الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ حَدِّ الْمُحَاربِينَ
وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ.
ــ
بابُ حدِّ المُحارِبينَ
وَهُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاس بِالسِّلَاحِ فِى الصَّحْرَاءِ، فَيَغْصِبُونَهُمُ الْمَالَ مُجَاهَرَةً، فَأمَّا مَنْ يَأخُذُهُ سَرِقَةً، فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ.
ــ
تنبيه: يَحْتَمِلُ قولُه: وهم الذين يَعْرِضُون للنَّاسِ بالسِّلاحِ فى الصَّحْراءِ، فيغْصبُونَهم المالَ مُجَاهَرَةً. ولو كانَ سِلاحُهم العِصِىَّ والحِجارَةَ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قال فى «الفُروعِ»: والأصحُّ، وعَصًى وحَجَرٌ. قال فى «تَجْريدِ العِنايةِ»: وهو الأظْهَرُ. وقطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِىُّ. وقيل: لا يُعْطَون حُكْمَ قُطَّاعِ الطَّريقِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : والأَيْدِى، والعِصِىُّ، والأحْجارُ كالسِّلاحِ فى وَجْهٍ. وقال فى «البُلْغَةِ» وغيرِها: لو غصبُوهم بأَيْدِيهم مِن غيرِ سِلاحٍ، كانُوا مِن قُطَّاعِ الطَّريقِ.
فائدة: مِن شَرْطِه أَنْ يكونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا؛ ليَخْرُجَ الحَرْبِىُّ.
تنبيه: قولُه: فى الصَّحْراءِ. كذا قال الأكثرُ. وقال فى «الرِّعايَتَيْن» : فى صَحْراءَ بعيدَةٍ.
وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِى الْبُنْيَانِ، لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ فِى قَوْلِ الْخِرَقِىِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِى الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ.
ــ
قوله: وإنْ فَعَلوا ذلك فى البُنْيانِ، لم يَكُونُوا مُحارِبِين، فى قَوْلِ الخِرَقِىِّ. وهو ظاهِرُ كلامِه. قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ»: هو الأشْهَرُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، وغيرهم.
وقال أبو بَكْرٍ: حُكْمُهم فى المِصْرِ والصَّحْراءِ واحدٌ. وهو المذهبُ، وعليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكثرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو قولُ أبِى بَكْرٍ وكثيرٍ مِن أصحابِنا. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدَّيْنِ، رحمه الله: هو قولُ الأكْثَرِين. قال فى «الفُروعِ» : اخْتارَه الأكثرُ. قلتُ: منهم؛ أبو بَكْرٍ، والقاضى، والشَّرِيف، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلَافَيْهما» ، والشِّيرازِىُّ. وصحَّحه فى «الخُلاصَةِ». وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: حُكْمُ المِصْرِ حُكْمُ الصَّحْراءِ، إنْ لم يُغَثْ. وقالَه القاضى فى «المُجَرَّدِ» ، و «الشَّرْحِ الصَّغِيرِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» .
وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ حَتْمًا، وَصُلِبَ حَتَّى يُشْتَهَرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ.
ــ
وهو ظاهِرُ تعْليلِ الشَّرِيفِ أبى جَعْفَرٍ. ذكَرَه فى «الطَّبَقاتِ» .
تنبيه: مَنْشَأُ الخِلافِ، أنَّ الإِمامَ أحمدَ سُئِلَ عن ذلك، فتوَقَّفَ فيهم.
قوله: وإذا قُدِرَ عليهم، فمَن كان منهم قد قتَل مَن يُكافِئُه وأخَذ المالَ، قُتِلَ حَتْمًا. بلا نِزاعٍ. ولا يُزادُ على القَتْلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الكافِى» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
وعنه، أنَّه يُقْطَعُ مع ذلك (1). اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ. وقيل: ويُصْلَبُون بحيثُ لا يمُوتون.
قوله: وصُلِبَ حتى يُشْتَهَرَ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضى فى «جامِعِه» ، وأبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وجزَم به فى
(1) بعده فى ط، أ:«أولا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الكافِى» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ.
وقال أبو بَكْرٍ: [يُصْلَبُ قَدْرَ ما يقَعُ عليه اسمُ الصَّلْبِ. وقال فى «التَّبْصِرَةِ»](1): يُصْلَبُ قَدْرَ ما يُتَمَثَّلُ به ويُعْتَبَرُ (2). قلتُ: وهو أوْلَى، وهو
(1) سقط من: الأصل.
(2)
فى الأصل، ط:«يتغير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قريبٌ مِنَ المذهبِ. وعندَ ابنِ رَزِينٍ، يُصْلَبُ ثلَاثَةَ أيَّامٍ.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الصَّلْبَ بعدَ قَتْلِه. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه جمهورُ الأصحابِ. وقيل: يُصْلَبُ أولًا. وتقدَّم فى كتابِ الجَنائزِ -عندَ قوْلِه: ولا يُصَلِّى الإِمامُ على الغَالِّ- أنَّه هل يُقْتَلُ أوْلا؟ ثم يُغَسَّلُ ويُصَلَّى عليه، ثم يُصْلَبُ، أو يُصْلَبُ عَقِبَ القَتْلِ.
فائدة: لو ماتَ أو قُتِلَ قبلَ قَتْلِه للمُحارَبَةِ، لم يُصْلَبْ. على الصَّحيحِ مِنَ
وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ، فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
المذهبِ. وقيل: يُصْلَبُ.
قوله: وإنْ قتَل مَن لا يُكافِئُه -يعْنِى، كوَلَدِه والعَبْدِ والذِّمِّىِّ- فهل يُقتَلُ؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ؛ إحْداهما، يُقْتَلُ. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ». قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ»: يُقْتَلُ على الأظْهَرِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا يُقْتَلُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا أمْشَى على قاعِدَةِ المذهبِ. واخْتارَها الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ، والشِّيرازِىُّ. وهو
وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْس، فَهَلْ يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
ظاهِرُ ما جزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» .
قوله: وإنْ جنَى جنايَةً تُوجِبُ القِصاصَ فيما دُونَ النَّفْسِ، فهَلُ يتَحَتَّمُ اسْتِيفَاوه؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقهما فى «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الكافِى» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ؛ إحْداهما، لا يتَحَتَّمُ اسْتِيفاؤُه. وهو المذهبُ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يتحَتَّمُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وصحَّحه فى «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وهما وَجْهان فى «الكافِى» ، و «البُلْغَةِ» .
فائدتان؛ إحْداهما، لا يسْقُطُ تحَتُّمُ القَتْلِ على كِلا الرِّوايتَيْن، ولا يسْقُطُ تحَتُّمُ القَوَدِ فى الطَّرَفِ، إذا كان قد قتَل. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال فى «المُحَرَّرِ»: ويَحْتَمِلُ عندِى أَنْ يسْقُطَ تحُتُّمُ قوَدِ طَرَفٍ بتَحَتُّمِ قَتْلِه.
وَحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ.
ــ
قال فى «الفُروعِ» : وذكَر بعضُهم هذا الاحْتِمالَ، فقال: يَحْتَمِلُ أَنْ تسْقُطَ الجِنايَةُ، إنْ قُلْنا: يتَحَتَّمُ اسْتِيفاؤها. وذكَرَه بعضُهم، فقال: يحْتَمِلُ أَنْ يسْقُطَ تحَتُّمُ القَتْلِ، إنْ قُلْنا: يتَحَتَّمُ فى الطَرَفِ، وهذا وَهْمٌ. وهو كما قال.
الثَّانيةُ: قولُه: وحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ المُباشِرِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال فى «الفُروعِ»: وكذلك الطَّلِيعُ (1). وذكَر أبو الفَرَجِ، السَّرِقَةُ كذلك، فرِدْءُ غيرِ مُكَلَّفٍ كهو. وقيل: يضْمَنُ المالَ آخِذُه. وقيل: قَرارُه عليه. وقال فى «الإِرْشادِ» : مَن قاتلَ اللُّصوصَ وقُتِلَ، قُتِلَ القاتِلُ فقط. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ
(1) الرجل يبعث لمطالعة أمر العدو وغيره.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدِّينِ، رحمه الله، يُقْتَلُ الآمِرُ كرِدْءٍ، وأنَّه فى السَّرِقَةِ كذلك. وفى السَّرِقَةِ فى «الانْتِصارِ»: الشَّرِكَةُ تُلْحِقُ غيرَ الفاعلِ به، كرِدْءٍ مع مُباشِرٍ. وقال فى «المُفْرَداتِ»: إنَّما قُطِعَ جماعَةٌ بسَرِقَةِ نِصابٍ للسَّعْىِ بالفَسادِ، والغالِبُ مِنَ السُّعاةِ قَطْعُ الطَّريقِ والتَّلَصُّصُ باللَّيْلِ والمُشارَكَةُ بأعْوانٍ؛ بعضُهم يُقاتِلُ أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْمِلُ، أو يُكَثرُ، أو يَنْقُلُ، فَقَتَلْنَا الكُلَّ أو قطَعْناهم حَسْمًا للفَسادِ. انتهى.
وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ، قُتِلَ. وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْن.
ــ
قوله: ومَن قتَل ولم يأْخُذِ المالَ، قُتِل. يعْنِى، حَتْمًا مُطلَقًا. وهذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُقْتَلُ حَتْمًا، إنْ قتَلَه لقَصْدِ مالِه، وإلَّا فلا. وقيل: فى غيرِ مُكافِى. فعلى المذهبِ، لا أثَرَ لعَفْوِ وَلِىٍّ. فيُعايَى بها.
قوله: وهل يُصْلَبُ؟ على رِوايَتَيْن. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ؛ إحْداهما، لا يُصْلَبُ. وهو المذهبُ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ،
وَمَنْ أخذَ المالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِى مَقَام وَاحِدٍ، وَحُسِمَتَا، وَخُلِّىَ.
ــ
وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يُصْلَبُ.
تنبيه: قولُه: ومَن أخَذ المالَ ولم يَقْتُلْ، قُطِعَتْ يَدُه اليُمْنَى ورِجْلُه اليُسْرَى فى مَقام واحِد، وحُسِمَتا، وخُلِّىَ. يعْنِى، يكونُ ذلك حَتْمًا. قال ابنُ شِهابٍ، وغيرُه: يجِبُ أَنْ يكونَ ذلك مُرَتَّبًا، بأنْ تُقْطَعَ يَدُه اليُمْنَى أولًا، ثم رِجْلُه اليُسْرِى. وجوَّزَه أبو الخَطَّابِ، ثم أوْجَبَه، لكِنْ لا يُمْكِنُ تَدارُكُه.
وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِى مِثْلِهِ.
ــ
قوله: ولا يُقْطَعُ منهم إلَّا مَن أخَذ ما يُقْطَعُ السَّارِقُ فى مثْلِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرُهم. وخُرجَ عَدمُ القَطْعِ مِن عدَمِ اعْتِبارِ المُكافأَةِ.
فائدة: مِن شَرْطِ قَطْعِه، أَنْ يأخُذَ مِن حِرْزٍ، فإنْ أخَذ مِن مُنْفَرِدٍ عنِ القافِلَةِ ونحوِه، لم يُقْطَعْ. ومِن شَرْطِه أيضًا، انْتِفاءُ الشُّبْهَةِ فى المالِ المأْخُوذِ.
فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً، أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِى قِصَاصٍ، أَوْ شَلَّاءَ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟ يَنْبَنِى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِى قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ، فِى المَرَّةِ الثَّالِثَةِ.
ــ
قوله: فإنْ كانتْ يَمِينُه مَقْطُوعَةً، أو مُسْتَحَقَّةً فى قِصاص، أو شَلَّاءَ، قُطِعَتْ رِجْلُه اليُسْرَى، وهل تقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟ ينْبَنِى على الرِّوايتَيْن فى قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ، فى المرَّةِ الثَّالِثَةِ. وهو بناءٌ صحيحٌ، فالمذهبُ هناك عدَمُ القَطْعِ، فكذا هنا. هذا هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقال فى «الفُروعِ» هنا بعدَ أَنْ قدَّم أنَّه لا يُقْطَعُ: وقيلَ: يُقْطَعُ المَوْجودُ مع يَدِه اليُسْرَى. وقال فى «البُلْغَةِ» وغيرِه: إنْ قُطِعَتْ يَمِينُه قَوَدًا، واكْتفَى برِجْلِه اليُسْرَى، ففى إمْهالِه وَجْهان. انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، لو قُطِعَتْ يُسْراه قَوَدًا، وقُلْنا: تُقْطَعُ يُمْناه كسَرِقَةٍ،
وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أخَذَ الْمَالَ، نُفِىَ وَشُرِّدَ، فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِى إِلَى
ــ
أُمْهِلَ، وإنْ عدِمَ يُسْرَى يدَيْه، قُطِعَت يُسْرَى رِجْلَيْه. ويتخَرجُ لا تُقْطَعُ، كيُمْنَى يدَيْه، فى الأصحِّ مِنَ الوَجْهَيْن.
الثَّانيةُ، لو حارَبَ مَرَّةً ثانيةً، لم تُقْطَعْ أرْبَعَتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: بلَى. وأَطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» . وهذا الخِلافُ مَبْنِىُّ على الخِلافِ فى السَّارِقِ، إذا سرَق مَرَّةً ثالثةً، على ما تقدَّم.
قوله: ومَن لم يَقْتُلْ، ولا أخَذ المالَ، نُفِىَ وشُردَ، فلا يُتْرَكُ يأْوِى إلى بَلَدٍ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. قال
بَلَدٍ. وَعَنْهُ، أنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ.
ــ
الزَّركَشِىُّ: هذا المذهبُ المَجزومُ به عندَ القاضى، وغيرِه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.
وعنه، أنَّ نفْيَه تعْزِيرُه بما يرْدَعُه. وقال فى «التَّبْصِرَةِ»: يُعَزَّرُ، ثم يُنْفَى ويُشَرَّدُ. وعنه، أنَّ نفْيَه حَبْسُه. وفى «الواضِحِ» وغيرِه رِوايةٌ، نفْيُه طلَبُه.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وكثيرٍ مِنَ الأصحاب، دُخولُ العَبْدِ فى ذلك، وأنَّه يُنْفَى. وقد قال القاضى فى «التَّعْليقِ»: لا تُعْرَفُ الرِّوايَةُ عن أصحابِنا فى ذلك، وإنْ سلَّمْناه، فالقَصْدُ مِن ذلك كَفُّه عنِ الفَسادِ، وهذا يَشْتَرِكُ فيه الحُرُّ والعَبْدُ. انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، تُنْفَى الجماعَةُ مُتَفَرِّقِين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، خِلافًا لصاحِب «التَّبْصِرَةِ» .
الثَّانيةُ، لا يزالُ مَنْفِيًّا حتى تظْهَرَ توْبتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يُنْفَى عامًا. وذكَرهما المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ احْتِمالَيْن، وقالا: لم يذْكُرْ أصحابُنا قَدْرَ مُدَّةِ نَفْيِهم.
وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى؛ مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْىِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ، وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّيِنَ، مِنَ الْأَنْفُسِ، وَالْجِرَاحِ، وَالْأَمْوَالِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْهَا،
ــ
قوله: ومَن تابَ منهم قبلَ القُدْرَةِ عليه، سقَطَتْ عنه حُدودُ اللَّهِ، مِنَ الصَّلْبِ، والقَطْعِ، والنَّفْىِ، وانْحِتامِ القَتْلِ. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ قاطِبَةً. وأَطْلَقَ فى «المُبْهِجِ» ، فى حقِّ اللَّهِ رِوايتَيْن، فى أوَّلِ البابِ، وقطَع فى آخِرِه بالقَبُولِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وأُخِذَ بحُقُوقِ الآدَميِّين؛ مِنَ الأَنْفُسِ، والجِراحِ، والأمْوالِ، إِلَّا أَنْ يُعْفَى له عنها. قال فى «الفُروعِ» ، بعدَ أَنْ ذكَر حُقوقَ الآدَمِيِّين وحُقوقَ اللَّهِ فى مَن تابَ قبل القُدْرَةِ عليه: هذا فى مَن تحتَ حُكْمِنا. ثم قال: وفى خارِجِىٍّ وباغٍ ومُرْتَدٍّ ومُحارِبٍ، الخِلافُ فى ظاهرِ كلامِه. وقالَه شيْخُنا، يعْنِى به الشَّيْخَ تَقِىَّ الدِّينِ، رحمه الله. وقيل: تُقْبَلُ تَوْبَتُه ببَيِّنَةٍ. وقيل: وقَرِينَةٍ. وأمَّا الحَرْبِىُّ الكافِرُ، فلا يُؤْخَذُ بشئٍ فى كُفْرِه إجْماعًا.
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ للَّه تِعَالَى سِوَى ذَلِكَ، فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ عليه، لم يَسْقُطْ. وَعَنْهُ، أنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ.
ــ
قوله: ومَن وجَب عليه حَدٌّ للَّهِ سِوى ذلك -مثلُ الشُّرْبِ، والزِّنَى، والسَّرِقَةِ، ونحوِها- فتابَ قبلَ إقامَتِه، لم يَسْقُطْ. هذا إحْدَى الرِّوايتَيْن. وذكَرَه أبو بَكْرٍ المذهبَ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وجزَم به الأدَمِىُّ فى «مُنْتَخَبِه» .
وعنه، أنَّه يسْقُطُ بمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قبلَ إصْلاحِ العَمَلِ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُنَوِّرِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . وصحَّحه فى «النَّظْمِ» وغيرِه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» . و «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم.
وعنه، إنْ ثبَت الحدُّ ببَيِّنَةٍ، لم يسْقُطْ بالتَّوْبَةِ. ذكَرَها ابنُ حامِدٍ، وابنُ الزَّاغُونِىِّ، وغيرُهما. وجزَم يه فى «المُحَرَّرِ» ، ولكِنْ أطْلقَ الثُّبوتَ. ويأْتِى فى أوَاخرِ بابِ الشَّهادَةِ على الشَّهادَةِ، إذا تابَ شاهِدُ (1) الزُّورِ قبلَ التَّعْزيرِ، هل يسْقُطُ عنه، أمْ لا؟ فعلى هذه الرِّوايَةِ والرِّوايةِ الأُولَى، يسْقُطُ فى حقِّ مُحارِبٍ تابَ قبلَ القُدْرَةِ. قال فى «الفُروعِ»: ويحْتَمِلُ أَنْ لا يسْقُطَ كما قبلَ المُحارَبَةِ. وقال فى «المُحَرَّرِ» : لا يسْقُطُ بإسْلامِ ذِمِّىٍّ ومُسْتَأْمِنٍ. نصَّ عليه. وذَكَرَه ابنُ أبى مُوسى فى الذِّمِّىِّ، ونقَل فيه أبو داودَ، عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، أنَّ فيه الخِلافَ. ونقَل أبو الحارِثِ، إنْ أَكْرَهَ ذِمِّىٌّ مُسْلِمةً، فوَطِئَها، قُتِلَ -ليسَ على هذا صُولحُوا- ولو أسْلَمَ، هذا حَدٌّ وجَب عليه. فدَلَّ أنَّهُ لو سقَط بالتَّوْبَةِ، سقَط بالإِسْلامِ؛ لأَنَّ التَّائبَ وجَب عليه أيضًا، وأنَّه أوْجَبَه؛ بِناءً على أنَّه لا يسْقُطُ بالتَّوْبَةِ، فإنَّه لم يُصرِّحْ بتَفْرِقَةٍ بينَ إسْلامٍ وتَوْبَةٍ. ويتَوَجَّهُ رِواية مُخَرَّجَةٌ مِن قَذْفِ أمِّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه حَدٌّ سقَط بالإِسْلامِ. واخْتارَ صاحبُ «الرِّعايَةِ» ، يسْقُطُ. وقال فى «عُيونِ المَسائلِ» فى سُقوطِ الجِزْيَةِ بإسْلامٍ: إذا أسْلَمَ، سقَطَتْ عنه العُقوباتُ الواجِبَةُ بالكُفْرِ؛
(1) فى أ: «شاهدا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالقَتلِ وغيرِه مِنَ الحُدودِ. وفى «المُبْهِجِ» احْتِمالٌ، يسْقُطُ حدُّ زِنَى ذِمِّىٍّ، ويُسْتَوْفَى حدُّ قَذْفٍ. قالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. وفى «الرِّعايَةِ» الخِلافُ. وهو مَعْنَى ما أخَذَه القاضى، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهما مِن عدَمِ إعْلامِه، وصِحَّةِ تَوْبَتِه، أنَّه حقٌّ للَّهِ. وقال فى «التَّبْصِرَةِ»: يسْقُطُ حقُّ آدَمِىٍّ لا يُوجبُ مالًا، وإلَّا سقَط إلى مالٍ. وقال فى «البُلْغَةِ»: فى إسْقاطِ التَّوْبَةِ فى غيرِ المُحارَبَةِ قبلَ القُدْرَةِ وبعدَها رِوايَتان. قولُه فى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ التى هى المذهبُ: وعنه، أنَّه يسْقُطُ بمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قبلَ إصْلاحِ العَمَلِ. فلا يُشْترَطُ إصْلاحُ العَمَلِ مع التَّوْبَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بل يسْقُطُ بمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ. وهذا الصَّحيحُ على هذه الرِّوايَةِ. قال الشَّارِحُ: هذا ظاهِرُ قولِ أصحابِنا. قال فى «الكافِى» : قال أصحابُنا: ولا يُعْتَبَرُ إصْلاحُ العَمَلِ مع التَّوْبَةِ فى إسْقاطِ الحدِّ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ». وقيل: ويُعْتَبَرُ أيضًا صَلاحُ عَمَلِه مُدَّةً. وعلى المذهبِ أيضًا، وهو سُقوطُ الحدِّ بالتَّوْبَةِ، فقيلَ: يسْقُطُ بها قبلَ توْبَتِه (1). جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ». وقيل: قبلَ القُدْرَةِ. وقيل: قبلَ إقامَتِه. [وأَطْلَقهُنَّ فى «الفُروعِ». وقال فى «الكافِى»، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبرَ إصْلاحُ العَمَلِ مُدَّةً يُتَبَيَّنُ فيها صِحَّةُ توْبَتِه. وقال فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»، و «الحاوِى»: فى سُقوطِ حدِّ الزَّانِى، والشَّارِبِ، والسَّارِقِ، والقاذِفِ بالتَّوْبَةِ قبلَ إقامَةِ الحدِّ، وقيل: قبلَ توْبِتَه. رِوايَتان](2). [وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ»، و «المُذْهَبِ»، و «الخُلاصَةِ»، و «الكافِى»، و «الهادِى»، والمُصَنِّفِ هنا، وغيرِهم. بل هو ظاهِرُ كلام الأصحابِ، كما قال فى «المُغْنِى». وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن»، و «الحاوِى». وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ»](3). وفى بحْثِ القاضى، التَّفْرِقَةُ بينَ عِلْمِ الإِمامِ بهم أوَّلًا. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، تُقْبَلُ ولو فى الحدِّ، فلا يكْمُلُ، وأنَّ هرَبَه فيه تَوْبَةٌ.
(1) فى ط: «ثبوته» .
(2)
سقط من: ط.
(3)
سقط من: الأصل.