الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابُ النِّكاحِ
ــ
كِتابُ النِّكاحِ
فائدتان؛ إحْداهما، النِّكاحُ له مَعْنَيان؛ مَعْنَى في اللُّغةِ، ومَعْنَى في الشَّرْعِ. فمَعْناه في اللُّغَةِ، الوَطْءُ. قاله الأزْهَرِيُّ (1). وقيل للتَّزْويجِ: نِكاحٌ؛ لأنَّه سبَبُ الوَطْءِ. قال أبو عُمَرَ غُلامُ ثَعْلَبٍ (2): الذي حَصَّلْناه عن ثَعْلَبٍ عن الكُوفِيِّين، والمُبَرِّدِ عنِ البَصْرِيِّين، أن النِّكاحَ في أصْلِ اللُّغَةِ هو اسْمٌ للجَمْعِ بينَ الشَّيئَين، قال الشَّاعِرُ (3):
(1) في تهذيب اللغة 4/ 103.
(2)
في الأصول، ا:«أبو عمرو» . خطأ: وهو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغدادي، الزاهد، أبو عمر، المعروف بغلام ثعلب. إمام علامه لغوي محدث. توفي سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 15/ 508 - 513.
(3)
البيت لعمر بن أبي ربيعة في شرح ديوانه 503.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيُّها المُنْكِحُ الثُّريَّا سُهَيلًا
…
عَمْرَك اللهَ، كيف يجْتَمِعان؟
وقال الجَوْهَرِيُّ (1): النِّكاحُ الوَطْءُ، وقد يكونُ العَقْدَ. ونكَحْتُها ونَكَحَتْ هي أي تَزَوَّجت. وعنِ الزَّجَّاجِ (2): النِّكاحُ في كلامِ العرَبِ بمَعْنَى الوَطْءِ والعَقْدِ جميعًا. ومَوْضعُ نكَح في كلامِهم؛ لُزومُ الشَّيْءِ الشَّيءَ راكِبًا عليه. قال ابنُ جِنِّيٍّ (3): سأَلْتُ أبا عليٍّ الفارِسِيَّ عن قوْلِهم: نكَحَها. فقال: فرَّقَتِ العرَبُ فَرْقًا
(1) في الصحاح: 1/ 413.
(2)
هو إبراهيم بن محمد بن السري البغدادي، الزجاج، أبو إسحاق، الإمام النحوي العلامة، صاحب كتاب «معاني القرآن» . توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 14/ 360.
(3)
هو عثمان بن جنى الموصلي، أبو الفتح، إمام العربية، وصاحب التصانيف منها «الخصائص» ، و «المحتسب في الشواذ» . توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 17/ 17 - 19.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لطيفًا يُعْرَفُ به مَوْضِعُ العَقْدِ مِنَ الوَطْءِ؛ فإذا قالوا: نكَح فُلانَةً. أو: بِنْتَ فُلانٍ. أرادُوا تَزْويجَها والعَقْدَ عليها، وإذا قالُوا: نكَح امْرأَتَه. لم يُرِيدُوا إلَّا المُجامعَةَ؛ لأنَّ بذِكْرِ امْرأتِه وزَوْجَتِه يُسْتَغْنَى عن العَقْدِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: فظاهِرُه الاشْتِراكُ، كالذي قبلَه وأنَّ القَرِينَةَ تُغْنِي. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَعْناه في اللغةِ، الجَمْعُ والضَّمُّ على أتَمِّ الوُجوهِ؛ فإنْ كان اجْتِماعًا بالأبدانِ، فهو الإيلاجُ الذي ليس بعدَه غايَةٌ في اجْتِماعِ البَدَنَين. وإنْ كان اجْتِماعًا بالعُقودِ، فهو الجمعُ بينَهما على الدَّوامِ واللُّزومِ. ولهذا يُقالُ: اسْتنْكَحَه المَذْيُ. إذا لازَمَه وداوَمَه. انتهى. ومَعْناه في الشَّرْعِ، عَقْدُ التَّزْويجِ. فهو حَقِيقةٌ في العَقْدِ مَجازٌ في الوَطْءِ. على الصَّحيحِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ عَقِيل، وابنُ البَنَّا، والقاضي في «التَّعْليقِ». في كَوْنِ المُحْرِمِ لا ينْكِحُ -لمَّا قيلَ له: إنَّ النِّكاحَ حَقيقة في الوَطْءِ. فقال: إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان في اللُّغةِ حَقِيقةً في الوَطْءِ فهو في عُرْفِ الشرْعِ للعَقْدِ- قاله الررْكَشِيُّ. وجزَم به الحَلْوانِيُّ، وأبو يعْلَى الصَّغيرُ. قاله في «الفُروعِ». قال الحَلْوانِيُّ: هو في الشَّريعَةِ عبارَةٌ عن العَقْدِ بأوْصافِه، وفي اللُّغَةِ عبارَةٌ عن الجَمْعِ؛ وهو الوَطْءُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: الصَّحيحُ أنَّه مَوْضِعٌ للجَمْعِ، وهو في الشَّرِيعةِ في العَقْدِ أظْهَرُ اسْتِكْمالًا، ولا نقولُ: إنه مَنْقولٌ. نقَلَه ابنُ خَطِيبِ السَّلاميَّةِ في تعْليقِه على «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ؛ وذلك لأنَّه أشْهَرُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وليس في الكِتاب لَفْظُ النِّكاحِ بمعْنى الوَطْءِ، إلَّا في قوْلِه تَعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ} (1). على المشْهُورِ. ولصِحَّةِ نفْيِه عنِ الوَطْءِ؛ فيُقالُ: هذا سِفاحٌ وليس بنِكاح. وصِحَّةُ النَّفْي دَليلُ المَجازِ. وقيل: هو حَقيقةٌ في الوَطْءِ، مَجازٌ في العَقْدِ. اخْتارَه القاضي في «أحْكامِ القُرْآنِ» ، و «شَرْحِ الخِرَقِيِّ» ، و «العُدَّةِ» (2)، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، وصاحِبُ «عُيونِ المَسائلِ» ، وأبو يعْلَى الصَّغِيرُ. قاله
(1) سورة البقرة 230.
(2)
في الأصل، ا:«العمدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّرْكَشِيُّ، وابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ، لِما تقدَّم عنِ الأزْهَرِيِّ وغُلامِ ثَعْلَبٍ. والأصْلُ عدَمُ النَّقْلِ. قال أبو الخَطَّابِ: وتحْريمُ مَن عقَد عليها الأبُ اسْتفَدْناه مِنَ الإِجْماعِ والسُّنَّةِ، وهو بالإِجْماعِ القَطْعِيِّ في الْجُمْلَةِ. وقيل: هو مُشْترَكٌ. يعْنِي أنَّه حَقِيقةٌ في كل واحدٍ منهما بانْفِرادِه. وعليه الأكْثَرُ. قال في «الفُروعِ» : والأشْهَرُ أنَّه مُشْترَكٌ. قال القاضي في «المُجَرَّدِ» : قاله الزَّرْكَشِيُّ، و «الجامِعِ الكَبِيرِ». قال ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ: الأشْبَهُ بأُصُولِنا ومذهبِنا أنَّه حَقيقةٌ في العَقدِ والوَطْءِ جميعًا في الشَّريعَةِ؛ لقَوْلِنا بتَحْريمِ مَوْطُوءَةِ الأبِ مِن غيرِ تزْويجٍ؛ لدُخولِها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قوْلِه تَعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (1). وذلك لوُرودِها في الكِتابِ العَزِيزِ. والأصْلُ، في الإِطْلاقِ الحقيقةُ. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ: قال أبو الحُسَينِ: النِّكاحُ عندَ أحمدَ حَقيقةٌ في الوَطْءِ والعَقْدِ جميعًا. وقاله أبو حَكِيمٍ. وجزَم به ناظمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وقيل: هو حَقيقةٌ فيهما معًا، فلا يُقالُ: هو حَقيقةٌ على أحَدِهما بانْفِرادِه. بل على مَجموعِهما، فهو مِنَ الألْفاظِ المُتَواطِئَةِ. قال ابنُ رَزِينٍ: والأشْبَهُ أنَّه حَقيقةٌ في كلِّ واحدٍ باعْتِبارِ مُطْلَقِ الضَّمِّ؛ لأنَّ التَّواطُؤ خيرٌ مِن الاشْتِراكِ والمَجازِ؛ لأنَّهما على خِلافِ الأصْلِ. انتهى. قال ابنُ هُبَيرَةَ: وقال مالِكٌ، وأحمدُ: هو ضَيقةٌ في العَقْدِ والوَطْءِ جميعًا، وليس أحدُهما أخَصَّ منه بالآخَرِ. انتهى. معِ أنَّ هذا اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ أنْ يُرِيدَ به الاشْتِراكَ. وقال في «الوَسِيلَةِ» كما قال ابنُ هُبَيرَة، وذكَر أنَّه عندَ أحمدَ كذلك. انتهى. والفَرْقُ بينَ الاشْتِراكِ والتَّواطُؤِ، أن الاشْتِراكَ يُقالُ على كلِّ واحدٍ منهما بانْفرادِه: حقيقةٌ. بخِلافِ المُتَواطِئ، فإنَّه لا يُقالُ: حَقيقةٌ. إلَّا عليهما
(1) سورة النساء 22.
النِّكَاحُ سُنَّةٌ.
ــ
مُجْتَمِعَين، لا غيرُ. والله أعلمُ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هو في الإِثْباتِ لهما، وفي النَّهْي لكُلِّ منهما؛ بِناءً على أنَّه إذا نُهِيَ عن شيءٍ نُهِيَ عن بعضِه، والأمْرُ به أمْرٌ بكُلِّه، في الكِتابِ والسُّنَّةِ والكلامِ، فإذا قيلَ مثَلًا: انْكِحِ ابنَةَ عَمِّك. كان المُرادُ العَقْدَ والوَطْءَ. وإذا قيل: لا تَنْكِحْها. تَناولَ كلَّ واحدٍ منهما. الثَّانيةُ، قال القاضي: المَعْقودُ عليه في النِّكاحِ المَنْفَعةُ. أي للانْتِفاعِ بها لا لمِلْكِها. وجزَم به في «الفُروعِ» . قال القاضي أبو الحُسَينِ في «فُروعِه» : والذي يقْتَضِيه مذهبُنا أنَّ المَعْقودَ عليه في النِّكاحِ مَنْفعَةُ الاسْتِمْتاعِ، وأنَّه في حُكْمِ مَنْفَعَةِ الاسْتِخْدامِ. قال صاحِبُ «الوَسيلَةِ»: المَعْقودُ عليه مَنْفَعَةُ الاسْتِمْتاعِ. وقال القاضي في «أحْكامِ القُرْآنِ» : المَعْقودُ عليه الحِلُّ لا مِلْكُ المَنْفعَةِ. وقال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثَّمانِين» : ترَدَّدَتْ عِباراتُ الأصحابِ في مَوْردِ عقْدِ النِّكاحِ؛ هل هو المِلْكُ أو الاسْتِباحَةُ؛ فمِن قائل: هو المِلْكُ. ثم ترَدَّدُوا؛ هل هو مِلْكُ مَنْفعَةِ البُضْعِ، أو مِلْكُ الانْتِفاعِ بها؟ وقيل: بل هو الحِل لا المِلْكُ. ولهذا يقَعُ الاسْتِمْتاعُ مِن جِهَةِ الزَّوْجَةِ، مع أنَّه لا مِلْكَ لها. وقيل: بل المَعْقودُ عليه الازْدِواجُ كالمُشارَكَةِ، ولهذا فرَّق اللهُ سبحانه وتعالى بينَ الازْدِواجِ ومِلْكِ اليَمِينَ. وإليه مَيلُ. الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ. فيَكونُ مِن بابِ المُشارَكاتِ لا المُعاوَضاتِ.
قوله: النِّكاحُ سُنَّةٌ. اعْلَمْ أنَّ للأصحابِ في ضَبْطِ أقْسامِ النِّكاحِ طُرُقًا، أشْهَرُها وأصَحُّها أنَّ النَّاسَ في النِّكاحِ على ثَلاثَةِ أقْسامٍ؛ القِسْمُ الأوَّلُ، مَن له شَهْوَةٌ ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يخافُ الزِّنَى. فهذا النِّكاحُ في حَقِّه مُسْتَحَبٌّ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّوايتَين. قال الشَّارِحُ وغيرُه: هذا المَشْهورُ في المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، أنَّه واجِبٌ على الإطْلاقِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وأبو حَفْصٍ البَرْمَكِيُّ، وابنُ أبِي مُوسى. وقدَّمه ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،. و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وحمَل القاضي الرِّوايَةَ الثَّانيةَ على مَن يخْشَى على نفْسِه مُواقعَةَ المَحْظُورِ بتَرْكِ النِّكاحِ.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّه لا فَرْقَ في ذلك بينَ الغَنيِّ والفَقيرِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. نصَّ عليه. نقَل صالِحٌ، يقْتَرِضُ ويتَزوَّجُ. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». قال الآمِدِي: يُسْتَحَبُّ في حقِّ الغَنِيِّ والفَقيرِ، والعاجِزِ والواجِدِ، والراغِبِ والزَّاهِدِ، فإن أحمدَ تزَوَّجَ وهو لا يجِدُ القُوتَ. وقيل: لا يَتَزَوَّجُ فقيرٌ إلَّا عندَ الضَّرُورَةِ. وقيَّده ابنُ رَزِينٍ في «مُخْتَصَرِه» بمُوسِرٍ. وجزَم به في «النَّظْمِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ في هذه الأزْمِنَةِ. واخْتارَه صاحِبُ «المُبْهِجِ» ، ويأْتِي كلامُه في تَعْدادِ الطُرُقِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فيه نِزاعٌ في مذهبِ أحمدَ وغيرِه. القِسْمُ الثَّاني، مَن ليس له شَهْوَةٌ كالعِنِّينِ، ومَن ذهَبَتْ شَهْوَتُه؛ لمَرَضٍ أو كِبَرٍ أو غيرِه. فعُمومُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا أنَّه سُنَّةٌ في حقِّه أيضًا. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم،
وَالاشْتِغَالُ بِهِ أفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، إلا أنْ يَخَافَ عَلَى
ــ
وهو إحْدَى الروايتَين، أو الوَجْهَين. واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» في بابِ الطلاقِ، و «الخِصالِ» ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «البُلْغةِ» وغيرِه. والقوْلُ الثَّانِي، هو في حقِّهم مُباحٌ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، في بابِ النِّكاحِ، وابنُ عَقِيل في «التَّذْكِرَةِ» ، وابنُ البَنَّا، وابنُ بَطَّةَ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ». وجزَم به في «المُنَوِّرِ». قال في «مُنْتَخبِه»: يُسَنُّ للتَّائقِ. وأطْلَقَهما في «المُغنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يُكْرَهُ. وما هو ببَعيدٍ في هذه الأزْمِنَةِ. وحُكِيَ عنه، يجبُ. وهو وَجْهٌ في «التَّرْغِيبِ». قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كلامُ صاحبِ «المُحَرَّرِ» يدُلُّ على أنَّ رِوايَةَ وُجوبِ النِّكاحِ مُنْتَفِيَةٌ في حقِّ مَن لا شَهْوَةَ له. وكذلك قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والأكْثَرُون. ومِنَ الأصحابِ مَن طرَد فيه رِوايَةَ الوُجوبِ أيضًا. نقلَه صاحِبُ «التَّرْغِيبِ» . وهو مُقْتَضَى إطْلاقِ الأكْثَرَين. ويأْتِي التَّنْبِيهُ على ذلك في تَعْدادِ الطُّرُقِ. القِسْمُ الثالثُ، مَن خافَ العنَتَ. فالنِّكاحُ في حقِّ هذا واجِبٌ قوْلًا واحدًا. إلَّا أنَّ ابنَ عَقِيلٍ ذكَر رِوايةً، أنَّه غيرُ واجِبٍ. ويأْتي كلامُه في تَعْدادِ الطُّرُقِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولعَلَّه أرادَ بخَوْفِ العَنَتِ خَوْفَ المَرَضِ أو المَشَقَّةِ، لا خَوْفَ الزِّنَى، فإنَّ العَنَتَ يُفَسَّرُ بكُلِّ واحدٍ مِن هذه.
تنبيهات؛ أحدُها، العَنَتُ هنا هو الزِّنَى، على الصَّحيحِ. وقيل: هو الهَلاكُ بالزِّنَى. ذكَرَه في «المُسْتَوْعِبِ» . الثَّاني، مُرادُه بقوْلِه: إلَّا أنْ يَخافَ على نفسِه
نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ عَلَيهِ.
ــ
مُواقَعَةَ المَحْظورِ. إذا عَلِمَ وُقوعَ ذلك أو ظَنَّه. قاله. الأصحابُ. وقال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعَ» : ويتوَجَّه، إذا عَلِمَ وُقوعَه فقط. الثَّالثُ، هذه الأقْسامُ الثَّلاثَةُ هي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحُّ الطُّرُقِ، وهي طَريقَةُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وغيرِهما. قال الزَّرْكَشِيُّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هي الطَّريقَةُ المَشْهورَةُ. وقال ابنُ شَيخِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه» على «المُحَرَّرِ» :
وَعَنْهُ، أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الإطْلَاقِ.
ــ
ذكَر غيرُ واحدٍ مِن أصحابِنا في وُجوبِ النِّكاحِ رِوايتَين، واخْتَلفُوا في محَلِّ الوُجوبِ؛ فمنهم مَن أطْلَقه ولم يُقَيِّدْه بحالٍ. وهذه طريقَةُ أبِي بَكْرٍ، وأبِي حَفصٍ، وابنِ الزَّاغُونِيِّ. قال في «مُفْرَداتِه»: النِّكاحُ واجِبٌ، في إحْدَى الرِّوايتَين. وكذلك أطْلَقه القاضي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في «مُفْرَداتِه» ، وأبو الحُسَينِ، وصاحِبُ «الوَسِيلَةِ» . وقد وقَع ذلك في كلامِ أحمدَ، لمَّا سُئِلَ عن التَّزْويجِ فقال: أراه واجِبًا. وأشارَ إلى هذا أبو البَرَكاتِ؛ حيثُ قال: وعنه، الوُجوبُ مُطْلَقًا. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وصاحِبِ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. قلتُ: وهو ضعيفٌ جدًّا في مَن لا شَهْوَةَ له. قال: ومنهم مَن خصَّ الوُجوبَ بمَن يجِدُ الطَّوْلَ ويخافُ العَنَتَ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : فهذا يجبُ عليه النِّكاحُ، رِوايَةً واحدَةً. وكذا قال في «التَّرْغيبِ» ، وابنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجَوْزِيِّ، وأبو البَرَكاتِ. وعليها حمَل القاضي إطْلاقَ أحمدَ، وأبِي بَكْرٍ. قلتُ: وقيَّده ابنُ عَقِيل بذلك أيضًا، وأنَّ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ قال: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ والأكْثَرِين أنَّ ذلك غيرُ مُعْتَبَرٍ. واخْتارَ ابنُ حامِدٍ عدَمَ الوُجوبِ حتى في هذه الحالةِ. قلتُ: الذي يظْهَرُ أنّ هذا خَطَأٌ مِنَ النَّاقِلِ عنه. ومِن أصحابِنا مَن أجْرَى الخِلافَ فيه، فحكَى ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» -في وُجوبِ النِّكاحِ على مَن يخافُ العَنَتَ ويجدُ الطَّوْلَ- رِوايتَين. ومنهم مَن جعَل محَلَّ الوُجوبِ في الصُّورَةِ الأُوْلَى وهذه الصُّورَةِ. ومنهم مَن جعَل الخِلافَ في الصُّورَةِ الثَّانيةِ، وهو مَن يجدُ الطَّوْلَ ولا يخافُ العَنَتَ، و [له شَهْوَةٌ](1). فههنا جعل محَلَّ الخِلافِ غيرُ واحدٍ، وحَكَوْا فيه رِوايتَين. وهذه طريقَةُ القاضي، وأبي البَرَكاتِ. وقطَع الشّيخُ مُوَفَّقُ الدِّين بعَدَمِ الوُجوب مِن غيرِ خِلافٍ، وكذلك القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» . واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. قالُوا (2): ويدُلُّ على رُجْحانِها في المذهبِ أنَّ أحمدَ لم يتزَوَّجْ حتى صارَ له أرْبَعُون سَنَةً، مع أنَّه كان له شَهْوَةٌ. ومنهم مَن جعَل محَلَّ الوُجوبِ في الصُّورَتَين المُتقَدِّمتَين، وفي صُورَةٍ ثالثةٍ؛ وهو مَن يجدُ الطَّوْلَ ولا شهْوةَ له. حكاه في «التَّرْغِيبِ». قال أبو العَبَّاسِ: وكلامُ القاضي وتَعْليلُه يقْتَضِي أنَّ الخِلافَ في الوُجوبِ ثابِت، وإنْ لم يكُنْ له شَهْوَةٌ. ومنهم مَن جعَل محَلَّ الوُجوبِ القُدْرَةَ على النَّفَقَةِ والصَّداقِ. قال في «المُبْهِجِ»: النِّكاحُ مُسْتحَبٌّ، وهل هو واجِب أمْ لا؟ يُنْظَرُ فيه؛ فإنْ كان فقِيرًا لا يقْدِرُ على الصَّداقِ، ولا على ما يقُومُ بأَوَدِ الزَّوْجَةِ، لم يجِبْ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِوايَةً واحِدةً. وإنْ كان قادِرًا مُسْتَطِيعًا، ففيه رِوايَتان؛ لا يجِبُ. وهي المَنْصورَةُ. والوُجوبُ. قال: قلتُ: ونازَعَه في ذلك كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. ومنهم مَن أضافَ قيدًا آخَرَ، فجَعل الوُجوبَ مُخْتَصًّا بالقُدْرَةِ على نِكاحِ الحُرَّةِ. قال أبو العَبَّاسِ: إِذا خَشِيَ العَنَتَ جازَ له التَّزَوُّجُ بالأَمَةِ، مع أنَّ تَرْكَه أفْضَلُ، أو مع الكَراهَةِ وهو يخافُ العَنَتَ، فيكونُ الوُجوبُ مَشْروطًا بالقُدْرَةِ على نِكاحِ الحُرَّةِ. قلتُ: قدَّم في «الفُروعِ» أنَّه لا يجِبُ عليه نِكاحُ الحُرَّةِ. قال القاضي، وابنُ الجَوْزِيِّ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم: يُباحُ ذلك، والصبْرُ عنه أوْلَى. وقال في «الفُصول»: في وُجوبِه خِلافٌ. واخْتارَ أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ الوُجوبَ. قلتُ: الصَّوابُ أَنَّه يجِبُ إِذا لم يجِدْ حُرَّةً. ومنهم مَن جعَل الوُجوبَ مِن باب وُجوبِ الكِفايَةِ لا العَينِ. قال أبو العَبَّاسِ: ذكَر أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ، في ضِمْنِ مَسْأَلَةِ التَّخَلِّي لنَوافِلِ العِبادَةِ: إِنَّا إذا لم نُوجِبْه على كلِّ أحَدٍ، فهو فَرْضٌ على الكِفايَةِ. قلتُ: وذكَر أبو الفَتْحِ ابنُ المَنِّيِّ أيضًا أن النِّكاحَ فَرْضُ كِفايَةٍ، فكان الاشْتِغالُ به أوْلَى كالجِهادِ. قال: وكان القِياسُ يقْتَضِي وُجوبَه على الأعْيانِ، ترَكْنَاه للحَرَجِ والمَشَقَّةِ. انتهى. وانتهى كلامُ ابنِ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ مع ما زِدْنا عليه فيه.
فوائد؛ الأُولَى، حيثُ قُلْنا بالوُجوبِ، فإنَّ المَرْأةَ كالرَّجُلِ في ذلك. أشارَ إليه أبو الحُسَينِ، وأبو حَكيم النَّهْرَوانِي، وصاحِبُ «الوَسِيلةِ» . قاله ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ. الثَّانيةُ، على القَوْلِ بالوُجوبِ، لا يكْتَفِي بمَرَّةٍ واحِدَةٍ في العُمُرِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ في «النُّكَتِ»: جُمْهورُ الأصحابِ أنه لا يَكْتَفِي بمَرَّةٍ واحِدَةٍ، بل يكونُ النِّكاحُ في مَجْموعِ العُمُرِ؛ لقوْلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ: ليستِ العُزوبَةُ في شيءٍ مِن أمْرِ الإسلامِ. وقدَّم في «الفُروعِ» أنَّه لا يَكْتَفِي بمَرَّةٍ واحِدَةٍ. وقال أبو الحُسَينِ في «فُرُوعِه» : إذا قُلْنا بالوُجوبِ، فهل يسْقُطُ الأَمْرُ به في حقِّ الرجُلِ والمَرْأةِ بمَرَّةٍ واحِدَةٍ، أمْ لا؟ ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّه لا يسْقُطُ؛ لقَوْلِ أحمدَ في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ: ليستِ العُزوبَةُ مِنَ الإسلامِ. وهذا الاسمُ لا يزُولُ بمَرَّةٍ. وكذا قاله صاحِبُ «الوَسيلَةِ» ، وأبو حَكِيم النَّهْرَوانِيُّ. وفي «المُذْهَبِ» لابنِ الجَوْزِيِّ وغيرِه، يُكْتَفَى بالمَرَّةِ الواحِدَةِ لرَجُلٍ وامْرأَةٍ. وجزَم به في «عُيونِ المَسائلِ» ، وقال: هذا على رِوايَةِ وُجوبِه. ونقَل ابنُ الحَكَمِ، أنَّ أحمدَ قال: المُتَبتِّلُ الذي لم يَتزَوَّجْ قطُّ. قلتُ: ويَنْبَغِي أنْ يتمَشَّى هذا الخِلافُ على القوْلِ بالاسْتِحبابِ أيضًا. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الفُروعِ» ، بخِلافِ صاحِبِ «النُّكَتِ» . الثَّالثةُ، وعلى القولِ بوُجوبِه، إذا زاحَمَه الحَجُّ الواجِبُ؛ فقد تقدَّم لو خافَ العَنَتَ مَن وجَب عليه الحَجُّ، في كِتابِ الحَجِّ، وذكَرْنا هناك الحُكْمَ والتَّفْصِيلَ، فليُراجَعْ. الرَّابعةُ، في الاكْتِفاءِ بالعَقْدِ اسْتِغْناءً بالباعِثِ الطَّبْعِيِّ عنِ الشَّرْعِيِّ، وَجْهان. ذكَرَهما في «الواضِحِ» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». قال ابنُ عَقِيلٍ في «المُفْرَداتِ»: قِياسُ المذهبِ عندِي يقْتَضِي إيجابَه شَرْعًا، كما يجبُ على المُضْطَرِّ تمَلُّكُ الطَّعامِ والشَّرابِ وتَناوُلُهما. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه على المُحَرَّرِ»: وحيثُ قُلْنا بالوُجوبِ، فالواجِبُ هو العَقْدُ. وأمَّا نَفْسُ الاسْتِمْتاعِ، فقال القاضي: لا يجِبُ، بل يُكْتَفَى فيه بداعِيَةِ الوَطْءِ. وحيثُ أوْجَبْنا الوَطْءَ، فإنَّما هو لإِيفاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ لا غيرُ. انتهى. الخامسةُ، ما قاله أبو الحُسَينِ: هل يَكْتَفِي عنه بالتَّسَرِّي؟ فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهان. وتابعَه في «الفُروعِ» . وأطْلَقهما في «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». قال ابنُ أبي المَجْدِ في «مُصَنَّفِه»: ويُجْزِيء عنه التَّسَرِّي في الأصحِّ قال في «القَواعِدِ الأُصولِيَّةِ» : والذي يظهَرُ الاكْتِفاءُ. [قال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حواشِي الزَّرْكَشِيِّ»: أصحُّهما، لا ينْدَفِعُ. فليتَزوَّجْ. فأمَرَ بالتَّزوُّجِ](1). وقال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ: فيه احْتِمالان، ذكَرَهما ابنُ عَقِيلٍ في «المُفْرَداتِ» ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ. ثم قال: ويشْهَدُ لسُقوطِ النِّكاحِ قوْلُه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} (2). انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال بعضُ الأصحابِ: الأظهَرُ أن الوُجوبَ يسْقُطُ مع خَوْفِ العَنَتِ، وإنْ لم يسْقُطْ مع غيرِه. السَّادسةُ، على القولِ باسْتِحْبابِه، هل يجِبُ بأمْرِ الأبوَين، أو بأمْرِ أحَدِهما به؟ قال أحمدُ، في رِوايَةِ صالحٍ وأبي داودَ: إنْ كان له أبَوانِ يأمُرَانِه بالتَّزْويجِ أمَرْتُه أنْ يتَزَوَّجَ، أو كان شابًّا يخاف على نفْسِه العَنَتَ أمَرْتُه أنْ يتزَوَّجَ. فجَعل أمْرَ الأبوَين له بذلك بمَنْزِلَةِ خَوْفِه على نفْسِه العَنَتَ. وقال أحمدُ: والذي يحْلِفُ بالطَّلاقِ؛ لا يتزَوَّجُ أبدًا، إنْ أمرَه أبُوه تزَوَّجَ. السَّابعةُ، وعلى القوْلِ أيضًا بعدَمِ وُجوبِه، هل يجِبُ بالنَّذْرِ؟ صرَّح أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في «مُفْرَداتِه» أنَّه يَلْزَمُه بالنَّذْرِ. قلتُ: وهو داخِلٌ في عُموماتِ كلامِهم في نَذْرِ التَّبَرُّرِ. الثَّامِنةُ، يجوزُ له النِّكاحُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة النساء 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بدارِ الحَرْبِ للضَّرُورَةِ، على الصَّحيحِ كِل مِنَ المذهبِ. ونقَل ابنُ هانِئٍ، لا يتزَوَّجُ وإنْ خافَ، وإنْ لم تكُنْ به ضَرُورَةٌ للنِّكاحِ فليس له ذلك، على الصَّحيحِ. وقال ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه»: ليس له النِّكاحُ، سواءٌ كان به ضَرُورَةٌ أوْ لا؟ قال الزَّرْكَشِيُّ: فعلى تعْليلِ أحمدَ، لا يتزَوَّجُ ولا مسْلِمَةً. ونصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبَلٍ. ولا يطَأُ زوْجتَه إنْ كانتْ معه. ونصَّ عليه في رِوايَةِ الأَثْرَمِ وغيرِه. وعلى مُقْتَضَى تعْلِيلِه، له أنْ يتَزوَّجَ آيِسَةً أو صغيرَةً؛ فإنه علَّلَ، وقال: مِن أجْلِ (1) الوَلَدِ؛ لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ. وقال في «المُغْنِي» (2)، في آخِرِ الجِهادِ: وأمَّا الأسِيرُ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لا يحِلُّ له التَّزَوُّجُ ما دامَ أسِيرًا. وأمَّا الذي يدْخُلُ إليهم بأمانٍ؛ كالتَّاجِرِ ونحوه، فلا ينْبَغِي له التَّزَوُّجُ. فإنْ غَلبَتْ عليه الشَّهْوَةُ أُبِيحَ له نِكاحُ مُسْلِمَةٍ، ولْيَعْزِلْ عنها، ولا يتَزَوَّجُ منهم. انتهى. وقيل: يُباحُ له النِّكَاحُ مع عدَمِ الضَّرُورَةِ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، فقال: وله النِّكاحُ بدارِ حَرْبٍ ضَرُورَةً، وبدُونِها وَجْهان. وكَرِهَه أحمدُ، وقال: لا يتزَوَّجُ ولا يتَسَرَّى إلَّا أنْ يُخافَ عليه. وقال أيضًا: ولا يطْلُبُ الوَلَدَ. ويأْتِي، هل يُباحُ نِكاحُ الحَرْبِيَّاتِ، أم لا؟ في بابِ المُحَرَّماتِ في النِّكاحِ.
تنبيه: حيثُ حَرُمَ نِكاحُه بلا ضَرُورَةٍ وفعَل، وجَب عزْلُه، وإلَّا اسْتُحِبَّ عزْلُه. ذكَرَه في «الفُصولِ». قلتُ: فيُعايىَ بها.
قوله: والاشْتِغالُ به أفضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لنَوافِلِ العِبادَةِ. يعْنِي حيثُ قُلْنا: يُسْتَحَبُّ. وكان له شَهْوَةٌ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا. نصَّ عليه، وعليه جماهِيرُ
(1) في ط: «خذ» .
(2)
المغني 13/ 148.
وَيُسْتَحَبُّ تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ، الْوَلُودِ، الْبِكْرِ، الْحَسِيبَةِ، الْأَجْنَبِيَّةِ.
ــ
الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لا يكونُ أفْضَلَ مِنَ التَّخَلِّي إلا إذا قصَد به المَصالِحَ المَعْلومَةَ، أمَّا إذا لم يقْصِدْها فلا يكونُ أفْضَلَ. وعنه، التَّخَلِّي لنَوافِلِ العِبادَةِ أفْضَلُ، كما لو كان معْدومَ الشَّهْوَةِ. حكاها أبو الحُسَينِ في «التَّمامِ» ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ. واخْتارَها ابنُ عَقِيلٍ في «المُفْرَداتِ» . وهي احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» ، ومَن تابَعَه. وذكَر أبو الفَتْحِ ابنُ المَنِّيِّ، أنَّ النِّكاحَ فَرْضُ كِفايَةٍ، فكان الاشْتِغالُ به أوْلَى كالجِهادِ. كما تقدَّم.
قوله: ويُسْتَحَبُّ تَخَيُّرُ ذاتِ الدِّينِ، الوَلُودِ، البِكْرِ، الحَسِيبَةِ، الأجْنَبِيَّةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلا نِزاعٍ. ويُسْتَحَبُّ أيضًا أنْ لا يزيدَ على واحِدَةٍ إنْ حصَل بها الإعْفافُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «الفائقِ»: والأوْلَى أنْ لا يزيدَ على نِكاحِ واحِدَةٍ. قال النَّاظِمُ: وواحِدَةٌ أقْرَبُ إلى العَدْلِ. قال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«تَجْرِيدِ العِنايَةِ» : هذا الأشْهَر. قال ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ: جُمْهورُ الأصحابِ اسْتحَبُّوا أنْ لا يزيدَ على واحِدَةٍ. قال ابن الجَوْزِيِّ: إلَّا أنْ لا تُعِفَّه واحِدَةٌ. انتهى.
وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرأَةٍ النَّظرُ إِلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيرِ خَلْوَةٍ بِهَا. وَعَنْهُ، لَهُ النَّظرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا؛ كَالرَّقَبَةِ، وَالْيَدَينِ، وَالْقَدَمَينِ.
ــ
وقيل: المُسْتَحَبُّ اثْنَتان كما لو لم تُعِفَّه. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ فإنَّه قال: يقْتَرِضُ ويتزَوَّجُ، لَيتَه إذا تزَوَّجَ اثْنتَين يُفْلِتُ. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ عَقِيلٍ في «مُفْرَداتِه». قال ابنُ رَزِينٍ في «النِّهايَةِ»: يُسْتَحَبُّ أنْ يزيدَ على واحِدَةٍ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» .
قوله: ويجوزُ لمَن أرادَ خِطْبَةَ امْرَأةٍ النَّظَرُ. هذا المذهبُ. أعْنِي أنَّه يُباحُ. جزَم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ». وقيل: يُسْتَحَبُّ له النَّظَرُ. جزَم به أبو (1) الفَتْحِ الحَلْوانِيُّ، وابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «التَّرْغِيبِ» ، وغيرُهم. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وجعَلَه ابنُ عَقِيلٍ وابنُ الجَوْزِيِّ مُسْتَحَبًّا، وهو ظاهِرُ الحديثِ. فزادَ ابنَ الجَوْزِيِّ. [قال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: يُسَنُّ إجْماعًا. كذا قال] (2). وأطْلَقَ الوَجْهَين ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال: قلتُ: ويتعَيَّنُ تقْيِيدُ ذلك بمَن إذا خطَبَها غلَب على ظَنِّه إجابَتُه إلى نِكاحِها. وقاله ابنُ رَجَبٍ في «تَعْليقِه» على «المُحَرَّرِ» . ذكَرَه عنه في «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلتُ: وهو كما قال، وهو مُرادُ الإمامِ والأصحابِ قَطْعًا.
قوله: النَّظَرُ إلى وَجْهِها -يعْنِي فقط- مِن غيرِ خَلْوَةٍ بها. هذا إحْدَى الرِّواياتِ عن أحمدَ. جزَم به في «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: هذا أصحُّ الرِّوايتَين. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: صحَّحَها القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ. وهو مِن مُفْرداتِ المذهبِ. وعنه، له النَّظَرُ إلى ما يَظْهَرُ غالبًا؛ كالرَّقَبَةِ واليَدَين والقدَمَين. وهو المذهبُ. قال في «تَجْرِيدِ العنايَةِ»: هذا الأصحُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونَصَره النَّاظِمُ. وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وحمَل كلامَ الخِرَقِيِّ وأبي بَكْرٍ الآتِيَ على ذلك. وجزَم به في «العُمْدَةِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وأطْلَقَهما في «الكافِي». وقيل: له النَّظَرُ إلى الرَّقَبَةِ والقدَمِ والرَّأْسِ والسَّاقِ. وعنه، له النَّظَرُ إلى الوَجْهِ والكَفَّين فقط. حكاها ابنُ عَقِيلٍ. وحكاه بعضُهم قَوْلًا؛ بِناءً على أنَّ اليَدَين ليستا مِنَ العَوْرَةِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهي اخْتِيارُ مَن زعَم ذلك. قال القاضي في «التَّعْليقِ» : المذهبُ المَعْمولُ عليه، المَنْعُ مِنَ النَّظَرِ إلى ما هو عَوْرَةٌ ونحوه. قال الشَّريفُ وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما»: وجوَّز أبو بَكْرٍ النَّظَرَ إليها في حالِ كَوْنِها حاسِرَةً. وحكَى ابنُ عَقِيل رِوايَةً بأنَّ له النَّظَرَ إلى ما عَدا العَوْرَةَ المُغَلَّظَةَ. ذكَرَها في «المُفْرَداتِ» . والعَوْرَةُ المُغَلَّظَةُ هي الفَرْجانِ. وهذا مَشْهورٌ عن داودَ الظَّاهِرِيِّ.
تنبيه: حيثُ أبَحْنا له النَّظَرَ إلى شيءٍ مِن بدَنِها، فله تَكْرارُ النَّظَرِ إليه وتأمُّلُ المحَاسِنِ، كلُّ ذلك إذا أمِنَ الشَّهْوَةَ. قيَّده بذلك الأصحابُ.
تنبيهٌ آخَرُ: مُقْتَضى قوْلِه: ويجوزُ لمَن أرادَ خِطبَةَ امْرَأَةٍ. أنَّ مَحَلَّ النَّظَرِ قبلَ
وَلَهُ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ، وَإلَى الرَّأْسِ وَالسَّاقَينِ مِنَ الأَمَةِ المُسْتَامَةِ وَمِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَنْظُرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، إلا الْوَجْهَ وَالْكَفَّينِ.
ــ
الخِطْبَةِ. وهو صحيحٌ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ النَّظَرُ بعدَ العَزْمِ على نِكاحِها، وقبلَ الخِطْبَةِ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال الإمامُ أحمدُ: إذا خطَب رَجُلٌ امْرَأَةً، سألَ عن جَمالِها أوَّلًا، فإن حُمِدَ سأَلَ عن دِينِها، فإنْ حُمِدَ تزَوَّجَ، وإنْ لم يُحْمَدْ يكونُ ردُّه لأجْلِ الدِّينِ. ولا يَسْألُ أوّلًا عنِ الدِّينِ، فإنْ حُمِدَ سأل عنِ الجَمالِ، فإنْ لم يُحْمَدْ ردَّها، فيكونَ ردُّه للجَمالِ لا للدِّينِ. الثَّانيةُ، قال ابنُ الجَوْزِيِّ: ومَنِ ابْتُلِيَ بالهَوَى فأرادَ التَّزَوُّجَ، فليَجْتَهِدْ في نِكاحِ التي ابْتُلِيَ بها، إنْ صحَّ ذلك وجازَ، وإلَّا فليتَخَيَّرْ ما يظُنُّه مثلَها.
قوله: وله النَّظَرُ إلى ذلك، وإلى الرَّأْسِ والسَّاقَين مِنَ الأَمَةِ المُسْتامَةِ. يعْنِي له النَّظرُ إلى ما يَظْهَرُ غالبًا، وإلى الرَّأْسِ والسَّاقَين منها. وهو المذهبُ. جزَم به
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وعنه، ينْظُرُ سِوَى عَوْرَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّلاةِ. جزَم به في «الكافِي» ، فقال: ويجوزُ لمَن أرادَ شِراءَ جارِيَةٍ النَّظَرُ منها إلى ما عدا عَوْرَتَها. وقيل: ينْظُرُ غيرَ ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ. قال النَّاظِمُ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا المُقَدَّمُ. وقيل: حُكْمُها في النَّظرِ كالمَخْطُوبَةِ. ونقَل حَنْبَلٌ، لا بأْسَ أنْ يُقَلِّبَها إذا أرادَ شِراءَها مِن فوقِ ثِيابِها؛ لأنَّها لا حُرْمَةَ لها. قال القاضي: أجازَ تَقْلِيبَ الظَّهْرِ والصَّدرِ، بمَعْنى لمْسِه مِن فوقِ الثِّيابِ.
قوله: وَمِن ذَواتِ مَحارِمِه. يعْنِي يجوزُ له النَّظرُ مِن ذَواتِ مَحارِمِه إلى ما لا يَظْهَرُ غالبًا، وإلى الرَّأْسِ والسَّاقين. وهذا المذهبُ، وعليه أكثَرُ الأصحابِ. واعْلمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ حُكْم ذَواتِ مَحارِمِه حُكْمُ الأَمةِ المُسْتامَةِ في النَّظَرِ، خِلافًا ومذهبًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقطَع به الأكثرُ. وعنه، لا ينْظُرُ مِن ذَواتِ مَحارِمِه إلى غيرِ الوَجْهِ. ذكَرَها في «الرِّعايَةِ» وغيرِها. وعنه، لا ينْظُرُ منهُنَ إلَّا إلى الوَجْهِ والكَفَّين.
وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إِلَيهِمَا مِنْ مَوْلَاتِهِ.
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، حُكْمُ المَرْأةِ في النَّظَرِ إلى مَحارِمِها حُكْمُهم في النَّظرَ إليها. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. الثَّانيةُ، ذَواتُ مَحارِمِه؛ مَن يحْرُمُ نِكاحُها عليه على التَّأْبِيدِ بنَسَبٍ أو سَبَبٍ مُباحٍ، فلا ينْظُرُ إلى أُمِّ المَزْنِيِّ بها، ولا إلى ابْنَتِها، ولا إلى بِنْتِ المَوْطُوءَةِ بشُبْهَةٍ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم.
قوله: وللعَبْدِ النَّظرُ إليهما مِن مَوْلاتِه. يعْنِي إلى الوَجْهِ والكَفَّين. هذا أحدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَوْلَين. وجَزَم به في «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أن للعَبْدِ النَّظَرَ مِن مَوْلاتِه إلى ما ينْظرُ إليه الرَّجُلُ مِن ذَواتِ مَحارِمِه، على ما تقدَّم خِلافًا ومذهبًا. قدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به في «الكافِي» . وعنه، المَنْعُ مِنَ النَّظَرِ للعَبْدِ مُطْلَقًا. نقَلَه ابنُ هانِئٍ. وهو قوْلٌ في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال الشَّارِحُ: وهو قوْلُ بعضِ أصحابِنا، وما هو ببعيدٍ.
فائدة: قال في «الفُروعِ» : وظاهِرُ كلامِهم، لا ينْظُرُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ، ولا ينْظُرُ الرجُلُ أَمَةً مُشْتَرَكَةً؛ لعُمومِ مَنْعِ النَّظَرِ، إلَّا مِن عَبْدِها وأَمَتِه. انتهى. وقال
وَلِغَيرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ، كَالْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ وَنَحْوهِمَا، النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ. وَعَنْهُ، لَا يُبَاحُ.
ــ
بعضُ الأصحابِ: للعَبْدِ المُشْتَرَكِ بينَ النِّساءِ النَّظَرُ إلى جَمِيعِهِنَّ؛ لوُجودِ الحاجَةِ بالنسْبَةِ إلى الجميعِ. وجزَم به في «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، فقال: ولعَبْدٍ، ولو مُبَعَّضًا، نَظَرُ وَجْهِ سيِّدتِه (1) وكَفَّيها. وذكَر المُصَنِّفُ في «فَتاويه» أنَّه يجوزُ لهُنَّ جميعِهنَّ النَّظَرُ إليه، لحاجَتِهِنَّ إلى ذلك، بخِلافِ الأمَةِ المُشْترَكَةِ بينَ رِجالٍ، ليس لأحَدٍ منهم النَّظَرُ إلى عَوْرَتِها.
قوله: ولغيرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ، كالكَبِيرِ والعِنِّينِ ونحوهما، النَّظَرُ إلى
(1) في الأصل، ط:«سيدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك. يعْنِي إلى الوَجْهِ والكَفَّين. وهذا أحدُ الوَجْهَين. صحَّحَه في «النَّظْمِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ». وقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمُهم حكمُ العَبْدِ مع سيِّدَتِه في النَّظرَ. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» . قال في «الكافِي» ، و «المُغْنِي»: حُكْمُهم حُكْمُ ذِي المَحْرَمِ في النَّظَرِ. وقطَع به. وقيل: لا يُباحُ لهم النَّظَرُ مُطْلَقًا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وكثيرٍ مِنَ الأصحابِ، أنَّ الخَصِيَّ والمَجْبُوبَ لا يجوزُ لهما النَّظَرُ إلى الأجْنَبِيَّةِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قال الأثْرَمُ: اسْتَعْظَمَ الإمامُ أحمدُ إدْخال الخِصْيانِ على النِّساءِ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». قال ابنُ عَقِيلٍ: لا تُباحُ خَلْوَةُ النِّساءِ بالخِصْيانِ ولا بالمَجْبُوبِين، لأنَّ العُضْوَ وإنْ تعَطَّلَ أو عُدِمَ، فشَهْوَةُ الرِّجالِ لا تزُولُ مِن قُلُوبِهم، ولا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بالقُبَلِ وغيرِها، وكذلك لا يُباحُ خَلْوَةُ الفَحْلِ بالرَّتْقاءِ مِنَ النِّساءِ لهذه العِلَّةِ. انتهى. وقيل: هما كذِي مَحْرَمٍ. وهو احْتِمالٌ في
وَلِلشَّاهِدِ وَالْمُبْتَاعِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيهَا وَمَنْ تُعَامِلُهُ.
ــ
«الهِدايَةِ» . قال في «الفُروعِ» : ونصُّه: لا. وقال في «الانْتِصارِ» : الخِصَى يَكْسِرُ النَّشاطَ؛ ولهذا يُؤْمَنُ على الحُرَمِ.
قوله: وللشَّاهِدِ والمُبْتاعِ النَّظَرُ إلى وَجْهِ المَشْهُودِ عليها ومَن تُعامِلُه. هذا أحدُ الوَجْهَينِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. والمَنْصوصُ عن أحمدَ أنَّه ينْظُرُ إلى وَجْهِها وكفَّيها، إذا كانتْ تُعامِلُه. وذكَر ابنُ رَزِينٍ أنَّ الشَّاهِدَ والمُبْتاعَ ينْظُرانِ إلى ما يَظْهَرُ غالبًا.
فائدة: أَلَحَقَ في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» المُسْتَأْجِرَ بالشَّاهِدِ والمُبْتاعِ. زادَ في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» المُؤجِرَ والبائعَ. ونقَل حَرْبٌ ومحمدُ بنُ أبِي حَرْبٍ، في البائعِ ينْظُرُ كَفَّها ووَجهَها: إنْ كانتْ عجُوزًا رَجَوْتُ، وإنْ كانتْ شابَّةً تشتَهَى أكْرَهُ ذلك.
وَلِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَة إِلَى نَظَرِهِ.
وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ غَيرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ.
ــ
تنبيه: إباحَةُ نَظرَ هؤلاءِ مُقَيَّدٌ بحاجَتِهما.
فائدة: مَنِ ابْتُلِيَ بخِدْمَةِ مَرِيضٍ أومَرِيضَةٍ؛ في وُضوءٍ أو اسْتِنْجاءٍ أو غيرِهما، فحُكْمُه حُكْمُ الطَّبِيبِ في النَّظَرِ والمَسِّ. نصَّ عليه. وكذا لو حلَق عانَةَ مَن لا يُحْسِنُ حَلْقَ عانَتِه. نصَّ عليه. وقاله أبو الوَفاءِ، وأبو يعْلَى الصَّغِيرُ.
قوله: وللصَّبِيِّ المُمَيِّزِ غيرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إلى ما فوقَ السُّرَّةِ وتحتَ الرُّكْبَةِ.
فَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَهُوَ كَذِي الْمَحْرَمِ. وَعَنْهُ، أنَّهُ كالأجْنَبِيِّ.
ــ
هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، هو كالمَحْرَمِ. وأطْلَقَ في «الكافِي» ، في المُمَيِّز (1) رِوايتَين.
قوله: فإنْ كان ذا شَهْوَةٍ فهو كذِي المَحْرَمِ. وهو المذهبُ. اخْتارَه ابنُ
(1) في ط، ا:«الميزة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، أنَّه كالأجْنَبِيِّ. وأطْلَقهما في «الكافِي» ، و «الفائقِ» ، و «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ». وقيل: كالطِّفْلِ. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قلتُ: وهو ضعيفٌ جدًّا. وقال في «الرعايَةِ الصُّغْرَى» : فهو كذِي مَحْرَمٍ. وعنه، كأجْنَبِيٍّ. وعنه، كأجْنَبِيٍّ بالغٍ.
فائدتان؛ إحْداهما، حُكْمُ بِنْتِ تِسْع حُكْمُ المُمَيِّزِ ذِي الشَّهْوَةِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَر أبو بَكْرٍ قَوْلَ أحمدَ في رِوايَةِ عَبْدِ اللهِ، رِوايَةً عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذا بلَغَتِ المَحِيضَ (1)، فلا تَكْشِفُ إلَّا وَجْهَها ويَدَيها» (2). ونقَل جَعْفَرٌ، في الرَّجُلِ عندَه الأرْملَةُ واليَتِيمَةُ، لا ينْظُرُ. وأنَّه لا بَأْسَ بنَظَرِ الوَجْهِ بلا شَهْوَةٍ. الثَّانيةُ، لا يحْرُمُ النَّظَرُ إلى عَوْرَةِ الطِّفْلِ والطِّفْلَةِ قبلَ السَّبْعِ، ولا لَمْسُها. نصَّ عليه. نقَل الأثْرَمُ، في الرَّجُلِ يضَعُ الصَّغيرَةَ في حِجْرِه ويُقَبِّلُها، إنْ لم يجِدْ شَهْوَةً فلا بَأْسَ. ولا يجبُ سَتْرُهما مع أمْنِ الشَّهْوَةِ. جزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي
(1) في الأصل، ط:«الحيض» .
(2)
سيأتي تخريجه في صفحة 63.
وَلِلْمَرأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا مَا بَينَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَعَنْهُ، أَنَّ الْكَافِرَةَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ.
ــ
الصَّغِيرِ». وقال في «الفائقِ» : ولا بَأْسَ بالنَّظَرِ إلى طفْلَةٍ غيرِ صالحَةٍ للنِّكاحِ بغيرِ شَهْوَةٍ. وهل هو مَحْدودٌ بدُونِ السَّبْعِ، أو بدُونِ ما تُشتَهَى غالبًا؟ على وَجهَين.
قوله: وللمَرْأةِ مع المَرْأةِ، والرَّجُلِ مع الرَّجُلِ، النَّظَرُ إلى ما عَدا ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ. يجوزُ للمَرْأةِ المُسْلِمَةِ النَّظَرُ مِنَ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ إلى ما عَدا ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، والمُصَنِّفُ هنا، وصاحِبُ «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّها لا تنْظُرُ منها إلَّا إلى غيرِ العَوْرَةِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُنَوِّرِ» . ولعَل مَن قطَع أوَّلًا أرادَ هذا. لكِنَّ صاحِبَ «الرِّعايَةِ» غايَرَ بينَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَوْلَين. [وهو الظَّاهِرُ](1). [ومُرادُهم بعَوْرَةِ المَرْأَةِ هنا كعَوْرَةِ الرَّجُلِ على الخِلافِ. صرَّح به الزَّرْكَشِيُّ في «شَرْحِ الوَجيزِ»](2) وأمَّا الكافِرَةُ مع المُسْلِمَةِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّ حُكْمَها حُكْمُ المُسْلِمَةِ مع المُسْلِمَةِ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. وصحَّحَه في «الكافِي» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا تنْظُرُ الكافِرَةُ مِنَ المُسْلِمَةِ ما لا يَظْهَرُ غالبًا. وعنه، هي معها كالأجْنَبِيِّ. قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وقالوا: نصَّ عليه. وقطَع به الحَلْوانِيُّ في «التَّبْصِرَةِ» . واسْتَثْنَى القاضي أبو يَعْلَى، على هذه الرِّوايَةِ، الكافِرَةَ المَمْلُوكَةَ لمُسْلِمَةٍ، فإنَّه يجوزُ أنْ تظْهَرَ على مَوْلاتِها كالمُسْلِمَةِ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» .
(1) سقط من: ط.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: يجوزُ أنْ تكونَ الكافِرَةُ قابِلَةً للمُسْلِمَةِ للضَّرُورَةِ، وإلَّا فلا. نصَّ عليه. وأمَّا الرَّجُلُ مع الرَّجُلِ، ولو كان أمْرَدَ، فالمذهبُ، أنَّه [لا ينْظُرُ منه إلى ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ](1). وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «الفُروعِ»
(1) في ط: «ينظر منه إلى غير العورة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه. وقدَّمه (1) في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وقال (2): وقيل: ينْظُرُ غيرَ العَوْرَةِ. فيَحْتَمِلُ أنَّه كالأوَّلِ، لكِنْ عندَ صاحِبِ «الرِّعايَةِ» أنَّه أعَمُّ مِنَ الأوَّلِ.
وَيُبَاحُ لِلْمَرأةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى غَيرِ الْعَوْرَةِ. وَعَنْهُ، لَا يُبَاحُ.
ــ
قوله: ويُباحُ للمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إلى غيرِ العَوْرَةِ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّرِ». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وعنه، يُباحُ لها النَّظَرُ منه إلى ما يَظْهَرُ غالبًا. وعنه، لا يُباحُ النَّظَرُ إليه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقطَع به ابنُ البَنَّا. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. قاله القاضي. نَقَله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في «شَرْحِ المُحَرَّرِ». وقال ابنُ عَقِيلٍ أيضًا: يحْرُمُ النَّظرُ. ونقَل القاضي أيضًا عن أبِي بَكْرٍ الكَراهَةَ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في «شَرْحِ المُحَرَّرِ» : ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ والقاضي كَراهَةُ نظرِها إلى وَجْهِه وبَدَنِه وقدَمَيه. واخْتارَ الكَراهَةَ. وقيل: [لا يُحْرُمُ](1) النَّظَرُ إلى ما يَظْهَرُ غالبًا وقتَ مِهْنَةٍ وغَفْلَةٍ.
تنبيه: قال في «الفُروعِ» : أطْلَقَ الأصحابُ إباحَةَ النَّظَرِ للمَرْأَةِ إلى غيرِ العَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ. ونقَل الأثْرَمُ، يَحْرُمُ النَّظرُ على أزْواجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ»: قال أبو بَكْرٍ: لا تخْتَلِفُ الرِّوايَةُ أنَّهَ لا يجوزُ لهُنَّ. قال في «الفُروعِ» : ويُؤيِّدُ الأوَّلَ أنَّ أحمدَ لم يُجِبْ بالتَّخْصيصِ في الأخْبارِ التي في المَسْأَلَةِ. وقال القاضي في «الرِّوايتين» : يجوزُ لهُنَّ. رِوايَةً واحِدَةً؛ لأنَّهُنَّ في
(1) في ط: «يحرم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمِ الأُمَّهاتِ في الحُرْمَةِ والتَّحْريمِ، فجازَ، مع (1) مُفارَقَتِهِنَّ في هذا القَدْرِ بَقِيَّةَ النِّساءِ. قلتُ: وهذا أوْلَى.
(1) سقط من: الأصل، ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ منها، يجوزُ النَّظرُ مِنَ الأَمَةِ وممَّن لا تُشْتَهَى؛ كالعَجُوزِ، والبَرْزَةِ، والقَبِيحَةِ، ونحوهم إلى غيرِ عَوْرَةِ الصَّلاةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ المُصَنِّفُ والشَّارِحُ جوازَ النَّظَرِ مِن ذلك إلى ما لا يَظْهَرُ غالِبًا. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويُباحُ نَظَرُ وَجْهِ كلِّ عَجُوزٍ بَرْزَةٍ هِمَّةٍ (1)، ومَن لا تُشْتَهَى مثلُها غالبًا، وما ليس بعَوْرَةٍ منها ولَمْسُه، ومُصافَحَتُها والسَّلامُ عليها إنْ أَمنَ على نفْسِه. ومَعْناه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي» . ونقَل حَنْبَلٌ، إنْ لم تَخْتَمِرِ الأَمَةُ فلا بَأْسَ. وقيل: الأَمَةُ والقَبيحَةُ كالحُرَّةِ والجَمِيلَةِ. ونقَل المَرُّوذِيُّ، لا ينْظُرُ إلى المَملوكَةِ، كم مِن نَظْرَةٍ أَلْقَتْ في قَلْبِ صاحِبِها البَلابِلَ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، لا تَنْتَقِبُ الأَمَةُ. ونقَل أيضًا، تَنْتقِبُ الجَمِيلَةُ. وكذا نقَل أبو حامِدٍ الخفَّافُ. قال القاضي: يمْكِنُ حَمْلُ ما أطْلَقَه على ما قيَّدَه. قلتُ: الصَّوابُ أنَّ الجَمِيلَةَ تَنْتَقِبُ، وأنَّه يَحْرُمُ النَّظَرُ إليها كما يَحْرُمُ النَّظَرُ إلى الحُرَّةِ الأَجْنَبِيَّةِ.
تنبيه: حيث قُلْنا: يُباحُ. ففي تَحْريمِ تَكْرارِ نَظَرِ وَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . قلتُ: الصَّوابُ التَّحْريمُ. ومنها، الخُنْثَى المُشْكِلُ في النَّظَرِ إليه كالمَرْأةِ؛ تغْلِيبًا لجانِبِ الحَظْرِ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. قال في «الفُروعِ»: ويتَخَرَّجُ وَجْهٌ مِن سَتْرِ العَوْرَةِ في الصَّلاةِ، أنَّه كالرَّجُلِ. وقال في «الرِّعايَةِ»: وإنْ تَشَبَّهَ خُنْثَى مُشْكِلٌ بذَكَرٍ أو أُنْثَى، أو مال إلى أحَدِهما، فله حُكْمُه
(1) الهمة: المرأة الكبيرة الفانية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في ذلك. وقال: قلتُ: لا يُزَوَّجُ بحالٍ، فإنْ خافَ الزِّنَى، صامَ أو اسْتَمْنَى، وإلَّا فهو مع امْرأَةٍ كالرَّجُلِ، ومع رَجُلٍ كامْرَأَةٍ. ومنها، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وأكثرِ الأصحابِ، أنَّه لا يجوزُ للرَّجُلِ النَّظَرُ إلى غيرِ مَن تقدَّم ذِكْرُه، فلا يجوزُ له النَّظَرُ إلى الأجْنَبيَّةِ قَصْدًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. وجوَّز جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ نَظَرَ الرَّجُلِ مِنَ الحُرَّةِ الأجْنَبِيَّةِ إلى ما ليس بعَوْرَةِ صلاةٍ. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» في آدابِه. وذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوايَةً. قال القاضي: المُحَرَّمُ ما عَدا الوَجْهَ والكَفَّينِ. وصرَّح القاضي في «الجامِعِ» أنَّه لا يجوزُ النَّظرُ إلى المَرْأَةِ الأجْنَبِيَّةِ لغيرِ حاجَةٍ. ثم قال: النَّظرُ إلى العَوْرَةِ مُحَرَّمٌ، وإلى غيرِ العَوْرَةِ مَكْرُوهٌ. وهكذا ذكَر ابنُ عَقِيلٍ، وأبو الحُسَينِ. وقال أبو الخطَّابِ: لا يجوزُ النَّظَرُ لغيرِ مَن ذكَرْنا، إلَّا أن القاضِيَ أطْلَقَ هذه العِبارَةَ، وحكَى الكَراهَةَ في غيرِ العَوْرَةِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هل يَحْرُمُ النَّظرُ إلى وَجْهِ الأجْنَبِيَّةِ لغيرِ حاجَةٍ؟ رِوايةٌ عن
المقنع وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْغُلَامِ لِغَيرِ شَهْوَةٍ.
ــ
أحمدَ، يُكْرَهُ ولا يَحْرُمُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلى وَجْهِ الأجْنَبِيَّةِ إذا أَمِنَ الفِتْنَةَ. انتهى. قلتُ: وهذا الذي لا يسَعُ النَّاسَ غيرُه، خُصوصًا للجِيرانِ والأقارِبِ غيرِ المحارِمِ، الذي نشَأ بينَهم. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ. ويأْتي في آخِرِ العِدَدِ، هل يجوزُ أنْ يخْلُوَ بمُطَلَّقَتِه، أو أجْنَبِيَّةٍ، أمْ لا؟
قوله: ويجوزُ النَّظَرُ إلى الغُلامِ لغيرِ شَهْوَةٍ. النَّظَرُ إلى الأمْرَدِ لغيرِ شَهْوَةٍ على قِسْمَين؛ أحدُهما، أنْ يَأْمَنَ ثَوَرانَ الشَّهْوَةِ. فهذا يجوزُ له النَّظَرُ مِن غيرِ كَراهَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، وغيرِهم. وقاله أبو حَكِيمٍ وغيرُه، ولكِنَّ ترْكَه أوْلَى. صرَّح به ابنُ عَقِيلٍ، قال: وأمَّا تَكْرارُ النَّظَرِ فمَكْرُوهٌ. وقال أيضًا في كِتابِ القَضاءِ: تَكْرارُ النَّظَرِ إلى الأمْرَدِ محَرَّمٌ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ بغيرِ شَهْوَةٍ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ومَن كرَّرَ النَّظَرَ إلى الأمْرَدِ أو داوَمَه، وقال: إنِّي لا أنْظُرُ لِشَهْوَةٍ. فقد كذَب في ذلك. وقال القاضي: نظَرُ الرَّجُلِ إلى وَجْهِ الأمْرَدِ مَكْروهٌ. وقال ابنُ البَنَّا: النَّظَرُ إلى الغُلامِ الأمْرَدِ الجَمِيلِ مَكْروهٌ. نصَّ عليه. وكذا قال أبو الحُسَينِ. القِسْمُ الثَّاني، أنْ يخافَ مِنَ النَّظَرِ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ. فقال الحَلْوانِيُّ: يُكْرَهُ. وهل يَحْرُمُ؟ على وَجْهَين. وحكَى صاحِبُ «التَّرْغِيبِ» ثلاثَةَ أوْجُهٍ؛ التَّحْرِيمُ، وهو مَفْهومُ كلام صاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، فإنَّه قال: يجوزُ لغيرِ شَهْوَةٍ إذا أمِنَ ثَوَرانَها. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فقال: أصحُّ الوَجْهَين، لا يجوزُ. كما أنَّ الرَّاجِحَ في مذهبِ أحمدَ، أنَّ النَّظَرَ إلى وَجْهِ الأجْنَبِيَّةِ مِن غيرِ حاجَةٍ لا يجوزُ،
وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى أَحدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِشَهْوَةٍ.
ــ
وإنْ كانتِ الشَّهْوَةُ مُنْتَفِيَةٌ لكِنْ يُخافُ ثَوَرانُها. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): إذا كان الأمْرَدُ جميلًا يُخافُ الفِتْنَةُ بالنَّظَرِ إليه، لم يَجُزْ تعَمُّدُ النَّظَرِ إليه. قال في «الفُروعِ» ؛ ونصُّه، يحْرُمُ النَّظَرُ خَوْفَ الشَّهْوَةِ. والوجْهُ الثَّاني، الكَراهَةُ. وهو الذي ذكَرَه القاضي في «الجامعِ» . وجزَم به النَّاظِمُ. والوَجْهُ الثَّالثُ، الإِباحَةُ. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وكثيرٍ مِنَ الأصحابِ. والمَنْقولُ عن أحمدَ، كَراهَةُ مُجالسَةِ الغُلامِ الحسَنِ الوَجْهِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: ويَحْرُمُ نَظَرُ الأمْرَدِ لشَهْوَةٍ، ويجوزُ بدُونِها مع أمْنِها. وقيل: وخَوْفِها. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: وإنْ خافَ ثَوَرانَها، فوَجْهان.
فائدة: قال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ النَّظَرُ مع شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وسِحاقٍ، وإلى دابَّةٍ يشْتَهِيها ولا يعِفُّ عنها (2)، وكذا الخَلْوَةُ بها. قال في «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ كلامَ غيرِه.
فوائد؛ منها، قولُه: ولا يجوزُ النَّظَرُ إلى أحَدٍ مِمَّن ذَكَرْنا لشَهْوَةٍ. وهذا بلا نِزاعٍ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ومَنِ اسْتَحَلَّه، كفَر إجْماعًا. وكذا لا يجوزُ النَّظَرُ إلى أحَدٍ ممَّن تقدَّم ذِكْرُه إذا خافَ ثَوَرانَ الشَّهْوَةِ. نصَّ عليه. واخْتارَه
(1) 9/ 504.
(2)
في النسخ كلها: «عنه» . وانظر الفروع 5/ 156.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وغيرُه. ومنها، معْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بالنَّظرَ. ومنها، لَمْسُ مَن تقدَّم ذِكْرُه كالنَّظرَ إليه، على قَوْلٍ. وعلى قَوْلٍ آخَرَ: هو أوْلَى بالمَنْعِ مِنَ النَّظَرِ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ومنها، صَوْتُ الأجْنَبِيَّةِ ليس بعَوْرَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: ليس بعَوْرَةٍ على الأصحِّ. قال ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ: قال القاضي الزَّرِيرانِيُّ الحَنْبليُّ في «حَواشيه على المُغْنِي» : هل صَوْتُ الأجْنَبِيَّةِ عَوْرَةٌ؟ فيه رِوايَتان مَنْصُوصتان عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، ظاهِرُ المذهبِ، ليس بعَوْرَةٍ. انتهى. وعنه، أنَّه عَوْرَةٌ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، فقال: يجِبُ تجَنُّبُ الأجانِبِ الاسْتِماعَ مِن صَوْتِ النِّساءِ زِيادَةً على ما تدْعُو الحاجَةُ إليه؛ لأنَّ صَوْتَها عَوْرَة. انتهى. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ صالِحٍ: يُسَلِّمُ على المَرْأَةِ الكَبِيرَةِ، فأمَّا الشَّابَّةُ فلا تنْطِقُ. قال القاضي: إنَّما قال ذلك خَوْفَ الافْتِتانِ بصَوْتِها. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» . وعلى كِلا الرِّوايتَين، يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بسَماعِه ولو بقِراءَةٍ. جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال القاضي: يُمْنَعُ مِن سَماعِ صَوْتِها. وقال ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» : يُكْرَهُ سَماع صَوْتِها بلا حاجَةٍ. قال ابنُ الجَوْزِيِّ في كِتابِ «النِّساءِ» له: سَماع صَوْتِ المَرْأَةِ مَكْروهٌ. وقال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ مُهَنَّا: يَنْبَغِي للمَرْأَةِ أنْ تَخْفِضَ مِن صَوْتِها إذا كانتْ في قِراءَتِها إذا قرَأتْ باللَّيلِ. ومنها، إذا منَعْنا المَرْأةَ مِنَ النَّظَرِ إلى الرَّجُلِ، فهل تُمْنَعُ مِن سَماعِ صَوْتِه، ويكونُ حُكْمُه حكمَ سَماعِ صَوْتِها؟ قال القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ»: قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ مُهَنَّا: لا يُعْجِبُنِي أنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ النِّساءَ، إلا أنْ يكونَ في بَيتِه يؤُمُّ أهْلَه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكْرَهُ أنْ تَسْمَعَ المَرأةُ صَوْتَ الرَّجُلِ. قال [ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه»](1): وهذا صحيحٌ؛ لأنَّ الصَّوْتَ يتْبَعُ الصُّورَةَ (2)، ألا ترَى أنَّه لمَّا مُنِعَ مِنَ النَّظَرِ إلى الأجْنَبِيَّةِ مُنِعَ مِن سَماعِ صَوْتِها، كذلك المرْأَةُ لمَّا مُنِعَتْ مِنَ النَّظَرِ إلى الرَّجُلِ مُنِعَتْ مِن سَماعِ صَوْتِه. [قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه»: لم تَزَلِ النِّساءُ تَسْمَعُ أصْواتَ الرِّجالِ، والفَرْقُ بينَ النِّساءِ والرِّجال ظاهِرٌ] (3). ومنها، تَحْرُمُ الخَلْوَةُ لغيرِ مَحْرَمٍ للكُلِّ مُطْلَقًا، ولو بحَيوانٍ يشْتَهِي المَرأَةَ أو تَشْتَهِيه هي؛ كالقِرْدِ، ونحوه. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِيِّ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: الخَلْوَةُ بأمْرَدَ حَسَنٍ ومُضاجَعَتُه كامْرَأَةٍ، ولو كان لمَصْلَحَةِ تعْليمٍ وتَأْدِيبٍ، والمُقِرُّ مُوْلِيه (1) عندَ مَن يُعاشِرُه كذلك مَلْعُونٌ دَيُّوثٌ، ومَن عُرِفَ بمَحَبَّتِهم أو مُعاشَرَةٍ بينَهم، مُنِعَ مِن تَعْليمِهم. وقال ابنُ الجَوْزِيِّ: كان السَّلَفُ يقُولُون: الأمْرَدُ أشَدُّ فِتْنَةً مِنَ العَذارَى. قال ابنُ عَقِيلٍ: الأمْرَدُ يَنْفُقُ (4) على الرِّجالِ والنِّساءِ، فهو شَبَكَةُ الشَّيطانِ في حقِّ النَّوْعَين. ومنها، كَرِهَ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، مُصافَحَةَ النِّساءِ، وشدَّد أيضًا حتى لمَحْرَمٍ، وجوَّزَه لوالِدٍ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ، ولمَحْرَمٍ. وجوَّز الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، أخْذَ يَدِ عَجُوزٍ، وفي «الرِّعايَةِ» ، وشَوْهاءَ. وسأَلَه ابنُ مَنْصُورٍ: يُقَبِّلُ ذاتَ المَحارِمِ منه؟ قال: إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ ولم يخَفْ على نفْسِه، لكِنْ لا يفْعَلُه على الفَمِ أبدًا، الجَبْهَةَ والرَّأْسَ. ونقَل حَرْبٌ، فِي مَن تضَعُ يدَها على بَطْنِ رَجُلٍ لا تحِلُّ له، قال: لا يَنْبَغِي إلَّا
(1) سقط من: ط.
(2)
في الأصل، ط:«الصوت» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
ينفق: أي يروج ويرغب فيه.
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَينِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ أمَتِهِ.
ــ
لضَرُورَةٍ. ونقَل المَرُّوذِيُّ، أتضَعُ يدَها على صَدْرِه؟ قال: ضَرُورَةً.
قوله: ولكُلِّ واحِدٍ مِنَ الزَّوْجَين النَّظَرُ إلى جَميعِ بَدَنِ الآخَرِ ولَمْسُه. مِن غيرِ كَراهَةٍ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، حتى الفَرْجِ. وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. ونصَّ عليه. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِهم. وقيل: يُكْرَهُ لهما نَظَرُ الفَرْجِ. جزَم به في «الكافِي» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وقال الآمِدِيُّ في «فُصولِه» : وليس للزَّوْجِ النَّظَرُ إلى فَرْجِ امْرَأتِه، في إحْدَى الرِّوايتَين. نقَلَهَ ابنُ خَطِيب السَّلامِيَّةِ. وقيلِ: يُكْرَهُ لهما عندَ الجماعِ خاصَّةً. وجزَم في «المُسْتَوْعِبِ» بأنَّه يُكْرَهُ النَّظرُ إلى فرْجِها حال الطَّمْثِ فقط. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، وزادَ في «الكُبْرَى» ، وحال الوَطْءِ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال القاضي في «الجامِعِ»: يجوزُ تقْبِيلُ فَرْجِ المَرْأةِ قبلَ الجماعِ، ويُكْرَهُ بعدَه. وذكَرَه عن عَطاءٍ. الثَّانيةُ، ليس لها اسْتِدْخالُ ذَكَرِ زَوْجِها وهو نائمٌ بلا إذْنِه، ولها لَمْسُه وتَقْبِيلُه بشَهْوَةٍ. وجزَم به في «الرِّعايَةِ» ، وتَبِعَه في «الفُروعِ» . وصرَّح به ابنُ عَقِيلٍ، وقال: لأنَّ الزَّوْجَ يمْلِكُ العَقْدَ وحَبْسَها. ذكَراه في عِشْرَةِ النِّساءِ. ومرَّ بي في بعضِ التَّعاليقِ قَوْلٌ: إنَّ لها ذلك. ولم أسْتَحْضِرِ الآنَ في أيِّ كِتابٍ هو.
قوله: وكذلك السَّيِّدُ مع أمَتِه. حُكْمُ السَّيِّدِ مع أمَتِه المُباحَةِ له حُكْمُ الرَّجُلِ مع زَوْجَتِه في النَّظَرِ واللَّمْسِ، خِلافًا ومذهبًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: في قَوْلِ المُصَنِّفِ: مع أَمَتِه. نُظرٌ؛ لأنَّه يدْخُلُ في عُمُومِه أمَتُه المُزَوَّجَةُ والمَجُوسِيَّةُ والوَثَنِيَّةُ ونحوُهُنَّ، وليس له النَّظرُ إلى واحِدَةٍ مِنهُنَّ ولا لمْسُها، لما سيُذْكَرُ في مَوْضِعِه. وجعَل كثيرٌ مِنَ الأصحابِ مَكانَ أَمَتِه سُرِّيَّتَه. قال ابنُ مُنَجَّى: وفيه نَظرٌ أيضًا؛ لأنَّه يحْرُمُ عليه أمَتُه التي ليستْ سُرِّيَّةً، والحالُ أنَّ له النَّظَرَ إليها ولَمْسَها، فلذلك قال بعضُ الأصحاب، منهم المُصَنِّفُ في «الكافِي» ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «المُنَوِّرِ» ، وغيرُهم: أَمَتِه المُباحَةِ. وهو أجْوَدُ ممَّا تقدَّم. انتهى. قلتُ: وهو مُرادُ المُصَنِّفِ وغيرِه مِمَّن أطْلَقَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو زوَّج أَمَتَه، جازَ له النَّظَرُ منها إلى غيرِ العَوْرَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الفائقِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقال في «التَّرْغِيبِ»: هو كمَحْرَمٍ. ونقَل حَنْبَلٌ، كأمَةِ غيرِه. الثَّانيةُ، يُكْرَهُ النَّظَرُ إلى عَوْرَةِ نفْسِه. قاله في «التَّرْغِيبِ» وغيرِه. وقال في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه: يُسْتَحَبُّ أنْ لا يُدِيمَه. وقال الأزَجِيُّ في «نِهايَتِه» : يُعْرِضُ ببَصَرِه عنها؛ لأنَّه يدُلُّ على الدَّناءَةِ. انتهى. وتقدَّم في بابِ الاسْتِنْجاءِ، هل يُكْرَهُ مسُّ فَرْجِه مُطْلَقًا، أو في حالِ التَّخَلِّي؟
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ، وَلَا التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ.
ــ
قوله: ولا يَجوزُ التَّصْرِيحُ -وهو ما لا يحْتَمِلُ غيرَ النِّكاحِ- بخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ، ولا التعْرِيضُ -وهو ما يُفْهَمُ منه النِّكاحُ مع احْتِمالِ غيرِه- بخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ. بلا نِزاعٍ.
وَيَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْبَائِنِ. بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ.
وَهَلْ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِغَيرِ الثَّلَاثِ؟ عَلَى وَجْهَين.
ــ
قوله: ويجوزُ في عِدَّةِ الوَفاةِ. يعْنِي التَّعْرِيضَ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال في «الانْتِصارِ» ، و «المُفْرَداتِ»: إنْ دلَّتْ على اقْتِرانِهما، كمُتَحابَّين قبلَ مَوْتِ الزَّوْجِ، منَعْنا مِن تعْرِيضِه في العِدَّةِ.
قوله: ويجوزُ في عِدَّةِ البائنَ بطَلاقٍ ثلاثٍ -بلا نِزاعٍ- وهل يجوزُ في عِدَّةِ البائنِ بغيرِ الثَّلاثِ؟ على وَجْهَين. وهما رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ،
وَالتَّعْرِيضُ نَحْوَ قَوْلِهِ: إِنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ. وَ: لَا تَفُوتِيني بِنَفْسِكِ.
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لا يجوزُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» . والثَّاني، يجوزُ. وهو المذهبُ. جزَم به في «العُمدَةِ» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» .
وَتُجِيبُهُ: مَا يُرْغَبُ عَنْكَ. وَ: إِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ. وَنَحْوُهُمَا.
ــ
تنبيه: محَل الخِلافِ، إذا كان المُعَرِّضُ أجْنَبِيًّا. فأمَّا من كانت في عِصْمَتِه، فإنَّه يُباحُ له التَّعْرِيضُ والتَّصْرِيحُ، بلا نِزاعٍ.
وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَن يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخيهِ إِنْ أُجِيبَ، وَإنْ رُدَّ، حَلَّ، وَإنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَال فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
قوله: ولا يحِلُّ للرَّجُلِ أنْ يخْطُبَ على خِطْبَةِ أخِيه إنْ أُجِيبَ. هذا المذهبُ. يعْنِي، يَحْرُمُ. وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ: قاله أصحابُنا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُكْرَهُ. اخْتارَه أبو حَفْص. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَر: قاله في «الفائقِ» ، و «الزّرْكَشِيِّ» . فعلى المذهبِ، يصِحُّ العَقْدُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وعنه، لا يصِحُّ. اخْتارَه أبو بَكْر. قاله ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيَّةِ. وقال الزَّرْكَشِي: قال أبو بَكْر: البَيعُ على بَيعِ أخِيه باطِل. نصَّ عليه. فخرَّج ابنُ عَقِيل وغيرُه بُطْلانَ النِّكاحِ؛ للنَّهْي.
قوله: ولا يحِلُّ للرَّجُلِ أنْ يخْطُبَ على خِطْبَةِ أخِيه إنْ أجِيبَ. اعْلَمْ أنه إذا أُجيبَ تَصْرِيحًا، فلا كلامَ. وإنْ أُجِيبَ تعْرِيضًا، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه لا يحِلُّ له أيضًا كالتّصْرِيحِ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الامامِ أحمدَ، رحمه الله، والخِرقِيِّ. وصحَّحَه الناظِمُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وعنه، يجوزُ. قال القاضي: ظاهِرُ كلامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، إباحَةُ خِطْبَتِها. وأطْلَقهما في «المُحَرر» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزركَشِيِّ» .
تنبيه: مَفْهومُ كلام المُصَنِّفِ، أن له أنْ يخْطُبَ على خِطبةِ الذميِّ مُطْلَقًا؛ لأنه ليس بأخِيه. وهو صحيح، نص عليه الامامُ أحمدُ، رَحِمَه اللهُ تَعالى، في رِوايَةِ عليِّ بنَ سَعيدٍ.
فائدة: قوْله: وإنْ رُدَّ، حَلَّ. بلا نِزاع. وكذا إنْ ترَك الخِطبةَ، أو أذِنَ له. وكذا إنْ سُكِتَ عنه، عندَ القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنِ عَقِيل. وقدَّمه الزَّرْكَشِيُّ. وعن القاضي، سُكُوتُ البِكْرِ رِضًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وإن لم يَعْلَمْ بالحالِ، فعلى وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ أحدُهما، يجوزُ. وهو الصَّحيح، وهو ظاهِرُ ما نقَلَه المَيمُونِي. وصحَّحه في «التصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . والثَّاني، لا يجوزُ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «العُمْدَةِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: قال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: ولو خَطَبَتِ المَرْأةُ أو وَلِيُّها الرَّجُلَ ابتداءً فأجابَها، فيَنْبَغِي أنْ لا يحِل لرَجُل آخَرَ خِطتُها، إلَّا أنَّه أضْعَفُ مِن أنْ يكونَ هو الخاطِبَ. ونَظِيرُ الأولَى، أنْ تخْطُبَه امْرأة أو وَلِيُّها بعدَ أنْ يخْطُبَ هو امْرَأةً، فإنَّ هذا إيذاءٌ للمَخْطُوبِ في المَوْضِعَين، كما أنَّ ذاك إيذاءٌ للخاطِبِ، وهذا بمَنْزِلَةِ البائعِ على بَيعِ أخِيه قبلَ انْعِقادِ العَقْدِ، وذلك كله يَنْبَغِي أنْ يكونَ حرامًا.
وَالتَّعْويلُ فِي الرَّدِّ وَالإجَابَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً عَلَيهَا، وَإنْ كَانَتْ
ــ
فائدة أخْرَى: لو أذتَتْ لولِيِّها أنْ يُزَوِّجَها مِن رجُلٍ بعَينه، احْتمَلَ أنْ يحْرُمَ على غيرِه خِطبتُها، كما لو خطَب فأجابَتْ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يحْرُمَ؛ لأنَّه لم يخْطُبْها أحَد. قال ذلك القاضي أبو يَعْلَى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ، رحمه الله: وهذا دَليل مِن القاضي على أنَّ سُكُوتَ المرأة عندَ الخِطْبَةِ ليس بإجابَةٍ بحالٍ.
قوله: والتَّعْويلُ في الرَّدِّ والإجابَةِ عليها، إنْ لم تَكُنْ مُجْبَرَةً -بلا نِزاعٍ-
مُجْبَرَةً، فَعَلَى الوَلِيِّ.
ــ
وإنْ كانَتْ مُجْبَرَةً، فعلى الوَلِيِّ. هذا المذهبُ؛ سواء رَضِيَتْ أو كَرِهَتْ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرر» ، و «النظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وصرَّح به القاضي، وابنُ عَقِيل. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لو أجابَ وَلِيُّ المَرْأةِ، فكَرهَتِ المُجابَ واخْتارَتْ غيرَه، سقَط حُكْمُ إجابَةِ وَلِيِّها، وإنْ كَرِهَتْه ولم تَخْتَرْ سِواه، فيَنْبَغِي أنْ يسْقُطَ حُكْمُ الإجابَةِ، وإنْ أجابَتْ ثم رجَعَتْ، زال حُكْمُ الإجابَةِ.
وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
وَأنْ يُخْطَبَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
ــ
قوله: ويُسْتَحَبُّ عَقْدُ النكاحِ مَساءَ يَوْمِ الجُمُعَةِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيخ عَبْدُ القادِرِ في «الغُنْيَةِ»: يُسْتَحَبُّ عَقْدُه يَوْمَ الجُمُعَةِ أو الخَمِيسِ، والمساءُ أوْلَى.
قوله: وأنْ يخْطُبَ قبلَ العَقْدِ بخُطبةِ ابنِ مَسْعُودٍ. وهذا المذهبُ أيضًا، وعليه الأصحابُ، والعَمَلُ عليه قديمًا وحديثًا. وقال الشيخُ عَبْدُ القادِرِ: إنْ أخَّرَ الخُطةَ عن العَقْدِ جازَ. انتهى. قلتُ: يَنْبَغِي أنْ يُقال: مع النسْيانِ بعدَ العَقْدِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يزيدُ على خُطبةِ ابنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «العُمْدَةِ»: ويَقْرأ ثلاثَ آياتٍ. وذكَرَها. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» : يأتِي بخُطبةِ ابنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، بالآياتِ الثَّلاثِ، وأنَّ اللهَ أمرَ بالنِّكاحِ ونهَى عنِ السِّفاحِ، فقال مُخْبِرًا وآمِرًا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1). وقال الشيخُ عَبْدُ القادِرِ: يُسْتَحَبُّ أنْ يزيدَ هذه الآيَةَ أيضًا.
(1) سورة النور 32.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، كان الإمامُ أحمدُ، رَحِمَه الله تعالى، إذا حضَر العَقْدَ ولم يَسْمَعِ الخُطبَةَ، انْصَرفَ. والمُجْزِئ منها، أنْ يَتَشهَّدَ ويُصَلِّيَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
وَأنْ يُقَال لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللهُ لَكُمَا وَعَلَيكُمَا، وَجَمَعَ بَينَكُمَا فِي خَيرٍ وَعَافِيَةٍ.
ــ
الثَّانيةُ، قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِةِ في «نُكَتِه على المُحَررِ»: وقَع في كلامِ القاضي في «الجامِعِ» ما يقْتَضِي أنَّه يُسْتَحَبُّ أنْ يَتزَوَّجَ في شَوَّالٍ.
وَإذَا زُفَّتْ إِلَيهِ، قَال: اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيهِ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدةٌ: في خَصائصِه صلى الله عليه وسلم (1):
كان له صلى الله عليه وسلم أنْ يتزَوَّجَ بأيِّ عدَدٍ شاءَ. فيكونُ قوْلُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} (2) ناسِخًا لقوْلِه: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (3). قاله في «الفُروعِ» . وقال في «الرِّعايَةِ» : كانَ له أنْ يتزَوَّجَ بأيِّ عدَدٍ شاءَ، إلى أنْ نزَل قوْلُه تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فتكونُ هذه الآيَةُ ناسِخَةً للآيَةِ الأولَى. وقال القاضي: الآيَةُ الأولَى تدُل على أن مَن لم تُهاجِرْ معه مِنَ النِّساء، لم تحِلَّ له. قال في «الفُروعِ»: فيَتَوجَّهُ احْتِمال، أنه شَرْطٌ في قَراباتِه في الآيَةِ لا الأجْنَبِيَّاتِ. انتهى. وكان له صلى الله عليه وسلم أنْ يتزَوَّجَ بلا وَلِي ولا شُهودٍ، وفي زَمَنِ الإحْرامِ أيضًا. قدَّمه في «الفُروعِ». قال القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ»: ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ المَيمُونِيِّ، جَوازُ النِّكاحِ له (4) بلا وَلِي ولا شُهودٍ، وفي زَمَنِ الإحْرام. وأطْلَقَ أبو الحُسَينِ، ووالِدُه، وغيرُهما وَجْهَين. وقال ابنُ حامِدٍ: لم يَكُنْ له النِّكاحُ بلا وَلِيٍّ ولا شُهودٍ ولا زَمَنَ الإحرامِ مُباحًا. وكان له صلى الله عليه وسلم أنْ يتزَوَّجَ بلَفْظِ الهِبَةِ. جزَم به في «الفُصولِ» ، و «المُستَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقد جزَم ابنُ الجَوْزِي بجَوازِه عن الإمام أحمدَ، رحمه الله. وعنه، الوَقْفُ. وكان لي صلى الله عليه وسلم أنْ يتَزَوَّجَ بلا مَهْرْ جزَم به الأَصحابُ، وجزَم به ابنُ الجَوْزِي عن العُلَماءِ. وكان صلى الله عليه وسلم واجِبٌ عليه السِّواكُ والأضْحِيَةُ والوترُ، على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في
(1) انظر في خصائصه صلى الله عليه وسلم كتاب تلخيص الحبير، لابن حجر 3/ 117 - 144. حيث استوفى فيه الخصائص.
(2)
سورة الأحزاب 50.
(3)
سورة الأحزاب 52.
(4)
سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «خِصالِ ابنِ البَنّا» ، و «العُدَّةِ» للشّيخِ عبدِ اللهِ كُتَيلَةَ (1). وقدَّمه في «الفُصولِ». قال الزَّرْكَشِي: وُجوبُ السِّواكِ اخْتِيارُ القاضي وابنِ عَقِيل. وقيل: ليس بواجِبٍ عليه ذلك. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. ذكَره عنه (2) في «الفُصولِ» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، [و «الرعايَةِ الكُبْرَى»، في السِّواكِ، في بابِه](3). وقال في «الفُصولِ» : وكان واجِبًا عليه صلى الله عليه وسلم رَكْعَتا الفجرِ. وقال في «الرعايَةِ» : وكان واجبًا عليه الضُّحَى. قال الشّيخُ تَقِيّ الدينِ، رحمه الله: هذا غَلَطٌ، ولم يكُنْ صلى الله عليه وسلم يُواظِبُ على الضُّحَى باتِّفاقِ العُلمَاءِ بسُنّتِه. وكان صلى الله عليه وسلم واجِبًا عليه قِيامُ اللَّيلِ، ولم يُنْسَخْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ذكَرَه أبو بَكْر وغيرُه. قال القاضي: وهو ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقدّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ». وقيل: نُسِخَ. جزَم به في «الفُصولِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . [ومِن خَصائصِه صلى الله عليه وسلم أنه لو ادُّعِيَ عليه، كان القَوْلُ قَوْلَهَ مِن غيرِ يَمِين، وإنِ ادَّعَى هو بحَق، كان القَوْلُ قَوْلَه مِن غيرِ يَمِين. قاله أبو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ. نقَلَه عنه ابنُ خَطِبِ السَّلامِيَّةِ في «نُكَتِه على المُحَرَّرِ»](3). واوجِبَ عليه صلى الله عليه وسلم أنْ يُخَيِّرَ نِساءَه بينَ فِراقِه والإقامَةِ معه. قال في «الفُروعِ» : وظاهِرُ كلامِهم، أنَّه صلى الله عليه وسلم في وُجوبِ التَّسْويَةِ في القَسْمِ كغيرِه. وذكَرَه في «المُجَرّدِ» ، و «الفُنونِ» ، و «الفُصولِ» . وظاهِرُ كلامِ ابن الجَوْزِي، أنَّه غيرُ واجب. وفي «المُنْتَقَى» احْتِمالان. قال أصحابُنا؛ القاضي وغيرُه: وفُرِضَ عليه صلى الله عليه وسلم إنْكارُ المُنْكَرِ إذا رَآه على كلِّ حالٍ. قال في «الرِّعايَةِ» :
(1) تقدمت ترجمته في 1/ 57.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فُرِضَ عليه إنْكارُ المُنْكَرِ إذا رآه [على كلِّ حالٍ](1)، وغيرِه في حال دُونَ حال. قلتُ: حكَى ذلك قوْلًا ابنُ البَنَّا في «خِصالِه» ، واقْتَصرَ عليه. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وقيل: فُرِضَ عليه إنْكارُ المُنْكَرِ. واقْتَصرَ عليه. ومُنِعَ صلى الله عليه وسلم مِن الرَّمْزِ بالعَينِ والإشارَةِ بها، وإذا لَبِسَ لأمَةَ، الحَرْبِ أنْ يَنْزَعَها (2) حتى يَلْقَى العَدُوَّ. ومُنِعَ صلى الله عليه وسلم أيضًا مِنَ الشِّعْرِ والخَطِّ وتَعلُّمهما. واخْتارَ ابنُ عَقِيل، أنَّه صُرِفَ عن الشِّعْرِ، كما اعْجِزَ عنِ الكِتابةِ، قال: ويَحْتَمِلُ أنْ يجْتَمِعَ الصَّرْفُ والمَنْعُ. ومُنِعَ صلى الله عليه وسلم مِن نِكاحِ الكِتابِةِ كالأمَةِ مُطْلَقًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقاله ابنُ شاقْلَا، وابنُ حامِدٍ، والقاضي، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُصولِ» . وعنه، لم يُمْنَعْ. واخْتارَه الشَّرِيفُ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: يُباحُ له صلى الله عليه وسلم مِلْكُ اليَمِينِ، مُسْلِمَةً كانتْ أو مُشْرِكَةً. وتقدَّم في أواخِرِ بابِ ذِكْرِ أهْلِ الزَّكاةِ (3) حُكم الصَّدَقَةِ له. وأبِيح له صلى الله عليه وسلم الوصالُ، وخُمْسُ خُمْسِ الغَنِيمَةِ. قال المُصَنفُ: وإنْ لم يحْضُرْ. وأبيحَ له صلى الله عليه وسلم الصَّفِيُّ مِنَ المَغْنَمِ، ودُخولُ مكَّةَ مُحِلا ساعَةً، وجُعِلَتْ ترِكَتُه صلى الله عليه وسلم صَدَقَةً. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم؛ لا يُمْنَعُ مِنَ الإرْثِ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» : لا يَرِثُ ولا يَعْقِلُ بالإجْماعِ. وله صلى الله عليه وسلم أخْذُ الماءِ مِنَ العَطْشانِ. ويَلْزَمُ كل واحدٍ أنْ يَقِيَه بنَفْسِه ومالِه، فله طَلَبُ ذلك. وحَرُمَ على غيرِه نِكاحُ زَوْجاتِه فقط. وجوَّز ابنُ حامِدٍ وغيرُه نِكاحَ مَن فارَقَها في حَياتِه، وهُنَّ أرواجُه في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهُنَّ أمَّهَاتُ المُؤمِنِين. يعْنِي، في تَحْريمِ النِّكاحِ. والنجِسُ مِنَّا طاهِر منه. ذكَرَه في «الفُنونِ» وغيرِه. وقدَّمه
(1) زيادة من: ا.
(2)
في ا: «لا ينزعها» .
(3)
7/ 289.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الفُروعِ» . وفي «النِّهايةِ» لأبي المَعالِي وغيرِها: ليس بطاهِر. وهو صلى الله عليه وسلم طاهِر بعدَ مَوْتِه، بلا نِزاعٍ بينَ العُلَماءِ، بخِلافِ غيرِه، فإنَّ فيه خِلافًا، على ما تقدَّم في بابِ إزالةِ النَّجاسَةِ (1). ولم يذْكُرِ الأصحابُ هذه المَسْألةَ هنا، وذكَر ابنُ عَقِيل، أنَّه لم يَكُنْ له فَىْء في شَمْسٍ ولا قَمَرٍ؛ لأنَّه نُورانِيٌّ، والظِّلُ نَوْعُ ظُلْمَةٍ. وكانتْ تجْتَذِبُ الأرْضُ أتْفالهُ (2). انتهى. وساوَى الأنْبِياءَ في مُعْجِزاتِهم، وانْفرَدَ بالقُرْآنِ، والغَنائمِ، وجُعِلَتْ له الأرضُ مَسْجدًا وترابُها طَهُورًا، والنَّصْرُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهْر، وبُعِثَ إلى النَّاسِ كافَّة، وكل نَبِيٍّ إلى قَوْمِه. ومُعْجِزاته صلى الله عليه وسلم باقيَةً إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وانْقطَعَتْ مُعْجِزاتُ الأنْبِياءِ بمَوْتِهم. وتَنامُ عينُه ولا ينامُ قَلْبُه، فلا نَقْضَ بنَوْمِه مُضْطَجِعًا. وتقدَّم ذلك في نَواقِضِ الوُضوءِ (3). ويرَى مِن خَلْفِه؛ يرَى مِن أمامِه. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وجُمْهورُ العُلَماءِ: هذه الرُّؤَيةُ رُؤيَة بالعَينِ حَقيقةً. ولم يَكُنْ لغيرِه أنْ يقْتُلَ إلَّا بإحْدَى ثلاثٍ، وكان له ذلك، صلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه. نصَّ عليه في رِوايَةِ أبِي داودَ. والدَّفْنُ في البُنْيانِ مُخْتَص، قالتْ عائشةُ: لئَلَّا يُتَّخَذَ قبْرُه مَسْجِدًا. وقال جماعةٌ: لوَجْهَين؛ أحدُهما، قوْلُه صلى الله عليه وسلم:«يُدْفَنُ الأنْبِياءُ حيثُ يَمُوتُون» (4). رواه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله. والثَّاني، لئَلَّا تمَسَّه أيدِي العُصَاةِ والمُنافِقين. قال أبو المَعالِي: وزِيارَةُ قَبْرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَحَبَّة الرجالِ والنِّساءِ. قال في «الفُروعِ» : وهو ظاهِرُ كلامِ (5) غيرِه. قلتُ: فيُعايَى بها. وقال ابنُ الجَوْزِيِّ، على قولِ أكثرِ المُفَسرِين في قوْلِه: {وَلَا
(1) 2/ 340.
(2)
في الأصل: «أثقاله» .
(3)
2/ 21.
(4)
تقدم تخريجه في 6/ 238.
(5)
في الأصل: «كلامه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (1): لا تُهْدِ لتُعْطى أكثرَ، هذا الأدَبُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، وأنَّه لا إثْمَ على أُمَّتِه في ذلك. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بواجباتٍ، وَمحْظُوراتٍ، ومُباحاتٍ، وكَراماتٍ. وذكَر جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ، أنَّه خُصَّ بصَلاةِ رَكْعتَين بعدَ العَصْرِ. واخْتارَه ابنُ عَقِيل. قال ابنُ بَطَّةَ: كان خاصًّا به. وكذا أجابَ القاضي. قال في «الفُروعِ» : ويتوَجَّهُ، أنَّ صلاتَه قاعِدًا بلا عُذْرٍ كصَلاته قائمًا، خاصٌّ به. قال: وظاهِرُ كلامِهم، أنَّه لو كان لنَبِي مالٌ، أنَّه تَلْزَمُه الزَّكاةُ. وقيل للقاضي: الزَّكاةُ طُهْرَة، والصَّبِي مُطَهَّر. قال: باطِلٌ بزَكاةِ الفِطْرِ ثم بالأنْبِياءِ، صَلَواتُ الله وسلامُه عليهم، بأنهم مُطَهَّرُون، ولو كان لهم مالٌ، لَزِمَتهم الزكاةُ.
(1) سورة المدثر 6.