المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الموصى له - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٧

[المرداوي]

الفصل: ‌باب الموصى له

‌بَابُ الْمُوصَى لَه

تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ؛ مِنْ مُسْلِمٍ، وَذِمِّيٍّ، وَمُرْتَدٍّ، وَحَرْبِيٍّ.

ــ

بابُ المُوصَى له

قوله: تصِحُّ الوَصِيَّةُ لكلِّ مَن يصِحُّ تَمْليكُه؛ مِن مُسْلِمٍ، وذِمِّيٍّ، ومُرْتَدٍّ، وحَرْبِيٍّ. تصِحُّ الوَصِيَّةُ للمُسْلِمِ، والذِّمِّيِّ، بلا نِزاعٍ، لكِنْ إذا كان مُعَيَّنًا. أما غيرُ المُعَيَّنِ؛ كاليهودِ، والنَّصارَى، ونحوهم، فلا تصِحُّ. صرح به الحارِثِيُّ

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُه، وقطَع به. وكذا الحَرْبِيُّ، نصَّ عليه. والمُرْتَدُّ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. أمَّا المُرْتَدُّ، فاخْتارَ صِحَّةَ الوَصِيَّةِ له أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وقدَّمه المُصَنِّفُ هنا. قال الأَزَجِي في «مُنْتَخَبِه» ، و «الفُروعِ»: تصِحُّ لمَن يصِحُّ تَمَلُّكُه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ». وقال ابنُ أبي مُوسى: لا تصِحُّ لمُرْتَدٍّ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ،

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفائقِ» . واخْتارَ في «الرِّعايةِ» ، إنْ بَقِيَ مِلْكُه، صح الإيصاءُ له، كالهِبَةِ له، مُطْلَقًا، وإنْ زال مِلْكُه في الحالِ، فلا. قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ»: فيه وَجْهان؛ بِناءً على زَوالِ مِلْكِه وبَقائِه؛ فإنْ قيلَ بزَوالِ مِلْكِه، لم تصِحَّ الوَصِيَّةُ له، وإلَّا صحَّتْ. وصحَّح الحارِثِيُّ عَدَمَ البِناءِ. وأما الحَرْبِي، فقال بصِحَّةِ الوَصِيَّةِ له جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: هذا المذهبُ. قال في «الرِّعايةِ» : هذا الأشْهَرُ، كالهِبَةِ، إجْماعًا. وقيل: لا تصِحُّ. وقال في «المُنْتَخَبِ» : تصِحُّ لأَهْلِ دارِ الحَرْبِ. نقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ. قال في «الرِّعايةِ» : وعنه، تصِحُّ لحَرْبِيٍّ في دارِ حَرْبٍ. قال الحارِثِيُّ: والصَّحيحُ مِنَ القَوْلِ، أنَّه إذا لم يتَّصِفْ بالقِتالِ أو المُظاهَرَةِ، صحتْ، وإلَّا تصِحُّ.

فائدة: لا تصِحُّ لكافِرٍ بمُصْحَفٍ، ولا بعَبْدٍ مُسْلِمٍ. فلو كان العَبْدُ كافِرًا، وأسْلَمَ قبلَ موتِ المُوصِي، بطَلَتْ، وإنْ أسلَم بعدَ العِتْقِ قبلَ القَبُولِ، بطَلَتْ أيضًا، إنْ قيلَ بتَوَقُّفِ المِلْكِ على القَبُولِ، وإلَّا صحَّت. ويَحْتَمِلُ أنْ تبْطُلَ. قاله في «المُغنِي» .

ص: 282

وَقَال ابْنُ أَبى مُوسَى: لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ. وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ، وَمُدَبَّرِهِ، وَأُمِّ وَلَدِهِ.

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، قولُه: وتصِحُّ لمُكاتَبِه، ومُدَبَّرِه. هذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو ضاقَ الثُّلُثُ عنِ المُدَبَّرِ، وعن وَصِيَّتِه، بُدِئَ بنَفْسِه، فيُقَدَّمُ عِتْقُه على وَصِيَّتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الحارِثِي» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. وقال القاضي: يعْتِقُ بعضُه، ويمْلِكُ مِنَ الوَصِيَّةِ بقَدْرِ ما عَتَق منه.

الثَّاني، قولُه: وتَصِحُّ لأُمِّ وَلَدِه. بلا نِزاعٍ. كوَصِيَّتِه، أنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِه (1)

(1) كذا في النسخ. وفي المبدع: «فرسه» ، انظر المبدع 6/ 34.

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَقْفٌ عليها ما دامَتْ على وَلَدِها. نقلَه المَرُّوذِيُّ، رَحِمَه اللهُ تعالى.

فائدة: لو شرَط عدَمَ تَزْويجِها، فلم تتَزَوَّجْ، وأخَذَتِ الوَصِيَّةَ، ثم تزَوَّجَتْ، فقيلَ: تَبْطُلُ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، بعدَ قولِ الخِرَقِيِّ: وإذا وصَّى

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لعَبْدِه بجُزْءٍ مِن مالِه. قال في «بدائِعِ الفَوائدِ» ، قبلَ آخِرِه بقريبٍ مِن كُرَّاسَين: قال في رِوايَةِ أبي الحارِثِ: ولو دفَع إليها مالًا، يعْنِي إلى زوْجَتِه، على أنْ لا تَتَزَوَّجَ

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدَ موْتِه، فَتَزَوجَتْ، تَرُدُّ المال إلى وَرَثَتِه. قال في «الفُروعِ» ، في باب الشُّروطِ في النِّكاحِ: وإنْ أعْطَتْه مالًا على أنْ لا يتَزَوَّجَ عليها، ردَّه إذا تَزَوَّجَ، ولو دفَع إليها مالًا على أنْ لا تَتَزَوَّجَ بعدَ مَوْتِه، فتزَوَّجَت، ردَّتْه إلى وَرَثَتِه. نَقَلَه أبو الحارِثِ. انتهى. فقِياسُ هذا النَّصِّ، أنَّ أُمَّ وَلَدِه ترُدُّ ما أخذَت مِنَ الوَصِيَّةِ إذا تَزَوَّجَت، فتبْطلُ الوَصِيَّةُ برَدِّها. وهو ظاهِرُ ما اخْتارَه الحارِثِيُّ. وقيل: لا تبْطُلُ، كوَصِيَّتِه بعِتْقِ أمَتِه على أنْ لا تتَزَوَّجَ، فمات، وقالتْ: لا أتَزَوَّجُ. عتَقَتْ، فإذا تزَوَّجَتْ،

ص: 286

وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيرِهِ. فَإِذَا قَبِلَهَا، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ.

ــ

لم يبْطُلْ عِتْقُها. قوْلًا واحدًا، عندَ الأكْثَرِين. وقال الحارِثِيُّ: ويحْتَمِلُ الرَّدَّ إلى الرِّقِّ. وهو الأظْهَرُ، ونَصَرَه. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الحارِثِيِّ» .

قوله: وتصِحُّ لعَبْدِ غيرِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا تصِحُّ الوَصِيَّةُ لقِنٍّ زَمَنَها. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.

تنبيهان؛ أحدُهما، يُسْتَثْنَى مِن كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، ممَّن أطْلَقَ، الوَصِيَّةُ لعَبْدِ وارِثِه وقاتِلِه، فإنَّها لا تصِحُّ لهما، ما لم يصِرْ حرًّا وَقْتَ نقْلِ المِلْكِ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو واضِحٌ. الثَّاني، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، صِحَّةُ الوَصِيَّةِ له، سواءٌ قُلْنا: يمْلِكُ. أو: لا يمْلِكُ. وصرَّح به ابنُ الزَّاغُونِيِّ في «الواضِحِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. والذي قدَّمه في «الفُروعِ» ، أنَّها لا تصِحُّ إلَّا إذا قُلْنا: يمْلِكُ. فقال: وتصِحُّ لعَبْدٍ إنْ ملَك.

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتقدَّمَ التَّنْبِيهُ على ذلك في كتابِ الزَّكاةِ، في فوائدِ العَبْدِ، هل يمْلِكُ بالتَّمْليكِ؟

قوله: فإنْ قَبِلَها، فهي لسَيِّدِه. مُرادُه، إذا لم يكُنْ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ المُوصِي. فإنْ كان حُرًّا وَقْتَ مَوْتِه، فهي له. وهو واضِحٌ، وإنْ عتَق بعدَ الموتِ وقبلَ القَبُولِ، ففيه الخِلافُ المُتَقَدِّمُ في الفَوائدِ المُتَقَدِّمَةِ، في البابِ الذي قبلَه. وإنْ لم يعْتِقْ، فهي لسَيِّدِه. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: ويتَخرَّجُ، أنَّها للعَبْدِ. ثم قال: وبالجُمْلَةِ فاخْتِصاصُ العَبْدِ أظْهَرُ. وقال ابنُ رَجَبٍ: المالُ للسَّيِّدِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبَلٍ. وذكَرَه القاضي وغيرُه. وبَناه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه على الخِلافِ في مِلْكِ السَّيِّدِ.

فائدة: لو قَبِلَ السَّيِّدُ لنَفْسِه، لم يصِحَّ. جزَم به في «التَّرْغيبِ» . ولا يفْتَقِرُ قَبُولُ العَبْدِ إلى إذْنِ سيِّدِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه في الهِبَةِ، وعليه

ص: 288

وَتصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمُشَاعٍ؛ كَثُلُثِهِ. فَإِذَا وَصَّى لَهُ بِثُلُثِهِ، عَتَقَ وَأَخَذَ الثُّلُثَ، وَإنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ.

ــ

جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: بلَى. اخْتارَه أبو الخَطابِ في «الانْتِصارِ» .

قوله: وتصِحُّ لعَبْدِه بمُشاعٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، لا تصِحُّ لقِنٍّ زَمَنَ الوَصِيَّةِ. كما تقدَّم. ووَجَّه في «الفُروعِ» ، في صِحَّةِ عِتْقِه ووَصِيَّتِه لعَبْدِه بمُشاعٍ، رِوايتَين، مِن قَؤلِه لعَبْدِه: أنتَ حُرٌّ بعدَ مَوْتِي بشَهْرٍ. في بابِ المُدَبَّرِ.

فائدتان؛ الأُولَى، لو وَصَّى له برُبْعِ مالِه، وقِيمَتُه مائَةٌ، وله سِواه ثَمانِمائةٍ، عتَق، وأخَذ مِائَةً وخَمْسَةً وعِشْرِين. هذا الصَّحيحُ. ويتَخَرجُ أنْ يُعْطَى مِائتَين

ص: 289

وَإنْ أَوْصَى لَهُ بمُعَيَّنٍ، أوْ بِمِائَةٍ، لَمْ تَصِحَّ. وَحُكِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ يَصِحُّ.

ــ

تكْمِيلًا، لعِتْقِه بالسِّرايَةِ مِن تَمامِ الثُّلُثِ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: قلتُ: ويحْتَمِلُ أنْ يعْتِقَ رُبْعُه، ويرِثَ بقِيَّتِه. ويحْتَمِلُ بُطْلانَ الوَصِيَّةِ؛ لأنَّها لسَيِّدِه الوارِثِ. انتهى. الثَّانيةُ، تصِحُّ وَصِيَّتِه للعَبْدِ بنَفْسِه أو برَقبَتِه، ويعْتِقُ بقَبُولِ ذلك، إنْ خرَج مِنَ الثُّلُثِ، وإلَّا عتَق منه بقَدْرِ الثُّلُثِ.

قوله: وإن وَصَّى له بمُعَيَّنٍ، أوْ بمائَةٍ، لم تصِحَّ. هذا المذهبُ. قاله في

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّواياتِ. قال ابنُ رَجَبٍ: أشْهَرُ الرِّوايتَين عدَمُ الصَّحةِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. بل عليه الأصحابُ. وحُكِيَ عنه أنَّها تصِحُّ. وصرَّح بهذه الرِّوايَةِ ابنُ أبي مُوسى، ومَن بعدَه. قال الحارِثِيُّ: وهو المَنْصوصُ. فعليها، يُشْتَرَى مِنَ الوَصِيَّةِ ويَعْتِقُ، وما بَقِيَ فهو له. جزَم به في «الكافِي» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايةِ» وغيرِها. وقيل: يُعْطَى ثُلُثَ المُعَيَّنِ إنْ خرَجا معه مِنَ الثُّلُثِ. فإنْ باعَه الوَرَثَةُ بعدَ ذلك، فالمِائَةُ لهم، إنْ لم يشْتَرِطْها المُبْتاعُ. قاله جماعةٌ مِنَ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: إذا وَصى له بمُعيَّن، فعنه، كما لِه. وعنه، يُشْتَرَى، ويعْتِقُ. وكونُه كمالِه، قطَع به ابنُ أبي مُوسى.

تنبيه: مِنَ الأصحابِ مَن بنَى الرِّوايتَين هنا على أن العبْدَ، هل يمْلِكُ، أوْ لا؟ فإنْ قُلْنا: يمْلِكُ. صحَّتْ، وإلَّا فلا. وهي طريقةُ ابنِ أبي مُوسى، والشِّيرازِيِّ، وابنِ عَقِيلٍ، وغيرِهم. وأشارَ إلى ذلك الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ صالح. ومنهم مَن حمَل الصِّحَّةَ على أنَّ الوَصِيَّةَ القَدْرُ المُعَيَّنُ، أو المُقَدَّرُ مِنَ الترِكَةِ لا بعَينِه، فيعودُ إلى الجُزْءِ المُشاعِ. قال ابنُ رَجَب في «فوائدِه»: وهو بعيدٌ جِدًّا. وتقدَّم ذلك في كتابِ الزَّكاةِ، في فَوائدِ العَبْدِ، هل يمْلِكُ بالتَّمْليكِ، أمْ لا؟

ص: 291

وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ إذَا عُلِمَ أْنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ تَضَعَهُ لِأقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا، أَوْ لأقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

قوله: وَتصِحُّ للحَمْلِ، إذا عُلِمَ أَنَّه كان مَوْجُودًا حينَ الوَصِيَّةِ. هذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ هلِ الوَصِيَّةُ له تُعَلَّقُ على خُروجِه حَيًّا؟ وهو اخْتِيارُ القاضي، وابنِ

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَقِيلٍ، في بعضِ كلامِه، أو يثْبُتُ المِلْكُ له مِن حينِ موتِ (1) المُوصِي وقَبُولِ الوَلِيِّ له؟. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ أيضًا، في بعضِ كلامِه، فيه وَجْهان. وصرَّح أبو المَعالِي ابنُ مُنَجَّى بالثَّاني، وقال: ينْعَقِدُ الحَوْلُ عليه مِن حينِ المِلْكِ إذا كان مالًا زكَويًّا، وكذلك في المَمْلوكِ بالإِرْثِ. وحكَى وَجْهًا آخَرَ، أنَّه لا يجْرِي في حَوْلِ الزَّكاةِ، حتى يُوضَعَ، للتَّرَدُّدِ في كوْنِه حيًّا مالِكًا كالمُكاتَبِ. قال في «القَواعِدِ»: ولا يُعْرَفُ هذا التَّفريعُ في المذهبِ.

قوله: بأن تضَعَه لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ، إنْ كانَتْ ذاتَ زَوْجٍ، أوْ سَيِّدٍ يطَؤْهَا، أوْ لأَقَلَّ مِن أَرْبَعِ سِنِينَ، إِنْ لم تكُنْ كذلك، في أَحَدِ الوَجْهَين. يعنِي، إنْ لم تكُنْ ذاتَ زَوْجٍ، ولا سيِّدٍ يطَؤُها. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أَحدُهما، تصِحُّ الوَصِيَّةُ له إذا وضَعَتْه لأقَلَّ مِن أرْبَعِ سِنِينَ بالشَّرْطِ المتقدِّمِ. وهو المذهبُ. قال في «الوَجيزِ»: وتصِحُّ لحَمْلٍ تحقَّقَ وُجودُه قبلَها. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه في «الخُلاصةِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تصِحُّ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّه

(1) سقط من: ط.

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَشْكوكٌ في وُجودِه، ولا يلْزَمُ مِن لُحوقِ النَّسَبِ صِحَّةُ الوَصِيَّةِ. ويأْتِي كلامُه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه.

تنبيهان؛ أحدُهما، قوْلُه: لأقَل مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ، إنْ كانتْ ذاتَ زَوْجٍ أو سيِّدٍ يطَؤْها. وكذا قال في «المُغْنِي» ، وجماعةٌ. وقال القاضي في «المُجَرِّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ»: إنْ أتَتْ به لدُونِ سِتَّةِ أشْهُرٍ، مِن حينِ الوَصِيَّةِ، صحَّتْ، سواءٌ كانت فِراشًا أو بائنًا؛ لأنَّا نتَحقَّقُ وُجودَه حال الوَصِيَّةِ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّوابُ، جَزْمًا. وهو كما قال. الثَّاني، قوْلُه: أو لأقَلَّ مِن أرْبَع سِنِينَ. هذا بِناءً منه على أنَّ أكْثَرَ مُدَّةِ الحَمْلِ أرْبَعُ سِنِينَ. وهو المذهبُ، على ما يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ مصَرحًا به، في أولِ كتابِ العِدَدِ. وأمَّا إذا قُلْنا: إنَّ أكثرَ

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُدَّةِ الحَمْلِ سَنَتان. فبأَنْ تَضَعَه لأقَلَّ مِن سنتَين. والشَّارِحُ، رحمه الله، جعَل الوَجْهَين اللَذين ذكَرَهما المُصَنِّفُ مَبْنِيَّين على الخِلافِ في أكثرِ مُدَّةِ الحَمْلِ. والأَوْلَى أنَّ الخِلافَ في صِحةِ الوَصِيَّةِ وعدَمِها، وعليه شرَح ابنُ مُنَجَّى. وهو الصَّوابُ.

فائدة: قال المُصَنِّفُ وغيرُه: فإنْ كانَتْ فِراشًا لزَوْج أو سيِّدٍ، إلَّا أنَّه لا يطَؤُها؛ لكَوْنِه غائبًا في بَلَدٍ بعيدٍ، أو مريضًا مرَضًا يمْنَعُ الوَطْءَ، أو كان أسِيرًا، أو مَحْبوسًا، أو عَلِمَ الوَرَثَةُ أنَّه لم يطَأْها، أو أقَرُّوا بذلك، فإنَّ أصحابَنا لم يُفَرِّقُوا بينَ هذه الصُّورَةِ وبينَ ما إذا كان يطَؤُها. قال المُصَنِّفُ: ويحْتَمِلُ أنَّها متى أتَتْ به في هذه الحالِ، أو وَقْتٍ يغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه كان مَوْجودًا حال الوَصِيَّةِ، مثْلَ أنْ تَضَعَه لأقَلَّ مِن غالبِ مُدَّةِ الحَمْلِ، أو تكونَ أَماراتُ الحَمْلِ ظاهِرَةً، أو أتَتْ به

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على وَجْهٍ يغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه كان موْجودًا بأَماراتِ الحَمْلِ، بحيثُ يُحْكَمُ لها بكَوْنِها حامِلًا، صحَّتِ الوَصِيَّةُ له. انتهى. قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ. وجزَم به في «الكافِي» قال الزَّرْكَشِيُّ: جزَم به في «المُغْنِي» . وليس كذلك. وقد تقدَّم لفْظُه. قال في «المُجَرَّدِ» : ولا تصِحُّ الوَصِيَّةُ للحَمْلِ، إلَّا أنْ تضَعَه لدُونِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِن حينِ الوَصِيَّةِ. وقيل: إذا وضَعَتْه بعدَها، لزَوْجٍ أو سيِّدٍ، ولم يلْحَقْهما نسَبُه إلَّا بتَقْديرِ وَطءٍ قبلَ الوَصِيَّةِ، صحتْ له أيضًا. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: فإنْ أَتتْ به لأكثَرَ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ، ولا وَطْءَ، فوَجْهان. ما لم يُجاوزْ أكثرَ مُدَّةِ الحَمْلَ. وقال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ»: ولا تصِح وَصِيَّةٌ لحَمْلٍ إلَّا أنْ يُولَدَ حَيًّا قبلَ نِصْفِ سَنَةٍ منذُ وُصِّيَ له. وإنْ وُلِدَ بعدَها قبلَ أكثرِ مُدَّةِ الحَمْلِ، إذا لم يلْحَقْ، فلا تصِحُّ الوَصِيَّةُ له، وإنْ كانَتْ بائنًا، فكذلك. وقيل: لا تصِح الوَصِيَّةُ، وإنْ وَلَدَتْه بعدَ أكثرِ مُدَّةِ الحَمْلِ مِن حينِ الفُرْقَةِ، وأكثرِ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ مِن حينِ الوَصِيَّةِ، لم يلْحَقْه، فلا تصِحُّ الوَصِيَّةُ له. وإنْ ولَدَتْه لأقَلَّ مِن أرْبَعِ سِنِينَ منذُ الفُرْقَةِ، لَحِقَه، وصحَّتْ. وإنْ وَصَّى لحَمْلٍ مِن زَوْجٍ أو مسيِّدٍ يلْحَقه، صحَّتْ، وإنْ كان منْفِيًّا بلِعانٍ، أو بدَعْوَى الاسْتِبْراءِ، فلا، وإن كانتْ فِراشًا لزَوْجٍ أو سيِّدٍ، وما يطَؤُها؛ لبُعْدٍ، أو مرَضٍ، أو أسْرٍ، أو حَبْسٍ، لَحِقَه، وصحَّتِ الوَصِيَّةُ. وقيل: وكذا إنْ وطِئَها. ويحْتَمِل أنْ يلحَقَه إنْ ظَنَنَّا أنَّه كان مَوْجودًا حينَ الوَصِيَّةِ. انتهى.

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُ المُصَنِّفِ: لأقَل مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ، ولأقَلَّ مِن أرْبَعِ سِنِينَ. وكذا قال الأصحابُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: ولم يذْكُرِ المُصَنِّفُ بأنْ تَضَعَه لسِتةِ أشْهُرٍ، أو لأرْبَعِ سِنِينَ، ولا بُدَّ منها؛ فإنَّها إذا وضَعَتْه لسِتةِ أشْهُرٍ، أو لأَرْبَعِ سِنِينَ، عُلِمَ أيضًا أنَّه كان مَوْجودًا؛ لاسْتِحالةِ أنْ يُولَدَ وَلَدٌ لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ. انتهى. وتبعَ في ذلك المُصَنِّفَ في «المُغْنِي». والصَّوابُ ما قالهَ المُصَنِّفُ هنا والأصحابُ؛ ولذلك قال الزَّرْكَشِيُّ: انْعَكَسَ على ابنَ مُنَجَّى الأمْرُ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو وَصّى لحَمْلِ امْرَأةٍ، فولَدَتْ ذكَرً أو أُنثَى، تَساوَيًا في ذلك. وأما الوَصِيَّةُ بالحَمْلِ.، فتأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوَّلِ بابِ المُوصَى به. الثَّانيةُ، لو قال: إنْ كان في بَطْنِك ذكَرٌ، فله كذا، [وإنْ كان أُنْثَى، فكذا. فكانَ فيه ذكَرٌ وأُنْثَى، فلهما ما شرَطَ. ولو كان قال: إنْ كان ما في بَطْنِك ذكَرٌ، فله كذا](1)، وإنْ كان ما في بَطْنِك أُنْثَى، فله كذا. فكان فيه ذكَرٌ وأُنْثَى، فلا شيءَ لهما. قاله في «الفُروعِ» . وإنْ كان خُنْثَى، في المَسْأَلةِ الأُولَى، فقال في «الكافِي»: له ما للأُنثَى حتى يتَبيَّنَ أمْرُه.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 297

وَإنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأةُ، لَمْ تَصِحَّ.

ــ

قوله: وإنْ وَصَّى لمَن تحْمِلُ هذه المَرْأةُ، لم تصِحَّ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: تصِحُّ. وجزَم ابنُ رَزِينٍ بصِحَّةِ الوَصِيَّةِ للمَجْهولِ والمَعْدومِ، وصِحَّتِها بهما أيضًا. قال في «القَواعِدِ»: لا تصِحُّ لمَعْدومٍ بالأَصالةِ، كمَن تحْمِلُ هذه الجارِيَةُ. صرَّح به القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وفي دُخولِ المُتَجدِّدِ بعدَ الوَصِيَّةِ، وقبلَ موتِ المُوصِي، رِوايَتان. وذكَر القاضي، في مَن وصَّى لمَوالِيه، وله مُدَبَّرون، وأمَّهاتُ أوْلادٍ (1)، أنَّهم يدْخلُونَ، وعلَّلَ بأنَّهم مَوالٍ (8) حال

(1) سقط من: الأصل.

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الموتِ، والوَصِيَّةُ تُعْتَبُر بحالِ الموتِ. وخرَّجه الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، على الخِلافِ في المُتَجدِّدِ بينَ الوَصِيَّةِ والمَوْتِ، قال: بل هذا مُتَجَدِّدٌ بعدَ المَوْتِ، فمَنْعُه أوْلَى. وأفْتَى الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا، بدُخولِ المَعْدومِ في الوَصِيَّةِ تبَعًا، كمَن وَصَّى بغلَّةِ ثَمَرِه للفُقَراءِ، إلى أنْ يحْدُثَ لوَلَدِه ولَدٌ.

فائدة: لو وَصَّى بثُلُثِه لأحَدِ هذين، أو قال: لجارِي. أو: قَرِيبي فُلانٍ. باسْمٍ مُشْتَرَكٍ، لم تصِحَّ الوَصِيَّةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، تصِحُّ، كقَوْلِه: أعْطُوا ثُلُثِي أحدَهما. في أصحِّ الوَجْهَين. قال في «القَواعِدِ الأُصُوليَّةِ» ، فيما إذا قال: لجارِي. أو: قَرِيبِي فُلانٍ. باسْمٍ مُشْتَرَكٍ: أصحُّ الرِّوايتَين عندَ الأصحابِ، لا تصِحُّ؛ للإِبْهامِ. واخْتارَ الصِّحَّةَ في

ص: 299

وَإِنْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِيَ، بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ، فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ، لَمْ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَقَال أَصْحَابُنَا: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ رِوَايَتَانِ.

ــ

غيرِ الأُولَى؛ القاضي، وأبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» ، وابنُ رَجَبٍ. وتقدَّم في التي قبلَها كلامُ ابنَ رَزِينٍ. وجزَم المُصَنِّفُ في «فَتاويه» ، بعَدَمَ الصِّحَّةِ في المَسْأْلةِ الأُولى. فعلى القَوْلِ بالصحَّةِ، فقيل: يُعَيِّنُه الوَرَثَةُ. جزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وقيل: يُعَيَّنُ بقُرْعَةٍ. قطَع به في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «قَواعِدِ الأُصُولِ» . فعلى المذهبِ، لو قال: عَبْدِي غانِمٌ حرٌّ بعدَ مَوْتِي، وله مِائَةٌ. وله عَبْدان بهذا الاسْمِ، عَتَقَ أحدُهما بقُرْعَةٍ، ولا شيء له. نقلَه يعْقُوبُ، وحَنْبَلٌ. وعلى الثَّانيةِ، هي له مِن ثُلُثِه. اخْتارَه أبو بَكْرٍ.

تنبيه: قال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ بعدَ المِائَةِ» : محَل الخِلافِ فيما إذا قال: لجارِي فُلانٍ. باسْم مُشتَرَكٍ، إذا لم يكُنْ قَرِينَةٌ، فإنْ كان ثَمَّ قرِينَةٌ، أو غيرُها، أنَّه أرادَ مَعيَّنًا منهما، وأشْكَلَ علينا مَعْرِفَتُه، فهنا تصِحُّ الوَصِيَّةُ بغيرِ ترَدُّدٍ، ويَخْرُجُ المُسْتَحِقُ منهما بالقُرْعَةِ. في قِياسِ المذهبِ.

قوله: وإنْ قتَل الوَصِيُّ المُوصِي، بطَلَتِ الوَصِيَّةُ. هذا المذهبُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي، وابنُ أبي مُوسى، وأبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ،

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «القَواعِدِ»: بَطَلَتْ، رِوايَةً واحدةً، على أصح الرِّوايتَين. وعنه، لا تبْطُلُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. قال الحارِثِيُّ: اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وابنُ بكْروسٍ، وغيرُهم.

قوله: وإنْ جرَحَه، ثُمَّ أوْصَى له فماتَ مِنَ الجُرْحِ، لم تبْطُلْ، في ظاهِرِ كَلامِه. وهو المذهبُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّابِ، والشَّريفُ أبو جَعْفَرٍ، وابنُ بكْروسٍ، والمُصَنِّفُ، والشّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم. [وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ»، و «الفُروعِ»، و «الرِّعايتَين»، و «الحاوي الصَّغِيرِ»، وغيرِهم](1). وقيل: تبْطُلُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي. وجزَم به ابنُ أبي مُوسى.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وقال أصحابُنا: في الوَصِيَّةِ للقاتلِ رِوايَتان. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: في الحالين رِوايَتان. وقال في «الفُروعِ» : وقال جماعةٌ: في الوَصِيَّةِ للقاتلِ رِوايَتان، سواءٌ أوْصَى له قبلَ الجُرْحِ، أو بعدَه؛ إحْداهما، تصِحُّ. اخْتارَها ابنُ حامِدٍ. والثَّانيةُ، لا تصِحُّ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ. [فتَلَخَّصَ لنا في صِحَّةِ الوَصِيَّةِ للقاتلِ ثلاثَةُ أوْجُهٍ، الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وعدَمُها مُطْلَقًا. اخْتارَه أبو بَكْرٍ](1). والفرْقُ بينَ أنْ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 302

وَإنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أصْنَافِ الزَّكَاةِ، أوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ، صَحَّ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَدْرَ الَّذِي يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ.

ــ

يُوصِيَ له بعدَ الجُرْحِ، فيصِحَّ، وقبلَه، لا يصِحُّ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. ويأْتِي نظِيرُ ذلك في بابِ العَفْو عنِ القِصاصِ، فيما إذا أبْرَأَ مَن قَتَلَه مِنَ الدِّيَةِ، أو وَصَّى له بها. وقال في «الرِّعايَةِ»: وقيل: الوَصِيَّةُ والتَّدْبِيرُ كالإرْثِ. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ المُوصَى به، إذا قُتِلَ وأُخِذَتِ الدِّيَةُ، هل تدْخُلُ في الوَصِيَّةِ، أمْ لا؟

فائدة: مثْلُ هذه المَسْأَلَةِ، لو دَبَّرَ عَبْدَه، وقتلَ سيِّدَه [أو جرَحَه] (1). خِلافًا ومذهبًا. قاله الأصحابُ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وقيل: يبْطُلُ (2) تَدْبيرُ العَبْدِ، دُونَ الأمَةِ. وقال في «الفُروعِ»: فإنْ جعَل التَّدْبيرَ عِتْقًا بصِفَةٍ، فوَجْهان. وأطْلَقَهما. ويأْتِي هذا آخِرَ التَّدْبِيرِ مُحَرَّرًا.

قوله: وإنْ وَصَّى لصِنْفٍ مِن أصْنافِ الزَّكاةِ، أو لجَمِيعِ الأصْنافِ، صَحَّ، ويُعْطَى كُلُّ واحِدٍ منهم القَدْرَ الَّذى يُعْطاه في الزَّكاةِ. وهذا المذهبُ. وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ» ، في كتابِ الوَقْفِ، فيما إذا وقَف على الفُقَراءِ: لا يجوزُ إعْطاءُ الفَقيرِ

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أكثرَ ممَّا يُعْطَى مِنَ الزَّكاةِ في المَنْصوصِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» وغيرِه هناك، وقدَّمه في «النَّظْمِ» هنا، وقال: وقيل: يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ ثُمْنًا. وقيل: يجوزُ. فاخْتارَ أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، جَوازَ زِيادةِ المِسْكِينِ على خمْسِين، وإنْ منَعْناه منها في الزَّكاةِ. ذكَرُوه في الوَقْفِ، وهذا مِثْلُه. قال الحارِثِيُّ هنا: وهو الأقْوَى. وتقدَّم ذلك. وتقدَّم أَيضًا، أنَّه لو وقَف على الفُقَراءِ، دخَل المَساكيِنُ، وكذا عكْسُه يدْخُلُ الفُقَراءُ. وتقدَّم هناك قوْل بعدَم الدُّخولِ. وحُكْمُ القَدْرِ الذي يُعْطىَ كلُّ واحد مِن أصْنافِ الزَّكاةِ مِنَ الوَصِيَّةِ، حُكمُ ما يُعْطَى مِنَ الوَقفِ عليهم، على ما تقدَّم، فَلْيُعاوَدْ.

فائدة: قال في «الفائقِ» وغيرِه: الرِّقابُ، والغارِمُونَ، وفي سَبِيلِ اللهِ، وابنُ السَّبِيلِ، مَصارِفُ الزَّكاةِ. وكذا قال في «الفُروعِ» ، في كتابِ الوَقْفِ. فيُعْطَى في فداءِ الأسْرَى لمَن يفْدِيهم. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: أو يُوَفَّى ما اسْتُدينَ فيهم. انتهى. قلتُ: أمَّا إذا وصَّى لجميعِ أصْنافِ الزكاةِ، كما قال المُصَنِّفُ هنا، فإنهم يُعْطَوْن بأجْمَعِهم. وكذا لو أوْصَى لأصْنافِ الزَّكاةِ، فتُعْطَى الأصْنافُ الثَّمانِيَةُ. أعْنِي أنَّهم أهْلٌ للإعْطاءِ؛ لدُخولِهم في كلامِه. وحُكْمُ

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إعْطائِهم هنا كالزَّكاةِ. وصرَّح بذلك المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الحاوي الصَّغِيرِ». وقالوا: ينْبَغِي أنْ يُعْطَى لكُلِّ صِنْفٍ ثُمْنُ الوَصِيَّةِ، كما لو أوْصَى لثَمانِ قَبائِلَ. وفرَّقُوا بينَ هذا وبينَ الزَّكاةِ، حيثُ يجوزُ الاقْتِصارُ على صِنْفٍ واحدٍ، أنَّ آيَةَ الزَّكاةِ أُرِيدَ فيها بَيانُ مَن يجوزُ الدَّفْعُ إليه، والوَصِيّةُ أُرِيدَ بها

ص: 305

وَإنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ، أو الْعِلْم، أوْ لِمَسْجِدٍ، أوْ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيهِ، صَحَّ، وَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ أوْ بَاقِيهُ إلَى الْوَرَثَةِ.

ــ

بَيانُ مَن يجبُ الدَّفْعُ إليه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : وإنْ وَصَّى لأصْنافِ الزَّكاةِ الثَّمانِيَةِ، فلكُلِّ صِنْفٍ الثُّمْنُ، ويكْفِي مِن كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ، وقيل: بل واحِدٌ. ويُسْتَحَبُّ إعْطاءُ مَن أمْكَنَ منهم بقَدْرِ الحاجَةِ، وتَقْديمُ أقارِبِ المُوصِي، ولا يُعْطَى إلَّا مُسْتَحِقٌّ مِن أهْلِ بلَدِه. انتهى. قال الحارِثِيُّ: وظاهِرُ كلامِ الأصحابِ جَوازٌ الاقْتِصارِ على البَعضِ، كالزَّكاةِ. والأقْوَى، أنَّ لكُل صِنْفٍ ثمْنًا. قال: والمذهبُ جَوازُ الاقْتِصارِ على الشَّخْصِ الواحدِ مِنَ الصِّنْفِ. وعندَ أبي الخَطَّابِ، لا بدَّ مِن ثلاثةٍ، لكِنْ لا تجِبُ التَّسْويَةُ.

قوله: وإنْ وَصَّى لفَرَسٍ حَبِيسٍ ينفَقُ عليه، صَحَّ، وإِنْ ماتَ الفَرَسُ رُدَّ المُوصَى به أو باقِيه إلى الوَرَثَةِ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ،

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُصْرَفُ إلى فَرَسٍ آخَرَ حَبِيسٍ. وهو احْتِمالٌ لأبي الخَطَّابِ.

ص: 307

وَإِنْ وَصَّى في أَبْوَابِ الْبِرِّ صُرِفَ في الْقُرَبِ. وَقِيلَ عَنْهُ: يُصْرَفُ في أَرْبَعِ جِهَاتٍ؛ في أقَارِبِهِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ. وَعَنْهُ، فِدَاءُ الْأَسْرَى مَكَانَ الْحَجِّ.

ــ

قوله: وإنْ وَصَّى في أبْوابِ البِرِّ، صُرِفَ في القُرَبِ. هذا المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وقيلَ عنه: يُصْرَفُ في أرْبَعِ جِهاتٍ؛ في أقارِبِه، والمَساكِينِ، والحَجِّ، والجِهادِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: وهي

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقيَّد في «الفائقِ» وغيرِه الأقارِبَ بالذين لا يرِثونَ. وهو كما قال. وعنه، فِداءُ الأسْرَى مَكَانَ الحَجِّ. ونقَل المَرُّوذِيُّ، في مَن أوْصَى بثُلُثِه في أَبْوابِ البِرِّ، يُجَزَّأُ ثلَاثةَ أجْزاءٍ؛ جُزْءٌ في الحَجِّ، وجُزْءٌ في الجِهادِ، وجُزْءٌ يُتَصدَّقُ به في أقارِبِه. زادَ في «التَّبْصِرَةِ» ، والمَساكِينِ. وعنه، يُصْرَفُ في الجهادِ، والحَجِّ، وفداءِ الأسْرَى. قال المُصَنِّفُ، عن هذه

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرِّواياتِ: وهذا، والله أعلمُ، ليس على سبيلِ اللُّزومِ والتَّحْديدِ، بل يجوزُ صَرْفُه في الجهاتِ كُلِّها. قال في «الفُروعِ»: والأصحُّ لا يجبُ ذلك. وذكَر القاضي، وصاحِبُ «التَّرْغيب» ، أنَّ قوْلَه: ضَعْ ثُلُثِي حيثُ أراك اللهُ. أو: في سَبِيلِ البِرِّ والقُرْبَةِ. يصْرِفُه لفَقيرٍ ومِسْكينٍ وُجوبًا. قلتُ: هذا ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ؛ لحكايَتِهم الخِلافَ، وإطْلاقِهم. فعلى المذهبِ، أفْضَلُ القُرَبِ الغزْوُ، فيُبْدأُ به. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ ما تقدَّم في أفْضَلِ الأعْمالِ. يعْنِي الذي حَكاه مِنَ الخِلافِ، في أولِ صلاةِ التطَوُّعِ. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك في الوَقفِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو قال: ضَعْ ثُلُثِي حيثُ أراك اللهُ. فله صَرْفُه في أيِّ جِهَةٍ مِن جِهاتِ (1) القُرَبِ، والأفْضَلُ صَرْفُه إلى فُقَراءِ أقارِبِه، فإنْ لم يَجِدْ، فإلى مَحارِمِه مِنَ الرَّضاعِ، فإنْ لم يَجِدْ، فإلى جِيرانِه. وتقدَّم قريبًا عنِ القاضي، وصاحِبِ «التَّرْغيبِ» ، وُجوبُ الدَّفْعِ إلى الفُقَراءِ والمَساكِينِ، في هذه

(1) في الأصل: «جهة» .

ص: 312

وَإِنْ وَصَّى أنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، صُرِفَ في حَجَّةٍ بَعْدَ أخْرَى حَتَّى تَنْفَدَ، وَيُدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ مَا يَحُج بِهِ.

ــ

المَسْأَلةِ الثَّانيةُ، لا يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الوَصِيَّةِ القُرْبَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، خِلافًا للشيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، رحمه الله. فلهذا قال: لو جعَل الكُفْرَ أو الجَهْلَ شَرْطًا في الاسْتِحْقاقِ، لم يصِحَّ، فلو وَصَّى لأجْهَلِ النَّاسِ، لم يصِحَّ. وعلَّلَ في «المُغْنِي» الوَصِيَّةَ لمَسْجِدٍ بأنَّه قُرْبَةٌ. قال في «الفُروعِ»: فدَلَّ على اشتِراطِها. وقال في «التَّرْغيبِ» : تصِحُّ الوَصِيَّةُ لعِمارَةِ قُبورِ المَشايخِ والعُلَمَاءِ. وقال في «التَّبْصِرَةِ» : إنْ أوْصَى لما لا مَعْروفَ فيه ولا بِرَّ؛ ككَنِيسَةٍ، أو كَتْبِ التَّوْراةِ، لم يصِحَّ. ذكَر ذلك في «الفُروعِ» ، في أوائلَ كتابِ الوَقْفِ.

قوله: وإنْ وَصَّى أنْ يُحَجَّ عنه بأَلْفٍ، صُرِفَ في حَجَّةٍ بعدَ أخْرَى حَتَّى تنْفَدَ. سواءٌ كان راكِبًا أو راجِلًا وهذا المذهبُ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ،

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وعنه، تُصْرَفُ في حَجَّةٍ لا غيرُ، والباقي إرْثٌ. ونقَل ابنُ إبْراهيمَ، بعدَ الحَجَّةِ الأُولَى، تُصْرَفُ في الحَجِّ، أو في سبيلِ الله (1). وقال في «الفُصولِ»: مَن وصَّى أنْ يُحَجَّ عنه بكذا، لم يُسْتَحَقَّ ما عيَّنَ زائِدًا على النفَقَةِ؛ لأنَّه بمَثابَةِ جَعالةٍ. واخْتارَه، ولا يجوزُ في الحَجِّ. واخْتارَ أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ أنَّه إنْ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصَّى بألْفٍ يُحَجُّ بها، صُرِفَ في كُلِّ حَجَّةٍ قَدْرُ نفَقَتِه حتَّى ينْفَدَ، ولو قال: حُجُّوا عنِّي بألْفٍ، فما فضَل فللوَرَثَةِ. وقد تقدَّم في بابِ الإجارَةِ، أن الإجارَةَ لا تصِحُّ على الحَجِّ ونحوه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، فيُعْطَى هنا لأجْلِ النَّفَقَةِ. فعلى المذهبِ، إنْ لم تَكْفِ الأَلْفُ، أو البَقِيّةُ بعدَ الإخْراجِ، حُجَّ به مِن حيثُ يبْلُغُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الكافي». وقيل: يُعانُ به في حَجَّةٍ. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه»: وبَقِيَّتُها العاجِزَةُ عن حَجَّةٍ لمَصْلَحَتِها.

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. وعنه، يُخَيَّرُ، فإنْ تعَذَّرَ، فهو إرْثٌ. قاله في «الرِّعايةِ» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: وفيه وَجْهٌ ببُطْلانِ الوَصِيَّةِ إذا لم تَكْفِ الحَجَّ.

فائدتان؛ إحْداهما، إذا كان الحَجُّ تطَوُّعًا، أجْزَأ أنْ يُحَجَّ عنه مِنَ المِيقاتِ. على الصَّحيحِ. صحَّحه في «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وهو أوْلَى. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الفائقِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه، في كتابِ الحَجِّ. قال الحارِثِيُّ: وهو أقْوَى. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ». وقيل: لا تُجْزِئُ إلَّا مِن محَلِّ وَصِيَّتِه، كحَجِّه بنَفْسِه. جزَم به في «الكافِي» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، لكِنْ قال عنِ الأولَى: هو أوْلَى. كما تقدَّم. وتقدَّم ذلك في كتابِ الحَجِّ، قُبَيلَ

ص: 316

وَإِنْ قَال: يُحَجُّ عَنِّي حَجَّةٌ بِأَلْفٍ. دُفِعَ الْكُلُّ إلَى مَنْ يَحُجُّ بِهِ.

ــ

قوْلِه: ويُشْتَرَطُ لوُجوبِ الحَجِّ على المَرْأةِ وُجودُ مَحْرَمِها. الثَّانيةُ، إن كان المُوصِي قد حَجَّ حَجَّةَ الإسْلامِ، كانَتِ الألْفُ مِن ثُلُثِ مالِه، وإنْ كانتْ عليه حَجَّةُ الإسْلامِ، فنفَقَتُها مِن رأْسِ المالِ، والباقِي مِنَ الثُّلُثِ.

قوله: فإنْ قال: يُحَجُّ عَنِّي حَجّة بأَلْفٍ. دُفِعَ الكُلُّ إلى مَن يحُجُّ عنه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَررِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: البَقِيّةُ مِن (1) نفقَةِ الحَجَّةِ إرْثٌ. جزَم به في «التَّبْصِرَةِ» . وحكاه الحارِثِيُّ رِوايَةً. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» . وصحَّحه في «الخُلاصةِ» . وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» .

(1) في ط: «عن» .

ص: 317

فَإِنْ عَيَّنهُ في الْوَصِيَّةِ، فَقَال: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِأَلْفٍ.

ــ

قوله: فإن عَيَّنَه في الوَصِيَّةِ، فقال: يحُج عَنِّي فُلان بأَلْفٍ. فأبَى الحَجَّ وقال: اصْرِفُوا ليَ الفَضْلَ. لم يُعْطَه، وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ. يعْنِي مِن أصْلِها إذا كان تطَوُّعًا. وهذا أحدُ الوَجْهَين. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، فإنَّ كلامَهم ككَلامِ المُصَنِّفِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وصحَّحه الحارِثِيُّ. والوَجْهُ الثَّاني، تبْطُلُ في حقِّه لا غيرُ، ويُحَجُّ عنه بأقَلِّ ما يمْكِنُ مِن نفَقَةٍ، أو أُجْرَةٍ، والبقِيَّةُ للوَرَثَةِ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وفي بعضِ نُسَخ «المُقْنِعِ» لم يُعْطَه، وبَطَلَتِ الوَصِيّةُ في حقِّه. وعليه شرَح الشَّارِحُ. وذكَرَها ابنُ مُنَجَّى، في المَتْنِ ولم يشْرَحْها، بل علَّلَ البُطْلانَ فقط. فعلى هذه النُّسْخَةِ، مع أنَّ النسْخَةَ الأولَى لا تأْبَى ذلك، يكونُ المُصَنِّفُ قد جزَم بهذا الوَجْهِ هنا. وجزَم به في «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ،

ص: 318

فَأبَى الْحَجَّ، وَقَال: اصْرِفُوا إِلَيَّ الْفَضْلَ. لَمْ يُعْطَهُ، وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ في حَقِّهِ.

ــ

و «الفائقِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وذكَر النَّاظِمُ قوْلًا، أنَّ بقِيَّةَ الألْفِ للَّذِي حَجَّ.

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ هذا الخِلافِ، إذا كان المُوصِي قد حَجَّ حَجَّةَ الإسْلامِ. أمَّا إذا لم يكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الإسْلامِ، وأبَى مَن عَيَّنه، فإنَّه يُقامُ غيرُه بنَفَقَةِ المِثْلِ، والفَضْلُ للوَرَثَةِ، ولا تبْطُلُ، قوْلًا واحدًا. وهو واضِحٌ، ويُحْسَبُ الفاضِلُ مِنَ (1) الثُّلُثِ عن نفَقَةِ مِثْلِه، أو أُجْرَةِ مِثْلِه للفَرْضِ.

فوائد؛ منها، لو قال: يحُجُّ عَنِّي زَيدٌ بأَلْفٍ. فما فضَل فهو وَصِيَّةٌ له إنْ حَجَّ،

(1) في ط: «في» .

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يُعْطَى إلى أيَّامِ الحَجِّ. قاله الإمامُ أحمدُ، رحمه الله. ويَحْتَمِلُ أنَّ الفَضْلَ للوارِثِ. ومنها، لا يصِحُّ أنْ يحُجَّ وَصِيٌّ بإخْراجِها. نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ أبي داودَ، وأبي الحارِثِ، وجَعْفَرٍ النَّسائِيِّ، وحَرْبٍ، رحمهم الله. قال: لأنَّه مُنَفِّذٌ، فهو كقولِه: تصَدَّقْ عَنِّي به. لا يَأْخُذُ منه. ومنها، لا يحُجُّ وارِثٌ. على الصَّحيح مِنَ المذَهبِ، نصَّ عليه في رِوايَةِ أبي داودَ، رحمه الله. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . واخْتارَ جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، بلَى يحُجُّ عنه إنْ عيَّنه، ولم يزِدْ على نفَقَتِه، منهم الحارِثِيُّ. وفي «الفُصولِ»: إنْ لم يُعَيِّنْه، جازَ. ومنها، لو أوْصَى أنْ يُحَجَّ عنه بالنَّفَقَةِ، صحّ. ومنها، لو أَوْصَى بثَلاثِ حِجَجٍ إلى ثلَاثةٍ، في عامٍ واحدٍ، صحّ، وأحْرَمَ النَّائبُ بالفَرْضِ أوَّلًا، إنْ كان عليه فرْضٌ. ومنها، لو أوْصَى بثَلاثِ حِجَجٍ، لم يكُنْ له أنْ يصْرِفَها إلى ثلَاثةٍ يحُجُّونَ عنه في عامٍ واحدٍ. قاله في «الرِّعايَةِ». قال: ويَحْتَمِلُ أنْ تَصِحَّ، إنْ كانتْ نفْلًا. وقال في «الفُروعِ» في بابِ حُكْمِ قَضاءِ الصَّوْمِ: حكَى الإمامُ أحمدُ، عن طاوُسٍ جَوازَ صوْمِ جماعةٍ عنه في يوْمٍ واحدٍ،

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويُجْزِئُ عن عِدَّتِهم مِنَ الأيَّامِ. قال: وهو أظْهَرُ. واخْتارَه المَجْدُ. قال: فدَلَّ ذلك على (1) أنَّ مَن أوْصَى بثَلاثِ حِجَجٍ، جاز صَرْفُها إلى ثلَاثَةٍ يحُجُّونَ عنه في سنَةٍ واحِدَةٍ. وجزَم ابنُ عَقِيلٍ بأنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ نائبَه مِثْلُه. وذكَره في «الرِّعايةِ» قوْلًا، ولم يذْكُرْ [قبلَه ما يُخالِفُه](2). [ذكَرَه في فَصْلِ](3) اسْتِنابةِ المعْضُوبِ، مِن بابِ الإِحْرامِ، وهو قِياسُ ما ذكَرَه القاضي في الصَّوْمِ. انتهى كلامُه في

(1) سقط من: ط.

(2)

سقط من: ط.

(3)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 322

وَإِنْ وَصَّى لأهْلِ سِكَّتِهِ، فَهُوَ لأهْلِ دَرْبِهِ.

ــ

«الفُروعِ» . ولم يسْتَحْضِرْ تلك الحال ما ذكَرَه في بابِ المُوصَى به، أو رآه بعدَ ذلك، وقد أطْلَقَ وَجْهَين في صِحَّةِ ذلك. ثم وجَدْتُ الحارِثِيَّ نقَل عنِ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ، والسَّامَرِّيِّ، صِحَّةَ صَرْفِ ثلاثِ حِجَجٍ في عامٍ واحدٍ، وقال: وهو أوْلَى. وتقدَّم في حُكْمِ قضاءِ رمضانَ وكتابِ الحَجِّ أَيضًا، هل يصِحُّ حَجُّ الأجْنَبِيِّ عنِ المَيتِ حَجَّةَ الإسْلامِ بدونِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَمْ لا؟

قوله: وإنْ وَصَّى لأهْلِ سِكَّتِه، فهو لأهْلِ دَرْبِه. هذا المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. وقيل: هما أهْلُ المَحَلَّةِ الذين يكونُ طريقُهم بدَرْبِه.

فائدة: يُعْتَبَرُ في اسْتِحْقاقِه سُكْناه في السِّكةِ حال الوَصِيَّةِ. نصَّ عليه. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . واخْتارَه ابنُ أبي مُوسى. وقال في «المُغْنِي» : ويسْتَحِقُّ أَيضًا لو طَرَأ إلى السِّكَّةِ بعدَ الوَصِيَّةِ. وقال في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ بعدَ المِائَةِ» : وفي دُخولِ المُتجدِّدِ بعدَ الوَصِيَّةِ وقبلَ موتِ المُوصِي، رِوايَتان. ثم قال: والمَنْصوصُ في مَن أوْصَى أنْ يتصَدَّقَ في سِكةِ فُلانٍ بكذا وكذا، فسَكَنَها قومٌ بعدَ موْتِ المُوصِي، قال: إنما كانتِ الوَصِيَّةُ للذين كانُوا. ثم قال: ما أدْرِي كيفَ هذا؟ قيل: فيُشْبِهُ هذا الكُورَةَ؟ قال: لا، الكُورَةُ وكثْرَةُ أهْلِها خِلافُ هذا المَعْنَى، ينْزِلُ قومٌ ويخْرُجُ قومٌ، يُقْسَمُ بينَهم. انتهى.

ص: 323

وَإِنْ وَصَّى لِجيرَانِهِ، تَنَاوَلَ أرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: مُسْتَدَارُ أرْبَعِينَ دَارًا.

ــ

قوله: وإنْ وَصَّى لجِيرانِه، تَناوَلَ أرْبَعِين دارًا مِنَ كُل جانِبٍ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم أبو حَفْصٍ، والقاضي وأصحابُه، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» . وقال

ص: 324

وَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِه، وَلَهُ أَبٌ وَابْنٌ، فَهُمَا

ــ

أبو بَكْرٍ: مُسْتَدارُ أرْبَعِين دارًا. وهو رِواية عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وقال أبو بَكْرٍ: وقد قيل: مُسْتَدارُ أرْبَعِين دارًا. قال في «الفائقِ» ، بعدَ قولِ أبي بَكْرٍ: وقيل: مِن أرْبعَةِ جَوانِبَ. قال الشَّارِحُ، عن قوْلِ أبي بَكْرٍ: يعْني مِن كُلِّ جانِبٍ. وعنه، جِيرانُه مُسْتدارُ ثَلَاثين دارًا. ذكَرَها في «الفروعِ». وقال في «الفائقِ»: تناوَل أرْبَعِين دارًا مِن كُلِّ جانِبٍ. وعنه، ثَلاثين. ذكَرَها أبو الحُسَينِ. فظاهِرُ هذه الرِّوايَةِ مُخالِفٌ للتي قبلَها، لكِنْ فَسَّرَها الحارِثِيُّ بالأوَّلِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، لا ينْبَغِي أنْ يُعْطَى هنا إلَّا الجارُ المُلاصِقُ. وقيل: يُرْجَعُ فيه إلى العُرْفِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ، إنْ لم يصِحَّ الحديثُ. وقد اسْتدَلَّ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ للمذهبِ بالحديثِ فيه، وقال: هذا نصٌّ لا يجوزُ العُدولُ عنه، إنْ صحَّ، وإنْ لم يثْبُتْ، فالجارُ هو المُقارِبُ، ويُرْجَعُ في ذلك إلى العُرْفِ. انتهيا.

قوله: وإنْ وَصَّى لأقْرَبِ قَرابَتِه، وله أبٌ وابنٌ، فهما سَواءٌ، والأخُ والجَدُّ

ص: 325

سَوَاءٌ، وَالْجَدُّ والأخُ سَوَاءٌ. وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ الابنِ عَلَى الْأَبِ، وَالْأَخِ عَلَى الْجَدِّ.

ــ

سَواءٌ. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ تقْديمُ الابنِ على الأبِ، والأخِ على الجَدِّ. وقيل: يُقدمُ الجَدُّ على الأخِ.

ص: 326

وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ والْأَخُ مِنَ الأُمِّ سَوَاءٌ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَين أحَقُّ مِنْهُمَا.

ــ

تنبيه: قوْلُه: والأخُ بِنَ الأبِ والأخُ مِنَ الأمِّ سَواءٌ. بلا نِزاعٍ. وهذا مَبْنِيٌّ على القَوْلِ بأنَّ الأخَ مِنَ الأمِّ يدْخُلُ في القَرابَةِ، على ما تقدَّم في كتابِ الوَقفِ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. وكذا الحُكْمُ في أبْنائِهما. وكذا يُحْمَلُ ما قاله في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، أنَّ الأبَ والأُمَّ سَواءٌ.

قوله: والأخُ مِنَ الأبَوَينِ أحَقُّ فهما. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال في «الفُروعِ»: ويتوَجَّهُ رِوايَةٌ، أنَّه كأخِيه لأبِيه؛ لسُقوطِ الأمُومَةِ، كالنِّكاحِ. وجزَم به في «التَّبْصِرَةِ». قلتُ: واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. ذكَره عنه في «القاعِدَةِ العِشْرِين بعدَ المِائَةِ» ، لكِنْ ذكَرَه في الوَقْفِ.

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، الأبُ أوْلَى مِن ابنِ الابنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الحارِثِيِّ» . وقطَع به في «المُغْنِي» وغيرِه. وقدَّم في «التَّرْغيبِ» ، أنَّ ابنَ الابنِ أوْلَى. قال: وكلُّ مَن قُدِّم، قُدِّم وَلَدُه، إلَّا الجَدَّ، فإنَّه يُقَدَّمُ على بَنِي إخْوَتِه، وأخاه لأبِيه، فإنَّه يُقَدَّمُ على ابنِ أخِيه لأبوَيه. الثَّانيةُ، يسْتَوي جَدَّاه وعَمَّاه كأبوَيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يُقَدَّمُ جَدُّه وعَمُّه لأبِيه.

ص: 328

فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا بَيتِ نَارٍ،

ــ

قوله: ولا تصِحُّ الوَصِيَّةُ لكَنِيسَةٍ، ولا بَيتِ نارٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً، وقطَع به أكثرُهم. وذكَر القاضي، أنَّه لو أوْصَى بحُصْرِ البِيَعِ وقَنادِيلِها وما شاكَلَ ذلك، ولم يقْصِدْ إعْظامَها أنَّ الوَصِيَّةَ تصِحُّ؛ لأنَّ (1) الوَصِيَّةَ لأهْلِ الذِّمَّةِ صحيحَةٌ. قلتُ: وهذا ضعيفٌ. ورَدَّه الشَّارِحُ، واقْتَصَرَ عليه في «الرِّعايةِ» ، وقال: فيه نظَرٌ. ورُوِيَ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، ما يدُلُّ على

(1) سقط من: الأصل.

ص: 329

وَلَا لِكَتْبِ التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ،

ــ

صِحَّةِ الوَصِيَّةِ مِنَ الذِّميِّ لخِدْمَةِ الكَنِيسَةِ. قال في «الهِدايَةِ» ، ومَن تبِعَه: وإنْ وَصَّى لبِناء كَنِيسَةٍ أو بَيعَةٍ أو كَتْبِ التَّوْراةِ والإنْجيلِ، لم تصِحَّ الوَصِيَّةُ. ونقَل عَبْدُ اللهِ ما يدُلُّ على (1) صِحَّتِها. قال في «الرِّعايتَين»: لم تصِحَّ على الأصحِّ. ثم قال: قلتُ: تُحْمَلُ الصِّحَّةُ على وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ بما يجوزُ (2) له فِعْلُه مِن ذلك. انتهى. قلتُ: وحَمْلُ الرِّوايَةِ على غيرِ ظاهِرِها مُتَعَيِّنٌ.

قوله: ولا لكَتْبِ التَّوْراةِ والإنْجيلِ، ولا لمَلَكٍ، ولا لمَيتٍ. بلا نِزاعٍ. وقال في «الرِّعايةِ»: ولا تصِحُّ لكَتْبَ تَوْراةٍ وإنْجيلٍ على الأصحِّ. وقيل: إن كان المُوصِي بذلك كافِرًا، صحَّ، وإلَّا فلا. وتقدَّم قريبًا، في فائدَةٍ، هل تُشْتَرَطُ القُرْبَةُ في الوَصِيَّةِ أمْ لا؟.

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في ط: «يجيز» .

ص: 330

وَلَا لِمَلَكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ، وَلَا لِبَهِيمَةٍ.

ــ

تنبيه: قوْلُه: ولا لبَهِيمَةٍ. إنْ وَصَّى لفَرَسٍ حَبِيسٍ، صحَّ، إذا لم يقْصِدْ

ص: 331

وَإِنْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ. وَيَحْتَمِلُ ألا يَكُونَ لَهُ إلَّا النِّصْفُ. فَإنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ.

ــ

تَمْلِيكَه، كما صرَّح به المُصَنِّفُ قبلَ ذلك. وإِنْ وَصَّى لفَرَسِ زَيدٍ، صحّ، ولَزِمَ بدُونِ قَبُولِ صاحِبِها، ويصْرِفُها في عَلْفِه. ومُرادُ المُصَنِّفِ هنا، تَمْليكُ البَهِيمَةِ.

قوله: وإِنْ وَصَّى لحَيٍّ ومَيتٍ يَعْلَمُ مَوْتَه، فالكُلُّ للحَيِّ. وهو أحدُ الوَجْهَين. ونُقِلَ عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، ما يدُلُّ عليه. واخْتارَه في «الهِدايَةِ» ، و «الكافِي». وجزَم به في «الوَجيزِ». وصحَّحه في «النَّظْمِ». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يكونَ

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له إلَّا النِّصْفُ. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُذْهَبِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ، وعليه عامَّةُ الأصحابِ. حتَّى أبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ». ونصَّ عليه مِن رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وتتوَجَّهُ القُرْعَةُ بينَ الحَيِّ والمَيتِ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا لم يقُلْ: هو بينَهما. فإنْ قاله، كان له النِّصْفُ، قوْلًا واحدًا.

قوله: وإِنْ لم يَعْلَمْ، فللحَيِّ نِصْفُ المُوصَى بِه. بلا نِزاعٍ.

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو وَصَّى له ولجِبْرِيلَ، أو له وللحائطِ بثُلُثِ مالِه، كان له الجميعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقيل: له النِّصْفُ. وهو احْتِمالٌ للقاضِي. قلتُ: هي شَبِيهَةٌ بالتي قبلَها. الثَّانيةُ، لو وَصَّى له وللرسُولِ صلى الله عليه وسلم بثُلُثِ مالِه، قُسِمَ بينَهما نِصْفان. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغيرِ» ، و «التَّلْخيصِ». وقيل: الكُلُّ له. فعلى المذهبِ، يُصْرَفُ ما للرسُولِ في المَصالِحِ. قاله في «الفُروعِ» . وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ»: يُصْرَفُ في الكُراعِ، والسِّلاحِ، والمَصالحِ. الثَّالثةُ، لو وَصَّى له وللهِ، قسِمَ نِصْفان. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: كلُّه له. كالتي قبلَها. جزَم به في «الكافِي» . الرَّابعةُ، لو وَصَّى لزَيدٍ وللفُقْراءِ بثُلُثِه، قُسِمَ بينَ زَيدٍ والفُقَراءِ

ص: 334

وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ، فَلِلأَجنَبِيِّ السُّدْسُ.

ــ

نِصْفَين؛ نِصْفُه له، ونِصْفُه للفُقَراءِ. على الصَّحيح. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: قلتُ: إذا أوْصَى لزَيدٍ وللفُقَراءِ، فهو كأحَدِهم، فيجوزُ أنْ يُعْطَى أقلَّ شيءٍ. انتهى. ولو كان زَيدٌ فقيرًا، لم يسْتَحِقَّ مِن نصيبِ الفُقَراءِ شيئًا. نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ هانِئٍ، وعلي بنِ سَعِيدٍ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ونقَل القاضي الاتِّفاقَ على ذلك. مع أنَّ ابنَ عَقِيلٍ في «فُنونِه» حكَى عنه، أنَّه خرج وَجْهًا بمُشارَكَتِهم إذا كان فقِيرًا. ذكَرَه في «القاعِدَةِ السَّابِعَةَ عشرَةَ بعدَ المِائَةِ» .

قوله: وإنْ وَصَّى لوارِثِه وأجْنَبِيٍّ بثُلُثِ مالِه، فرَدَّ الوَرَثَةُ، فللأجْنَبِيِّ السُّدْسُ -بلا نِزاعٍ أعْلَمُه- وإِنْ وَصَّى لهما بثُلُثيْ مالِه، فكذلك عندَ القاضي. يعْنِي، إذا ردَّ الوَرَثَةُ نِصْفَ الوَصِيَّةِ؛ وهو ما جاوزَ الثُّلُثَ مِن غيرِ تَعْيِين، فيكونُ للأجْنَبِيِّ السُّدْسُ، والسُّدْسُ للوارِثِ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِهَ.

ص: 335

وَإنْ وَصَّى لَهُمَا بِثُلُثَي مَالِهِ،

ــ

وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وعندَ أبي الخَطَّابِ، له الثُّلُثُ كُلُّه، كما لو رَدَّ الوارِثُ وَصِيَّته. وقيل: السُّدْسُ للأجْنَبِيِّ، ويبْطُلُ الباقي، فلا يسْتَحِقُّ الوارِثُ فيه شيئًا.

فوائد؛ إحْداها، لو ردُّوا نَصِيبَ الوارِثِ، كان للأجْنَبِيِّ الثُّلُثُ كامِلًا. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: له السُّدْسُ. وردَّه بعضُهم. الثَّانيةُ.، لو أجازُوا للوارِثِ وَحدَه، فله الثُّلُثُ، بلا نِزاعٍ. وكذا إنْ أجازوا (1) للأجْنَبِيِّ وحدَه، فله الثُّلُثُ.

(1) في الأصل، ط:«أجيز» .

ص: 336

فَكَذِلَكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أبِي الْخَطَّابِ، لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ.

ــ

على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي». وقيل: له السُّدْسُ فقطْ. الثَّالثةُ، لو ردُّوا وَصِيَّةَ الوارِثِ، ونِصْفَ وَصِيّةِ الأجْنَبِيِّ، فله السُّدْسُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ينْزِعُ إلى قولِ القاضي. وقدَّمه في «الرِّعايةِ» وغيرِها. وقيلَ: له الثُّلُثُ. وهو ينْزِعُ إلى قولِ أبي الخَطَّابِ.

ص: 337

وَإنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا وَصِيَّتَهُ، فَلَهُ التُّسْعُ

ــ

قوله: وإنْ وَصَّى بمالِه لابْنَيه وأجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا وَصِيتَّهَ، فله التُّسْعُ عندَ القاضي. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في

ص: 338

عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أبي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ، وَإنْ وَصَّى لِزَيدٍ وَلِلْفقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِثُلُثِهِ، فَلِزَيدٍ التُّسْعُ.

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» . وعندَ أبي الخَطَّابِ، له الثُّلُثُ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وهو أقْيَسُ. قال في «الفائقِ» : ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ له السُّدْسُ؛ جَعْلًا لهما صِنْفًا.

قوله: وإنْ وَصَّى لزَيدٍ وللفُقَراءِ والمَساكِينِ بثُلُثِه، فلزَيدٍ التُّسْعُ. والباقِي

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لهما. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الرِّعايةِ»: قلتُ: يَحْتَمِلُ أنَّ له السُّدْسَ؛ لأنَّهما هنا صِنْفٌ. انتهى. قلتُ: يتخَرَّجُ فيه أَيضًا، أنْ يكونَ كأحَدِهم، فيُعْطَى أقلَّ شيءٍ. كما قاله صاحِبُ «الرِّعايةِ» ، على ما تقدَّم قريبًا. فوائد؛ الأُولى، لو وَصَّى له ولإخْوَتِه بثُلُثِ مالِه، فهو كأحَدِهم. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وقال: ويَحْتَمِلُ أنَّ له النِّصْفَ ولهم النِّصْفَ. قال الحارِثِيُّ: أظْهَرُ الوَجْهَين، أنَّ له النِّصْفَ. وقال في «الفُروعِ»: ولو وَصَّى له وللفُقَراءِ بثُلُثِه، فنِصْفان. وقيل: هو كأحَدِهم، كلَه وإخْوَتِه في وَجْهٍ. فظاهرُ ما قدَّمه أنْ يكونَ له النِّصْفُ. وهو احْتِمالٌ في (1)«الرِّعايةِ» . وهو المذهبُ. وتقدَّم قريبًا، إذا وَصَّى له وللفُقَراءِ، أو له وللهِ، أو له وللرَّسُولِ، وما أشْبَهَ ذلك. الثَّانية، لو وَصَّى بدَفْنِ كُتُبِ العِلْمِ، لم تُدْفَنْ. قاله الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، وقال: ما يُعْجِبُنِي. ونقَل الأثْرَمُ، لا بَأْسَ. ونقَل غيرُه، يُحْسَبُ مِن ثُلُثِه. وعنه، الوَقْفُ.

(1) سقط من: ط.

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الخَلَّالُ: الأحْوَطُ دَفْنُها. الثَّالثةُ، لو وَصَّى بإحْراقِ ثُلُثِ مالِه، صحّ، وصُرِفَ في تَجْمِيرِ الكَعْبَةِ، وتَنْويرِ المَساجِدِ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». قلتُ: الذي ينْبَغِي، أنْ يُنْظَرَ في القَرائنِ؛ فإنْ كان مِن أهْلِ الخَيرِ، ونحوهم، صُرِفَ في ذلك، وإلَّا فهو لَغْوٌ. الرَّابعَةُ، قال ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِيِّ: لو وَصَّى بجَعْلِ ثُلُثِه في التُّرابِ، صُرِفَ في تكفِينِ المَوْتَى. ولو وَصَّى بجَعْلِه في الماءِ، صُرِفَ في عَمَلِ سُفُنٍ للجِهادِ. قلتُ: وهذا مِن جِنْسِ ما قبلَه. وقال ابنُ الجَوْزِيِّ، إمَّا مِن عندِه، وإمَّا حِكايةً عنِ الإِمامِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله، ولم يُخالِفْه: لو أنَّ رجُلًا وَصَّى بكُتُبِه مِنَ العِلْمِ لآخرَ، فكان فيها كُتُبُ الكَلامِ، لم تدْخُلْ في الوَصِيّةِ؛ لأنه ليس مِنَ العِلْمِ. وهو صحيحٌ.

ص: 341