المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المحرمات في النكاح - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٠

[المرداوي]

الفصل: ‌باب المحرمات في النكاح

‌بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ

وَهُنَّ ضَرْبَانِ؛ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأَبَدِ، وَهُنَّ أرْبَعَةُ أقْسَامٍ؛ أحَدُهَا، الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ، وَهُنَّ سَبْعٌ؛ الأمَّهَاتُ، وَهُنَّ الْوَالِدَةُ، وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالأُمِّ، وَإنْ عَلَوْنَ، وَالْبَنَاتُ

ــ

بابُ المُحَرَّماتِ في النِّكاحِ

ص: 275

مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَبَنَاتُ الْأوْلَادِ، وإِنْ سَفَلُوا، وَالْأخَوَاتُ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَنَاتُ الأَخِ، وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأَوْلَادُهُمْ، وَإنْ سَفَلُوا، وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالاتُ، وَإنْ عَلَوْنَ، وَلَا تحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ.

ــ

فائدة: قولُه: والبَناتُ مِن حلالٍ أو حَرامٍ. وكذا بِنْتُه المَنْفِيَّةُ بلِعانٍ ومِن شُبْهَةٍ. ويكْفِي في التَّحْريمِ أنْ يَعْلَمَ أنَّها بِنْتُه ظاهِرًا، وإنْ كان النَّسَبُ لغيرِه. قاله القاضي في «التَّعْليقِ» . فظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في اسْتِدْلالِه، أنَّ الشبَهَ (1) كافٍ في ذلك. قاله الزَرْكَشِيُّ.

(1) في الأصل: «الشبهة» .

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهات؛ الأوَّلُ، شَمِلَ قوْلُه: والعَمَّاتُ. عَمَّةَ أبيه وأُمِّه لدُخولِهما في عمَّاتِه، وعَمَّةَ العَمِّ لأبٍ لأنَّها عَمَّةُ أبِيه، لا عَمَّةُ العَمِّ لأمٍّ لأنَّها أجْنَبِيَّةٌ منه. وتحْرُمُ خالةُ العَمَّةِ لأُمٍّ، ولا تحْرُمُ خالةُ العَمَّةِ لأبٍ لأنَّها أجْنَبِيَّةٌ. وتحْرُمُ عَمَّةُ الخالةِ لأبٍ لأنَّها عَمَّهُّ الأمِّ، ولا تحْرُمُ عَمَّةُ الخالةِ لأُمٍّ لأنَّها أجْنَبِيَّةٌ.

ص: 277

الْقِسْمُ الثَّانِي، الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ سَوَاءً.

ــ

الثَّاني، قوْلُه: القِسْمُ الثَّاني، المُحَرَّماتُ بالرَّضَاعِ، ويَحْرُمُ به ما يحْرُمُ بالنَّسَبِ سَواءً. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال ابنُ البَنَّا في «خِصالِه» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما: إلَّا أمَّ أخِيه وأُختَ ابنِه، فإنَّهما يحْرُمان مِنَ النَّسَبِ ولا يحْرُمان بالرَّضاعِ. وقاله الأصحابُ. لكِنَّ أمَّ أخِيه إنَّما حَرُمَتْ مِن غيرِ الرَّضاعِ مِن جِهَةٍ أُخْرَى؛ لكَوْنِها زَوْجَةَ أبِيه، وذلك مِن جِهَةِ تحْريمِ المُصاهَرَةِ لا مِن جِهَةِ تحْريمِ النَّسَبِ، وكذلك أُخْتُ ابْنِه إنَّما حَرُمَتْ لكَوْنِها رَبِيبَةً، فلا حاجَةَ إلى اسْتِثْنائِهما. وقد قال الزَّرْكَشِيُّ، وغيرُه من الأصحابِ: والصَّوابُ عندَ الجُمْهورِ عدَمُ اسْتِثْنائِهما. وقال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والخَمْسِين بعدَ المِائةِ» : يحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله،

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه لا يثْبُتُ به تحْرِيمُ المُصاهَرَةِ، فلا يَحْرُمُ على الرَّجُلِ نِكاحُ أُمِّ زوْجَتِه وابْنَتِها مِنَ الرَّضاعِ، ولا على المَرْأةِ نِكاحُ أبِي زَوْجِها وابنِه مِنَ الرَّضاعِ. وقال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ ابنِ بَدِينا (1)، في حَليلَةِ الابنِ مِنَ الرَّضاعِ: لا يُعْجِبُنِي أنْ يتَزَوَّجَها، يحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. وليس على هذا

(1) هو محمد بن الحسن بن هارون تقدمت ترجمته في 11/ 251.

ص: 279

الْقِسْمُ الثَّالِثُ، الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أرْبَعٌ؛ أُمَّهَاتُ

ــ

الضابطِ إيرادٌ صحيحٌ سِوَى المُرْتَضَعَةِ بلَبَنِ الزِّنَى (1)، والمَنْصوصُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ ابنِه عَبْدِ اللهِ، أنَّها مُحَرَّمَةٌ كالبِنْتِ مِنَ الزِّنى، فلا إيرادَ إذنْ. انتهى.

الثَّالثُ، قولُه: القِسْمُ الثَّالِثُ، المُحَرَّماتُ بالمُصاهَرَةِ، وهُنَّ أرْبَعٌ؛ أُمَّهاتُ نِسائِه. فيحْرُمْنَ بمُجَرَّدِ العَقْدِ على البِنْتِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً. وعنه، أُمَّهاتُ النِّساءِ كالرَّبائب، لا يحْرُمْنَ إلَّا بالدُّخول ببَناتِهِنَّ. ذكَرَها الزَّرْكَشِيُّ.

(1) في الأصل: «المزوج» . والمثبت رواية القواعد.

ص: 280

نِسَائِهِ، وَحَلَائل آَبائِهِ

ــ

الرابعُ، دخَل في قوْلِه: وحَلائلُ آبائِه. كلّ مَن تزَوَّجَها أبُوه، أو جَدُّه لأبِيه أو لأُمِّه، مِن نَسَبٍ أو رَضاعٍ، وإنْ عَلا، سَواءٌ دخَل بها أو لم يدْخُلْ، طَلَّقها

ص: 281

وَأَبْنَائِهِ، فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ دُونَ بَنَاتِهِنَّ،

ــ

أو ماتَ عنها أو افْترَقا بغيرِ ذلك. ودخَل في قوْلِه: وأبْنائِه. يعْنِي وحَلائلَ أبْنائِه. كلُّ مَن تزَوَّجَها أحدٌ مِن أوْلادِه، أو أولادِ أولادِه وإنْ نزَلُوا، سَواءٌ كانُوا مِن أوْلادِ البَنِين أو البَناتِ، مِن نسَبٍ أو رَضاعٍ.

ص: 282

وَالرَّبَائِبُ؛ وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ دُونَ الَّلاتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ،

ــ

الخامسُ، ظاهِرُ قولِه: والرَّبائبُ؛ وهُنَّ بَناتُ نِسائِه اللَّاتِي دخَل بهنَّ. أنَّه سَواءٌ كانتِ الرَّبِيبَةُ في حِجْرِه أو لا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحاب. وقيل: لا تحْرُمُ إلَّا إذا كانتْ في حِجْرِه. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وهو ظاهِرُ القُرآنِ.

فائدة: يحْرُمُ عليه بِنْتُ ابنِ زَوْجَتِه. نقَلَه صالِحٌ وغيرُه. وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّه لا يَعْلَمُ فيه نِزاعًا. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والخَمْسِين بعدَ المِائَةِ» . ولا تحْرُمُ زَوْجَةُ رَبِيبِه. ذكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ،

ص: 283

فَإِنْ مِتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

وابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ» . ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ ابنِ مُشَيشٍ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: لا أعْلَمُ فيه نِزاعًاء ويُباحُ للمَرْأةِ ابنُ زوْجَةِ ابْنِها، وابنُ زَوْجِ ابْنَتِها، وابنُ زَوْجِ اُّمِّها، وزَوْجُ زَوْجَةِ أبِيها، وزَوْجُ زَوْجَةِ ابنِها. ذكَرَه في «الرِّعايتَين» ، و «الوَجيزِ» .

قوله: فإنْ مِتْنَ قبلَ الدُّخُولِ، فهل تَحْرُمُ بَناتُهُنَّ؟ على رِوايتَين. يعْنِي إذا ماتَتِ

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَعْقودُ عليها قبلَ الدُّخُولِ، ولها بِنْتٌ. وأَطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ؛ إحْداهما، لا يحْرُمْنَ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يحْرُمْنَ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ في «المُقْنِعِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ لو أبانَها بعدَ الخَلْوَةِ وقبلَ الدُّخُولِ، خِلافًا ومذهبًا. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: إذا طلَّقَ بعدَ الخَلْوَةِ وقبلَ الوَطْءِ، فرِوايَتان، أنَصُّهما -وهو الذي قطَع به القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ» في مَوْضِعٍ، وفي «الخِصالِ» ، وابنُ البَنَّا، والشِّيرازِيُّ -ثُبوتُ حُكْمِ الرَّبيبَةِ.

ص: 285

وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ،

ــ

والثَّانيةُ- وهي اخْتِيارُ أبِي محمدٍ، وابنِ عَقِيلٍ، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، وفي «الجامِعِ» في مَوْضِعٍ- لا يثْبُتُ. وقدَّم في «المُغْنِي» أنَّها لا تحْرُمُ. وصحَّحه في مَوْضِعٍ آخَرَ. قلتُ: وصحَّحَه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، في كِتابِ الصَّداقِ. وهو المذهبُ. الثَّانيةُ، قطَع (1) المُصَنِّفُ وغيرُه [مِنَ الأصحابِ- في المُباشَرَةِ] (2) ونظَرِ الفَرْجِ- بعَدَمِ التَّحْرِيمِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وقد يُقالُ بالتَّحْرِيمِ؛ بِناءً على تَقرُّرِ الصَّداقِ. ويأْتِي أيضًا التَّنْبِيهُ على الخَلْوَةِ فيما يُقرِّرُ الصَّداقَ في بابِه. ولا يثْبُتُ التَّحْريمُ باسْتِدْخالِ ماءِ الرَّجُلِ. نصّ عليه في «التَّعْليقِ» في اللِّعانِ.

قوله: ويثْبُتُ تَحْرِيمُ المُصاهَرَةِ بالوَطْءِ الحَلالِ والحَرامِ. أمَّا ثُبوتُ تحْريمِ

(1) بعده في الأصل: «به» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصاهَرَةِ بالوَطْءِ الحَلالِ فإجْماعٌ. ويثْبُتُ بوَطْءِ الشُّبْهَةِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّغِيرِ»، وغيرِهم. وحَكاه ابن المُنذِرِ إجْماعًا. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يثْبُتُ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» . وحِكايةُ هذا الوَجْهِ منه عَجيبٌ؛ فإنَّه جزَم بأنَّ الوَطْءَ في الزِّنَى كالنِّكاحِ الصَّحيحِ، وأطْلَقَ وَجْهَين في الوَطْءِ بشُبْهَةٍ.

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ أنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ ليس بحَلالٍ ولا حَرامٍ؛ فقال: ووَطْءُ الحَرام مُحَرِّمٌ كما يُحَرِّمُ وَطْءُ الحَلالِ والشُّبْهَةِ. وصرَّح القاضي في «تَعْليقِه» أنَّه حَرامٌ. وأَمَّا ثبُوتُه بالوَطْءِ الحَرامِ فهو المذهبُ. نصَّ عليه في رِوايَةِ جماعَةٍ. وذكَر القاضي في «الخِلافِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» أنَّه يثْبُتُ تحْريمُ المُصاهَرَةِ بوَطْءِ الدُّبُرِ بالاتِّفاقِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّرْغِيبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَينٍ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. قال في «المُذْهَبِ»: إذا وَطِئَ امْرأةً بزِنًى كان كالوَطْءِ في النِّكاحِ. وقيل: لا يثْبُتُ تحْرِيمُ المُصاهَرَةِ بوَطْء الدُّبُرِ. ونقَل بِشْرُ بنُ محمدٍ (1)، لا يُعْجِبُنِي. ونَقَل المَيمُونِيُّ، إنّما حرَّم اللهُ

(1) لعله بشر بن محمد السختياني المروزي، أبو محمد، روى عن ابن المبارك، وعنه البخاري. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين. تهذيب التهذيب 1/ 457.

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالحَلالِ (1) على ظاهِرِ الآيَةِ (2)، والحَرامُ مُباينٌ للحَلالِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الوَطْءُ الحَرامُ لا ينْشُرُ تحْريمَ المُصاهَرَةِ. واعْتَبرَ في مَوْضِع آخَرَ التَّوْبَةَ حتى في اللِّواطِ، وحرَّم بِنْتَه مِنَ الزِّنَى، وقال: إنْ وَطِئَ بِنْتَه غَلَطًا لا ينْشُرُ، لكَوْنِه لم يتَّخِذْها زوْجَةً، ولم يُعْلِنْ نِكاحًا.

(1) في الأصل، ط:«الحلال» .

(2)

سورة النساء 23.

ص: 290

فَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً أوْ صَغِيرَةً، فَعَلَى وَجْهَينِ،

ــ

تنبيه: شَمِلَ قوْلُه: الحَرامِ. الوَطْءَ في قُبُلِها ودُبُرِها. وهو كذلك. قاله الأصحابُ، كما تقدَّم. فلو زَنَى بامْرَأةٍ، حرُمَتْ على أبِيه وابْنِه، وحرُمَتْ عليه أُمُّها وابْنَتُها، كوَطْءِ الحَلال والشُّبْهَةِ. ولو وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِه أو ابْنَتَها، حرُمَتْ عليه امْرَأَتُه. نصَّ عليه. ولكِنْ (1) لا يُثْبِتُ مَحْرَمِيَّةً، ولا إباحَةَ النَّظَرِ.

قوله: فإنْ كانَت المَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً أوْ صَغِيرَةً، فعلى وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ؛ أحدُهما، لا يثْبُتُ التَّحْرِيمُ بذلك. وهو المذهبُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وصححه في «التصْحيحِ» ، وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه.

(1) في ط: «وقيل» .

ص: 291

وَإنْ بَاشَرَ امْرَأَةً أَوْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا، أَوْ خَلَا بِهَا لِشَهْوَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَينِ،

ــ

وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وقاله القاضي في «خِلافِه» ، في وَطْءِ الصَّغِيرَةِ، وقال: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وصحَّحَه الزَّرْكَشِيُّ في الصَّغِيرَةِ. والوَجْهُ الثانِي، يثْبُتُ به التَّحْريمُ. وقاله القاضي في «الجامِعِ» ، في الصَّغِيرَةِ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُنَوِّرِ» فيهما (1).

تنبيه: مُرادُه بالصَّغِيرَةِ، الصَّغِيرَةُ التي لا يُوطَأُ مثْلُها. قاله الأصحابُ.

قوله: وإنْ باشَرَ امْرَأَةً، أو نظرَ إلى فَرْجِها، أو خَلا بها لشَهْوَةٍ -[يعْنِي، في الحَرامِ، أو لمَسَها بشَهْوَةٍ](2) - فعلى رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ،

(1) في الأصل، ا:«فيها» .

(2)

سقط من: ط.

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، فيما إذا [باشَرَ الأمَةَ](1) لِشَهْوَةٍ، أو نظرَ إلى فَرْجِها لِشَهْوَةٍ. وأطْلَقهما في «الكافِي» ، في القُبْلَةِ،

(1) في الأصل: «باشرها» .

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واللَّمْسِ بشَهْوَةٍ، والنَّظرِ إلى الفَرْجِ. [وقطَع في «المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ»، بعَدَمِ التَّحْريمِ فيما إذا باشَرَ حُرَّةً، وقالا: وذكَر أصحابُنا في جميعِ الصُّوَرِ الرِّوايتَين مِن غيرِ تَفْصِيلٍ. والتَّفْصِيلُ أقْرَبُ إلى الصَّوابِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى](1)؛ إحْداهما، لا ينْشُرُ الحُرْمَةَ. وهو المذهبُ. قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: لم ينْشُرْ، في أصحِّ الرِّوايتَين. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والصَّحيحُ أنَّ الخَلْوَةَ بالمَرْأَةِ لا تنْشُرُ الحُرْمَةَ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، تُنْشَرُ الحُرْمَة بذلك.

تنبيه: مفْهومُ قولِه: أو نظَر إلى فَرْجِها. أنَّه لو نظَر إلى غيرِه مِن بَدَنِها لشَهْوَةٍ لا ينْشُرُ الحُرْمَةَ. وهو صَحيحٌ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ينْشُرُ. ذكَرَه أبو الحُسَينِ، ونقَلَه المَيمُونِيُّ، وابنُ هانِئٍ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وقال بعضُ أصحابِنا: لا فَرْقَ بينَ النَّظَرِ إلى الفَرْجِ وسائرِ البَدَنِ لشَهْوَةٍ. والصَّحيحُ خِلافُ ذلك، ثم قالا: لا خِلافَ نعْلَمُه في أنَّ النَّظَرَ إلى الوَّجْهِ لا يُثْبِتُ

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحُرْمَةَ.

فائدة: حُكْمُ مُباشَرَةِ المرْأةِ للرَّجُلِ، أو نظَرِها إلى فَرْجِه، أو خَلْوَتِها به لشَهْوَةٍ، حُكْمُ الرَّجُلِ على ما تقدَّم، خِلافًا ومذهبًا.

ص: 296

وَإنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ، حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَابْنَتُهُ. وَعِنْدَ أبِي الْخَطَّابِ، هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.

ــ

قوله: وإنْ تَلَوَّطَ بغُلامٍ، حَرُمَ على كُل واحِدٍ منهما أُمُّ الآخَرِ وابْنَتُه. يعْنِي، أنَّه يحْرُمُ باللواطِ ما يحْرُمُ بوَطْءِ المَرْأَة. وهذا المذَهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ»:[هذا قولُ أصحابِنا. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُذْهَبِ»، و «المُسْتَوْعِبِ»](1)، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعندَ أبِي الخَطَّابِ، هو كالوَطْءِ دُون الفَرْجِ. يعْنِي، كالمُباشَرَةِ دُونَ الفَرْجِ، على ما تقدَّم مِنَ الخِلافِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو الصَّحيحُ. قال في «الفُروعِ» : اخْتارَه جماعَةٌ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: المَنْصُوصُ عنِ الإِمام أحمدَ، رحمه الله: في مَسْألةِ التَّلَوُّطِ؛ أنَّ الفاعِلَ لا يتَزَوجُ بِنْتَ المَفْعولِ فيه ولا أُمَّه. قال: وهو قِياسٌ جيِّدٌ. قال: فأمَّا (1) تزَوُّجُ المَفْعولِ فيه بأُمِّ الفاعِلِ، ففيه نظَرٌ، ولم يَنُصَّ عليه. قال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: وقيل: لا ينْشُرُ الحُرْمَةَ أَلْبَتَّةَ. وهو أشْبَهُ. انتهى.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ دَواعِيَ اللِّواطِ ليستْ كاللِّواطِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وذكَر ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ البَنَّا،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه كاللِّواطِ. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» .

فائدة: السِّحاقُ بينَ النِّساءِ لا ينْشُرُ الحُرْمَةَ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ في «مُفْرَداتِه»

ص: 299

الْقِسْمُ الرَّابِعُ، الْمُلَاعِنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ عَلَى التَّأْبِيدِ، إلا أَنْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ له؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

محَلَّ وفاقٍ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: قِياسُ النُّصوصِ في اللِّواطِ، أنَّه يُخَرجُ على الرِّوايتَين في مُباشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ لشَهْوَةٍ.

قوله: القِسْمُ الرَّابعُ، المُلاعِنَةُ تحْرُمُ على المُلاعِنِ على التَّأْبِيدِ، إلا أنْ يُكْذِبَ نَفْسَه، فهل تحِلُّ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، إحْداهما، لا تحِلُّ، بل تحْرُمُ على التَّأْبِيدِ. وهو المذهبُ. نقَلَها الجماعَةُ عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه المُصَنِّفُ في هذا الكِتابِ، في بابِ اللِّعانِ. قال الشَّارِحُ: المَشْهورُ في المذهبِ، أنَّها باقِيَةٌ على التَّحْريمِ المُؤبَّدِ، والعَمَلُ عليها.

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» في بابِ اللِّعانِ، وقدَّمه في «الفُروعِ» أيضًا. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، تُباحُ له. قاله ابنُ رَزِينٍ. وهو أظْهَرُ. قال الشَّارِحُ هنا وفي بابِ اللِّعانِ: وهذه الروايَةُ شَذَّ بها حَنْبَلٌ عن أصحابِه. قال أبو بَكْرٍ: لا نَعْلَمُ أحدًا رَواها غيرَه. قال المُصنِّفُ: يَنْبَغِي أنْ تُحْمَلَ هذه الرِّوايَةُ على ما إذا لم يُفَرِّقِ الحاكِمُ بينَهما، فأمَّا إنْ فرَّق بينَهما، فلا وَجْهَ لبَقاءِ النِّكاحِ بحالِه. انتهى. وعنه، تُباحُ (1) بنِكاحٍ جَديدٍ، أو مِلْكِ يَمِينٍ، إنْ كانتْ أَمَةً. ويأَتي هذا في اللعانِ أيضًا مُسْتَوْفًى، فليُراجَعْ. [فعلى المذهبِ، لو وقَع اللِّعانُ بعدَ البَينُونَةِ، أو في نِكاحٍ فاسِدٍ، فهل يُفِيدُ التَّحْرِيمَ المُوبَّدَ، أم لا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ»، و «المُحَرَّرِ»، و «النَّظْمِ»، و «الرِّعايتَين»، و «الحاوي الصَّغِيرِ»، و «الفُروعِ»، وغيرِهم. ذكَرُوه في اللِّعانِ؛ أحدُهما، تحْرُمُ أيضًا على التَّأْبِيدِ. وهو الصَّحيحُ. قدَّمه في «الكافِي». والوَجْهُ الثَّاني، لا يَتأَبَّدُ التَّحْريمُ في المَسْألتَينِ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»](2).

فائدة: ذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في كتابِ التَّحْليلِ، أنَّ الرَّجُلَ إذا قتَل رَجُلًا ليَتزَوَّجَ امْرَأَته، أنَّها لا تحِلُّ له أبدًا. وسُئِلَ عن رَجُلٍ خَبَّثَ

(1) في الأصل: «تباع» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 301

فَصْل: الضَّرْبُ الثَّانِي، الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ، وَهُنَّ نَوْعَانٍ؛ أَحدُهُمَا، المُحَرَّمَاتُ لأجْلِ الْجَمْعِ، فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَينَ الأُخْتَينَ،

ــ

امْرأةً على زَوْجِها حتى طَلُقَتْ ثم تزَوَّجَها؟ أجابَ: يُعاقَبُ مثْلُ هذا عُقوبَةً بَلِيغَةً، والنِّكاحُ باطِلٌ في أحَدِ قَوْلَي العُلَماءِ في مذهبِ الإِمامِ أحمدَ والإِمامِ مالِكٍ وغيرِهما، رحمهم الله، ويجِبُ التَّفْرِيقُ فيه.

فوائد؛ إحْداها (1)، إذا فسَخ الحاكِمُ نِكاحَه لعُنَّتِه، أو عَيبٍ فيه يُوجِبُ الفَسْخَ، لم تَحْرُمْ على التَّأْبِيدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، ذكَرَه في بابِ العُيوبِ. وعنه، تَحْرُمُ على التَّأْبِيدِ، كاللِّعانِ.

الثَّانيةُ، قوْلُه: فيحْرُمُ الجَمْعُ بينَ الأُخْتَين وبين المَرْأةِ وعَمَّتِها، أو خالتِها.

(1) في الأصل: «إحداهما» .

ص: 302

وَبَينَ الْمَرأةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالتِهَا،

ــ

بلا نِزاعٍ، وسواءٌ كانت العَمَّةُ والخالةُ حَقِيقَةً أو مجَازًا، كعَمَّاتِ آبائِها وخالاتِهم، وعَمَّاتِ أُمَّهاتِها وخالاتِهِنَّ، وإنْ علَتْ دَرَجَتُهُنَّ، ولو رَضِيَتا، مِن نَسَبٍ أو رَضاعٍ. وخالفَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدَّينِ، رحمه الله، في الرَّضاعِ، فلم يُحَرمِ الجَمْعَ مع الرَّضاعِ. فعلى المذهبِ، كلُّ شَخْصَين لا يجوزُ لأحَدِهما أنْ يتَزَوَّجَ الآخَرَ، لو كان أحدُهما ذكَرًا، والآخَرُ أُنثَى، لأجْلِ القَرابَةِ، لا يجوزُ الجمعُ بينَهما. قاله الأصحابُ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: خالُ أبِيها (1) بمَنْزِلَةِ خالِها. وكذا

(1) في النسخ: «ابنها» . والمثبت من الفروع 5/ 199.

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يحْرُمُ عليه الجَمْعُ بينَ عَمَّةٍ وخالةٍ؛ بأنْ ينْكِحَ امْرَأةً وينْكِحَ ابنُه (1) أُمَّها، فيُولَدَ لكُلِّ واحدٍ منهما بِنْتٌ. ويحْرُمُ أيضًا الجمْع بينَ خالتَين؛ بأنْ ينْكِحَ كلُّ واحدٍ منهما ابنَةَ (2) الآخَرِ، فيُولَدَ لكلِّ واحدٍ منهما بِنْتٌ. ويحْرُمُ أيضًا الجمْعُ بينَ عَمَّتَين، بأنْ ينْكِحَ كل واحدٍ منهما أُمَّ الآخَرِ، فيُولَدَ لكلِّ واحدٍ منهما بِنْتٌ. الثَّالثةُ، لا يُكْرَهُ الجَمْعُ بَين بِنْتَيْ عَمَّيه أو عَمَّتَيه، أو ابْنَتَيْ خاليه أو خالتَيه، أو بِنْتِ عَمِّه وبِنْتِ عَمَّتِه.

(1) في ط، ا:«ابنة» .

(2)

في ا: «أُمّ» .

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الصَّحيحِ مِنَ المذهبَ. جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» وغيرِه. كما لا يُكْرَهُ جَمْعُه بينَ مَن كانتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ وبِنْتِه مِن غيرِها. وعنه، يُكْرَهُ. جزَم به في «الكافِي» ، فيكون هذا المذهبَ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». وحرَّمه في «الرَّوْضَةِ»؛ قال: لأنَّه لا نَصَّ فيه، ولكنْ يُكْرَهُ قِياسًا. يعْنِي، على الأُخْتَين. قاله في «الفُروعِ» . الرَّابعةُ، لو تزَوَّجَ أُخْتَ زَيدٍ مِن أبِيه، وأُخْتَه مِن أُمِّه في عَقْدٍ واحدٍ، صحَّ. ذكرَه في «الرِّعايَةِ» وغيرِه.

ص: 305

فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ، لَمْ يَصِحَّ،

ــ

الخامسةُ، لو كان لكُلِّ رَجُلٍ بِنْتٌ، ووَطِئا أَمَةً، فَأُلْحِقَ وَلَدُها بهما، فتَزَوَّجَ رَجُلٌ بالأَمَةِ وبالبِنْتَين، فقد تزَوَّجَ أُمَّ رَجُلٍ وأُخْتَيه. ذكَرَه ابنُ عُقِيلٍ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ». قلتُ: فيُعايىَ بها، وقد نظَمَها بعضُهم لُغْزًا.

قوله: وإنْ تزَوَّجَهما في عَقْدٍ، لم يصِحَّ. وكذا لو تزَوَّجَ خَمْسًا في عَقْدٍ واحدٍ.

ص: 306

وَإنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَينِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الأُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً، فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ.

ــ

وهذا المذهبُ فيهما، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه، في رِوايَةِ صالِحٍ، وأبِى الحارِثِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، إذا تَزِوَّجَ أُخْتَين في عَقْدٍ، يخْتارُ إحْداهما، وتأوَّلَه القاضي على أنَّه يخْتارُها بعَقْدٍ مُسْتَأْنفٍ. وقال في آخِرِ «القَواعِدِ»: وهو بعيدٌ. وخرَّج قوْلًا بالاقْتِراعِ.

قوله: وإنْ تزوَّجَهما في عَقْدَينٍ، أو تزَوَّجَ إحْداهما في عِدَّةِ الأُخْرَى، سَواءٌ كانَتْ بائِنًا أو رَجْعِيَّة، فنِكاحُ الثَّانِيَةِ باطِلٌ. يعْنِي، إذا كان يحْرُمُ

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجَمْعُ بينَهما. وهذا بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو جُهِلَتِ الأُولَى، فُسِخا على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدوسٍ» ، وقالا: بطَلا. قال ابنُ أبِي مُوسى: الصَّحيحُ بُطْلانُ النِّكاحَين. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يُقْرَعُ بينَهما؛ فمَن خرَجَتْ لها القُرْعَةُ، فهي الأُولَى. قال في «الرِّعايَةِ» ، مِن عندِه: قلتُ: فمَن قَرَعَتْ، جدَّدَ عَقْدَها بإذْنِها. فعلى المذهبِ، يلْزَمُ أحدَهما نِصْفُ المَهْرِ، يقْتَرِعان عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفروعِ» وغيرِهم. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه مُكْرَهٌ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، فقال: اخْتِيارِي أنْ يسْقُطَ المَهْرُ، إذا

ص: 309

وَإنِ اشْتَرى أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أوْ عَمَّتَهَا، أوْ خَالتَهَا، صَحَّ، وَلَمْ يَحِلَّ

ــ

كان مُجبَرًا على الطلاقِ قبلَ الدُّخولِ. قلتُ: فعلى الأوَّلِ، يُعايَى بها، إذا أُجْبِرَ على الطلاقِ.

ص: 310

لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرأته وَتَنْقَضِيَ عِدَّتهَا، وَإنِ اشْتَرَاهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، صَحَّ،

ــ

قوله: وإنِ اشْتَراهُنَّ في عَقْدٍ واحِدٍ، صحَّ. يعْنِي، لو اشْتَرَى أُخْتَين، أو امْرَأةً وعمَّتَها أو خالتَها في عَقْدٍ واحدٍ، صحَّ.

ص: 311

فَإِنْ وَطِيء إِحدَاهُمَا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الأخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الأولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَزْويجٍ، وَيَعلَمَ أنها لَيسَتْ بِحَامِل.

ــ

وقوله: فإنْ وَطِيء إحداهما، لم تحِلَّ له الأخْرَى حتى يُحَرِّمَ على نَفْسِه الأولَى. هو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، ليسَ بحَرام ولكِنْ يُنهى عنه. أثْبَتَها القاضي، وجماعَةٌ مِن أصحابِه، والمُصَنّفُ، والمَجْدُ، وابنُ حَمدانَ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. ومنَع الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنْ يكونَ في المَسْألةِ رِوايَةٌ بالكَراهةِ، وقال: مَن قال، عن أحمدَ، رحمه الله، إنَّه قال: لا يَحرُمُ بل يُكْرَهُ. فقد غَلِطَ عليه، ومأخَذُه الغَفْلَةُ عن دَلالاتِ الألْفاظِ ومراتِبِ

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلامِ، وأحمدُ، رحمه الله، إنَّما قال: لا أقولُ إنَّه حَرَامٌ ولكِنْ يُنْهى عنه. وكان يَهابُ قوْلَ الحَرامِ إلَّا فيما فيه نصٌّ. وقد بيَّن ذلك القاضي في «العُدَّةِ» .

فائدة: قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثَّلاثينَ بعدَ المِائةِ» : الجَمعُ بينَ المملُوكتَين في الاسْتِمتاعِ بمُقَدِّماتِ الوَطْءِ، قال ابنُ عَقِيل: يُكْرَهُ ولا يحرُمُ. [ويتَوَجَّهُ أنْ يحرُمَ](1)، أمَّا إذا قُلْنا: إنَّ المُباشَرَةَ لشَهْوَةٍ كالوَطْءِ في تحريم الأخْتَين، حتى تحرُمَ الأولَى. فلا إشْكال. انتهى.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: في قوْلِه: فإنْ وَطِئ إحداهما، لم تحِلَّ له الأخْرَى. إشْعار بجَوازِ وَطْءِ إحداهما ابْتِداءً قبلَ تَحريمِ الأخْرَى. وهو صحيح، وهو المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والمَجْدُ، وغيرُهم، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قال في «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ»: والأصحُّ جَوازُه. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بعدَ المِائة» : هذا المَشْهورُ، وهو أصحُّ. ومنَع أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» مِن وَطْءِ واحِدَةٍ منهما قبلَ تحريمِ الأخْرَى. وقطَع به في «المُذْهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير». قال في «القَواعِدِ»: ونقَل ابنُ هانِئ، عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، ما يدُلُّ عليه، وهو راجِع إلى تحريمِ أحدِهما مُبهمًا. وقيل: يُكْرَهُ ذلك.

فائدة: حُكْمُ المُباشَرَةِ مِنَ الإِماءِ فيما دُونَ الفرجِ، والنَّظَرِ إلى الفَرجِ لِشَهْوَةٍ، فيما يرجِعُ إلى تحْريمِ أخْتِها، كحُكْمِه في تحريمِ الرَّبِيبَةِ، على ما تقدَّم. قدَّمه في «المُغنِي» ، و «الشَرحِ». وقال: والصَّحيحُ أنَّها لا تحرُمُ بذلك؛ لأنَّ الحِل ثابِت، فلا يُحَرمُ إلَّا الوَطْءُ فقط.

تنبيهان؛ الأوَلُ، قوْلُه: فإنْ وَطِئ إحداهما، لم تحِلَّ له الأخْرَى. فلو خالفَ

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ووَطِيء الأخْرَى، لَزِمَه أنْ يمسِكَ عنهما حتى يُحَرِّمَ إحداهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشرحِ» ، و «الفُروع». قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: هذا الأظْهرُ. فيكونُ المَمنوعُ منهما واحِدَة مُبْهمَةً. وأباحَ القاضي في «المُجَرَّدِ» وَطْءَ الأولَى بعدَ اسْتِبْراءِ الثَّانيةِ، والثَّانِيَةُ هي المُحَرَّمَةُ عليه.

الثَّاني، قوْلُه: لم تحِلَّ له الأخْرَى حتى يُحَرِّمَ على نفْسِه الأولَى. بإخْراج عن مِلْكِه أو تَزْويج، ويعلَمُ أنَّها ليستْ بحامِل. وهذا بلا نِزاع في الجُملَة. وقال ابنُ عَقِيل: لا يكْفِي في إباحَةِ الثَّانيةِ مُجَرَّدُ إزالةِ مِلْكِه عنها، بل لا بدَّ أنْ تحِيضَ (1) حَيضَة وتنْقضِيَ، فتَكونَ الحَيضَةُ، كالعِدَّةِ. وتَبِعَه على ذلك صاحِبُ «التَّرغِيبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرُهما. وجزَم به الزركَشِيُّ وغيرُه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ، رحمه الله: ليس هذا القَيدُ في كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وعامَّةِ الأصحابِ. انتهى. ولا يكْفِي اسْتِبْراؤها بدُونِ زَوالِ المِلْكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّف هنا. وقال ابنُ عَقِيل: يَنْبَغِي أنْ يُكْتَفى بذلك؛ إذْ به يزُولُ الفِراشُ المُحَرِّمُ للجَمعِ، ثم في الاكتِفاءِ بتَحريمِها بكِتابَةٍ، أو رَهْن، أو بَيعٍ بشَرطِ الخِيارِ، وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» ، وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي» ، في الكِتَابَةِ. قطَع في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، أنَّ الأخْتَ لا تُباحُ إذا رَهنها أو كاتَبَها، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، والمُصَنف هنا. قال الزَّركشي: هذا الأشْهرُ في الرَّهْنِ. وقال: ظاهِرُ إطْلإقِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وكثير مِنَ الأصحابِ، الاكتفاء

(1) في الأصل، ط:«تمضي» .

ص: 316

فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ، لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ

ــ

بزَوالِ المِلْكِ، ولو أمكَنَه الاسْترجاعُ، كهِبَتِها لوَلَدِه، أو بَيعِها بشَرطِ الخِيارِ. وجزَم ابنُ رَزِين في «شَرحِه» ، أنَّه إذا رَهنَها، أو كاتَبَها، أو دبَّرَها، لا تُباحُ أخْتُها. وقدَّم في «الرِّعايتَين» ، أنَّه يكْفِي كِتابَتُها واخْتارَه القاضي وغيرُه. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الوَجيزِ» ، وابنُ عَقِيل في الجميعِ؛ حيث قال: فإنْ وَطِئ إحداهما، لم تحِلَّ الأخْرَى حتى يُحَرِّمَ المَوْطُوءَةَ بما إلَّا يمكِنُ أنْ يرفَعَه وحدَه. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . ولو أزال مِلْكَه عن بعضِها، فقالْ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: كفاه ذلك. وهو قِياسُ قوْلِ أصحابِنا.

الثَّالثُ، شَمِلَ قوْلُه؛ بإخْرَاج عَن مِلْكِه. الإِخْراجَ بالبَيعِ وغيرِه. وقد صرَّح به الأصحابُ. فيَحتَمِلُ أنْ يُقال: هذا منهم مَبْنِيٌّ على القَوْلِ بجَوازِ التَّفْريقِ، على ما مرَّ في كِتابِ الجِهادِ (1)، لكِنْ يعكُرُ على ذلك ما قبلَ البُلوغِ، فإنَّه ليس فيه نِزاعٌ. ويَحتَمِلُ أنْ يُقال: يجوزُ البَيعُ هنا للحاجَةِ، وإنْ منَعناه في غيرِه. قال العَلَّامَةُ ابنُ رَجَب: أطْلَقَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، والأصحابُ، تحريمَ الثَّانيةِ حتى يُخْرِجَ الأولَى عن مِلْكِه ببَيع أو غيرِه. فإنْ بُنِيَتْ هذه المسْالةُ على ما ذكَرَه الأصحابُ في التَّفْريقِ، لَزِم أنْ لا يجوزَ التَّفْريقُ بغيرِ العِتْقِ، فيما دُونَ البُلوغِ، وبعدَه على رِوايَتَين. ولم يتَعَرَّضُوا هنا لشيءٍ مِن ذلك، ولعَلَّه مُسْتَثْنًى مِنَ التَّفْريقِ المُحَرَّمِ للحاجَةِ، وإلَّا لَزِمَ تحريمُ هذه الأمَةِ بلا مُوجِبٍ. انتهى. وسبَقَه إلى ذلك الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رَحِمَه اللهُ تعالى. قلتُ: فيُعايىَ بها.

قوله: فإنْ عادَتْ إلى مِلْكِه، لم يُصِبْ واحِدَةً منهما حتى يُحَرمَ الأخْرَى. سواءٌ

(1) انظر 10/ 102.

ص: 317

الأخْرَى. وَعَنْهُ، لَيسَ بِحَرَام، وَلَكِنْ يُنْهى عَنْهُ.

ــ

كان وَطِئ الثَّانيةَ أوْ لا. وهذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ» : هذا ظاهِرُ نُصوصِه، واخْتارَه الخِرَقِيُّ. قال في «القاعِدَةِ الأربَعِين»: هذا الأشْهرُ، وهو المَنْصوصُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ،

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» . قال الزَّركَشِيُّ: إذا عادَتْ بعدَ وَطْءِ الأخْرَى، فالمنْصُوصُ في رِوايَةِ جماعَة وعليه عامَّةُ الأصحابِ، اجْتِنابُهما حتى يُحَرِّمَ إحداهما، وإنْ عادَت قبلَ وَطْءِ الأخْرَى، فظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، والخِرَقِيِّ، وكثير مِنَ الأصحابِ، أنَّ الحُكْمَ كذلك. وا خْتارَ المُصَنفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، أنَّها إنْ عادَتْ قبلَ وَطْءِ أخْتِها، فهي المُباحَةُ دُونَ أُخْتِها. واخْتارَ المَجْدُ في

ص: 319

وَإنْ وَطِئ أمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ أخْتها، لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ. وَظَاهِرُ

ــ

«المُحَرَّرِ» ، أنَّها إذا رجَعَتْ إليه بعدَ أنْ وَطِئ الباقِيَةَ، أنَّه يُقِيمُ على وَطْئِها، ويَجْتَنِبُ الرَّاجِعَةَ؛ وإنْ رَجعَتْ قبلَ وَطْءِ الباقِيَةِ، وَطِئ أنْثتهما شاءَ. قال. ابنُ نَصرِ اللهِ: هذا إذا عادَتْ إليه على وَجْهٍ لا يجِبُ الاسْتِبْراءُ عليه، أمَّا إن وجَب الاسْتِبْراءُ، لم يلْزَمه تركُ أخْتِها حتى يَسْتَبْرِئَها.

قوله: وإنْ وَطِئ أمتَه، ثم تزَوَّجَ أخْتَها، لم يَصِحَّ عندَ أبِي بَكْر. وهو المذهبُ. قال القاضي: وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وحَكاه في «الفُروعِ» وغيرِه رِوايَةً. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ،

ص: 320

كَلامِ أحمَدَ، رضي الله عنه، أنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَطَؤها حَتَّى يُحَرِّمَ

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» . وهو منها. وظاهِرُ كلام الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يصِحُّ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وحَكاها في «الفُروعِ» وغيرِه رِوايَةً، ونَقَلَها حَنْبَلٌ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقهما في «المُذْهبِ» ، و «الفُروعِ» .

[فائدة: مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو أعتَقَ سُرِّيته، ثم تزَوَّجَ أخْتَها في مُدَّةِ اسْتِبْرائِها](1).

قوله: وَلا يطَؤها حتى يُحَرمَ المَوْطُوءَةَ. يعنِي، على القَوْلِ بالصِّحَّةِ.

(1) زيادة من: ا.

ص: 321

الْمَوْطُوءَةَ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ، لَمْ يَطأ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الأخرَى.

ــ

المَوْطُوءَةُ هي أمتُه. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِ هم. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وعنه، يحرُمان معًا، حتى يُحَرِّمَ إحداهما.

فوائد؛ إحداها، مثْلُ هذا الحُكْمِ، لو تزَوَّجَ أُخْتَ أَمتِه بعدَ تحريمِها ثم رَجَعَتْ الأمةُ إليه، لكِنَّ النِّكاحَ بحالِه. قاله في «المُحَرَّر» ، و «الفُروع» . وقدَّم في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، أنَّ حِلَّ وَطْءِ الزَّوْجَةِ باقٍ. وإنْ أعتَقَ أمَتَه

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم تزَوَّجَ أخْتَها في مدَّةِ اسْتِبْرائِها، ففي صحَّةِ العَقْدِ الرِّوايَتَان المُتَقَدِّمَتان، وله نِكاحُ أربَع سِواها في أصحِّ الوَجْهين. قاله في «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقاله القاضي في «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وابنُ المَنِّي. ونَصَره أبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ» ، كما قبلَ العِتْقِ. وقيل: لا

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يجوزُ. الْتَزَمه القاضي في «التعليقِ» في مَوْضِعٍ؛ قِياسًا على المَنْعِ مِن تَزَوُّجٍ أختهِا. قلتُ: وهو ضعيف جدًّا. الثَّانيةُ، لو مَلَك أخْتَين، مُسْلِمَةً ومَجُوسِيَّة، فله وَطْءُ المُسْلِمَةِ. ذكَرَه في «التبصِرَةِ» ، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» . الثَّالثةُ، لو اشْتَرَى أخْتَ زَوْجَتِه، صحَّ، ولا يطَؤها في عِدَّةِ الزَّوجَةِ، فإنْ فعَل، فالوَجْهان المُتَقَدِّمان. وهل دَواعِي الوَطْءِ كالوَطْءِ؟ فيه الوَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ دَواعِيَ الوَطْءِ كالوَطْءِ. وقدَّم ابنُ رَزِين في «شَرحِه» إباحَةَ المُباشَرَةِ، والنظَرِ إلى الفَرجِ لشَهْوَةٍ.

تنبيهان؛ أحدُهما (1)، تقدَّم في آخِرِ كِتابِ الطهارَةِ (2)، إذا اشْتَبهتْ أخْتُه بأجْنَبيةٍ.

(1) في الأصل، ط:«إحداهما» .

(2)

انظر 1/ 141.

ص: 324

وَلَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَينَ أكثَرَ مِنْ أَربَعٍ، وَلَا لِلْعَبْدِ أنْ يَتَزَوَّجَ أكثَرَ مِنَ اثْنَتَينِ، وَإنْ طَلَّقَ إحدَاهُنَّ، لَمْ يَجُزْ أن يَتَزَوَّجَ أخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها.

ــ

الثاني، قوْلُه: ولا يحِلُّ للحُر أنْ يجْمَعَ بينَ أكثَرَ مِن أربع، ولا للعَبْدِ أنْ يتَزَوَّجَ أكثَرَ مِن اثنَتَين. بلا نِزاع. ومَفْهومُ قوْلِه: وَإنْ طَلقَ إحداهُنَّ، لم يجُزْ أنْ يَتَزوَّجَ

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخْرَى حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها. أنَّها لو ماتَتْ، جازَ تَزَوُّجُ غيرِها في الحالِ. وهو صحيح، نصَّ عليه. فلو قال: أخْبَرَتْنِي بانْقِضاءِ عِدَّتِها. فكَذَّبَتْه، فله نِكاحُ أخْتِها، وبدَلِها، في أصح الوَجْهين. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروع» ، وغيرِهما. وقيل: ليس له ذلك. فعلى الأوَّلِ، لا تسْقُطُ السُّكْنَى والنفَقَةُ ونسَبُ الوَلَدِ، بل الرَّجْعَةُ. قاله الأصحابُ.

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحداهما، قوْلُه: ولا يحِلُّ للعَبْدِ أنْ يتَزَوَّجَ أكْثر مِن اثنَتَين بلا نِزاع. ونصَّ عليه في رِوايَةِ الجماعَةِ؛ منهم صالِحٌ. وابنُ مَنْصُورٍ، ويعقُوبُ بنُ بخْتانَ. لكِنْ لو كان نِصْفُه حُرًّا فأكثر، جازَ له أنْ يتَزَوَّجَ ثلاثا. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ، نص عليه. وجزَم به في «البُلْغَةِ» ، و «المُسْتَوْعِب» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ،

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» ، و «الزَّركَشِيِّ». وقيل: هو كالعَبْدِ. ويأتِي في آخرِ نَفَقَةِ الأقارِبِ والمَماليكِ: هل للعَبْدِ أنْ يَتَسَرَّى بإذْنِ سيِّدِه، أم لا؟ الثَّانيةُ، اخْتُلِفَ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في جَوازِ تَسَرِّي العَبْدِ بأكْثَرَ مِن اثْنَتَين؛ فنقَل عنه

ص: 330

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَيمُونِي الجَوازَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم، في آخرِ بابِ نفَقَةِ الأقارِبِ والمَماليكِ. ونقَل أبو الحارِثِ، المَنْعُ كالنِّكاحِ. قال في «القَواعدِ الأصُولِيَّةِ»: ولم يُخْتَلَفْ عنه في أنَّ عِتْقَ العَبْدِ وسرِّيته يُوجِبُ تحرِيمَها عليه،

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتُلِفَ عنه في عِتْقِ العَبْدِ وزَوْجَتِه، هل ينْفَسِخُ به النِّكاحُ؟ على ما يأتِي مُحَرّرًا في آخرِ البابِ الآتِي بعدَه.

ص: 332

فصل: النَّوْعُ الثَّانِي، مُحَرَّمَات لِعَارِضٍ يَزُولُ، فَيَحرُمُ عَلَيهِ نِكَاحُ زَوْجَةِ غَيرِهِ، وَالْمُعتَدَّةُ مِنْهُ، وَالْمُسْتَبْرئة مِنه،

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 334

وَتحرُمُ الزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُها،

ــ

قوله: وتَحرُمُ الزَّانِيَةُ حتى تتُوبَ وتنْقَضِيَ عِدَّتُها. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه (1). وجزَم بة في «الوَجيزِ» وغيرِه.

(1) في الأصل: «عليهما» .

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقال في «الانْتِصارِ» : ظاهِرُ نَقْلِ حَنْبَل في التَّوْبَةِ، لا يَحرُمُ تَزَوُّجُها قبلَ التوْبَةِ. قال ابنُ

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَجَب: وأمَّا بعدَ (1) التَّوْبَةِ، فلم أرَ مَن صرح بالبُطْلانِ فيه، وكلامُ ابنِ عَقِيل يدُلُّ على الصِّحَةِ؛ حيث خصَّ البُطْلانَ بعدَ (2) انْقِضاءِ العِدَّةِ. انتهى. وقال بعضُ الأصحابِ: لا يحرُمُ تَزَوُّجُها قبلَ التَّوْبَةِ، إنْ نكَحَها غيرُ الزانِي. ذَكَرَه أبو يَعلَى الصَّغيرُ.

تنبيه: مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُشْتَرَطُ تَوْبَةُ الزانِي بها إذا نكَحَها. وهو

(1) في الأصل، ط:«فقد» .

(2)

في الأصل، ط:«بفقد» .

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحيحٌ، وهو المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» . وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يُشْتَرَطُ توْبَتُه. ذكَرَه ابنُ الجَوْزِي عن أصحابِنا.

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأولَى، تَوْبَةُ الزَّانيَةِ، أنْ تُراوَدَ على الزِّنَى فتمتَنِعَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. ورُوِيَ عن عُمَرَ، وابنِ عَبَّاس، رضي الله عنهم، ونصَرَه ابنُ رَجَب. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: تَوْبَتُها كتَوْبَةِ غيرِها، مِنَ النَّدَمِ والاسْتِغْفارِ، والعَزْمِ على أنْ لا تعودَ. واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لو وَطِئَ بشُبْهةٍ أو زِنًى، لم يَجُزْ في العِدَّةِ نِكاحُ اخْتِها، ولا يَطؤها إنْ كانتْ زوْجَتَه. نصَّ عليه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفي جوازِ وَطْءِ أربَعٍ غيرِها والعَقْدِ عليهِنَّ وَجْهان.

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي» ، و «الرعايَةِ الكُبْرى» في مَوْضِعٍ؛ أحدُهما، لا يجوزُ. وهو الصَّحيحُ. اخْتارَه أبو بَكْر في «الخِلافِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، وابنُ عَقِيل. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «الزّركَشِي» ، واخْتارهَ. والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، في مَكانٍ آخَرَ. وهو احتِمال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، في المَسْألتَين. وقال القاضي في «التّعليقِ»: يُمنَعُ مِن وَطْءِ الأربَعِ، حتى يُسْتَظْهرَ بالزَّانِيَةِ حَمْل. واسْتَبْعَدَه المَجْدُ. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بعدَ المِائةِ»: وهوكما قال المَجْدُ، لأن التّحريمَ هنا لأجْلِ الجَمعِ بينَ خَمسٍ، فيَكْفِي فيه أنْ يُمسِكَ

ص: 341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن واحدَةٍ منهُنَّ حتى يسْتَبْرِئ. وصرَّح به صاحِبُ «التَّرغيبِ» . ويأتِي في نِكاحِ الكُفَّارِ، لو أسْلَم على أكثرَ مِن أربَعِ نِسْوَةٍ، فاخْتارَ أربَعًا، هل يعتَزِلُ المُخْتاراتِ حتى تنْقَضِيَ عِدَّةُ المُفارَقاتِ، أم لا؟ الثَّالثةُ، يجوزُ في مُدَّةِ اسْتِبْراءِ العَتِيقَةِ نِكاحُ أربَعٍ سِواها. قاله القاضي في «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وابنُ المَنِّيِّ. ونَصَرَه أبو الخَطَّابِ في «خِلافِه الصَّغِيرِ» ، كما قبلَ العِتْقِ. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، وزادَ الأمَةَ. وقيل: لا يجوزُ. الْتَزمه القاضي في «التّعليقِ» في

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَوْضِعٍ، قِياسًا على المَنْعِ مِن تَزُّوجِ أُخْتِها. الرَّابعةُ، لو وُطِئَتِ امْرَأَةٌ بشُبْهَةٍ، حَرُمَ نِكاحُها في العِدَّةِ لغيرِ الواطِئِ، بلا نِزاعٍ، فلو خالفَ وفَعَل، لم يصحَّ، ويُباحُ له بعدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، إنْ نكَح مُعْتَدَّةً مِن زَوْجٍ بنِكاحٍ فاسِدٍ، ووَطْءٍ، حَرُمَتْ عليه أبدًا. وأمَّا للواطِئ؛ فعنه، تحْرُمُ عليه إنْ كانتْ (1) قد لَزِمَتْها عِدَّةٌ مِن غيرِه، وإلَّا أُبِيحَتْ. قأل في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: وهو أصحُّ (2). قال في «الفُروعِ» : وهي أشْهَرُ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . قال الزَّرْكَشِيُّ في العِدَدِ (3): وعلى هذا الأصحابُ كافَّةً، ما عدا أبا محمدٍ. وعنه، تُباحُ له مُطْلَقًا. ذكَرَها الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، واخْتارَه

(1) في الأصل، ط:«كان» .

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: «العدة» .

ص: 343

وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ، وَالْمُحْرِمَةُ حَتَّى تَحِلَّ.

ــ

هو، والمُصَنِّفُ. وصحَّحَه في «النَّظْمِ» . فيكونُ هذا المذهبَ، على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ، لكِنَّ الأصجابَ على خِلافِه. وعنه، لا تُباحُ له مُطْلَقًا حتى تفْرَغَ عِدَّتُها. ذكَرَها في «المُحَرَّرِ» ، وقدَّمه في «الرِّعايتَين». قال في «الكافِي»: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ تحْرِيمُها على الواطِئ. قال المُصَنِّفُ: وهو قِياسُ المذهبِ. قال في «الفُروع» : وفي هذا القِياسِ نظَرٌ. وأطْلَقَهُنَّ في

ص: 344

وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ، إلا حَرَائِرَ أَهْلَ الْكِتَابِ،

ــ

«الفُروعِ» . ويأْتِي بعضُ ذلك في العِدَّةِ، عندَ قوْلِه: وإنْ أصابَها بشُبْهَةٍ.

قوله: ولا يحِلُّ لمُسْلِمٍ نِكاحُ كافِرَةٍ، إلَّا حَرائرَ أهْلِ الكِتابِ. شَمِلَ

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَسْألتَين؛ إحْداهما، حَرائرُ أهْلِ الكِتابِ، وهما قِسْمان؛ ذِمِّيَّاتٌ، وحَرْبِيَّاتٌ، فالذِّمِّيَّاتُ يُبَحْنَ، بِلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ. وأمَّا الحَرْبِيَّاتُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ حِلُّ نِكاحِهِنَّ مُطْلَقًا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الفُروعِ». واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» وغيرِه. وقيل: يحْرُمُ نِكاحُ الحَرْبِيَّةِ مُطْلَقًا. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وأطْلَقَهما في «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: يجوزُ في دارِ الإسْلامِ لا في دارِ الحَرْبِ، وإنِ اضْطُرَّ. وهو مَنْصوصُ الإمامِ

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحمدَ، رحمه الله، في غيرِ رِوايَةٍ، واخْتِيارُ ابنِ عَقِيلٍ. وقيل: بالجوازِ في دارِ الحَرْبِ مع الضَّرُورَةِ. قال الزّرْكَشِيُّ: وهو اختِيارُ طائفةٍ مِنَ الأصحابِ، ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ أيضًا. وقال المُصَنِّفُ: ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله،

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الأسِيرِ المَنْعُ. وتقدَّم في أوائلِ كتابِ النِّكاحِ (1): هل يتَزَوَّجُ بدارِ الحرْبِ

(1) تقدم في صفحة 23.

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للضَّرُورَةِ، أمْ لا؟ وقال ناظِمُ «المُفْرَداتِ»: إذا كانتِ الكافِرَةُ أُمُّها حَرْبِيَّةٌ، لم بُيَحْ نِكاحُها. فعلى المذهبِ، الأوْلَى ترْكُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يُكْرَهُ. اخْتارَه القاضي، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: هو قوْلُ أكْثَرِ

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العُلَماءِ، كذَبائِحِهم بلا حاجَةٍ. والمَسْأَلَةُ الثَّانيةُ، حَرائرُ غيرِ أهْلِ الكِتابِ، فلا يحِلُّ نِكاحُهُنَّ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. جزَم به في «الكافِي» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» وغيره. وذكَر القاضي وَجْهًا، أنَّ مَن دانَ بصُحُفِ شِيثَ، وإبراهِيمَ، والزَّبُورِ، تحِلُّ نِساؤُهم، ويُقَرُّون بالجِزْيَةِ (1)،

(1) في الأصل، ط:«الحرية» .

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كأهْلِ الكِتابَين.

ص: 351

فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيهَا غَيرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

قوله: فإنْ كان أحَدُ أبَوَيها غيرَ كِتابيٍّ، فهل تحِلُّ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ إحْداهما، لا تحِلُّ. وهي المذهبُ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وأبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» ، و «المُقْنِعِ» ، وابنُ أبي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّد» ، و «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، وأبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» ، والشِّيرازِيُّ، وابنُ البَنَّا، والمُصَنِّفُ في «الكافِي» ، والشَّارِحُ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ»: والأَشْهَرُ تحْريمُ مُناكَحَتِه. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ،

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، تحِلُّ. ذكَرَها كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. وحَكاها في «المُغْنِي» احْتِمالًا. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولم أرَ عنِ الإمامِ أحمدَ بذلك نصًّا. قلتُ: لا يلْزَمُ مِن عدَمِ رُؤْيَتِه أنْ لا يكونَ فيها نصٌّ، فقد أثْبَتَها الثِّقاتُ. وحكَى ابنُ رَزِينٍ رِوايَةً ثالثةً، إنْ كان أبُوها كِتابِيًّا أُبِيحَتْ (1)، وإلَّا فلا. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وهو خَطَأٌ.

تنبيهان؛ أحدُهما، مَحَلُّ الخِلافِ فيما إذا كان أحدُ أبوَيها غيرَ كِتابِيٍّ، إذا اخْتارَتْ هي دِينَ أهْلِ الكِتابِ. أمَّا إنِ اخْتارَتْ غيرَه، فلا تُباحُ، قوْلًا واحدًا. الثَّانِي، فعلى كلا الرِّوايتَين في أصْلِ المَسْألَةِ، لو كان أبَوَاها غيرَ كِتابِيَّين واخْتارَتْ هي دِينَ أهْلِ الكِتابِ، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا التَّحْريمُ، رِوايَةً واحِدةً. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل عنه: لا تحْرُمُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، على الرِّوايَةِ الثَّانيةِ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، اعْتِبارًا بنَفْسِه، وقال: هو المَنْصوصُ عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في عامَّةِ أجْوبَتِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

فائدتان؛ إحْداهما، لا ينْكِحُ مَجُوسِيٌّ كِتابِيَّةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نصَّ عليه. وقيل: بلى. وينْكِحُ كِتابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا ينْكِحُها. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير» الثَّانيةُ، لو ملَك كِتابِيٌّ مَجُوسِيَّةً، فله وَطْؤُها على الصَّحيحِ. قدَّمه في «الرِّعايتَين». وقيل: لا يجوزُ له

ذلك.

قوله: أو كانَتْ مِن نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فهل تَحِلُّ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الخِرَقِيِّ» . ذكَرَه أكثرُهم في بابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ؛ إحْداهما، تحِل. وهو المذهبُ بلا رَيبٍ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّصْحيحِ» . قال المُصَنِّفُ، تَبَعًا لإبْراهِيمَ الحَربِيِّ: هذه الرِّوايَةُ آخِرُ قوْلَيه. وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تحِلُّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه الرِّوايَةُ أَشْهْرُ عندَ الأصحابِ.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ نِساءَ العرَبِ، مِن اليَهُودِ والنَّصارَى، غيرَ بَنِي تَغْلِبَ، يحِلُّ نِكاحُهُنَّ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: حُكْمُهُنَّ حُكْمُ نِساءِ بَنِي تَغْلِبَ.

ص: 354

وَلَيسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ.

ــ

جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وتقدَّم قريبًا مِن ذلك، في بابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ (1).

قوله: وليس للمُسْلِمِ وإنْ كان عَبْدًا نِكاحُ أَمَةٍ كِتابِيَّةٍ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ أكثرِ مِن عِشْرِين

(1) انظر 10/ 396.

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نفْسًا. قاله أبو بَكْرٍ. وعنه، يجوزُ. وردَّها الخَلَّالُ، وقال: إنَّما توَقَّفَ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، فيها، ولم ينْفُذْ له قوْلٌ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ،

ص: 356

وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِم نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إلا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، وَلَا يَجِدَ طَوْلَا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ.

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» .

قوله: ولا يحِلُّ لحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إلَّا أنْ يخافَ العَنَتَ، ولا يجِدَ طَوْلًا لنِكاحِ حُرَّةٍ، ولا ثَمَنَ أَمَةٍ. لا يُباحُ للحُرِّ المُسْلِمِ نِكاحُ الأَمَةِ المُسْلِمَةِ إلَّا بوُجودِ الشَّرْطَين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به كثيرٌ منهم. وقال في «التَّبْصِرَةِ» : لا يحْرُمُ على المُسْلِمِ نِكاحُ الإِماءِ (1) المُسْلِماتِ، ولو عُدِمَ الشَّرْطانِ أو أحدُهما. ولم يذْكُرِ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرَ خَوْفِ العَنَتِ. وحَمَل أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ رِوايةَ مُهَنَّا على أنَّ خَوْفَ العَنَتِ ليس بشَرْطٍ في صِحَّةِ نِكاحِ الأَمَةِ، وإنَّما هو على سبيلِ الاخْتِيارِ والاسْتِحْبابِ. من يأْتِي في البابِ الذي يَلِي هذا، بعدَ قوْلِه: وإنْ تزوَّجَ أَمَةً يظُنُّها حُرَّةً هل يكونُ أوْلادُ الحُرِّ مِنَ الأَمَةِ أرِقَّاءَ، أم لا؟.

تنبيه: ذكَر المُصَنِّفُ، رحمه الله، مِنَ الشَّرْطَين، أنْ لا يجِدَ ثَمَنَ أَمَةٍ. وقاله كثيرٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، وأبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، والمَجْدُ في «المُحَرَّرِ» ، وصاحِبُ «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قال في «الرِّعايَةِ»: وهو أظْهرُ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ عدَمُ اشْتِراطِه. وهو ظاهِرُ إطْلاقِ القاضي في «تَعْليقِه» ، وطائفةٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقال في «البُلْغَةِ» ، و «التَّرْغِيبِ»: لو كان قادِرًا على شِراءِ أَمَةٍ، ففي جوازِ نِكاحِ

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأَمَةِ وَجْهان.

فائدة: قال الزَّرْكَشِيُّ: فسَّر العَنَتَ القاضي أبو يَعْلَى، وأبو الحُسَينِ، وابنُ عَقِيلٍ، والشِّيرازِيُّ، وأبو محمدٍ، بالزِّنَى. وكذا صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» . وفسَّره بذلك في «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، وقال: فلو كان يقْدِرُ على الصَّبْرِ، لكِنْ يؤَدِّي صَبْرُه (1) إلى مرَضٍ، جازَ له نِكاحُ الأَمَةِ. وفسَّره المَجْدُ في «مُحَرَّرِه» ، وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرُهم، بعَنَتِ العُزوبَةِ؛ إمَّا لحاجَةِ المُتْعَةِ، وإمَّا للحاجَةِ إلى خِدْمَةِ المَرْأةِ، لكِبَرٍ أو سَقَمٍ أو غيرِهما، وقالوا: نصَّ عليه. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: ولم يذْكُرْ جماعَةٌ الخِدْمَةَ. وأدْخَلَ القاضي، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» الخَصِيَّ

(1) زيادة من: ا.

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمَجْبُوبَ، إذا كان له شَهْوَةٌ يُخافُ معها (1) مِنَ التَّلَذُّذِ بالمُباشَرَةِ حَرامًا، وهو عادِمٌ للطَّوْلِ. وهو ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ، والخِرَقِيِّ، وغيرِهما. وقال في «الرِّعايَةِ»: ولا يصِحُّ نِكاحُ حُرٍّ مُسْلمٍ غيرِ مَجْبُوبٍ أَمَةً مُسْلِمةً إلَّا بشَرْطَين.

تنبيه: عُمومُ قولِه: ولا يَجِدُ طَوْلًا لنكاحِ حُرَّةٍ. يشْمَلُ الحُرَّةَ المُسْلِمَةَ، والكِتابِيَّةَ. وهو كذلك. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وأطْلَقَ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، الحُرَّةَ. وصرَّح به القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ،

(1) في الأصل: «معهما» .

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وفي «الانْتِصارِ» ، احْتِمالُ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ لظاهِرِ الآيَةِ (1). وتَوَقَّفَ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رِوايَةِ حَرْبٍ. وقال في «التَّرْغِيبِ»: في حُرَّةٍ كِتابِيَّةٍ وَجْهان. ويشْمَلُ قوْلُه: ولا ثَمَنَ أَمَةٍ. المُسْلِمَةَ والكِتابِيَّةَ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وقد أطْلَقَ الأَمَةَ أبو الخَطَّابِ، وصاحِبُ «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُصَنِّفُ» والمَجْدُ في «مُحَرَّرِه» ، والشَّارِحُ، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهم. وقيَّد القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، الأَمَةَ بالإسْلام.

فوائد؛ الأُولَى، وُجودُ الطَّوْلِ؛ هو أنْ يَمْلِكَ (2) مالًا حاضِرًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفسَّر الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، الطَّوْلَ بالسَّعَةِ. قال القاضي في «المُجَرَّدِ»: عدَمُ الطَّوْلِ؛ أنْ لا يجِدَ صَداقَ حُرَّةٍ. زادَ ابنُ عَقِيلٍ، ولا

(1) سورة النساء: 25.

(2)

في ا: «لا يملك» .

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نفَقَتَها. وهو أوْلَىْ، إذا عَلِمَ ذلك ولم يَمْلِكْ مالًا حاضِرًا، ووجَد مَن يُقْرِضُه، أو رَضيَتِ الحُرَّةُ بتَأْخِيرِ صَداقِها، أو بدُونِ مَهْرِها، لم يَلْزَمْه، وجازَ له نِكاحُ الأَمةِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . واخْتارَه القاضي، والأزَجِيُّ. وَقَدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: إنْ رَضِيَتْ بتَأْخيرِ صَداقِها، أو بدُونِ مَهْرِها، لَزِمَه. وقيل: إنْ رَضِيَتْ بدُونِ مَهْرِ مِثْلِها، لَزِمَه، وإلَّا فلا. ولو وُهِبَ له الصَّداقُ، لم يَلْزِمْه قَبُولُه. الثَّانيةُ، قال المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ: وذلك بشَرْطِ أنْ لا يُجْحِف بمالِه، فإنْ أجْحَفَ بمالِه، جازَ له نِكاحُ الأَمةِ، ولو كان قادِرًا على نِكاحِ الحُرَّةِ بهذه الصِّفَةِ. وقال في «التَّرْغِيبِ»: ما لم يُعَدَّ سَرْفًا. الثَّالثةُ، لو وجَد حُرَّةً لا تُوطأُ لصِغَرِها، أو كانتْ زوْجَتُه غائِبَةً، جازَ له نِكاحُ الأَمَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نَصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به في

ص: 363

وَإنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ أَيسَرَ، أَوْ نَكَحَ حُرَّةً، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

«الرِّعايَةِ» ، في الزَّوْجَةِ. واخْتارَه القاضي. وقيل: لا يجوزُ. وهو احْتِمالٌ في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . قال ابنُ أبِي مُوسى: ليس لحُرٍّ تحتَه حُرَّةٌ أنْ يتزَوَّجَ عليها أَمَةً، لا أعلمُ فيه خِلافًا، وللعَبْدِ الذي تحتَه حُرَّةٌ أنْ يتزَوَّجَ عليها أمَةً، قولًا واحدًا. ولو كانتْ زوْجَتُه مَرِيضَةً، جازَ له أيضًا نِكاحُ الأَمَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وذكَر في «التَّرْغِيبِ» وَجْهَين. الرَّابعةُ، قال في «التَّرْغِيبِ»: نِكاحُ (1) مَن بعضُها حُرٌّ أوْلَى مِن نكاحِ الأَمَةِ؛ لأنَّ إرْقاقَ بعضِ الوَلَدِ أوْلَى مِن إرْقاقِ جميعِه.

قوله: وإنْ تزَوَّجَها وفيه الشَّرْطان، ثم أيسَرَ، أو نكَح حُرَّةً، فهل يبْطُلُ نِكاحُ الأَمَةِ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما فيهما، في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي

(1) سقط من: الأصل.

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّغِيرِ»، و «الفُروعِ» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، في الأخيرَةِ. إذا تزوَّجَ الأَمَةَ، وفيه السَّرْطان، ثم أيسَرَ، لم يبْطُلْ نِكاحُ الأَمَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا هو المذهبُ المَنْصوصُ المَجْزومُ به عندَ عامَّةِ الأصحابِ. انتهى. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وقالا: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرُهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يبْطُلُ. وخرَّجَها القاضي وغيرُه مِن رِوايَةِ صِحَّةِ نِكاحِ الحُرَّةِ على الأَمَةِ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وإذا نَكَح حُرَّةً على أَمةٍ، لم يبْطُلْ نِكاحُ الأَمَةِ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وابنُ رَجَبٍ في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بعدَ المِائةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . والرِّوايةُ الثّانيةُ، يَبْطُلُ. قدَّمَها في «الرِّعايتَين». وجزَم به ناظِمُ المُفْرَداتِ. وهو منها. وقال في «المُنْتَخَبِ»: يكونُ ذلك طَلاقًا فيهما، لا فَسْخًا. ونقَلَه ابن مَنْصُورٍ، فيما إذا

ص: 365

وَإنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ

ــ

تَزَوَّجَ حُرّةً على أَمَةٍ، يكونُ طَلاقًا للأَمَةِ؛ لقَوْلِ ابنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، وغيرِه مِنَ الأصحابِ، أنَّه لو زال خَوْفُ العَنَتِ، لا يَبْطُلُ نِكاحُ الأَمةِ. وجزَم به في «الرِّعايَةِ» . وقال في «التَّرْغِيبِ» ، و «البُلْغَةِ»: حُكْمُه حُكْمُ ما إذا أيسَرَ، أو نكَح حُرَّةً. على ما تقدَّم وقاله في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ» .

قوله: وإنْ تزَوَّجَ حُرَّةً أَو أَمَةً فلم تُعِفَّه، ولم يجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى، فهل

ص: 366

أُخْرَى، فَهلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

له نكاحُ أُمةٍ أُخْرَى؟ على رِوايتَين. إذا تزَوَّجَ حُرَّةً فلم تُعِفَّه، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ في جوازِ نِكاحِ أُمةٍ عليها الرِّوايتَين. وأطْلَقَهما في «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ؛ إحْداهما، يجوزُ له ذلك، إذا كان فيه الشَّرْطان قائمَين. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهما. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ،

ص: 367

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ. قطَع به ابنُ أبِي مُوسى وغيرُه. فعلى المذهبِ، لو جمَع بينَهما في عَقْدٍ واحدٍ، صحَّ، وعلى الثَّانيةِ، لا يصِحُّ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، يصِحُّ نِكاحُ الحُرَّةِ عليها. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: تحَرَّرَ لأصحابِنا في تَزْويجِ الأَمَةِ على الحُرَّةِ ثلاثُ طُرُقٍ؛ أحدُها، المَنْعُ. رِوايَةً واحدَةً. ذكَرَها ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ وغيرُهم. قال القاضي: هذا إذا كان يُمْكِنُه وَطْءُ الحُرَّةِ، فإنْ لم يُمْكِنْه، جازَ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وهذه الطَّرِيقَةُ هي عندِي مذهبُ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وعليها يدُلُّ كلامُه. الطَّريقُ الثَّاني، إذا لم تُعِفَّه، فيه رِوايَتان. وهي طريقةُ أبِي الخَطَّابِ، ومَن حَذا حذْوَه الطرَّيقُ الثَّالثُ، في الجَمْعِ رِوايَتَان. كما ذكَر المَجْدُ. انتهى. وقال في الفائِدَةِ الأخِيرةِ مِنَ «القَواعِدِ»: لو تزَوَّجَ حُرٌّ، خائفُ العَنَتِ غيرُ واجدٍ للطَّوْلِ، حُرَّةً تُعِفُّه بانْفِرادِها، وأَمَةً في عَقْدٍ واحدٍ، صحَّ نِكاحُ الحُرَّةِ وحدَها. وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي في «المُجَرَّدِ». وهو أصحُّ. وقيل: يصِحُّ جَمْعُهما.

ص: 368

قَال الْخِرَقِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الإمَاءِ أَرْبَعًا إِذَا كَانَ الشَّرْطَانِ فِيهِ قَائِمَينِ.

ــ

قاله القاضي، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهِما» . وإذا تزَوَّجَ أَمَةً، فلم تُعِفَّه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهب، جَوازُ نِكاحِ ثانِيَةٍ بشَرْطِه، ثم ثالِثَةٍ كذلك، ثم رابِعَةٍ كذلك، وعليه أكثَرُ الأصحابِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا أنَصُّ الرِّوايَتْين عنِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَزَجِيِّ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ له ذلك. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي في «المُجَرَّدِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، إذا قُلْنا: له نِكاحُ أرْبَعٍ. جازَ له أنْ يَنْكِحَهُنَّ دَفْعَةً واحِدَةً، إذا عَلِمَ أنَّه لا يُعِفُّه إلَّا ذلك. صرَّح به القاضي. قال الزَّرْكَشِيُّ: وقد يُقالُ: إنَّ كلامَ الخِرَقِيِّ يقْتَضِيه. وقال في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهما: فإنْ لم تُعِفَّه واحِدَةٌ، فثانِيَةٌ، ثم ثالِثَةٌ ثم رابِعَةٌ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ،

ص: 369

وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

رحمه الله: تَلَخَّصَ لأصحابِنا في تَزَوُّجِ الإِماءِ ثلاثُ طُرُقٍ؛ أحدُها، طريقَةُ القاضي في «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وهي، أنَّه لا يتزَوَّجُ أكثرَ مِن واحِدَةٍ، إلَّا إذا خَشِيَ العَنَتَ، بأنْ لا يُمْكِنَه وَطْءُ التي تحتَه، ومتى أمْكَنَه وَطْؤُها، لم يَجُزْ. قال ابنُ خَطيبِ السَّلامِيَّةِ: فهو يجعَلُ وُجودَ زَوْجَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُها أمْنًا مِنَ العَنَتِ. والمَسْأَلَةُ عندَه رِوايَةٌ واحِدَة. وكذلك عندَه إذا كان تحتَه حُرَّةٌ سواءً. الطَّريقُ الثَّاني، إذا كان فيه الشَّرْطان، فله أنْ يتزَوَّجَ أرْبَعًا، وإنْ كان مُتَمَكِّنًا مِن وَطْءِ الأُولَى، وهذا مَعْنَى خَوْفِ العَنَتِ. وهي طريقَةُ أبِي محمدٍ. ولم يذْكُرِ الخِرَقِيُّ إلَّا ذلك. وكلامُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، يقْتَضِي الحِلَّ، وإنْ كان قادِرًا على الوَطْءِ. الطريقُ الثَّالثُ، المَسْأَلةُ في مِثْلِ هذا على رِوايتَين. وهي طريقةُ ابنِ أبِي مُوسى. انتهى.

الثَّانيةُ، قولُه: وللعَبْدِ نِكاحُ الأَمَةِ. ومِثْلُه المُكاتَبُ، والمُعْتَقُ بعضُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. قال في «الفُروعِ»: مع أنَّ الشَّيخَ وغيرَه علَّلَ مَسْألَةَ العَبْدِ بالمُساواةِ، فيَقْتَضِي المَنْعَ فيهما، وفي المُعْتَقِ بعضُه.

قوله: وَهل له -يعْنِي للعَبْدِ- أنْ ينْكِحَها على حُرَّةٍ؟ علَى رِوايتَين.

ص: 370

وَإنْ جَمَعَ بَينَهُمَا فِي الْعَقْدِ، جَازَ،

ــ

وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ إحْداهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. صحَّحَه في «التّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُجَرَّدِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ. صحَّحَه في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» .

قوله: فإنْ جمَع بينَهما في العَقْدِ، جازَ. يعْنِي، على الرِّوايَةِ الأُولَى. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. وحمَل ابنُ مُنَجَّى كلامَ المُصَنِّفِ عليه. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، لا يجوزُ. ويفْسُدُ النِّكاحَان. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يفْسُدُ نِكاحُ الأمَةِ وحدَه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وأطْلَقَ

ص: 371

وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجُوزَ.

ــ

الوَجْهين في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، يصِحُّ في الحُرَّةِ. وفي «المُوجَزِ» ، في العَبْدِ رِوايةٌ، يصِحُّ في الأمَةِ. وكذا في «التَّبْصِرَةِ»؛ لفقْدِ الكَفاءَةِ. وقال: إنْ لم تُعْتَبَرِ الكَفاءَةُ، صحَّ فيهما. وهو رِوايَةٌ في «المُذْهبِ» .

قوله: ويتَخَرَّجُ أنْ لا يجوزَ. قال الشَّارِحُ: بِناءً على قوْلِه: لا يجوزُ نِكاحُ الأَمَةِ على حُرَّةٍ.

تنبيه: تقدَّم قوْلُ المُصَنِّفِ: لو تزَوَّجَ الحُرُّ أَمَةً على حُرَّةٍ بشَرْطِه، هل يجوزُ أمْ لا؟ ولكِنْ لو طلَّقَ الحُرَّةَ طَلاقًا بائِنًا، جازَ له نِكاحُ الأَمَةِ في عِدَّتِها، مع وُجودِ الشَّرْطَين. ذكَرَه القاضي في «خِلافِه» ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ مُهَنَّا. وخرَّج المَجْدُ في «شَرْحِ الهِدايَةِ» وَجْهًا بالمَنْعِ، إذا منَعْنا مِنَ الجَمْعِ في صُلْبِ النِّكاحِ مع الغَيبَةِ، ونحوها.

فائدة: الحُرُّ الكِتابِيُّ كالمُسْلِمِ في نِكاحِ الأَمَةِ. جزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . لكِنْ قال في «التَّرْغِيبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، وغيرِهما: إنِ اعْتَبَرْنا إسْلامَ الأَمَةِ في حقِّ المُسْلِمِ، اعْتَبْرنا كوْنَها كِتابِيَّةً في حَقِّ الكِتابِيِّ. وقال في «الوَسيلَةِ»: المَجُوسِيُّ كالكِتابِيِّ في نِكاحِ الأَمَةِ. وقال في «المَجْموعِ» : وكلُّ كافِرٍ كمُسْلِم في نكِاحِ الأَمَةِ. وتقدَّم قريبًا: إذا ملَك كِتابِيٌّ مَجُوسِيَّةً، هل له وَطْؤُها، أمْ لا؟

ص: 372

وَلَيسَ لَهُ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ، وَلَا لِلْحُرِّ أن يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا أمةَ ابْنِهِ،

ــ

قوله: وَلا للحُرِّ أن يتَزَوَّجَ أمَتَه، ولا أمَةَ ابْنِه. لا يجوزُ للحُرِّ نِكاحُ أمَتِه، بلا

ص: 373

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خِلافٍ. وكذا لو كان له (1) بعضُها. صرَّح به في «الرِّعايَةِ» ، وليس له نِكاحُ أمَةِ ابْنِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ذكَرَه القاضي ومَن بعدَه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يجوزُ.

تنبيه: قال ابنُ رَجَبٍ: لا يجوزُ للأبِ الحُرِّ نِكاحُ أمَةِ وَلَدِه. ذكَرَه القاضي ومَن بعدَه، وذكَرُوا أصْلَه في المذهبِ؛ وهو وُجوبُ إعْفافِ الابنِ أباه عندَ حاجَتِه إلى النِّكاحِ. وإذا وجَب عليه إعْفافُه، كان واجِدًا للطَّوْلِ. قال: وعلى هذا المَأخَذِ، لا فَرْقَ بينَ أنْ يُزَوِّجَه بأمَتِه أو أمَةِ غيرِه. وصرَّح به القاضي في «الجامِعِ» ، ولا فَرْقَ حِينَئذٍ بينَ الأبِ والجَدِّ مِنَ الطَّرفَينِ. وكذلك يَلْزَمُ في سائرِ مَن يلْزَمُ إعْفافُه مِنَ الأقارِبِ، على الخِلافِ فيه. وصرَّح به ابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» . ولو كان الابنُ مُعْسِرًا لا يقْدِرُ على إعْفافِ أبِيه، فهل للأبِ حينَئذٍ أنْ يتَزَوَّجَ بأمَتِه؟ ذكَرَ أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» احْتِمالين، الجَوازَ، لانْتِفاءِ وُجوبِ الإعْفافِ. والمَنْعَ؛ لشُبْهَةِ المِلْكِ. وخرَّج أيضًا رِوايَةً بجَوازِ نِكاحِ الأب أمَةَ وَلَدِه مُطْلَقًا، مِن رِوايَةِ عدَمِ وُجوبِ إعْفافِه. وللأصحابِ في المَنْعِ مأخَذ آخَرُ، ذكَرَه القاضي أيضًا والأصحابُ، وهو أنَّ الأبَ له شُبْهَةُ المِلْكِ في مالِ وَلَدِه، وشُبْهَةُ المِلْكِ تَمْنَعُ مِنَ النِّكاحِ، كالأمَةِ المُشْتَرَكَةِ، وأمَةِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 374

وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَمَةِ ابْنِهِ.

ــ

المُكاتَبِ. وعلى هذا المَأخَذِ، يخْتَصُّ المَنْعُ بأمةِ الابنِ، وهل (1) يدْخُلُ فيه الجَدُّ وإنْ عَلا مِنَ الطَّرَفَين؟ فيه نظَرٌ. قال: وللمَنْعِ مأخَذٌ ثالثٌ، وهو أنَّ الأبَ إذا تزَوَّجَ أمَةَ وَلَدِه فأوْلَدَها، فهل تصِيرُ بذلك مُسْتَوْلَدَةً وينْعَقِدُ وَلَدُه حُرًّا، أمْ لا تصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً وينْعَقِدُ رَقيقًا؟ ذكَر القاضي، أنَّ الوَلَدَ ينْعَقِدُ رقيقًا؛ لأنَّ وَطْأه بعَقْدِ النِّكاحِ ليس تصَرُّفًا في مالِ وَلَدِه بحُكْمِ الأبوَّةِ، بل هو تصَرُّفٌ بعَقْدٍ يُشارِكُه فيه الأجانِبُ، فيَنْعَقِدُ الوَلَدُ رقيقًا ولا تصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً. قال: وهذا -مع القَوْلِ بصِحَّةِ النِّكاحِ- ظاهِرٌ، وأمَّا مع ظَنِّ صِحَّتِه ففيه نظَر، وأمَّا مع العِلْمِ ببُطْلانِه فبعيدٌ جِدًّا. وترَدَّد ابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» ، في ثُبوتِ حُرِّيَّةِ الوَلَدِ واسْتِيلادِه، كتَرَدُّدِه في حُكْمِ النِّكاحِ، واسْتَشْكَلَ القَوْلَ ببُطْلانِه مع رِقِّ الوَلَدِ وعدَمِ ثُبوتِ الاسْتِيلادِ، وكان أوَّلًا أفْتَى بالرِّقِّ وعدَمِ ثُبوتِ الاسْتِيلادِ؛ مُسْتَنِدًا إلى صِحَّةِ النِّكاحِ. قال ابنُ رَجَبٍ: وهذا يقْتَضِي أنَّه إذا حُكِمَ بفَسادِ النِّكاحِ، لَزِمَ حُرِّيَّةُ الوَلَدِ واسْتِيلادُ أُمِّه. قال: وهو أظْهَرُ، كما لو نَكَح أحدُ الشَّرِيكَين الأمَةَ المُشْتَرَكَةَ، ثم اسْتَوْلَدَها، وحِينَئذٍ يصِيرُ مأخَذُ المَنْعِ مِنَ النِّكاحِ مُعَرَّضًا

(1) في الأصل: «وهذا» .

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للانْفِساخِ بحُصولِ الوَلَدِ الذي هو مقْصُودُ العَقْدِ، فلا يصِحُّ. انتهى. تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، جَوازُ تزْويجِ الابنِ بأمَةِ والِدِه. وهو صحيح، وهو المذهبُ، وعليه الجُمْهورُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يجوزُ. فعلى المذهبِ، لو تزَوَّجَها، ثم قال لها: إذا ماتَ أبِي فأنْتِ طالِقٌ. ثم ماتَ الأبُ، فهل يقَعُ الطَّلاقُ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يقَعُ. اخْتارَه القاضي في «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «عُمَدِ الأدِلَّةِ» ، وأبو الخَطَّابِ؛ لأنَّ المَوْتَ يتَرَتَّبُ عليه (1) وُقوعُ الطَّلاقِ، والمِلْكُ سَبَق انْفِساخَ النِّكاحِ، فقد سبَق نُفُوذُ الطَّلاقِ الفَسْخَ، فنفَذ. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يقَعُ. اختارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصول» ؛ لأنَّ الطَّلاقَ قارَنَ المانِعَ، وهو المِلْكُ، فلم ينْفُذْ. وقدَّمه المُصَنِّفُ

(1) في الأصل: «على» .

ص: 376

وَإنِ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَإنِ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

في بابِ الطَّلاقِ في الماضِي والمُسْتَقْبَلِ. ويأتي هناك، إنْ شاءَ الله، مُحَرَّرًا. ومِثْلُ هذه المَسْألَةِ، لو تزوَّجَ أمَةً، وقال: إنِ اشْتَرَيتُكِ، فأنْتِ طالِقٌ. فيه الوَجْهان؛ إنْ قُلْنا: ينْتَقِلُ المِلْكُ مع الخِيارِ -وهو الصَّحيحُ -[لم يقَعِ الطَّلاقُ](1). وإنْ قُلْنا: لا ينْتَقِلُ. وقَع الطَّلاقُ، وَجْهًا واحدًا. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ.

فائدة: لا يجوزُ للمَرْأةِ نِكاحُ عَبْدِ وَلَدِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الرِّعايَةِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يجوزُ.

[تنبيه: مفْهومُ قولِه: ولا للحُرِّ أنْ يتزوَّجَ أمَةَ ابْنِه. جوازُ تزْويجِ الأبِ بأَمَةِ وَلَدِه إنْ كان رقيقًا. وهو صحيحٌ، لا](2) نِزاعَ فيه. وكذا يجوزُ للمَرْاةِ نِكاحُ عَبْدِ وَلَدِها، إذا كانتْ رَقيقةً.

قوله: وإنِ اشْتَرَى الحُرُّ زَوْجَتَه -وكذا بعضَها- انْفَسَخَ نِكاحُها، وإنِ

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اشْتَراها ابْنُه -وكذا بعضَها- فعلى وَجْهَينِ. وهما رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . أحدُهما، ينْفَسِخُ. وهو المذهبُ. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ». قال في «الفُروعِ»: ينْفَسِخُ، على الأصحِّ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا ينْفَسِخُ.

فائدتان؛ إحْداهما، كذا الحُكْمُ لو اشْتَراها، أو بعضَها، مُكاتَبَةً. خِلافًا ومذهبًا. قاله في «الرعايَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، إلَّا أنَّ الخِلافَ هنا وَجْهان. الثَّانيةُ، حُكْمُ شِراء الزَّوْجَةِ، أو وَلَدِها، أو مُكاتَبِها، للزَّوْجِ، حُكْمُ شِراءِ الزَّوْجِ، أو وَلَدِه، أو مُكاتَبِه، للزَّوْجَةِ. فلو بعَثَتْ إلى

ص: 378

وَمَنْ جَمَعَ بَينَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يَصِحُّ فِي مَنْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

زوْجِها تُخْبِرُه: إنِّي قد حَرُمْتُ عليكَ، ونكَحْتُ غيرَكَ، وعليكَ نَفَقَتي ونَفَقَةُ زَوْجِي. فهذه امْرَأةٌ مَلَكَتْ (1) زَوْجَها، وتزَوَّجَتْ ابنَ عَمِّها. فيُعايَى بها. وتقدَّم جوازُ تزْويجِ بِنْتِه بعَبْدِه، عندَ توَلِّي طرَفَي العَقْدِ. ويأتِي ذلك في أواخِرِ بابِ التَّأويلِ في الحَلِفِ بأتَمَّ مِن هذا.

قوله: ومَن جَمَع بينَ مُحَرَّمَةٍ ومُحَلَّلَةٍ في عَقْدٍ واحِدٍ، فهل يصحُّ في مَن تحِلُّ؟

(1) في الأصل: «ملك» .

ص: 379

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ؛ إحْداهما، يصِحُّ في مَن تحِلُّ. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والمَنْصوصُ صِحَّةُ نِكاحِ الأجْنَبِيَّةِ. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . وجزَم به الخِرَقِي، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرُهم. واخْتارَه القاضي في «تَعْليقِه» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ،

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والروايَةُ الثَّانيةُ، لا يصحُّ. اخْتارَه أبو بَكْر.

فائدة: لو تزَوَّج أُمًّا وبِنْتًا في عَقْدٍ واحدٍ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَبْطُلُ النِّكاحان معًا. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ في «المُغْني» ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. والوَجْهُ الثَّاني، يَبطُلُ نِكاحُ الأمِّ وحدَها. ذكَرَه في «الكافِي» . وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» . وصحَّحَه في الفائدَةِ الأخيرَةِ مِنَ «القَواعِدِ» . وأطْلَقَهما في «الكافِي» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، في «التَّاسِعَةِ بعدَ المِائةِ» .

ص: 381

وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا، حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِين، إلا إِمَاءَ أهْلِ الْكِتَابِ.

ــ

قوله: ومَن حَرُمَ نِكاحُها، حَرُمَ وَطْؤُها بمِلْكِ اليَمِينِ، إلَّا إماءَ أهْلِ الكِتابِ.

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، جَوازَ وَطْءِ إماءِ غيرِ أهْلِ الكِتابِ. وذكَرَه ابنُ أبِي شَيبَةَ في «كِتابِه» (1)،

(1) المصنف 4/ 178.

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن سَعِيد بنِ المُسَيَّبِ، وعَطاءٍ، وطَاوُس، وعَمْرِو بنِ دِينارٍ، فلا يصِحُّ ادِّعاءُ الإِجْماعِ مع مُخالفَةِ هؤلاءِ.

ص: 384

فَصْلٌ: وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أمْرُهُ. نَصَّ عَلَيهِ. وَقَال الْخِرَقِيّ: إِذَا قَال: أنَا رَجُلٌ. لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاء، وَلَمْ يَكُنْ لَهْ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيرِ ذَلِكَ بَعْدُ، وَإنْ قَال: أنَا امْرأةٌ. لَمْ يَنْكِحْ إلّا رَجُلًا.

ــ

قوله: ولا يَحِلُّ نِكاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حتى يَتَبَيَّنَ أمْرُه. نَصَّ عليه في رِوايَةِ المَيمُونِيِّ. وهو المذهبُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يحِلُّ نِكاحُه. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ» . وقال الخِرَقِي: إذا قال: أنا رَجُلٌ. لم يُمْنَعْ مِن نِكاحِ النِّساءِ، ولم

ص: 385

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكُنْ له أنْ ينْكِحَ بغيرِ ذلك بعدُ، وإنْ قال: أنا امْرَأةٌ. لم تنْكِحْ إلَّا رَجُلًا. واخْتارَه القاضي في «الرِّوايتَين» . فعلى هذا، لو قال: أنا رَجُلٌ. وقبِلْنا قوْلَه في ذلك في النِّكاح، فهل يثْبُتُ في حقِّه سائرُ أحْكامِ الرِّجالِ تَبعًا للنِّكاحِ، ويزُولُ بذلك إشْكالُه، أم يُقْبَلُ قوْلُه في حقُوقِ الله تَعالى، وفيما عليه مِن حقُوقِ الآدَمِيِّين، دُونَ ما له منها، لئَلا يَلْزَمَ قَبُولُ قوْلِه في اسْتِحْقاقِه بمِيراثِ ذَكَرٍ (1) ودِيته؟ فيه وَجْهان. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الثَّالثَةِ والثَّلاثينَ بعدَ المِائةِ» .

(1) سقط من: الأصل.

ص: 386

فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرأةً ثُمَّ قَال: أنَا امْرَأَةٌ. انْفَسَخَ نِكَاحُهُ،

ــ

قوله: فإنْ تزوَّجَ امْرَأةً ثم قال: أنا امْرَأةٌ. انْفَسَخَ نِكاحُه. هذا تفْريعٌ على قولِ الخِرَقِيِّ، والصَّحيحُ أنَّه يُقْبَلُ قوْلُه في ذلك. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والمَجْدُ، وغيرُهما. وقدَّمه الزَّرْكَشِيُّ. وقال القاضي: لا يُقْبَلُ قوْلُه: أنا امْرَأةٌ. بعدَ قوْلِه: أنا رَجُلٌ. وعلَّلَه بأنَّه يُريدُ أنْ يُسْقِطَ عنه مَهْرَ المَرْأةِ. وهذا ظاهِرُ كلام أبِي الخَطَّابِ، وابنِ عَقِيلٍ. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وفي نِكاحِه لما يُسْتَقْبَلُ الوَجْهان الآتِيَان

ص: 387

وَلَوْ زُوِّجَ بِرَجُلٍ ثُمَّ قَال: أَنَا رَجُلٌ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.

ــ

بعدُ.

فوائد؛

الأولَى، على قوْلِ الخِرَقِيِّ: لو لم يكُنْ متَزَوِّجًا، ورجَع عن قوْلِه الأوَّلِ، بأنْ قال: أنا رَجُلٌ. ثم قال: أنا امْرَأة. أو عكْسُه. فظاهِرُ كلام الخِرَقِي والأصحابِ، أنَّ له نِكاحَ ما عادَ إليه. قاله في «المُحَرَّرِ». وهو الصَّحيَحُ. قال في «الفُروع»: فلو عادَ عن قوْلِه الأولِ، فله نِكاحُ ما عادَ إليه، في الأصحِّ. وقال في «المُحَرَّرِ»: يُمْنَعُ مِن نِكاحِ الصِّنْفَين عندِي. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ أبِي محمدٍ في «الكافِي» .

الثَّانيةُ، قال ابنُ عَقِيل في «الفُنونِ»: لا يجوزُ الوَطْءُ في الفَرْجَ الزَّائدِ. قلتُ: إذا زوَّجْناه على أنَّه أُنْثَى، لم يُسْتَبْعَدْ جوازُ وَطْئِه فيه، كما يجوزُ مُباشَرَتُه في سائرِ بدَنِه، غيرَ دُبُرِه.

الثَّالثةُ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: لا يحْرُمُ في الجَنَّةِ زِيادَةُ العَدَدِ، ولا الجَمْعُ بينَ المَحارِمِ، وغيرُه، واللهُ أعلمُ.

ص: 388