المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشروط في النكاح - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٠

[المرداوي]

الفصل: ‌باب الشروط في النكاح

‌بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ

ــ

بابُ الشُّرُوطِ في النِّكاحِ

فائدتان؛ إحْداهما، الشُّروطُ المُعْتَبَرَةُ في النِّكاحِ، في هذا البابِ محَلُّ ذِكْرِها صُلْبُ العَقْدِ. قاله في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وجزَم به في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «النَّظْمِ» . وقاله القاضي، في مَوْضِعٍ مِن كلامِه. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: وكذا لو اتَّفَقا عليه قبلَ العَقْدِ، في ظاهِرِ المذهبِ. وقال: على هذا جَوابُ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في مَسائلِ الحِيَلِ؛ لأنَّ الأمْرَ بالوَفاءِ بالشروطِ والعُقودِ والعُهودِ يتَناوَلُ ذلك تَناوُلًا واحِدًا. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذا ظاهِرُ إطْلاقِ الخِرَقِيِّ، وأبي الخَطابِ، وأبِي محمدٍ، وغيرِهم. قال: وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في «فَتاويه»: إنَّه ظاهِرُ المذهبِ، ومَنْصُوصُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وقوْلُ قُدَماءِ أصحابِه، ومُحَقِّقِي المُتأخرِين. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ الذي لا شَكَّ فيه. الثَّانيةُ، لو وقَع الشَّرْطُ بعدَ العَقْدِ ولُزومِه، فالمَنْصوصُ عن الامامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه لا يلْزَمُه. قال ابنُ رَجَبٍ: ويتَوَجَّهُ صِحَّةُ الشَّرْطِ فيه؛ بِناءً على صِحَّةِ الاسْتِثْناءِ منْفَصِلًا بنيَّةٍ بعدَ اليَمِينِ، لاسِيَّما والنِّكاحُ تصِحُّ الزِّيادةُ فيه في المَهْرِ بعدَ عَقْدِه، بخِلافِ البَيعِ، ونحوه.

ص: 389

وَهِيَ قِسْمَانِ، صَحِيحٌ، مِثْلَ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ أو نَقْدٍ مُعَيَّن، أوْ أَن لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، أو لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيهَا، أوْ لَا يَتَسَرَّى، فَهَذَا صَحِيحٌ لَازِمٌ، إِنْ وَفَّى بِهِ، وَإلَّا فَلَهَا

ــ

قوله: وهي قِسْمَان؛ صَحِيحٌ، مِثْلَ اشْتِراطِ زِيادَةٍ في المَهْرِ أو نَقْدٍ مُعَيَّنٍ، أو لا يُخْرِجُها مِن دارِها أو بَلَدِها، أو أنْ لا يتَزَوَّجَ عليها ولا يتَسَرَّى. فهذا صحيحٌ لازِمٌ، إنْ وفَّى به، وإلَّا فلها الفَسْخُ. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. [وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ظاهِرُ الأثَرِ والقِياسِ، يقْتَضِي منْعَه مِن فِعْلِ ذلك الشَّرْطِ الصَّحيحِ](1). وحكَى القاضي أبو الحُسَينِ، عن شيخِه أبِي جَعْفرٍ رِوايَةً، أنَّه لا يصِحُّ شَرْطُ أنْ لا (2)

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 390

الْفَسْخُ.

ــ

يُسافِرَ بها، ولا يتزَوَّجَ، ولا يتَسَرَّى عليها. ويأتي في الصَّداقِ، بعدَ قوْلِه: وإذا تَزَوَّجَها على صَداقَين؛ سِرٍّ وعَلانِيَةٍ. لُحوقُ الزِّيادَةِ في الصَّداقِ بعدَ العَقْدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

فوائد؛ إحْداها، اخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، صِحَّةَ شَرْطِ أنْ لا يتَزَوَّجَ عليها، أو إنْ تَزَوَّجَ عليها، فلها أنْ تُطَلِّقَ نفْسَها. الثَّانيةُ، ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ، صِحَّةُ دَفْعِ كل واحدٍ مِنَ الزَّوْجَين إلى الآخرِ مالًا على أنْ لا يتَزَوَّجَ، أمَّا الزَّوْجُ، فمُطْلَقًا، وأمَّا الزَّوْجَة،

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فبعدَ مَوْتِ زوْجِها، ومَن لم يَفِ بالشَّرْطِ لم يسْتَحِقَّ العِوَضَ، لأنَّها هِبَةٌ مشرُوطَةٌ

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بشَرْطٍ، فتَنْتَفِي بانْتِفائِه. وقال المَجْدُ في «شَرْحِه»: لو شرَط أحدُ الزَّوْجَين على الآخَرِ أنْ لا يتَزَوَّجَ بعدَه، فالشَّرْطُ باطِلٌ في قِياسِ المذهبِ. ووَجْهُه، أنَّه ليس في ذلك غَرَضٌ صحيحٌ، بخِلافِ حالِ الحَياةِ، واقْتَصَرَ في «الفُروعِ» على ذِكْرِ رِوايَةِ أبِي الحارِثِ. وتقدَّم في بابِ المُوصَى له (1): لو أوْصَى لأمِّ وَلَدِه على أنْ لا تتَزَوَّجَ. الثَّالثةُ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: لو خدَعَها فسافَرَ بها، ثم كَرِهَتْه، لم يكُنْ له أنْ يُكْرِهَها بعدَ ذلك. قال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِيه على الفُروعِ»: هذا إذا لم تُسْقِطْ حقَّها واضِحٌ، أمَّا لو أسْقَطَتْ (2) حقَّها مِنَ الشَّرْطِ، احْتَمَلَ أنْ يكونَ لها الرُّجوعُ فيه، كهِبَةِ حَقها مِنَ القَسْمِ، واحْتَمَلَ أنْ لا يكونَ لها العَوْدُ فيه، كما لو أسْقَطَتْ حقَّها مِن بعضِ مَهْرِها المُسَمَّى، والفَرْقُ واضِحٌ، فذكَرَه. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ أنَّها إذا أسْقَطَتْ حقَّها، يسْقُطُ مُطْلَقًا. وقال أيضًا: لو شرَط أنْ لا يُخْرِجَها مِن مَنْزِلِ أبوَيها، فماتَ الأبُ، فالظَّاهِرُ أنَّ الشرْطَ يبْطُلُ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُخْرِجَها مِنَ مَنْزِلِ أمِّها، إلَّا أنْ تتزَوَّجَ الأمُّ. ولو تعَذَّرَ

(1) انظر 17/ 288.

(2)

في ط: «أسقط» .

ص: 393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سُكْنَى المَنْزِلِ؛ لخَرابٍ وغيرِه، فهل يسْقُطُ حقُّها مِنَ الفَسْخِ بنَقْلِها عنه؟ أفتَيتُ بأنَّه إنْ نقَلَها إلى مَنْزِلٍ ترْتَضِيه هي، فلا فَسْخَ، وإنْ نَقَلَها إلى مَنْزِلٍ لا ترْتَضِيه، فلها الفَسْخُ، ولم أقِفْ فيه على نَقْل. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ أنَّ له أنْ يسْكُنَ بها حيث أرادَ؛ سواءٌ رَضِيَتْ، أو لا؛ لأنَّه الأصْلُ والشَّرْطُ عارِضٌ، وقد زال، فرَجَعْنا إلى الأصْلِ، وهوْ مَحْضُ حقِّه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في مَن شرَط لها أنْ يُسْكِنَها بمَنْزِلِ أبِيه، فسكَنَتْ، ثم طلَبَتْ سُكنَى مُنْفَردَةً، وهو عاجزٌ: لا يَلْزَمُه ما عجَز عنه، بل لو كان قادرًا ليس لها، على قوْلٍ في مذهبِ الامامِ أَحمدَ، رحمه الله، غيرُ ما شرَطَتْ لها. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَهم صِحةُ الشَّرْطِ في الجُمْلَةِ، بمَعْنَى ثُبوتِ الخِيارِ لها بعَدَمِه، لا أنَّه يلْزَمُها؛ لأنَّه شَرْطٌ لَحِقَها (1) لمَصْلَحَتِها، لا لَحِقَه لمَصْلَحَتِه، حتى يلْزَمَ في حقِّها، ولهذا لو سلَّمَتْ نفْسَها مَن شرَطَتْ دارَها فيها أو في داره، لَزِمَ. انتهى. وقال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في «الهَدْي»: الشّرْطُ العُرْفِي، كالمَشْروطِ لَفْظًا. وأطال في ذلك.

(1) سقط من: ط.

ص: 394

وَإنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا، فَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ. وَيَحْتَمِلُ أنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِيء مَا فِي صَحْفَتِهَا وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» .

ــ

قوله: وإنْ شرَط لها طَلاقَ ضَرَّتِها، فقال أبو الخَطَّابِ: هو صَحيحٌ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهمِ. قال في «الرعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: إذا شرَط لها طَلاق ضَرَّتِها، وقُلْنا: يصِحُّ في رِوايَةٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّه باطِلٌ؛ لِما ذكَر المُصَنِّفُ مِنَ الحَديثِ. قال المُصَنِّفُ: وهو الصَّحيحُ. وقال: لم أرَ ما قاله أبو الخَطَّابِ لغيرِه. قلتُ: قد حَكاه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» رِوايَةً عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وقال: ذكَرَه جماعَة. وصحَّح ما صحَّحَه

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفُ في «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين». وظاهِرُ «الفُروعِ» إطْلاقُ الخِلافِ؛ فإنَّه قال: ويصِح شَرْطُ طَلاقِ ضَرَّتِها في رِوايَةٍ وذكَرَه جماعَة. وقيل: باطِلٌ.

فوائد؛ الأولَى، حُكْمُ شَرْطِ بَيعِ أمَتِه، حُكْمُ شَرْطِ طَلاقِ ضَرَّتِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال في «الفُروعِ»: والأشْهَرُ، ومثْلُه بَيعُ أمَتِه. الثَّانيةُ، حيثُ قُلْنا بصِحَّةِ شَرْطِ سُكْنَى الدَّارِ أو البَلَدِ، ونحو ذلك، لم يجِبِ الوَفاءُ به على الزَّوْجِ. صرَّح به الأصحابُ، لكِنْ يُسْتَحَب الوَفَاءُ به. وهو ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عبدِ اللهِ. ومال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، إلى وُجوبِ الوَفَاءِ بهذه الشُّروطِ، ويُجْبِرُه الحاكِمُ على ذلك. وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِي. وصرَّح أبو بَكْرٍ في «التنبِيهِ» ، أنَّه لا يجوزُ للزَّوْجِ مُخالفَةُ ما شُرِطَ عَليه. ونصَّ في رِوايَةِ حَرْبٍ ، في مَن تزَوَّجَ امْرأة، وشرَط لها أنْ لا يُخْرِجَها مِن قَرْيَتها، ثم بَدا له أنْ يُخرِجَها، قال: ليس له أنْ يُخْرِجَها. وقد ذكَر الزَّرْكَشِيُّ في «شَرْحِ المُحَرَّرِ» ، فيما إذا شرَطَت دارَها أو بَلَدَها، وَجْهًا بأنَّه يُجْبَرُ على المُقامِ معها. وذكَر أيضًا، أنَّه لا يتَزَوَّجُ ولا يتَسَرَّى إلَّا بإذْنِها في وَجْهٍ، إذا شرَطَتْه. إذا عَلِمت ذلك، فلها الفَسْخُ بالنُّقْلَةِ، والتَّزْويجِ، والتَّسَرِّي، كما قال المُصَنِّف، فأمَّا إنْ أرادَ نقْلَها، وطلَب منها ذلك، فقال القاضي في «الجامِعِ»: لها الفَسْخُ بالعَزْمِ على الإِخْراجِ. وضعَّفَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: العَزْمُ المُجَرَّدُ لا يُوجِبُ الفَسْخَ؛ إذْ لا ضرَرَ فيه. وهو صحيح، ما لم يقْتَرِنْ بالهَمِّ طلَبُ نُقْلَةٍ. الثَّالثةُ، لو شَرَطَتْ أنْ لا تُسَلِّمَ نفْسَها إلَّا بعدَ مُدَّةٍ معَيَنةٍ، لم يصِحَّ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ في «المُفْرَداتِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» . وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: قِياسُ المذهبِ صِحَّتُه، كاشْتِراطِ تأخيرِ التَّسْليمِ في البَيعِ والإِجارَةِ، وكما لو اشْترَطَتْ أنْ لا يُخْرِجَها مِن دارِها. الرَّابعَةُ، ذكَر أبو بَكْر في «التَّنبيهِ» مِنَ الشُّروطِ اللَّازِمَةِ، إذا شرَط أنْ لا يُفَرِّق بينَها وبينَ أبوَيها، أو أوْلادِها، أوَ ابنِها الصغيرِ أنْ تُرْضِعَه. وكذا ذكَر ابنُ أبِي مُوسى، أنَّها إذا شرَطَتْ أنَّ لها وَلَدًا تُرْضِعُه، فلها شرْطُها. وقطَع به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. [قال في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والسَّبْعِين»: ولو شرَطَت عليه] (1)

(1) سقط من: الأصل.

ص: 397

فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي، فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أحَدُهَا، مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أشْيَاءَ؛ أحَدُهَا، نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَهُوَ أنْ يُزَوِّجَهَ وَلِيَّتَه عَلَى أنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّته وَلَا مَهْرَ بَينَهُمَا،

ــ

[نَفَقَةَ وَلَدِها وكُسْوَتَه، صحَّ، وكان مِنَ المَهْرِ. قال ابنُ نَصرِ الله فِي «حَواشِيه»: وظاهِرُه لا يُشْتَرَطُ مع ذلك تَعْيِينُ مُدَّةٍ، كنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وكُسْوَتِها، فإنَّه ذكَرَها بعدَها. انتهى. قلتُ: ليس الأمْرُ كذلك، والفَرْقُ بينَ المَسْألتَين واضِحٌ](1). الخامسةُ، هذه الشُّروطُ الصَّحِيحَةُ، إنَّما تَلْزَمُ في النِّكاحِ الذي شُرِطَتْ فيه، فأمَّا إنْ بانَتْ منه ثم تزَوَّجَها ثانيًا، لم تَعُدْ هذه الشُّروطُ في هذا العَقْدِ الثَّاني، بل يَبْطُلُ حُكْمُها إذا لم يذْكُرْها فيه. ذكَرَه المَجْدُ في «شَرْحِه». وجزَم به في «الفُروعِ». قال ابنُ رَجَبٍ: ويتخَرَّجُ عوْدُها في النِّكاحِ الثَّاني، إذا لم يكُن اسْتَوْفَى عدَدَ الطَّلاقِ، لَزِمَ فيه [كلُّ ما](2) كان مُلْتَزِمًا بالعَقْدِ الأوَّلِ. السَّادسةُ، خِيارُ الشَرْطِ على التَّراخِي، لا يسْقُطُ إلَّا بما يدُلُّ على الرِّضا، مِن قَوْلٍ أو تَمْكِين منها مع العِلْمِ. قطَع به الأصحابُ، منهم صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، وغيرِهم. ذكَرُوه في بابِ العُيوبِ في النكاحِ.

قوله: القِسْمُ الثَّاني، فاسِدٌ وهو ثَلاثَةُ أنواع؛ أحَدُها، ما يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وهو

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في ط: «كما» .

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثَلاثةُ أشياءَ، أحَدُها، نكاحُ الشِّغارِ، وهو أنْ يُزَوِّجَه وَلِيَّته على أنْ يُزَوِّجَه الآخَرُ

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَلِيَّته، ولا مَهْرَ بينهما. وهذا المذهبُ، وسواء قالا: وبُضْعُ كُلِّ واحدَةٍ مَهْرُ الأخْرَى. أوْ لا، وعليه الأصحابُ. وعنه، يصِحُّ العَقْدُ، ويفْسُدُ الشَّرْطُ. وهو

ص: 400

فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا، صَحَّ. نَصَّ عَلَيهِ. وَقَال الْخِرَقِيّ: لَا يَصِحُّ.

ــ

تخْرِيجٌ في «الهِدايَةِ» . فعليه، لها مَهْرُ المِثْلِ.

قوله: فإنْ سَمَّوْا مَهْرًا، صَحَّ. نَصَّ عليه. وهو المذهبُ، وعليه جماهِيرُ

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: عليه عامَّةُ الأصحابِ. وصحَّحَه النَّاظِمُ وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَب» ، و «ألمُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال الخِرَقِيُّ: لا يصحُّ. وقاله أبو بَكْرٍ في «الخِلافِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» . وذكَرَه القاضي في «الجامِعِ» ، وابنُ عَقِيل رِوايَةً. وقيل: لا يصِحُّ إنْ قال مع ذلك: وبُضْعُ كُل واحدَةٍ مَهْرُ الأخْرَى. وإنْ لم يقُلْ ذلك، صَحَّ. اخْتارَه في «المُحَرَّرِ» ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» .

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «الرِّعايَةِ» : وهو أوْلَى. قال في «الفُروع» : وظاهِرُ كلام ابنِ الجَوْزِيِّ يصِحُّ معه بتَسْمِيَةٍ. وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وَجهًا، واخْتارَه؛ أنَّ بُطْلانَه لاشْتِراطِ عدَمِ المَهْرِ. قال: وهو الذي عليه قوْلُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وقُدَماءِ أصحابِه؛ كالخَلَّالِ وصاحبِه.

تنبيه: مُرادُه بقَوْلِه: فإنْ سَمَّوْا مَهْرًا، صحَّ. أنْ يكود المَهْرُ مُسْتَقِلًا، غيرَ قليلٍ، ولا حِيلَةَ. نصَّ عليه. وقيل: يصحُّ إنْ كان مَهْرَ المِثْل، وإلَّا فلا. فعلى

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، لو سُمِّيَ لإِحْداهما مَهْر، ولم يُسَمَّ للأخْرَى شيءٌ، فَسَد نِكاحُ مَن لم يُسَمَّ لها صَداقٌ، لا غيرُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهذا أوْلَى. وقال أبو بَكْرٍ: يفْسُدُ النِّكاحُ فيهما. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وقدَّمه في «الكُبْرى» .

فائدة: لو جعَلا بُضْعَ كلِّ واحدةٍ ودَراهِمَ معْلُومَةً صَداقَ الأخْرَى، لم يصِحَّ

ص: 404

وَالثَّانِي، نِكَاحُ الْمُحَلِّل، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أنَّهُ إِذَا أحَلَّهَا طَلَّقَهَا.

ــ

على الصَّحيحِ. وقيل: يَبْطُلُ الشَّرْطُ وحدَه.

قوله: الثَّاني، نِكاحُ المُحَلِّلِ، وهو أنْ يتَزَوَّجَها على أنَّه إذا أحَلَّها طلَّقَها. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ نِكاحَ المُحَلِّلِ باطِلٌ مع شَرْطِه. نصَّ عليه، وعليه

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ، وعنه، يصِحُّ العَقْدُ، ويَبْطُلُ الشَّرْطُ. ذكَرَها جماعَةٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وخرَّج القاضي أبو الخَطَّابِ رِوايَةً ببُطْلانِ الشَّرْطِ وصِحَّةِ العَقْدِ مِنَ (1) اشْتِراطِ الخِيارِ. وخرَّجَها ابنُ عَقِيلٍ مِنَ الشُّروطِ الفاسِدَةِ.

(1) بعده في الأصل: «مسلمة» .

ص: 406

فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ، لَمْ يَصِحَّ أَيضًا، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ.

ــ

قوله: فإنْ نوَى ذلك مِن غيرِ شَرْطٍ، لم يصحَّ أيضًا، في ظاهِرِ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: نصَّ عليه، وعليه الإصحابُ. وهو كما قال. وقيل: يُكْرَهُ، ويصحُّ. وذكَرَه القاضي. وحَكاه الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ، ومَن تَبِعَهما،

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِوايَةً. ومنَع ذلك الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. ويُؤخَذُ مِنَ الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يُعْتَبَرُ أنْ يكونَ الشَّرْطُ في العَقْدِ، فلو نوَى قبلَ العَقْدِ، ولم يرْجِعْ.

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنها، فهو نِكاحُ مُحَلِّلٍ، وإنْ رجَع عنها، ونَوَى عندَ العَقْدِ أنَّه نِكاحُ رَغْبَةٍ،

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحَّ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه.

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، وكلامِ غيرِه، أنَّ المرْأةَ إذا نوَتْ ذلك لا يُؤثرُ في العَقْدِ. وهو الصَّحيحُ. وقال في «الواضحِ»: نِيَّتها كنِيَّتِه. وقال في «الرَّوْضَةِ» : نِكَاحُ المُحَلِّلِ باطِلٌ إذا اتَّفَقَا. فإنِ اعْتَقَدَت ذلك باطِنًا، ولم تُظْهِرْه، صحَّ في الحُكْمِ، وبطَل فيما بينَها وبينَ الله تعالى. انتهى. ويصِحُّ النكاحُ

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى المَماتِ. قاله الأصحابُ.

فائدة: لو اشْتَرَى عَبْدًا وزَوَّجَه بمُطَلَّقَتِه (1) ثلاثًا، ثم وهَبَها العَبْدَ أو بعضَه؛ ليَفْسَخَ نِكاحَهَا، لم يصِحَّ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: إذا طلَّقَها ثلاثًا، وأرادَ أنْ يُراجِعَها، فاشْتَرى عَبْدًا وزوَّجَه بها، فهذا الذي نهَى عنه عمرُ، رضي الله عنه، يؤدَّبان جميعًا. وهذا فاسِدٌ، ليس بكُفْءٍ، وهو شِبْهُ المُحَلِّلِ. قال في «الفُروعِ»: وتزْويجُها المُطَلِّقُ ثلاثًا لعَبْدِه بنِيَّةِ هِبَتِه، أو بَيعِه منها؛ ليَفْسَخَ النِّكاحَ، كنِيَّةِ الزَّوْجِ، ومَن لا فُرْقَةَ بيَدِه، لا أثَرَ لنِيَّته. وقال ابنُ عَقِيل في «الفُنونِ» ، في مَن طلَّق زوْجَتَه الأمَةَ ثلاثًا، ثم اشْتَراها؛ لتَأسُّفِه على طلاقِها. حِلُّها بعيدٌ في مذهبِنا؛ لأنَّه (2) يقِفُ على زَوْجٍ وإصابَةٍ، ومتى زوَّجَها -مع ما

(1) في الأصل، ط:«بالمطلقة» .

(2)

في ط: «لا» .

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ظهَر مِن تأسُّفِه عليها- لم يكُنْ قصْدُه بالنِّكاحِ إلَّا التَّحْليلَ، والقَصْدُ عندَنا يُؤثِّرُ في النِّكاحِ، بدَليلِ ما ذكَرَه أصحابُنا، إذا تزوَّج الغَرِيبُ بنِيَّةِ طلاقِها إذا خرَج مِنَ البَلَدِ، لم يصِحَّ. ذكَرَه في «الفُروعِ» . قال المُصَنِّف، والشَّارِحُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يصِحَّ النِّكاحُ إذا لم يقْصِدِ العَبْدُ التَّحْليلَ. [وقال العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ في «إعْلامِ المُوَقِّعِين»: لو أخْرَجَتْ مِن مالِها ثَمَنَ مَمْلوكٍ، فوَهَبَتْه لبعضِ مَن تَثِقُ به، فاشْتَرَى به مَمْلُوكًا، ثم خطَبَها على مَمْلُوكِه، فزوَّجَها منه، فدخَل بها المَمْلوكُ، ثم وهَبَها إيَّاه، انْفَسَخَ النِّكاحُ، ولم يكُنْ هناك تحْليلٌ مشْروطٌ ولا مَنْويٌّ ممَّن تُؤثِّرُ نِيَته وشرْطُه، وهو الزَّوْجُ، فإنَّه لا أثَرَ لنِيَّةِ الزَّوْجَةِ، ولا الوَلِيِّ. قال: وقد صرَّح أصحابُنا بأنَّ ذلك يُحِلُّها. فقال في «المُغْنِي»: فإن تزَوَّجَها ممْلوكٌ ووَطِئَها، أحلَّها. انتهى. وهذه الصُّورَةُ غيرُ التي منَع منها الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فإنَّه منَع مِن حِلِّها، إذا كان المُطَلِّقُ الزَّوْجَ، واشْتَرَى العَبْدَ وزَوَّجَه بإذْنِ وَلِيِّها ليُحِلَّها. انتهى](1).

(1) سقط من: الأصل.

ص: 413

الثَّالِثُ، نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ أن يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ،

ــ

قوله: الثَّالِثُ، نِكاحُ المُتْعَةِ، وهو أنْ يتَزَوَّجَها إلى مُدَّةٍ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ نِكاحَ المُتْعَةِ لا يصِحُّ، وعليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، والأصحابُ. وعنه، يُكْرَهُ ويصِحُّ. ذكَرَها أبو بَكْرٍ في «الخِلافِ» ، وأبو

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، وقال: رجَع عنها الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: توَقَّفَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، عن لَفْظِ الحَرامِ ولم يَنْفِه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وغيرُ أبي بَكْرٍ يمْنَعُ هذا، ويقولُ: المَسْألةُ رِوايَةٌ واحِدَةٌ. وقال في «المُحَرَّرِ» : ويتخَرَّجُ أنْ يصِحَّ، ويَلْغُوَ التَّوْقيتُ.

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو نوَى بقَلْبِه، فهو كما لو شرَطَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: وقطَع الشَّيخُ فيها بصِحَّتِه مع النيةِ، ونصَّه، والأصحابُ خِلافُه. انتهى. وقيل: يصِحُّ. وجزَم به في

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالا: هذا قوْلُ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، إلا (1) الأوْزَاعِيَّ، كما لو نوَى، إنْ وافَقَتْه، وإلَّا طلَّقَها. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين، رَحِمَه

(1) سقط من: ط.

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اللهُ: لم أرَ أحدًا مِنَ الأصحابِ قال: لا بَأسَ به، وما قاسَ عليه، لا رَيبَ أنَّه مُوجَبُ العَقْدِ، بخِلافِ ما تقدَّم، فإنَّه يُنافِيه، لقَصْدِه التَّوْقيتَ.

ص: 418

وَنِكَاحٌ شَرَطَ فِيهِ طَلَاقَهَا فِي وَقْتٍ

ــ

قوله: ونِكاحٌ شرَط فيه طَلاقَها في وَقْتٍ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه إذا شرَط في النِّكاحِ طَلاقَها في وَقْتٍ، حُكْمُه حُكْمُ نِكاحِ المُتْعَةِ. وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. ويتَخَرَّجُ أنْ يصِحَّ النِّكاحُ، ويَبْطُلَ الشرْطُ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.

ص: 419

أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأسُ الشَّهْرِ. أَوْ: إِنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا. فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ.

ــ

قوله: أو علَّقَ ابْتِداءَه على شَرْطٍ، كقَوْلِه: زَوَّجتُكَ إذا جاءَ رَأسُ الشَّهْرِ. أو: إنْ رَضِيَتْ أُمُّها. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ بُطْلانُ العَقْدِ في ذلك وشِبْهِه. قال في «الفُروعِ» : إذا علَّق ابْتِداءَه على شَرْطٍ، فسَد العَقْدُ، على الأصح. كالشَّرْطِ. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: ولا يصِحُّ تعْليقُه على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، العَقْدُ صحيحٌ. وبعَّدَها القاضي، وأبو الخَطَّابِ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ذكَر القاضي وغيرُه رِوايتَين، والأنَصُّ مِن كلامِه جَوازُه. قال ابنُ رَجَب: ورِوايَةُ

ص: 420

النَّوْعُ الثَّانِي، أنْ يَشْتَرِطَ أنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أوْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِن امْرأتهِ الأُخْرَى أَوْ أقَلَّ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ.

ــ

الصِّحَّةِ أقْوَى. قال في «الفائقِ» : ولا يصِحُّ تعْليقُه على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وعنه، يصِحُّ، نَصَرَه شيخُنا، وهو المُخْتارُ. انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: قوْلُه في «المُحَرَّرِ» : ولا يصِحُّ تعْليقُه بشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. أظُنُّ قصَد بذلك الاحْتِرازَ عن تعْليقِه بمَشِيئَةِ اللهِ تعالى، ودخَل في ذلك إذا قال: زوَّجْتُكَ هذا المَوْلُودَ إنْ كان أُنْثَى. أو: زوَّجْتُكَ ابنَتى إنْ كانَتِ انْقَضَتْ عِدَّتُها. أو: إنْ لم تَكُنْ زُوِّجَتْ. ونحوُ ذلك مِنَ الشُّروطِ الحاضِرَةِ والماضِيَةِ. وكذلك ذكَر الجَدُّ الأعْلَى (1)، أنَّه لا يجوزُ تعْليقُه على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، ولم أرَها لغيرِهما. انتهى. وتقدَّم كلامُ ابنِ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» في أوَّلِ بابِ أرْكانِ النِّكاحِ، فليُراجَعْ (2).

قوله: النَّوْعُ الثَّاني، أنْ يَشْتَرِطَ أنْ لا مهْرَ لها ولا نَفَقَةَ، أو يَقْسِمَ لها أكْثَرَ مِنِ

(1) هو جد شيخ الإسلام ابن تيمية، ولعله يقصد المجد عبد السلام.

(2)

انظر صفحة 97.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

امْرَأته الأُخْرَى أو أقَل، فالشَّرْطُ باطِلٌ، ويَصِحُّ النِّكَاحُ. وكذا لو شرَط أحدُهما عدَمَ الوَطْءِ. وهذا المذهبُ، نصَّ عليهما. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» وغيرُه. وقيل: يبْطُلُ النِّكاحُ أيضًا. وقيل: يبْطُلُ إذا شرَطَتْ عليه أنْ لا يطأها. قال ابنُ عَقِيلٍ في «مُفْرَداتِه» : ذكَر أبو بَكْرٍ، فيما إذا شرَط أنْ لا يطأ، أو أنْ لا يُنْفِقَ، أو إنْ فارَقَ، رجَع بما أنْفَقَ، رِوايتَين. يعْنِي، في صِحَّةِ العَقْدِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ويَحْتَمِلُ صِحَّةَ شرْطِ عدَمِ النَّفَقَةِ. قال: لا سِيَّما إذا

ص: 422

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْنا: إنَّه إذا أعْسَرَ الزَّوْجُ ورَضِيَتْ به. أنَّها لا تَمْلِكُ المُطالبَةَ بالنَّفَقَةِ (1) بعدُ. واخْتارَ، فيما إذا شرَط أنْ لا مَهْرَ، فَسَادَ العَقْدِ، وأنَّه قوْلُ أكثرِ السَّلَفِ، واخْتارَ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 423

الثَّالِثُ، أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتٍ، وَإلَّا فَلَا نِكَاحَ بَينَهُمَا ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ.

ــ

أيضًا الصِّحَّةَ، فيما إذا شرَط عدَمَ الوَطْءِ، كشَرْطِ تَرْكِ ما تَسْتَحِقُّه. وقال أيضًا: لو شرَطَتْ مُقامَ وَلَدِها عندَها، ونَفَقَتَه على الزَّوْجِ، كان مِثْلَ اشْتِراطِ الزِّيادَةِ في الصَّداقِ، ويُرْجَعُ في ذلك إلى العُرْفِ، كالأجيرِ بطَعامِه وكُسْوَتِه.

قوله: الثَّالِثُ، أنْ يَشْتَرِطَ الخِيارَ، أو إنْ جاءَها بالمَهْرِ في وَقْتِ كذا، وإلا فلا نكاحَ بينَهما، فالشَّرْطُ باطِلُ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ وغيرُه.

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، صِحَّةُ الشَّرْطِ. نَقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ، وبَعَّدَها القاضي. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، صِحَّةَ العَقْدِ والشَّرْطِ، فيما إذا شرَط الخِيارَ.

قوله: وفي صِحَّةِ النِّكاحِ رِوايَتَان. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ،

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» في الثَّانيةِ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» . إحْداهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرتِه» وغيرُه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، فيما إذا شرَط الخِيارَ، كما تقدَّم عنه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يصِحُّ. وقدَّمه في «المُغْنِي» في الأولَى.

فائدة: لو شرَط الخِيارَ في الصَّداقِ، فقيلَ: هو كشَرْطِ الخِيارِ في النِّكاحِ. على ما تقدَّم. وقيل: يصِحُّ هنا. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وقطَع المُصَنِّفُ،

ص: 426

فَصْلٌ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً، فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَقَال أبو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ.

ــ

والشَّارِحُ، بصِحَّةِ النِّكاحِ. وهو الصَّوابُ. وأطْلَقا في الصَّداقِ ثلاثةَ أوْجُهٍ، صِحَّةَ الصَّداقِ مع بُطْلانِ الخِيارِ، وصِحَّةَ الصَّداقِ وثُبُوتَ الخِيارِ فيه، وبُطْلانَ الصَّداقِ.

قوله: وإنْ شرَطَها كِتابِيَّةً، فبانَتْ مُسْلِمَةً، فلا خِيارَ له. هذا المذهبُ. صحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي». وقال أبو بَكْرٍ: له الخِيارُ. وقاله في «التَّرْغِيبِ» .

ص: 427

وَإنْ شَرَطَهَا أَمَةً، فَبَانَتْ حُرَّةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ،

ــ

قال النَّاظِمُ: وهو بعيدٌ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروع» .

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو تزَوَّجَها يظُنُّها مُسْلِمَةً، ولم تُعْرَفْ بتَقَدُّمِ كُفْرٍ، فبانَتْ كافِرَةً. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وأطْلَقُوا الخِلافَ هنا، كما أطْلَقُوه في التي قبلَها. وجزَم هنا في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم، أنَّ له الخِيارَ.

قوله: وإنْ شرَطَها أَمَةً، فبانَتْ حُرَّةً، فلا خِيارَ له. هذا المذهبُ، وعليه الجُمْهورُ. قال في «الفُروعِ»: فلا فَسْخَ في الأصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقيل: له الخِيارُ.

فائدة: وكذا الحُكْمُ في كلِّ صِفَةٍ شرَطَها، فبانَتْ أعْلَى منها، عندَ الجُمْهورِ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: إنْ شرَطَها ثَيِّبًا، فبانَتْ بِكْرًا، فله

ص: 428

وَإِنْ شَرَطَهَا بِكْرًا، أوْ جَمِيلَةً، أوْ نَسِيبَةً، أو شَرَطَ نَفْيَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَنْفَسِخُ بِهَا النِّكَاحُ، فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ، فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَينَ.

ــ

الفَسْخُ (1).

قوله: وإنْ شرَطَها بِكْرًا، أو جَمِيلَةً، أو نَسِيبَةً، أو شرَط نَفْيَ العُيُوبِ التِي لا يَنْفَسِخُ بها النِّكاحُ، فبانتْ بخِلافِه، فهل له الخِيارُ؟ على وَجْهَين. وهما رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، [وابنُ رَزِينٍ في غيرِ البِكْرِ](2)؛ أحدُهما، له الخِيارُ. واخْتارَه صاحِبُ «التَّرْغِيبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، والنَّاظِمُ،

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 429

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، [وهو الصَّوابُ](4). والثاني، ليس له الخِيارُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، [وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في البِكْرِ، وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» في النَّسِيبَةِ](1). وقيل: له الخِيارُ في شَرْطِ النَّسَبِ خاصَّةً إذا فُقِدَ. وقال في «الفُنونِ» ، فيما إذا شرَطَها بِكْرًا، فبانَتْ بخِلافِه: يَحْتَمِلُ فَسادُ العَقْدِ؛ لأنَّ لنا قوْلًا: إذا تزَوَّجَها على صِفَةٍ، فبانَتْ بخِلافِها، ببُطْلانِ العَقْدِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ويَرْجِعُ على الغَارِّ.

فائدة: إذا شرَطَها بِكْرًا، وقُلْنا: ليس له خِيارٌ. فاخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 430

وَإنْ تَزَوَّجَ أمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً، فَأصَابَهَا، وَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَيَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ ولَادَتِهِمْ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الإمَاءِ، وَإنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ رَقِيقٌ،

ــ

«الفُصولِ» -وقاله في «الإِيضاحِ» - أنَّه يرْجِعُ بما بينَ المَهْرَين. قال في «الفُروعِ» : ويتوَجَّهُ مِثْلَه بقِيَّةُ الشُّروطِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ في الجميعِ.

قوله: وإنْ تزَوَّجَ أمَةً يظُنُّها حُرَّةً -وكذا لو شرَطَها حُرَّةً فبانَتْ أمَةً- فأصابَها وولَدَتْ مِنه، فالوَلَدُ حُرٌّ، ويفْدِيهم بمثلِهم يومَ ولادَتِهم، ويرْجِعُ بذلك على مَن غرَّه، ويُفرَّقُ بينَهما إنْ لم يَكُنْ ممَّن يجوزُ له نكاحُ الإِماءِ، وإنْ كان ممَّن يجوزُ له ذلك، فله الخِيارُ، فإنْ رَضِيَ بالمُقامِ معها، فما ولَدَتْ بعدَ ذلك، فهو رَقِيق. اعْلَمْ أنَّه إذا تزوَّجَ أمَةً يظُنُّها حُرَّة، أو شرَطَها حُرَّةً -واعْتَبَرَ في «المُسْتَوْعِبِ» مُقارنَةَ الشَّرْطِ للعَقْدِ، واخْتارَه قبلَه القاضي- فبانَتْ أمَةً، فلا

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ ممَّن يجوزُ له نِكاحُ الإِماءِ أو لا؛ فإنْ كان ممَّن لا يجوزُ له نِكاحُ الإِماءِ، فالمذهبُ أنَّ النِّكاحَ باطِلٌ، كما لو عَلِمَ بذلك. وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: وعندَ أبي بَكْرٍ يصِحُّ، فلا خِيارَ. واعْلَمْ أنَّ قوْلَ أبِي بَكْرٍ، إنَّما حُكِيَ عنه فيما إذا شرَطَها أمَةً، فبانَتْ حُرَّةً، كما تقدَّم. وذكَر القاضي في «الجامِعِ» ، أنَّه قِياسُ قوْلِه: فيما إذا شرَطَها كِتابِيَّةً، فبانَتْ مُسْلِمَةً. ثم فرَّق بينَهما. فالذي نَقْطَعُ به، أنَّ نَقْلَ صاحِب «الفُروعِ» هنا عن أبِي بَكْرٍ، إمَّا سَهْوٌ، أو يكونُ هنا نقْصٌ. وهو أوْلَى، ويدُلُّ على ذلك، أنَّه قال بعدَه: وبَناه في «الواضِحِ» على الخِلافِ في الكَفاءَةِ. فهذا لا يُلائِمُ المسْألةَ. والله أعلمُ. وإنْ

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان ممَّن يجوزُ له نِكاحُ الإِماءِ، فله الخِيارُ، كما قال المُصَنِّفُ. وظاهِرُه وظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ إطْلاقُ الظَّنِّ، فيدْخُلُ فيه ظَنُّه أنَّها حُرَّةُ الأصْلِ أو عتِيقَةٌ. وقطَع في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، أنَّه لا خِيارَ له، إذا ظَنَّها عَتِيقَةً. وهذا المذهبُ، ولعَلَّه مُرادُ مَن أطْلَقَ. وظاهِرُ كلامِ الزَّرْكَشِيِّ، التَّنافِي بينَ العِبارتَين. وقدَّم في «التَّرْغيبِ» ، أنَّه لو ظَنَّها حُرَّةً لا خِيارَ له. وقيل: لا خِيارَ لعَبْدٍ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: لا فَسْخَ مُطْلَقًا. حَكاه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . فإذا اخْتارَ المُقامَ تقَرَّرَ عليه المَهْرُ المُسَمَّى كامِلًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: ينْسِبُ قَدْرَ مَهْرِ المِثْلِ إلى مَهْرِ المِثْلِ كامِلًا، فيكونُ له بقَدْرِ نِسْبَتِه مِنَ المُسَمَّى، يرْجِعُ به على مَن غرَّه.

فائدة: لو أُبِيحَ للحُرِّ نِكاحُ أَمَةٍ، فنَكَحَها، ولم يشْرِطْ حُرِّيَّةَ أوْلادِه، فهم أرِقَّاءُ لسيِّدِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، أنَّ وَلَدَ العَرَبِيِّ يكونُ حُرًّا، وعلى أبِيه فِداؤُه. ذكَرَه الزَّرْكَشِيُّ في آخرِ كِتابِ النَّفَقَاتِ على الأقارِبِ. وإنْ شَرَطَ حُرِّيَّةَ الوَلَدِ، فقال في «الرَّوْضَةِ» ، في إرْثِ غُرَّةِ الجَنِينِ: إنْ شرَطَ زَوْجُ الأَمَةِ حُرِّيَّةَ الوَلَدِ، كان حُرًّا، وإنْ لم يشْرِطْ، فهو عَبْدٌ. انتهى. ذكَرَه في «الفُروعِ» ، في أواخرِ بابِ مَقادِيرِ ديَاتِ النَّفْسِ. قال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في «إعْلامِ المُوَقِّعِينَ» ، في الجُزْءِ الثَّالثِ في الحِيَلِ: المِثالُ الثَّالِثُ

ص: 433

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والسَّبْعُون، إذا شرَطَ الزَّوْجُ على السَّيِّدِ حُرِّيَّةَ أوْلادِه، صحَّ، وما وَلَدَتْه، فهم أحْرارٌ.

قوله: والوَلَدُ حُرٌّ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقالُوا: ينْعَقِدُ حُرًّا باعْتِقادِه. قال ابنُ عَقِيلٍ: ينْعَقِدُ حُرًّا، كما ينْعَقِدُ وَلَدُ القُرَشِيِّ قُرَشِيًّا. وعنه، الوَلَدُ بدُونِ الفِداءِ رقيقٌ.

قوله: ويفْدِيهم. هذا المذهبُ. قاله في «المُغْنِي» وغيرِه. قال الشَّارِحُ: وهو الصَّحيحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، لا يَلْزَمُه فِداؤُهم. قال الزَّرْكَشِي: نقَل ابنُ مَنْصُورٍ، لا فِداءَ عليه؛ لانْعِقادِ الوَلَدِ حُرًّا. وعنه، أنَّه يُقالُ له: افْتَدِ أوْلادَك، وإلَّا فهم يتْبَعُون الأمَّ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فظاهِرُ هذا أنَّه خيَّرَه بينَ فِدائِهم وبينَ ترْكِهم رقيقًا. فعلى المذهبِ، يفْدِيهم بقِيمَتِهم. على الصَّحيحِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ،

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وابنُ مُنَجَّى. وقدَّمه في «الفُروعِ» في بابِ الغَصْبِ؛ لأنَّه أحاله عليه. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وعنه، يفْدِيهم بمِثْلِهم في القِيمَةِ. قدَّمه في «الفائقِ» . واخْتارَه أبو بَكْرٍ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ويحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. وعنه، يضْمَنُهم بأيِّهما شاءَ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ في «المُقْنِعِ» .

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، يفْدِيهم بمِثْلِهم في صِفاتِهم تقْريبًا. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، والقاضي، وأصحابُه. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، والخِلافُ هنا كالخِلافِ المذْكورِ في بابِ الغَصْبِ، فيما إذا اشْتَرَى الجارِيَةَ مِنَ الغاصِبِ، أو وهَبَها له، ووَطِئَها وهو غيرُ عالمٍ، فإنَّ الأصحابَ أحالُوه عليه.

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: يوم ولادَتِهم. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، وَقْتَ الخُصومَةِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لا يضْمَنُ منهم إلَّا مَن وُلِدَ حَيًّا في وَقْتٍ يعيشُ لمِثْلِه، [سواءٌ عاشَ](1) أو ماتَ بعدَ ذلك. الثَّانيةُ، وَلَدُ المُكاتَبَةِ مُكاتَبٌ، ويغْرَمُ أبُوه

(1) سقط من: الأصل.

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قِيمَتَه، على الصَّحيحِ مِن الرِّوايتَين. والمُعْتَقُ بعضُها، يجبُ لها البعضُ فيسْقُطُ، ووَلَدُها يغْرَمُ أَبُوه قَدْرَ رِقِّه.

تنبيه: قولُه: فبانَتْ أَمَةً. يعْنِي، بالبَيِّنَةِ لا غيرُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: وبإقْرارِها أيضًا.

ص: 439

وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَبْدًا، فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ، وَيَفْدِيهِمْ إِذَا عَتَقَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنَ غَرَّهُ.

ــ

قوله: وإنْ كان عَبْدًا، فوَلَدُه أحْرارٌ، ويفْدِيهم إذا عَتَقَ. فيكونُ الفِداءُ مُتَعَلِّقًا

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بذِمَّتِه. وهو المذهبُ. جزَم به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». وقيل: يتعَلَّقُ برَقَبَتِه. وهو رِوايَةٌ في «التَّرْغِيبِ» . قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وهذا هو المُتَوَجَّهُ قوْلًا واحدًا؛ لأنَّه ضَمانُ (1) جنايَةٍ محْضَةٍ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يتعَلَّقُ بكَسْبِه، فيَرْجِعُ به سيِّدُه في الحالِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ويرْجِعُ بذلك على مَن غرَّه. بلا نِزاعٍ، كأمْرِه بإتْلافِ مالِ غيرِه بأنَّه له، فلم يكُنْ له. ذكَرَه في «الواضِحِ» . لكِن مِن شَرْطِ رُجوعِه على مَن غرَّه، أنْ يكونَ قد شرَط له أنَّها حُرَّةٌ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: إنْ كان الشَّرْطُ مُقارِنًا للعَقْدِ، رجَع، وإلَّا فلا. اخْتارَه القاضي، وقطَع به في «المُسْتَوْعِبِ» ، فقال: الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أنْ يشْتَرِطَ حُرِّيَّتَها في نَفْسِ العَقْدِ، فأمَّا إنْ تقدَّم ذلك على العَقْدِ، فهو كما لو تَزَوَّجَها مُطْلَقًا مِن غيرِ اشْتِراطِ الحُرِّيَّةِ، فلا يثْبُتُ له خِيارُ الفَسْخِ. انتهى. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: ويرْجِعُ أيضًا بذلك على مَن غرَّه، مع إيهامِه بقَرِينَةِ حُرِّيَّتِها. وفي «المُغْنِي» (1) أيضًا: ولو كان الغارُّ أجْنَبِيًّا، كوَكِيلِها. قال في «الفُروعِ»: وما ذكَرَه في «المُغْنِي» ، هو إطْلاقُ نُصوصِه. وقاله أبو

(1) 9/ 445.

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطَّابِ، وقاله أيضًا فيما إذا دلَّس غيرُ البائعِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ حَرْبٍ، يقْتَضِي الرُّجوعَ مع الظَّنِّ. وهو اخْتِيارُ أبِي محمدٍ، وأبي العَبَّاسِ؛ إذِ الصَّحابَةُ الذين قَضَوْا بالرُّجوعِ لم يسْتَفْصِلُوا، ويُحَقِّقُ ذلك، أنَّ الأصحابَ لم يشْتَرِطُوا ذلك في الرُّجوعِ في العَيبِ. انتهى.

فائدة: لمُسْتَحِقِّ الفِداءِ مُطالبَةُ الغارِّ ابْتِداءً. نصَّ عليه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعٍ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. قال في «الرِّعايَةِ»: قلتُ: كما لو مات عَبْدًا أو عَتِيقًا أو مُفْلِسًا. وجعَل الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في المَسْأَلَةِ رِوايتَين. قال ابنُ رَجَبٍ: وكذلك أشارَ إليه جَدُّه في تعْلِيقَتِه على «الهِدايَةِ» . قال ابنُ رَجَبٍ، رحمه الله: وهو الأظْهَرُ. ويرْجِعُ هذا إلى أنَّ المَغْرورَ؛ هل يُطالِبُ ابْتِداءً بما يسْتَقِرُّ ضَمانُه على الغارِّ، أم لا يُطالِبُ به سِوَى الغارِّ؟ كما نصَّ عليه في رِوايَةِ جماعَةٍ هنا. ومتى قُلْنا: يُخَيَّرُ بينَ مُطالبَةِ الزَّوْجِ والغارِّ. فلا فرْقَ بينَ أنْ يكونَ أحدُهما مُوسِرًا والآخَرُ مُعْسِرًا، أو يكُونا مُوسِرَين، وإنْ قُلْنا: لا يجوزُ سِوَى مُطالبَةِ الغارِّ ابْتِدْاءً. وكان الغارُّ مُعْسِرًا والآخَرُ مُوسِرًا، فهل يُطالِبُ هنا؟ فيه ترَدُّدٌ. وقد تُشَبَّهُ المسْأَلَةُ بما إذا

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان عاقِلَةُ القاتلِ خَطَأً ممَّن لا تحْمِلُ العَقْلَ، فهل يحْمِلُ القاتِلُ الدِّيَةَ، أم لا؟ انتهى. تنبيهان؛ الأوَّلُ، سُكوتُ المُصَنِّفِ عن ذِكْرِ المَهْرِ يدُلُّ على أنَّه لا يرْجِعُ به. وهو إحْدَى الرِّوايتَين. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال القاضي: الأظْهَرُ أنَّه لا يرْجِعُ؛ لأنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، قال: كنتُ أذْهَبُ إلى حديثِ عليٍّ، رضي الله عنه، ثم هِبْتُه، وكأني (1) أمِيلُ إلى حديثِ عمرَ، رضي الله عنه، فحديثُ عليٍّ، رضي الله عنه، بالرُّجوعِ بالمَهْرِ، وحدِيثُ عمرَ، رضي الله عنه، بعَدَمِه. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يرْجِعُ به أيضًا. اختارَه الخِرَقِيُّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: اخْتارَه القاضي، وأبو محمدٍ، يعْنِي به المُصَنِّفَ، وغيرُهما. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. قلتُ: وهو المذهبُ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، يجِبُ المَهْرُ المُسَمَّى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، مَهْرُ المِثْلِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. ويأْتِي ذلك في آخرِ كِتابِ الصَّداقِ، في النِّكاحِ الفاسِدِ.

الثَّاني، قوْلُه: ويرْجِعُ بذلك على مَن غرَّه. إنْ كان الغارُّ السَّيِّدَ، عتَقَتْ إذا أتَى بلَفْظِ الحُرِّيَّةِ، وزالتِ المَسْأَلَةُ، وإنْ كان بغيرِ لَفْظِ الحُرِّيَّةِ، لم تعْتِقْ، ولم يجِبْ له شيءٌ؛ إذْ لا فائدَةَ في وُجوبِ شيءٍ له، و (2) يَرجِعُ به عليه. لكِنْ إنْ قُلْنا: إنَّ الزَّوْجَ لا يرْجِعُ بالمَهْرِ. وَجَبَ للسَّيِّدِ (3)، وإنْ كان الغارُّ الأَمَةَ، رَجَع عليها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. واخْتارَه القاضي

(1) في الأصل: «وكنت» .

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: «للسيدة» .

ص: 448

وَإِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا، فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ.

ــ

وغيرُه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: لا يرْجِعُ عليها. وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِيُّ. نقَل ابنُ الحَكَمِ، لا يرْجِعُ عليها. قال المُصنِّفُ: ظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ، رحمه الله، لا يرْجِعُ عليها. قال الزَّرْكَشِيُّ: ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في رِوايَةِ جماعَةٍ، لا يرْجِعُ عليها. فعلى الأوَّلِ، هل يتَعلَّقُ بذِمَّتِها، أو برَقَبَتِها؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . قال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، والزَّرْكَشِي: هل يتَعلَّقُ برَقَبَتِها أو بذِمَّتِها؟ على وَجْهَي اسْتِدانَةِ العَبْدِ بدُونِ إذنِ سيِّدِه. وتقدَّم ذلك في أواخِرِ بابِ الحَجْرِ، وأنَّ الصَّحيحَ أنَّه يتَعلَّقُ برَقَبَتِه. وقال القاضي: قِياسُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ، أنَّه يتَعلَّقُ بذِمَّتِها؟ لأنَّه قال في الأَمَةِ، إذا خالعَتْ زوْجَها بغيرِ إذْنِ سيَّدِها: يتَبعُها به إذا عَتَقَتْ. فكذا هنا. وإنْ كانتِ الغارَّةُ مُكاتَبَةً، فلا مَهْرَ لها، في أصحِّ الوَجْهَين. قاله في «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وإنْ كان الغارُّ أجْنَبيًّا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يرْجِعُ عليه. ونصَّ عليه، في رِوايَة عبدِ اللهِ، وصالِحٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به. وظاهِرُ كلامِ القاضي عدَمُ الرُّجوعِ عليه؟ فإنَّه قال: الغارُّ وَكِيلُها، أو هي نفسُها. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وإنْ كان الغارُّ الوَكِيلَ، رجَع عليه في الحالِ، وإنْ كان الغَررُ منها ومِن وَكِيلها، فالضَّمانُ بينَهما نِصْفان. قاله في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. ويأْتِي نظِيرُها في الغَررِ بالعَيبِ.

فائدة: قولُه: وإنْ تزوَّجَتْ رَجُلًا على أنَّه حُرٌّ، أو تظُنُّه حُرًّا، فبانَ عَبْدًا، فلهَا

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِيارُ. بلا نِزاعٍ. ونصَّ عليه. ولكِنْ لو شَرَطَتْ صِفَةً غيرَ ذلك، فبانَ أقَلَّ منها، فلا خِيارَ لها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لو شرَطَتْه نَسِيبًا لم يُخِلَّ بكَفاءَةٍ فلم تَكُنْ، فلا فسْخَ لها. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ،

ص: 450

فَصْلٌ: وَإِنْ عَتَقَتِ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ، فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ،

ــ

و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وقيل في النَّسِيبِ (1): ولو كان مُماثِلًا لها. وفي «الجامِعِ الكَبِيرِ» : وغَرَّه شرْطُ حُرِّيَّةٍ (2) ونَسَبٍ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كشُروطِه، وأوْلَى؛ لمِلْكِه طَلاقَها.

قوله: وإنْ عَتَقَتِ الأَمَةُ وَزَوْجُها حُرٌّ، فلا خِيارَ لها في ظاهِرِ المذهبِ. وهو

(1) في الأصل: «النسب» .

(2)

في الأصل: «وجزم به» .

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو المذهبُ المَنْصوصُ والمُختارُ بلا رَيبٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه المَجْدُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، لها الخِيارُ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُنَوِّرِ» . وهما

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهان مُطْلَقان في «الخُلاصَةِ» . واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وغيرُه، أنَّ لها الخِيارَ في الفَسْخِ تحتَ حُرٍّ. وإنْ كان زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا؛ لأنَّها مَلَكَتْ رقَبَتَها، فلا يُمَلَّكُ عليها إلَّا باخْتِيارِها. ويأْتِي قريبًا. إذا عَتَقَ بعضُها أو بعضُه، هل يثْبُتُ لها الخِيارُ، أم لا؟

فائدة: لو عَتَقَ العَبْدُ وتحتَه أَمَةٌ، فلا خِيارَ له. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وفي «الانْتِصارِ» احْتِمالٌ بأنَّ له الخِيارَ. وحَكاه عنِ الإمامِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله. وفي «الواضِحِ» احْتِمالٌ، ينْفَسِخُ؛ بِناءً على غِناه عن أَمَةٍ بحُرَّةٍ. وذكَر غيرُه وَجْهًا (1)، إِنْ وجَد طَوْلًا. وفي «الواضِحِ» أيضًا احْتِمالٌ؛ بِناءً على الرِّوايَةِ فيما إذا اسْتَغْنَى عن نِكاحِ الأَمَةِ بحُرَّةٍ، فإنَّه يَبْطُلُ. وتقدَّم ذلك في الكَفاءَةِ، قبلَ قوْلِه: والعَرَبُ بعضُهم لبعضٍ أكْفاءُ. فعلى المذهبِ، قال

(1) في الأصل، ا:«وجهان» .

ص: 453

وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ،

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا خِيارَ له؛ لأنَّ الكَفاءَةَ تُعْتَبَرُ فيه لا فيها، فلو تَزَوَّجَ امْرأَةً مُطْلَقًا، فبانَتْ أَمَةً، فلا خِيارَ له، ولو تَزَوَّجَتْ رجُلًا مُطْلَقًا، فبانَ عَبْدًا، فلها الخِيارُ، فكذلك في الاسْتِدامَةِ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قوله: وإنْ كان عَبْدًا، فلها الخِيارُ -بلا نِزاعٍ في المذهبِ. وحَكاه ابنُ

ص: 454

وَلَهَا الْفَسْخُ بِغَيرِ حُكْمِ حَاكِمٍ.

ــ

المُنْذِرِ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وغيرُهما إجْماعًا- ولها الفَسْخُ بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ. بلا نِزاعٍ.

ص: 455

فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ فَسْخِهَا، أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا.

ــ

قوله: فإنْ عتَقَ قبلَ فَسْخِها، أو مَكَّنَتْه مِن وَطْئِها، بطَل خِيارُها، فإنِ ادَّعَتِ الجَهْلَ بالعِتْقِ، وهو مِمَّا يجوزُ جَهْلُه، أو الجَهْلَ بمِلْكِ الفَسْخِ، فالقَوْلُ قَوْلُها. إذا عتَق قبلَ فسْخِها، سقَط خِيارُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: وقيل: إنَّه وقَع للقاضي، وابنِ عَقِيلٍ ما يقْتَضِي

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه لا يسْقُطُ. ويأْتِي قرييًا في كلامِ المُصَنِّفِ: إذا عَتَقَا معًا. وأمَّا إذا مَكَّنَتْه مِن وَطْئِها مُخْتارَةً، وادَّعَتِ الجَهْلَ بالعِتْقِ، وهي مِمَّن يجوزُ خَفاءُ ذلك عليها؛ مِثْلَ أنْ يعْتِقَها وهو في بَلَدٍ آخَرَ ونحوه، أو ادَّعَتِ الجَهْلَ بمِلْكِ الفَسْخِ، فقدَّم المُصَنِّفُ هنا قَبُولَ قوْلِها، ولكِنْ مع يَمينِها، ولها الخِيارُ. وهو إحْدَى الرِّوايتَين. وحَكاه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» عن القاضي وأصحابِه، وحَكاه في «الكافِي» عن القاضي وأبي الخَطَّابِ، وحَكاه في «الشَّرْحِ» عنِ القاضي. وهو قَوْلٌ في «الرِّعايَةِ» . واخْتارَه جماعَةٌ. وجزَم به في «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتوعِبِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .

ص: 458

فَإِنِ ادَّعَتِ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ جَهْلُهُ، أَو الْجَهْلَ بِمِلْكِ

ــ

قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» : فلها الفَسْخُ في الأصحِّ. وقال الخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيارُها، عَلِمَتْ أو لم تَعْلَمْ. وهو المذهبُ. نصَّ عليه، في رِوايَةِ الجماعَةِ فيهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا نصُّ الرِّوايتَين، واخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وابنِ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، و «الجامِعِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». ويَنْبَنِي عليهما وَطْءُ الصَّغيرةِ والمَجْنُونَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يسْقُطُ خِيارُها. على الرِّوايتَين. وقيل: إنِ ادَّعَتْ جَهْلًا بعِتْقِه، فلها الفَسْخُ، وإنِ ادَّعَتْ جَهْلًا بمِلْكِ الفَسْخِ، فليس لها الفَسْخُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وجزَم به في «المُحَرَّرِ» في الأُولَى. وأطْلقَ في الثَّانِيَّةِ الرِّوايتَين. وقال الزَّرْكَشِيُّ: تُقْبَلُ دعْواها الجَهْلَ بالعِتْقِ فيما إذا وَطِئَهَا، والخِيارُ بحالِه، هذا المذهبُ المَشْهورُ لعامَّةِ الأصحابِ. وعنِ القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ»: يَبْطُلُ خِيارُها. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : فإِنْ لم تخْتَرْ، حتى عَتقَ، أو وَطِئَ طَوْعًا مع عِلْمِها بالخِيارِ، فلا خِيارَ لها، وكذا مع جَهْلِها به. وقيل: لا يَبْطُلُ. فإنْ لم تعْلَمْ هي عِتْقَها حتى وَطِئَها، فوَجْهان، فإنِ ادَّعَتْ جَهْلًا بعِتْقِه، أو بعِتْقِها، أو طَلَبِ الفَسْخِ به، ومِثْلُها يجْهَلُه، فلها الفَسْخُ، إنْ حَلَفَتْ. وعنه، لا فَسْخَ. انتهى.

تنبيه: قولُه: فإنِ ادَّعَتِ الجَهْلَ بالعِتْقِ، وهو مِمَّا يجوزُ جَهْلُه. هذا

ص: 459

الْفَسْخِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَقَال الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ.

ــ

الصَّحيحُ. وقيل: ما لم (1) يُخالِفْها ظاهِرٌ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» .

فوائد؛ إحْداها، حُكْمُ مُباشَرَتِه لها حُكْمُ وَطْئِها، وكذا تَقْبِيلِها؛ إذ مَناطُها ما يدُلُّ على الرِّضا. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وهو صحيحٌ. الثَّانيةُ، يجوزُ للزَّوْجِ الإِقْدامُ على الوَطْءِ، إذا كانتْ غيرَ عالِمَةٍ. قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: قِياسُ مذهبِنا جوازُه. قال في «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والخَمْسِين» : وفيما قاله نظَرٌ، والأَظهَرُ تخْرِيجُه على الخِلافِ. يعْنِي الذي ذكَرَه في أصْلِ القاعِدَةِ، فإنَّه لا يجوزُ الإِقْدامُ عليه. الثَّالثةُ، لو بذَل الزَّوْجُ لها عِوَضًا على أنَّها تخْتارُه، جازَ. نصَّ عليه في رِوايَةِ مُهَنَّا. ذكَرَه أبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» . قال ابنُ رَجَبٍ، رحمه الله: وهو راجِعٌ إلى صِحَّةِ إسْقاطِ الخِيارِ بعِوَضٍ. وصرَّح الأصحابُ بجوازِه في خِيارِ البَيعِ. الرَّابعَةُ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: لو شرَط المُعْتِقُ عليها دَوامَ النِّكاحِ تحت حُرٍّ أو عَبْدٍ إذا أعْتَقَها، فَرضِيَتْ، لَزِمَها ذلك. قال: ويَقْتَضِيه مذهبُ الإِمامِ أحمدَ، رَحِمَه

(1) سقط من: الأصل.

ص: 460

وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا،

ــ

اللهُ، فإنَّه يجوزُ العِتْقُ بشَرْطٍ. قال في «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والثَّلاثين»: إذا عَتَقَتِ الأَمَةُ المُزَوَّجَةُ، لم تَمْلِكْ مَنْفَعَةَ البُضْعِ، وإنَّما يثْبُتُ لها الخِيارُ تحتَ العَبْدِ. قال: ومَن قال بسِرايَةِ العِتْقِ، قال: قد مَلَكَتْ بُضعَها، فلم يَبْقَ لأحدٍ عليها مِلْكٌ، فصارَ الخِيارُ لها في المُقامِ وعدَمِه، حُرًّا كان أو عَبْدًا. [قال: وعلى هذا لو اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ بُضْعِها للزَّوْجِ، صحَّ ولم تَمْلِكِ الخِيارَ، حُرًّا كان أو عَبْدًا. ذكرَه الشَّيخُ] (1). قال: وهو مُقْتَضَى المذهبِ. انتهى. والظَّاهِرُ أنَّه أرادَ بالشَّيخِ، الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ، أو سقَط ذِكْرُه في الكِتابةِ.

قوله: وخِيارُ المُعْتَقَةِ على التَّراخِي، ما لم يُوجَدْ منها ما يَدُلُّ على الرِّضا. بلا خِلافٍ في ذلك. ويأْتِي خِيارُ العَيبِ، هل هو على التَّراخِي، أو على الفَوْرِ؟ في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 461

فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً، فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ، وَلَيسَ لِوَلِيِّهَا الاخْتِيَارُ عَنْهَا.

ــ

أواخِرِ البابِ الآتِي بعدَ هذا.

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: فإنْ كانَتْ صَغِيرَةً، أو مَجْنُونَةً، فلها الخِيارُ إذا بَلَغَتْ وعَقَلَتْ. أنَّه ليس لها خِيارٌ قبلَ البُلُوغِ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوي» ،

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وقيل: لها الخِيارُ إذا بَلَغَتْ تِسْعًا. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ» : إذا بَلَغَتْ سِنًّا يُعْتَبَرُ قوْلُها فيه، خُيِّرَتْ. وذكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، وصرَّح بأنَّها بِنْتُ تِسْعٍ. وكذا صرَّح به ابنُ البَنَّا في «العُقودِ»؛ فقال: إذا كانتْ صَغِيرَةً فعَتَقَتْ، فهي على الزَّوْجِيَّةِ إلى أنْ تبْلُغَ حَدًّا يصِحُّ إذْنُها؛ وهي التِّسْعُ سِنِين فصاعدًا. الهى. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إذا بَلَغَتْ سَبْعًا، بتَقْديمِ السِّينِ. [وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اعْتِبارُ صِحَّةِ إذْنِها بالتِّسْعِ أو السَّبْعِ، ضعيفٌ؛ لأنَّ هذا ولايَةُ اسْتِقْلالٍ، وولايَةُ الاسْتِقْلالِ لا تثْبُتُ إلَّا بالبُلوغِ، كالعَفْو عنِ القِصاصِ، والشُّفْعَةِ، وكالبَيعِ، بخِلافِ ابْتِداءِ العَقْدِ، فإنَّه يتَوَلَّاه الوَلِيُّ بإذْنِها، فتَجْتَمِعُ الولايَتان، وبينَهما فَرْقٌ. انتهى] (1).

(1) سقط من: الأصل.

ص: 463

فَإِنْ طُلِّقَت قَبْلَ اخْتِيَارِهَا، وَقَعَ الطَّلَاقُ.

ــ

قوله: فإنْ طَلُقَتْ قبلَ اخْتِيارِها، وقَع الطَّلاقُ. وبطَل خِيارُها. يعْنِي، إذا كان طَلاقًا بائِنًا. وهذا المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ»

ص: 464

وَإنْ عَتَقَتِ الْمُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيَّةُ، فَلَهَا الْخِيَارُ،

ــ

وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال القاضي: طَلاقُه مَوْقوفٌ، فإنِ اخْتارَتِ الفَسْخَ، لم يقَعْ، وإلَّا وقَع. وقيل: هذا إنْ جَهِلَتْ عِتْقَها. وأطْلَقَ في «التَّرْغِيبِ» في وُقوعِه وَجْهَين.

قوله: وإنْ عَتَقَتِ المُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيَّةُ، فلها الخِيارُ. بلا نِزاعٍ، سواءٌ عَتَقَتْ ثم

ص: 465

فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ، فَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

طَلُقَتْ، أو طَلُقَتْ ثم عَتَقَتْ في عِدَّتِها، فإنْ رَضِيتْ بالمُقامِ، فهل يبْطُلُ خِيارُها؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، يبْطُلُ. وهو المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه.

ص: 466

وَمَتَى اخْتَارَتِ الْمُعْتَقَةُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ،

ــ

وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، فقال: سقَط خِيارُها في أصحِّ الوَجْهَين. قال النَّاظِمُ: هذا أشْهَرُ الوَجْهَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، لا يبْطُلُ خِيارُها.

قوله: ومتى اختارَتِ المُعْتَقَةُ الفُرْقَةَ بعدَ الدُّخُولِ، فالمَهْرُ للسَّيِّدَ. بلا نِزاعٍ.

ص: 467

وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَلَا مَهْرَ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لِسَيِّدِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ.

ــ

سواءٌ كان مُسَمَّى المَهْرِ، أو مَهْرَ المِثْلِ، إنْ لم يكَنْ مُسَمًّى.

قوله: وإنْ كان قبلَه، فلا مَهْرَ. هذا المذهبُ. جزَم به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ

ص: 468

وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَينِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فلَا خِيَارَ لَهَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لَهَا الْخِيَارُ.

ــ

«الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَدَمِيِّ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال أبو بَكْرٍ: لسيِّدِها نِصْفُ المَهْرِ. وهو رِوايَةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، نقَلَها مُهَنَّا. وجزَم به في «الرِّعايتَين» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» . فعليها، إنْ لم يكُنْ فُرِضَ، وجَبَتِ المُتْعَةُ، حيث يجِبُ لوُجوبِه له، فلا يسْقُطُ بفِعْلِ غيرِه.

قوله: وإنْ أعْتَقَ أحَدُ الشَّرِيكَين وهو مُعْسِرٌ، فلا خِيارَ لها. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم.

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» : لم يثْبُتْ لها خِيارٌ في ظاهِرِ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه الرِّوايَةُ هي المُخْتارَةُ مِنَ الرِّوايتَين. وجزَم به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، حُكْمُها حكمُ عِتْقِها كلِّها. واخْتارَه أبو بَكْرٍ في «الخِلافِ» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «البُلْغَةِ» . فعلى المذهبِ، لو زوَّج مُدَبَّرَةً له (1)، لا يَمْلِكُ غيرَها، قِيمَتُها مِائةٌ، بعَبْدٍ، على مِائتَينِ مَهْرًا، ثم ماتَ السَّيِّدُ، عتَقَتْ، ولا فَسْخَ لها قبلَ الدُّخولِ؛ لئَلَّا يسْقُطَ المَهْرُ، أو يتَنَصَّفَ، فلا تخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، فيرِقُّ بعَضُها، فيمْتَنِعُ الفَسْخُ. ذكَرَه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قلتُ: فيُعايَى بها. وهي مُسْتَثْناةٌ مِن

(1) في الأصل: «أم» .

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّن أطْلَقَ.

فائدة: لو عَتَقَتِ الأَمَةُ وزَوْجُها بعضُه حُرٌّ مُعْتَقٌ، فلا خِيارَ لها. قدَّمه في «الفُروعِ». [وقيل: لها الخِيارُ. جزَم به في «التَّرْغِيبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . فلو عَتَقَ بعضُها، والزَّوْجُ بعضُه مُعْتَقٌ، فلا خِيارَ لها. على الصَّحيحِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ] (1). وعنه، لها الخِيارُ. وعنه، لها الخِيارُ، إنْ كانتْ حُرِّيَّتُها أكْثَرَ. وصحَّح في «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، عَدَمَ الخِيارِ إذا كانا

(1) سقط من: الأصل.

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُتَساويَين في الحُرِّيَّةِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وأطْلَقَ فيما إذا تَساوَيا في العِتْقِ، في «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وَجْهَين.

ص: 472

وَإِنْ عَتَقَ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَعَنْهُ، يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا.

ــ

قوله: وإنْ عَتَقَ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَلا خِيارَ لها. يعْنِي إذا قُلْنا: لا خِيارَ للمُعْتَقَةِ تحتَ حُرٍّ. وهذا المذهبُ. قال القاضي في بعضِ كُتُبِه: هذا قِياسُ المذهبِ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، والمُصنِّفُ، والمَجْدُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وصحَّحه في

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّصْحيحِ» ، و «الحاوي» . قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: هذا أصحُّ الرِّوايتَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، لها الخِيارُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: هي أنصُّهما. وصحَّحَها القاضي

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في كِتابِ «الرِّوايتَين» ، وهي قوْلٌ في «الرِّعايَةِ». وقدَّمه في «المُحَرَّرِ». قال في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ والخَمْسين»: فيه رِوايَتان مَنْصُوصَتان. وعنه، ينْفَسِخُ نِكاحُها. نقَلَه الجماعَةُ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): ومَعْناه، واللهُ أعلمُ، أنَّه إذا وهَب لعَبْدِه سُرِّيَّةً، وأَذِنَ له في التَّسَرِّي بها، ثم أعْتَقَهما جميعًا، صارَا حُرَّينِ، وخرَجَتْ عن مِلْكِ العَبْدِ، فلم يكُنْ له إصابَتُها إلَّا بنِكاحٍ جديدٍ، هكذا

(1) 10/ 73.

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

روَى جماعَةٌ مِن أصحابِه، في مَن وهَب لعَبْدِه سُرِّيَّةً، أو اشْتَرَى له سُرِّيَّة، ثم أعْتَقَها، لا يقْرَبُها إلَّا بنِكاحٍ جديدٍ. وأمَّا إذا كانَتِ امْرَأَتَه، فعَتقَا، لم ينْفَسِخْ نِكاحُه بذلك؛ لأنَّه إذا لم ينْفسِخْ بإعْتاقِها وحدَها، فلِئَلَّا ينْفَسِخَ بإعْتاقِهما معًا أوْلَى. ويَحْتَمِلُ أنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، إنَّما أرادَ بقوْلِه: انْفَسَخَ نِكاحُهما. أنَّ لهما (1) فَسْخَ النِّكاحِ. وهذا يُخَرَّجُ على الرِّوايَةِ التي تقولُ بأنَّ لها الفَسْخَ إذا كان زوْجُها حُرًّا قبلَ العِتْقِ. انتهى. قال العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله: وهذا تأْويلٌ بعيدٌ جدًّا مِن لَفْظِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فإنَّ كلامَ الإِمامِ أحمدَ في رِوايَةِ ابن هانِئٍ، وحَرْبٍ، ويَعْقُوبَ بنِ بخْتانَ: إذا زوَّج عَبْدَه مِن أَمَتِه، ثم أعْتَقَهما، لا يجوزُ أنْ يجْتَمِعا حتى يُجَدِّدَ النِّكاحَ. فرَواه الثَّلاثَةُ بلَفْظِ الواحدِ، وهو: أنَّه زوَّجَ عبْدَه مِن أَمَتِه. ثم قوْلُه: حتى يُجَدِّدَ النِّكاحَ. مع قوْلِه: زوَّج. صَريحٌ في أنَّه نِكاحٌ لا تَسَرٍّ. قال: وللبُطْلانِ وَجْهٌ دقيقٌ؛ وهو أنَّه إنَّما زوَّجَها بحُكْمِ المِلْكِ لهما، وقد زال مِلْكُه عنهما، بخِلافِ تزْويجِها لعَبْدِ غيرِه. ولهذا كان في وُجوبِ المَهْرِ في هذه المَسْأَلَةِ نِزاعٌ. فقيل: لا يجِبُ المَهْرُ بحالٍ. وقيل: يجِبُ ويسْقُطُ. والمَنْصوصُ، أنَّه يجِبُ، ويُتْبَعُ به بعدَ العِتْقِ، بخِلافِ تزْويجِها لعَبْدِ غيرِه.

(1) كذا بالنسخ. وفي المغني 10/ 73: «لها» .

ص: 476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى.

ص: 477