الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الْوَصَايَا
وَهِيَ الأمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التبرعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
ــ
كتابُ الوَصايا
قوله: وهي الأمْرُ بالتصَرُّفِ بعدَ المَوْتِ. والوَصِيَّةُ بالمالِ هي التبرعُ به بعدَ المَوْتِ. هذا الحد هو الصَّحيحُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الشرْحِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وقال أبو الخَطابِ: هي التبرُّعُ بما يقِفُ نفوذُه على خُروجِه مِنَ الثُّلُثِ. فعلى قوْلِه، تكونُ العَطيَّةُ في مرَضِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَوْتِ وَصِيَّةً، والصحيحُ خِلافُه. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وفي حدِّه اخْتِلالٌ (1) مِن وُجوهٍ؛ أحدُها، أنّه يدْخلُ فيه تَبرعُه بهِباتِه وعَطاياه المُنْجَزَةِ في مرَضِ مَوْتِه.
(1) في الأصل: «اختلاف» .
وَتَصِحُّ مِنَ الْبَالِغِ الرشِيدِ، عَدْلًا كَانَ أوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أو امْرَأةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
ــ
وذلك لا يُسَمَّى وَصِيَّةً. ويخْرُجُ منه وَصِيَّة بما زادَ على الثُّلُثِ؛ فإنَّها وَصِيَّة صحيحةٌ مَوْقوفَة على إجازَةِ الوَرَثَةِ. ويخْرُجُ منه أيضًا وَصِيَّة بفِعْلِ العِباداتِ، وقَضاءِ الواجِباتِ، والنظَرِ في أمْرِ الأصاغِرِ مِن أوْلادِه، وتَزْويِجَ بَناتِه، ونحو ذلك.
تنبيه: قولُه: وتَصِحُّ مِنَ البالِغِ الرشِيدِ، عَدْلًا كان أو فاسِقًا، رَجُلا أو امْرَأةً، مُسْلِمًا أو كافِرًا. هذا صحيح بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ. وقد شَمِلَ العَبْدَ. وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صحيح. ذكَرَه الأصحابُ؛ منهم المُصَنفُ وغيرُه؛ فإنْ كان فيما عَدا المال، فصَحِيحٌ، وإنْ كان في المالِ؛ فإنْ ماتَ قبلَ العِتْقِ، فلا وَصِيَّةَ، على المذهبِ؛ لانْتِفاءِ مِلْكِه، وإنْ قيلَ: يمْلِكُ بالتَّمْليكِ. صحَّتْ. ذكَرَه بعضُ الأصحابِ. والمُكاتَبُ والمُدَبَّرُ وأمُّ الوَلَدِ، كالقِنِّ. وشَمِلَ كلامُه أيضًا المَحْجُورَ عليه لفَلَس، [فتصِحُّ حتى لو كانتِ الوَصِيَّةُ](1) بعَين مِن مالِه؛ لأنَّه قد يتَحَوَّلُ ما بَقِيَ مِنَ الدَّينِ، فلا يتَعَينُ المالُ الأوَّلُ (2) إذنْ للغُرَماءِ. وإنْ ماتَ قبلَ ذلك، لَغَتِ الوَصِيَّةُ. قال في «الكافِي» وغيرِه: هذا إذا لم يُعايِنِ المَوْتَ. فأما إذا عاينَ المَوْت، لم تصِحَّ وَصِيته؛ لأن الوَصِيَّةَ قوْلٌ، ولا قَوْلَ له، والحالةُ هذه. وتقدَّم في آخِرِ البابِ الذي قبلَه، قبلَ قوْلِه: والحامِلُ عندَ المَخاضِ. ما يتعَلَّقُ بذلك، فليُراجَعْ.
قوله: مُسْلِمًا كان أو كافِرًا. تصِحُّ وَصِيَّةُ المُسْلِمِ، بلا نِزاع. وكذا تصِحُّ وَصِيَّةُ الكافِرِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا تصِحُّ مِن مُرْتَدُّ. وأطْلَقَ الوَجْهَين في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
[تنبيه: شَمِلَ كلامُ المُصَنفِ صِحَّةَ وَصِيَّةِ العَبْدِ. وهو صحيح. صرَّح به المُصَنِّفُ وغيرُه مِنَ الأصحابِ، فيَنْفُذُ فيما عَدا المال، وأما المالُ؛ فإنْ ماتَ قبلَ العِتْقِ، فلا وَصِيَّةَ على المذهبِ. وإنْ قيلَ: يمْلِكُ. صحَّتْ. ذكَرَه بعضُ الأصحابِ. نقَلَه الحارِثِي. قلتُ: وهو ضعيفٌ. وإنْ ماتَ بعدَ](1)
(1) سقط من: ط.
(2)
سقط من: الأصل.
وَمِنَ السَّفِيهِ في أصَحِّ الْوَجْهَينِ،
ــ
[العِتْقِ، نفَذَتْ، بلا خِلافٍ. والمُكاتَبُ والمُدَبرُ وأمُّ الوَلَدِ، كالقِنِّ. فلو قال: متى عتَقْتُ، ثم مِتُّ، فثُلُثي لفُلانٍ. نفَذ. نقَلَه الحارِثي](1).
قوله: ومِنَ السفِيهِ في أصَحُّ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه. في «الفائقِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وغيرِهما. وقدمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثاني، لا تصِحُّ منه. حكاه أبو الخَطَّابِ. وذكَر المَجْدُ في «شَرْحِه» ، أنّه المَنْصوصُ. قلتُ: وهو ضعيف. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، فيما إذا أوْصَى بمالٍ. أمَّا وَصِيَّتُه على أوْلادِه، فلا تصِحُّ، قوْلًا واحدًا؛ لأنّه لا يمْلِكُ التَّصَرُّفَ بنَفْسِه، فوَصِيته أحقُّ وأوْلَى. قاله في
(1) سقط من: ط.
وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ، وَلَا تَصِحُّ مِمنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ، وَفِيمَا بَينَهُمَا رِوَايَتَانِ.
ــ
«المُطْلِعِ» . قلتُ: ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، في بابِ المُوصَى إليه، صِحَّةُ وَصِيَّته بذلك، وهو أوْلَى بالصحةِ مِنَ الوَصِيِّةِ بالمالِ. والظاهِرُ أن الذي حَداه إلى ذلك، تَعْليلُ الأصحابِ بكَوْنِه مَحْجُورًا عليه في تصَرُّفاتِه، أو لكَوْنِه مُحْتاجًا إلى الثَّوابِ، وتصَرُّفُه في هذه مَحْضُ مَصْلَحَةٍ مِن غيرِ ضَرَرٍ؛ لأنّه إنْ عاشَ، لم يذْهَبْ مِن مالِه شيءٌ. ولا يلْزَمُ مِن ذلك أن الوَصِيَّةَ على أوْلاده لا تصِحُّ، اللَّهُم إلَّا أنْ يكونَ في المَسْألةِ نَقْل خاصُّ.
قوله: ومِنَ الصَّبِي العاقِلِ إذا جاوَزَ العَشْرَ. إذا جاوَزَ الصَّبِي العَشْرَ، صحَّتْ وَصِيته. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، في رِوايَةِ الجماعَةِ، وعليه الأصحابُ، حتى قال أبو بَكْر: لا يخْتَلِفُ المذهبُ، أن مَن له عَشْرٌ، تصِحُّ وَصِيته. انتهى. وعنه، تصِحُّ، إذا بلَغ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سنَةً. نقَلها ابنُ المُنْذِرِ. ونقَل الأثرَمُ، لا تصِحُّ مِن ابنِ اثنَتَيْ عَشْرَةَ سنَةً. فلم يطلِعْ أبو بَكْر على ذلك. وقيل: لا تصِحُّ حتى يبلُغ. وهو احْتِمال في «الكافِي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ولا تصِحُّ مِمَّن له دونَ السَّبْعِ -يعنِي، ممَّن لم يُمَيِّزْ، على ما تقدَّم في كتابِ الصَّلاةِ- وفيما بينَهما رِوايَتان. يعْني، فيما بينَ السَّبْعِ والعَشْرِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطْلَقَهما أبو بَكْر عَبْدُ العَزيزِ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايةِ» ؛ إحداهما، لا تصِح. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وصاحِبِ «الوَجيزِ». وصححَه في «التَّصْحيحِ». قال ابنُ أبِي مُوسى: لا تصِحُّ وَصيةُ الغُلامِ لدُونِ عَشر، ولا إجازَتُه، قوْلا واحدًا. واخْتارَه أبو بَكْر. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . قال
وَلَا تَصِح مِنْ غَيرِ عَاقِل؛ كَالطفْلِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُبَرْسَمِ. وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ.
ــ
في «القَواعِدِ الأصُوليةِ» : هذا المَشْهورُ عنِ الإمام أحمدَ، رحمه الله. قال الحارِثيُّ: هذا الأشْهَرُ عنه. والرِّوايَةُ الثانيةُ، تصِحُّ. وهو المذهبُ. وقال القاضي، وأبو الخَطابِ: تصِحُّ وَصِيةُ الصبِي إذا عقَل. قال المُصَنِّفُ في «العُمْدَةِ» : وتصِحُّ الوَصِيَّةُ مِنَ الصبِي إذا عقَل. وجزَم به في «التسْهيل» . وصححه في «الخُلاصةِ» . وقدمه في «الكافِي» ، و «المُذْهَبِ» ، و «إدْراكِ الغايةِ». قال الحارِثيُّ: لم أجِدْ هذه مَنْصُوصةً عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقيل: تصِحُّ وَصيَّةُ بِنْتِ تِسْع. اخْتارَه أبو بَكْر، وابنُ أبِي مُوسى. وقيل: تصِحُّ لسَبْعٍ منهما.
قوله: وفي السكْرانِ وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ؛ أحدُهما، لا تصِح. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحّحه في «التصْحيح» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارِثِيِّ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في
وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأخْرَسِ بِالإشَارَةِ، وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِهَا، وَيحْتَمِلُ أنْ تَصِحَّ.
ــ
«الكافِي» وغيرِه. والوَجْهُ الثَّاني، تصِح وَصِيته. ويأتي في أولِ كتابِ الطلاقِ، أنَّ في أقوالِ السَّكْرانِ وأفْعالِه خَمْسَ رِوايات، أو سِتًّا.
قوله: ولا تصِحُّ وَصِيَّة مَنِ اعْتَقَلَ لِسانُه بها. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيل. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدمه في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وعنه التَّوَقُّفُ. ويَحْتَمِلُ أن تصِح. يعْنِي، إذا اتصَلَ بالمَوْتِ، وفُهِمَتْ إشارَتُه. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وأبو الخَطابِ في «الهِدايَةِ» ، واخْتارَه في «الفائقِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأوْلَى. واسْتدَل له بحديثِ رَضِّ (1) اليَهُودِي رأسَ الجارِيَةِ، وإيمائِها إليه (2).
(1) سقط من: ط.
(2)
تقدم تخريجه فيه 10/ 446.
وَإنْ وُجِدَتْ وَصِيتهُ بِخَطِّهِ، صَحتْ. وَيَحْتَمِلُ ألا تَصِح حَتى يُشهِدَ عَلَيهَا.
ــ
قوله: وإنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُه بخَطِّه، صَحَّتْ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. قال الزَّرْكَشِيُّ: نص عليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، واعْتمدَه الأصحابُ، وقاله الخِرَقِيُّ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال القاضي في «شَرْح المُخْتَصَرِ»: ثُبوتُ الخَطِّ يتوَقفُ على مُعاينَةِ البَينةِ أو الحاكمِ لفِعْلِ الكِتابةِ؛ لأن الكِتابةَ عمَلٌ، والشهادَةُ على العمَلِ طرِيقُها الرُّويَةُ. نقَلَه الحارِثِيُّ. ويحْتَمِلُ أنْ لا تصِح حتى يُشْهِدَ عليها. وقد خرج ابنُ عَقِيل، ومَن بعدَه، رِوايَةً بعدَمِ الصِّحةِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أخْذًا مِن قوْلِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في مَن كتب وَصِيته وختَمَها، وقال: اشْهَدُوا بما فيها. إنّه لا تصِحُّ، أي شَهادَتُهم على ذلك. فنص الإمامُ أحمدُ، في الأولَى، بالصحةِ، وفي الثانِيَةِ بعَدَمِها، حتى يسْمَعُوا ما فيه، أو يُقْرَأ عليه، فيُقِرَّ بما فيه. فخرج جماعةٌ؛ منهم المَجْدُ في «محَرَّرِه» وغيرُه، في كل منهما رِوايَة منَ الأخْرَى، وقد خرج المُصَنفُ، في باب كتابِ القاضي إلى القاضي، مِنَ الأولَى في الثانِيَةِ، وقال هنا: يحْتَمِلُ أنْ لا تصِح حتى يُشْهِدَ عليها. فهو كالتخْريجِ مِنَ الثانِيَةِ في الأولَى. والصحيحُ مِنَ المذهبِ التفْرِقَةُ؛ فتصِحُّ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأولَى، ولا تصِحُّ في الثانِيَةِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: تصِحُّ في الثانيَةِ أيضًا. اخْتارَه المُصَنف، والشارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» . ويأتِي النَّصَّان في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ حُكْمِ كتابِ القاضي إلى القاضي.
تنبيه: مَعْنَى قوْلِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في مَن كتَب وَصِيته وختَمَها، وقال: اشْهَدُوا بما فيها. أنَّها لا تصِحُّ، أي لا تصِحُّ شَهادَتُهم على ذلك. فأمَّا العَمَلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بخَطِّه في هذه الوَصِيَّةِ، فحيثُ عُلِمَ خَطه؛ إمَّا بإقْرارٍ، أو ببَينةٍ، فإنه يُعْمَلُ بها كالأولَى، بل هي مِن أفرادِ العَمَلِ بالخَطِّ في الوَصِيَّةِ. نبه على ذلك شيخُنا في حَواشِي «الفُروع». وهو واضِح. قلتُ: في كلامِ الزَّرْكَشي إيماءٌ إلى ذلك، فإنَّه قال: وقد يُفرَّقُ بأنَّ شَرْطَ الشهادَةِ العِلْمُ، وما في الوَصِيةِ، والحالُ هذه، غيرُ معْلوم. أما لو وقَعَتِ الوَصِيَّةُ، على أنه وَصى، فليس في نص الإمامِ أحمدَ، رَحِمَه اللهُ تعالى، ما يَمْنَعُه. ثم بعدَ ذلك يُعْمَلُ بالخَط بشرْطِه. اننتهى.
فَصْلٌ: وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّة لِمَنْ تَرَكَ خَيرًا -وهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ- بِخُمْسِ مَالِهِ، وَتُكْرَهُ لِغَيرِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَة.
ــ
قوله: والوَصِيَّةُ مُسْتَحَب. هذا المذهبُ في الجُمْلَةِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وعنه، تجِبُ لقَريبٍ غيرِ وارِثٍ. اخْتارَه أبو بَكْر. ونقَل في «التبصِرَةِ» عن أبي بَكْر، وُجوبَها للمَساكِينِ، ووُجُوهِ البِرِّ.
قوله: لمَن ترَك خَيرًا؛ وهو المالُ الكثِيرُ. يَعْنِي، في عُرْفِ الناسِ، على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّغِيرِ». وقطَع به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقال المُصَنِّفُ: والذي يقْوَى عندِي، أنّه متى كان المَتْروكُ لا يفْضُلُ عن غِنَى الوَرَثَةِ، لا تُسْتَحَبُّ الوَصِيَّة. واخْتارَه في «الفائقِ». وقيل: هو مَن كان له أكثرُ مِن ثلاثةِ آلافٍ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» . وقال في «الوَجيز» : تُسَنُّ لمَن ترَك وَرَثَة وألْفَ دِرْهَم فصاعِدًا، لا دُونَها. وقاله أبو الخَطَّابِ وغيرُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: المُتَوَسِّطُ في المالِ، هو المَعْروفُ في عُرْفِ النَّاسِ بذلك. على الصحيح مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الرِّعايةِ الصُّغْرَى». وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: المُتَوَسِّطُ؛ مَن له ثلاثةُ آلافِ دِرْهَم، والفَقِيرُ؛ مَن له دُونَها. وجزَم جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ، أن المُتَوَسِّطَ، مَن مَلَك مِن ألْفٍ إلى ثلاثةِ آلافٍ؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: الفَقِيرُ؛ مَن له دُونَ ألْفٍ. ونقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ. قال في «الفُروعِ» : قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابُنا: هو فقيرٌ.
قوله: بخمْسِ مالِه. يعْنِي، يُسْتَحَبُّ لمَن ترَك خَيرًا الوَصِيَّةُ بخُمْسِ مالِه. وهذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» . وقدمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقال النَّاظِمُ: يُسْتَحَب لمَن له مالٌ كثيرٌ، ووارِثُه غَنِيٌّ، الوَصِيَّةُ (1) بخُمْسِ مالِه. وقيل: بثُلُثِ مالِه عندَ كثرتِه. اخْتارَه القاضي، وأبو الخَطابِ، وابنُ عَقِيل. قال الحارِثي: وهو المَنْصوصُ. وقال في «الإفْصاحِ» : تُسَن الوَصِيَّةُ بدُونِ الثلُثِ. وقال في
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرعايتَين» ، وغيرِهم: يُسْتَحَبُّ للغنِيِّ الوَصِيَّةُ بثُلُثِ مالِه، وللمُتَوَسِّطِ بالخُمسِ. ونقَل أبو طالبٍ، إنْ لم يَكُنْ له مال كثيرٌ؛ ألْفان أو ثلاثة، أوْصَى بالخُمْسِ، ولم يُضَيِّقْ على وَرَثَتِه، وإنْ كان له (1) مالٌ كثيرٌ، فبالرُّبْع، أو الثُّلُثِ. وأطْلَقَ في «الغُنْيَةِ» اسْتِحْبابَ الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ لقريبٍ فقير، فإن كان القريبُ غَنِيًّا؛ فلمِسْكِين، وعالِمٍ، ودَيِّنٍ، قَطَعَهم عن السَّبَبِ القدَرُ، وضيَّقَ عليهم الوَرَعُ الحَرَكةَ فيه، وانْقَلَبَ السَّبَبُ عندَهم فترَكُوه، ووَثِقُوا بالحقِّ. انتهى. وكذا قيَّد المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» اسْتِحْبابَ الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ لقريب فقير. قال في «الفُروعِ»: مع أنّ دَليلَه عامٌّ.
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وتُكْرَهُ لغيرِه، إنْ كان له وَرَثَة. أي، تُكْرَهُ الوَصِيَّةُ لغيرِ مَن ترَك خَيرًا، فتُكْرَهُ للفَقيرِ الوَصِيَّةُ مُطْلَقًا. على الصّحيحِ مِنَ المذهب. نقَل ابنُ مَنْصُور، لا يُوصِي بشيءٍ. قال في «الوَجيزِ»: لا تُسَنُّ لمَن ترَك أقل مِن ألْفِ دِرْهَم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقيل: تُكْرَهُ إذا كان ورَثته مُحْتاجِين، وإلَّا فلا. قال في «التبصِرَةِ»: رَواه ابنُ مَنْصُور، وقاله في «المُغنِي» وغيرِه. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وتقدّم إطْلاقُه في «الغُنْيَةِ» اسْتِحْبابَ الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ. وتقدّم ما اخْتارَه المُصَنِّفُ.
فَأمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ.
ــ
قوله: فأمَّا مَن لا وارِثَ له، فتجُوزُ وَصِيته بجميعِ مالِه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم أبو بَكْر، والقاضي، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطابِ، والشِّيرازِيُّ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرّعايتَين» ، و «الحاوي الضغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وصحّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وعنه، لا تجوزُ إلا بالثُّلُثِ. نصَّ عليه، في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. قال أبو الخَطابِ في «الانْتِصارِ»: هذه الرّوايَةُ صَرِيحَةٌ في منْعِ الرَّدِّ، وتَوْريثِ ذوي الأرْحام. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: تجوزُ بمالِه كلّه، إذا كان وارِثُه ذا رَحِمٍ. قال الشارِحُ: وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيّ. وأطْلَقَ في «الفائقِ» ، في ذَوي الأرْحامِ، وَجْهَين. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ»: بَناهما بعضُ الأصحاب على أن الحق لغيرِ مُعَيَّنٍ. وبَناهما القاضي على أن بيتَ المالِ؛ هل هو جِهَةٌ ومَصْلَحَةٌ، أو وارِثٌ؟ فإنْ قيلَ: هو جِهَة ومَصْلَحَة. جازَتِ الوَصِيَّةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بجميعِ مالِه. وإنْ قيل: هو وارِثٌ. فلا تجوزُ إلَّا بالثُّلُثِ. وتابَعَه في «الفُروعِ» وغيرِه. ويأتِي الكلامُ في ذلك مُسْتَوْفُىٍ، في آخِرِ باب أصُولِ المَسائلِ. فعلى المذهبِ، لو ماتَ وتَرَك زَوْجًا أو زَوْجَة، لا غيرُ، وأوصَى بجميعِ مالِه ورُدَّ، بَطَلَتْ في قَدْرِ فَرْضِه مِنَ الثلُثَين، فيأخُذُ المُوصَى له الثُّلُثَ، ثم يأخُذُ أحدُ الزوْجَين فَرْضَه مِنَ الباقي؛ وهو الثُّلُثان، فيَأخُذُ الرُّبعَ، إنْ كان زَوْجَةً، والنِّصْفَ، إنْ كان زَوْجًا، ثم يأخُذُ المُوصَى له الباقِي مِنَ الثُّلُثَين. وهذا الصحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُحَررِ» ، و «النظمِ» ، و «الرِّعايةِ الصغْرى» ، و «الحاوي الصغِيرِ». وقيل: لا يأخُذُ المُوصَى له مع أحَدِ الزَّوْجَين سِوَى الثلُثِ. وقدمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ». قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، وصاحِبِ «الوَجيزِ» ، وغيرِهما؛ حيثُ قالوا: ولا يجوزُ لمَن له وارِث الوَصِيَّةُ (1) بزِيادَة على الثلُثِ.
(1) زيادة من: ا.
وَلَا تَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِث بِزِيَادَةٍ عَلى الثُّلُثِ لأجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إلَّا بِإجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ لو كان الوارِثُ واحِدًا مِن أهْلِ الفُروضِ، وقُلْنا بعدَمِ الرَّدِّ. قاله في «الرعايةِ» وغيرِها. الثَّانيةُ، لو أوْصَى أحدُ الزَّوْجَين للآخَرِ، فله على الروايَةِ الأولَى المالُ كله إرْثًا ووَصِيَّةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا تصِحُّ. وله على الروايَةِ الثَّانيةِ الثُّلُثُ بالوَصِيَّةِ، ثم فرْضُه مِنَ الباقي، والبَقِيَّةُ لبَيتِ المالِ.
قوله: ولا تَجُوزُ لمَن له وارِثٌ بزِيادَةٍ على الثُّلُثِ لأجْنَبِيّ، ولا لوارِثِه بشيء إلَّا بإجازَةِ الوَرَثَةِ. يَحْرُمُ عليه فِعْلُ ذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يُكْرَهُ له ذلك. قال في «الفُروعِ» : وقال في «التبصِرَةِ» : يُكْرَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلتُ: وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في الثانيةِ. وقدَّمه في الأولَى. وعنه، يُكْرَهُ في صِحَّتِه مِن كلِّ مالِه. نَقَلَه حَنْبَلٌ. قلت: الأوْلَى الكَراهَةُ. ولو قيلَ بالإباحَةِ، لكان له وَجْهٌ.
قوله: إلَّا بإجازَةِ الوَرَثَةِ. يَعْنِي، أنها تصِحُّ بإجازَةِ الوَرَثَةِ، فتكونُ مَوْقوفَةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليها. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليهَ جماهيرُ الأصحابِ. صحَّحه في «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِي: هو المَشْهورُ المَنْصُورُ في المذهبِ؛ حتى أنَّ القاضِيَ في «التَّعْليقِ» ، وأبا الخَطَّابِ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«خِلافِه» ، والمَجْدَ، وجماعَةً، لم يحْكُوا فيه خِلافًا. وعنه، الوَصِيَّةُ باطِلَةٌ، وإنْ أجازَها الوَرَثَةُ، إلا أنْ يُعْطُوه عَطيَّةً مُبْتَدَأةً. واخْتارَه بعضُ الأصحابِ. وهو وَجْهٌ في «الفائقِ» في الأجْنَبِيِّ، ورِوايَةٌ في الوارِثِ.
تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن كلامِ المُصَنفِ، إذا أوْصَى بثُلُثِه يكونُ وَقْفًا على بعضِ وَرَثَتِه، فإنَّه يصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، على ما تقدَّم في الهِبَةِ. وفيه قولٌ اخْتارَه المُصَنفُ بعدَمِ الصِّحَّةِ. فيكونُ ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ مُوافِقًا لما اخْتارَه.
إلا أنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّن بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَينَ.
ــ
قوله: إلَّا أنْ يُوصِيَ لكُل وارِثٍ بمُعَيَّن بقَدْرِ ميِراثِه، فهل يصِحُّ؟ على
وَإنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا، تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتهِ. وَعَنْهُ، يُقَدَّمُ الْعِتْقُ.
ــ
وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، تَصِحُّ. وهو الصَّحيحُ. قال في «الفُروعِ»: وتصِحُّ مُعاوَضَةُ مريضٍ بثَمَنِ مِثْلِه، وعنه، مع وارثٍ بإجازَةٍ، اخْتارَه في «الانْتِصارِ» ، لفَواتِ حَقِّه مِنَ المُعَيَّنِ. ثم قال: ومِثْلُها وَصِيَّة لكُلِّ وارِثٍ بمُعَيَّن بقَدْرِ حَقه. وصحَّحه في «التصْحيحِ» ، و «الحارِثِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «إدْراكِ الغايةِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تصِحُّ إلَّا بإجازَةِ الوَرَثَةِ. صحَّحه في «المُذْهَبِ» ، و «النَّظْمِ» .
قوله: وإنْ لم يَفِ الثُّلُثُ بالوَصَايا، تحاصُّوا فيهِ، وادْخِلَ النَّقْصُ على كُل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحِدٍ بقَدْرِ وَصِيَّتِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُقَدَمُ العِتْقُ. ولو اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ، فعليهما (1)؛ هل يُبْدأ بالكِتابَةِ، لأنَّه المَقْصودُ بها، أوْ لا؛ لأنَّ العِتْقَ تغْلِيبًا ليس للكِتابَةِ؟ فيه وَجْهان. ذكَرَهما القاضي، والمُصَنفُ، والحارِثِيُّ، وغيرُهم.
(1) في ط: «فعليها» .
وإِنْ أجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ، جَازَتْ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ في الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أحكَامُهَا فِيهَا. فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أبا لِلْمُجَازِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي يَخْتَصُّ بِهِ عَصبَتُهُ، وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ، صَحَّ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْإجَازَةَ هِبَة، فَتَنْعكِسُ هَذِهِ الْأحْكَامُ.
ــ
قوله: وإجازَتُهما تَنْفِيذ في الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو كما قال. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» : أشْهَرُ الروايتَين، أنَّها تَنْفِيذ. قال الزَّرْكَشِي: هذا المَشْهورُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَنْصورُ في المذَهبِ. وجزَم به جماعَة. انتهى. قال في «الفائقِ» وغيرِه: والإجازَةُ تنْفيذٌ، في أصَحِّ الرِّوايتَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الشَّارِحُ: لأنَّ ظاهِرَ المذهبِ، أن الوَصِيَّةَ للوارِثِ والأجْنَبِيِّ بالزِّيادةِ على الثُّلُثِ صَحيحةٌ مَوْقوفَةٌ على إجازَةِ الوَرَثَةِ، فعلى هذا تكونُ إجازَتُهم تنْفِيذًا، وإجازَةً محْضَةً، يكْفِي فيها قوْلُ الوارِثِ: أجَزْتُ. أو أمْضَيتُ. أو نفَّذْتُ. انتهى. وعنه ما يدُل على أن الإجازةَ هِبَة مُبْتدَأة. قال في «الفُروعِ» : وخصَّها في «الانْتِصارِ» بالوارِثِ. قال الشارِحُ: وقال بعضُ أصحابِنا: الوَصِيَّةُ باطِلَة. فعلى هذا، تكونُ هِبَةً. انتهى. وأطْلَقَهما أبو الفَرَجِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، قيل: هذا الخِلافُ مَبْنِي على أن الوَصِيَّةَ بالزِّائدِ على الثُّلُثِ؛ هل هي باطِلَة، أو مَوْقوفة على الإجازَةِ، كما تقدّم؟ وتقدَّم كلامُ الشارِحِ قريبًا عن بعضِ الأصحابِ. وقيل: بل هو مَبْنِي على القَوْلِ بالوَقْفِ. أنا على البُطْلانِ، فلا وَجْهَ للتنفيذِ. قال في «القَواعِدِ» ـ: وهذا أشْبَهُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثاني، لهذا الخِلافِ فوائدُ كثيرة، ذكَرَها ابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» ، وغيرُه مِنَ الأصحابِ. فمنها، على المذهبِ، لا تفْتَقِرُ إلى شُروطِ الهِبَةِ؛ مِنَ الإيجابِ والقَبُولِ، والقَبْضِ، ونحوه، بل تصِحُّ بقوْلِه: أجَزْتُ. وأنْفَذْتُ. وأمْضَيتُ. ونحو ذلك. وعلى الثَّانيةِ، تفْتَقِرُ إلى الإيجابِ، والقَبُولِ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. وكلامُ القاضي يقْتَضِي أن في صِحتِها بلَفْظِ الإجازَةِ وَجْهَين. قال المَجْدُ: والصحةُ ظاهِرُ المذهبِ. ومنها، لا تثْبتُ أحْكامُ الهِبَةِ، على المذهبِ، فلو كان المُجِيزُ أبا للمُجازِ له، لم يكُنْ له الرُّجوعُ فيه. وعلى الثَّانيةِ، له الرُّجوعُ. ومنها، هل يُعْتَبَرُ أنْ يكونَ المُجازُ معْلومًا للمُجيزِ؟ ففي «الخِلافِ» للقاضي، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، هو مَبْنِي على الخِلافِ. وطريقَةُ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» ، أن الإجازَةَ لا تصِحُّ بالمَجْهولِ، ولكِنْ هل يُصَدَّقُ في دَعْوَى الجَهالةِ؟ على وَجْهَين. ومِنَ الأصحابِ مَن قال: إنْ قُلْنا: الإجازَةُ تنْفِيذٌ. صحَّتْ بالمجْهولِ، ولا رُجوعَ، وإنْ قُلْنا: هي هِبَة. فوَجْهان. ومنها، لو كان المُجازُ عِتْقًا، كان الوَلاءُ للمُوصِي، تخْتَصُّ به عصَبَتُه، على المذهبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى الثَّانيةِ، الوَلاءُ لمَن أجازَ، ولو كان أنثَى.
فائدة: لو كسَب المُوصَى بعِتْقِه بعدَ المَوْتِ وقبلَ الإعْتاقِ، فهو له. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والثَّمانِين» . وقال المُصَنفُ في «المُغْنِي» (1)، في آخِرِ بابِ العِتْقِ: كَسْبُه للوَرَثَةِ، كأم الوَلَدِ. انتهى. ولو كان المُوصَى بعِتْقِه أمَةً، فوَلَدَتْ قبلَ العِتْقِ، وبعدَ المَوْتِ، تَبِعَها الوَلَدُ، كأم الوَلَدِ. قدَّمه في «القَواعِدِ» ، وقال: هذا هو الظَّاهِرُ. وقال القاضي في «تَعْليقِه» : لا تَعْتِقُ. ومنها، لو كان وَقْفًا على المُجِيزِين؛ فإنْ قُلْنا: الإجازَةُ تَنْفِيذٌ. صحَّ الوَقْفُ ولَزِمَ، وإنْ قُلْنا: هِبَةٌ. فهو كوَقْفِ الإنْسانِ على نفْسِه. ومنها، لو حلَف لا يهَبُ، فأجازَ، لم يحْنَثْ. على المذهبِ. وعلى الثَّانيةِ، يحْنَثُ. ومنها، لو قَبِل الوَصِيَّةَ المُفْتَقِرةَ إلى الإجازَةِ قبلَ الإجازَةِ، ثم أُجِيزَتْ؛ فإنْ قُلْنا: الإجازَةُ تَنْفِيذ. فالمِلْكُ ثابِتٌ له مِن حينِ قَبُوله، وإنْ قُلْنا: هي هِبَةٌ. لم يثْبُتِ المِلْكُ إلَّا بعدَ الإجازَةِ. ذكَرَه القاضي في «خِلافِه» . ومنها، أنَّ ما جاوَزَ الثُّلُثَ مِنَ الوَصايا إذا أُجِيزَ؛ هل يُزاحِمُ بالزائدِ الذي لم يُجاوزْه، أوْ لا؟ مَبْنيٌّ على الخِلافِ. ذكَرَه في «المُحَرَّرِ» ، ومَن تابعَه. قال في «القَواعِدِ»: واسْتَشْكَلَ تَوْجِيهُه على الأصحابِ، وهو واضِحٌ، فإنَّه إذا كانتْ مَعنا وَصِيَّتان؛ إحْداهما، مُجاوزَة للثُّلُثِ، والأخْرَى، لا تُجاوزُه؛ كنِصْفٍ وثُلُثٍ؛ وأجازَ الوَرَثَةُ الوَصِيَّةَ المُجاوزَةَ للثُّلُثِ خاصَّةً؛ فإنْ قُلْنا: الإجازَةُ تَنْفِيذ. زاحَمَ صاحِبُ النصْفِ صاحِبَ الثُّلُثِ بنصفٍ كامِلٍ، فيُقْسَمُ الثُّلُثُ بينَهما على خمْسَ؛ لصاحِبِ النِّصْفِ ثلاثةُ أخْماسِه، وللآخرِ خُمْساه، ثم يُكْمَلُ لصاحِبِ النصْفِ نِصْفُه
(1) المغني 14/ 396.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالإجازَةِ. وإنْ قُلْنا: الإجازَةُ ابْتِداءُ عَطيةٍ. فإنَّما يُزاحِمُ بثُلُثٍ خاصٍّ؛ إذِ الزيادَةُ عليه عَطيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنَ الوَرَثَةِ، لم تُتَلَقَّ مِنَ المَيِّتِ. فلا يُزاحِمُ بها الوَصايا، فيُقْسَمُ الثُّلُثُ بينَهما نِصْفَين، ثم يُكْمَلُ لصاحِبِ النِّصْفِ ثُلُث (1) بالإجازَةِ، [أي يُعْطَى ثُلُثًا زائدًا على السُّدْسِ الذي أخَذَه مِنَ الوَصِيَّةِ](2). وهذا مَبْنِي على القَوْلِ بأن الإجازَةَ عَطيَّة أو تَنْفِيذ. فيُفَرَّعُ، على هذا، القَوْلُ بإبْطالِ الوَصِيَّةِ بالزَّائدِ على الثُّلُثِ وصِحَّتِها، كما سَبَق. انتهى. وقد تكَلم القاضي مُحِبُّ الدينِ ابنُ نَصْرِ الله البَغْدادِيُّ على هذه المَسْألةِ في كُراسَةٍ بما لا طائلَ تحتَه. وما قاله ابنُ رَجَبٍ صحيح واضِحٌ. وقال الزرْكَشِيُّ، وقد يُقال: إن عَدَمَ المُزاحَمَةِ، إنما هو في الثُّلُثَين؛ لأن الهِبَةَ تَخْتَصُّ بهما، والمُجِيزُ يُشْرِكُ بينَهما فيهما، أما الثُّلُثُ، فيُقْسَمُ بينَهما على قَدْرِ أنْصِبائِهما. انتهى. قلتُ: الذي يظْهَرُ، أنَّ هذا هو الصَّوابُ. ومنها، لو أجازَ المرِيضُ في مرَضِ مَوْتِه وَصِيَّةَ مَوْرُوثِه؛ فإنْ قُلْنا: إجازَتُه عَطيَّة. فهي مُعْتَبَرَة مِن ثُلُثِه. وإنْ قُلْنا: هي تنْفِيذ. فللأصحابِ طرِيقان؛ أحدُهما، القطعُ بأنها منَ الثُّلثِ أيضًا. قاله القاضي في «خِلافِه» ، والمَجْدُ. والطريقُ الثاني، المَسْألةُ على وَجْهَين. وهي طريقةُ أبي الخَطابِ في «انْتِصارِه» ، وهما مُنَزَّلان على أصْلِ الخِلافِ في حُكمِ الإجازَةِ. قال في «القواعِدِ»: وقد يُنَزلان على أن المِلْكَ؛ هل ينْتَقِلُ إلى الوَرَثَةِ في المُوصَى به، أم تمْنَعُ الوَصِيَّةُ الانْتِقال؟ وفيه وَجْهان؛ فإنْ قُلْنا: تنْتَقِلُ إليهم. فالإجازَةُ مِنَ الثُّلُثِ، وإلا فهي مِن رأسِ مالِه. ومنها، إجازَةُ المُفْلِسِ. قال في «المُغْنِي» (3): هي نافِذَة. وهو
(1) في الأصل: «ثلثه» .
(2)
زيادة من: ا.
(3)
المغني 8/ 407.
وَمَنْ أوصِىَ لَهُ وَهُوَ في الظَّاهِرِ وَارِثٌ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيرَ وَارِثٍ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَإنْ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ غَيرُ وَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا، بَطَلَتْ؛ لأنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ.
ــ
مُنَزلٌ على القَوْلِ بالتنفِيذِ. وجزَم به في «الفُروعِ» . قال في «القَواعِدِ» : ولا يبْعُدُ على قَوْلِ (1) القاضي في التي قبلَها، أنْ لا ينْفُذَ. وقاله المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، في الشفْعَةِ. ومنها، إجازَةُ السَّفيهِ نافِذَة على المذهبِ، لا على الثَّانيةِ. ذكَرَه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشارِحُ: لا تصِحُّ إجازَته مُطْلَقًا. وكذا صاحِبُ «الفائقِ» .
قوله: ومَن أُوصِيَ له وهو في الظَّاهِرِ وارِثٌ، فصارَ عندَ المَوْتِ غيرَ وارِثٍ، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ له، وإنْ أوصِيَ له وهو غيرُ وارِثٍ، فصارَ عندَ المَوْتِ وارِثا، بَطَلَتْ؛ لأنَّ اعْتِبارَ الوَصِيَّةِ بالمَوْتِ. هذا (2) الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وأكثرُهم لم يَحْك فيه خِلافًا؛ أن الاعْتِبارَ في الوَصِيَّةِ بحالِ المَوْتِ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في «القاعِدَةِ السابِعَةَ عَشْرَةَ بعدَ المِائَةِ» : وحكَى بعضُهم خِلافًا ضعِيفًا، أن الاعْتِبارَ بحالِ الوَصِيَّةِ، كما حكَى أبو بَكْر، وأبو الخَطابِ رِوايَةً، أن الوَصِيَّةَ في حالِ الصِّحَّةِ مِن رأسِ المالِ، ولا تصِحُّ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وإنما أرادَ
وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إلا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ.
ــ
العَطيَّةَ المُنْجَزَةَ، كذلك قال القاضي. انتهى. وقال في «الرِّعايتَين»: وقيل: تبْطُلُ الوَصِيَّة فيهما.
قوله: ولا تَصِحُّ إجازَتُهم ورَدُّهم إلَّا بعدَ مَوْتِ المُوصِي، وما قبلَ ذلك لا عِبْرَةَ به. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، تصِح إجازَتُهم قبلَ المَوْتِ في مرَضِه. خرجَها القاضي أبو حازِم مِن إذْنِ الشفيعِ في الشِّراءِ. قال في «القاعِدَةِ الرابعَةِ»: شَبهَه الإمامُ أحمدُ في موْضِعٍ بالعَفْو عن الشفْعَةِ، فخرجَه المَجْدُ في «شَرْحِه» ، على رِوايتَين. واخْتارَها صاحِبُ «الرِّعايةِ» ، والشيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله.
وَمَنْ أجَازَ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ قَال: إِنَّمَا أجَزْتُ لأننِي ظَنَنْتُ الْمَال قَلِيلًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينهِ، وَلَهُ الرُّجُوع بِمَا زَادَ عَلَى مَا ظَنَّهُ، في أظْهَرِ الْوَجْهينِ، إلّا أن تقُومَ عَلَيهِ بَيِّنة.
ــ
قوله: ومَن أجازَ الوَصِيَّةَ -يعْنِي، إذا كانتْ جُزءًا مُشاعًا- ثُمَّ قال: إنَّما أجَزْتُ لأننِي ظنَنْتُ المال قَلِيلًا. فالقَوْلُ قَوْلُه مع يَمِينه، وله الرُّجُوعُ بما زادَ على ظَنِّه، في أظْهَرِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثاني، ليس له الرُّجوعُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» . وتقدَّم في الفوائدِ، هل يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ المُجازُ مَعْلومًا؟
تنبيه: قوْلُه: إلَّا أنْ تقُومَ عليه بَيِّنة. يعْنِي، تشْهَدُ بأنه كان عالِمًا بزِيادَتِه، فلا يُقْبَلُ قَوْلُه. وكذا لو كان المالُ ظاهِرًا لا يخْفَى عليه، لا يُقْبَلُ قَوْلُه. وكلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه، ممَّن أطْلَقَ، مُقَيَّدٌ بذلك، وهذا إذا قُلْنا: الإجازَةُ تَنْفِيذٌ. فأمَّا إذا قُلْنا: هي هِبَة مُبْتدَأةٌ. فله الرُّجوعُ فيما يجوزُ الرُّجوعُ في مِثْلِه في الهِبَةِ. وقد تقدَّم قريبًا في الفوائدِ.
وإنْ كَانَ الْمُجَازُ عَينًا، فَقَال: ظَنَنْتُ بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا. لَمْ يقْبَلْ قَوْلُهُ، في أظْهَرِ الْوَجْهَينِ.
ــ
قوله: وإنْ كان المُجازُ عَينًا -وكذا لو كان مَبْلَغًا مُقَدَّرًا- فقال: ظنَنْتُ باقِيَ المالِ كثيرًا. لم يُقْبَلْ قَوْلُه، في أظْهَرِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروع» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثاني، يُقْبَلُ قَوْلُه. قال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: لو قال: ظنَنْتُ قِيمَتَه ألْفًا. فبانَ أكثرَ، قُبِلَ قَوْلُه، وليسَ نَقْضًا للحُكْمِ بصِحَّةِ
وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إلا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَأمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ.
ــ
الإجازَةِ بيِّنةٍ أو إقْرارٍ. قال: وإنْ أجازَ، وقال: أرَدْتُ أصْلَ الوَصِيَّةِ. قُبِلَ. انتهى.
قوله: ولا يثْبُتُ المِلْكُ للمُوصَى له إلَّا بالقَبُولِ بعدَ المَوْتِ، فأمَّا قبولُه ورَدُّه قبلَ المَوْتِ فلا عِبْرَةَ به. اعلَمْ أنَّ حُكْمَ قَبُولِ الوَصِيَّةِ كقَبُولِ الهِبَةِ، على ما تقدم في بابِه. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله: الهِبَةُ والوَصِيَّةُ واحِدٌ. قاله في «الفُروعِ» ، و «الزركَشِيِّ» ، وغيرِهما. وقال في «القَواعِدِ»: نَصَّ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في مواضِعَ على أنّه لا يُعْتَبَرُ للوَصِيَّةِ قَبُولٌ، فيَمْلِكُه قَهْرًا، كالمِيراثِ. وهو وَجْهٌ للأصحابِ. حَكاه غيرُ واحدٍ. انتهى. وذكَر الحَلْوانِي عن أصحابِنا، أنّه يمْلِكُ الوَصِيَّةَ بلا قَبُولِه، كالمِيراثِ. وقال في «المُغْنِي» ، ومَن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تابَعَه: وَطْؤه الأمَةَ المُوصَى بها، قبولٌ؛ كرَجْعَةٍ، وبَيعِ خِيار.
وقال في «الرِّعايةِ» : وقيل: يكْفِي الفِعْلُ قَبُولًا. قال في «القاعِدَةِ التاسِعَةِ والأرْبَعِين» : واخْتارَ القاضي، وابنُ عَقِيل، أنها لا تلْزَمُ في المُبْهَمِ بدُونِ قَبْضٍ. وخرج المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» وَجْهًا ثالثًا، أنَّها لا تلْزَمُ بدُونِ القَبْضِ؛ سواءٌ كان مُبْهَمًا، أوْ لا، كالهِبَةِ. وقال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والخَمسِين»: الأظْهَرُ أنَّ تَصَرُّفَ المُوصَى له في الوَصِيَّةِ بعدَ المَوْتِ، يقُومُ مَقامَ القَبُولِ؛ لأن سبَبَ المِلْكِ قدِ اسْتَقَر له اسْتِقرارًا لا يمْلِكُ إبْطاله. واقْتَصَرَ عليه.
فائدة: لا يصِحُّ بَيعُ المُوصَى به قبلَ قبولِه مِن وارِثِه. ذكَرَه في «الفُروعِ» ، في بابِ التَّدْبيرِ. ويجوزُ التصَرُّفُ في المُوصَى به بعدَ ثُبوتِ المِلْك، وقبلَ القَبْضِ، باتِّفاقٍ مِنَ الأصحابِ فيما نعْلَمُه. قاله في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والخَمْسِين» واقتصَرَ عليه.
فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.
ــ
تنبيه: مُرادُه، إذا كان المُوصَى له واحِدًا أو جَمْعًا محْصُورًا. فأما إذا كانُوا غيرَ مَحْصُورِين، كالفُقَراءِ، أو المَساكِينِ مَثَلا، أو لغيرِ آدَمِيٍّ؛ كالمَساجِدِ، والقَناطِرِ، ونحوهما، فلا يُشْتَرَطُ القَبُولُ، قوْلا واحِدًا. وسيأتِي قريبا، متى يثْبُتُ المِلْكُ له إذا قَبِلَ؟.
فوائد؛ إحْداها، يسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الوَرَثَةِ بمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهم، إذا كان المالُ عَينًا حاضِرَة يُتمَكَّنُ مِن قَبْضِها. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُور، في رجُلٍ ترَك مِائَتَي دِينار وعَبْدًا قِيمَتُه مِائَةٌ، وأوْصَى لرَجُل بالعَبْدِ، فسُرِقَتِ الدَّنانِيرُ بعدَ موتِ الرجُلِ: وجَب العَبْدُ للمُوصَى له، وذَهَبَتْ دَنانِيرُ الوَرَثَةِ. وهكذا ذكَرَه الخِرَقِيُّ، وأكثرُ الأصحابِ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، في كتابِ العِتْقِ: لا يدْخُلُ في ضَمانِهم بدُونِ القَبْضِ؛ لأنّه لم يحْصُلْ في أيدِيهم، ولم ينْتَفِعُوا به، أشْبَهَ الدينَ والغائبَ ونحوَهما، ممَّا لمَ يتَمَكَّنُوا مِن قَبْضِه. فعلى هذا؛ إنْ زادَتِ التَّرِكَةُ قبلَ القَبْضِ، فالزِّيادَةُ للوَرَثَةِ، وإنْ نقَصَتْ، لم يُحْسَبِ النَّقْصُ عليهم، وكانتِ التّرِكَةُ ما بَقِيَ. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الحادِيَةِ والخَمْسِين» ، وعلَّلَه.
الثَّانيةُ، قولُه: فَإنْ ماتَ المُوصَى له قبلَ مَوْتِ المُوصِي، بطَلَتِ الوَصِيَّةُ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو ماتَ المُوصَى له بقَضاءِ دَينه قبلَ موتِ (1) المُوصِي، لم تبْطُل
(1) سقط من: ط.
وَإنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، بَطَلَتْ أَيضًا.
ــ
الوَصِيَّةُ، بلا نِزاعٍ؛ وإن تفْريغ ذِمِّةِ المَدينِ بعدَ مَوْتِه كتَفْريغها قبلَه؛ لوُجودِ الشُّغْلِ في الحالين، كما لو كان حَيًّا. ذكَرَه الحارِثِيُّ. الثالثةُ، لا تنْعَقِدُ الوَصِيَّةُ إلَّا بقَوْلِه: فَوَّضْتُ. أو وصَّيتُ إليك. أو إلى زَيدٍ بكذا. أو أنت. أو هو. أو جعَلْتُه. أو جعَلْتُك وَصِيِّي. أو أعْطُوه مِن مالِي بعدَ مَوْتِي كذا. أو ادْفَعُوه إليه. أو جعَلْتُه له. أو هو له بعدَ مَوْتِي. أو هو له مِن مالِي بعدَ مَوْتِي. ونحو ذلك.
تنبيه: وإنْ ردَّها بعدَ مَوْتِه، بطَلَتْ أيضًا. بلا نِزاع. لكِنْ لو رَدَّها بعدَ قَبُولِه، وقبلَ القَبْضِ، لم يصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». وصحَّحه الحارِثِيُّ. قال المَجْدُ؛ هذا المذهبُ. وقيل: يصِحُّ رَدُّه مُطْلَقًا. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: يصِحُّ رَدُّه في المَكيلِ والمَوْزونِ بعدَ قَبُولِه وقبلَ قبْضِه. جزَم به المُصَنفُ، والشَّارِحُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: إنْ كان الرَّدُّ بعدَ القَبُولِ والقبْضِ، لم يصِحَّ الرَّدُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك لو كان بعدَ القَبُولِ، وقبْلَ القَبْضِ، على ظاهِرِ كلامِ جماعةٍ. وأوردَه المَجْدُ مذهبًا.
فائدة: إذا لم يقْبَلْ بعدَ مَوْتِه، ولا رَدَّ، فحُكْمُه حُكْمُ مُتَحَجِّرِ المَواتِ، على
وَإنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَال الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ.
ــ
ما مرَّ في بابِه. قاله في «الفُروعِ» . وقال في «القاعِدَةِ العاشِرَةِ بعدَ المِائَةِ» : لو امْتَنَعَ مِنَ القَبُولِ والرَّدِّ، حُكِمَ عليه بالرَّد، وسقَط حقُّه مِنَ الوَصِيَّةِ. قاله في «الكافِي» . وجزَم به الحارِثِيُّ.
قوله: وإنْ ماتَ بعدَه وقبلَ الرَّدِّ والقَبُولِ، قامَ وارِثُه مقامَه. ذكَرَه الخِرَقِيُّ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه في روايَةِ صالحٍ. قاله المَجْدُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّارِحُ، وغيرُهما. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَررِ» ،
وَإنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ، فِي الصَّحِيحِ.
ــ
و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ». وقال القاضي: تبْطُلُ الوَصِيَّةُ على قِياسِ قَوْلِه. يعْنِي، في خِيارِ الشُّفْعَةِ، وخِيارِ الشَّرْطِ. وهو رِوايَةٌ عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، نقَلَها عَبْدُ اللهِ، وابنُ مَنْصُورٍ. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والقاضي، وأصحابُه. وقدَّمه في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ» ، وقال: اخْتارَه القاضي والأكْثَرُون. وحكَى الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ وَجْهًا، أنَّها تنْتَقِلُ إلى الوارِثِ بلا قبُولٍ، كالخِيارِ.
قوله: وإنْ قبِلَها بعدَ المَوْتِ، ثبَت المِلْكُ حينَ القَبُولِ، في الصَّحيحِ. وهو المذهبُ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه، وأوْمَأَ إليه الإمامُ أحمدُ، رحِمَه الله تُعالى. ونصَرَه القاضي، وأصحابُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . قال الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى: هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. ونصَرَه الشَّارِحُ. ويحْتَمِلُ أنْ يثْبُتَ المِلْكُ حينَ الموتِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ». قال في «العُمْدَةِ»: ولو وصَّى بشيءٍ، فلم يأْخُذْه المُوصَى له زَمانًا، قُوِّمَ وقْتَ الموتِ، لا وقْتَ الأخْذِ. انتهى. وقال في «الوَجيزِ»: ويثْبُتُ المِلْكُ بالقَبُولِ عقِبَ الموتِ. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: الخِلافُ رِوايَتان. واخْتارَ أبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» ، أنَّ المِلْكَ مُراعًى؛ فإذا قَبِلَ، تبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ ثبَت له مِن حينِ الموتِ. وهو رِوايَةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحِمَه اللهُ تعالى. وحكَى الشَّرِيفُ عن شَيخِه (1)، أنَّه قال: هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قلتُ: ويحْتَمِلُه كلامُ «الوَجيزِ» المُتَقَدِّمُ، بل هو ظاهِر في ذلك. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وهذا
(1) هو القاضي أبي يعلى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو الوَجْهُ الذي قبلَه بعَينِه. وهو كما قال. وحُكِيَ وجْهٌ بأنَّه مِن حينِ الموتِ بمُجَرَّدِه. نقَلَه الحارِثِيُّ. فعلى الأوَّلِ، يكونُ قبلَ القَبُولِ للوَرَثَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما صرَّح به المُصَنِّفُ هنا. واخْتارَه هو، وابنُ البَنَّا، والشِّيرازِيُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يكونُ على مِلْكِ المَيت. وهو مُقْتَضَى قوْلِ الشَّرِيفِ، وأبي الخَطَّابِ في «خِلافَيهما». قال الحارِثِيُّ: والقوْلُ بالبَقاءِ للمَيتِ، قال به أبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، والقاضي أبو الحُسَينِ، وغيرُهم. انتهى. وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِيُّ، وصاحِبُ «القَواعِدِ» فيها، وقال: وأكثرُ الأصحابِ قالوا: يكونُ للمُوصَى له، وهو قوْلُ أبي بَكْرٍ، والخِرَقِيِّ، ومَنْصوصُ الإِمامِ أحمدَ، رحِمَه اللهُ تعالى. انتهى.
فَمَا حَدَثَ قَبْلَهُ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، وإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا تَبِعَهَا.
ــ
تنبيه: لهذا الخِلافِ فوائدُ كثيرةٌ، ذكَرَها الأصحابُ. وذكَر المُصَنِّفُ هنا بعضَها؛ منها، حُكْمُ نَمائِه بينَ الموتِ والقَبُولِ. فإنْ قُلْنا: هو على مِلْكِ المُوصَى له. فهو له، يُحْتَسَبُ عليه مِنَ الثُّلُثِ، وإنْ قُلْنا: هو على مِلْكِ المَيتِ. فتتَوَفَّرُ به التَّرِكَةُ، فيَزْدادُ به الثُّلُثُ. فعلى هذا، لو وصَّى بعَبْدٍ لا يَمْلِكُ غيرَه، وثَمَنُه عَشَرَةٌ، فلم تُجِزِ الوَرَثَةُ، فكسَبَ بينَ الموتِ والقَبُولِ خَمْسَةً، دخَلَه الدَّوْرُ، فتُجْعَلُ الوَصِيَّةُ شيئًا، فتَصِيرُ التَّرِكَةُ عَشَرَةً ونِصْفَ شيءٍ، تعْدِلُ الوَصِيَّةَ والمِيراثَ، وهما ثلاثةُ أشياءَ، فيَخْرُجُ الشَّيءُ أرْبَعَةً بقَدْرِ خُمْسَيِ العَبْدِ؛ وهو الوَصِيَّةُ، وتَزْدادُ الترِكَةُ مِنَ العَبْدِ دِرْهَمْين، فأمَّا بقِيَّتِه، فَزادَتْ على مِلْكِ الوَرَثَةِ، وَجْهًا واحِدًا. قاله في «المُحَررِ» وغيرِه. وإنْ قُلْنا: هو على مِلْكِ الوَرَثَةِ. فهو لهم خاصة. وذكَر القاضي في «خِلافِه» ، أنَّ مِلْكَ المُوصَى له لا يتقَدَّمُ القَبُولَ، وأنَّ النَّماءَ قبلَه للوَرَثَةِ، مع أنَّ العَينَ باقِيَةٌ على حُكْمِ مِلْكِ المَيتِ، فلا يتَوفَّرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثُّلُثُ. وذكَر أيضًا إذا تُلْنا: إنَّه مُراعًى، وأنَّا نتَبيَّنُ بقَبُولِ (1) المُوصَى له مِلْكَه له (2) مِن حينِ الموتِ. فإن النَّماءَ يكونُ للمُوصَى له مُعْتَبَرًا مِنَ الثُّلُثِ؛ فإنْ خرَج مِنَ الثُّلُثِ مع الأصْلِ، فهما له، وإلَّا كان له بقَدْرِ الثُّلُثِ، فإنْ فضَلَ شيءٌ مِنَ الثُّلُثِ، كان له مِنَ النَّماءِ. وقال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والثَّمانِين»: إذا نَما المُوصَى بوَقْفِه بعدَ الموتِ، وقبلَ إيقافِه، فأفْتَى الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّه يُصْرَف مَصْرِفَ الوَقْفِ؛ لأن نَماءَه قبلَ الوَقْفِ كنَمائِه بعدَه. وأفْتَى به الشيخُ عِمادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ الشَّافِعِيُّ (3). قال الدَّميرِيُّ: وهو الظَّاهِرُ. وأجابَ بعضُهم بأنَّه للوَرَثةِ. قلتُ: قد تقدَّم في كتابِ الزَّكاةِ، عندَ السَّائمَةِ المَوقوفَةِ، ما يُشابِهُ ذلك؛ وهو إذا أوصىَ بدَراهِمَ في وُجوهِ البِرِّ، أو ليُشْتَرَى بها ما يُوقَفُ، فاتَّجَرَ بها الوَصِيُّ، فقالوا: رِبْحُه مع أصْلِ المالِ فيما وَصَّى به، وإنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ. نقلَه الجماعةُ. وقيل: رِبْحُه إرْثٌ. ومنها، لو نقَص المُوصَى به في سِعْرٍ أو صِفَةٍ. فقال في «المُحَررِ»: إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه بالموتِ. اعْتُبِرَتْ قِيمَتُه مِنَ التَّرِكَةِ بسِعْرِه يومَ الموتِ على أدْنَى صِفاتِه مِن يومِ الموتِ إلى القَبُولِ، وإنْ قُلْنا: يَمْلِكُه مِن حينِ القَبُولِ. اعْتُبِرَتْ قِيمَتُه يومَ القَبُولِ سِعْرًا وصِفَةً. انتهى. قال في «القَواعِدِ» : والمَنْصوصُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في روايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، وذكَر الخِرَقِيُّ، أنَّه تُعْتَبَرُ قِيمَتُه يومَ الوَصِيَّةِ. ولم يحْكِ في «المُغْنِي» فيه خِلافًا. فظاهِرُه، أنَّه تُعْتَبَرُ قِيمَتُه بيَوْمِ الموتِ، على الوُجوهِ كلِّها. قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ،
(1) في ط: «بملك» .
(2)
سقط من: ط.
(3)
عبد الرحمن بن عبد العلى بن السكري المصري، الشافعي، عماد الدين، قاضي القضاة بمصر. كان من البارعين في الفقه، له حواش على كتاب «الوسيط» في الفقه. توفي سنة أربع وعشرين وستمائة. طبقات الشافعية الكبرى 8/ 170 - 172.
وَإنْ كَانَتِ الوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَوْلَدَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَعَلَيهِ قِيمَتُهَا لِلْوَصِيِّ لَهُ.
ــ
رحمه الله: هذا قولُ الخِرَقِيِّ، وقُدَماءِ الأصحابِ. قال: وهو أوْجَهُ مِن كلامِ المَجْدِ. انتهى. قلتُ: وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الفُروعِ» : ويُقَومُ بسِعْرِه يومَ الموتِ، ذكَرَه جماعةٌ، ثم ذكَر ما في «المُجَرَّدِ» (1). وقال في «التَّرْغيبِ» وغيرِه: وقْتَ الموتِ خاصَّةً. انتهى. ويأْتِي ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ المُوصَى به، في قوْلِه: وإنْ لم يأْخُذْه زَمانًا، قُوِّمَ وَقْتَ الموتِ، لا وقْتَ الأخْذِ. ومنها، لو كانتِ الوَصِيَّةُ بأمَةٍ، فوَطِئَها الوارِثُ قبلَ القَبُولِ، وأوْلَدَها، صارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له، ولا مَهْرَ عليه، ووَلَدُه حُرٌّ، لا تلْزَمُه قِيمَتُه، وعليه قِيمَتُها للمُوصَى له. هذا إنْ قُلْنا: إنَّ المِلْكَ لا يثْبُتُ إلَّا مِن حينِ القَبُولِ. ويمْلِكُها الوَرَثَةُ. وإنْ قُلْنا: لا يمْلِكُها الوارِثُ. لم تصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. ومنها، لو وَطِئَها المُوصَى له قبلَ القَبُولِ وبعدَ
(1) كذا بالفروع، وبهامش الصفحة: في مخطوطة الدار: «المحرر» . الفروع 4/ 684.
وَإنْ وَصّى لَهُ بزَوْجَتِهِ فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُول لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ. وَمَنْ أُوْصِيَ لَهُ بِأَبِيهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَقَبِلَ ابْنُهُ، عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِيَنَئِذٍ، وَلَمْ يَرِثْ شَيئًا.
ــ
الموتِ؛ فإنْ قُلْنا: المِلْكُ له. فهي أُمُّ وَلَدِه، وإلَّا فلا. ومنها، لو وَصَّى له بزَوْجَتِه، فأوْلَدَها قبلَ القَبُولِ، لم تصِرْ أُمَّ وَلَدِه، ووَلَدُه رَقيقٌ للوارِثِ، ونِكاحُه باقٍ، إنْ قُلْنا: لا يمْلِكُها. وإنْ قُلْنا: يمْلِكُها بالموتِ. فوَلَدُه حُرٌّ، وتصِيرُ أُمَّ وَلَدِه، ويبْطُلُ نِكاحُه بالموتِ. ومنها، لو وَصَّى له بأبِيه، فماتَ قبلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَبُولِ، فقَبِلَ ابنُه، وقُلْنا: يقُومُ الوارِثُ مَقامَه في القَبُولِ. عتَق المُوصَى به حِينَئذٍ، ولم يرِثْ شيئًا. إذا قُلْنا: إنَّما يمْلِكُه بعدَ القَبُولِ. وإنْ قُلْنا: يَمْلِكُه بالموتِ. فقد عتَق به، فيكونُ حُرًّا عندَ موتِ أبِيه، فيرِثُ منه. ومنها، لو كانتِ الوَصِيَّةُ بمالٍ في هذه الصورَةِ؛ فإنْ قُلْنا: يثْبُتُ المِلْكُ بالموتِ. فهو مِلْكٌ للمَيتِ، فتُوَفَّى منه دُيونُه ووَصاياه. وعلى الوَجْهِ الآخَرِ؛ هو مِلْكٌ للوارِثِ الذي قَبِلَ. ذكَرَه في «المُحَرَّرِ». قال في «القَواعِدِ»: ويتَخرَّجُ وَجْه آخَرُ، أنَّه يكونُ مِلْكًا للمُوصَى له على كِلا الوَجْهَين؛ لأنَّ التَّمْلِيكَ حصَل له، فكيف يصِح المِلْكُ ابْتِداءً لغيرِه؟ ومنها، لو وَصَّى لرَجُلٍ بأرْضٍ، فبَنَى الوارِثُ فيها وغرَس قبلَ القَبُولِ، ثم قَبِلَ المُوصَى له، ففي «الإرْشادِ» ، إنْ كان الوارِثُ عالِمًا بالوَصِيَّةِ، قُلِعَ بِناؤُه وغَرْسُه مجَّانًا، وإنْ كان جاهِلًا، فعلى وَجْهَين. قال في «القَواعِدِ»: وهو مُتَوَجِّهٌ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حِينَ الْمَوْتِ، فَتَنْعَكِسَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.
ــ
على القَوْلِ بالمِلْكِ بالموتِ. أمَّا إنْ قيلَ: هي قبلَ القَبُولِ على مِلْكِ الوارِثِ. فهو كبِناءِ المُشْتَرِي الشِّقْصَ المَشْفوعَ وغَرْسِه، فيكونَ مُحْترَمًا، يُتَمَلَّكُ بقِيمَتِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ومنها، لو بِيعَ شِقْصٌ في شَرِكَةِ الوَرَثَةِ والمُوصَى له قبلَ
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ.
ــ
قَبُولِه؛ فإنْ قُلْنا: المِلْكُ له مِن حينِ الموتِ. فهو شَرِيكٌ للوَرَثَةِ في الشُّفْعَةِ، وإلَّا فلا حقَّ له فيها. ومنها، جرَيانُه مِن حينِ الموتِ في حَوْلِ الزَّكاةِ؛ فإنْ قُلْنا: يمْلِكُه المُوصَى له. جرَى في حَوْله، وإنْ قُلْنا: للوَرَثَةِ. فهل يجْرِي في حَوْلهمِ، حتى لو تأخَّرَ القَبُولُ سنَةً كانتْ زكاتُه عليهم، أم لا؛ لضَعْفِ مِلْكِهم فيه، وتزَلْزُلِه، وتعَلُّقِ حقِّ المُوصَى له به، فهو كمالِ المُكاتَبِ؟ قال في «القَواعِدِ»: فيه ترَدُّدٌ. قلتُ: الثَّاني أوْلَى.
فَإذَا قَال: قَدْ رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي. أوْ: أَبْطَلْتُهَا. وَنَحْوَ ذَلِكَ، بَطَلَتْ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَإنْ قَال فِي الْمُوصَى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي. أوْ: مَا أوْصَيتُ بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ. كَانَ رُجُوعًا. وَإنْ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، فَهُوَ بَينَهُمَا.
ــ
قوله (1): وإذا قال في المُوصَى به: هذا لوَرَثَتِي. أو: ما أوْصِيتُ به لفُلانٍ فهو لفُلانٍ. كان رُجُوعًا -بلا خِلافٍ أعْلَمُه- وإن وَصَّى به لآخرَ ولَمْ يقُلْ ذلك، فهو بينَهما. هذا المذهبُ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: هذا المَشهورُ في المذهبِ. وجزَم. به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «العُمْدَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،
(1) في ط: «ومنها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحارِثِيِّ» . وقيل: هو للثَّاني خاصَّةً. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. ونقَل الأَثْرَمُ، يُؤْخَذُ بآخِرِ الوَصِيَّةِ. وقال في «التَّبْصِرَةِ»: هو للأوَّلِ. فعلى المذهبِ، أيُّهما ماتَ أو رَدَّ قبلَ موتِ المُوصِي، كان للآخَرِ. قاله الأصحابُ، فهو اشْتِراكُ تَزاحُمٍ.
وَإِنْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ رَهَنَهُ، كَانَ رُجُوعًا.
ــ
قوله: وإنْ باعَه، أو وهَبَه، أو رهَنَه، كان رُجُوعًا. إذا باعَه، أو وهَبَه، كان رُجُوعًا، بلا نِزاعٍ. وكذا إنْ رَهَنَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقطَع به القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: ليس برُجوعٍ.
فوائد؛ إحْداها، لو أوْجَبَه في البَيعِ أو الهِبَةِ، فلم يُقْبَلْ فيهما، أو عَرَضَه لبَيعٍ أو رَهْنٍ، أو وَصَّى ببَيعِه، أو عِتْقِه أو هِبَتِه، كان رُجوعًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ.
وَإنْ كَاتَبَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
نقَلَه الحارِثِيُّ. وصحَّحَه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، فيما إذا أوْجَبه في البَيعِ، أو وهَبَه، ولم يُقْبَلْ. وقيل: ليس برُجوعٍ؛ كإيجارِه وتَزْويجِه، ومُجَرَّدِ لُبْسِه وسُكْناه، وكوَصِيَّتِه بثُلُثِ مالِه فيتْلَفُ، أو يبِيعُه، ثم يمْلِكُ مالًا غيرَه، فإنَّه في ذلك لا يكونُ رُجوعًا. وأطْلَقَهَما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وأطْلَقَهما في «الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، فيما إذا أوْجَبَه في بَيعٍ، أو هِبَةٍ، ورَهْنٍ، فلم يُقْبَلْ. الثَّانيةُ، لو قال: ما أوْصَيتُ به لفُلانٍ فهو حَرامٌ عليه. فرُجوعٌ. ذكَرَه في «الكافِي» . واقْتَصَرَ عليه الحارِثِيُّ، ونَصَرَه. الثَّالثةُ، لو وَصَّى بثُلُثِ مالِه، ثم باعَه أو وَهَبَه، لم يكُنْ رُجوعًا؛ لأنَّ المُوصَى به لا ينْحَصِرُ فيما هو حاضِرٌ، بل فيما عندَ الموتِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: فيُعايَى بها.
قوله: وإنْ كاتَبَه، أوْ دَبرَه، أوْ جحَد الوَصِيَّةَ، فعلى وَجْهَين. إذا كاتَبَه، أو دَبَّرَه، أطْلَقَ المُصَنِّفُ فيهما وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ أحدُهما، هو رُجوعٌ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «المُجَرَّدِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في
فَإن خَلَطَهُ بِغَيرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، أَوْ أَزْال اسْمَهُ فَطَحَنَ
ــ
«الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، في الكِتابَةِ، وصحَّحه الحارِثِيُّ فيهما. والوَجْهُ الثَّاني، ليس ذلك برُجوع. وأطْلَقَ فيما إذا جحَد الوَصِيَّةَ الوَجْهَين، وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ؛ أحدُهما، ليس برُجوعٍ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الكافِي» . والوجْهُ الثَّاني، هو رُجوعٌ. وصحَّحَه في «النَّظْمِ» . وقيَّد الخِلافَ بما إذا عَلِمَ. وهو مُرادُ مَن أطْلَقَ. واللهُ أعلمُ.
قوله: وإنْ خلَطَه بغيرِه على وَجْهٍ لا يَتَمَيَّزُ، أوْ أزال اسمَه، فطحَن الحِنْطَةَ، أو خبَزَ الدَّقِيقَ، أو جعَل الخُبْزَ فَتِيتًا، أو نسَج الغزْلَ، أوْ نَجَر الخَشَبَةَ بابًا ونحوَه، أو
الْحِنْطَةَ أوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ، أوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ بَابًا وَنَحْوَهُ، أو انْهَدَمَتِ الدَّارُ وَزَال اسْمُهَا، فَقَال الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهَينِ.
ــ
انْهَدَمَتِ الدَّارُ وزال اسمُها، فقال القاضِي: هُوَ رُجُوعٌ. وذكَر أَبُو الخَطَّابِ فيه وَجْهَين. اعلَمْ أنَّه إذا خَلَطَه بغيرِه على وَجْهٍ لا يتَميَّزُ، أو أزال اسمَه، فطحَن الحِنْطَةَ، أو خبَز الدَّقيقَ، ونحْوَه، وكذا لو زال اسمُه بنَفْسِه، كانْهِدامِ الدَّارِ أو بعضِها، فقال القاضي: هو رُجوعٌ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُحَررِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: ليس برُجوعٍ. قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، واخْتارَه. وقدَّمه في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وصححه في «الخُلاصةِ». وقال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والعِشْرِين»: لو وَصَّى له برَطْلٍ مِن زَيتٍ مُعَيَّنٍ، ثم خلَطَه يزَيتٍ آخَرَ؛ فإنْ قُلْنا: هو اشْتِراكٌ. لم تَبْطُلِ الوَصِيَّةُ، وإنْ قُلْنا: هو اسْتِهْلاكٌ. بَطَلَتْ. والمَنْصوصُ في رِوايَةِ عَبْدِ اللهِ، وأبي الحارِثِ، أنَّه اشْتِراكٌ. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والقاضي، وغيرُهما. قاله قبلَ ذلك. وأما إذا عَمِلَ الخُبْزَ فَتِيتًا، أو نسَج الغزْلَ، أو عَمِلَ الثَّوْبَ قمِيصًا، أو ضرب النُّقْرَةَ دَراهِمَ، أو ذبَح الشَّاةَ، أو بنَى، أو غرَس، ففيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وأطْلَقَهما في «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، في البِناءِ والغِراسِ؛ أحدُهما، هو رُجوعٌ. وهو الصحَّيحُ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ -في غيرِ البِناءِ والغِراسِ- والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ مُطْلَقًا. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» فيما ذكَرَه المُصَنِّفُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الكافِي» ، في غيرِ البِناءِ والغِراسِ، وصحَّحَه في «النَّظْمِ» ، في غيرِ البناءِ والغِراسِ. وصحَّحه الحارِثِيُّ أيضًا. والوَجْهُ الثَّاني، ليس برُجوعٍ. اخْتارَه أبو الخَطابِ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». قال في «الخُلاصةِ»: لم
وَإنْ وَصَّى لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، ثُمَّ خَلَطَ الصُّبْرَةَ بِأُخْرَى، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا.
ــ
يكُنْ رُجوعًا في الأصحِّ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو وَصَّى له بدارٍ، فانْهدَمَتْ، فأعادَها، فالمذهبُ بُطْلانُ الوَصِيَّةِ. قال في «القَواعِدِ»: هذا المَشْهورُ، ولا تعودُ بعَوْدِ البناءِ. ويتَوجَّهُ عَوْدُها، إنْ أعادَها بآلَتِها القديمَةِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا تبْطُلُ الوَصِيَّةُ بكُلِّ حالٍ. الثانيةُ، وَطْءُ الأمَةِ ليس برُجوعٍ إذا لم تحْمِلْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايةِ الصغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الكافِي» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «شَرْحِ الحارِثيِّ». وفي «المُغْنِي» احْتِمالٌ بالرُّجوعِ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وإنْ أوْصَى بأمَةٍ، فوَطِئَها وعزَل عنها، وقيل: أو لم يعْزِلْ عنها. ولم تحْبَلْ، فليس برُجوعٍ. وذكَر ابنُ رَزِينٍ فيه وَجْهَين.
قوله: وإنْ وصَّى له بقَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ، ثم خلَط الصُّبْرَةَ بأُخْرَى، لم يكُنْ رُجُوعًا. سواءٌ خلَطَه بدُونِه، أو بمِثْلِه، أو بخَيرٍ منه. وهذا المذهبُ. جزَم به في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُحَرَّرِ» ، و «الكافِي» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». قال في «الهِدايَةِ»: فإنْ وصَّى بطَعامٍ، فخَلَطَه بغيرِه، لم يكُنْ رُجوعًا. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ». وقيل: هو رُجوعٌ مُطْلَقًا. صحَّحه النَّاظِمُ. وأطْلَقَهما في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والعِشْرِين» ، وقال: هما مَبْنِيَّان [على أنَّ](1) الخَلْطَ هل هو اسْتِهْلاكٌ، أو اشْتِراكٌ؟ فإنْ قُلْنا: هو اشْتِراكٌ. لم يكُنْ رُجوعًا، وإلَّا كان رُجوعًا. قلتُ: تقَدَّمَتْ هذه المَسْأَلةُ في كتابِ الغَصْبِ، في كلامِ المُصَنِّفِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه اشْتِراكٌ. وقيل: هو رُجوعٌ إنْ خَلَطَه بخَيرٍ (2) منه، وإلَّا فلا. وجزَم به في «النَّظْمِ». واخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُه. قال الحارِثِيُّ: وهو مَفْهومُ إيرادِ القاضي في «المُجَرَّدِ» . وأطْلَقَ في «الفُروعِ» ، فيما إذا خَلَطَه بخَيرٍ منه، الوَجْهَين. قال في «الرِّعايتَين»: وإنْ وصَّى بقَفِيزٍ منها، ثم خلَطَها بخَيرٍ منها، فقد رجَع، وإلَّا فلا. قال في «الكُبْرَى»: قلتُ: إنْ خَلَطَها بأرْدَأَ منها صِفَةً، فقد رجَع، وإنْ خَلَطَها بمِثْلِها في الصِّفَةِ، فلا. وقيل: لا يرْجِعُ بحالٍ.
فائدةٌ: لو وصَّى له بصُبْرَةِ طَعامٍ، فخَلَطَها بطَعامٍ غيرِها، ففيه وَجْهان
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
وَإنْ زَادَ فِي الدَّارِ عِمَارَةً، أو انْهَدَمَ بَعْضُهَا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ المُوصَى لَهُ؟ عَلَى وَجْهَينَ.
ــ
مُطْلَقان. وأطْلَقَهما في «الرِّعايتَين» ؛ أحدُهما، لا يكُونُ رُجوعًا. جزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ» ، إلَّا أنْ تكونَ النُّسْخَةُ مغْلوطَةً. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يكُونُ رُجوعًا. قال الحارِثِيُّ: لو خلَط الحِنْطَةَ المُعَيَّنَةَ بحِنْطَةٍ أُخْرَى، فهو رُجوعٌ. قطَع به المُصَنِّفُ، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. انتهى. فهذا هو المذهبُ. صحَّحه الحارِثِيُّ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: [وقيل: إنْ خلَطَها مِنَ الطَّعامِ بمِثْلِها قَدْرًا وصِفَةً، فعَدَمُ الرجوعِ أظْهَرُ. وإنِ اخْتَلَفا قَدْرًا أو صِفَةً، أو احْتَمَلَ ذلك، فالرُّجوعُ أظْهَرُ؛ لتَعَذُّر الرُّجوعِ بالمُوصَى به.
قوله: وإِنْ زادَ في الدَّارِ عِمارَةً، أو انْهَدَمَ بعضُها، فهل يسْتَحِقُّه المُوصَى له؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، فيما إذا زادَ فيها عِمارَةً؛ أحدُهما، لا يسْتَحِقُّه. صحَّحه في «التصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . والثَّاني، يسْتَحِقُّه. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي] (1)
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الصَّغِيرِ». وقال في «التَّبْصِرَةِ»، فيما إذا زادَ في الدَّارِ عِمارَةً: لا يأْخُذُ نَماءً مُنْفَصِلًا. وفي مُتَّصِلٍ وَجْهان. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»](1): وقلتُ: الأنْقاضُ له، والعِمارَةُ إرْثٌ. وقيل: إنْ صارَتْ فَضاءً في حياةِ المُوصِي، بطَلَتِ الوَصِيَّةُ، وإنْ بَقِيَ اسْمُها أخَذَها، إلَّا ما انْفَصَلَ منها.
فائدتان، إحْداهما، لو بنَى الوارِثُ في الدَّارِ، وكانتْ تخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، فقِيل: يرْجِعُ على المُوصَى له بقِيمَةِ البناءِ. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وقيل: لا يرْجِعُ، وعليه أرْشُ ما نقَص مِنَ الدَّارِ عمَّا كانتْ عليه قبلَ عِمارَتِه. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وإنْ جَهِلَ الوَصِيَّةَ، فله قِيمَتُه غيرَ مقْلُوعٍ. الثَّانيةُ، لو أوْصَى له
(1) زيادة من: ا.
وَإِنْ أوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ قَال: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهُوَ لَهُ. فَقَدِمَ في حَيَاةِ الْمُوصِي، فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الْآخرِ، هُوَ لِلْقَادِمِ.
ــ
بدارٍ، دخَل فيها ما يدْخُلُ في البَيعِ. قاله الأصحابُ. ونقَل ابنُ صَدَقَةَ (1) في مَن وصَّى بكَرْمٍ وفيه حَمْلٌ، فهو للمُوصَى له. ونقَل غيرُه، إنْ كان يومَ وَصى به له فيه حَمْلٌ، فهو له. قال في «عُيونِ المَسائلِ»: لا يَلْزَمُ الوارِثَ سَقيُ ثَمَرَةٍ مُوصَى بها؛ لأنَّه لم يضْمَنْ تَسْلِيمَ هذه الثَّمَرَةِ إلى المُوصَى له، بخِلافِ البَيعِ.
قوله: وإنْ وصَّى لرَجُلٍ ثمَّ قال: إنْ قَدِمَ فُلانٌ فهو له. فقَدِمَ في حياةِ المُوصِي، فهُو لَه -بلا نِزاع- وإنْ قَدِمَ بعدَ مَوْتِه، فهو للأوَّلِ، في أحَدِ
(1) أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي، أبو بكر. الإمام الحافظ المتقن الفقيه، حدث عن الإمام أحمد بمسائل. توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين. سير أعلام النبلاء 14/ 83، 84.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الخُلاصةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، واخْتارَه القاضي. وفي الآخَرِ، هو للقادِمِ. وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» . وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الشَّرْحِ» .
فَصْلٌ: وَتُخْرَجُ الْوَاجِبَاتُ مِنْ رَأَسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهَا
ــ
قوله: وتَخْرُجُ الواجِباتُ مِن رَأْسِ المالِ، أَوْصَى بها أو لم يُوصِ، فإنْ وصَّى معها بتبَرُّعٍ، اعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنَ البَاقِي. بعدَ إخْراجِ الواجِبِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. ونقَل ابنُ إبْراهِيمَ، في حَجٍّ لم يُوصِ به، وزَكاةٍ، وكفَّارَةٍ، مِنَ الثُّلُثِ. ونقَل أيضًا، مِن رأْسِ مالِه، مع عِلْمِ الوَرَثَةِ. ونقَل عنه في زَكاةٍ، مِن كلِّه مع صَدَقَةٍ.
فائدتان؛ احْداهما، إذا لم يَفِ مالُه بالواجِبِ الذي عليه، تَحاصُّوا. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًّا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وعنه، تُقَدَّمُ
أوْ لَمْ يُوصِ. فَإِنْ وَصَّى مَعَهَا بِتَبَرُّع، اعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنَ الْبَاقِي.
ــ
الزَّكاةُ على الحَجِّ. اخْتارَه جماعَةٌ. ونقَل عَبْدُ اللهِ، يبْدأُ بالدَّينِ. وذكَرَه جماعَةٌ قوْلًا، كتَقْديمِه بالرَّهِينَةِ. وتقدَّم ذلك، والذي قبلَه، بأتَمَّ مِن هذا، في أواخِرِ كتابِ الزَّكاةِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، فليُرَاجَعْ. وتقدَّم إذا وجبَ عليه الحَجُّ وعليه دَينٌ، وضاقَ المالُ عن ذلك، في أواخِرِ كتابِ الحَجِّ. الثَّانيةُ، المُخْرِجُ لذلك وَصِيُّه، ثم وارِثُه، ثم الحاكِمُ. على الصحيح مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: الحاكِمُ بعدَ الوَصِيِّ. وهو احْتِمالٌ لصاحِبِ «الرِّعايةِ» . فإنْ أخْرَجَه مَن لا ولايةَ له عليه مِن مالِه بإذْنٍ، أجْزَأ، وإلَّا فوَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ الإِجْزَاءُ. وتقدَّم في حُكْمِ قَضاءِ الصَّوْمِ ما يشْهَدُ لذلك. وأطْلَقَهما أيضًا في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
وَإِنْ قَال: أخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثي. فَقَال الْقَاضِي: يُبْدأُ بِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ التَّبَرُّع، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ. وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَاحِمُ بِهِ أَصْحَابَ الْوَصَايَا. فَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا أنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَينَهُمَا، أوْ يُتَمَّمَ الْوَاجبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ
ــ
قوله: وإنْ قال: أَخْرِجُوا الواجبَ مِن ثُلُثِي. فقال القاضي: يُبْدأُ به، فإنْ فضَل مِنَ الثُّلُثِ شَيءٌ، فهو لصاحِبِ التَّبَرُّعِ، وإلَّا بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ. يعْنِي، وإنْ لم يفْضُلْ شيءٌ بطَلَتِ الوَصِيَّةُ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه
ثَلَاثينَ، وَالْوَاجبُ عَشَرَةً، وَالْوَصِيَّةُ عَشَرَةً، جَعَلْتَ تَتِمَّةَ الْوَاجِب شَيئًا يَكُنِ الثُّلُثُ عَشَرَةً إلا ثُلُثَ شَيْءٍ بَينَهُمَا، لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ إلَّا سُدْسَ شَيْءٍ، تَضُمُّ إِلَيهِ شَيئًا يَكُنْ عَشَرَةً، فَتَجْبُرُ الْخَمْسَةَ بِسُدْسِ شَيْءٍ مِنَ الشَّيءِ، فَتَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَةً، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ، وَيَحْصُلُ لِلْوَصِيِّ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ.
ــ
النَّاظِمُ. واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل. قاله الحارِثِيُّ. وقال أبو الخَطَّابِ: يُزاحِمُ به أصحابَ الوَصايا. وتابعَه السَّامَرِّيُّ. قال الشَّارِحُ: فيحْتَمِلُ ما قال القاضي، ويحْتَمِلُ ما قاله المُصَنِّفُ هنا. يعْنِي، أنَّه يُقْسَمُ الثلُثُ بينَهما، ويُتَمَّمُ الواجِبُ مِن رأْسِ المالِ، فيدْخُلُه الدَّوْرُ. وإنَّما قال المُصَنِّفُ: فيحْتَمِلُ على هذا. لأن المُزاحَمةَ ليستْ صرِيحَةً في كلامِ أبي الخَطَّابِ؛ لأنَّ قوْلَ القاضي يصْدُقُ عليه أيضًا. قال في «الفُروعِ» : وقيل: بل يتَزاحَمان فيه، ويُتَمَّمُ الواجِبُ مِن ثُلُثَيه. وقيل: مِن رَأْسِ مالِه. وقال في «الفائقِ» : وقيل: يتَقَاصَّان، ويُتَمَّمُ الواجِبُ مِن رأْسِ المالِ. وقيل: مِن ثُلُثَيه.