغيرِه. وذكَرَه المُصَنِّفُ في مَسْألةِ الوَصِيَّةِ لمَن تَحْمِلُ هذه المرْأة. وقال المَجْدُ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، صِحَّتُه. ورَدَّه ابنُ رَجَبٍ.

قوله: والبَهِيمَةِ. يعْنِي، لا يصِحُّ الوَقْفُ عليها. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. واخْتارَ الحارِثِي الصِّحَّةَ، وقال: وهو الأظْهَرُ عندِي. كما في الوَقْفِ على القَنْطَرَةِ، والسِّقايَةِ، ويُنْفَقُ عليها.

قوله: الرَّابعُ، أن يَقِفَ ناجِزًا، فإنْ عَلَّقَه على شَرْطٍ، لم يَصِحَّ. هذا المذهبُ،

وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يصِحُّ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِي الدينِ، وصاحب «الفائقِ» ، والحارِثِي، وقال: الصحَّةُ أظْهَرُ. ونصَرَه. وقال ابنُ حَمْدانَ، مِن عندِه: إنْ قيلَ: المِلْكُ للهِ تعالى. صحَّ التَّعْليقُ، وإلَّا فلا.

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: إلا أنْ يقولَ: هو وَقْفٌ مِن بعدِ مَوْتِي، فيَصِحَّ في قَوْلِ الخِرَقيِّ. وهو المذهبُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصغِيرِ» ، والمُصَنفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِي، والشيخُ تَقِي الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم. قال المصَنِّف، والشَّارِحُ: وهو ظاهِرُ كَلام أحمدَ. وجزَم به في «الكافِي» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدمه في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. قال في «القَواعِدِ»: وهو أصحُّ؛ لأنها وَصِية، والوَصايا تقْبَلُ التَّعْليقَ. وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ»: لا يصِحُّ. واخْتارَه ابنُ البَنَّا، والقاضي، وحمَل كلامَ الخِرَقي على أنه قال: قِفُوا بعدَ مَوْتِي. فيكونُ وَصِيَّةً بالوَقْفِ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» . فعلى المذهبِ، يُعْتَبَرُ مِنَ الثلُثِ.

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، قال الحارِثِي: كلامُ الأصحاب يقْتَضِي أنَّ الوَقْفَ المُعَلَّقَ على المَوْتِ، أو على شرْطٍ في الحَياةِ، لا يقَعُ لازِمًا قبلَ وُجودِ المُعَلقِ عليه؛ لأنَّ ما هو مُعَلق بالموْتِ وَصِية، والوَصِيةُ، في قوْلِهم، لا تَلْزَمُ قبلَ المَوْتِ، والمُعَلقُ على شرْطٍ في الحياةِ في مَعْناها، فيَثْبُتُ فيه مِثْلُ حُكْمِها في ذلك. قال: والمَنْصوصُ عن أحمدَ في المُعَلَّقِ على الموتِ، هو اللُّزومُ. قال المَيمُونِيُّ في «كِتابِه»: سألتُه عن الرجُلِ يُوقِفُ على أهْلِ بَيته، أو على المَساكِينِ بعدَه، فاحْتاجَ إليها، أيبيعُ على قِصّةِ المُدَبَّرِ؟ فابْتدَأنِي أبو عَبْدِ اللهِ بالكَراهَةِ لذلك، فقال: الوُقوفُ إنما كانت مِن أصحابِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على أنْ لا يَبيعُوا ولا يهَبُوا. قلتُ: فمَن شبّهَه وتأوَّلَ المُدَبَّرَ عليه، والمُدَبَّرُ قد يأتِي عليه وَقْتَ يكونُ فيه حُرًّا، والمَوْقوفُ إنما هو شيء وقَفَه بعدَه، وهو مِلْكٌ الساعَةَ؟ قال لي: إذا كان يتأوَّلُ. قال المَيمُونِيُّ: وإنَّما ناظَرْتُه بهذا؛ لأنه قال في المُدَبرِ: ليس لأحَدٍ فيه شيء، وهو مِلْك السَّاعَةَ، وهذا شيء قد وَقَفَه على قوْمٍ مَساكِين، فكيف يُحْدِثُ به شيئًا؟ فقلتُ: هكذا الوُقوفُ، ليس لأحَدٍ فيها شيء، السَّاعَةَ هو مِلْك، وإنَّما اسْتُحِقَّ بعدَ الوَفاةِ، كما أنَّ المُدَبَّرَ السَّاعَةَ ليس بحُرٍّ، ثم يأتِي عليه وَقْت يكونُ فيه حُرا. انتهى. فنَص أحمدُ على الفَرْق بينَ الوَقْفِ بعدَ الموتِ وبينَ المُدَبرِ. قال الحارِثِيُّ: والفَرقُ عَسِر جِدًّا. وتابعَ في «التَّلْخيصِ» المَنْصوصَ، فقال: أحْكامُ الوَقْفِ خَمْسَة؛ منها، لُزومُه في الحالِ؛ أخْرَجَه مَخْرَجَ الوَصِيَّةِ، أم لم يُخْرِجْه، وعندَ ذلك ينْقَطِعُ تصَرفُه فيه. وشيخُنا،

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رحمه الله، في حواشِي «المُحَرَّرِ» لمَّا لم يطَّلِعْ على نص أحمدَ، رَد كلامَ صاحبِ «التَّلْخيصِ» وتأوَّلَه؛ اعْتِمادًا على أنَّ المَسْألةَ ليس فيها مَنْقول، مع أنَّه وافَقَ الحارِثِيَّ على أنَّ ظاهِرَ كلامِ الأصحابِ، لا يقَعُ الوَقْفُ، والحالةُ هذه، لازِمًا. قلتُ: كلامُه في «القَواعِدِ» يُشْعِرُ أنَّ فيه خِلافًا؛ هل هو لازمٌ، أم لا؟ قاله في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والثَّمانِين» ، في تبَعِيَّةِ الوَلَدِ. ومنها، المُعَلقُ وَقْفُها بالمَوْتِ، إنْ قُلْنا: هو لازِم. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، في رِوايةِ الميمُونِيِّ. انتهى. فظاهِرُ قوْلِه: إنْ قُلْنا: هو لازِم. يُشْعِرُ بالخِلافِ. ومنها، لو شرَط في الوَقْفِ أنْ يَبِيعَه، أو يهَبَه، أو يرْجِعَ فيه متى شاءَ، بطَل الشَّرْطُ والوَقْفُ، في أحَدِ الأوْجُهِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال المُصنفُ في «المُغْنِي» (1): لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وقيل: يبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَ الوَقْفِ، وهو تخْريج مِنَ البَيعِ. وما هو ببعيدٍ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدينِ: يصِحُّ

(1) المغني 8/ 192.

ص: 400

فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، إلَّا أنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّن،

ــ

في الكُل. نقَلَه عنه في «الفائقِ» . ومنها، لو شرَط الخِيارَ في الوَقْفِ، فسَد. نصَّ عليه، وهو المذهبُ. وخُرِّجَ فَسادُ الشرْطِ وحدَه مِنَ البَيعِ. قال الحارِثِيُّ: وهو أشْبَهُ. ومنها، لو شرَط البَيعَ عندَ خَرابِه، وصَرْفَ الثَّمَنِ في مِثْلِه، أو شرَطَه للمُتَوَلِّي بعدَه، فقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ البَنَّا، وغيرُهم: يبْطُلُ الوَقْف. قلتُ: وفيه نظرٌ. وذكَر القاضي، وابنُ عَقِيلٍ ووَجْهًا بصِحَّةِ الوَقْفِ وإلْغاءِ الشرْطِ. ذكَر ذلك الحارِثي. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الفُروعِ» : وشرْطُ بَيعِه إذا خَرِبَ، فاسِدٌ في المَنْصوصِ. نقَلَه حَرْث، وعلَّلَ بأنه ضَرُورَة ومَنْفَعَة لهم. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجهُ على تَعْليله، لو شرَط عدَمَه عندَ تَعْطله. وقيل: الشرْط صحيح.

قوله: ولا يُشْتَرَطُ القَبُولُ، إلا أنْ يكونَ على آدَمِي مُعَيَّن، ففيه وَجْهان. إذا وقَف وَقْفًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ على آدَمِيٍّ مُعَين، أو غيرِه؛ فإنْ كان على غيرِ مُعَيَّن، فقَطَع المُصَنفُ هنا، أنَّه لا يُشْترَطُ القَبُولُ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَر الناظِمُ احْتِمالًا، أنَّ نائِبَ الإمامِ يقْبَلُه. وإنْ كان المَوْقوفُ عليه آدَمِيًّا مُعَينًا، زادَ في «الرعايتَين» ، أو جَمْعًا مَحْصورًا،

ص: 401

فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أحَدُهُمَا، يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. فَإن لَمْ يَقْبَلْهُ أوْ رَدَّهُ، بَطَلَ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أنهُ أنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيه يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ؛ كَرَجُل مُعَيَّن، صُرِفَ إلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إلَى أنْ يَنْقَرِضَ، ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ.

ــ

فهل يُشْتَرَطُ قَبُولُه، أم لا يُشْتَرَطُ؟ فيه وَجْهان. أطْلَقَهما المُصَنفُ هنا؛ أحدُهما، لا يُشْتَرَطُ. وهو المذهبُ. قال في «الكافِي»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الشَّارِحُ: هذا أوْلَى. قال الحارِثِي: هذا أقْوَى. وقطَع به القاضي، وابنُ عَقِيل. قال في «الفائقِ»: لا يُشْتَرَطُ، في أصحِّ الوَجْهَين. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ،

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُشْتَرَطُ. قال في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ»: يُشْترَطُ في الأصح. قال النَّاظِمُ: هذا أقْوَى. وقدمه في «الهِدايَة» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقَهما في «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الزَّرْكَشِي» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ». قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ: وأخْذُ الرَّيْعِ قَبُولٌ.

تنبيه: أكثرُ الأصحابِ يحْكِي الخِلافَ مِن غيرِ بِناءٍ. وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» بعدَ تَعْليلِ الوَجْهَين: والأشْبَهُ أنْ يَنْبَنِيَ ذلك على أنَّ المِلْكَ، هل ينْتَقِلُ إلى المَوْقُوفِ عليه، أم لا؟ فإنْ قيلَ بالانْتقِال، قيلَ باشْتِراطِ القَبُولِ، وإلَّا فلا. قال الحارِثِيُّ: وبَناه بعضُ أصحابِنا المُتأخرِين على ذلك، قال في

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» : قلتُ: إنْ قُلْنا: هو لله. لم يُعْتَبَرِ القَبُولُ، وإنْ قُلْنا: هو للمُعَيَّنِ، والجَمْعِ المَحْصُورِ. اعْتُبِرَ فيه القَبُولُ. قال الحارِثِي: وفي ذلك نظَرٌ؛ فإن القَبُولَ إنْ أُنِيطَ بالتَّمْليكِ، فالوَقْفُ لا يخْلُو من تَمْليكٍ؛ سواءٌ قيلَ بالامْتِناعِ أو عدَمِه. انتهى. قال الزَّرْكَشِي: والظَّاهِرُ أن الخِلافَ على القَوْلِ بالانْتِقالِ؛ إذ لا نِزاعَ بين الأصحابِ أنَّ الانْتِقال إلى المَوْقُوفِ عليه هو المذهبُ، مع اخْتِلافِهم في المُخْتارِ هنا. فعلى المذهبِ، لا يبْطُلُ برَده، فرَدُّه وقَبُولُه وعدَمُهما واجِدٌ، كالعِتْقِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال أبو المَعالِي في «النهايَةِ»: إنَّه يرْتَدُّ برَدَّه، كالوَكِيلِ إذا رد الوَكالةَ، وإنْ لم يُشْتَرَطْ لها القَبُولُ. قال الحارِثِي: وهذا أصحُّ. وعلى القَوْل بالاشْتِراطِ، قال الحارِثِي: يُشْتَرَطُ اتصالُ القَبُولِ بالإيجابِ، فإنْ تَراخَى عنه، بطَل، كما يبْطُلُ في البَيعِ والهِبَةِ. وعلَّلَه، ثم قال: وإذا عُلِمَ هذا، فيتَفَرَّعُ عليه عدَمُ اشْتِراطِ القَبُولِ مِنَ المُسْتَحِق الثانِي والثَّالِثِ، ومَن بعدُ؛ لتَراخِي اسْتِحْقاقِهم عنِ الإيجابِ، ذكَرَه بعضُ الأصحاب. قال: وهذا يُشْكِلُ بقَبُولِ الوَصِيةِ مُتَراخِيًا عن الإيجابِ. انتهى. وقال الشيخُ تَقِي الدينِ: إذا اشْتُرِطَ القَبُولُ

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على المُعَينِ، فلا يَنْبَغِي أنْ يُشْتَرَطَ المَجْلِسُ، بل يلْحَقُ بالوَصِيةِ والوَكالةِ، فيصِحُّ؛ مُعَجَّلًا ومُؤجَّلا، بالقَوْلِ والفِعْلِ، فأخْذُ رَيعِه قَبُول. وقطَع، واخْتارَ في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والخَمْسِين» ، أن تصَرُّفَ المَوْقُوفِ عليه المُعَين، يقُومُ مَقامَ القَبُولِ بالقَوْلِ.

قوله: فإنْ لم يَقْبَلْه أو رَده، بطَل في حَقِّه، دُونَ مَن بعدَه. هذا مُفَرَّعٌ على القَوْلِ باشْتِراطِ القَبُولِ. فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنه كالمُنْقَطِعِ الابتِداءِ، على ما يأتِي بعدَ ذلك، فيأتِي فيه وَجْهٌ بالبُطْلانِ، وهذا، أعْنِي كوْنَه كالمُنْقَطِعِ الابتِداءِ، أحَدُ الوَجْهَين. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يصحُّ هذا، وإنْ لم نُصَحِّحْ في الوَقْفِ المُنْقَطِعِ. وهو الصحيحُ. قال في «الفُروعِ»: وهو أصحُّ؛ كتَعذُّرِ اسْتِحْقاقِه لفَوْتِ وَصْف فيه. قال الحارِثِيُّ: هذا الصحيحُ. فعلى هذا، يصحُّ هنا، قوْلًا واحدًا. قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ليس كالوَقْفِ المُنْقَطِعِ الابتِداءِ،

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بلِ الوَقف هنا صحيحٌ، قوْلًا واحدًا.

قوله: وكان كما لو وقف على مَن لا يَجُوزُ، ثم على مَن يَجُوزُ. هذا الوقْفُ المُنْقطعُ الابتداءِ. وهو صحيحٌ، على الصَّحيحِ مِنَ المَذهبِ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: جزَم به أكثرُ الأصحابِ. وبَناه في «المُغْنِي» ، ومَن تابَعَه، على تَفْريقِ الصَّفْقَةِ؛ فأجْرَى وَجْهًا بالبُطْلانِ. قال: وفيه بُعْد. فعلى المذهبِ، يُصْرَفُ في الحالِ إلى مَن بعدَه، كما قال المُصنفُ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأقْوَى. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائق» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .

وفيه وَجْهٌ آخر، أنَّه إنْ كان مَن لا يجوزُ الوَقْفُ عليه يُعْرَفُ انْقِراضُه، كرَجُل مُعَيَّن، صُرِفَ إلى مَصْرِفِ الوَقْف المُنْقَطِعِ، يعْنِي المُنْقَطِعَ الانْتِهاءِ، على ما يأتي. صرَّحَ به الحارِثيُّ، إلى أنْ ينْقَرِضَ، ثم يُصْرَفُ إلى مَن بعدَه. واخْتارَه ابنُ

ص: 406

وإنْ وَقَفَ عَلى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ، أوْ قَال: وَقَفْتُ. وَسَكَتَ، انصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيهِ إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيهِمْ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ. وَالأخْرَى، إِلَى أقْرَبِ عَصَبَتِهِ. وهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤهُم؟ عَلَى وَجْهَينِ. وَقَال الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَكُون وَقْفًا عَلَى الْمَساكِينِ.

ــ

عَقِيلٍ، والقاضي، وقال: هو قِياسُ المذهبِ. وقيل: يُصْرَفُ إلى أقارِبِ الواقِفِ. قاله في «الفائقِ» .

قوله: وإنْ وقَف على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، ولم يَذكُرْ له مَآلًا، أو على مَن يَجُوزُ، ثم على مَن لا يجُوزُ، انْصرَفَ بعدَ انْقِراضِ مَن يجوزُ الوَقْفُ عليه إلى وَرَثَةِ الواقِفِ وَقْفًا عليهم في إحْدَى الرِّوايتَين. وهو المذهبُ. قال في «الكافِي»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . فعليها، يُقْسَمُ على قَدْرِ إرْثِهم. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: قاله الأصحابُ. قال القاضي: فللبِنْتِ مع الابنِ الثُّلُثُ،

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وله الباقِي، وللأخِ مِنَ الأم مع الأخِ للأبِ السُّدْسُ، وله ما بَقِيَ. وإنْ كان جَد وأخ، قاسَمَه، وإنْ كان أخ وعم، انْفَرَدَ به الأخُ، وإنْ كان عَمّ وابنُ عَم، انْفَرَدَ به العَمُّ. وقال الحارِثِي: وهذا تَخْصِيصٌ بمَن يَرِثُ مِنَ الأقارِبِ في حالٍ دُونَ حالٍ، وتَفْضِيل لبعض على بَعض، وهو لو وقف على أقارِبِه، لما قالوا

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه بهذا التَّخْصيصِ، والتَّفْضِيلِ. وكذا لو وقَف على أوْلاده، أو أوْلادَ زَيدٍ، لا يُفَضَّلُ فيه الذَّكَرُ على الأنْثَى، وقد قالوا هنا: إنَّما يَنْتَقِلُ إلى الأقارِبِ وَقْفًا. انتهى. فظاهِرُ كلامِه، أنَّه مال إلى عدَمِ المُفاضَلَةِ. وما هو ببعيدٍ. قال في «الفائقِ»: وعنه في أقارِبِه؛ ذكَرِهم وأنثاهم؛ بالسَّويَّةِ، ويَخْتَصُّ به الوارِثُ. انتهى. والرِّوايةُ الأخْرَى، يُصْرَفُ إلى أقْرَبِ عصَبَتِه. قال في «الفُروعِ»: وعنه يُصْرَفُ إلى عصَبَتِه. ولم يذْكُرْ أقْرَبَ. وأطْلَقَهما ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . فعليهما، يكون وَقْفًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نص عليه. وقطَع به القاضي، وأبو الخَطابِ، والمَجْدُ، وغيرُهم. وقدَّمه في «النظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ،

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ هنا. قال في «المُغْنِي» (1): نصَّ عليه. قال الحارِثِيُّ: وإنما حذَف ذِكْرَ الوَقْفِ في الرِّوايةِ الثانيةِ، اخْتِصارًا واكْتِفاءً بذِكْرِه المُتقَدِّمِ في رِوايَةِ العَوْدِ إلى الوَرَثَةِ. انتهى. وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: مفْهومُ قوْلِه: في الوَرَثَةِ. يكونُ وَقْفًا عليهم، على أنَّه إذا انْصَرفَ إلى أقْرَبِ العصَبَةِ، لا يكونُ وَقْفًا. وردَّه الحارِثِيُّ، فقال: مِنَ النَّاسِ مَن حمَل رِوايةَ العَوْدِ إلى أقْرَبِ العَصَبَةِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، على العَوْد مِلْكًا. قال: لأنه قيَّد رِوايَةَ العَوْدِ إلى الوَرَثَةِ بالوَقْفِ، وأطْلَقَ هنا، وأثْبَتَ بذلك وَجْهًا. قال: وليس كذلك؛ فإن العَوْدَ إلى الأقْرَبِ مِلْكًا إنَما يكونُ بسَبَبِ الإرْثِ، ومَعْلوم أن الارِثَ لا يخْتَصُّ بأقْرَبِ العَصَبَةِ. وأيضًا فقد حكَى خِلافًا في اخْتِصاصِ العَوْدِ بالفُقَراءِ بهم، ولو كان إرْثًا لمَا اخْتُصَّ بالفُقَراءِ، مع أنَّ المُصَنِّفَ صرَّح بالوَقْفِ في ذلك في «كِتابَيه» ، وكذلك الذين نقَل مِن كُتُبِهم، كالقاضي، وأبي الخَطَّابِ.

(1) المغني 8/ 212.

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. وعنه، يكونُ مِلْكًا. قال في «الفائقِ»: وقيل: يكونُ مِلْكًا. اخْتارَه الخِرَقِي. قال في «المُغْنِي» (1): ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ. قال في «الفائقِ» : وقال ابنُ أبي مُوسى: إنْ رجَع إلى الوَرَثَةِ، كان مِلْكًا، بخلافِ العَصَبَةِ. قال الشيخُ تَقِي الدِّينِ: وهذا أصحُّ وأشْبَهُ بكلامِ أحمدَ، وعلى الرِّوايتَين أيضًا، هل يَخْتَصُّ به فُقَراؤهم؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، عدَمُ الاخْتِصاصِ. وهو المذهبُ. قال الحارِثِي: هذا الأصحُّ في المذهبِ. قال النَّاظِمُ: هذا الأقْوَى. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو ظاهِرُ كلامِ الإمام أحمدَ، والخِرَقِيِّ. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يخْتَصُّ به فُقَراؤهم. اخْتارَه القاضي في كتابِ «الرِّوايتَين» .

(1) المغني 8/ 213.

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: متى قُلْنا برُجوعِه إلى أقارِب الواقِفِ، وكان الواقِفُ حيا، ففي رُجوعِه إليه أو إلى عصَبَتِه وذُرِّيَّته رِوايتَان. حَكاهما ابنُ الزَّاغُونِي في «الإقْناعِ» رِوايَة؛ إحْداهما، يدْخُلُ. قطَع به ابنُ عَقِيل في «مُفْرَداتِه» . قاله في «القاعِدَةِ السَّبْعِين» . وكذا لو وقَف على أولادِه وأنْسالِهم، على أنَّ مَن تُوفِّيَ منهم عن غيرِ وَلَدٍ، رجَع نَصِيبُه إلى أقْرَبِ النَّاسِ إليه، فتُوفِّيَ أحدُ أوْلادِ الواقِفِ عن غيرِ وَلَدٍ، والأبُ الواقِف حَيٌّ، فهل يعودُ نَصِيبُه إليه، لكَوْنِه أقْرَبَ النَّاسِ إليه، أم لا؟ تُخَرَّجُ على ما قبلَها. قاله ابنُ رَجَبٍ. والمَسْألةُ مُلْتَفِتَة إلى دُخولِ المُخاطَبِ في خِطابِه.

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: لو لم يكُنْ للواقِفِ أقارِبُ، رجَع على الفُقَراءِ والمَساكِينِ. على الصَّحيحِ. جزَم به ابنُ عَقِيل في «التَّذْكِرَةِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفائقِ». وقال ابنُ أبي مُوسى: يُباعُ، ويُجْعَلُ ثمَنُه في المَساكِينِ. وقيل: يُصْرَفُ إلى بَيتِ المالِ لمَصالحِ المُسْلمِين. نصَّ عليه في رِوايةِ ابنِ إبْراهِيمَ، وأبي طالِبٍ، وغيرِهما. وقطَع به [أبو الخَطَّابِ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ»، وغيرُهما](1). وقدَّمه الزرْكَشِيُّ. وفي أصْلِ

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَسْألةِ، ما قاله القاضي في مَوْضِع مِن كلامِه، أنّه يكونُ وَقْفًا على المَساكِينِ، والموْضِعُ الذي قاله القاضي فيه، هو في كِتابه «الجامعِ الصغِيرِ» ، قاله الحارِثِي، وهو رِوايَة ثالثة عن أحمدَ. اخْتارَها جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم الشَّرِيفَان؛ أبو جَعْفَر، والزَّيدِيُّ، والقاضي أبو الحُسَينِ. قاله الحارِثِيُّ. واخْتاره المُصَنِّفُ أيضًا. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ». قال النَّاظِمُ: هي أوْلَى الرِّواياتِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا لا أعْلَمُه نصًّا عن أحمدَ. قال المُصَنفُ: إنْ كان في أقارِبِ الواقِفِ فُقَراءُ، فهم أوْلَى به، لا على الوُجوبِ. وعنه رِوايَة رابعة، يُصْرَفُ في المَصالحِ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «الفائقِ» ، وقال: نص عليه. قال: ونصَرَه القاضي، وأبو جَعْفَر. قال الزرْكَشِيُّ: أنصُّ الرِّواياتِ أنْ يكونَ في بَيتِ المالِ؛ يُصْرَفُ في مَصالِحِهم. فعلى هاتَين الرِّوايتَين، يكونُ وَقْفًا أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، يرْجِعُ إلى مِلْكِ واقِفِه الحَيِّ. ونقَل حَرْبٌ، أنه، قِبَلَ ورَثَتِه، لوَرَثَةِ المَوْقُوفِ عليه. ونقَل المَرُّوذِي، إنْ وقَف على عَبيدِه، لم يسْتقمْ. قلتُ: فيَعْتِقُهم؟ قال: جائزٌ. فإن ماتُوا ولهم أولادٌ، فهو لهم، وإلا فللعَصَبَةِ، فإنْ لم يكنْ عصَبَةٌ، بِيعَ وفُرقَ على الفُقَراءِ.

فائدة: للوَقْفِ صِفاتٌ؛ إحْداها، مُتصِلُ الابتِداءِ والوَسَطِ والانْتِهاءِ. الثانيةُ، مُنْقَطِعُ الابتِداءِ، مُتَّصِلُ الانْتِهاءِ. الثَّالثةُ، مُتصِلُ الايتداءِ، مُنْقَطِعُ الانْتِهاءِ، عكْسُ الذي قبلَه. الرابعَةُ، مُتصِلُ الايتداءِ والانْتِهاءِ، مُنْقَطِعُ الوَسَطِ. الخامسةُ، عَكْسُ

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي قبلَه، مُنْقَطِعُ الطرفَين، صحيحُ الوَسَطِ. وأمْثِلتها واضِحَةٌ، وكلُّها صحيحةٌ على الصَّحيحِ منَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وخُرِّجَ وَجْهٌ بالبُطْلانِ في الوَقْفِ المُنْقَطِعِ مِن تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، على ما تقدَّم، ورِوايَة بأنه يُصْرَفُ في المَصالحِ. [قال في «الرِّعايَةِ»، في مُنْقَطِعِ الآخِرِ: صحَّ في الأصحِّ](1). السَّادِسَةُ، مُنْقَطِعُ الأولِ والوَسَطِ. والأخيرِ؛ مِثْلَ أنْ يَقِفَ على مَن لا يصِحُّ الوَقْفُ عليه، ويسْكُتَ، أو يذْكُرَ ما لا يصِحُّ الوَقْفُ عليه أيضًا، فهذا باطِلٌ، بلا نِزاع بينَ الأصحابِ. فالصِّفَةُ الأولَى، هي الأصْلُ في كلامِ المُصَنِّف وغيرِه، والصِّفَةُ الثَّانيةُ، تُوخَذُ من كلام المُصَنِّفِ، حيثُ قال: وكان كما لو وقَف على مَن لا يجوزُ، ثُم على مَن يجوزُ. والصِّفَةُ الثَّالثَةُ، تؤخَذُ مِن كلامِه أيضًا؛ حيثُ قال: وإنْ وقَف على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، ولم يذكُرْ له مآلًا، أو على مَن يجوزُ، ثم على مَن لا يجوزُ. والرَّابعَةُ، والخامِسَةُ، لم يذْكرهما المُصَنِّفُ، لكنَّ الحُكْمَ واحِدٌ.

قوله: أو قال: وَقَفْتُ. وسكَت. يعْنِي، أنَّ قَوْلَه: وقَفْتُ. ويسْكُتُ، حُكْمُه حُكْمُ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ الانْتِهاءِ، فالوَقْفُ صحيح عندَ الأصحابِ، وقَطَعوا به. وقال في «الرَّوْضَةِ»: على الصَّحيحِ عندَنا. انتهى. فظاهِرُه، أنَّ في الصِّحَّةِ خِلافًا. فعلى المذهبِ، حُكْمُه حُكْمُ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ الانْتِهاءِ في مَصْرِفِه. على

(1) سقط من: الأصل.

ص: 415

وَإنْ قَال: وَقَفْتُهُ سَنَةً. لَمْ يَصِحَّ. وَيَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ، وَيُصْرَفُ بَعْدَهَا

ــ

الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما قاله المُصَنفُ هنا. وقطَع به القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل. واخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُه. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصغْرى» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وقال: نصَّ عليه. وقال القاضي وأصحابُه: يُصْرَفُ في وُجوهِ البِر. قال الحارِثِي: الوَجْهُ الثَّاني، يُصْرَفُ في وُجوهِ البِر والخَيرِ. قطَع به القاضي في «التَّعْليقِ الكَبِيرِ» ، و «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، وأبو علي بنُ شِهَاب، وأبو الخَطَّابِ في «الخِلافِ الصَّغِيرِ» ، والشَّرِيفَان؛ أبو جَعْفَر، والزَّيدِيُّ، وأبو الحُسَينِ القاضي، والعُكْبَرِي في آخَرينَ. وفي عِبارَةِ بعضِهم، وكان لجماعَةِ المُسْلمِين. وفي بعضمها، صُرِفَ في مَصالحِ المُسْلمِين. والمَعْنَى مُتَّحِدٌ. انتهى. قال في «عُيونِ المَسائلِ» ، في هذه المَسْألةِ وفي قوْلِه: تصَدَّقْتُ به. تَكونُ لجماعَةِ المُسْلِمين.

قوله: وإنْ قال: وقَفْتُه سَنَةً. لم يَصِحَّ. هذا المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى: هذا

ص: 416

مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ.

ــ

المذهبُ. وصحَّحه في «النظْمِ» ، و «التلْخيصِ» . وقدمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْح الحارِثِيِّ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ، ويُصْرَفَ بعدَها مَصرِفَ المُنْقَطِعِ، يعْنِي مُنْقَطِعَ الانْتِهاء، وهو وَجْهٌ ذكَرَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: يصِحُّ، ويلغُو توْقِيتُه.

فائدة: لو وقَفَه على وَلَدِه سنَةً، ثم على زَيدٍ سنَةً، ثم على عَمْرو سنَةً، ثم على المَساكِينِ، صح؛ لاتِّصالِه ابْتِداءً وانْتِهاءً. وكذا لو قال: وَقَفْتُه على وَلَدِي مُدَّةَ حياتِي، ثم على زَيدٍ، ثم على المَساكِينِ. صحَّ.

ص: 417

وَلَا يُشْتَرطُ إِخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَينِ.

ــ

قوله: ولا يُشْتَرَطُ إخراجُ الوَقْفِ عن يَدِه، في إحْدَى الرِّوَايتَين. وهو المذهبُ، وعليه الجُمْهورُ. قال المُصنِّفُ وغيرُه: هذا ظاهرُ المذهبِ. واخْتارَه القاضي، وأصحابُه. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «التلْخيصِ»: وهو الأشْبَهُ، واخْتِيارُ أكثرِ الأصحابِ، والمَنْصورُ عندَهم في الخِلافِ. قال الزرْكَشِي: هو المَشْهورُ والمُخْتارُ المَعْمولُ به مِنَ الرِّوايتين. وعنه، يُشْتَرَطُ أنْ يُخْرِجَه عن يَدِه. قطَع به أبو بَكْر، وابن أبِي

ص: 418

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُوسى في «كِتابَيهِما» . وقدَّمه الحارثِيُّ في «شَرْحِه» ، واخْتارَه. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . ويأتِي التشبِيهُ على هذا أيضًا، عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ: والوَقْفُ عَقْدٌ لازِم. قال في «الفُروعِ» : ورأيتُ بعضَهم قال: قال القاضي في «خِلافِه» : لا يخْتَلِفُ مذهبُه، أنَّه إذا لم يكُنْ يصْرِفُه في مَصارِفِه، ولم يُخْرِجْه عن يَدِه، أنَّه يقَعُ باطِلًا. انتهى. فعلى القَوْلِ بالاشِتراطِ، فالمُعْتَبَرُ عندَ أحمدَ التَّسْلِيمُ إلى ناظر يقومُ به. قاله الحارِثِيّ، وقال: وبالجُمْلَةِ، فالمَساجِدُ والقَناطِرُ والآبارُ، ونحوُها يكْفِي التَّخْلِيَةُ بين النَّاسِ وبينَها، مِن غيرِ خِلافٍ. قال: والقِياسُ يقْتَضِي التَّسْليمَ إلى المُعَيَّنِ المَوْقُوفِ عليه، إذا قيلَ بالانْتِقالِ إليه، وإلَّا، فإلى النَّاظِر أو الحاكِم. انتهى. وعلى القَوْلِ بالاشْتِراطِ أيضًا، لو شرَط نظَرَه لنَفْسِه، سلَّمه لغيرِه، ثم ارْتجَعَه منه. قاله في «الفُروع». قال الحارِثِيُّ: وأمَّا التَّسْلِيمُ إلى مَن يَنْصِبُه هو، فالمَنْصوبُ؛ إمَّا غيرُ ناظر، فوَكِيل مَحْضٌ يَدُه كيَدِه، وإمَّا ناظِر، فالنَّظَرُ لا يجِبُ شرْطُه لأجْنَبِيّ، فالتَّسْليمُ إلى الغيرِ غيرُ واجِبٍ. انتهى. قلتُ: وهذا هو الصوابُ.

فائدة: إذا قُلْنا بالاشتِراطِ، فهل هو شَرْط لصِحَّةِ الوَقْفِ، أو للُزومِه؟ ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ؛ منهم صاحِبُ «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم، أنَّه شَرْط للزومِ، لا شَرْطٌ للصِّحَّةِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ. وصرَّح به الحارِثِي، فقال: وليس شَرْطًا في الصِّحَّةِ، بل شرْط للزومِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وصرَّح به أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. قاله في «القاعِدَةِ التَّاسعَةِ والأرْبَعِين» ، فعلى هذا، قال ابنُ أبِي مُوسى، والسَّامَرِّيُّ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» ،

ص: 419

فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيهِ الْوَقْف. وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ.

ــ

وغيرُهم: إنْ ماتَ قبلَ إخْراجِه وحِيازَتِه، بطَل، وكان مِيراثًا. قاله الحارِثِيُّ وغيرُه. قلتُ: وفيه نظَرٌ، بل الأولَى هنا، اللُّزومُ بعدَ الموتِ. وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّ الخِلافَ في صِحَّةِ الوَقْف. وصرَّح به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم، فقالوا: هل يُشتَرَطُ في صِحَّةِ الوَقْف إخْراجُه عن يَدِ الواقِف؟ على رِوايتَين. قال في «الخُلاصةِ» : لا يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الوَقْف إخْراجُه عن يَدِه.

قوله: ويَمْلِكُ الموْقُوفُ عليه الوَقْف. هذا المذهبُ بلا رَيب، وعليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ وغيرُه: هذا ظاهرُ المذهبِ. وقطَع به القاضي، وابنُه، والشَّرِيفان، وابنُ عَقِيل، والشِّيرازِيُّ، وابنُ بَكْروس، وغيرُهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا يَمْلِكُه. بل هو مِلْكٌ لله. وهو ظاهِرُ اخْتِيارِ ابنِ أبِي مُوسى؛ قِياسًا على العِتْقِ. قاله الحارِثِيُّ. قال الحارِثِيُّ: وبه أقولُ. وعنه، مِلْكٌ للواقِف. ذكَرَها أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ. قال الحارِثِيُّ: ولم يُوافِقْهما على ذلك أحد مِن مُتَقَدِّمِي أهْلِ المذهبِ، ولا مُتَأخرِيهم. انتهى. وقد ذكرَها مَن بعدَهم مِنَ الأصحابِ؛ كصاحِبِ «الفُروعِ» ، والزَّرْكَشي، وغيرِهم. قال ابنُ رَجَب

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «فَوائدِه» : وعلى رِوايَةِ أنَّه لا يَمْلِكُه، فهل هو مِلْكٌ للواقِفِ، أو للهِ؟ فيه خِلافٌ. تنبيه: لهذا الخِلافِ فَوائدُ كثيرةٌ. منها ما ذكَرَه المُصَنِّفُ هنا؛ فمنها، لو وَطِيء الجارِيَةَ المَوْقوفَةَ، فلا حدَّ عليه، ولا مَهْرَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال الحارِثِي: ويتَّجِهُ أنْ يَنْبَنِيَ على المِلْكِ إنْ جعَلْناه له، فلا حدَّ، وإلا فعليه الحَدُّ. قال: وفي «المُغْنِي» وَجْه بوُجوبِ الحدِّ في وَطْءِ المُوصَى له بالمَنْفَعَةِ. قال: لأنَّه لا يَملِكُ إلَّا المَنْفَعَةَ، فلَزِمَه كالمُسْتأجِرِ. قال الحارِثِي:

ص: 421

وَيَمْلِكُ صُوفَهُ وَلَبَنَهُ وَثَمَرَتَهُ وَنَفْعَهُ. وَلَيسَ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ، فَإن فَعَلَ، فَلَا حَدَّ عَلَيهِ وَلَا مَهْرَ. وإنْ أتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ، يُشتَرَى بهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ،

ــ

فيَطرِدُ الحدُّ هنا على القَوْلِ بعدَمِ المِلْك، إلَّا أنْ يَدَّعِيَ الجَهْلَ، ومِثْلُه يجْهَلُه. ومنها، قولُه: وإنْ أتتْ بوَلَدٍ، فهو حُر، وعليه قِيمَتُه يُشْتَرَى بها ما يَقُومُ مَقامَه، وتصِيرُ أمَّ وَلَدِه تَعْتِقُ بمَوْتِه. يعْنِي، تصيرُ أمَّ ولَدٍ؛ إنْ قُلْنا: هي مِلْكْ له. وإنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُها. لم تصِرْ أم وَلَدٍ، وهي وَقْف بحالِها.

قوله: وعليه قِيمَتُه. يعْنِي قِيمَةَ الوَلَدِ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به عمير منهم. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَلْزَمَه قِيمَةُ الوَلَدِ، إذا أوْلَدَها. وعَزاه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» إلى اخْتِيارِ أبِي الخَطَّابِ.

ص: 422

وَتَصِيرُ أمَّ وَلَدِهِ، تَعْتِقُ بِمَوتِهِ، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ، وَيُشتَرَى بِهَا مِثْلُهَا وَتَكُونُ وَقْفًا.

ــ

قوله: وتَجِبُ قِيمَتُها في تَرِكَتِه، يُشْتَرَى بها مثلُها تَكُونُ وَقْفًا. هذا المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ». وقيل: تُصرَفُ قِيمَتُها للبَطْنِ الثَّاني، إنْ تَلقَّى الوَقْفَ مِن واقِفِه. ذكَرَه في «الرعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وقال: فدَل على خِلافٍ. وقال في «المُجَردِ» ، و «الفُصولِ» ، و «المُغْني» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيةِ» ، وغيرِهم: البَطْنُ الثاني يَتَلقوْنه مِن واقِفِه، لا مِنَ البَطْنِ الأوَّلِ. وصححه الطُّوفِي في «قَواعِدِه» . فلهم اليَمِينُ مع شاهِدِهم؛ لثُبوتِ الوَقْفِ، مع امْتِناعِ بعضِ البَطْنِ الأوَّلِ منها. قال في الفائقِ: وهل يتَلَقَّى البَطْنُ الثانِي الوَقْفَ مِنَ البَطْنِ الذي قبلَه، أو مِنَ الواقِف؟ فيه وجَهْان.

ص: 423

وَإنْ وَطِئَهَا أجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَأتَتْ بِوَلَدٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَعَلَيهِ الْمَهْرُ لأهْلِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ. وإنْ تَلِفَت، فَعَلَيهِ قِيمَتُهَا، يُشْتَرَى بِهَا مِثْلُهَا،

ــ

قوله: وإنْ وَطِئَها أجْنَبِي بشُبْهَةٍ، فأتتْ بوَلَدٍ، فالوَالدُ حُر. وعليه المَهْرُ لأهْلِ الوَقْفِ وقِيمَةُ الوَلَدِ، وإنْ تَلِفَتْ، فعليه قِيمَتُها، يُشْتَرَى بهما مثلهما. يعْنِي، يُشْتَرَى، بقِيمَةِ الوَلَدِ وقِيمَةِ أمِّه، إذا تَلِفَتْ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يشْتَرِي بهما مِثْلَهما، إنْ بلَغ، أو شِقْصًا، إن لم يبلُغ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، وابنُ عَقيل، والمُصَنِّفُ.

ص: 424

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الْوَلَدِ هَهُنَا، وَلَا يَلْزَمُهْ قِيمَتُهُ إِنْ أَوْلَدَهَا.

ــ

ويَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الوَلَدِ ها هنا. يعْنِي، يَمْلِكُ المَوْقُوفُ عليه قِيمَةَ الوَلَدِ هنا، على هذا الاحْتِمالِ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ. قاله في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» .

فائدة: لو أتْلَفَها إنْسانٌ، لَزِمَه قِيمَتُها، يَشْتَرِي بها مِثْلَها. وإنْ حصَل الإتْلافُ في جُزْءٍ بها، كقَطْعِ طَرَفٍ مثَلًا، فالصَّحيحُ أنَّه يُشْتَرَى بأَرْشِها شِقْصٌ يكونُ وَقْفًا. قاله الحارِثِيُّ. وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقيل: يكونُ للمَوْقوفِ عليه. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «التَّلْخيصِ» . وإنْ جنَى عليها مِن غيرِ إتْلافٍ، فالأَرْشُ للمَوْقوفِ عليه. قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه.

فائدةٌ أُخْرَى (1): لو قتَل المَوْقوفَ عَبْدٌ مكافِيء. نقال في «المُغْنِي» (2): الظَّاهِرُ أنَّه لا يجِبُ القِصاصُ؛ لأنَّه محَلٌّ لا يخْتَصُّ به المَوْقوفُ عليه، فلم يَجُزْ أنْ يقْتَصَّ مِن قاتِلِه، كالعَبْدِ المُشْتَرَكِ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: وتَحْريرُ قوْلِه في «المُغْنِي» ، أنَّ العَبْدَ المَوْقوفَ مُشْتَرَكٌ بينَ المُلَّاكِ، ومِن شَرْطِ اسْتِيفاءِ القِصاصِ، مُطالبَةُ كلِّ الشُّرَكاءِ، وهو مُتَعَذِّرٌ. قال: وفيه بَحْثٌ، وذكَرَه، ومال إلى وُجوبِ القِصاصَ.

(1) زيادة من: ا.

(2)

المغني 8/ 226.

ص: 425

وَلَهُ تَزْويجُ الْجَارِيَةِ وَأَخْذُ مَهْرِهَا، وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ.

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ هنا، وَقفِيَّةُ البَدَلِ بنَفْسِ الشِّراءِ؛ لاسْتِدْعاءِ البَدَلِيَّةِ ثُبوتَ حُكْمِ الأَصْلِ للبَدَلِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ الوَجْهَين، وقطَع به في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» . وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ وغيرِه، أنَّه لا بدَّ مِن إنْشاءِ عَقْدِ الوَقْفِ، فإنَّه قال: وإذا خَرِبَ الوَقْفُ، ولم يرُدَّ شيئًا، بِيعَ واشْتُرِي بثَمَنِه ما يُرَدُّ على أهْلِ الوَقْف، وجُعِلَ وَقْفًا كالأوَّلِ. قال الحارِثِيُّ: وكذا نصَّ أبو عبدِ اللهِ في رِوايةِ بَكْرِ بنِ محمدٍ. قال: وبهذا أقولُ. ويأْتِي في آخِرِ بَيعِ الوَقْفِ بأتَمَّ مِن هذا، وكلامُ الزَّرْكَشِي وغيرِه.

ومِن فوائدِ الخِلافِ، قوْلُ المُصَنِّفِ: وله تَزْويجُ الجارِيَةِ. يعْنِي، إذا قُلْنا:

ص: 426

وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ خَطَأً، فَالأَرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ. وَيَحْتَمِلُ

ــ

يَمْلِكُ المَوْقوفُ عليه الوَقْفَ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، يُزَوجُها الحاكِمُ. وعلى الثَّالثةِ، يُزَوِّجُها الواقِفُ. قاله الزَّرْكَشِيُّ، وابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» ، والحارِثِيُّ. لكِنْ إذا زوَّجَ الحاكِمُ، اشْتُرِطَ إذْنُ المَوْقوفِ عليه، قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وهو واضحٌ. وكذا إذا زوَّجَها الواقِفُ. قاله الزَّرْكَشِيُّ مِن عندِه. قلتُ: هو مُرادُ مَن لم يذْكُرْه قَطْعًا. وقد طرَّدَه الحارِثِيُّ في الواقِفِ والنَّاظِرِ، إذا قيلَ بولايتهما. وقيل: لا يجوزُ تزْويجُها بحالٍ، إلَّا إذا طَلبَتْه. وهو وَجْهٌ في «المُغْنِي» ، قال في «الرِّعايَةِ»: ويَحْتَمِلُ مَنْعَ تزْويجِها، إنْ لم تَطْلُبْه.

قوله: وَوَلَدُها وقْفٌ معَها -هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ- ويَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَه المَوْقوفُ عليه. وهو اخْتِيارُ أبِي الخَطَّاب، كما تقدَّم في نَظيرِه. قال الحارِثيُّ: وهذا أشْبَهُ بالصَّوابِ. ونسَب الأوَّلَ إلى الأصَحابِ. ويأْتِي: هل يجوزُ للمَوْقوفِ عليه أنْ يتَزَوَّجَ الأَمَةَ المَوْقوفَةَ عليه؟ في الفَوائدِ قريبًا.

ومِن الفَوائدِ، قَوْلُ المُصَنِّفِ: وإِنْ جَنَى الوَقْفُ خَطَأً، فالأَرْشُ على المَوْقُوفِ عليه. يعْنِي، إذا قُلْنا: إنَّه يَمْلِكُ المَوْقوفَ عليه. وهو المذهبُ. وعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، تكونُ جِنايَتُه في كَسْبِه. على الصَّحيحِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ» ، و «المُحَرَّرِ». وقيل: في بَيتِ المالِ. وهو رِوايَةٌ في

ص: 427

أَنْ يَكُونَ في كَسْبِهِ.

ــ

«التَّبْصِرَةِ» ، وضعَّفَه المُصَنِّفُ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ». وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِيُّ. وقيل: لا يَلْزَمُ المَوْقُوفَ عليه الأَرْشُ، على القَوْلَيْن. قاله في «القَواعِدِ» . وأمَّا

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الرِّوايةِ الثَّالثةِ، فيَحْتَمِلُ أنْ يجِبَ على الواقِفِ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ في كَسْبِه. قاله الزَّرْكَشِيُّ مِن عندِه. وقال الحارِثِيُّ، بعدَ أنْ حكَى الوَجْهين المُتَقدِّمَين: ولهم وَجْهٌ ثالثٌ، وهو الوُجوبُ على الواقِفِ. قال: وفيه بَحْثٌ.

تنبيه: هذا كلُّه إذا كانَ المَوْقُوفُ عليه مُعَيَّنًا، أمَّا إنْ كان غيرَ مُعَيَّنٍ، كالمَساكِينِ ونحوهم، فقال في «المُغْنِي» (1): يَنْبَغِي أنْ يكونَ الأَرْشُ في كَسْبِه؛ لأنَّه ليس له مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّن يُمْكِنُ إيجابُ الأَرْشِ عليه، ولا يُمْكِنُ تعَلُّقُها برَقَبَتِه، فتَعَيَّنَ في كَسْبِه. قال: ويَحْتَمِلُ أنْ تجِبَ في بَيتِ المالِ.

فائدة: حيثُ أوْ جَبْنا الفِداءَ، فهو أقَلُّ الأمْرَين مِنَ القِيمَةِ، أو أَرْشِ الجِنايَةِ؛ اعْتِبارًا بأُمِّ الوَلَدِ.

(1) المغني 8/ 225.

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: فهذه ثَلاثُ مَسائِلَ مِن فوائدِ الخِلافِ، ذكَرَها المُصَنِّفُ. ومنها، لو كان المَوْقوفُ ماشِيَةً، لم تَجِبْ زَكاتُها، على الثَّانيةِ والثَّالثةِ؛ لضَعْفِ المِلْكِ، وتجِبُ على المَوْقوفِ عليه على الأُوْلَى، على ظاهِرِ كلام الإمامِ أحمدَ، واخْتيارِ القاضي في «التَّعْليقِ» ، والمَجْدِ، وغيرِهما. وقدَّمه الزَّرْكَشِي. قال النَّاظِمُ:

ولكِنْ ليُخْرِجْ مِن سِواها ويَمْدُدِ.

قلتُ: فيُعايَى بها. وقيل: لا تجِبُ مُطْلَقًا؛ لضَعْفِ المِلْكِ. اخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُه، وقاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. فأمَّا الشَّجَرُ المَوْقوفُ، فتَجِبُ الزَّكاةُ في ثَمَرِه على المَوْقوفِ عليه، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّ ثَمَرَتَه للمَوْقُوفِ عليه. قاله في «الفَوائدِ». قال الشِّيرازِيُّ: لا زَكاةَ فيه مُطْلَقًا. ونقَلَه غيرُه رِوايَةً. وتقدَّم الكَلامُ على ذلك في كتابِ الزَّكاةِ، عندَ قوْلِه: ولا زَكاةَ في السَّائِمَةِ المَوْقُوفَةِ. بأتَمَّ مِن هذا، فليُراجَعْ. ومنها، النَّظَرُ على المَوْقوفِ عليه، إنْ قُلْنا: يمْلِكُه. ملَك النَّظَرَ عليه، على ما يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، فيَنظُرُ فيه هو مُطْلَقًا، أو وَلِيُّه، إنْ لم يَكُنْ أهْلًا. وقيل: يُضَمُّ إلى الفاسِقِ أمِينٌ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، يكونُ النَّظَرُ للحاكِمِ. وعلى الثَّالثَةِ، للواقِفِ. قاله الزَّرْكَشِيُّ من عندِه. ومنها، هل يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بشَرِكَةِ الوَقْفِ؟ فيه طَرِيقان؛ أحدُهما، البِناءُ؛ فإنْ قيلَ: يَمْلِكُه. اسْتَحَقَّ

ص: 430

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به الشفْعَةَ، وإلَّا فلا. والطريقُ الثَّاني، الوَجْهان؛ بِناءً على قوْلِنا: يَمْلِكُه. قاله المَجْد. وهذا كلُّه مُفَرَّعٌ على المذهبِ في جوازِ قِسْمَةِ الوَقْفِ مِنَ الطَّلَقِ. أمَّا على الوَجْهِ الآخَرِ بمَنْعِ القِسْمَةِ، فلا شُفْعَةَ، وكذلك بَنَى صاحِبُ «التَّلْخيصِ» الوَجْهَين هنا على الخِلافِ في قَبُولِ القِسْمَةِ. وتقدَّم ذلك في بابِ الشُّفْعَةِ، عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ: ولا شُفْعَةَ بشَرِكَةِ الوَقْفِ. ومنها، نفَقَةُ الحَيوانِ المَوْقوفِ، فتَجِبُ حيثُ شُرِطَتْ، ومع عدَمِ الشَّرْطِ تجِبُ في كَسْبِه، ومع عدَمِه تجِبُ على مَنِ المِلْكُ له. قاله في «التَّلْخيصِ». وقال الزَّركَشِيُّ من عندِه: وعلى الثَّانيةِ، تجِبُ في بَيتِ المالِ. وهو وَجْهٌ ذكَرَه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القَواعِدِ»: وإنْ لم تكُنْ له غَلَّةٌ، فوَجْهان؛ أحدُهما، نفَقَتُه على المَوْقوفِ عليه. والثَّاني، في بَيتِ المالِ. فقيل: هما مَبْنِيَّان على انْتِقالِ المِلْكِ وعدَمِه. وقد يُقالُ بالوُجوبِ عليه، وإنْ كان المِلْكُ لغيرِه، كما نقولُ بوُجوبِها على المُوصَى له بالمَنْفَعَةِ على وَجْهٍ. انتهى. ومنها، لا يجوزُ للمَوْقوفِ عليه أنْ يتَزَوَّجَ الأَمَةَ المَوْقوفَةَ عليه على الأُوْلَى، ويجوزُ على الثَّانِيَةِ. قلتُ: وعلى الثَّالثَةِ. قال في «القَواعِدِ» : هذا البِناءُ ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. قال: وفيه نظَرٌ؛ فإنَّه يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ البُضْعِ

ص: 431

وَإِذَا وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى الْآخرَينَ.

ــ

على كلا القَوْلين، ولهذا يكونُ المَهْرُ له. انتهى. قال الحارِثِيُّ: فعلى الأُولَى، لو وُقِفَتْ عليه زَوْجَتُه، انْفسَخَ النِّكاحُ؛ لوُجودِ المِلْكِ. ومنها، لو سُرِقَ الوَقْفُ أو نَماؤُه، فعلى الأُولَى، يُقْطَعُ على الصَّحيحِ. وقيل: لا يُقْطَعُ. وإنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُه. لم يُقْطَعْ، على الصَّحيحِ. وقيل: يُقْطَعُ. ومحَلُّ ذلك كلِّه، إذا كان الوَقْفُ على مُعَيَّنٍ. ومنها، وُجوبُ إخْراجِ الفِطْرَةِ على المَوْقوفِ عليه، على الأُولَى، على الصَّحيحِ. وقيل: لا تجِبُ عليه. وأمَّا إذا اشْتُرِيَ عَبْدٌ مِن غَلَّةِ الوَقْفِ لخِدْمَةِ الوَقْفِ، فإنَّ الفِطْرَةَ تجِبُ، قوْلًا واحدًا؛ لتَمامِ التَّصرُّفِ فيه. قاله أبو المَعالِي. ويُعايَى بمَمْلُوكٍ لا مالِكَ له، وهو عَبْدٌ وُقِفَ غلى خِدْمَةِ الكَعْبَةِ. قاله ابنُ عَقِيلٍ في «المَنْثُورِ» . وفها، لو زرَعَ الغاصِبُ أرْضَ الوَقْفِ، فعلى الأُولَى، للمَوْقوفِ عليه التَّمَلُّكُ بالنَّفَقَةِ، وإلَّا فهو كالمُسْتَأْجِرِ ومالِكِ المَنْفَعَةِ. فيه ترَدُّدٌ. ذكَرَه في الفَوائدِ مِن «القَواعِدِ» .

قوله: وإنْ وقَف على ثَلاثةٍ ثم على المَساكِينِ، فمَن ماتَ منهم رجَع نَصِيبُه على الآخَرَينِ. وكذا لو ردَّ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَر الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» وَجْهَين آخَرَين؛ أحدُهما، الصَّرْفُ مُدَّةَ بَقاءِ الآخَرَين مَصْرِفَ الوَقفِ

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُنْقَطِعِ؛ لسُكوتِه عنِ المَصْرِفِ في هذه الحالةِ. والوَجْهُ الثَّاني، الانْتِقالُ إلى المَساكِينِ؛ لاقْتِضاءِ اللَّفْظِ له، فإنَّ مُقْتَضاه الصَّرْفُ إلى المَساكِينِ بعدَ انْقِراضِ مَن عَيَّن، فصرْفُ نَصِيبِ كلٍّ منهم عندَ انْقِراضِه إلى المَساكِينِ داخِلٌ تحتَ دَلالةِ اللَّفْظِ، ورَجَّحه على الذي قبلَه.

فوائد؛ إحْداها، لو وَقَف على ثَلاثَةٍ، ولم يذْكُرْ له مَآلًا، فمَن ماتَ منهم، فحُكْمُ نَصِيبِه حُكْمُ المُنْقَطِعِ، كما لو ماتُوا جميعًا. قاله الحارِثِيُّ. وقال: على ما في الكِتابِ يُصْرَفُ إلى مَن بَقِيَ. وقطَع به في «القاعِدَةِ الخامِسَةَ عَشرَةَ بعدَ المِائَةِ» . وكذا الحُكْمُ لو رَدَّ بعضُهم. قاله فيها أيضًا. الثَّانيةُ، لو وقَف على أوْلادِه، ثم على أولادِهم، ثم على أولادِهم، ثم على الفُقَراءِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ هذا تَرْتيبُ جُمْلَةٍ على مِثْلِها، لا يسْتَحِقُّ البَطْنُ الثَّاني شيئًا قبلَ انْقِراضِ الأوَّلِ. قدَّمه في «الفروعِ» ، و «الفائقِ». وقال في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بعدَ المِائَةِ»: هذا المَعْروفُ عندَ الأصحابِ. وهو الذي ذكَرَه القاضي، وأصحابُه، ومَنِ اتَّبَعَهم، فيكونُ مِن بابِ تَوْزيعِ الجُمْلَةِ على الجُمْلَةِ. وقيل: تَرْتِيبُ أفْرادٍ، فيَسْتَحِقُّ الوَلَدُ نَصِيبَ أبِيه بعدَه، فهو مِن تَرتيبِ الأفْرادِ بينَ كلِّ شخْصٍ وأبيه. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» . قال في «الانْتِصارِ» ، عندَ شَهادَةِ الواحِدِ بالهِلالِ: إذا قُوبِلَ جَمْعٌ بجَمْعٍ، اقْتَضَى مُقابَلَةَ الفَرْدِ منه بالفَرْدِ لُغَةً. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فعلى هذا، الأَظْهَرُ اسْتِحْقاقُ الوَلَدِ، وإنْ لم يسْتَحِقَّ أَبُوه. وقال: الأظْهَرُ أيضًا في مَن وقَف على ولَدَيه نِصْفَين، ثم على أوْلادِهما، وأوْلادِ أوْلادِهما وعَقِبِهما بعدَهما، بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ، أنَّه ينْتَقِلُ نَصِيبُ كلِّ واحدٍ إلى وَلَدِه، ثم وَلَدِ وَلَدِه. وقال: مَن ظنَّ أنَّ الوَقْف كالإِرْثِ؛ فإنْ لم يكُنْ أبُوه أخَذ شيئًا، لم يأْخُذْ هو، فلم يقُلْه أحدٌ مِن الأئمَّةِ، ولم يَدْرِ ما يقولُ. ولهذا، لو انْتَفَتِ الشُّروطُ في

ص: 433

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطَّبَقَةِ الأُولَى، أو بعضِهم، لم تُحْرَمِ الثَّانيةُ مع وُجودِ الشُّروطِ فيهم إجْماعًا، ولا فَرْقَ. انتهى. قال في «الفُروعَ»: وقوْلُ الواقِفِ: مَن ماتَ، فنَصِيبُه لوَلَدِه. يعُمُّ ما اسْتَحَقَّه وما يَسْتَحِقُّه مع صِفَةِ الاسْتِحْقاقِ؛ اسْتَحَقَّه أوْ لا؛ تكْثيرًا للفائِدَةِ، ولصِدْقِ الإِضافَةِ بأدْنَى مُلابَسَةٍ، ولأنَّه بعدَ موْتِه لا يسْتَحِقُّه، ولأنَّه المَفْهومُ عندَ العامَّةِ الشَّارِطِين، ويقْصِدُونه؛ لأنَّه يِتيمٌ لم يرِثْ هو وأبُوه مِنَ الجَدِّ، ولأنَّ في صُورَةِ الإِجْماعِ يَنْتَقِلُ مع وُجودِ المانِعِ إلى وَلَدِه، لكِنْ هنا، هل يُعْتَبرُ موْتُ الوالِدِ؟ يتَوَجَّهُ الخِلافُ. وإنْ لم يتَناوَلْ إلَّا ما اسْتَحَقَّه، فمَفْهومٌ، خُرِّجَ مَخرَجَ الغالِبِ، وقد تَناوَلَه الوَقْفُ على أوْلادِه، ثم أوْلادَهم. قال في «الفُررعِ»: فعلى قَوْلِ شيخِنا، إنْ قال: بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ ونحوَه، فتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ، مع أنَّه مُحْتَمِلٌ. فإنْ زادَ الواقِفُ، على أنَّه إنْ تُوُفِّي أحَدٌ مِن أوْلادِ المَوْقوفِ عليه ابْتِداءً في حَياةِ والِدِه، وله وَلَدٌ، ثم ماتَ الأبُ عن أوْلادٍ لصُلْبه، وعن وَلَدِ وَلَدِه الذي ماتَ أبُوه قبل اسْتِحْقاقِه، فله معهم ما لأَبِيه، لو كان حيًّا. فهو صريحٌ في ترْتيِبِ الأفْرادِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا فيما إذا قال: بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ. ولم يزِدْ شيئًا: هذه المَسْأَلَةُ فيها نِزاعٌ، والأظْهَرُ أنَّ نَصِيبَ كلِّ واحدٍ يَنْتَقِلُ إلى وَلَدِه، ثم إلى وَلَدِ وَلَدِه، ولا مُشارَكَةَ. انتهى. الثَّالثةُ، لو كان له ثَلاثُ بَنِين، فقال: وَقَفْتُ على وَلَدَيَّ؛ فُلانٍ وفُلانٍ، وعلى وَلَدِ وَلَدِي. كان الوَقْفُ على المُسَمَّيَيْن وأوْلادِهما وأوْلادِ الثَّالثِ، ولا شيءَ للثَّالثِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ مُخْتارًا له. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَرَاه، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفائقِ» ، وقوَّاه شيخُنا في «حَواشِيه» ، وصحَّحَه الحارِثِيُّ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيل: يدْخُلُ الابنُ الثَّالِثُ. ونقَلَه حَرْبٌ، وقدَّمه الحارِثِيُّ، فقال: فالمَنْصوصُ دُخولُ الجميعِ. وقال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والعِشْرِين بعدَ المِائَةِ» : ويتَخَرَّجُ وَجْهٌ

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالاخْتِصاصِ بوَلَدِ مَن وقَف عليهم، اعْتِبارًا بآبائِهم. وكذا الحُكْمُ والخِلافُ والمذهبُ لو قال: وقَفْتُ على وَلَدَى؛ فُلانٍ وفُلانٍ، ثم على الفُقَراءِ. هل يشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِه، أمْ لا؟. وقيل: يشْمَلُه هنا. ذكَرَه المُصَنِّفُ احْتِمالًا مِن عندِه. الرَّابعَةُ، لو وقَف على فُلانٍ، فإذا انْقَرَضَ أوْلادُه، فعلى المَساكِينِ، كان بعدَ مَوْتِ فُلانٍ لأوْلادِه، ثم مِن بعدِهم للمَساكِينِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، [وقدَّمه في «الكافِي». وقيل: يُصْرَفُ بعدَ مَوْتِ فُلانٍ مَصْرِفَ المُنْقَطِعِ، حتى ينْقَرِضَ أوْلادُه] (1)، ثم يُصْرَفُ على المَساكِينِ. الخامسةُ، لو وقَف على أوْلادِه، وأوْلادِ أوْلادِه، اشْترَكُوا حالًا، ولو قال فيه: على أنَّ مَن تُوُفِّيَ عن غيرِ وَلَدٍ، فنَصِيبُه لذَوي طَبقَتِه. كان للاشْتِراكِ أيضًا، في أحدِ الوَجْهَين. قلتُ: وهو أوْلَى. قال في «القَواعِدِ» : وقد زعَم المَجْدُ أنَّ كلامَ القاضي في «المُجَرَّدِ» يدُلُّ على أنَّه يكونُ مُشْتَرَكًا بينَ الأوْلادِ، وأوْلادِهم، ثم يُضافُ إلى كلِّ وَلَدٍ نَصِيبُ والِدِه بعدَ مَوْتِه. قال: وليس في كلامِ القاضي ما يدُلُّ على ذلك لمَن راجَعَه وتأَمَّلَه. والوَجْهُ الثَّاني، يكونُ للتَّرْتيبِ بينَ كلِّ وَلَدٍ وأبِيه. قال في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بعدَ المِائَةِ»: وهو ظاهرُ كلام أحمدَ، وذكَرَه. وأطْلَقَهما في «الفائقِ». ولو رَتَّبَ بقَوْلِه: الأعْلَى فالأَعْلَى. أو الأَقرَبُ فالأَقْرَبُ. أو البَطْنُ الأَوَّلُ ثم الثَّانِي. فهذا تَرتيبُ جُمْلَةٍ على مِثْلِها، لا يسْتَحِقُّ البَطْنُ الثَّانِي شيئًا قبلَ انْقِراضِ الأوَّلِ. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «التَّلْخيصِ»: وكذا قوْلُه: قَرْنًا بعدَ قَرْنٍ. ولو قال بعدَ التَّرْتيبِ بينَ أوْلادِه: ثم على أنْسالِهم وأعْقابِهم. فهل يسْتَحِقُّه أهْلُ العَقِبِ مُرَتَّبًا، أو مُشْتَرَكًا؟ فيه

(1) سقط من: الأصل.

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفائقِ» . قلتُ: الصَّوابُ التَّرْتيبُ. ولو رَتَّبَ بينَ أوْلادِه وأوْلادِهم بـ «ثُمَّ» ، ثم قال: ومَن تُوُفِّيَ عن وَلَدٍ، فنَصِيبُه لوَلَدِه. اسْتَحَقَّ كلُّ وَلَدٍ بعدَ أبِيه نَصِيبَه. ولو قال: على أوْلادِي، ثم على أوْلادِ أوْلادِي، على أنَّه مَن تُوُفِّيَ منهم عن غير وَلَدٍ، فنَصِيبُه لأهْلِ دَرَجَتِه. اسْتَحَقَّ كلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أبِيه بعدَه، كالتي قبلَها. قال في «الفائقِ»: ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وغيرُه. انتهى. وهما ينْزِعان إلى أصْلِ المَسْأَلَةِ المُتَقدِّمَةِ. وقد تقدَّم كلامُ الشّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ فيها. [قلتُ: هذه المَسْأَلَةُ أوْلَى بالصِّحَّةِ. وقد وافَقَ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ، رحمه الله، على ذلك كثيرٌ مِنَ العُلَماءِ مِن أرْباب المذهبِ، وجعَلُوه مِن تَخْصيصِ العُمومِ بالمَفْهومِ، وهو أظْهَرُ. وصنَّف الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في ذلك مُصَنَّفًا حافِلًا خَمْسَ كَرارِيسَ](1). ولو قال: ومَن ماتَ عن وَلَدٍ، فنَصِيبُه لوَلَدِه. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يشْمَلُ النَّصِيبَ الأصْلِيَّ والعائدَ؛ مِثْلَ أنْ يكونَ ثلاثةُ إخْوَةٍ، فيَمُوت أحدُهم عن وَلَدٍ، ويموتَ الثَّانِي عن غيرِ وَلَدٍ، فنَصِيبُه لأخِيه الثَّالثِ، فإذا ماتَ الثَّالثُ عن وَلَدٍ، اسْتَحَقَّ جميعَ ما كان في يَدِ أبِيه؛ مِنَ الأَصْلِيِّ والعائدِ إليه مِن أخِيه. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يشْمَلُ النَّصيبَ الأصْلِيَّ، ويشْتَرِكُ وَلَدُ المَيتِ الأوَّلِ ووَلَدُ المَيتِ الثَّالثِ في النَّصِيبِ العائدِ إلى أخِيه؛ لأنَّ والِدَيهما لو كانا حَيَّين، لاشْتَرَكا في العائدِ، فكذا وَلَدُهما. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ولو قال: ومَن تُوُفِّيَ عن غيرِ وَلَدٍ، فنَصِيبُه لأهْلِ درَجَتِه. وكان الوَقْفُ مُرَتَّبًا بالبُطونِ، كان نَصِيبُ المَيتِ عن غيرِ وَلَدٍ، لأَهْلِ البَطْنِ الذي هو منه. ولو كان مُشْتَرَكًا بينَ أهْلِ البُطونِ، عادَ إلى جميعِ أهْلِ الوَقْفِ، في أحدِ الوَجْهَين. قلتُ:

(1) زيادة من: ا.

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو الصَّوابُ؛ فوُجودُ هذا الشَّرْطِ كعدَمِه. والوَجْهُ الثَّانِي، يخْتَصُّ البَطْنَ الذي هو منه، فيَسْتَوي فيه إخْوَتُه، وبَنُو عَمِّه، وبَنُو بَنِي عمِّ أبِيه؛ لأنَّهم في القُرْبِ سواءٌ. قدَّمه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . فإنْ لم يُوجَدْ في درَجَتِه أحدٌ، فالحُكْمُ كما لو لم يُذكَرِ الشَّرْطُ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. ولو كان الوَقْفُ على البَطْنِ الأوَّلِ، على أنَّ مَن فاتَ عن وَلَدٍ، فنَصِيبُه لوَلَدِه، وإنْ ماتَ عن غيرِ وَلَدٍ، انتْقَلَ نَصِيبُه إلى مَن في درَجَتِه، فماتَ أحدُهم عن غيرِ وَلَدٍ، فقيلَ: يعُودُ نَصِيبُه إلى أهْلِ الوَقْفِ كلِّهم، وإنْ كانُوا بُطونًا. وحكَم به التَّقِيُّ سُلَيمانُ (1). وهو الصَّوابُ. وقيل: يخْتَصُّ أهْلَ بطْنِه؛ سواءٌ كانُوا مِن أهْلِ الوَقْفِ حالًا أو قُوَّةً؛ مِثْلَ أنْ يكونَ البَطْنُ الأَوَّلُ ثلاثةً، فماتَ أحدُهم عنِ ابن، ثم ماتَ الثَّاني عن ابْنَين، فماتَ أحدُ الابنَين وترَك أخاه وابنَ عَمِّه وعَمَّه وابْنًا لعَمِّه الحَيِّ، فيكونَ نَصِيبُه بينَ أخِيه وابنِ عمِّه المَيتِ وابنِ عَمِّه الحَيِّ، ولا يسْتَحِقُّ العَمُّ شيئًا. وقيل: يخْتَصُّ أهْلَ بَطْنِه في أهْلِ الوَقْفِ المُتنَاولِين له في الحالِ. فعلى هذا، يكونُ لأخِيه وابنِ عمِّه الذي ماتَ أبُوه، ولا شيءَ لعَمِّه الحَيِّ ولا لوَلَدِه. وأطْلَقهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ذَوُو طبَقَتِه؛ إخْوَتُه، وبنُو عمِّه، ونحوُهم، ومَن هو أعْلَى منه؛ عُمُومَتُه، ونحوُهم، ومَن هو أسْفَلُ منه؛ وَلَدُه، ووَلَدُ إخْوَتِه وطبَقَتُهم. ولا يسْتَحِقُّ مَن في درَجَتِه مِن غيرِ أهْلِ الوَقْفِ بحالٍ؛ كمَن له أرْبَعُ بَنِين، وتَف على ثلاثَةٍ، وترَك الرَّابعَ، فماتَ أحدُ الثَّلاثَةِ عن غيرِ وَلَدٍ، لم يكُنْ للرَّابعِ فيه

(1) لم نجده.

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شيءٌ؛ لأنَّه ليس مِن أهْلِ الاسْتِحْقاقِ. قاله الأصحابُ. وإذا شرَطَه لمَن في درَجَةِ المُتَوَفَّى عندَ عدَمِ وَلَدِه، اسْتَحَقَّه أهْلُ الدَّرَجَةِ حالةَ وَفاتِه، وكذا مَن سيُوجَدُ منهم في أصحِّ الاحْتِمالين. قال في «الفائقِ»: هذا أقْوَى الاحْتِمالين. قال: ورأَيتُ المُشارَكَةَ بخَطِّ الشَّيخِ شَمْسِ الدِّينِ، يعْنِي الشَّارِحَ، والنَّوَويِّ. قال ابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه»: يُخَرَّجُ فيه وَجْهان. قال: والدُّخولُ هنا أوْلَى. وبه أفْتَى الشَّيخُ شَمْسُ الدِّينِ (1)، قال: وعلى هذا، لو حدَث مَن هو أعْلَى مِنَ المَوْجُودِين، وكان في الوَقْفِ اسْتِحْقاقُ الأعْلَى فالأَعْلَى، فإنَّه ينْتَزِعُه منهم. قاله في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ بعدَ المِائَةِ» . السَّادسةُ، لو قال: على أوْلادِي، ثم أوْلادِهم الذُّكورِ والإِناثِ، ثم أوْلادِهم الذُّكورِ مِن وَلَدِ الظَّهْرِ فقط، ثم نَسْلِهم وعَقِبِهم، ثم الفُقَراءِ، على أنَّه مَن ماتَ منهم، وترَكَ وَلَدًا وإنْ سفَل، فنَصِيبُه له. فماتَ أحدُ الطَّبَقَةِ الأَوَّلَةِ، وترَك بِنْتًا، فماتَتْ ولها أوْلادٌ. فقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ما اسْتَحَقَّتْه قبلَ مَوْتِها، فهو لهم. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ، لا. انتهى. ولو قال: ومَن ماتَ عن غيرِ وَلَدٍ، وإنْ سفَل، فنَصِيبُه لإِخْوَتِه، ثم نَسْلِهم، وعَقِبِهم. عمَّ مَن لم يُعْقبْ، ومَن أعْقَبَ ثم انْقطَعَ عَقِبُه؟ لأنَّه لا يقْصِدُ غيرَه، واللَّفْظُ يَحْتَمِلُه، فوَجَب الحَمْلُ عليه قَطْعًا. قاله الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ نفُوذُ حُكْمِه بخِلافِه. السَّابعةُ، لو اجْتَمَعَ صِفَتان أو صِفاتٌ في شَخصٍ واحدٍ، فهو كاجْتِماعِ شَخْصَين أو أشْخاصٍ، على المَشْهورِ مِنَ المذهبِ، فيتَعدَّدُ الاسْتِحْقاقُ بها، كالأعْيانِ. قاله في «القاعِدَةِ التَّاسعَةَ عَشْرَةَ بعدَ المِائَةِ» . وله نَظائِرُ في الوَصايا، والفَرائضِ، والزَّكاةِ، فكذلك الوَقْفُ. وأفتى به العَلَّامَةُ ابن رَجَبٍ أيضًا، وردَّ

(1) هو الشيخ ابن أبي عمر صاحب الشرح الكبير.

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قولَ المُخالِفِ في ذلك. وقيل: لا يتَعدَّدُ الاسْتِحْقاقُ بذلك. [ويأْتِي قريبًا مِن ذلك في الفائدِةِ السَّادسةِ مِنَ الفَوائدِ الآتِيَةِ قريبًا](1). الثَّامنةُ، إذا تعَقَّبَ الشَّرْطُ جُمَلًا، عادَ إلى الكُلِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وقد ذكَر المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» وَجْهَين، في قوْلِه: أنتِ حرامٌ، وواللهِ لا أُكَلِّمُكِ، إنْ شاءَ الله تعالى. انتهى. والاسْتِثْناءُ كالشَّرْطِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: لا. وقيل: والجُمَلُ مِن جنْسٍ كالشَّرْطِ. وكذا مُخَصَّصٌ؛ مِن صِفَةٍ، وعَطْفِ بيانٍ، وتوْكيدٍ، وبدَلٍ، ونحوه، والجارِّ والمَجْرورِ نحوَ: على أنَّه. أو: بشَرْطِ أنَّه. ونحو ذلك كالشَّرْطِ؛ لتعَلُّقِه بفِعْلٍ، لا باسْم. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وعُمومُ كلامِهم، لا فَرْقَ بينَ العَطْفِ بواوٍ وفاءٍ وثُمَّ؛ وذلك لِما تقدَّم. ذكَر ذلك ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. التَّاسعةُ، لو وُجِدَ في كتابِ وَقْفٍ: أنَّ رجُلًا وقَفَ، على فُلانٍ، وعلى بَنِي بَنِيه، واشْتُبِهَ؛ هل المُرادُ ببَنِي بَنِيه جمعُ ابنٍ، أو بَنِي بِنْتِه؛ واحِدَةُ البَناتِ؟ فقال ابنُ عَقِيل في «الفُنونِ»: يكونُ بينَهما عندَنا؛ لتَساويَهما، كما في تَعارُضِ البَيِّناتِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ليس هذا مِن تَعارُضِ البَيِّنتَين، بل هو بمَنْزِلَةِ ترَدُّدِ البَيِّنَةِ الواحدَةِ، ولو كان مِن تَعارُضِ البَيِّنتَين، فالقِسْمَةُ عندَ التَّعارُضِ رِوايةٌ مرْجُوحَةٌ، وإلَّا فالصَّحيحُ؛ إمَّا التَّساقُطُ، وإمَّا القُرْعَةُ، فيَحْتَمِلُ أنْ يُقرَعَ هنا، ويَحْتَمِلُ أنْ يُرُجَّحَ بنُو البَنِين؛ لأنَّ العادَةَ أنَّ الإِنْسانَ إذا وقَف على وَلَدِ بِنْتَيه (2) لا يخُصُّ منهما الذُّكورَ، بل يعُمُّ أولْادَهما، بخِلافِ الوَقْفِ على وَلَدِ الذُّكورِ، فإنَّه يخُصُّ ذُكورَهم كثيرًا، كآبائِهم؛ ولأنَّه لو أرادَ وَلَدَ البِنْتِ لسَمَّاها باسْمِها، أو

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في ط: «بنيه» .

ص: 439

فَصْلٌ: وَيُرْجَعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ في قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيهِ، وَفِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّسْويَةِ وَالتَّفْضِيلِ وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ، وَفِي النَّاظِرِ فِيهِ، وَالإِنْفَاقِ عَلَيهِ، وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ.

ــ

لشَرَكَ بينَ وَلَدِها ووَلَدِ سائرِ بَناتِه. قال: وهذا أقْرَبُ إلى الصَّوابِ. وأفْتَى أيضًا، رحمه الله، في مَن وقَف على أحَدِ أوْلادِه، وله عِدَّةُ أوْلادٍ، وجُهِلَ اسْمُه، أنَّه يُمَيَّزُ بالقُرْعَةِ.

قوله: ويُرْجَعُ إلى شَرْطِ الواقِفِ في قَسْمِه على المَوْقُوفِ عليه، وفي التَّقْدِيم والتَّأْخِيرِ، والجَمعِ والتَّرْتِيبِ، والتَّسْويَةِ والتَّفْضِيلِ، وإخْراجِ مَن شاءَ بصِفَةٍ وإدْخَالِه بصِفَةٍ، وفي النَّاظِرِ فيه والإنفْاقِ عليه، وسائرِ أَحْوالِه. وكذا لو شرَط عدَمَ إيجارِه، أو قدَّرَ مُدَّةً. قاله الأصحابُ. وقال الحارِثِيُّ: وعن بعضِهم، جَوازُ زِيادَةِ مُدَّةِ الإِجارَةِ على ما شرَطَه النَّاظِرُ بحسَبِ المَصْلَحَةِ. قال: وهو

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يحْتاجُ عندِي إلى شيءٍ مِن تَفْصيلٍ؛ فقوْلُه: يُرْجَعُ في قَسْمِه. أي في تقْديرِ الاسْتِحْقاقِ. والتَّقْديمُ؛ البُداءَةُ ببعضِ أهْلِ الوَقْفِ دُونَ بعضٍ؛ كوَقَفْتُ على زَيدٍ وعَمْرٍو وبَكْرٍ. ويبْدَأُ بالدَّفْعِ إلى زَيدٍ. أو: وَقَفْتُ على طائفَةِ كذا. ويبْدأُ بالأصْلَحِ، أو الأَفْقَهِ. والتَّأْخيرُ عكْسُ ذلك. وإذا أُضِيفَ تقْديرُ الاسْتِحْقاقِ، كان للمُؤَخَّرِ ما فضَل، وإنْ لم يفْضُلْ شيءٌ، سقَط. والجَمْعُ؛ جمعُ الاسْتِحْقاقِ مُشْتَركًا في حالةٍ واحدةٍ. والتَّرتيبُ، جعْلُ اسْتِحقاقِ بَطنٍ مُرَتَّبًا على آخَرَ، كما تقدَّم. والتَّرتيبُ مع التَّقْديمِ والتَّأْخيرِ مُتَّحِدٌ مَعْنًى، لكِنَّ المُرادَ في صُورَةِ التَّقْديمِ بَقاءُ أصْلِ الاسْتِحْقاقِ للمُؤَخَّرِ، على صِفَةِ أنَّ له ما فضَلَ، وإلَّا سقَط. وفي صُورَةِ التَّرتيبِ، عدَمُ اسْتِحْقاقِ المُؤخَّرِ مع وُجودِ المُقَدَّمِ. والتَّسْويَةُ؛ جعْلُ الرَّيعِ بينَ أهْلِ الوَقْفِ مُتَساويًا. والتَّفْضِيلُ؛ جَعْلُه مُتَفاوتًا. ومعْنَى الإِخْراجِ بصِفَةٍ، والإِدْخالِ بصِفَةٍ؛ جعْلُ الاسْتِحْقاقِ والحِرْمانِ مُرَتَّبًا على وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ، فتَرَتُّبُ الاسْتِحْقاقِ؛ كالوَقْفِ على قَوْمٍ بشَرْطِ كوْنِهم فُقَراءَ أو صُلَحاءَ. وتَرَتُّبُ الحِرْمانِ أنْ يقولَ: ومَن فسَق منهم، أو اسْتَغْنَى، فلا شيءَ له.

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أن الشَّرْطَ المُباحَ الذي لا يظْهَرُ قَصْدُ القُرْبَةِ منه، يجِبُ اعْتِبارُه في كلامِ الواقِفِ. قال الحارِثِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ، والمَعْروفُ في المذهبِ الوُجوبُ. قال: وهو الصَّحيحُ. وقال في «الفائقِ» : وقال شيخُنا، يعْنِي به الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ: يُخَرَّجُ مِن شَرْطِ كوْنِه قُرْبَةً، اشْتِراطُ القُرْبَةِ في الأصْلِ يَلْزَمُ الشُّروطَ المُباحَةَ. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: واخْتارَ شيخُنا، يعْنِي به الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ، لزُومَ العَملِ بشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ خاصَّةً، وذكَرَه صاحبُ «المُذْهَبِ» ؛ لأنَّه لا ينْفَعُه، ويُعَذَّرُ عليه، فبَذْلُ المالِ فيه سَفَهٌ، ولا يجوزُ. انهى. قال الحارِثِيُّ: ومِن مُتَأخِّرِي الأصحابِ مَن قال: لا يصِحُّ اشْتِراطُه، يعْنِي المُباحَ، في ظاهِرِ المذهبِ. وعلَّلَه، قال: وهذا له قُوَّةٌ، على القَوْلِ باعْتِبارِ القُرْبَةِ في أصْلِ الجِهَةِ، كما هو ظاهِرُ المذهبِ. وإيَّاه أرادَ بقَوْلِه: في ظاهِرِ المذهبِ. فيما أرَى، ويُؤَيِّدُه مِن نصِّ أحمدَ، وذكَر النَّصَّ في الوَصِيَّةِ. انتهى. والظَّاهِرُ، أنَّه أرادَ بقَوْلِه: مِن مُتَأخِّرِي الأصحابِ. الشَّيخَ

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِيَّ الدِّينِ، وكان في زَمَنِه. وفي كلامِ صاحِبِ «الفُروعِ» إيماءٌ إلى ذلك. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا: مَن قدَّر له الواقِفُ شيئًا، فله أكثرُ منه. إنِ اسْتحَقَّه بمُوجِبِ الشَّرْعِ. وقال أيضًا: الشَّرْطُ المَكْروهُ باطِلٌ اتفاقًا.

فائدة: لو خَصَّصَ المَدْرسَةَ بأهْلِ مذهبٍ أو بَلَدٍ أو قَبِيلَةٍ، تخَصَّصَتْ، وكذلك الرِّباطُ والخانِقاهُ. والمَقْبرَةُ كذلك. وهذا المذهبُ. جزَم به في «التَّلْخيصِ» وغيرِه، وصحَّحَه الحارِثِيُّ وغيرُه. قال الحارِثِيُّ: وذكَر بعضُ شيُوخِنا في كتابِه احْتِمالًا بعدَمِ الاخْتِصاصِ. وأمَّا المَسْجدُ؛ فإنْ عيَّن لإِمامَتِه شخْصًا، تعَيَّنَ، وإنْ خصَّصَ الإِمامَةَ بمذهبٍ، تخَصَّصَتْ به، ما لم يكُنْ في شيءٍ مِن أحْكامِ الصَّلاةِ مُخالِفًا لصَريحِ السُّنَّةِ أو ظاهِرِها؛ سواءٌ كان لعدَمِ الاطِّلاعِ، أو لتَأْويلٍ ضعيفٍ. وإنْ خصَّصَ المُصَلِّين فيه بمذهبٍ، فقال في «التَّلْخيصِ»: يخْتَصُّ بهم على الأَشْبَهِ؛ لاخْتِلافِ المذاهب في أحْكامِ الصَّلاةِ. قال الحارِثيُّ: وقال غيرُ صاحبِ «التَّلْخيصِ» ، مِن مُتَأخِّرِي الأصحابِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَين. وقوَّى الحارِثِيُّ عدَمَ الاخْتِصاصِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الفائقِ» : قلتُ: واخْتارَ ابنُ هُبَيرَةَ عدَمَ الاخْتِصاصِ في المَسْجِدِ بمذهبٍ في الإِمامِ. قال في «الفُروعِ» : وقيل: لا تتَعَيَّنُ طائفَةٌ وُقِفَ عليها مَسْجِدٌ أو مقْبَرَةٌ، كالصَّلاةِ فيه. وقال أبو الخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ إنْ عيَّن مَن يُصَلِّي فيه مِن أهْلِ الحديثِ، أو تَدْريس العِلْمِ، اخْتصَّ. وإنْ سَلَّمَ، فلأنَّه لا يقَعُ التَّزاحُمُ بإشاعَتِه، ولو وقَع، فهو أفْضَلُ؛ لأنَّ الجماعَةَ تُرادُ له. وقيل: تُمْنَعُ التَّسْويَةُ بينَ فُقَهاءَ، كمُسابقَةٍ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قوْلُ الفُقَهاءِ: نُصوصُ الواقِفِ كنُصوصِ الشَّارِعِ. يعْنِي، في الفَهْمِ والدَّلالةِ، لا في وُجوبِ العمَلِ، مع أنَّ التَّحْقيقَ، أنَّ لفْظَه، ولفْظَ المُوصِي، والحالِفِ، والنَّاذِرِ، وكلِّ عاقِدٍ، يُحْمَلُ على عادَتِه في خِطابِه ولُغَتِه التي يتَكلَّمُ

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بها؛ وافَقَتْ لُغَةَ العرَبِ أو لُغَةَ الشَّارِعِ، أمْ لا. قال: والشُّروطُ إنَّما يَلْزَمُ الوَفاءُ بها، إذا لم تُفْضِ إلى الإِخْلالِ بالمَقْصودِ الشَّرْعِيِّ، ولا تجوزُ المُحافظَةُ على بعضِها مع فَواتِ المَقْصودِ بها. قال: ومَن شرَط في القُرُباتِ أنْ يُقَدَّمَ فيها الصِّنْفُ المَفْضولُ، فقد شرَط خِلافَ شَرْطِ اللهِ، كشَرْطِه في الإِمامَةِ تقْديمَ غيرِ الأَعْلَمِ، والنَّاظِرُ مُنَفِّذٌ لما شرَطَه الواقِفُ. الهى. وإنْ شرَط أنْ لا يُنَزَّلَ فاسِقٌ ولا شِرِّيرٌ، ولا مُتَجَوِّهٌ ونحوُه، عُمِلَ به، وإلَّا توَجَّهَ أنْ لا يُعْتَبرَ في فُقَهاءَ، ونحوهم. وفي إمامٍ ومُؤذِّنٍ الخِلافُ. قال في «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ كلامِهم، وكلامِ شيخِنا في مَوْضِعٍ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا: لا يجوزُ أنْ يُنَزَّلَ فاسِقٌ في جِهَةٍ دِينِيَّةٍ؛ كمدْرَسَةٍ وغيرِها مُطْلَقًا؛ لأنَّه يجِبُ الإِنْكارُ عليه وعُقوبَتُه، فكيفَ يُنَزَّلُ؟ وقال أيضًا: إنْ نُزِّلَ. مُسْتَحِقٌّ تنْزِيلًا شرْعِيًّا، لم يَجُزْ صَرْفُه بلا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ.

انتهى.

فائدة: قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لو حكَم حاكِمٌ بمَحْضَرٍ؛ كوَقْفٍ فيه شرُوطٌ، ثم ظهَر كِتابُ الوَقْفِ غيرَ ثابتٍ، وجَب ثُبوتُه، والعَملُ به إنْ أمْكَنَ. وقال أيضًا: لو أقَرَّ المَوْقوفُ عليه، أنَّه لا يسْتَحِقُّ في هذا الوَقْفِ إلَّا مِقْدارًا معْلومًا، ثم ظهَر شَرْطُ الواقِفِ بأنَّه يسْتَحِقُّ أكْثَرَ، حُكِمَ له بمُقْتَضَى شَرْطِ الواقِفِ، ولا يَمْنَعُ مِن ذلك الإِقْرارُ المُتقَدِّمُ. الهى.

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: وإخْراجِ مَن شاءَ بصِفَةٍ، وإِدْخَالِه بصِفَةٍ. أنَّ الواقِفَ لو شرَط للنَّاظِرِ إخراجَ مَن شاءَ بصِفةٍ مِن أهْلِ الوَقْفِ، وإدْخال غيرِه بصِفَةٍ منهم، جازَ؛ لأنَّه ليس بإخْراجٍ للمَوْقوفِ عليه مِنَ الوَقْفِ، وإنَّما هو تَعْلِيقُ الاسْتِحْقاقِ بصِفَةٍ، فكأَنَّه جعَل له حقًّا في الوَقْفِ، إذا اتَّصَفَ بإرادَةِ النَّاظرِ ليُعْطِيه، ولم يجْعَلْ

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له حقًّا، إذا انْتَفَتْ تلك الصِّفَةُ فيه. وإنْ شرَط له أنْ يُخْرِجَ مَن شاءَ مِن أهْلِ الوَقْفِ، ويُدْخِلَ مَن شاءَ مِن غيرِهم، لم يصِحَّ؛ لأنَّه شرْطٌ يُنافِي مُقْتَضَى الوَقْفِ، فأَفْسَدَه، كما لو شرَط أنْ لا يُنْتفَعَ به. قال ذلك المُصَنِّفُ ومَن تابَعه. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال الحارِثِيُّ: فرَّق المُصَنِّفُ بينَ المَسْألتَين، قال: والفَرْقُ لا يتَّجهُ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كلُّ مُتَصَرِّفٍ بولايةٍ إذا قيلَ: يفْعَلُ ما يشاءُ. فإنَّما هو لمَصْلَحَةٍ شرْعِيَّةٍ، حتى لو صرَّحَ الواقِفُ بفِعْلِ ما يَهْواه، وما يَراه مُطْلَقًا، فشَرْطٌ باطِلٌ، لمُخالفَتِه الشَّرْعَ، وغايَتُه أنْ يكونَ شَرْطًا مُباحًا، وهو باطِلٌ على الصَّحيحِ المَشْهورِ، حتى لو تَساوَى فِعْلان، عُمِلَ بالقُرْعَةِ. وإذا قيلَ هنا بالتَّخْيِيرِ، فله وَجْهٌ.

فوائد؛ الأُولَى، يتَعَيَّنُ مصْرِفُ الوَقْفِ إلى الجِهَةِ المُعَيَّنَةَ له. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونقَلَه الجماعَةُ. قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه، وقطَع به أكْثَرُهم، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يجوزُ تغْيِيرُ شَرْطِ الواقِفِ إلى ماهو أصْلَحُ منه، وإنِ اخْتلَفَ ذلك باخْتِلافِ الأزْمانِ، حتى لو وقَف على الفُقَهاءِ، والصُّوفِيَّةِ، واحْتاجَ النَّاسُ إلى الجِهادِ، صُرِفَ إلى الجُنْدِ. وقيل: إنْ سبَّل ماءً للشُّرْبِ، جازَ الوُضوءُ منه. قال في «الفُروعِ»: فشُرْبُ ماءٍ مَوْقُوفٍ للوُضوءِ يتَوَجَّهُ عليه، وأَوْلَى. وقال الآجُرِيُّ في الفَرَسِ الحَبِيسِ: لا يُعِيرُه ولا يُؤْجِرُه إلَّا لنَفْعِ الفَرَسِ، ولا يَنْبَغِي أنْ يَرْكَبَه في حاجَةٍ إلَّا لتَأْدِيبِه وجَمالِ المُسْلِمين ورِفْعَةٍ لهم، أو غَيظَةٍ للعَدُوِّ، وتقدَّم وَجْهٌ بتَحْرِيمِ الوُضوءِ مِن ماءِ زَمْزَمَ. قال في «الفُروعِ»: فعلى نَجاسَةِ المُنْفَصِلِ واضِحٌ، وقيل: لمُخالفَةِ شَرْطِ الواقِفِ، أنَّه لو سبَّل ماءً للشُّرْبِ، في كراهَةِ الوُضوءِ منه وتحْريمِه وَجْهان في «فتاوَى ابنِ

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّاغُونِيِّ» وغيرِها. وعنه، يجوزُ إخْراجُ بُسُطِ المَسْجِدِ وحُصُرِه لمَن ينْتَظِرُ الجِنازَةَ. وأمَّا رُكوبُ الدَّابةِ لعَلْفِها وسَقْيِها، فيجوزُ. نقَلَه الشَّالنْجِيُّ. وجزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. الثَّانيةُ، إذا شرَط الواقِفُ لناظِرِه أُجْرَةً، فكُلْفَتُه عليه حتى تَبْقَى أُجْرَةُ مِثْلِه. على الصَّحيحِ مِنَ الذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، ومَن تَبِعَه: كُلْفَتُه مِن غَلَّةِ الوَقْفِ. قيل للشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ: فله العادَةُ بلا شَرْطٍ؟ فقال: ليس له إلَّا ما يُقابِلُ عمَلَه. وتقدَّم في بابِ الحَجْرِ، إذا لم يَشْرُطِ الواقِفُ للنَّاظِرِ أُجرَةً، هل له الأخْذُ أمْ لا؟ الثَّالثةُ، قال الحارِثِيُّ: إذا أسْنَدَ النَّظَرَ إلى اثْنَين، لم يتَصَرَّفْ أحدُهما بدُونِ شَرْطٍ. وكذا إنْ جَعَلَه الحاكِمُ أو النَّاظِرُ إليهما. وأمَّا إذا شرَطَه لكُلِّ واحدٍ مِنِ اثْنَين، اسْتقلَّ كلٌّ منهما بالتَّصَرُّفِ؛ لاسْتِقْلالِ كلٍّ منهما بالنَّظَرِ. وقال في «المُغْنِي» (1): إذا كان المَوْقوفُ عليه ناظِرًا؛ إمَّا بالشَّرْطِ، وإمَّا لانْتِفاءِ ناظِرٍ مَشْروطٍ، وكان واحِدًا، اسْتَقَلَّ به، وإنْ كانوا جماعَةً، فالنَّظَرُ للجميعِ، كلُّ إنْسانٍ في حِصَّتِه. انتهى. قال الحارِثِيُّ: والأظْهَرُ أنَّ الواحِدَ منهم في حالةِ الشَّرْطِ لا يسْتَقِلُّ بحِصَّتِه؛ لأنَّ النَّظَرَ مُسْنَدٌ إلى الجميعِ، فوَجَب الشَّرِكَةُ في مُطْلَقِ النَّظَرِ، فما مِن نَظَرٍ (2) إلَّا وهو مُشْتَرِكٌ. وإنْ أسْنَدَه إلى عَدْلَين مِن وَلَدِه، فلم يُوجَدْ إلَّا واحِدٌ، أو أَبَى أحدُهما، أو ماتَ، أقامَ الحاكِمُ مُقامَه آخَرَ؛ لأنَّ الواقِفَ لم يَرْضَ بواحدٍ، وإنْ جعَل كلًّا منهما مُسْتَقِلًّا، لم يحْتَجْ إلى إقامَةِ آخَرَ؛ لأنَّ البَدَلَ مُسْتَغْنًى عنه، واللَّفْظُ لا يدُلُّ عليه. وإنْ أسْنَدَه إلى الأفْضَلِ فالأَفْضَلِ مِن وَلَدِه، وأَبَى الأفْضَلُ القَبُولَ، فهل ينْتَقِلُ إلى الحاكمِ

(1) المغني 8/ 237.

(2)

في ط: «ناظر» .

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُدَّةَ بَقائِه، أو إلى مَن يَلِيه؟ فيه الخِلافُ الذي فيما إذا ردَّ البَطْنُ الأوَّلُ، على ما تقدَّم. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: وهي قرِيبةٌ ممَّا إذا عضَل الوَلِيُّ الأَقْرَبُ، هل تنْتَقِلُ الولايةُ إلى الحاكِمِ، أو إلى مَن يَلِيَه مِنَ الأولِياءِ؟ على ما يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في أرْكانِ النِّكاحِ. وإنْ تعَيَّنَ أحدُهم لفَضْلِه، ثم صارَ فيهم مَن هو أفْضَلُ منه، انْتقَلَ إليه لوُجودِ الشَّرطِ فيه. الرَّابعَةُ، لو تَنازَعَ ناظِران في نَصْبِ إمامَةٍ؛ نصَب أحدُهما زيدًا، والآخرُ عَمْرًا؛ إنْ لم يسْتَقِلَّا، لم تنْعَقِدِ الولايةُ؛ لانْتِفاءِ شَرْطِها، وإنِ اسْتَقَلَّا وتَعاقَبا، انْعقَدَتْ للأَسْبَقِ، وإنِ اتَّحَدا واسْتَوَى المَنْصُوبان، قُدِّمَ أحدُهما بالقُرْعَةِ. الخامسةُ، تشْتَمِلُ على أحْكام جَمَّةٍ مِن أحْكامِ النَّاظِرِ؛ إذا عزَل الواقِفُ مَن شرَط النَّظَرَ له، لم ينْعَزِلْ، إلَّا أنْ يَشْرُطَ لنَفْسِه ولايةَ العَزْلِ. قطَع به الحارِثِيُّ، وصاحِبُ «الفُروعِ» . ولو ماتَ هذا النَّاظِرُ في حياةِ الواقِفِ، لم يَمْلِكِ الواقِفُ نَصْبَ ناظِرٍ بدُونِ شَرْطٍ، وانْتَقَلَ الأمْرُ إلى الحاكمِ، وإنْ ماتَ بعدَ وَفاةِ الواقفِ، فكذلك، بلا نِزاعٍ. وإنْ شرَط الواقِفُ النَّظَرَ لنَفْسِه، ثم جعَلَه لغيرِه، أو فوَّضَه إليه، أو أسْنَدَه، فهل له عَزْلُه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، له عَزْلُه. قدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، فقال: وإنْ قال: وَقَفْتُ كذا بشَرْطِ أنْ ينْظُرَ فيه زَيدٌ. أو: على أنْ ينْظُرَ فيه. أو قال عَقِبَه: جعَلْتُه ناظِرًا فيه. أو جعَل النَّظَرَ له، صحَّ، ولم يَمْلِكْ عَزْلَه. وإنْ شرَطَه لنَفْسِه، ثم جعَلَه لزَيدٍ، أو قال: جعَلْتُ نظَرِي له. أو: فوَّضْتُ إليه ما أمْلِكُه مِنَ النَّظَرِ. أو: أسْنَدْتُه إليه. فله عزْلُه، ويَحْتَمِلُ عدَمَه. انتهى. قال الحارِثِيُّ: إذا كان الوَقْفُ على جِهَةٍ لا تنْحَصِرُ كالفُقَراءِ والمَساكِينِ، أو على مَسْجِدٍ، أو مدْرَسَةٍ، أو قنْطَرَةٍ، أو رِباطٍ، ونحو ذلك، فالنَّظَرُ للحاكِمِ، وَجْهًا واحدًا. وللشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ، أنَّه

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للواقِفِ. وبه قال هِلَالُ الرَّأْي (1)، مِنَ الحَنَفِيَّةِ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأقْوَى. فعليه، له نَصْب ناظِرٍ مِن جِهَتِه، ويكونُ نائِبًا عنه، يَمْلِكُ عزْلَه متى شاءَ؛ لأَصالةِ ولايَتِه، فكان مَنْصوبُه نائِبًا عنه، كما في المِلْكِ المُطْلَقِ. وله الوَصِيَّةُ بالنَّظرَ؛ لأَصالةِ الولايَةِ، إذا قيل بنَظَرِه له أنْ ينْصِبَ ويعْزِلَ أيضًا كذلك. انتهى. والوَجْهُ الثَّانِي، ليس له عزْلُه. وهو الاحْتِمالُ الذي في «الرِّعايَةِ» . وللنَّاظِرِ بالأَصالةِ أنْ ينْصِبَ ويَعْزِلَ أيضًا بشَرْطِه. والمُرادُ بالنَّاظِرِ بالأَصالةِ المَوْقوفُ عليه، أو الحاكِمُ. قاله القاضي مُحِبُّ الدِّين بنُ نَصْرِ اللهِ. وأمَّا النَّاظِرُ المَشْروطُ، فليس له نَصْبُ ناظِرٍ؛ لأنَّ نظَرَه مُسْتَفادٌ بالشَّرْطِ، ولم يُشْرَطِ النَّصْبُ له. وإنْ قيل برِوايَةِ توْكيلِ الوَكيلِ، كان له بالأَوْلَى؛ لتأَكُّدِ ولايَتِه مِن جِهَةِ انْتِفاءِ عزْلِه بالعَزْلِ، وليس له الوَصِيَّةُ بالنَّظرِ أيضًا. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأَثْرَمِ؛ لأنَّه إنَّما ينْظُرُ بالشَّرْطِ، ولم يُشْرَطِ الإِيصاءُ له، خِلافًا للحَنَفِيَّةِ. ومَن شُرِطَ لغيرِه النَّظرُ إنْ ماتَ، فعزَلَ نفْسَه أو فَسَقَ، فهو كمَوْتِه؛ لأنَّ تخْصِيصَه للغالِبِ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قالن في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ، لا. وقال: ولو قال: النَّظرُ بعدَه له. فهل هو كذلك، أو المُرادُ بعدَ نظَرِه؟ يتَوَجَّهُ وَجْهان. انتهى. وللنَّاظِرِ التّقْريرُ في الوَظائفِ. قال في «الفُروعِ»: قاله الأصحابُ في ناظرِ المَسْجِدِ. قال الحارِثِيُّ: المَشْروطُ له نظَرُ المَسْجِدِ، له نَصْبُ مَن يقُومُ بوَظائِفِه؛ مِن إمامٍ، ومُؤَذِّنٍ، وقَيِّمٍ، وغيرِهم، كما أنَّ لناظرِ المَوْقُوفِ عليه نَصْبَ مَن يقومُ بمَصْلَحَتِه؛ مِن جابٍ ونحوه. وإن لم يُشْرَطْ ناظِرٌ، لم يكُنْ للواقِفِ ولايةُ النَّصْبِ. نصَّ عليه في رِوايَةٍ حَرْبٍ، وابنِ بَخْتانَ. قال الحارِثِيُّ: ويَحْتَمِلُ خِلافَه على ما تقدَّم. فعلى الأوَّل، للإِمامِ ولإيَةُ

(1) هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري، لقب بالرأي لسعة علمه وكثرة فقهه. له «مصنف في الشروط» ، و «أحكام الوقف» . توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. الجواهر المضية 3/ 572، 573.

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النَّصْبِ؛ لأنَّه مِنَ المَصالحِ العامَّةِ. وقال في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : إنْ كان المَسْجِدُ كبيرًا؛ كالجَوامِعِ، وما عَظُمَ وكثُرَ أهْلُه، فلا يَؤُمُّ فيها إلَّا مَن ندَبَه السُّلْطانُ، وإنْ كان مِنَ المَساجِدِ التي يَبْنِيها أهْلُ الشَّوارِعِ والقَبائلِ، فلا اعْتِراضَ عليهم، والإِمامَةُ فيها لمَنِ اتَّفَقُوا عليه، وليس لهم بعدَ الرِّضا به عزْلُه عن إمامَتِه، إلَّا أنْ يتَغَيَّرَ. قال الحارِثِيُّ: والأصحُّ أنَّ للإِمامِ النَّصْبَ أيضًا، لكِنْ لا يَنْصِبُ مَن لا يرْضاه الجِيرانُ، وكذلك النَّاظِرُ الخاصُّ لا يَنْصِبُ مَنْ لا يرْضَونه. وقال الحارِثِيُّ أيضًا: وهل لأهْلِ المَسْجِدِ نَصْبُ ناظرٍ في مصَالحِه ووَقْفِه؟ ظاهِرُ المذهبِ، ليس لهم ذلك، كما في نصْبِ الإِمامِ والمُؤذِّنِ. هذا إذا وُجدَ نائبٌ مِن جِهَةِ الإِمامِ. فأمَّا إذا لم يُوجَدْ؛ كما في القُرَى الصِّغارِ أو الأماكنِ النَّائيةِ، أو وُجدَ، وكان غيرَ مأْمونٍ، أو يَغْلِبُ عليه نصْبُ مَن ليس مأْمونًا، فلا إشْكال في أنَّ لهم النَّصْبَ؟ تَحْصِيلًا للغرَضِ، ودَفْعًا للمَفْسَدَةِ. وكذا ما عدَاه مِنَ الأوْقافِ، لأهْلِ ذلك الوَقْفِ، أو الجِهَةَ نَصْبُ ناظِرٍ فيه كذلك. وإنْ تعَذَّرَ النَّصْبُ مِن جِهَةِ هؤلاءِ، فلرَئيسِ القَرْيَةِ أو المكانِ، النَّظَرُ والتَّصَرُّفُ؛ لأنَّه محَلُّ حاجَةٍ. ونصَّ أحمدُ على مِثْلِه. انتهى. قال في «الفُروعِ»: وذكَر في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» أنَّ الإِمامَ يُقَرِّرُ في الجَوامِعِ الكِبارِ، كما تقدَّم، ولا يتوَقَّفُ الاسْتِحْقاقُ على نصْبِه إلَّا بَشْرطٍ، ولا نظَرَ لغيرِ النَّاظرِ معه. قال في «الفُروعِ»: أطْلَقه الأصحابُ، وقاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ويتَوَجَّهُ مع حُضورِه، فيُقَرِّرُ حاكِمٌ في وَظِيفَةٍ خلَتْ في غَيبَتِه، لِمَا فيه مِنَ القِيامِ بَلفْظِ الواقِفِ في المُباشَرَةِ ودَوامِ نَفْعِه، فالظَّاهِرُ أنَّه يُريدُه. ولا حُجَّةَ في توْلِيَةِ الأئمَّةِ مع البُعْدِ؛ لمَنْعِهم غيرَهم التَّوْلِيَةَ. فنَظِيرُه منْعُ الواقِفِ التَّوْلِيَةَ لغَيبَةِ النَّاظِرِ، ولو سبَق توْلِيَةُ ناظرٍ غائبٍ، قُدِّمَتْ. وللحاكِمِ النَّظَرُ العامُّ، فيَعْتَرِضُ عليه، إنْ فعَل ما لا يَسُوغُ، وله ضمُّ أمينٍ مع تفْريطِه أو تُهْمَتِه، يحصُلُ

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به المَقْصُودُ. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وغيرُه. وقال أيضًا: ومَن ثبَت فِسْقُه، أو أصَرَّ مُتَصَرِّفًا بخِلافِ الشَّرْطِ الصَّحيحِ، عالِمًا بتَحْريمِه، قُدِحَ فيه؛ فإمَّا أنْ ينْعزِلَ، أو يُعْزَلَ، أو يُضَمَّ إليه أمِينٌ، على الخِلافِ المَشْهورِ، ثم إنْ صارَ هو أو الوَصِيُّ أهْلًا، عادَ، كما لو صرَّح به، وكالمَوْصُوفِ. وقال أيضًا: متى فَرَّط، سقَط ممَّا له بقَدْرِ ما فوَّتَه مِنَ الواجِبِ. انتهى. وقال في «التَّلْخيصِ»: لو عُزِلَ عن وَظِيفَتِه للفِسْقِ، مثَلًا، ثم تابَ، وأظْهَرَ العَدالةَ، يتَوَجهُ أنْ يُقال فيها ما قيلَ في مَسْأَلَةِ الشَّهادَةِ، أو أوْلَى؛ لأنَّ تُهْمَةَ الإِنْسانِ في حقِّ نفْسِه ومَصْلَحَتِه أبْلَغُ منها في حقِّ الغيرِ. والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَه بالخِلافِ المَشْهورِ، ما ذكَرَه الأصحاب في المُوصَى إليه، إذا فَسَقَ، هل ينْعَزِلُ أو يُضَمُّ إليه أمِينٌ؟ على ما يأْتِي. [ويأْتِي بَيانُ ذلك أيضًا قريبًا، في الفائدَةِ السَّابِعَةِ](1). وقال في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : يسْتَحِقُّ ماله، إنْ كان معْلومًا، فإنْ قصَّر، فتَرَك بعضَ العمَلِ، لم يسْتَحِقَّ ما قابلَه، وإنْ كان بجِنايَةٍ منه، اسْتَحَقَّه، ولا يسْتَحِقُّ الزِّيادَةَ. وإنْ كان مَجْهولًا، فأُجْرَةُ مِثْلِه، فإنْ كان مُقَدَّرًا في الدِّيوانِ، وعمِلَ به جماعَةٌ، فهو أجْرُ المِثْلِ. وإنْ لم يُسَمِّ له شيئًا، فقال في «الفُروعِ»: قِياسُ المذهبِ، إنْ كان مَشْهورًا بأَخذِ الجارِي على عمَلِه، فلهْ جارِي مِثْلِه، وإلَّا فلا شيءَ له، وله الأجْرُ مِن وَقتِ نَظَرِه فيه. قاله الأصحابُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ومَن أطْلَقَ النَّظَرَ لحاكِمٍ، شَمِلَ أيَّ حاكِمٍ كان؛ سواءٌ كان مذهبُه مذهبَ حاكمِ البَلَدِ زمنَ الوَقْف، أوْ لا، وإلَّا لم يكُنْ له نظَرٌ، إذا انْفَردَ، وهو باطِلٌ اتِّفاقًا. وقد أفْتَى الشَّيخُ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَصْرُ اللهِ الحَنْبَلِيُّ، والشَّيخُ بُرْهانُ الدِّينِ (1) وَلَدُ صاحِبِ «الفُروعِ» ، في وَقْفٍ شرَط واقِفُه أنَّ النَّظَرَ فيه لحاكمِ المُسْلِمين؛ كائنًا مَن كان، بأنَّ الحُكَّامَ إذا تعَدَّدُوا، يكونُ النَّظَرُ فيه للسُّلْطانِ، يُوَلِّيه مَن شاءَ مِنَ المُتَأهِّلِين لذلك. وواهق على ذلك القاضي سِراجُ الدِّينِ بنُ البُلْقِينيِّ (2)، وشِهابُ الدِّينِ البَاعُونِيُّ (3)، وابنُ الهائمِ (4)، والتَّفِهْنِيُّ الحَنَفِيُّ (5)، والبِسَاطِيُّ المْالِكِيُّ (6). وقال القاضي نَجْمُ الدِّينِ بنُ حِجِّيِّ (7)، نقْلًا ومُوافَقَةً للمُتَأَخِّرِين: إنْ كان صادِرًا مِنَ الواقِفِ قبلَ

(1) هو إبراهيم بن محمد بن مفلح تقي الدين، ويقال: برهان الدين، يعرف كأبيه بابن مفلح، أخذ عن أبيه، وولي قضاء الحنابلة بدمشق، وكان إماما فاضلا بارعا، فقيها، عالما بمذهبه. توفي سنة ثلاثين وثمانمائة. السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لابن حميد الحنبلي ق 8.

(2)

عمر بن رسلان بن نصير، البلقيني، سراج الدين، أبو حفص. إمام محدث حافظ فقيه مفسر، تولى قضاء دمشق، صنف حواشي على المهمات على «الروضة» في فروع الفقه الشافعي وغيره. توفي سنة خمس وثمانمائة. الضوء اللامع 6/ 85 - 90.

(3)

إبراهيم بن أحمد بن ناصر الدمشقي الباعوني، برهان الدين، شيخ الأدب في البلاد الشامية، عرض عليه القضاء بدمشق بإلحاح فأبى، وكان ينعت بقاضي القضاة، له مصنفات منها «مختصر الصحاح» للجوهرى. توفي سنة سبعين وثمانمائة. الأعلام 1/ 23.

(4)

محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المقدسي، محب الدين، أبو الفتح بن الهائم. مصري الأصل اشتغل بالفقه والحديث، وخرج لنفسه ولغيره، صنف «الغرر المضية في شرح نظم الدرر السنية» وهو شرح لألفية العراقي في نظم السيرة النبوية. توفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. شذرات الذهب 6/ 355.

(5)

عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي التفهني الحنفي، زين الدين، قاضي القضاة، مهر في الفقه والعربية والمعاني، وناب في الحكم، وولي التدريس، ثم قضاء الحنفية، فباشره مباشرة حسنة. توفي سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. بغية الوعاة 2/ 84.

(6)

هو محمد بن أحمد بن عثمان الطائي البساطي، شمس الدين، أبو عبد الله. فقيه مالكي، تولى القضاء بالديار المصرية، صنف «المغني» في الفقه، و «شفاء الغليل في مختصر خليل» . توفى منة اثنتين وأربعين وثمانمائة. شذرات الذهب 7/ 245.

(7)

أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد السعدي الدمشقي، شهاب الدين. حافظ مؤرخ، يلقب بمؤرخ الإسلام، انتهت إليه مشيخة الشيوخ في البلاد الشامية، وصنف كتبا جليلة. توفي سنة ثمانمائة وستة عشر. الأعلام 1/ 105.

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حُدوثِ القُضاةِ الثَّلاثَةِ، فالمُرادُ الشَّافِعِيُّ، وإلَّا فهو الشَّافِعِيُّ أيضًا على الرَّاجِحِ. ولو فَوَّضَه حاكِمٌ، لم يَجُزْ لآخَرَ نقْضُه. ولو وَلَّى كلُّ واحِدٌ منهما شخْصًا، قَدَّم وَلِيُّ الأمْرِ أحقَّهما. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا يجوزُ لواقِفٍ شَرْطُ النَّظَرِ لذِي مذهبٍ مُعَيَّنٍ دائمًا. وقال أيضًا: ومَن وقَف على مُدَرِّسٍ وفُقَهاءَ، فللنَّاظِرِ ثم الحاكِمِ تقْديرُ أُعْطِيَتِهم، فلو زادَ النَّماءُ، فهو لهم. والحُكْمُ بتَقْديمِ مُدَرِّسٍ أو بربرِه باطِلٌ، لم نعلمْ أحدًا يُعْتَدُّ به قال به، ولا بما يُشْبِهُه، ولو نفَّذَه حُكَّامٌ، وبُطْلانُه لمُخالفَتِه مُقْتَضَى الشَّرْطِ والعُرْفِ أيضًا، وليس تقْديرُ النَّاظرِ أمْرًا حَتْمًا كتَقديرِ الحاكمِ، بحيثُ لا يجوزُ له ولا لغيرِه زِيادَتُه ونَقْصُه للمَصْلَحَةِ. وإنْ قيلَ: إنَّ المُدَرِّسَ لا يزادُ ولا يُنْقَصُ بزِيادَةِ النَّماءِ ونَقْصِه. كان باطِلًا؛ لأنَّه لهم. والقِياسُ أنَّه يُسَوَّى دينَهم، ولو تَفاوَتُوا في المَنْفَعَةِ، كالإِمامِ والجَيشِ في المَغْنَمٍ، لكِنْ دلَّ العُرْفُ على التَّفْضيلِ، وإنَّما قُدِّمَ القَيِّمُ ونحوُه، لأنَّ ما يأْخُذُه أُجْرَةً، ولهذا يحْرُمُ أخْذُه فوقَ أُجْرَةِ مِثْلِه بلا شَرْطٍ. انتهى كلامُه مُلَخصًا. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ: إذا وقَف على مَن يُمْكِنُ حَصْرُه. قال في «الفُروعِ» : وجُعِلَ الإِمامُ والمُؤذِّنُ كالقَيِّمِ، بخِلافِ المُدَرِّسِ، والمُعيدِ، والفُقَهاءِ؛ فإنَّهم مِن جِنْسٍ واحدٍ. وذكَر بعضُهم في مُدرِّسٍ، وفُقهاءَ ومُتَفَقِّهَةٍ، وإمامٍ، وقَيِّمٍ، ونحو ذلك، يُقْسَمُ بينَهم بالسَّويةِ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ رِوايَتا عامِلِ زكاةٍ، الثَّمَنُ، أو الأُجْرَةُ. انتهى. قال في «الفائقِ»: ولو شرَط على مُدَرِّسٍ وفُقَهاءَ وإمامٍ، فلكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ. ذكَرَه ابنُ الصَّيرَفِيِّ في لَفْظِ المَنافِعِ. قلت: يَحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أخْذًا مِن رِوايَتَي مَدْفوعِ العامِلِ، هل هو الثَّمَنُ؛ اعْتِبارًا بالقِسْمَةِ، أو أُجْرَةُ مِثْلِه بالنِّسْبَةِ؟ انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ولو عطَّلَ مُغِلٌّ وَقْفَ مَسْجدٍ سنَةً، تقَسَّطَتِ الأُجْرَةُ المسْتَقْبَلَةُ عليها، وعلى السَّنَةِ الأُخْرَى، لتَقَوُّمِ

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوظيفةِ فيهما؛ لأنَّه خيرٌ مِنَ التَّعْطلِ، ولا ينْقصُ الإِمامُ بسَبَبِ تعَطُّلِ الزَّرْعِ بعضَ العامِ. قال في «الفُروعِ»: فقد أدْخَلَ مُغِلٌّ سنَةً في سنَةٍ. وقد أفْتَى غيرُ واحدٍ منَّا في زمَنِنا فيما نقَص عمَّا قدَّرَه الواقِفُ كلَّ شَهْرٍ، أنَّه يُتَمَّمُ ممَّا بعدَه، وحكَم به بعضُهم بعدَ سِنِين، قال: ورَأيتُ غيرَ واحدٍ لا يرَاه. انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ومَن لم يَقُمْ بوَظِيفَتِه، عزَلَه مَنْ له الولايةُ لمَن يقومُ بها، إذا لم يَتُبِ الأوَّلُ ويَلْتَزمُ بالواجِبِ. ويجِبُ أنْ يُوَلَّى في الوَظائفِ وإمامَةِ المَساجدِ الأحَقُّ شَرْعًا، وأنْ يعْمَلَ بما يقْدِرُ عليه مِن عمَل واجِبٍ. وقال في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ»: ولايَةُ الإِمامَةِ بالنَّاسِ طَرِيقُها الأَوْلَى، لا الوُجوبُ، بخِلافِ ولايَةِ القَضاءِ والنِّقابَةِ؛ لأنَّه لو تَراضَى النَّاسُ بإمام يُصَلِّي لهم، صحَّ، ولا يجوزُ أنْ يؤُمَّ في المَساجدِ السُّلْطانِيَّةِ، وهي الجوامِعُ، إلَّا مَن وَلَّاه السُّلْطانُ؛ لِئَلَّا يُفْتَاتَ عليه فيما وُكِّلَ إليه. وقال في «الرِّعايَةِ»: إنْ رَضُوْا بغيرِه بلا عُذْرٍ، كُرِهَ، وصحَّ في المذهب. ذكَرَهُ في آخِرِ الأذانِ. السَّادسةُ، لو شرَط الواقِفُ ناظِرًا، ومُدَرِّسًا، ومُعيدًا، وإمامًا، فهل يجوزُ لشَخْصٍ أنْ يقومَ بالوَظائفِ كلِّها، وتَنْحَصِرَ فيه؟ صرَّح القاضي في «خِلافِه الكَبِيرِ» بعَدَمِ الجوازِ في الفَيْء، بعدَ قوْلِ الإِمامِ أحمدَ: لا يتموَّلُ الرَّجُلُ مِنَ السَّوادِ. وأطال في في لك. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في «الفَتاوَى المِصْرِيَّةِ» : وإنْ أمْكَنَ أنْ يجْمَعَ بينَ الوَظائفِ لواحِدٍ، فعَل. انتهى. [وتقدَّم لابنِ رَجَبٍ قريبٌ مِن ذلك في الفائِدَةِ السَّابعَةِ (1) قريبًا](2). السَّابعَةُ، يُشْترَطُ في النَّاظِرِ الإِسْلامُ، والتَّكْليفُ، والكِفايَةُ في التَّصَرُّفِ، والخِبْرَةُ به، والقُوَّةُ عليه. ويُضَمُّ

(1) في ط: «السابقة» وانظر صفحة 438.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى الضَّعيفِ قَويٌّ أمِينٌ. ثم إنْ كان النَّظَرُ لغيرِ المَوْقُوفِ عليه، وكانتْ تَوْلِيَتُه مِنَ الحاكمِ، أو النَّاظِرِ، فلابُدَّ مِن شَرْطِ العَدالةِ فيه. قال الحارِثِيُّ: بغيرِ خِلافٍ عَلِمْتُه. وإن كانتْ توْلِيَتُه مِنَ الواقِفِ، وهو فاسِقٌ، أو كان عَدْلًا ففَسَق، فقال المُصَنِّفُ وجماعةٌ: يصِحُّ، ويُضَمُّ إليه أمِينٌ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَصِحَّ تَوْلِيَةُ الفاسِقِ، وينْعَزِلُ إذا فسَق. وقال الحارِثِيُّ: ومِن مُتَأَخِّرِي الأصحابِ مَن قال بما ذكَرْنا في الفِسْقِ الطارِيء، دُونَ المُقارِنِ للولايةِ، والعكْسُ أنْسَبُ؛ فإنَّ في حالِ المُقارَنَةِ مُسامَحَةً لما يُتَوَقَّعُ منه، بخِلافِ حالةِ الطَّرَيانِ. انتهى. وإنْ كان النَّظَرُ للمَوْقوفِ عليه؛ إمَّا بجَعْلِ الواقِفِ النَّظَرَ له، أو لكَوْنِه أحَقَّ بذلك عندَ عدَمِ ناظرٍ، فهو أحقُّ بذلك؛ رجُلًا كان أو امْرأةً؛ عدْلًا كان أو فاسِقًا؛ لأنَّه ينْظُرُ لنَفْسِه. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيلَ: يُضَمُّ إلى الفاسِقِ أمِينٌ. قال الحارِثِيُّ: أمَّا العَدالةُ، فلا تُشْترَطُ، ولكِنْ يُضَمُّ إلى الفاسِقِ عَدْلٌ. ذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى، والسَّامَرِّيُّ، وغيرُهما؛ لما فيه مِنَ العمَلِ بالشَّرْطِ، وحِفْظِ الوَقْفِ. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وتقدَّم إذا كان النَّظَرُ للمَوْقوفِ عليه، وكان غيرَ أهْلٍ؛ لصِغَرٍ، أو سَفَهٍ، أو جُنونٍ، فإنَّ وَلِيَّه يقومُ مَقامَه في النَّظَرِ، إنْ قُلْنا: الوَقْفُ يَمْلِكه المَوْقوفُ عليه. وإلَّا الحاكِمُ. الثَّامنةُ، وَظِيفَةُ النَّاظِرِ؛ حِفْظُ الوَقْفِ، والعِمارَةُ، والإِيجارُ، والزِّراعَةُ، والمُخاصَمَةُ فيه، وتحْصِيلُ رَيعِه؛ مِن أجْرِه، أو زَرْعِه، أو ثَمَرِه، والاجْتِهادُ في تَنْمِيَتِه، وصَرْفُه في جِهاتِه؛ مِن عِمارَةٍ وإصْلاحٍ، وإعْطاءِ مُسْتَحِقٍّ، ونحو ذلك، وله وَضْعُ يَدِه عليه، وعلى الأصْلِ. ولكِنْ إذا شرَط التَّصَرُّفَ له، واليَدَ لغيرِه، أو عِمارَتَه إلى واحدٍ، وتَحْصِيلَ رَيعِه إلى آخَرَ، فعلى ما شرَطَ. قاله الحارِثِيُّ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ونَصْبُ المُسْتَوْفِي الجامِعَ للعُمَّالِ المُتَفَرِّقِين، وهو بحسَبِ الحاجَةِ، والمَصْلَحَةِ، فإنْ لم تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ المالِ وصَرْفِه إلَّا به،

ص: 454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجَب، وقد يُسْتَغْنَى عنه لقِلَّةِ العُمَّالِ. قال: ومُباشَرَةُ الإِمامِ المُحاسَبَةَ بنَفْسِه، كنَصْبِ الإِمامِ الحاكِمَ، ولهذا كان، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، يُباشِرُ الحُكْمَ في المَدِينَةِ بنَفْسِه، ويُوَلِّي مع البُعْدِ. انتهى. التَّاسعَةُ، قال الأصحابُ: لا اعْتِراضَ لأهْلِ الوَقْفِ على مَن وَلَّاه الواقِفُ، إذا كان أمينًا، ولهم مَسْأَلَتُه عمَّا يحْتاجُون إلى عمَلِه مِن أمْرِ وَقْفِهم، حتى يَسْتَويَ عِلْمُهم وعِلْمُه فيه. قال في «الفُروعِ»: ونصُّه، إذا كان مُتَّهَمًا. انتهى. ولهم مُطَالبَتُه بانْتِساخِ كتابِ الوَقْفِ؛ ليكونَ في أيدِيهم وَثِيقَةً لهم. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وتَسْجيلُ كتابِ الوَقْفِ مِنَ الوَقْفِ كالعادَةِ. العاشرةُ، ما يأْخُذُه الفَقَهاءُ مِنَ الوَقْفِ؛ هل هو كإِجارَةٍ أو جَعَالةٍ، واسْتُحِقَّ ببعضِ العمَلِ؛ لأنَّه يُوجِبُ العَقْدَ عُرْفًا، وهو كالرِّزْقِ مِن بَيتِ المالِ؟ فيه ثلاثةُ أقْوالٍ. ذكَرَها الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، واخْتارَ الأخِيرَ، فقال: وما يُؤْخَذُ مِن بَيتِ المالِ، فليس عِوَضًا وأُجْرَةً، بل رِزْقٌ للإِعانَةِ [على الطَّاعَةِ](1)، وكذلك المالُ المَوْقوفُ على أعْمالِ البِرِّ، والمُوصَى به، أو المَنْذُورُ له، ليس كالأُجْرَةِ والجُعْلِ. انتهى. قال القاضي في «خِلافِه»: ولا يُقالُ: إنَّ منه ما يُؤْخَذُ أجْرَةً عن عمَلٍ، كالتَّدْريسِ ونحوه؛ لأنَّا نقولُ أوَّلًا: لا نُسَلِّمُ أنَّ ذلك أُجْرَةٌ محْضَةٌ، بل هو رِزْقٌ وإعانَةٌ على طَلَبِ (2) العِلْمِ بهذه الأمْوالِ. انتهى. وهذا مُوافِقٌ لما قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا: ممَّن أكَل المال بالباطِلِ قَوْمٌ لهم رَواتِبُ أضْعافُ حاجَتِهم، وقَوْمٌ لهم جِهاتٌ معْلُومُها كثيرٌ يأْخُذونه ويَسْتَنِيبُونْ بيَسِيرٍ. وقال أيضًا: النِّيابَةُ في مِثْلِ هذه الأعْمالِ المَشْرُوطَةِ جائزَةٌ، ولو عيَّنَه الواقِفُ، إذا كان النَّائبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِه، وقد يكونُ في ذلك مَفْسَدَةٌ

(1) سقط من: ط.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 455

فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا، فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيهِ. وَقِيلَ: لِلْحَاكِمِ وَيُنْفِقُ عَلَيهِ مِنْ غَلَّتِهِ.

ــ

راجِحَةٌ، كالأعْمالِ المَشْروطَةِ في الإجارةِ على عَملٍ في الذِّمَّةِ. انتهى.

قوله: فإنْ لم يَشْتَرِطْ ناظِرًّا، فالنَّظَرُ للمَوْقوفِ عليه -هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، بشَرْطِه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم- وقيل: للحاكِمِ. قطَع به ابنُ أبِي مُوسى، واخْتارَه الحارِثِيُّ، وقال: فمِنَ الأصحابِ مَن بنَى هذا الوَجْهَ على القَوْلِ بانْفِكاكِ المَوْقوفِ عن مِلْكِ الآدَمِيِّ، وليس هو عندِي كذلك ولا بُدَّ؛ إذْ يجوزُ أنْ يكونَ لحَقِّ من يأْتِي بعدُ. انتهى. وأطْلَقَهما في «الكافِي» . وقال

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفُ، ومَن تَبِعَه: ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ ذلك مَبْنِيًّا على أنَّ المِلْكَ فيه؛ هل ينْتَقِلُ إلى المَوْقوفِ. عليه، أو إلى اللهِ؟ فإنْ قُلْنا: هو للمَوْقوفِ عليه. فالنَّظرُ فيه له، وإنْ قُلْنا: هو للهِ تعالى. فالنَّظَرُ للحاكمِ. انتهى. قلتُ: قد تقدَّم أنَّ الخِلافَ هنا مَبْنِيٌّ على الخِلافِ هناك، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ هنا: إذا قُلْنا: النَّظَرُ للمَوْقوفِ عليه. فيكونُ بِناءً على القَوْلِ بمِلْكِه، كما هو المَشْهورُ عندَهم. انتهى. فلعَلَّ المُصَنِّفَ ما اطَّلَعَ على ذلك، فوافَقَ احْتِمالُه ما قالُوه، أو تكونُ طريقَةٌ أُخْرَى في المُسْلَمَ، وهو أقْرَبُ.

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا كان المَوْقوفُ عليه مُعَيَّنًا، أو جَمْعًا محْصُورًا؛ فأمَّا إنْ كان المَوْقوفُ عليهم غيرَ مَحْصُورِين؛ كالفُقَراءِ، والمَساكِينِ، أو على مَسْجِدٍ، أو على مدْرَسَةٍ، أو قَنْطَرَةٍ، أو رِباطٍ، ونحو ذلك، فالنَّظَرُ فيه للحاكِمِ، قوْلًا واحدًا. وسأَلَه المَرُّوذِيُّ عن دارٍ مَوْقوفَةٍ على المُسْلِمِين؛ إنْ تبَرَّعَ رجُلٌ فقامَ بأمْرِها، وتصَدَّقَ بغَلَّتِها على الفُقَراءِ؟ فقال: ما أحْسَنَ هذا. قال الحارِثِيُّ: وفيه وَجْهٌ للشَّافِعِيَّةِ، أنَّ النَّظَرَ يكونُ للواقِفِ. قال: وهو الأَقْوَى. قال: وعلى هذا له نَصِيبُ ناظِرٍ مِن جِهَتِه، ويكونُ نائبًا عنه، يَمْلِكُ عَزْلَه متى شاءَ. وله أيضًا الوَصِيَّة بالنَّظَرِ، لأَصالةِ الولايةِ. وتقدَّم ذلك وغيرُه بأتَمَّ مِن هذا قريبًا.

قوله: وينفِقُ عليه مِن غَلَّتِه. مُرادُه، إذا لم يُعَيِّنِ الواقِفُ النَّفَقَةَ مِن غيرِه. وهو واضِحٌ؛ فإنْ لم يُعَيِّنْه مِن غيرِه، فهو مِن غَلَّتِه، وإنْ عينَّهَ مِن غيرِه، فهو منه، بلا نِزاعٍ بينَ الأصحابِ. وقال الحارِثِيُّ: وخالفَ المالِكيَّةُ في شيءٍ منه، فقالوا: لو شرَط المَرَمَّةَ على المَوْقُوفِ، لم يَجُزْ، ووَجَبَتْ في الغلَّةِ. وعن بعضِهم، يُرَدُّ للوَقْفِ ما لم يُقْبَضْ؛ لأنَّ ذلك بمَثابَةِ العِوَضِ، فنافَى مَوْضوعَ الصَّدَقَةِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا أَقْوَى. انتهى. وإذا قُلْنا: هو مِن غَلَّتِه. فلم تكُنْ له غَلَّةٌ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ فيه رُوحٌ أوْ لا، فإنْ كان فيه رُوحٌ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ الوَقْفُ على مُعَيَّنٍ أو مُعَيَّنِين، أو غيرِهم، فإنْ كان على مُعَيَّنِين، فالصَّحيحُ مِنَ

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، وُجوبُ نفَقَتِه على المَوْقُوفِ عليهم. وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، والحارِثِيُّ، وغيرُهم. قال الحارِثِيُّ: بِناءً على أنَّه مِلْكُهم. وذكَر المُصَنِّفُ وَجْهًا بوُجوبِها في بَيتِ المالِ. قال الحارِثِيُّ: ويحْسُنُ بِناؤه على انْتِفاءِ مِلْكِ الآدَمِيِّ للمَوْقوفِ. قال: وبه أقولُ. ثم إنْ تعَذرَ الإِنْفاقُ مِن بَيتِ المال، أو مِنَ المَوْقوفِ عليه، على القوْلِ بوُجوبِها عليه، بِيعَ وصُرِفَ الثَّمَنُ في عَينٍ أُخْرَى تكونُ وَقْفًا لمَحِلِّ الضَّرورَةِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: فيُعايَى بها. وإنْ كان عدَمُ الغَلَّةِ لأجْلِ أنَّه ليس مِن شأْنِه أنْ يُسْتَغَلَّ؛ كالعَبْدِ يخْدِمُه، والفرَسِ يغْزُو عليه، أو يرْكَبُه، أُجِرَ بقَدْرِ نفَقَتِه. قاله الحارِثِيُّ وغيرُه. وهو داخِلٌ في عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ. وإنْ كان الوَقْفُ الذي له رُوحٌ على غيرِ مُعَيَّنٍ؛ كالمَساكِينِ، والغُزاةِ، ونحوهم، فنفَقَتُه في بيتِ المالِ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما. قاله الحارِثِيُّ. ويتَّجِهُ إيجارُه بقَدْرِ النَّفقَةِ حيثُ أمْكَنَ، ما لم يتَعَطَّلِ النَّفْعُ المَوْقوفُ لأَجْلِه، ثم إنْ تعَذَّرَ، ففي بَيتِ المالِ، وإنْ تعَذَّرَ الإِنْفاقُ مِن بيتِ المالِ، بِيعَ، ولابُدَّ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: فيُعايَى بها أيضًا. وإنْ ماتَ العَبْدُ، فمُؤْنَةُ تجْهيزِه، على ما قُلْنا في نفَقَتِه، على ما تقدَّم. وإنْ كان الوَقْفُ لا رُوحَ فيه؛ كالعَقارِ ونحوه، لم تجِبْ عِمارَتُه على أحَدٍ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به الحارِثِيُّ وغيرُه. قال في «التَّلْخيصِ»: إلَّا مَن يُريدُ الانْتِفاعَ به، فيَعْمُرُه باخْتِيارِه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّينِ: تَجِبُ عِمارَةُ الوَقْفِ بحسَبِ البُطونِ.

فوائد؛ الأُولَى، لو احْتاجَ الخانُ المُسَبَّلُ، أو الدَّارُ المَوْقُوفَةُ لسُكْنَى الحاجِّ أو الغُزاة إلى مَرَمَّةٍ، أُوجِرَ جُزْءٌ منه بقَدْرِ ذلك. الثَّانيةُ، قال في «الفُروعِ»: وتقدَّمُ عِمارَةُ الوَقْفِ على أرْبابِ الوَظائفِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الجَمْعُ بينَهما حسَبَ الإِمْكانِ أوْلَى، بل قد يجبُ. انتهى. وقال الحارِثِيُّ: عِمارَتُه لا تخْلُو مِن أحْوالٍ؛ أحدُها، أنْ يشْرُطَ البَداءَةَ بها، كما هو المُعْتادُ، فلا إشْكال في تقْديمِها. الثَّاني، اشْتِراطُ تقديمِ الجِهَةِ عليها، فيَجِبُ العمَلُ بمُوجِبِه، ما لم يُؤَدِّ إلى التَّعْطيلِ، فإنْ أدَّى إليه، قُدِّمَتِ العِمارَةُ، فيكونُ عَقْدُ الوَقْفِ مُخَصَّصًا للشَّرْطِ. وهذا على القَوْلِ ببُطْلانِ تأْقِيتِ الوَقْفِ، أمَّا على صِحَّتِه، فتُقَدَّمُ الجِهَةُ كيف كانَ. الثَّالثُ، شَرْطُ الصَّرْفِ إلى الجِهَةِ في كلِّ شَهْر كذا، فهو في مَعْنَى اشْتِراطِ تقْدِيمِه على العِمارَةِ، فيتَرتَّبُ ما قُلْنا في الثَّانِي. الرَّابعُ، إيقاعُ الوَقْفِ على فُلانٍ، أو جِهَةِ كذا، وبَيَّضَ له. انتهى. الثَّالثةُ، يجوزُ للنَّاظِرِ الاسْتِدْانةُ على الوَقْفِ بدُونِ إذْنِ الحاكمِ لمَصْلَحَةٍ؛ كشِرائِه للوَقْفِ نَسِيئةً، أو بنَقْدٍ لم يُعَيِّنْه. قطَع به الحارِثِيُّ وغيرُه. وقدَّمه

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروعِ» ، وقال: ويتوَجَّهُ في قرْضِه مالًا، كوَلِيٍّ. الرَّابعةُ، لو أجَرَ الموْقوفُ عليه الوَقف، ثم طلَب بزيادةٍ، فلا فسْخَ، بلا نِزاعٍ. ولو أجَر المُتَوَلِّي ما هو على سَبيلِ الخيراتِ، ثم طلَب بزيادَةٍ أيضًا، فلا فسْخَ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يُفْسَخَ. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» . الخامسةُ، إذا أجَرَه بدُونِ أُجْرَةِ المِثْلِ، صحَّ، وضَمِنَ النَّقْصَ؛ [كبَيعِ الوَكيلِ بأَنْقَصَ مِن ثمَن المِثْلِ](1)، قاله في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والأرْبَعِين». وقال في «الفائقِ»: وهل للمَوْقُوفِ عليه إجارَةُ المَوْقُوفِ بدُونِ أُجْرَةِ المِثْلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. السَّادسةُ، يجوزُ صَرْفُ المَوْقوفِ على عِمارَةِ المَسْجِدِ؛ كبِناءِ مَنارَتِه وإصْلاحِها، وكذا بِناءُ مِنْبَرِه، وأنْ يشْتَرِيَ منه سُلَّمًا للسَّطْحِ، وأنْ يَبْنِيَ منه ظُلَّتَه. ولا يجوزُ في بِناءِ مِرْحاضٍ، ولا في زَخْرَفَةِ المَسْجِدِ، ولا في شِراءِ مَكانِسَ ومجَارِفَ. قاله الحارِثِيُّ. وأمَّا إذِا وقَف على مَصالحِ المَسْجِدِ، أو على المَسْجِدِ، بهذه الصِّيغةِ، فجائزٌ صَرْفُه في نوْعِ العِمارَةِ، وفي مَكانِسَ، ومجَارِفَ، ومَساحِىَ، وقَنادِيلَ، وفُرُشٍ، ووَقودٍ، ورِزْقِ إمامٍ، ومُؤَذِّنٍ، وقَيِّم. وفي «نَوادِرِ المَذْهَبِ» لابنِ الصَّيرَفِيِّ، منْعُ الصَّرْفِ منه في إمامٍ، أو بَوارِيَ، قال: لأنَّ ذلك مصْلَحَةٌ للمُصَلِّين، لا للمَسْجِدِ. وردَّه الحارِثِيُّ. السَّابعة، قال في «نَوادِرِ المَذْهَبِ»: لو وقَف دارَه على مَسْجِدٍ، وعلى إمامٍ يُصلِّي فيه، كان للإِمامِ نصْفُ الرَّيعِ،

(1) زيادة من: ا.

ص: 461

وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّويَّةِ،

ــ

كما لو وقَفَها على زَيدٍ وعَمْرٍو. قال: ولو وقَفَها على مَساجِدِ القَرْيَةِ، وعلى إمامٍ يُصلِّي في واحدٍ منها، كان الرَّيعُ بينَه وبينَ كلِّ المساجِدِ نِصْفَين. انتهى. وتابَعه الحارِثِيُّ. قلتُ: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ له بقَدْرِ ما يحْصُلُ لمسْجِدٍ واحدٍ. وله نظائرُ.

قوله: وإنْ وقَف على أَوْلادِه، ثم على المَساكينِ، فهو لوَلَدِه الذُّكُورِ والإِناثِ بالسَّويَّةِ. نصَّ عليه، ولا أعلمُ فيه خِلافًا. لكِنْ لو حدَث للواقِفِ وَلَدٌ بعدَ وَقْفِه، ففي دُخولِه رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ بعدَ المِائَةِ» ؛ إحْداهما، يدْخُلُ معهم. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى،

ص: 462

وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.

ــ

وأفْتَى به ابنُ الزَّاغُونِيِّ، وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا يدْخُلُ معهم. [وهو المذهبُ](1)، قدَّمه في [«الفُروعِ»، و «المُحَرَّرِ»](1)، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، [وغيرِهم. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» وغيرِه. والوَصِيَّةُ كذلك](1).

قوله: ولا يَدْخُلُ وَلَدُ البَناتِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا يدْخُلون بغيرِ خِلافٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ». وقيل: يدْخُلون. اخْتارَه أبو بَكْرٍ وابنُ حامِدٍ. قال الحارِثِيُّ: وإذا قيل بدُخولِ وَلَدِ الولَدِ، هل يدْخُلُ ولَدُ البَناتِ؟ جزَم المُصَنِّفُ وغيرُه هنا بعدَمِ الدُّخولِ، مع إيرادِهم الخِلافَ فيه، فيما إذا قال: على أوْلادِ الأوْلادِ. كما في الكتابِ. قال: والصَّوابُ التَّسْويَةُ بينَ الصُّورَتَين؛ فيَطَّرِدُ في هذه ما في الأُخْرَى، لتَناوُلِ الولَدِ والأولادِ للبَطْنِ الأوَّلِ، فما بعدَه.

(1) سقط من: ط.

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وهل يَدْخُلُ فيه وَلَدُ البَنِين؟ على رِوايتَين. ظاهِرُ كلامِه أنَّهم سواءٌ كانُوا مَوْجودَين حالةَ الوَقْفِ، أوْ لا، ولا شَكَّ أنَّ الخِلافَ جارٍ فيهم؛ إحْداهما، يدْخُلون مُطْلَقًا. وهو المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ، ويُوسُفَ بنِ مُوسى، ومحمدِ بنِ عبيد اللهِ المُنادِي (1). وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: المذهبُ دُخولُهم. قال النَّاظِمُ: وهو أوْلَى. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، والحارِثِي، وصاحِبُ «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، في «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والخَمْسِين بعدَ المِائَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . واخْتارَه الخَلَّالُ، وأبو بَكْرٍ

(1) في الأصل، ا:«ابن عبد الله المنادي» وفي ط: «ابن عبد الله المناوي» . وهو محمد بن عبيد الله بن يزيد بن المنادي البغدادي، أبو جعفر. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي فقال: صدوق. وقال غيره: ثقة. توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين. تهذيب التهذيب 9/ 325 - 327.

ص: 464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عبدُ العَزيزِ، وابنُ أبِي مُوسى، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ، والقاضي فيما علَّقه بخَطِّه على ظَهْرِ «خِلافِه» ، وغيرُهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يدْخُلون مُطْلَقًا. قال المُصَنِّفُ في بابِ الوَصايا، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ: لا يدْخُلون بدُونِ قَرِينَةٍ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: اخْتارَه القاضي، وأصحابُه. وعنه، يدْخُلون، إنْ كانُوا

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَوْجُودِين حالةَ الوَقْفِ، وإلَّا فلا. قدَّمه في «الرَّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، وقال: نصَّ عليه، و «الحاوي الصَّغِيرِ». [وذكَر القاضي في «أحْكامِ القُرْآنِ»: إنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ، لم يدْخُلْ وَلَدُ الوَلَدِ، وإنْ لم يكُنْ وَلَدٌ، دخَل. واسْتَشْهَدَ بآيَةِ المَوارِيثِ] (1). وأطْلَقَ الخِلافَ في «الفُروعِ» في المَوْجُودِين حالةَ الوَقْفِ، وقدَّم عدَمَ الدُّخولِ في غيرِ المَوْجُودِين. وهذا مُسْتَثْنًى ممَّا اصْطَلَحْنا عليه في أوَّل الكتابِ.

(1) زيادة من: ا.

ص: 466

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعلى القَوْلِ بعدَمِ الدُّخولِ، قال القاضي، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إنْ قال: على وَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِي، ثم على المَساكِينِ. دخَل البَطْنُ الأوَّلُ والثَّاني، ولم يدْخُلِ البَطْنُ الثَّالِثُ. وإنْ قال: على وَلَدِي ووَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي. دخَل ثَلاث بُطونٍ، دُونَ مَن بعدَهم. قال الحارِثِيُّ: وهو وَفْقَ رِوايةِ أبِي طالِبٍ.

تنبيهان؛ الأَوَّلُ، حيثُ قُلْنا بدُخولِهم، فلا يسْتَحِقُّون إلَّا بعدَ آبائِهم مُرَتَّبًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ كقولِهم (1): بَطْنًا بعدَ بَطْنٍ. أو الأقْرَبَ فالأقرَبَ. قَدَّمه في «الفائقِ» ، وقال: هو ظاهِرُ كلامِه. قال في «الفُروعِ» : والأصحُّ مُرَتَّبًا. وصحَّحه في «النَّظْمِ» أيضًا. وقيل: يسْتَحِقُّون معهم. وأطْلَقَهما في «القَواعِدِ» . وقال في التَّرْتيبِ: فهل هو تَرْتيبُ بَطْنٍ على بَطْنٍ، فلا يسْتَحِقَّ

(1) في ط: «كقولنا» .

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدٌ مِن وَلَدِ الوَلَدِ شيئًا، مع وُجودِ فَرْدٍ مِنَ الأوْلادِ، أو تَرْتيبُ فَرْدٍ على فَرْدٍ؛ فيَسْتَحِقَّ كلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ والدِه بعدَ فَقْدِه؟ على وَجْهَين. والثَّاني مَنْصوصُ أحمد. انتهى. الثَّاني، حُكْمُ ما إذا أوْصَى لوَلَدِه في دُخولِ وَلَدِ بَنِيه حُكْمُ الوَقْفِ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. [وحَكاه في «القَواعِدِ» عنِ الأصحابِ، قال: وذكَر أبو الخَطَّابِ، أنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، نصَّ على دُخولِهم. والمَعْروفُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، إنَّما هو في الوَقْفِ. وأشارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، إلى دُخولِهم في الوَقْفِ دُونَ الوَصِيَّةِ؛ لأنَّ الوَقْفَ يتَأَبَّدُ (1)، والوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ للمَوْجُودِين، فيَخْتَصَّ بالطَّبقَةِ العُلْيا المَوْجودَةِ](2).

(1) في النسخ «يتأيد» ، وانظر: القواعد 353.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو قال: على وَلَدِ فُلانٍ. وهم قبيلَةٌ، أو قال: على أوْلادِي وأوْلادِهم. فلا تَرْتِيبَ. وسألَه ابنُ هانِئٍ، عن مَن وقَف شيئًا على فُلانٍ مُدَّة حَياتِه

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[ولوَلَدِه؟ قال: هو له حَياتَه](1)، فإذا ماتَ، فلوَلَدِه. وإذا قال: على وَلَدِي، فإذا انقْرَضُوا، فللفُقَراءِ. شَمِلَه على الصَّحِيحِ. وقيل: لا يشْمَلُه. الثَّانيةُ، لو

(1) سقط من: ط.

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اقْتَرنَ باللَّفْظِ ما يقْتَضِي الدُّخولَ، دخَلُوا بلا خِلافٍ؛ كقَوْلِه: على أوْلادِي. وهما قِبيلَةٌ، أو: على أوْلادِ أوْلادِ أوْلادِي أبدًا ما تَعاقَبُوا وتَناسَلُوا. أو: على أوْلادِي. وليسَ له إلَّا أوْلادُ أوْلادٍ، أو: على أوْلادِي، الأَعلَى فالأَعْلَى. أو: تحْجُبُ الطَّبَقَةُ

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العُلْيا الطَّبقَةَ السُّفْلَى. وما أشْبَهَ هذا. وإنِ اقْتَضَى عدَمَ الدُّخولِ، لم يدْخُلوا بلا خِلافٍ، كعلى وَلَدِي لِصُلْبِي. أو: الذين يَلُونَنِي. ونحو ذلك، على ما يأْتِي في قَوْلِه: وَلَدِي لصُلْبِي. الثَّالثةُ: لو قال: على أوْلادِي، فإذا انْقَرضَ أوْلادِي وأوْلادُ أوْلادِي، فعلى المَساكِينِ. فقال في «المُجَرَّدِ» ، و «الكافِي»: يدْخلُ أوْلادُ الأوْلادِ، لأنَّ اشْتِراطَ انْقِراضِهم دليلُ إرادَتِهم بالوَقْفِ. وفي «الكافِي» وَجْهٌ بعدَمِ الدُّخولِ؛ لأنَّ اللَّفْظَ لا يتَناوَلُهم، فهو مُنْقَطِعُ الوسَطِ؛ يُصْرَفُ بعدَ انْقِراضِ أوْلادِه مَصْرِفَ المُنْقَطِعِ، فإذا انْقَرضَ أوْلادُهم، صُرِفَ إلى المَساكِينِ. الرَّابعةُ، قال في «التَّلْخيصِ»: إذا جُهِلَ شَرْطُ الواقِفِ، وتعَذَّرَ العُثورُ عليه: قُسمَ على أرْبابِه بالسَّويَّةِ، فإنْ لم يُعْرَفُوا، جُعِلَ كوَقْفٍ مُطْلَقٍ لم يُذْكَرْ مَصْرِفه. انتهى. وقال

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الكافِي» : لو اخْتلَفَ أرْبابُ الوَقْفِ فيه، رجَع إلى الواقِفِ، فإنْ لم يَكُنْ، تَساوَوا فيه؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ ثبَتَتْ، ولم يَثْبُتِ التَّفْضِيلُ، فوَجبَتِ التَّسْويَةُ، كما لو

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شرَّك بينَهم بَلفْظِه. انتهى. وقال الحارِثِيُّ: إنْ تعَذَّرَ الوُقوفُ على شَرْطِ الواقِفِ، وأمْكَنَ التَّأَنُّسُ بتَصَرُّفِ مَن تقدَّم ممَّن يُوثَقُ به، رُجِعَ إليه؛ لأنَّه أرْجَحُ ممَّا عَداه، والظَّاهِرُ صِحَّةُ تَصرُّفِه، ووُقوعُه على الوَفْقِ. وإنْ تَعذَّرَ، وكان الوَقْف على عِمارَةٍ

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو إصْلاحٍ، صُرِفَ بقَدْرِ الحاجَةِ، وإنْ كان على قَوْمٍ، وثَمَّ عُرْفٌ في مَقادِيرِ الصَّرْفِ، كفُقَهاء المَدارِسِ، رُجِعَ إلى العُرْفِ؛ لأنَّ الغالِبَ وُقوعُ الشَّرْطِ على وَفْقِه. وأيضًا فالأصلُ عدَمُ تقْيِيدِ الواقِفِ، فيكونُ مُطْلَقًا، والمُطْلَقُ منه يَثْبُتُ له حُكمُ العُرْفِ. وإنْ لم يكُنْ عُرْفٌ، سُوَّىَ بينَهم؛ لأنَّ التَّشْريكَ ثابتٌ، والتَّفْضيلَ

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يثْبُتْ. انتهى. وقال: وذكَر المُصَنِّفُ نحوَه. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، أنَّه يُرْجَعُ في ذلك إلى العُرْفِ والعادةِ. وهو الصَّوابُ. وقال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: إذا ضاعَ كتابُ الوقْفِ وشَرْطُه، واخْتَلفُوا في التَّفْضيلِ وعَدَمِه، احْتَمَلَ أنْ يُسَوَّىَ بينهَم؛ لأنَّ الأصْلَ عدَمُ التَّفْضيلِ، واحْتَمَلَ أنْ يُفَضَّلَ بينَهم؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه يجْعَلُه على حسَبِ إرْثِهم منه، وإنْ كانوا أجانِبَ، قُدِّمَ قوْلُ مَن يدَّعِي التَّسْويَةَ ويُنْكِرُ التَّفاوُتَ. الهى.

تنبيه: يأْتِي في بابِ الهِبَةِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، هل تجوزُ التَّسْويَةُ بينَ الأوْلادِ، أم لا؟ وهل تُسْتَحَبُّ التَّسْويَةُ، أم المُسْتَحَبُّ أنْ تكونَ على حسَبِ المَيراثِ؟

ص: 476

وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ. وَنُقِلَ عَنْهُ، لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَنُقِلَ عَنْهُ في الْوَصِيَّةِ، يَدْخُلُونَ فِيهِ. وَذَهَبَ إِلَيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهَذَا مِثْلُهُ.

ــ

قوله: وإِنْ وقَف على عقِبِه، أو وَلَدِ وَلَدِه، أو ذُرِّيَّتِه، دخَل فيه وَلَدُ البَنِين. بلا نِزاعٍ [في عَقِبِه أو ذُرِّيَّتِه. وأمَّا إذا وقَف على وَلَدِه ووَلَدِ وَلَدِه، فهل يشْمَلُ أوْلادَ الوَلَدِ الثَّاني، والثَّالثِ، وهَلُمَّ جرَّا؟ تقدَّم عنِ القاضي، والمُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وغيرِهم، أنَّه لا يشْمَلُ غيرَ المَذْكُورِين.

و] (1) قوله: ونُقِلَ عنه، لا يَدْخُلُ فيه وَلَدُ البَناتِ. إذا وقَف على وَلَدِ وَلَدِه، أو قال: على أوْلادِ أوْلادِي وإنْ سفَلُوا. فنَصَّ أحمدُ في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ، أنَّ أوْلادَ البَناتِ لا يدْخُلون. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الهِدايَةِ» ،

(1) زيادة من: ا.

ص: 477

وَقَال أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالى: يَدْخُلُونَ في الْوَقْفِ.

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» : وإنْ وَصَّى لوَلَدِ وَلَدِه، فقال أصحابُنا: لا يدْخُلُ فيه وَلَدُ البنات؛ لأنَّه قال في الوَقْفِ على وَلَدِ وَلَدِه: لا يدْخُلُ فيه وَلَدُ البَناتِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: مفْهومُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه لا يدْخُلُ وَلَدُ البَناتِ، وهو أشْهَرُ الرِّواياتِ. واخْتارَه القاضي في «التَّعْليقِ» ، و «الجامعِ» ، والشِّيرازِيُّ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ». انتهى. قال في «الفُروعِ»: لم يشْمَلْ ولَدَ بَناتِه إلَّا بقَرينَةٍ.

ص: 478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتارَه الأكْثَرُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ». وصحَّحه في «تَجْريدِ العِنايةِ». قال في «الفائقِ»: اخْتارَه الخِرَقِيُّ، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والشَّيخان -يعْنِي بهما المُصَنِّفَ، والشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ- وهو ظاهرُ ما قدَّمه الحارِثِيُّ. ونُقِلَ عنه في الوَصِيَّةِ، يدْخُلون. وذهَب إليه بعضُ أصحابِنا. وهذا مِثْلُه. قلتُ: بل هي هنا روايةٌ منْصوصةٌ مِن رِوايةِ حَرْبٍ. قال في «القَواعِدِ» : ومال إليه صاحِبُ «المُغْنِي» . وهي طريقةُ ابنِ أبِي مُوسى، والشِّيرازِيِّ. قال الشَّارِحُ: القَوْلُ بأنَّهم يدْخُلون، أصحُّ، وأقْوَى دليلًا. وصحَّحه النَّاظِمُ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، في الوَصِيَّةِ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وجزَم به في «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم: واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقَهما في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وقال أبو بَكْر، وابنُ حامِدٍ: يدْخلُون في الوَقْفِ، إلَّا أنْ يقولَ: على وَلَدِ وَلَدِي لصُلْبِي. فلا يدْخُلون. وهي

ص: 479

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِوايةٌ ثالِثةٌ عن أحمدَ. قال في «المُذْهَبِ» : فإنْ قال: لصُلْبِي. لم يدْخُلوا، وجْهًا واحدًا. قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: فإنْ قيَّد فقال: لصُلْبِي. أو قال: مَن ينْتَسِبُ إلَيَّ منهم. فلا خِلافَ في المذهبِ أنَّهم لا يدخُلون. وحكَى القاضي، عن أبي بَكْرٍ، وابنِ حامِدٍ، إذا قال: وَلَدِ وَلَدِي لصُلْبِي. أنَّه يدْخُلُ

ص: 480

إلا أَنْ يَقولَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي فَلَا يَدْخُلُونَ.

ــ

فيه وَلَدُ بَناتِه لصُلْبِه؛ لأنَّ بِنْتَ صُلْبِه وَلَدُه حَقِيقَةٌ، بخِلافِ وَلَدِ وَلَدِها. قال الحارِثِيُّ: وقولُ الإِمامِ أحمدَ: لصُلْبِه. قد يُريدُ به وَلَدَ البَنِين، كما هو المُرادُ مِن إيرادِ المُصَنِّفِ عن أبي بَكْرٍ؛ فلا يدْخُلون؛ جَعْلًا لوَلَدِ البَنِين وَلَدَ الظَّهْرِ، ووَلدِ البَناتِ وَلَدَ البَطْنِ، فلا يكونُ نصًّا في المَسْأَلَةِ. وقد يُريدُ به وَلَدَ البِنْتِ التي تَلِيه، فيكونُ نصًّا، وهو الظَّاهِرُ. انتهى. وفي المَسْأَلَةِ قَوْلٌ رابعٌ بدُخولِ وَلَدِ بَناتِه لصُلْبِه، دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِنَّ.

تنبيهُ: ما تقدَّم مِنَ الخِلافِ، إنَّما هو فيما إذا وَتَفَ على وَلَدِ وَلَدِه، أو قال: على أوْلادِ أوْلادِي. وكذا الحُكْمُ، والخِلافُ، والمذهبُ إذا وقَف على عَقِبِه أو ذُرِّيَّتِه، كما قال المُصَنِّفُ، عندَ جماهيرِ الأصحابِ. وممَّن قال بعَدَمِ الدُّخولِ هنا أبو الخَطَّابِ، والقاضي أبو الحُسَينِ، وابنُ بَكْروسٍ. قاله الحارِثِيُّ، وقال: قال مالِكٌ بالدُّخولِ في الذُّرِّيَّةِ دُونَ العَقِبِ، وبه أقولُ. وكذلك القاضي في بابِ. الوَصايِا مِنَ «المُجَرَّدِ» ، وابنُ أبِي مُوسى، والشَّريفان؛ أبو جَعْفَرٍ، والزَّيدِيُّ، وأبو الفرَجِ الشِّيرازِيُّ قالُوا بعدَمِ الدُّخولِ في العَقِبِ. انتهى. قال في «الفُروعِ» ، بعدَ أنْ ذكَر وَلَدَ وَلَدِه وعَقِبَه وذُرِّيَّتَه: وعنه، يشْمَلُهم غيرَ وَلَدِ وَلَدِه. وقال في «التَّبْصِرَةِ»: يشْمَلُ الذُّرِّيَّةَ، وأنَّ الخِلافَ في وَلَدِ وَلَدِه.

تنبيهان؛ الأَوَّلُ، حكَى المُصَنِّفُ هنا عن أبي بَكْرٍ، وابنِ حامِدٍ، أنَّهما قالا: يدْخُلون في الوَقْفِ، إلَّا أنْ يقولَ: على وَلَدِ وَلَدِي لصُلْبِي. وكذا حَكاه عنهما أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وكذا حَكاه القاضي عنهما فيما حَكاه صاحِبُ

ص: 481

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» . وحكَى المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، والقاضي في «الرِّوايتَين» ، أنَّ أبا بَكْرٍ، وابنَ حامِدٍ، اخْتارا دُخولَهم مُطْلَقًا، كالرِّوايَةِ الثَّانيةِ. وقال ابنُ البَنَّا في «الخِصالِ»: اخْتارَ ابنُ حامِدٍ، أنَّهم يدْخُلون مُطْلَقًا، واخْتارَ أبو بَكْرٍ، يدْخُلون، إلَّا أنْ يقولَ: على وَلَدِ وَلَدِي لصُلْبِي. قال الزَّرْكشِيُّ: وكذا في «المُغْنِي» القديمِ فيما أظُنُّ. الثَّاني، محَلُّ الخِلافِ، مع عدَمِ القَرينَةِ. أمَّا إنْ كان معه ما يقْتَضِي الإِخْراجَ، فلا دُخولَ، بلا خِلافٍ. قاله الأصحابُ؛ كقَوْلِه: على أوْلادِي، وأوْلادِ أوْلادِي المُنْتسِبين إلَيَّ. ونحو ذلك. وكذا إنْ كان في اللَّفْظِ ما يقتَضِي الدُّخولَ،. فإنَّهم يدْخُلون،

ص: 482

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بلا خِلافٍ. قاله الأصحابُ؛ كقَوْلِه: على أوْلادِي، وأوْلادِ أوْلادِي، على أنَّ لوَلَدِ الإِناثِ سَهْمًا، ولوَلَدِ الذُّكورِ سَهْمَين. أو: على أوْلادِي؛ فُلانٍ، وفُلانٍ، وفُلانَةٍ، وأوْلادِهم، وإذا خلَتِ الأرْضُ ممَّن يرْجِعُ نسَبُه إليَّ مِن قِبَلِ أبٍ أوأُمٍّ، فللمَساكِينِ. أو: على أنَّ مَن ماتَ منهم فنَصِيبُه لوَلَدِه. ونحو ذلك. ولو قال: علي البَطْنِ الأوَّلِ مِن أوْلادِي، ثم على الثَّانِي، والثَّالثِ، وأوْلادِهم. والبَطْنُ الأَوَّلُ بناتٌ، فكذلك يدْخُلون، بلا خِلافٍ.

فوائد؛ الأُولى، لَفْظُ: النَّسْلِ، كلَفْظِ: العَقِبِ، والذُّرِّيَّةِ في إفادَةِ وَلَدِ الوَلَدِ؛ قَرِيبِهم وبَعيدِهم. وكذا دُخولُ وَلَدِ البَناتِ وعدَمِه، عندَ أكثرِ الأصحابِ. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ»: لا يدْخُلُ وَلَدُ البَناتِ، كما قال في العَقِب، وهو اخْتِيارُ السَّامَرِّيِّ. وذكَر أبو الخَطَّاب خِلافَه، أوْرَدَه في الوَصايا. الثَّانيةُ، لو قال: على بَنِي بَنِيَّ. أو: بَنِي بَنِي فُلانٍ. فكأوْلادِ أوْلادِي. وأوْلادِ أوْلادِ فُلانٍ. وأمَّا وَلَدُ البَناتِ، فقال الحارِثِيُّ: ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ هنا، أنَّهم لا يدْخُلون مُطْلَقًا.

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّالثةُ، الحَفِيدُ يقَعُ على وَلَدِ الابنِ والبِنْتِ، وكذلك السِّبْطُ؛ وَلَدُ الابنِ والبِنْتِ. الرَّابعَةُ، لو قال الهاشِمِيُّ: على أوْلادِي وأوْلادِ أوْلادِي الهاشِمِيِّين. لم يدْخُلْ مِن أوْلادِ بِنْتِه مَن ليس هاشِمِيًّا، والهاشِمِيُّ منهم في دُخولِه وَجْهان. ذكَرَهما المُصَنِّفُ وغيرُه، وبَناهما القاضي على الخِلافِ في أصْلِ المَسْأَلَةِ، ثم قال المُصَنِّفُ: أَوْلاهما الدُّخولُ. مُعَلِّلًا بوُجودِ الشَّرْطَين؛ وَصْفُ كوْنِه مِن أوْلادِ أوْلادَه، ووَصْفُ كوْنِه هاشِمِيًّا. والوَجْهُ الثَّاني، عدَمُ الدُّخولِ. وأطْلَقَهما الحارِثِيُّ، وصاحِبُ «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: ولو قال: على أوْلادِي وأوْلادِ أوْلادِي المُنْتَسِبِين إلى قَبِيلَتِي. فكذلك. الخامسةُ، تجَدُّدُ حقِّ الحَمْلِ بوَضْعِه؛ مِن ثَمَرٍ وزَرْعٍ، كمُشْتَرٍ. نقَلَه المَرُّوذِيُّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وقال: ذكَره الأصحابُ في الأوْلادِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل جَعْفَرٌ، يسْتَحِقُّ مِن زَرْعٍ قبلَ بُلوغِه الحَصادَ، ومِن نَخْلٍ لم يُؤَبَّرْ، فإن بلَغ الزَّرْعُ الحَصادَ، أو أُبِّرَ النَّخْلُ، لم يسْتَحَقَّ منه شئٌ. وقطَع به في «المُبْهِجِ» ،

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «القَواعِدِ» ، وقال: وكذلك الأصحابُ صرَّحُوا بالفَرْقِ بينَ المُؤبَّرِ وغيرِه هنا؛ منهم ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي، وأصحابُه؛ مُعَلِّلِين بتَبَعِيَّةِ غيرِ المُؤْبَّرِ في العَقْدِ، فكذا في الاسْتِحْقاقِ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: يُسْتَحَقُّ قبلَ حَصادِه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الثَّمَرَةُ للمَوجُودِ عندَ التَّأْبيرِ أو بُدُوِّ الصَّلاحِ. قال في «الفُروعِ» : ويُشْبِهُ الحَمْلَ، إنْ قَدِمَ إلى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عليه، أو خرَج منه إلى بَلَدٍ

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَوْقُوفٍ عليه فيه. نقَلَه يعْقُوبُ. وقِياسُه، مَن نزَل في مَدْرَسَةٍ ونحوُه. وقال ابنُ عَبْدِ القَويِّ: ولقائلٍ أنْ يقُولَ: ليس كذلك؛ لأنَّ واقِفَ المَدْرَسَةِ ونحوها جعَل رَيعَ الوَقْفِ في السَّنَةِ (1)، كالجُعْلِ على اشْتِغالِ مَن هو في المَدْرسَةِ عامًا، فَينْبَغِي أنْ يسْتَحِق بقَدْرِ عمَلِه مِنَ السَّنَةِ مِن رَيعِ الوَقْفِ في السَّنَةِ؛ لئلَّا يُفْضِيَ إلى أنْ يحْضُرَ الإنْسانُ شَهْرًا، مثَلًا، فيأْخُذَ مَغَلَّ جميعِ الوَقْفِ، ويحْضرَ غيرُه باقِيَ السَّنَةِ بعدَ ظُهورِ الثَّمَرَةِ (2)، فلا يسْتَحَقُّ شيئًا. وهذا يأباه مُقْتَضَى الوُقوفِ ومَقاصِدُها. انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يسْتَحِقُّ بحِصَّتِه مِن مَغلهِ. وقال: مَن جعَلَه كالوَلَدِ، فقد أخْطَأ.

(1) في ط: «المدرسة» .

(2)

في النسخ: «العشرة» .

ص: 486

وَإنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً،

ــ

قوله: وإنْ وقَف على بَنِيه، أو بَنِي فُلانٍ، فهو للذُّكُورِ خاصَّةً، إلَّا أنْ يكُونوا قَبِيلةً، فيدْخُلَ فِيه النِّساءُ دونَ أوْلادِهِنَّ مِن غيرِهم. إذا لم يكُونوا قَبِيلَةً، وقال ذلك،

ص: 487

إلا أن يَكُونُوا قَبِيلَةً، فَيَدْخُلَ فِيهِ النِّسَاءُ دُونَ أَولَادِهِنَّ مِنْ غَيرِهِمْ.

ــ

اختُصَّ به المذكورُ، بلا نِزاعٍ، وإنْ كانوا قَبِيلَةً، فجزَم المُصَنِّفُ بعدَمِ دُخولِ أوْلادِ النِّساءِ مِن غيرِهم. وهو أحدُ الوَجْهَين. وجزَم به في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» . وقيل بدُخُولِهم. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» .

ص: 488

وَإنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ، أوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ، فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى مِنْ أوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ، لِأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَجَاوَزْ بِسَهْمِ ذَوي الْقُرْبَى بَنِي هَاشِمٍ. وَعَنْهُ، إِنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ في حَيَاتِهِ صُرِفَ إِلَيهِمْ، وَإلَّا فَلَا.

ــ

قوله: وإنْ وقَف على قَرابَتِه، أو قَرابَةِ فُلانٍ، فهو للذَّكَرِ والأُنْثَى؛ مِن أوْلادِه، وأوْلادِ أبِيه، وجَدِّه، وجَدِّ أبِيه. يعْنِي، بالسَّويَّةِ بينَ كبيرِهم وصَغِيرِهم، وذكَرِهم وأُنْثَاهم، وغَنِيِّهم وفَقيرِهم، بشَرْطِ أنْ يكونَ مُسْلِمًا. وهذا المذهبُ، وعليه أَكْثَرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ عندَ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ؛ الخِرَقِيِّ، والقاضي، وأبِي الخَطَّابِ، وابنِ عَقِيلٍ، والشَّرِيفَين؛ أبي جَعْفَرٍ، والزَّيدِيِّ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، والقاضي، وعامَّةِ

ص: 489

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصحابِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وعنه، يَخْتَصُّ بوَلَدِه وقَرابَةِ أبِيه، وإنْ علَا مُطْلَقًا. اخْتارَه الحارِثِيُّ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فعلى هذه الرِّوايَةِ، يُعْطَى مَنْ يُعْرَفُ بقَرابَتِه مِن قِبَلِ أبِيه وأُمِّه الَّذِين ينْتَسِبُون إلى الأبِ الأدْنَى. انتهى. ومِثالُه، لو وقَف على أقارِبِ المُصَنِّفِ؛ وهو عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ قُدامَةَ بنِ مِقْدامِ بنِ

ص: 490

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَصْرٍ، فالمُسْتَحِقُّون هم المُنْتَسِبُون إلى قُدامَةَ؛ لأنَّه الأبُ الَّذي اشْتُهِرَ انْتِسابُ المُصَنِّفِ إليه. وقال في «الهِدايَةِ»: مثْلَ أنْ يكونَ مِن وَلَدِ المَهْدِيِّ، فيُعْطى كلّ مَن ينْتَسِبُ إلى المَهْدِيِّ. ومثَّل في «المُذْهَبِ» بما إذا كان مِن وَلَدِ المُتَوَكِّلِ. ومثَّل في «المُسْتوْعِبِ» بما إذا كان مِن وَلَدِ العَبَّاسِ. وعنه، يَخْتَصُّ بثَلاثَةِ آباءٍ فقط. فعليها، لا يُعْطى الوَلَدُ شيئًا. قال القاضي: أوْلادُ الرَّجُلِ لا يدْخُلون في اسمِ القَرابَةِ. قإل المُصنِّفُ وغيرُه: وليس بشيءٍ. وعنه، يَخْتَصُّ منهم مَن يَصِلُه. نقلَه ابنُ هانيء وغيرُه. وصحَّحه القاضي، وجماعَة. ونقل صالِحٌ، إنْ وصَل أغْنِياءَهم أُعْطُوا، وإلَّا فالفُقَراءُ أوْلَى. وأخَذ منه الحارِثيُّ عدَمَ دُخولِهم في كلِّ لفْظٍ

ص: 491

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عام. واخْتارَ أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ أنَّ القَرابَةَ مُخْتَصَّة بقَرابَةِ أبِيه إلى أرْبَعةِ آباءٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ؛ وشَذَّ ابنُ الزَّاغُونِيِّ في «وَجِيزِه» بأنْ أعْطَى أرْبعَةَ آباءِ الواقِفِ؛ فأدْخَلَ جَدَّ الجَدِّ، فعلى هذا، لا يُدْفَعُ إلى الوَلَدِ. قال: وهو مُخالِفٌ للأصحابِ. انتهى. قلتُ: نقَل صالِحُ، القَرابَةُ؛ تُعْطِي أرْبعَةَ آباءٍ. وقد قال في «الخُلاصَةِ»: وإنْ وَصَّى لأقارِبِه، دخَل في الوَصِيَّةِ الأبُ والجَدُّ وأبو الجَدِّ، وجَدُّ الجَدِّ، وأوْلادُهم. قال في «الرِّعايَةِ»: لو وقَف على قَرابَتِه، شَمِلَ أوْلادَه، وأوْلادَ أبِيه، وجَدَّه، وجَدَّ أبِيه. وعنه، وجَدَّ جَدِّه. فكَلامُ الزَّرْكَشِيِّ فيه شيء؛ وهو أنَّه شذَّذَ مَن قال ذلك، وقد نقَله صالِحٌ عن أحمدَ، وحكَم على القَوْلِ بذلك، بأنْ لا يُدْفَع إلى الوَلَدِ شيء. وليس ذلك في كلامِ ابنِ الزَّاغُونِيِّ، بل المُصرَّحُ به في كلامِ مَن قال بقَوْلِه خِلافُ ذلك، وهو صاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، وظاهِرُ الرِّوايَةِ التي في «الرِّعايَةِ». وقيل: قَرابَتُه كآلِه. على ما يأْتِي. وعنه، إنْ كان يصلُ قرابَتَه مِن قِبَلِ أُمِّه في حياتِه، صُرِفَ إليه، وإلَّا فلا. قال الحارِثِيُّ: وهذه عنه أشْهَرُ. واخْتارَها القاضي أبو الحُسَينِ وغيرُه، وقالا: هي أصحُ. وقيل: تدْخلُ قَرابَةُ أُمِّه؛ سواءٌ كان يصِلُهم، أوْ لا. قال الزَّرْكَشِيُّ: وكلامُ ابنِ الزَّاغُونِيِّ في «الوَجيزِ» يقْتَضِي أنَّه رَوايَةٌ.

ص: 492

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعلى هذا، والذي قبلَه، يدْخُلُ إخْوَتُه وأخواتُه وأوْلادُهم، وأخْوالُه وخالاتُه وأوْلادُهم. وهل يتقَيَّدُ بأرْبَعَةِ آباءٍ أيضًا؛ فيه رِوايتان. وأطْلَقهما الحارِثِيُّ. وفي «الكافِي» احْتِمالٌ بدُخولِ كلِّ مَن عُرِفَ بقَرابَتِه مِن جِهَةِ أبِيه وأُمِّه، مِن غيرِ تَقْيِيدٍ بأرْبَعةِ آباءٍ. ونحوُه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وكذلك القاضي في «المُجَرَّدِ». قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ، إنْ شاءَ الله تَعالى. قال ناظِمُ المُفْرَداتِ:

مَن يُوصِ للقَريبِ، قُلْ: لا يدْخُلُ

منهم سِوَى مَن في الحياةِ يَصِلُ

فإنْ تكُنْ صِلاُته مُنْقَطِعَهْ

تَرابَةُ الأُمِّ إذَنْ مُمْتَنِعَهْ

وعَمِّمِ الباقِي مِنَ الأقارِبِ

مِن جِهَةِ الآبا، ولا تُوارِبِ

وفي القَريبِ كافرٌ لا يدْخُلُ

وعن أُهَيلِ قرْيَةٍ يَنْعزِلُ

تنبيه: الوَصِيَّةُ كالوَقْفِ في هذه المَسائلِ، كما قال المُصَنِّفُ بعدَ ذلك. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ المُوصَى له: إذا أوْصَى لأقْرَبِ قَرابَتِه. والوَقْفُ كذلك. فانْقُلْ ما يأتِي هناك إلى هنا.

ص: 493

وَأهْلُ بَيتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ. وَقَال الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.

ــ

قوله: وأهْلُ بَيتِه بمَنْزِلةِ قَرابَتِه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْح» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وقال الخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِن قِبَلِ أبِيه وأُمِّه. واخْتارَ أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ، أنَّ أهْلَ بَيتِه كقَرابَةِ أَبوَيه.

ص: 494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَ الشِّيرازِيُّ، أنَّه يُعْطَى مَن كانْ يصِلُه في حَياتِه مِن قِبَلِ أبِيه وأُمِّه، ولو جاوَزَ

ص: 495

وَقَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ.

ــ

أرْبعَةَ آباءٍ. ونقلَه صالِحٌ. وقيل: أهْلُ بَيتِه، كذَوي رَحِمِه. على ما يأتِي في كلامِ المُصَنِّفِ قَرِيبًا. وعنه، أزْواجُه مِن أهْلِ بَيتِه ومِن أهْلِه. ذكَرَها الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: في دُخُولِهِنَّ في آلِه وأهْلِ بَيتِه رِوايَتان، أصَحُّهما دخُولُهُنَّ، وأنَّه قوْلُ الشَّرِيفِ أبِي جَعْفَر وغيرِه. وتقدَّم ذلك في صِفَةِ الصَّلاةِ، عندَ قوْلِه: اللُّهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ. وقال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ «الوَسِيلَةِ» ، أنَّ لفْظَ الأهْلِ كالقَرابَةِ، وظاهِرُ «الواضِحِ» ، أنَّهم نسباؤه (1). وذكَر القاضي، أنَّ أوْلادَ الرَّجُلِ لا يدْخُلون في أهْلِ بَيتِه. قال المُصَنِّفُ وْغيرُه: وليس بشيءٍ.

فائدة: آلُه كأهْلِ بَيتِه خِلافًا ومذهبًا. وتقدَّم كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ وغيرِه في الآلِ في صِفَةِ الصَّلاةِ. فلْيُعاوَدْ. وأهْلُه مِن غيرِ إضافَةٍ إلى البَيتِ كإضافَتِه إليه. قاله المَجْدُ، وذكَر عنِ القاضي في دُخولِ الزَّوْجاتِ هنا وَجْهَين. واخْتارَ الحارِثِيُّ الدُّخولَ، وهو الصَّوابُ، والسُّنَّةُ طافِحَةٌ بذلك.

قوله: وقَوْمُه ونُسَباؤُه كقَرابَتِه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما، وقدَّمه فيهما

(1) في الفروع 4/ 616: «نساؤه» .

ص: 496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقيل: هما كذَوي رَحِمِه. وقيل: قوْمُه كقَرابَتِه، ونُسَباؤُه كذَوي رَحِمِه. جزَم به في «مُنْتَخَبِ الأزَجِي» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «النَّظْمِ» . قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: ونُسَباؤُه كأهْلِ بَيتِه وقوْمِه. وقَدَّما أنَّ قوْمَه كقَرابَتِه. وقال أبو بَكْرٍ: هما كأهْلِ بَيتِه. واقْتَصرَ عليه في «الهِدايَةِ» . وقطَع به في «المُذْهَبِ» . قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، بعدَ أنْ ذكَر ما حَكاه أبو الخَطَّابِ عن أبي بَكْرٍ: وذكَر أبو

ص: 497

وَالْعِتْرَةُ هُمُ الْعَشِيرَةُ.

ــ

بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» أنَّه إذا قال: لأهْل بَيتِي. أو قَوْمِي. فهو مِن قِبَلِ الأبِ. وإنْ قال: أنْسِبائِي. فمِن قِبَلِ الأبِ والأم. انتهى. ويأْتِي كلامُ القاضي في الأنْسِباءِ عندَ الكلامِ على ذَوي الرَّحِمِ. واخْتارَ أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ، أنَّ قَوْمَه كقَرابَةِ أبوَيه.

وقال ابنُ الجَوْزِيِّ: القَوْمُ للرِّجالِ دُونَ النِّساء، وفاقًا للشَّافِعِيِّ؛ لقَوْلِه تَعالى:(لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} (1).

قوله: والعِتْرَةُ؛ هم العَشيِرَةُ. هذا المذهبُ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه النَّاظِمُ. وقاله القاضي وغيرُه. قال المُصَنِّفُ في «الكافِي» ، والشَّارِحُ: العِتْرَةُ؛ العَشِيرَةُ الأدْنَون في عُرْفِ النَّاسِ، ووَلَدُه الذُّكُورُ والإِناثُ، وإنْ سفَلُوا.

(1) سورة الحجرات 11.

ص: 498

وَذَوُو رَحِمِهِ كُلُّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ.

ــ

وصحَّحاه. قال في «الوَجيزِ» : العِتْرَةُ تخْتَصُّ العَشِيرَةَ والوَلَدَ. وقيل: العِتْرَةُ؛ الذُّريَّةُ. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . واخْتارَه المَجْدُ. وقيل: هي العَشِيرَةُ الأدْنَون. وقيل: وَلَدُه. وقيل: وَلَدُه ووَلَدُ وَلَدِه. وقيل: ذَوُو قرابَتِه. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. قال في «الهِدايَةِ» : إذا أوْصَى لعِتْرَتِه، فقد توَقَّفَ أحمدُ. فيَحْتَمِلُ أنْ يدْخُلَ في ذلك عَشِيرَتُه وأوْلادُه، ويَحْتَمِلُ أنْ يختَصَّ مَن كان مِن وَلَدِه.

فائدة: العَشِيرَةُ؛ هي القَبِيلَةُ. قاله الجَوْهَرِيُّ (1). وقال القاضي عِياضٌ: هي أهْلُه الأدْنَون؛ وهم بَنُو أبِيه.

قوله: وذَوُو رَحِمِه؛ كلُّ قَرابَةٍ له مِن جِهَةِ الآباءِ والأُمهاتِ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: وهم قرابَتُه لأبوَيه ووَلَدُه. وقال في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: هم قرابَةُ أبوَيه، أو وَلَدُه، بزيادَة «ألِفٍ». وقال القاضي: إذا قال: لرَحِمِي. أو لأرْحامِي. أو لنُسَبائِي. أوَ لمُناسِبِي. صُرِفَ إلى قرابَتِه مِن قِبَلِ أبِيه وأُمِّه، ويتعَدَّى وَلَدَ الأبِ الخامِسِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فعلى هذا، يُصْرَفُ إلى كلِّ مَن يرِثُ بفَرْض، أو تَعْصِيبٍ،

(1) في: الصحاح 2/ 747.

ص: 499

وَالأَيَامَى وَالْعُزَّابُ، مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَيَحْتَمِلُ

ــ

أو بالرَّحِمِ، في حالٍ مِنَ الأحْوالِ. ونقَل صالِحٌ، يَخْتَصُّ مَن يصِلُه مِن أهْلِ أبِيه وأُمِّه، ولو جاوَزَ أَرْبَعَةَ آباءٍ.

قوله: والأيامَى والعُزَّابُ؛ مَن لا زَوْجَ له مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الشَّارِحُ: ذكَرَه أصحابُنا. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ويَحْتَمِلُ أنْ يَخْتَصَّ الأيَامَى بالنِّساءِ، والعُزَّابُ بالرِّجالِ. قال الشَّارِحُ: وهذا أَوْلَى. واخْتارَه في «المُغْنِي» . وقال في «التَّبْصِرَةِ» : والأيَامَى؛ النِّساءُ البُلَّغُ. وقال القاضي في «التَّعْلِيقٍ» : الصَّغيرُ

ص: 500

أنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاء، وَالْعزَّابُ بالرِّجَالِ. فَأمَّا الْأَرَامِل، فَهُنَّ النِّسَاءَ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجهُنَّ. وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

ــ

لا يُسَمَّى أَيِّمًا عُرْفًا، وإنَّما ذلك صِفَةٌ للبالغِ (1).

قوله: فأمَّا الأرامِلُ؛ فهُنَّ النِّساءُ الَّلاتي فارَقَهُنَّ أزْواجُهُنَّ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي وغيرُه. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وقيل: هو للرِّجالِ والنِّساءِ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال ابنُ الجَوْزِيِّ: في اللُّغَةِ؛ رجُلٌ أَرْمَلٌ، وامْرأةٌ أرْملَةٌ. وقال القاضي في «التَّعْليقِ»: الصَّغِيرَةُ لا تُسَمَّى أرْملَةً عُرْفًا، وإنَّما ذلك صِفَةٌ للبالِغِ؛ قال في الأَيِّمِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما البِكْرُ، والثَّيِّبُ، والعانِسُ يَشْمَلُ الذَّكرَ والأْنثَى. وكذا إخْوَتُه وعُمومَتُه يَشْمَلُ الذَّكَرَ والأُنْثَى. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ وجْهٌ، وتَناوُلُه لبَعيدٍ، كوَلَدِ وَلَدٍ. قال ابنُ الجَوْزِيِّ: يُقالُ في اللُّغَةِ: رجُلٌ أَيِّمٌ، وامْرأةٌ أَيِّمٌ، ورجُل بِكرٌ، وامْرأةٌ بِكرٌ، إذا لم يتزَوَّجا. ورَجُلٌ ثَيِّبٌ، وامْرأَةٌ ثَيِّبَةٌ. إذا كانا قد تزَوَّجَا. انتهى. وأمَّا الثُّيُوبَة؛ فزَوالُ البَكارَةِ. قاله المُصَنِّف، ومَن تَبِعَه، وأطْلَقَ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: زَوالُ البَكارَة بزَوْجِيَّةٍ؛ مِن رجُلٍ وامْرأةٍ. الثَّانيةُ، الرَّهْطُ؛ ما دُونَ العَشَرَةِ مِنَ الرِّجالِ خاصًّةً، لُغَةً. وذكَر ابنُ الجَوْزِيِّ أنَّ الرُّهْطَ ما بينَ الثَّلاثَةِ والعَشَرَةِ. وكذا قال في النَّفَرِ؛ أنَّه ما بينَ الثَّلَاثةِ والعَشْرَةِ. وتقدم ذِكْرُ «النَّفَرِ» في أوَّلِ الفَواتِ والإِحْصارِ، فيما إذا وقَف نَفَرٌ.

ص: 502

وَإنْ وَقَفَ عَلَى أهْلِ قَرْيَتِهِ أوْ قَرَابَتِهِ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ وَإنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا.

ــ

قوله: وإِنْ وقَف على أهْلِ قَرْيَتِه أو قَرابَتِه -وكذا لو وَصَّى لهم- لم يدْخُلْ فيهم مَن يُخالِفُ دِينَه. وكذا لو وقف على إخْوَتِه، ونحوهم، لم يدخلْ

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيهم مَن يُخالِفُ دِينَه. وهذا المذهبُ في ذلك كلِّه. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» . وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ المُسْلِمَ يدْخُلُ، وإنْ كان الواقِفُ كافِرًا، ولا عكسَ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» .

ص: 505

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، محَلُّ الخِلافِ؛ إذا لم تُوجَدْ قَرينَة قَوْلِيَّةٌ، أو حالِيَّةٌ، فإنْ وُجِدَتْ، دَخَلُوا؛ مثلَ أنْ لا يكونَ في القَرْيَةِ إلَّا مُسْلِمُون، أو لا يكونَ فيها إلَّا كافِرٌ واحِدٌ، وباقي أهْلِها مُسْلِمُون، قاله الأصحابُ. قال في «الفائقِ»: ولو كان أكثرُ أقارِبِه كُفَّارًا، اخْتَصَّ المُسْلِمون في أحَدِ الوَجْهَين. وقال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والعِشْرِين بعدَ المِائَةِ»: لو وقَف المُسْلِمُ على قَرابَتِه، أو أهْلِ قَرْيَتِه، أو أوْصَى لهم، وفيهم مُسْلِمُون وكُفَّارٌ، لم يتَناوَلِ الكُفَّارَ حتَّى يُصَرِّحَ بدُخولِهم. نصَّ عليه في رِوايَةِ حَرْبٍ، وأبي طالِبٍ. ولو كان فيهم مُسْلِمٌ (1) واحِدٌ، والباقِي

(1) سقط من: الأصل.

ص: 506

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كُفَارٌ، ففي الاقْتِصارِ عليه وَجْهان؛ لأنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ العامْ على واحدٍ، بَعيدٌ جِدًّا. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ الدُّخولُ في هذه الصُّورَةِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ومال إليه أبو محمدٍ. الثانِي، شَمِلَ قوْلُه: لم يدخُلْ فيهم مَن يُخالِفُ دِينَه. لو كان فيهم كافِرٌ على غيرِ دِينِ الواقِفِ الكافرِ، فلا يدخُلُ، ولا يسْتَحِق شيئًا، ولو قُلْنا بدُخولِ المُسْلِمِ إذا كان الواقِفُ كافِرًا. وهو كذلك. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يدْخُلَ؛ بِناءً على توْريثِ الكُفَارِ بعضَهم مِن بعض، مع اخْتِلافِ دِيِنِهم. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجعَله في «الفُروعِ» محَلَّ وفاقٍ؛ على القَوْلِ بأنَّ بعضَهم يرِثُ بعضًا.

ص: 507

وَإنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقَ وَمِنْ أَسْفَلَ، تَنَاوَلَ جَمِيعَهُمْ. وَقَال ابْنُ حَامِدٍ: يَخْتَصُّ الْمَوَالِيَ مَنْ فَوْقَ.

ــ

قوله: وإنْ وقَف على مَوالِيه، وله مَوالٍ مِن فَوْقَ، ومَوالٍ مِن أسْفَلَ، تَناوَلَ جَميعَهم. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وصحَّحه في «الفْائقِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الِفُروعِ» وغيرِه. وقال ابنُ حامِدٍ: يخْتَصُّ المَوالِيَ مِن فَوْقَ. وهم مُعْتِقوه. واخْتارَ الحارِثِيُّ، أنَّه للعَتِيقِ، قال: لأنَّ العادَةَ جارِيَة بإحْسانِ المُعْتِقِين إلى العُتَقاءِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو عَدِمَ المَوالِيَ، كان لمَوالِي العَصَبَةِ. قدَّمه في «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال الشَّريفُ أبو جَعْفَر: يكونُ لمَوالِي أبِيه. واقْتَصرَ عليه الشَّارِحُ. وقيل: لعَصَبَةِ مَوالِيه. قدَّمه في «الرِّعايتَين» . وقيل: لوارِثِة بوَلاءٍ. وقيل: كمُنْقطِعِ الآخِرِ. قطَع به في «الرِّعايَةِ» ، بعدَ

ص: 508

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَصَبَةِ المَوالِي. وأطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الأخِيرةَ في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لا شيءَ لمَوالِي عَصَبَتِه، إلَّا مع عَدَمِ مَوالِيه. قاله في «الفُروعِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لو كان له مَوالِي أبٍ حينَ الوَقْفِ، ثم انْقَرَضَ مَوالِيه، لم يكُنْ لمَوالِي الأبِ شيءٌ.

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، العُلَماءُ؛ هم حَمَلةُ الشَّرْعِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزمَ به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم. وقيل: مِن تَفْسيرٍ، وحَديثٍ، وفِقْهٍ، ولو كانُوا أغْنِياءَ، على القَوْلَين. لكِن هل يختَصُّ به مَنِ كان يَصِلُه؟ حُكْمُه حُكمُ قرابَتِه. على ما تقدَّم. الثَّانيةُ، أهْلُ الحديثِ؛ مَن عرَفه. وذكَر ابنُ رَزِينٍ أنَّ الفُقَهاءَ والمُتَفَقِّهَةَ كالعُلَماءِ، ولو حَفِظَ أرْبَعِين حديثًا، لا بمُجَرَّدِ السَّماعِ. فالقُرَّاءُ الآنَ حُفَّاظُه، وفي الصَّدْرِ الأوَّلِ هم الفُقَهاءُ. الثَّالثةُ، الصَّبِيُّ والغُلامُ؛ مَن لم يبْلُغْ، وكذا اليَتِيمُ؛ مَن لم يبْلُغْ، وهو بلا أبٍ. ولو جُهِلَ بَقاءُ أبِيه، فالأَصْلُ بَقاؤُه في ظاهِرِ كلامِ الأصحابِ. قاله في «الفُروعِ». وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُعْطَى مَن ليس له أبٌ يُعْرَفُ ببِلادِ الإسْلامِ. قال: ولا يُعْطَى كافرٌ. قال في «الفُروعِ» : فدَلَّ أنَّه لا يُعْطَى مِن وَقْفٍ عامٍّ. وهو ظاهِرُ كلامِهم في مَواضِعَ. قال: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ. وليس وَلَدُ الزِّنا يَتِيمًا؛ لأنَّ اليُتْمَ انْكِسارٌ يدْخُلُ على القَلْبِ بفَقْدِ الأبِ. قال الإِمامُ أحمدُ في مَن بلَغ: خرَج

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن حَدِّ اليُتْمِ. الرَّابعةُ، الشَّابُّ، والفَتَى؛ هما مِنَ البُلوغِ إلى الثَّلاثِين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: إلى خَمْس وثَلاثين. والكَهْلُ؛ مِن حدِّ الشَّبابِ إلى خَمْسِين. والشَّيخُ منها إلى السَّبْعِين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقال في «الكافِي» : إلى آخِرِ العُمْرِ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، فإنَهم قالوا: ثم الشَّيخُ بعدَ الخَمْسِين. قال الحارِثِيُّ: ولا يزالُ كَهْلًا حتَّى يبْلُغ خَمْسِين سَنَةً، ثم هو شيخ حتَّى يموتَ اقْتَصَرَ عليه. فعلى المذهبِ، يكونُ الهَرِمُ منها إلى المَوْتِ. الخامسةُ، أَبْوابُ البِرِّ؛ وهي القُرَبُ كلُّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وأفْضَلُها الغَزْوُ، ويُبْدَأُ به. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ، يُبْدَأُ بما تقدَّم في أفْضَلِ الأعْمَالِ. يعْنِي، الَّذي تقدَّم في أَوَّلِ صَلاةِ التَّطَوُّعِ. ويأتِي في بابِ المُوصَى له، إذا أوْصَى في أَبْوابِ البِرِّ، في كلامِ المُصَنِّفِ، والكَلامُ عليه مُسْتَوْفًى. السَّادسةُ، لو وقَف على

ص: 511

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَبيلِ الخَيرِ، اسْتَحَقَّ مَن أخَذ مِنَ الزَّكاةِ. ذكَرَه في «المُجَرَّدِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال أبو الوَفاءِ: يعُمُّ، فيَدْخُلُ فيه الغارِمُ؛ للإصْلاحِ. قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: ويجوزُ لغَنِيٍّ قَريبٍ. السَّابعةُ، جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالمِ وضَمِيرُه يشْمَلُ الأْنثَى. على الصحيح مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يشْمَلُها، كعَكْسِه لا يشْمَلُ الذَّكَرَ. الثَّامنةُ، الأشْرافُ؛ وهم أهْل بَيتِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وأهْلُ العِراقِ كانُوا لا يُسَمُّون شَرِيفًا إلَّا مَن كان مِن بَنِي العَبَّاسِ، وكثيرٌ مِن أَهْلِ الشَّامِ وغيرِهم لا يسَمُّونه إلَّا إذا كان عَلَويًّا. قال: ولم يُعَلِّقْ عليه الشَّارِعُ حُكْمًا في الكِتابِ والسُّنَّةِ ليُتَلَقَّى حَدُّه مِن جِهَتِه. والشَّريفُ في اللُّغَةِ خِلافُ الوَضِيعِ والضَّعيفِ؛ وهو الرِّياسَةُ والسُّلطانُ. ولمَّا كان أهْلُ بَيتِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أحقَّ البُيوتِ بالتَّشْريفِ، صارَ مَن كان مِن أهْلِ البَيتِ شَرِيفًا. التَّاسعةُ، لو وقَف على بَنِي هاشِمٍ، أو وصَّى لهم؛ لم تدْخُلْ مَوالِيهم. نصَّ عليه، في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، وحَنْبَل. قال القاضي في «الخِلافِ»: لأنَّ الوَصِيَّةَ يُعْتَبرُ فيها لَفْظُ المُوصِي، وَلفْظُ صاحِبِ «الشَّريعَةِ» يُعْتَبَرُ فيه المَعْنَى. ولهذا، لو حلَف: لا أكَلْتُ سُكَرًا؛ لأنَّه حُلْوٌ. لم يعُمَّ غيرَه مِنَ الحَلاواتِ. وكذلك لو قال: عَبْدِي حُرٌّ؛ لأنَّه أسْوَدُ. لم يعْتَقْ غيرُه مِن العَبِيدِ. ولو قال اللهُ: حرَّمْتُ المُسْكِرَ؛ لأنَّه حُلْوٌ. عمَّ جميعَ الحَلاواتِ. وكذلك إذا قال: أعْتِقْ عبْدَك؛ لأنَّه أسْوَدُ. عمَّ. انتهى. وقد تقدَّم في آخِرِ إخْراجِ الزَّكاةِ، أنَّه لا يجوزُ أخْذُها لمَوالِي بَنِي هاشِمٍ، والظَّاهِرُ أنَّ العِلَّةَ ما قاله القاضي هنا.

ص: 512

وَإِذَا وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ، وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْويَةُ بَينَهُمْ؛

ــ

قوله: وإنْ وقَف على جَماعَةٍ يُمكِنُ حَصْرُهم واسْتِيعابُهم، وجَب تَعْمِيمُهم والتَّسْويَةُ بينَهم. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقَطعُوا به. وقال في «الفائقِ»: ويَحْتَمِلُ جوازَ المُفاضَيَةِ فيما يُقْصَدُ فيه تَمْيِيزٌ، كالوَقْفِ على الفُقَهاءِ. قلتُ: وهذا أقْرَبُ إلى الصَّوابِ. وعنه، إنْ وصَّى في سِكَّتِه؛ وهم أهْلُ دَرْبِه، جازَ التَّفْضِيلُ لحاجَةٍ. قال الحارِثِيُّ: والأوْلَى جوازُ التَّفْضيلِ للحاجَةِ، فيما قُصِدَ به سدُّ الخَلَّةِ، كالمَوْقوفِ على فُقَراءِ أهْلِه. انتهى. قال ابنُ عَقِيلٍ: وقِياسُه الاكْتِفاءُ بواحِدٍ. وعنه، في مَن أوْصَى في فُقَراءِ مَكَّةَ، يُنْظَرُ أحْوَجُهم. وتقدَّم كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ إذا وَقَف على مُدَرِّسٍ وفُقَهاءَ؛ هل يُسَوَّى بينَهم، أو يتَفاضَلُون؟ في أحْكامَ النَّاظِرِ.

تنبيه: الَّذي يظْهَرُ أنَّ محَلَّ هذا، إذا لم يكُنْ قرِينَةٌ، فإنْ كان قَرينَةٌ، جازَ التَّفاضُلُ، بلا نِزاعٍ. ولها نَظائرُ تقدَّم حُكْمُها.

ص: 513

وَإلَّا جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزئَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ.

ــ

فائدة: لو كان الوَقْفُ في ابْتِدائِه على مَن يُمْكِنُ اسْتِيعابُه، فصارَ ممَّا لا يُمْكِنُ

اسْتِيعابُه؛ كوَقفِ عليٍّ، رضي الله عنه، على وَلَدِه ونَسْلِه، فإنَّه يجِبُ تَعْمِيمُ مَن

أمْكَنَ منهم، والتَّسْويَةُ بينَهم. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما.

قوله: وإلَّا جازَ تَفْضِيلُ بعضِهم على بعضٍ، والاقْتِصارُ على واحِدٍ مِنهم. يعْنِي، إذا لم يُمْكِنْ حصْرُهم واسْتِيعابُهم؛ كما لو وقَف على أصنافِ الزَّكاةِ، أو على الفُقَراءِ والمَساكِينِ، ونحو ذلك، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جوازُ الاقْتِصارِ على واحِدٍ، كما جزم به المُصَنِّفُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وجزَم به في «الوَجيزِ». وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ويَحْتَمِلُ ألا يُجْزِئَه أقَلُّ مِن ثلَاثةٍ. وهو وَجْهٌ في «الهِدايَةِ» وغيرِها؛ بِناءً على قوْلِنا في الزَّكاةِ. وأطْلَقهما في «المُحَرِّرِ». وقيل: في إجْزاءِ الواحدِ رِوايَتان.

ص: 514

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو وقَف على أصنافِ الزَّكاةِ، أو على الفُقَراءِ والمَساكِينِ، جازَ الاقْتِصارُ على صِنْفٍ منهم. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، ذكَرَه في الوَصِيَّةِ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، في غيرِ المَسْأَلَةِ الثَّانيةِ. وقالا في الثَّانيةِ: لابُدَّ مِنَ الصَّرْفِ إلى الفرِيقَين كِلَيهما (1). قال الحارِثِيُّ: قِياسُ المذهبِ عندَ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ، جوازُ الاقْتِصارِ على أحَدِ

(1) في ط: «كالزكاة» .

ص: 515

فَإنْ كَانُوا مِنْ أهْلِ الزَّكَاةِ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أكْثَرُ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَيهِ مِنَ الزَّكَاةِ، إِذَا كَانَ الْوقْفُ عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ.

ــ

الصِّنْفَين؛ مِنَ الفُقَراءِ والمَساكِينِ. وقطَع به في «التَّلْخيصِ» . وعندَ المُصَنِّفِ، يجِبُ الجَمْعُ، وحُكِيَ عنِ القاضِي. وقيل: لا يُجْزِئُ الاقْتِصارُ على صِنْفٍ؛ بِناءً على الزَّكاةِ. قال القاضي في «الخِلافِ» : هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. وقيل: لكُلِّ صِنْفٍ منهم الثُّمنُ. وأطْلَقَهما في «الفائقِ» . الثَّانيةُ، لو وَقَف على الفُقَراءِ فقط، أو على المَساكِينِ فقط، جازَ إعْطاءُ الصنْفِ الآخَرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا يجوزُ. ذكَرَه القاضِي. ويأْتِي ذلك أيضًا في بابِ المُوْصَى له. ولو افْتَقَرَ الواقِفُ، اسْتَحَقَّ مِنَ الوَقْفِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: شَمِلَه في الأصحِّ. قال في «القواعِدِ» : نصَّ عليه، في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ. وقيل: لا يشْمَلُه، فلا يسْتَحِقُّ شيئًا منه. وتقدَّم ذلك في أوَّلِ البابِ، قُبَيلَ قوْلِه: الثَّالِثُ، أنْ يَقِفَ على مُعَيَّنٍ يُمْلَكُ.

قوله: يُدْفَعُ إلى واحِدٍ أكْثَرُ مِنَ القَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إليه مِنَ الزكاةِ، إذا كان الوَقْفُ على صِنْفٍ مِن أصنافِ الزَّكاةِ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . واخْتارَ أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، زِيادَةَ المِسْكِينِ والفَقيرِ على خمْسِين دِرْهَمًا. وإنْ منَعْناه منها في الزَّكاةِ.

ص: 516

وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ في هَذَا الْفَصْلِ.

فَصْلٌ: وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ، لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالةٍ وَلَا غَيرِهَا.

ــ

قوله: والوَّصِيَّةُ كالوَقْفِ في هذا الفَصْلِ. هذا صحيحٌ، لكِنَّ الوَصِيَّةَ أعَمُّ مِنَ الوَقْفِ، على ما يأْتِي. واخْتَارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فيما إذا وقَف على أقْرَبِ قَرابَتِه، اسْتِواءَ الأخِ مِنَ الأبِ، والأخِ مِنَ الأبوَين. ذكَرَه في «القاعِدَةِ العِشْرِين بعدَ المِائَةِ» . وذكَر في «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والخَمْسِين بعدَ المِائَةِ» ، أنَّ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّين اخْتارَ، فيما إذا وقَف على وَلَدِه، دُخولَ وَلَدِ الوَلَدِ قى الوَقْفِ دُونَ الوَصِيَّةِ، وفرَّقَ بينَهما. وتقدم كلامُ ناظمِ المُفْرَداتِ، إذا أوْصَى لقَرابَتِه.

قوله: والوَقْفُ عَقْدٌ لازمٌ، لا يجوز فَسْخُه بإقالةٍ ولا غيرِها. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ: إذا وقَف في صِحتِه، ثم ظهَر عليه دينٌ، فهل يُبَاعُ لوَفاءِ الدَّينِ؟ فيه خِلافٌ في مذهبِ أحمدَ وغيرِه، ومَنْعُة قَويٌّ. قال جامِعُ «اخْتِياراتِه»: وظاهِرُ كلامِ أبي العَبَّاسِ، ولو كان الدَّينُ حادِثًا بعدَ

ص: 518

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَوْتِ. انتهى. قال. الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وليس هذا بأَبْلَغَ مِنَ التَّدْبيرِ، وقد ثبَت أنَّه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، باعَه في الدِّينِ. وتقدَّم إذا وقَفَه بعدَ مَوْتِه، وصحَّحْناه؛ هل يقَعُ لازِمًا، فلا يجوزُ بَيعُه، أو لا يقعُ لازِمًا، [ويجوزُ](1) بَيعُه؟ فليُعاوَدْ.

(1) في ط: «أو يجوز» .

ص: 519

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الوَقْفَ يلْزَمُ (1) بمُجَرَّدِ القَوْلِ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. وعنه، لا يَلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ، وإخْراجِ الوَقْفِ عن يَدِه. اخْتارَه أبو بَكْر، وابنُ أبِي مُوسى، والحارِثِيُّ. وتقدَّم الكلامُ على ذلك، عندَ قَوْلِ المُصَنِّفِ: ولا يُشْتَرَطُ إخْراجُ الوَقْفِ عن يَدِه، في إحْدَى الرِّوايتَين. فليُعاوَدْ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 520

وَلَا يَجُوزُ بَيعُهُ إلا أنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ، فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يصْلُحْ لِلْغَزْو، بِيعَ وَاشْتُرِىَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ. وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ في مَوْضِعِهِ، وَعَنْهُ، لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ لَكِنْ تنْقَلُ آَلتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.

ــ

قوله: ولا يجوزُ بَيعُه إلَّا أنْ تتعَطَّلَ مَنافِعُه، فيُبَاعُ، ويُصْرَفُ ثَمَنُه في مثلِه. وكذلك الفَرَسُ الحَبِيسُ، إذا لم يصْلُحْ للغزْو، بِيعَ واشْتُرِيَ بثَمَنِه ما يصْلُحُ للجِهادِ، وكذلك المَسْجِدُ إذا لم يُنْتَفَعْ به في مَوْضِعِه. وعنه، لا تُباعُ المَساجِدُ، لكِنْ تُنْقَلُ آلتُها إلى

ص: 521

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَسْجِدٍ آخَرَ. ويجوزُ بَيعُ بعضِ آلتِه وصَرْفُها في عِمارتِه. اعْلَمْ أنَّ الوَقْفَ لا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ تتَعَطَّلَ منافِعُه، أو لا، فإن لم تتَعَطَّلْ منافِعُه، لم يَجُزْ بَيعُه، ولا المُناقَلَةُ به مُطلَقًا. نصَّ عليه في رِوايَةِ علي بنِ سَعِيدٍ، قال: لا يسْتَبْدِلُ به ولا يَبِيعُه، إلَّا أنْ يكونَ بحالٍ لا يُنْتَفَعُ به. ونقَل أبو طالِبٍ، لا يُغيَّرُ عن حالِه، ولا يُباعُ، إلَّا

ص: 522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ لا يُنْتَفَعَ منه بشيءٍ، وعليه الأصحابُ. وجوَّز الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ ذلك لمَصْلَحَةٍ، وقال: هو قِياسُ «الهَدْي» ، وذكَرَه وَجْهًا في المُناقَلَةِ: وأوْمَأَ إليه أحمدُ. ونقَل صالِحٌ، يجوزُ (1) نَقْلُ المَسْجِدِ لمَصْلحَةِ النَّاسِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. واخْتارَه

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صاحِبُ «الفائقِ» ، وحكَم به نائِبًا عنِ القاضِي جمالِ الدِّينِ المَسَلَّاتِيِّ (1)، فعارَضَه القاضي جَمالُ الدِّينِ المَرداويُّ (2)، صاحِبُ «الانْتِصارِ» ، وقال: حُكْمُه باطِلٌ، على قَواعِدِ المذهبِ. وصنَّفَ في ذلك مُصَنَّفًا، ردَّ فيه على الحاكِمِ، سمَّاه «الواضِحُ الجَلِيُّ في نقضِ حُكْمِ ابنِ قاضِي الجَبَلِ الحَنْبَلِيِّ» ووافَقَه صاحِبُ «الفُروعِ» على ذلك: وصنَّف صاحِبُ «الفائقِ» مُصَنَّفًا في جَوازِ المُناقَلَةِ؛ للمَصْلحَةِ سمَّاه «المُناقَلَةُ بالأوْقافِ (3) وما في ذلك مِنَ النِّزاعِ

(1) هو محمد بن عبد الرحيم بن علي بن المنجا السلمي المسلاتي، جمال الدين المالكي. ولي نيابة الحكم بدمشق، ثم قضاءها، وولي تدريس الحديث بالظاهرية. توفي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. الدرر الكامنة 4/ 129.

(2)

هو يوسف بن محمد بن عبد الله بن محمد المرداوي، جمال الدين، أبو الفضل، القاضي، إمام في المذهب، وله عناية بالمتن والإسناد، صنف كتاب «الانتصار» ، و «شرح المقنع» توفي سنة تسع وستين وسبعمائة. الدرر الكامنة 5/ 245.

(3)

في الأصل، ا:«والأوقاف» .

ص: 524

وَيَجُوزُ بَيعُ بَعْضِ آلتِهِ وَصَرْفُهَا في عِمَارَتِهِ.

ــ

والخِلافِ» وأجادَ فيه. ووافَقَه على جَوازِها الشَّيخُ بُرهانُ الدِّينِ ابنِ القَيِّمِ، والشَّيخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ ابنُ شَيخِ السَّلامِيَّةِ، وصنَّف فيه مُصَنَّفًا سمَّاه «رَفْعُ المُثاقَلةِ في مَنْعِ المُناقَلةِ» . ووافَقَه أيضًا جماعةٌ في عَصْرِه. وكلُّهم تَبعٌ للشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ في ذلك. وأطْلَقَ في «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ» في جَوازِ إبْدالِ الوَقفِ مع عِمارَتِه رِوايتَين.

فائدة: نصَّ الإمامُ أحمدُ، رَحِمَه اللهُ تعالى، على جَوازِ (1) تجْديدِ بِناءِ المَسْجِدِ لمَصْلَحَتِه. وعنه، يجوزُ برِضا جِيرانِه. وعنه، يجوزُ شِراءُ دُورِ مَكَّةَ لمَصْلحَةٍ عامَّةٍ. قال في «الفُروعِ»: فيتَوَجَّهُ هنا مِثلُه، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جوَّزَ جُمْهورُ العُلَماءِ تغْيِيرَ صُورَيه لمَصْلَحَةٍ، كجَعْلِ اللُّورِ حَوانِيتَ، والحكُورَةِ المَشْهورةِ، فلا فرْقَ بينَ بِناء ببِناءٍ، وعَرْصَةٍ بعَرْضَةٍ. هذا صريح لفْظِه. وقال أيضًا، في مَن وقَف كُرومًا على الفُقَراء، يحْصُلُ على جِيرانِها به ضرَر: يُعَوَّضُ عنه بما لا ضرَرَ فيه على الجِيرانِ، ويعُودُ الأوَّلُ مِلْكًا، والثَّانِي وَقْفًا. انتهى. ويجوزُ نقضُ مَنارَتِه، وجَعْلُها في حائطِه. نصَّ عليه. ونقَل أبو داودَ، وقد سُئِلَ عن مَسْجِدٍ فيه خشَبَتان لهما ثَمَنٌ، تشَعَّثَ، وخافُوا سقُوطَه، أَيُباعان ويُنْفَقان على المَسْجِدِ،

(1) سقط من: ط.

ص: 525

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويُبْدَلُ مَكانَهما جِذْعَين؟ قال: ما أرَى به بأْسًا. انتهى. وأمَّا إذا تعَطَّلَتْ منافِعُه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُباعُ والحالةُ هذه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ وعنه، لا تُباعُ المَساجِدُ، لكِنْ تُنْقَلُ آلتها إلى مَسْجِدٍ آخَرَ. اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ، والحارِثِي، وقال: هو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبي مُوسى. وعنه، لا تُباعُ المَساجِدُ ولا غيرُها، لكِنْ تُنْقَلُ آلتها. نقَل جعَفْرٌ، في مَن جعَل خانًا للسَّبِيلِ، وبنَى بجانِبِه مَسْجِدًا، فضاقَ المَسْجِدُ، أيُزادُ منه في المَسْجِدِ؟ قال: لا. قيل: فإنَّه إنْ تُرِكَ؛ ليس ينْزِلُ فيه أحدٌ، قد عُطِّلَ؟ قال: يُتْرَكُ على ما صُيِّرَ له. واخْتارَ هذه الرِّوايَةَ الشَّرِيف، وأبو الخَطَّابِ. قاله في «الفُروعِ». قال الزَّرْكَشِي: وحُكِيَ في «التَّلْخيصِ» عن أبِي الخَطَّابِ؛ لا يجوزُ بَيعُ الوَقْفِ مُطْلَقًا. وهو غَريبٌ، لا يُعْرَفُ في كُتُبِه. انتهى. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» عنه في كتابِ البَيعِ، وحَكاه عنه قبلَ صاحِبِ «التَّلْخيصِ» تِلْميذُ أبِي الخَطَّابِ؛ وهو الحَلْوانِي في «كِتابِه». قلتُ: وظاهِرُ كلامِ أبِي الخَطابِ في «الهِدايَةِ» ، في كتابِ البَيعِ، عدَمُ الجوازِ؛ فإنَّه قال: ولا يجوزُ بَيعُ الوَقْفِ، إلَّا أنَّ أصحابَنا قالوا: إذا خَرِبَ، أو كان فرَسًا، فعَطِبَ، جازَ بيعُه، وصُرِفَ ثَمَنُه في مِثلِه. انتهى. وكلامُه في «الهِدايَةِ» في كتابِ الوَقْفِ،

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صريحٌ بالصِّحَّةِ. واخْتارَ أيضًا هذه الرِّوايَةَ ابنُ عَقِيلٍ، وصنَّفَ فيها جُزْءًا، حَكاه عنه ابنُ رَجَبٍ في «طَبَقاتِه» . واخْتارَ أيضًا هذه الرِّوايَةَ، وهي عدَمُ البَيعِ، الشَّريفُ أبو جَعْفَر، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ.

تنبيه: فعلى المذهبِ، المُرادُ بتَعَطُّلِ مَنافِعِه؛ المَنافِعُ المَقْصودَةُ، بخَرابٍ أو غيرِه، ولو بضِيقِ المَسْجِدِ عن أهْلِه. نصَّ عليه. أو بخَرابِ مَحَلَّتِه. نقَلَه عبدُ اللهِ. وهذا هو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل جماعةٌ، لا يُبَاعُ إلَّا أنْ لا يُنْتَفِعَ منه بشيءٍ أصْلًا، بحيثُ لا يَرُدُّ شيئًا. قال المُصَنِّفُ في «الكافِي»: كلُّ وَقْفٍ خرِبَ، ولم يَرُدَّ شيئًّا، بِيعَ. وقال في «المُغْنِي» (1)، ومَن تابعَه: لا يُباعُ إلَّا أنْ يقِلَّ رَيعُه، فلا يُعَدُّ نفْعًا. وقيل: أو يتَعطلَ أكْثَرُ نَفْعِه. نقلَه مُهَنَّا في فرَسٍ كَبِرَ وضَعُفَ، أو ذهبَتْ عينُه. فقلْتُ له: دارٌ، أو ضَيعَةٌ ضعُفَ أهْلُها أنْ يقُوموا عليها؛ قال: لا بأْسَ ببَيعِها، إذا كان أنفْعَ لمَن يُنْفقُ عليه منها. وقيل: أو خِيفَ تعَطلُ أكْثَرِ (2) نَفْعِه قريبًا. [جزَم به في «الرِّعايَةِ». قلتُ: وهو قَويٌّ جِدًّا إذا غلَبَ على ظَنِّه ذلك](3). سألَه الميمونِيُّ، يُباعُ إذا عَطِبَ أو فسَد؟

(1) المغني: 8/ 221.

(2)

سقط من: ط.

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: إيْ واللهِ، يُباعُ إذا كان يُخافُ عليه التَّلَفُ والفَسادُ والنَّقْصُ، باعُوه ورَدُّوه في مِثلِه. وسأله الشَّالنْجِيُّ: إنْ أخَذ مِنَ الوَقْفِ شيئًا، فعَتَقَ في يدِه وتغَيَّرَ حالُه؟ قال: يُحَوَّلُ إلى مِثلِه. وكذا قال في «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرْغِيبِ» ، و «البُلْغَةِ»: لو أشْرَفَ على كَسْر أو هَدْم، وعُلِمَ أنَّه إنْ أُخِّرَ لم يُنْتَفَعْ به، بِيعَ. قلتُ: وهذا ممَّا لاشكَّ فيه. قال في «الفُروعِ» : وقوْلُهم: بِيعَ. أي يجوزُ بَيعُه. نقَلَه جَماعَةٌ، وذكَرَه جَماعَة. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّ ما قالُوه للاستِثْناءِ ممَّا لا يجوزُ بَيعُه، وإنَّما يجِبُ؛ لأنَّ الوَلِيَّ يلْزَمُه فِعْلُ المَصْلَحَةِ، وهو ظاهِرُ رِوايَةِ المَيمُونِيِّ وغيرِها. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يجِبُ بَيعُه بمِثلِه مع الحاجَةِ، وبلا حاجَةٍ، يجوزُ بخَير منه؛ لظُهورِ المَصْلَحَةِ، ولا يجوزُ بمِثلِه؛ لفَواتِ التَّعْيِينِ بلا حاجَةٍ. قال في «الفائقِ»: وبَيعُه حالَةَ تعَطُّلِه أمْرٌ جائرٌ عندَ البَعضِ. وظاهِرُ كلامِه في «المُغْنِي» وُجوبُه. وكذلك إطْلاقُ كلامِ أحمدَ. وذكَرَه في «التَّلْخيصِ» ؛ رِعايةً للأصْلَحِ. انتهى.

فوائد؛ الأُولَى، قال المُصَنِّفُ، ومَن تابَعَه: لو أمْكَنَ بَيعُ بعضِه؛ ليُعْمَرَ به بقِيَّتُه، بِيعَ، وإلَّا بِيعَ جَمِيعُه. قال في «الفُروعِ»: ولم أجِدْ ما قاله لأحَدٍ قبلَه.

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: والمُرادُ مع اتِّحادِ الوَقْفِ (1)، كالجِهَةِ، ثم إنْ أرادَ عَينَين، كدارَين، فظاهِرٌ. وكذا إنْ أرادَ عَينًا واحِدَةً، ولم تنْقُصِ القِيمَةُ بالتَّشْقِيصِ، فإنْ نقَصَتْ، توَجَّهَ البَيعُ في قِياسِ المذهبِ، كبَيعِ وَصِيّ لدَين، أو حاجَةِ صَغير، بل هذا أسْهَلُ؛ لجَوازِ تَغْيِيرِ صِفاتِه لمَصْلَحَةٍ، وبَيعِه على قوْلٍ. انتهى. وقوْلُ صاحِبِ «الفُروعِ»: والمُرادُ مع اتحادِ الوَقْفِ. ظاهِر في أنَّه لا يَجوزُ عِمارَةُ وَقْفٍ مِن رَيعِ وَقْفٍ آخَرَ، ولو اتَّحَدَتْ الجِهَةُ. وقد أفْتَى الشَّيخُ عُبادَةُ (2)، مِن أئمَّةِ أصحابِنا، بجَوازِ عِمارَةِ وَقْفٍ مِن وَقْفٍ آخَرَ على جِهَتِه. ذكَرَه ابنُ رَجَبٍ في «طَبقاتِه» (3)، في ترْجَمَتِه. قلتُ: وهو قَويٌّ، بل عَمَل النَّاسِ عليه. لكِنْ قال شيخُنا في «حَواشِي الفُروعِ»: إنَّ كَلامَه في «الفُروعِ» أَظْهَرُ. وقال الحارِثِيُّ: وما عَدا المَسْجِدَ مِنَ

(1) في النسخ والفروع: «الواقف» .

(2)

عبادة بن عبد الغني بن منصور الحراني الدمشقي، زين الدين، أبو محمد، فقيه مفتي، شروطي، تفقه على ابن تيمية، وتقدم في الفقه، وكان عالما جيد الفهم، صالحا دينا، وكان يلي العقود والفسوخ، ويكثر الكتابة في الفتاوى. توفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ذيل طبقات الحنابلة 2/ 432، 433.

(3)

انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 433.

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأوْقافِ، يُباعُ بعضُه لإِصْلاحِ ما بَقِيَ. وقال: يجوزُ اخْتِصارُ الآنِيَةِ إلى أصْغَرَ منها، إذا تعَطَّلَتْ، وإنفْاقُ الفَضْلِ على الاصْلاحِ، وإنْ تعَذَّرَ الاخْتِصارُ، احْتَمَلَ جعْلَها نوْعًا آخَرَ مما هو أقْرَبُ إلى الأوَّلِ، واحْتَمَلَ أنْ يُباعَ، ويُصْرَفَ في آنِيَةٍ مِثلِها، وهو الأقْرَبُ. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّانيةُ، حيثُ جوَّزْنا بَيعَ الوَقْفِ، فمَن يَلي بَيعَه؟ لا يخْلُو، إمَّا أنْ يكونَ الوَقْفُ علي سُبُلِ الخَيراتِ؛ كالمَساجِدِ، والقَناطِرِ، والمَدارِسِ، والفُقَراءِ والمَساكِينِ، ونحو ذلك، أو غيرِ ذلك. فإنْ كان على سُبُلِ الخَيراتِ ونحوها، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الَّذي يلي البَيعَ الحاكِمُ، وعليه أكْثرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به؛ منهم صاحبُ «الرِّعايَةِ» في كِتابِ الوَقْفِ، والحارِثِيُّ، والزَّرْكَشِيُّ في كتابِ الجِهادِ. وقال: نصَّ عليه. وقيل: يَلِيه النَّاظِرُ الخاصُّ عليه، إنْ كان. جزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في كِتابِ البَيعِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وإنْ كان على غيرِ ذلك، فهل يَلِيه النَّاظِرُ الخاصُّ، أو المَوْقوفُ عليه، أو الحاكِمُ؟ على ثلَاثَةِ أقْوالٍ؛ أحدُها، يَلِيه النَّاظِرُ الخاصُّ. وهو الصّحيحُ. قال الزَّرْكَشِي: إذا تعَطَّلَ الوَقْفُ، فإنّ النَّاظِرَ فيه يَبِيعُه ويَشْتَرِي بثَمَنِه ما فيه مَنْفَعَةٌ تُرَدُّ على أهْلِ الوَقفِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قال في «الفائقِ»: ويتَولَّى البَيعَ ناظِرُه الخاصُّ. حَكاه غيرُ واحدٍ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرّرِ» ، فقال: يَبيعُه النَّاظِرُ فيه. قال في «التَّلْخيصِ» : ويكونُ البائعُ الإِمامَ أو نائِبَه. نصَّ عليه. وكذلك المُشْتَرِي

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بثَمَنِه، وهذا إذا لم يَكُنْ للوَقْفِ ناظِر. انتهى. وقدَّمه في «النَّظْمِ»؛ فقال:

وناظرُه شَرْعًا يَلِي عَقْدَ بَيعِه

وقيل أنْ يُعَيِّنْ مالِكُ النَّفْعِ يُعْقَدِ (1)

وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فقال: فلناظِره الخاصِّ بَيعُه، ومع عدَمِه، يفْعَلُ ذلك المَوْقوفُ عليه. قلتُ: إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه. وإلَّا فلا. وقيل: بل يفْعَلُه مُطْلَقًا الإمامُ أو نائِبُه، كالوَقْفِ على سُبُلِ الخَيراتِ. انتهى. وقدَّمه الحارِثِيُّ، وقال: حَكاه غيرُ واحِدٍ. والقَوْلُ الثَّانِي، يَلِيه المَوْقوفُ عليه. وهو ظاهِرُ ما جزم به في «الهِدايَةِ» ، فقال: فإنْ تعَطَّلَتْ منْفَعَتُه، فالمَوْقوفُ عليه بالخِيارِ بينَ النَّفَقَةِ عليه، وبينَ بَيعِه وصَرْفِ ثَمَنِه في مِثلِه. وكذا قال ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، وابنُ البَنَّا في «عُقودِه» ، وابنُ الجَوْزِي في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، والسَّامَريُّ في «المُسْتَوْعِبِ» ، وأبو المَعالِي ابنُ مُنَجَّى في «الخُلاصَةِ» ، وابنُ أبِي المَجْدِ في «مُصَنَّفِه» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، فقال: وما بطَل نفْعُه، فلمَن وُقِفَ عليه بَيعُه. قلتُ: إنْ ملَكَه. وقيل: بل لناظِرِه بَيعُه بشَرْطِه. انتهى. وقدّمه في «الحاوي الصَّغِيرِ» . والقَوْلُ الثَّالِثُ، يَلِيه الحاكِمُ. جزَم به الحَلْوانِيُّ

(1) في الأصل: «يعدل» .

ص: 531

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «التَّبصِرَةِ» ، فقال: وإذا خَرِبَ الوَقْفُ، ولم يَرُد شيئًا، أو خَرِبَ المَسْجِدُ وما حوْلَه، ولم يُنْتَفَعْ به، فللإِمامِ بَيعُه وصَرْفُ ثمَنِه في مِثلِه. انتهى. وقدَّم هذا في «الفُروعِ» . ونصَرَه شيخُنا في «حَواشِي الفُروعِ» ، وقوَّاه بأدِلَّةٍ وأقْيِسَةٍ. وعَمَلُ الناسِ عليه، واخْتارَه الحارِثِيُّ. وهذا ممَّا خالفَ المُصْطَلَحَ المُتقَدِّمَ. فعلى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، لو عُدِمَ النَّاظِرُ الخاصُّ، فقيل: يَلِيه الحاكِمُ. جزَم به في «التَّلْخيصِ» ، والحارِثِيُّ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في كِتابِ البَيع. (1). [وذكَرَه نصَّ أحمدَ، وصاحبُ «الفُروع»، وهذا الصَّحيحُ منَ المذهب](2). وقيل: يَلِيه المَوْقوفُ عليه مُطْلَقًا. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» أيضًا، في كتابِ الوَقْفِ، [وهو ظاهِرُ ما قطَع به الزَّرْكَشِيُّ، وحَكاه عنِ الأصحابِ. وكذا ما حكَيناه عنهم](2). وأطْلَقهما في «الفائقِ» . وقيل: يَلِيه المَوْقوفُ عليه، إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه. وإلَّا فلا. اخْتارَه في «الرِّعايتَين» . وجزَم به في «الفائقِ» . قلتُ: ولعَلَّه مُرادُ مَن أطْلَقَ.

تنبيه: تلَخَّصَ لنا ممَّا تقدَّم في مَن يَلِي البَيعَ طُرُقٌ؛ لأنَّ الوَقْفَ لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ على سُبُلِ الخَيراتِ أو لا؛ فإنْ كان على سُبُلِ الخَيراتِ ونحوه، فللأصحّابِ فيه طَريقان؛ أحدُهما، يَلِيه الحاكِمُ. قوْلًا واحِدًا. وهو قوْلُ أكثرِ الأصحابِ؛ منهم صاحِبُ «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في كِتابِ الوَقْفِ. والطَّريقُ الثَّانِي، يَلِيه النَّاظِرُ، إنْ كان، ثم الحاكِمُ. وهي طريقَتُه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في كِتابِ البَيعِ وهو الصَّوابُ. وإنْ لم يَكُنِ الوَقْفُ على سُبُلِ الخَيراتِ، ففيه

(1) في الأصل: «العدد» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 532

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طُرُقٌ للأصحابِ؛ أحدُها، يَليه النَّاظِرُ. قوْلًا واحدًا. وهي طريقَةُ المَجْدِ في «مُحَرَّرِه» ، والزَّرْكَشِيِّ. وعَزاه إِلَى نصِّ أحمدَ، واختِيارِ الأصحّابِ. والطَّريقُ الثَّانِي، يَلِيه المَوْقوفُ عليه (1). قَوْلًا واحِدًا. وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «الفُصولِ» ، و «عُقودِ ابنِ البَنَّا» ، و «المُذهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «مُصَنَّفِ ابنِ أبِي المَجْدِ» ، كما تقدَّم. الطَّريقُ الثَّالثُ، يَليه الحاكِمُ. قوْلًا واحِدًا. وهي طَريقَةُ الحَلْوانِيِّ في «التَّبْصِرَةِ» . الطَّريقُ الرَّابعُ، يَليه النَّاظِرُ الخاصُّ، إنْ كان، فإنْ لم يَكُنْ، فيَلِيه الحاكِمُ. قوْلًا واحِدًا. وهي طريقَةُ صاحِبِ «التَّلْخيصِ» . الطَّريقُ الخامِسُ، هل يَليه النَّاظِرُ الخاصُّ؛ وهو المُقَدَّمُ، أو المَوْقوفُ عليه؛ فيه وَجْهان. وهي طريقَةُ النَّاظِمِ. الطَّريقُ السَّادِسُ، طريقَةُ صاحِبِ «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، وهي، هل يَليه (1) المَوْقوفُ عليه؛ وهو المُقَدَّمُ، أو إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه. واخْتارَه، أو النَّاظِرُ؛ على ثلاثَةِ أقْوالٍ. الطَّريقُ السَّابِعُ، هل يَليه المَوْقوفُ عليه، وهو المُقَدَّمَ، أو النَّاظِرُ؛ فيه وَجْهان. وهي طريقَتُه في «الحاوي الصَّغِيرِ» . الطَّريقُ الثَّامِنُ، طريقَتُه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ؛ وهي، هل يَليه النَّاظِرُ الخاصُّ، إنْ كان هو المُقَدَّمُ، أو الحاكِمُ؟ حَكاه في كِتابِ الوَقْفِ، فيه قَوْلان. وإنْ لم يَكُنْ له ناظِر خاصٌّ، فهل يَليه الحاكِمُ؛ وهو المُقَدَّمُ قى كِتابِ البَيعِ، وذكَرَه أحمدَ؛ أو المَوْقوفُ عليه؛ وهو المُقَدَّمُ في كِتابِ الوَقْفِ، وإنْ قُلْنا: يَمْلِكُه. واخْتارَه، على ثلَاثةِ أقْوالٍ. الطَّريقُ التَّاسِعُ، هل يَليه الحاكِمُ مُطْلَقًا، وهو المُقَدَّمُ، أو المَوْقوفُ عليه؟ على وَجْهَين. وهي طَرِيقَةُ صاحبِ «الفُروعِ» .

(1) سقط من: الأصل.

ص: 533

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطَّريقُ العاشرُ، يَلِيه النَّاظِرُ الخاصُّ، إنْ كان. فإنْ لم يَكُنْ، فهل يَلِيه الحاكِمُ، أو المَوْقُوفُ عليه، إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه؟ على وَجهَين مُطْلَقَين. وهي طَرِيقَةُ صاحِبِ «الفائقِ» . فهذه اثْنَتا عَشْرَةَ طريقَةً؛ ثِنتْان فيما هو على سُبُلِ الخَيراتِ ونحوِه، وعَشَرَةٌ في غيرِه.

الفائدةُ الثَّالثةُ: إذا بِيعَ الوَقْفُ واشْتُرِيَ بدَلُه، فهل يصِيرُ وَقْفًا بمُجَرَّدِ الشِّراءِ، أم لا بدُّ مِن تجْديدِ وَقْفِيَّته؟ فيه وَجْهان. وذكَرَهما ابنُ رَجَب في «قَواعِدِه» عن بعضِهم، فيما إذا أتْلَفَ الوَقْفَ مُتْلِفٌ، وأُخِذَتْ قِيمَتُه، فاشْتُرِيَ بها بدَلُه. وأطْلَقهما؛ أحدُهما، يصيرُ وَقْفًا بمُجَرَّدِ الشِّراءِ. قال الحارِثِيُّ، عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ، في وَطْءِ الأمَةِ المَوْقُوفَةِ: إذا أوْلَدَها، فعليه القِيمَةُ يُشْتَرَى بها مِثلُها، يكونُ وَقْفًا. ظاهِرُه أنَّ البَدلَ يصيرُ وَقْفًا بمُجَرَّدِ (1) الشِّراءِ. النهي. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ هنا؛ لاقْتِصارِهم على بَيعِه وشِراءِ بدَلِه. وصرَّح به في «التَّلْخيصِ» ، فقال في كِتابِ البَيعِ: ويُصْرَفُ ثَمَنُه في مِثلِه، ويصيرُ وَقْفًا، كالأوَّلِ. [وصرُّح به أيضًا في «الرِّعايَةِ» في مَوْضِعَين، فقال: فلناظِرِه الخاصِّ بَيعُه وصَرْفُ ثَمنِه في مِثلِه أو بعضِ مِثلِه، ويكونُ ما اشْترَاه وَقْفًا كالأوَّلِ](2). وقال في أثْناءِ الوَقْف: فإنْ وَطِئَ، فلا حَدَّ، ولا مَهْرَ. ثم قال: وفي أُمِّ وَلَدِه تَعْتِقُ بمَوْتِه، وَتُؤْخَذُ قِيمَتُها مِن ترِكَتِه، يُصْرَف في مِثلِه، يكون بالشِّراءِ وَقْفًا مَكانَها. وهذا صريحٌ بلا شَكٍّ. وقال الحَلْوانِيُّ في «كِفَايةِ المُبْتَدِئ» (3): وإذا خَرِبَ الوَقْفُ، وانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُه، بِيعَ واشْتُرِيَ بثَمَنِه ما يُرَدُّ على أهْلِ الوَقْفِ،

(1) في ط، ا:«بنفس» .

(2)

سقط من: ط.

(3)

في الأصل، ط:«كتابه المبتدئ» .

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكان وَقْفًا كالأوَّلِ. وقال في «المُبْهِجِ» : ويُشْتَرَى بثَمَنِه ما يكونُ وَقْفًا. قال شيخُنا؛ الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ ابنُ قُنْدسٍ البَعْلِيُّ، في حَواشِيه على «المُحَرَّرِ»: الَّذي يظْهَرُ أنَّه متى وقَع الشراءُ لجِهَةِ الوَقْفِ على الوَجْهِ الشَّرعِيِّ، ولَزِمَ العَقْدُ، أنَّه يَصِيرُ وَقْفًا؛ لأنَّه كالوَكِيلِ في الشِّراءِ، والوَكِيلُ يقَعُ شِراؤُه للمُؤَكِّلِ، فكذا هذا يقَعُ شِراؤُه للجِهَةِ المُشْتَرَى لها، ولا يكونُ ذلك إلَّا وَقْفًا. انتهى. وهو الصَّوابُ. والوَجْهُ الثَّاني، لا بدَّ مِن تجْديد الوَقْفِيَّةِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ؛ فإنَّه قال: وإذا خَرِبَ الوَقْفُ، ولم يَرُدُّ شيئًا، بِيعَ واشْتُرِيَ بثَمَنِه ما يُرَدُّ على أهْلِ الوَقْفِ، وجُعِلَ وَقْفًا كالأوَّلِ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُجَرَّدِ» أيضًا؛ فإنَّه قال: بِيعَتْ وصُرِفَ ثَمَنُها إلى شِراءِ دارٍ، وتُجْعَلُ وَقْفًا مَكانَها. قال الحارِثِيُّ: وبه أقولُ؛ لأنَّ الشِّراءَ لا يصْلُحُ سَببًا لإفادَةِ الوَقْفِ، فلابُدَّ للوَقْفِ مِن سَبَبٍ يُفِيدُه. انتهى. وأمَّا الزَّرْكَشِيُّ، فإنَّه قال: ومُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه لا يصيرُ وَقْفًا بمُجَرَّدِ الشراءِ، بل لا بدَّ مِن إيقافِ النَّاظِرِ له، ولم أرَ المَسْأْلَةَ مُصَرحًا بها، وقيل: إنَّ فيها وَجْهَين. انتهى.

الفائدةُ الرَّابعَةُ: اقْتَصَرَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِيُّ؛ وجماعَةٌ على ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِيِّ؛ أنَّه لا يُشْترَطُ أنْ يُشْترَى مِن جِنْسِ الوَقْفِ الَّذي بِيعَ، بل أيُّ شيءٍ اشْتُرِيَ بثَمَنِه ممَّا يُرَدُّ على أهْلِ الوَقْفِ، جازَ. والذي قدَّمه في «الفُروع» ، أنَّه يصْرِفُه في مِثلِه، أو بعضِ مِثلِه؛ فقال: ويصْرِفُه في مِثلِه، أو بعضِ مِثلِه، قاله أحمدُ. وقاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه، كجِهَتِه. وقدَّمه الحارِثِيُّ، وقال: هو المذهبُ كما قال في الكِتابِ، ومَن عَداه مِنَ الأصحابِ. ونقَل أبو داودَ في

ص: 535

وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصُرِهِ وَزَيتِهِ جَازَ صَرْفُهُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

ــ

الحَبِيسِ، يُشْتَرَى مِثلُه، أو يُنْفَقُ ثَمَنُه على الدَّوابِّ الحَبِيسِ. الخامسةُ، إذا بِيعَ المَسْجِدُ، واشْتُرِيَ به مَكانًا يُجْعَلُ مَسْجِدًا، فالحُكْمُ للمَسْجِدِ الثَّاني، ويَبْطُلُ حُكْمُ الأوَّلِ. السَّادسةُ، لا يجوزُ نَقْلُ المَسْجِدِ مع إمْكانِ عِمارَتِه دُونَ العِمارَةِ الأُولَى. قاله في «الفُنونِ» ، وقال: أَفْتَى جماعَةٌ بخِلافِه. وغَلَّطَهم. السَّابعةُ، يجوزُ رَفْعُ المَسْجِدِ، إذا أرادَ أَكْثَرُ (1) أهْلِه ذلك، وجُعِلَ تحتَ سُفْلِه سِقايَةٌ وحوَانِيتُ، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ، وأخَذ به القاضي. قاله الزَّرْكَشِيُّ، في كِتابِ الجِهادِ. وقيل: لا يجوزُ. وأطْلَقَ الوَجْهَين في «الفُروعِ» . وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : فإنْ أرادَ أهْلُ مَسْجدٍ رَفْعَه عنِ الأرْضِ، وجَعْلَ سُفْلِه سِقايَةً وحَوانِيتَ، رُوعِيَ أَكْثرُهم، نصًّ عليه، وقيل: هذا في مَسْجِدٍ أرادَ أهْلُه إنْشاءَه كذلك، وهو أوْلَى. انتهى. واخْتارَ هذا ابنُ حامِدٍ، وأوَّلَ كلامَ أحمدَ. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. ورَدَّ هذا التَّاويلَ بعضُ مُحَقِّقِي الأصحابِ مِن وُجوهٍ كثيرةٍ. وهو كما قال.

قوله: وما فضل مِن حُصُرِه وزَيتِه عَن حاجَتِه، جازَ صَرْفُه إلى مَسْجِدٍ آخَرَ،

(1) سقط من: ط.

ص: 536

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصَّدَقَةُ به على فُقَراءِ المُسْلمِين. هذا المذهبُ، نصَّ عليه. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه وعنه، يجوزُ صَرْفُه [في مِثلِه دُونَ الصَّدَقَةِ به. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال أيضًا: يجوزُ صَرْفُه](1) في سائرِ المَصالِحِ، وبِناءِ مَساكِنَ لمُسْتَحِقِّ رَيعِه القائمِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 537

وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ في الْمَسْجِدِ،

ــ

بمَصْلَحَتِه. قال: وإنْ عُلِمَ أنَّ رَيعَه يفْضُلُ عنه دائمًا، وجَب صَرْفُه، ولا يجوزُ لغيرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الفاضِلِ. انتهى. وقال في «الفائقِ»: وما فضَل مِن حُصُرِ المَسْجِدِ أو زَيتِه، ساغ صَرْفُه إلى مَسْجِدٍ آخَرَ، والصَّدَقَة به على جِيرانِه. نصَّ عليه. وعنه، على الفُقَراءِ. وحكَى القاضي في صَرْفِه ومَنْعِه رِوايتَين. وكذا الفاضِلُ مِن جميعِ رَيعِه، يُصْرَفُ في مَسْجِدٍ آخَرَ. ذكَرَه القاضي في «المُجَردِ». قال القاضي أبو الحُسَينِ: وهو أصحُّ.

فائدة: قال الحارِثِيُّ: فَضْلَةُ غَلَّةِ المَوْقوفِ على مُعَيَّنٍ، يتَعيَّنُ إرْصادُها. ذكَرَه القاضي أبو الحُسَينِ. قال الحارِثِيُّ: وإنَّما يتَأَتَّى فيما إذا كان الصَّرْفُ مُقَدَّرًا. وهو واضِحٌ.

قوله: ولا يجوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ في المَسْجِدِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ،

ص: 538

فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً فِيهِ، جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا. وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ،

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وغيرِهم. وذكَر في «الإرْشادِ» ، و «المُبْهِجِ» ، أنَّه يُكْرَهُ. قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»: إنْ غُرِستْ بعدَ وَقْفِه، قُلِعَتْ، إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصلاةِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويحْرُمُ غرْسُها مُطْلَقًا. وقيل: إنْ ضيِّقَتْ، حَرُمَ، وإِلَّا كُرِهَ. فعلى المذهبِ، تُقْلَعُ. نصَّ عليه. وجزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: وإنْ غُرِستْ بعدَ وَقْفِه، قُلِعَتْ. وقيل: إنْ ضيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلاةِ، وإلَّا فلا. وتقدَّم كلامُه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وعلى المذهبِ أيضًا، يكونُ ثَمَرُها لمَساكِينِ أهْلِ المَسْجِدِ. قال في «الإرْشادِ»: قال الحارِثِيُّ: وهو المذهبُ. قال: والأقْرَبُ حِلُّه لغيرِهم مِنَ المَساكِينِ أيضًا. وقال كثير بِنَ الأصحابِ: هي (1) لمالِكِ الأرْضِ المَغْرُوسِ بها غَصْبًا. انتهى.

قوله: فإنْ كانتْ مَغْرُوسَةً فيه، جازَ الأَكْلُ منها. يعْنِي، إذا كانتْ مغْروسَةً قبلَ بِنائِه، أو وْقَفَها معه. فإذا وقَفَها معه، وعيَّنَ مَصْرِفَها، عُمِلَ به، وإنْ لم يُعَيِّنْ مَصْرِفَها، كان حُكْمُها حُكمَ الوَقْفِ المُنْقَطِعِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال المُصَنِّفُ هنا: جازَ الأَكْلُ منها. وهذا منْصوصُ أحمدَ، في رِوايَةِ أبي طالِبٍ. وقدَّمه

(1) سقط من: ط.

ص: 539

رَحِمَهُ اللهُ: إِذَا لَمْ تَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إِلَى ثَمَنِهَا، فَإِنِ احْتَاجَ صُرِفَ ذَلِكَ في عِمَارَتِهِ.

ــ

في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصغْرَى» ، و «الحاوي الصغِيرِ» . وقال في «الهِدايَةِ» ، بعدَ أنْ قدَّم المَنْصوصَ: وعندِي أنَّ هذه الرِّوايَةَ مَحْمولَةٌ على ما إذا لم يَكُنْ بالمَسْجِدِ حاجَةٌ إلى ثَمَنِ ذلك؛ لأَنّ الجِيرانَ يَعْمُرونه ويَكْسُونه. وقطَع بما حمَلَه عليه أبو الخَطابِ في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الفائقِ». واعْلَمْ أنَّ جماعَةً مِنَ الأصحابِ قالوا: يُصْرَفُ في مَصالِحِه، وإنِ اسْتُغْنِيَ عنها،

ص: 540

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلجارِه أَكْلُ ثَمَرِه. نصَّ عليه. وجزَم به في «الفائقِ» وغيرِه. وقال جماعَةٌ: إذا اسْتَغْنَى عنها المَسْجِدُ، فلجارِه ولغيرِه الأَكْلُ منها. وقيل: يجوزُ الأَكْلُ للجارِ الفَقيرِ. وقيل: يجوزُ للفَقيرِ مُطْلَقًا. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فقال: وثَمَرُها لفُقَراءِ الدَّرْبِ. وتقدَّم في آخِرِ الاعْتِكافِ، هل يجوزُ البَيعُ والشِّراءُ في المَسْجِدِ أو يحْرُمُ؟ وهل يصِحُّ أو لا؟

فائدة: يحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ في المَسْجِدِ، فإنْ فُعِلَ، طُمَّ. نصَّ عليه في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» في إحْياءِ المَواتِ. لم يَكْرَهْ أحمدُ حفْرَها فيه. ثم قال: قلتُ: بلَى، إنْ كُرِهَ الوُضوءُ فيه. انتهى. وقال الحارِثِيُّ، في الغَصْبِ: وإنْ حفَر بِئْرًا في المَسْجِدِ للمَصْلحَةِ العامَّةِ، فعليه ضَمانُ ما تَلِفَ بها؛ لأنَّه مَمْنوعٌ منه؛ إذِ المَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّة للصَّلاةِ، فتَعْطلُها عُدْوان. ونصَّ على المَنْعِ مِن رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ. ويَحْتَمِلُ أنَّه كالحَفْرِ في السَّابِلَةِ؛ لاشْتِراكِ المُسْلِمِين في كلٍّ منهما، فالحَفْرُ في إحْداهما كالحَفْرِ في الأُخرَى، فتَجْرِي فيه رِوايَةُ ابنِ ثَوابٍ، بعدَمِ الضَّمانِ. انتهى.

فائدة: قال في «الفُروعِ» : وإنْ بنَى أو غرَس ناظِرٌ في وَقْفٍ، توَجَّهَ أنَّه له، إنْ أشْهَدَ، وإلَّا للوَقْفِ، ويتَوَجَّهُ في أجْنَبِيٍّ بنَى أو غرَس، أنَّه للوَقْفِ بنِيَّتِه. قال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: يَدُ الواقِفِ ثابِتَةٌ على المُتَّصِلِ به، ما لم تَأْتِ حُجَّةٌ تدْفَعُ مُوجِبها؛ كمَعْرِفَةِ كَوْنِ الغارِسِ غرَسَه بمالِه بحُكْمِ إجارةٍ؛ أو إعارَةٍ أو غَصْبٍ. ويَدُ المُسْتَأْجِر على المَنْفَعَةِ، فليس له دَعْوَى البِناءِ بلا حُجَّةٍ، ويَدُ أهْلِ العَرْصَةِ المُشْتَرَكَةِ ثابِتَةٌ على ما فيها بحُكْمِ الاشْتِراكِ، إلَّا مع بَيِّنَةٍ باخْتِصاصِه ببِناءٍ، ونحوه.

ص: 541