الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قِتَالِ أهْلِ الْبَغْيِ
ــ
بابُ قِتالِ أهْلَ البَغْي
فائدتان؛ إحْداهما، نَصْبُ الإِمام (1) فَرْضُ كِفايَةٍ. قال في «الفُروعِ»: فَرْضُ كِفايَةٍ، على الأصحِّ. فمَن ثبَتَتْ إمامَتُه بإجْماعٍ، أو بنَصٍّ، أو باجْتِهادٍ، أو بنَصِّ مَن قبلَه عليه، وبخَبَرٍ مُتَعَيَّنٍ لها، حَرُمَ قِتالُه. وكذا لو قَهَر النَّاسَ بسَيفِه، حتى أذْعَنُوا له ودَعَوه إمامًا. قاله في «الكافِي» وغيرِه. وذكَرَه في «الرِّعايَةِ» رِوايةً، وقدَّم أنَّه لا يكونُ إمامًا بذلك، وقُدِّمَ رِوايَتان في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» ؛
(1) في الأصل: «الإمامة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[فإنْ بُويِعَ لاثْنَينِ](1)، فالإِمامُ الأوَّلُ. قاله في «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «تَجريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهما. ويُعْتَبَرُ كوْنُه قُرَشِيًّا حُرًّا ذكَرًا عدْلًا عالِمًا كافِيًا، ابْتِداءً ودَوامًا. قاله في «نِهايةِ ابنِ رَزِين» وغيرُه. ولو تنازَعَها اثْنان مُتَكافِئان في صِفاتِ التَّرْجيحِ، قُدِّمَ أحدُهما بالقُرْعَةِ. قال القاضي: هذا قِياسُ المذهبِ، كالأذَانِ.
(1) في الأصل: «تفريع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّانيةُ، هل تصَرفُ الإِمامِ عنِ النَّاسِ بطَريقِ الوَكالةِ لهم، أمْ بطَريقِ الولايةِ؟ فيه وَجْهان. وخرَّج الآمِدِيُّ رِوايتَين؛ بِناءً على أنَّ خطَأه، هل هو في بَيتِ المالِ، أو على عاقِلَتِه؟ واخْتارَ القاضي في «خِلافِه» ، أنَّه مُتَصَرِّفٌ بالوَكالةِ لعُمومِهم. وذكَر في «الأَحْكامِ السُّلْطَانِيَّةِ» رِوايتَين في انْعِقادِ إمَامَتِه بمُجَرَّدِ القَهْرِ. قال في
وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الإمَامِ بِتَأْويلٍ سَائِغٍ، وَلَهُمْ مَنَعَة وَشوْكة،
ــ
«القاعِدَةِ الحادِيَةِ والسِّتِّين» : وهذا يحْسُنُ أنْ يكونَ أصْلًا للخِلافِ في الولايةِ والوَكالةِ أيضًا، وينْبَنِي على هذا الخِلافِ انْعِزالُه بالعَزْلِ. ذكَرَه الآمِدِيُّ. فإنْ قُلْنا: هو وَكِيلٌ. فله عَزْلُ نفْسِه، وإنْ قُلْنا: هو وَالٍ. لم ينْعزِلْ بالعَزْلِ، ولا ينْعزِلُ بموتِ مَنْ تابعَه. وهل لهم عَزْلُه؟ إنْ كان بسُؤالِه، [فحكْمُه حكمُ عَزْلِ نفْسِه](3)، وإنْ كان بغير سُؤالِه، لم يَجُزْ، بغيرِ خِلافٍ. ذكَرَه القاضي وغيرُه.
تنبيهات؛ أحدُها، ظاهِرُ قوْلِه: وهم الذين يَخْرُجُون على الإِمام بتَأْويل سَائغٍ. أنَّه سواءٌ كان الإِمامُ عادِلًا [أوْ لا](1). وهو المذهبُ. وعليَه جماهيرُ الأصحابِ. وجوَّز ابنُ عَقِيلٍ وابنُ الجَوْزِيِّ الخُروجَ على إمام غيرِ عادِلٍ، وذكَرَا خُروجَ الحُسَينِ على يَزِيدَ لإِقامَةِ الحقِّ. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ رَزِينٍ، على ما
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقدَّم. قال في «الفُروعِ» : ونُصوصُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله؛ أنَّ ذلك لا يحِلُّ، وأنَّه بِدْعَةٌ مُخالِفٌ للسُّنَّةِ، وآمُرُه بالصَّبْرِ، وأنَّ السَّيفَ إذا وقَع، عمَّتِ الفِتْنةُ وانْقَطَعتِ السُّبُلُ، فتُسْفَكُ الدِّماءُ، وتُسْتَباحُ الأمْوالُ، وتُنْتَهَكُ المَحارِمُ.
الثاني، مفْهومُ قوْلِه: ولهم مَنَعَةٌ وشَوْكَةٌ. أنَّهم لو كانوا جَمْعًا يسِيرًا، أنَّهم لا يُعْطَوْن حُكْمَ البُغاةِ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. بل حُكْمُهم حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وقال أبو بَكْر: هم بُغاةٌ أيضًا. وهو رِوايَة ذكَرَها أبو الخَطَّابِ.
الثَّالثُ، ظاهِرُ كلامِ المُصنِّفِ أيضًا، أنَّه سواءٌ كان فيهم واحِدٌ مُطاعٌ، أوْ لا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنَّهم سواءٌ كانوا في طَرَفِ ولايَتِه أو وَسَطِها. وهو صحيح. وهو المذهبُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال في «التَّرْغيبِ» : لا تَتِمُّ شَوْكَتُهم إلَّا وفيهم واحِدٌ مُطاعٌ، وأنَّه يُعْتَبرُ كوْنُهم في طَرَفِ ولايتِه. وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: تدْعُو إلى نفْسِها، أو إلى إمام غيرِه.
وَعَلَى الإمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ، وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ، وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ، وَيَكْشِفَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَإِنْ فَاءُوا
ــ
قوله: وعلى الإِمامِ أنْ يُراسِلَهم، ويَسْأَلهم ما يَنْقِمُون منه، ويُزِيلَ ما يَذْكُرُونه مِن مَظْلِمَةٍ، ويكْشِفَ ما يَدَّعُونه مِن شُبْهَةٍ. بلا نِزاعٍ.
وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ.
ــ
وقوله: فإنْ فاءُوا وإلَّا قاتَلَهم. يعْنِي، إذا كان يقْدِرُ على قِتالِهم. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رَحِمَهما اللهُ: له قَتْلُ الخَوارِجِ ابْتِداءً، وتَتِمَّةُ الجَرِيحِ. قال في «الفُروعِ»: وهو خِلافُ ظاهرِ رِوايَةِ عَبْدُوسَ بنَ مالِكٍ (1). وقال المُصَنفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، في الخَوارجِ: ظاهِرُ قولِ المُتأخرينَ مِن أصحابِنا، أنَّهم بُغاةٌ، لهم حُكْمُهم، وأنَّه قولُ جمهورِ العُلَماءِ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال، وليسَ بمُرادِهم، لذِكْرِهم كُفْرَهم وفِسْقَهم، بخِلافِ البُغاةِ. قال في «الكافِي»: ذهبَ فُقَهاءُ أصحابنا إلى أنَّ حُكْمَ الخَوارجِ حكمُ البُغاةِ، وذهبَتْ طائفةٌ مِن أهْلِ الحديثِ إلى أنَّهم كفَّارٌ، حُكْمُهم حكمُ المُرْتَدِّين. انتهى. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: يُفَرِّقُ جُمْهورُ العُلَماءِ بينَ الخَوارجِ والبُغاةِ المُتأوِّلينَ، وهو المَعْروفُ عنِ الصَّحابَةِ،
(1) عبدوس بن مالك العطار، أبو محمد. كانت له عند أبي عبد الله منزلة في هدايا وغير ذلك، وله به أنس شديد، وكان يقدمه، وقد روى عنه مسائل لم يروها غيره. طبقات الحنابلة 1/ 241 - 246.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنهم، وعليه عامَّةُ أهْلِ الحديثِ، والفُقَهاءِ، والمُتَكلِّمين، ونصوصِ أكثرِ الأئمَّةِ وأتْباعِهم. قال في «الفُروعِ»: واخْتِيارُ شيخِنا يُخَرَّجُ على وَجْهِ مَن صوَّب غيرَ مُعَيِّن، أو وقَف؛ لأنَّ عَلِيًّا، رضي الله عنه، هو المُصِيبُ. وهي أقْوالٌ في مذهبِنا. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: الخَوارِجُ بُغاةٌ مبْتَدِعَةٌ، يُكَفِّرون مَن أتَى كبيرَةً، ولذلك طعَنُوا على الأئمَّةِ، وفارَقُوا الجماعَةَ، وترَكُوا الجُمُعَةَ، ومنهم مَنْ كفَّر الصَّحابةَ، رضي الله عنهم، وسائرَ أهْلِ الحقِّ، واسْتَحلَّ دِماءَ المُسْلِمينَ وأمْوالهم. وقيل: هؤلاءِ كُفَّارٌ كالمُرْتَدِّين، فيجوزُ قَتْلُهم ابْتِداءً وقَتْلُ أسِيرِهم، واتِّباعُ مُدْبِرِهم، ومَن قُدِرَ عليه منهم اسْتُتِيبَ، فإنْ تابَ، وإلَّا قُتِلَ.
وَعَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ، فَإِنِ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً، رَجَاءَ رُجُوعِهِمْ فِيهَا، أَنْظَرَهُمْ،
ــ
وهو أوْلَى. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الزَّرْكَشيُّ: الخَوارجُ الذين يُكفِّرون بالذَّنْبِ، ويكفِّرون عُثْمانَ، وَعَلِيًّا، وطَلْحَةَ، والزُّبَيرَ، رضي الله عنهم، ويَسْتَحِلُّون دِماءَ المُسْلِمين وأمْوالهم، فيهم رِوايَتان. حَكاهما القاضي في «تَعْليقِه» ؛ إحْداهما، هم كفَّارٌ. والثَّانية، لا يُحْكَمُ بكُفْرِهم.
تنبيه: قولُه: فإنْ فاءُوا، وإلَّا قاتلَهم. يعْنِي وُجوبًا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، والقاضي، وغيِرُهم. قال الزَّرْكَشيّ: وظاهِرُ قِصَّةِ الحُسَينِ بن عليٍّ، رضي الله عنهما، وقوْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام:«ستَكُونُ فِتْنَةٌ» (1). يقْتَضِي أنَّ القِتال لا يجبُ. ومال إليه.
(1) أخرجه البخاري، في: باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، من كتاب الفتن. صحيح البخاري 9/ 64. ومسلم، في: باب نزول الفتن كمواقع القطر، من كتاب الفتن وأشراط الساعة. صحيح مسلم 4/ 2211 - 2213. والترمذي، في: باب ما جاء تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، من أبواب الفتن. =
وَإنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ، لَمْ يُنْظِرْهُمْ وَقَاتَلَهُمْ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عارضة الأحوذي 9/ 47، 48. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 169، 185، 2/ 282، 4/ 106، 110، 5/ 110.
وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ، وَالنَّارِ، إلا لِضَرُورَةٍ،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا يَسْتَعِينُ في حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيهِمْ بِسِلَاحِهمْ وَكُرَاعِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
قوله: وهل يجوزُ أنْ يَسْتَعِينَ عليهم بسِلاحِهم وكُرَاعِهم؟ على وجْهَين. يعْنِي، بسِلاحِ البُغاةِ وكُراعِهم. صرَّح به الأصحابُ، وهما رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحاوي» ؛ أحدُهما، لا يجوزُ إلَّا عندَ الضَّرورةِ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . والثَّاني، يجوزُ مُطْلَقًا. جزَم به في «الوَجيزِ» .
وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازُ عَلَى جَرِيحٍ.
ــ
فائدة: المُراهِقُ منهم والعَبْدُ كالخَيلِ. قاله في «التَّرْغِيبِ» .
قوله: ولا يُتْبَعُ لهم مُدْبِرٌ، ولا يُجازُ على جَرِيحٍ. اعلمْ أنَّه يَحْرُمُ قتْلُ مُدْبرِهم وجَريحِهم. بلا نِزاعٍ. ولا يُتْبَعُ مُدْبِرُهم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا. وقيل: في آخِرِ القِتالِ. ذكَرَه في «الرعايتَين» . قلتُ: يتَوجَّهُ أنْ يُقال: إنْ خِيفَ مِن اجْتِماعِهم ورُجوعِهم، تَبِعَهم. فعلى المذهب، إنْ فعَل، ففي القَوَدِ وَجْهان. وأَطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يُقادُ به. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآتِي. وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شرْحِه» . والثَّاني، لا يُقادُ به. قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لاخْتِلافِ العُلَماءِ في ذلك، فأَنتجَ شْبُهَةً.
فائدة: قال في «المُسْتَوْعِبِ» : المُدْبِرُ مَنِ انْكسَرتْ شَوْكتُه، لا المُتَحَرِّفُ
وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ، وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ.
ــ
إلى مَوْضِعٍ. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يَحْرُمُ قتْلُ مَنْ ترَك القِتال.
وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ، حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُرْسَلُ. وَإنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَة، فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى في الْحَالِ؟
ــ
قوله: ومَن أُسِرَ مِن رِجالِهم، حُبِسَ حتى تَنْقَضِيَ الحَرْبُ، ثم يُرسَلُ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُخَلَّى إنْ أُمِنَ عَوْدُه. وقال في «التَّرغْيبِ» : لا يُرْسَلُ مع بَقاءِ شوْكَتِهم. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ولعَلَّه مُرادُ مَن أَطلقَ. فعلى هذا، لو بطَلَتْ شَوْكتُهم، ولكِنْ يُتوَقَّعُ اجْتماعُهم في الحالِ، ففْى إرْسالِه وَجْهان. وأَطلَقهما في «الرِّعايتَينِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ عدَمُ إرْسالِه. وقيل: يجوزُ حَبْسُه ليُخَلَّى أسيرُنا.
قوله: فإنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أو امْرَأةٌ، فهل يُفْعَلُ به ذلك، أو يُخَلَّى في الحَالِ؟ يحْتَمِلُ
يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ.
ــ
وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يُفْعَلُ به كما يُفْعَلُ بالرَّجُلِ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يُخَلَّى في الحالِ. صحَّحه المُصَنِّفُ،
وَإذَا انْقَضَى الْحَرْبُ، فَمَن وَجَدَ مِنْهُمْ مَالهُ في يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أتْلَفُوهُ عَلَيهِمْ حَال الْحَرْبِ، مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ. وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ في الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
والشَّارِحُ. قلتُ: الصَّوابُ النَّظَرُ إلى ما هو أصْلَحُ مِنَ الإِمْساكِ والإِرْسالِ. ولعَلَّ الوَجْهَين مَبْنِيَّان على ذلك.
قوله: ولا يضْمَنُ أهْلُ العَدْلِ ما أتْلَفُوه عليهم حال الحَرْبِ، مِن نَفْس أو مالٍ. بلا نِزاعٍ. وتقدَّم في كفَّارَةِ القَتْلِ، هل يجبُ على القاتِلِ كفَّارَةٌ، أمْ لا؟
قوله: وهل يَضمَنُ البُغاةُ ما أتْلَفُوه على أهْلِ العَدْلِ في الحَرْبِ؟ على رِوايَتَين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ إحْداهما، لا يضْمَنُون. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . واخْتارَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. قلتُ: فيُعايَىَ بها.
وَمَنْ أتْلَفَ في غَيرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيئًا، ضَمِنَهُ.
ــ
والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يضْمَنُون. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . فعلى الروايَةِ الثَانيةِ، في القَوَدِ وَجْهان. وأَطْلَقهما في «الفُروع». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: قلتُ: إنْ ضُمِنَ المالُ، احْتَملَ القَوَدُ وَجْهَين. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ وُجوبُ القَوَدِ. والوَجْهان أيضًا في تحَتُّم القَتْلِ بعدَها. قاله في «الفُروع» .
وَمَا أَخَذُوا في حَالِ امْتِنَاعِهِمْ، مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، أَوْ جِزْيَةٍ، لَمْ يُعَدْ عَلَيهِمْ وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ.
ــ
فائدة: قولُه: وما أَخَذُوا في حالِ امْتِناعِهم، مِن زَكاةٍ، أو خَراجٍ، أو جِزْيَةٍ، لم يُعَدْ عليهم ولا على صاحِبِه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكاةِ إلى الخَوارجِ والبُغاةِ. نصَّ عليه في الخَوارجِ إذا غَلَبُوا على بَلَدٍ، وأخَذُوا منه العُشْرَ، وقَع مَوْقِعَه. قال القاضي في «الشَّرْحِ»: هذا مَحْمولٌ على أنَّهم خرَجُوا بتَأويلٍ. وقال في مَوْضِعٍ: إنَّما يُجْزِئُ أخْذُهم، إذا نصَّبُوا لهم إمامًا. قال في «الفُروعِ»:
وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيهِمْ، قُبِلَ بِغَيرِ يَمِينٍ.
وَإنِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتهِ إِلَيهِمْ، لَمْ يُقْبَلْ إلا بِبَيِّنَةٍ.
ــ
وظاهِرُ كلامِه في مَوْضِع مِن «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» ، أنَّه لا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إليهم اخْتِيارًا. وعنَ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، التَّوَقُّفُ فيما أخَذَه الخَوارِجُ مِنَ الزَّكاةِ. وقال القاضي: وقد قيل: تجوزُ الصَّلاةُ خَلْفَ الأئمَّةِ الفُسَّاقِ، ولا يجوزُ دَفْعُ الأعْشارِ والصَّدَقاتِ إليهم، ولا إقامَةُ الحُدودِ. وعنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، نحوُه.
قوله: وإنِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِه إليهم، لم يُقْبَلْ إلَّا ببَيَّنَةٍ. هذا المذهبُ. وعليه
وَإنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيهِمْ، فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيرِ بَيَّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
الأصحابُ. وفيه احْتِمالٌ تُقْبَلُ بلا بَيِّنَةٍ، إذا كان بعدَ الحَوْلِ.
قوله: وإنِ ادَّعَى إِنْسانٌ دَفْعَ خَراجِه إليهم، فهل يُقْبَلُ بغيرِ بَيِّنَةٍ؟ على وَجْهَين. عِبارَتُه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم كذلك، فقد يُقالُ: شملَ كلامُه مسْألتَين؛ إحْداهما، إذا كانَ مُسْلِمًا وادَّعَى ذلك، فأطْلقَ في قَبْولِ قولِه بلا بَيِّنَةٍ وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، أحدُهما، لا يُقْبَلُ إلَّا ببَيِّنَةٍ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيز» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُقْبَلُ مع يَمِينهِ. صحَّحه في «النَّظْمِ» . وجزَم به في «المُنَورِ» . والمَسألةُ الثَّانيةُ، إذا كان ذِمِّيًّا، وأطْلقَ في قَبُولِ قولِه بلا بَيِّنَةٍ وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَة» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . أحدُهما، لا يُقْبَلُ. وهو
وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ. وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ، إلا ما يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيرِهِ.
ــ
المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهما. والوَجْهُ الثَّاني، يُقْبَلُ قولُه مع يَمِينِه. جزَم به في «المُنَوِّرِ». وهو ظاهِرُ ما صحَّحه في «النَّظْمِ». قال الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه. وقيل: يُقْبَلُ بعدَ مُضيِّ الحَوْلِ.
قوله: وتجوزُ شَهادَتُهم، ولا يُنْقَضُ مِن حُكْمِ حاكِمِهم إلا ما يُنْقَضُ مِن حُكْمِ غيرِه. هذا المذهبُ فيهما. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال ابنُ عَقِيل: تُقْبَلُ شَهادَتُهم، ويُؤخَذُ عنهم العِلْمُ، ما لم يكُونُوا دُعاةً. ذكَرَه أبو بَكْر. وذكَر في «المُغْنِي» ، و «التَّرْغِيب» ، و «الشَّرْحِ» ، أن الأولَى ردُّ كِتابِه قبلَ الحُكْم به. وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنّ ابنَ عَقِيلٍ وغيرَه فسَّقوا البُغاةَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو وَلَّى الخوارِجُ قاضِيًا، لم يَجُزْ قَضاؤُه عندَ الأصحابِ. وفي «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، احْتِمال بصِحَّةِ قَضاءِ الخارِجِيِّ، دَفْعًا للضَرَرِ، لو أقامَ الحدَّ، أو أخَذ جِزْيَةً وخَراجًا وزَكاةً.
وَإنِ اسْتَعَانُوا بِأهْلِ الذِّمَّةِ، فَأعَانُوهُمْ، انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، إلا أنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ.
ــ
قوله: وإنِ اسْتعانُوا بأهْلِ الذِّمَّةِ، فأعانُوهم، انتْقَضَ عَهْدُهم، إلا أنْ يدَّعُوا أنَّهم ظَنُّوا أنَّه يجِبُ عليهم مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعانَ بهم مِنَ المُسْلِمِين، ونحوَ ذلك، فلا ينْتَقِضُ عَهْدُهم. إذا قاتلَ أهْلُ الذِّمَّةِ مع البُغاةِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يدَّعُوا شُبْهَةً أوْ لا، فإنْ لم يدَّعُوا شُبْهَةً -ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه- انْتقَضَ عهْدُهم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابُ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَة» ، و «الهادِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ،
وَيُغَرَّمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ.
ــ
و «الفُروعِ» . وقيل: لا ينْتَقِضُ. فعلى المذهبِ، يصِيرون كأهْلِ الحَرْبِ. وعلى الثَّاني، يكونُ حكْمُهم حكمَ البُغاةِ. وعلى الثَّاني أيضًا، في أهْلِ عَدْلٍ وَجْهانِ. [قال في «الفُروعِ»: وقيل: لا ينْتَقِضُ عَهْدُهم، ففي أهْلِ عَدْلٍ وَجْهان] (1). انتهى. قلتُ: الذي يظْهَرُ أنَّ العَكْسَ أوْلَى؛ وهو أنَّهم إذا قاتَلُوا [مع البُغاةِ؛ وقُلْنا: ينْتَقِضُ عَهْدُهم، فهل ينْتَقِضُ عَهْدُهم إذا قاتَلُوا](2) مع أهْلِ العَدْلِ؟ هذا ما يظْهَرُ. وإنِ ادَّعَوا شُبْهَةً، كظَنِّهم وُجوبَه عليهم، ونحوه، لم ينْتَقِضْ عَهْدُهم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال في «التَّرْغِيبِ»: في نقْضِ عَهْدِهم وَجْهان.
قوله: ويُغَرَّمُون ما أَتلَفُوه مِن نَفْس ومالٍ. يعْنِي أهْلَ الذِّمَّةِ إذا قاتَلُوا. وهذا
(1) سقط من: الأصل.
وَإنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّنُوهُمْ، لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُم، وَأُبِيحَ قَتْلُهُمْ.
ــ
المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحاب. وقطَع به أكثرُهم؟ منهم صاحبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَررِ» ، و «النَّظْم» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: ويُغَرَّمُون ما أتْلَفُوه، في الأصحِّ. وقدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: لا يَضْمَنُون. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : قلتُ: إنِ انْتقَضَ عهْدُهم، فلا يضْمَنُ.
تنبيه: قولُه: وإنِ اسْتَعانُوا بأهْلِ الحَرْبِ وأمَّنُوهم، لم يصِحَّ أمانُهم، وأُبِيحَ قَتْلُهم. يعْنِي، لغيرِ الذين أَمَّنُوهم، فأمَّا الذين أمَّنُوهم، فلا يُباحُ لهم ذلك. وهو ظاهِرٌ.
وَإنْ أظْهَرَ قَوْمٌ رَأيَ الْخوَارِجِ، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ، لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ.
ــ
قوله: وإنْ أظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوارِجِ، ولم يجْتَمِعُوا لحَرْبٍ، لم يُتَعَرضْ لهم. بل تجْرِي الأحْكامُ عليهم كأهْلِ العَدْلِ. قال في «الفُروعِ»: ذكَرَه جماعَةٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلتُ: منهم، أبو بَكْرٍ، وصاحبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادي» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تجْريدِ العِنايَةِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، وغيرِهم. وسأله المَرُّوذِيُّ عن قَوْمٍ مِن أهْلِ البِدَعِ يتَعرَّضُون ويُكفِّرون، قال: لا تَعْرِضُوا لهم. قلتُ: وأيُّ شيءٍ تكْرَهُ أنْ يُحْبَسُوا؟ قال: لهم وَالِداتٌ وأخَواتٌ. وقال في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ: الحَرُورِيَّةُ إذا دَعَوا إلى ما هم عليه، إلى دِيِنهم، فقاتِلْهم، وإلَّا فلا يُقاتَلُون. وسألَه إبْراهِيمُ الأُطْروشُ عن قَتْلِ الجَهْمِيِّ؟ قال: أرَى قَتْلَ الدُّعاةِ منهم. ونقَل ابنُ الحَكَمِ، أنَّ مالِكًا، رحمه الله، قال: عَمْرُو بنُ عُبَيدٍ (1)، يُسْتَتابُ، فإنْ تابُ، وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: أرَى ذلك إذا جحَد العِلْمَ. وذكَر له المَرُّوذِيُّ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ، قال: كان لا يُقِرُّ بالعِلْمِ، وهذا كافِرٌ. وقال له
(1) هو عمرو بن عبيد بن ثوبان، ويقال: كيسان التيمي البصري و، أبو عمان، شيخ القدرية والمعتزلة. قال الإمام أحمد: ليس بأهل أن يحدث عنه، وكان قد جالس الحسن البصري واشتهر بصحبته ثم اعتزله وانضم إلى واصل بن عطاء شيخ المعتزلة، وقال بالقدر ودعا إليه. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة. البداية النهاية 10/ 76 - 80.
فَإِنْ سَبُّوا الإمَامَ عَزَّرَهُمْ.
ــ
المَرُّوذِيُّ: الكرابِيسِيُّ (1) يقولُ: مَن لم يقُلْ لفْظُه بالقُرْآنِ مَخْلوقٌ، فهو كافِرٌ. فقال: هو الكافِرُ.
فوائد؛ الأولَى، قولُه: فإنْ سَبُّوا الإِمامَ، عزَّرَهم. وكذا لو سبُّوا عدْلًا،
(1) هو الوليد بن أبان الكرابيسي المتكلم، كان أحد المتكلمين في الأصول على مذاهب أهل الحق، وكان أعرف الناس بالكلام، وله في الاعتزال مقالات معروفة يقوى بها مذاهب الاعتزال. توفي سنة أربعة عشر ومائتين. النجوم الزاهرة 2/ 210.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلو عرَضُوا للإِمامِ، أو للعَدْلِ بالسَّبِّ، ففي تعْزِيرِهم وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي» ، أحدُهما، يُعَزَّرُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُعَزَّرُ. قال في «المُذْهَبِ»: فإنْ صرَّحُوا بسَبِّ الإِمامِ، عزَّرَهم.
الثَّانيةُ، قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في مُبْتَدِعٍ داعِيَةٍ له دُعاةٌ: أرَى حَبْسَه. وكذا قال في «التَّبْصِرَةِ» : على الإِمام مَنْعُهم ورَدْعُهم، ولا يُقاتِلُهم، إلا أنْ يجْتَمِعُوا لحَرْبِه، فكَبُغاةٍ. وقال الإِمامُ أَحمدُ، رحمه الله، أيضًا في الحَرُورِيَّةِ: الدَّاعِيَةُ يُقاتَلُ كبُغاةٍ. ونَقَل ابنُ مَنْصُورٍ، يُقاتَلُ مَن منَع الزَّكاةَ، وكلّ مَن منَع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَرِيضَةً، فعلى المُسْلِمين قِتالُه حتى يأخُذُوها منه. واخْتارَه أبو الفَرَجِ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: أجْمَعُوا أنَّ كلَّ طائفةٍ مُمْتَنِعَةٍ عن شَرِيعَةٍ مُتَواتِرَةٍ مِن شَرائعِ الإِسْلامِ، يجبُ قِتالُها حتى يكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ، كالمُحارِبِين، وأوْلَى. وقال في الرَّافِضَةِ: شَرٌّ مِنَ الخَوارجِ اتِّفاقًا. قال: وفي قَتْلِ الواحدِ منهما ونحوهما، وكُفْرِه، رِوايَتان. والصَّحيحُ جوازُ قَتْلِه، كالدَّاعِيَةِ، ونحوه.
الثالثةُ، مَن كَفَّر أهْلَ الحقِّ والصَّحابَةَ، رضي الله عنهم، واسْتَحَلَّ دماءَ المُسْلِمين بتَأويلٍ، فهم خَوارِجُ بُغاةٌ فَسَقَةٌ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، هم كفَّارٌ. قلتُ: وهو الصَّوابُ والذي نَدِينُ اللهَ به. قال في «التَّرْغِيبِ» ، و «الرِّعايَةِ»: وهي أشْهَرُ. وذكرَ ابنُ حامِدٍ، أنَّه لا خِلافَ فيه. وذكَر ابنُ عَقِيل في «الإرْشادِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن أصحابِنا، تَكْفِيرَ مَن خالفَ في أصْلٍ؛ كخَوارجَ ورَوافِضَ ومُرْجِئَةٍ. وذكَر غيرُه رِوايتَين في مَن قال: لم يخْلُقِ اللهُ المَعاصِيَ، أو وَقَف في مَن حكَمْنا بكُفْرِه، وفي مَن سبَّ صحابِيًّا غيرَ مُسْتَحِلٍّ، وأنَّ مُسْتَحِلَّه كافِرٌ. وقال في «المُغْنِي»: يُخَرَّجُ في كلِّ مُحَرَّم اسْتُحِلَّ بتَأْويلٍ؛ كالخَوارِجِ ومَن كفَّرَهم، فحُكْمُهم عندَه كمُرْتَدِّين. قال في «المُغْنِي»: هذا مُقْتَضَى قوْلِه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: نُصوصُه صَريحةٌ على عدَمِ كُفْرِ الخَوارِجِ والقدَرِيَّةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُرْجِئَةِ، وغيرِهم، وإنَّما كفَّر الجهْمِيَّةَ، لا أعْيانَهم. قال: وطائفةٌ تحْكِي عنه رِوايتَين في تكْفيرِ أهْلِ البِدَعِ مُطْلَقًا، حتى المُرْجِئَةِ، والشِّيعَةِ المُفَضَلَةِ لعليٍّ، رضي الله عنه. قال: ومذاهِبُ الأئمَّةِ، الإِمامَ أحمدَ وغيرِه، رحمهم الله، مَبْنِيَّةٌ على التَّفْضيلِ بينَ النَّوْعِ والعَينِ. ونقَل محمدُ بنُ عَوْفٍ الحِمْصِيُّ (1)، مِن أهْلِ البِدَعِ الذين أخْرَجَهم النَّبِيُّ، عليه الصلاة والسلام، مِنَ الإِسْلامِ، القَدَرِيَّةُ، والمُرْجِئَةُ، والرَّافِضَةُ، والجَهْمِيَّةُ، فقال: لا تُصَلُّوا معهم، ولا تُصَلُّوا عليهم. ونقَل محمدُ بنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ (2)؛ مَن زعَم أنَّ في الصَّحَابَةِ خَيرًا مِن أبي بَكْرِ، رضي الله عنه، فوَلَّاه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقد افْتَرَى عليه وكفَر، فإنْ زعمَ بأنَّ اللهَ يُقِرُّ المُنْكَرَ بينَ أنْبِيائِه في النَّاسِ، فيكونُ ذلك سبَبَ ضلالتِهم. ونقَل الجماعَةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، مَن قال: عِلْمُ الله مِخْلوقٌ. كفَر. ونقَل المَرُّوذِيُّ، القَدَرِيُّ لا نُخْرِجُه عنِ الإِسْلامِ. وقال في «نِهايَةِ المُبْتَدِي»: مَنْ سبَّ صَحابِيًّا مُسْتَحِلًّا، كفَر،
(1) محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي، أبو جعفر، إمام حافظ في زمانه، معروف بالتقدم في العلم والمعرفة على أصحابه، سمع منه أبو عبد الله، وسمع هو منه، وعنده عنه مسائل صالحة في العلل وغيرها، ويغرب فيها بأشياء لم يأت بها غيره، وكان عالما بحديث الشام صحيحا وضعيفا. توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين. سير أعلام النبلاء 12/ 613 - 616. طبقات الحنابلة 1/ 310 - 313.
(2)
محمد بن منصور بن داود الطوسي، أبو جعفر، الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام، حدث عن الإمام أحمد أشياء لم يروها غيره. توفي سنة أربع وخمسين ومائتين. سير أعلام النبلاء 12/ 212 - 214. طبقات الحنابلة 1/ 318 - 320.
وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً، أوْ أتَوْا حَدًّا، أقامَهُ عَلَيهِمْ.
ــ
وإلَّا فسَق. وقيل: وعنه، يكْفُرُ. نقَل عَبْدُ اللهِ في مَن شتَم صحابِيًّا، القَتْلُ أجْبُنُ عنه، ويُضْرَبُ، ما أرَاه على الإِسْلامِ. وذكَر ابنُ حامِدٍ في «أُصولِه» كُفرَ الخَوارِجِ والرَّافِضَةِ والقَدَرِيَّةِ والمُرْجِئَةِ. وقال: مَن لم يُكَفِّرْ مَن كفَّرْناه، فسَق وهُجِرَ، وفي كُفْرِه وَجْهان. والذي ذكَرَه هو وغيرُه مِن رِوايةِ المَروذِيِّ، وأبي طالبٍ، ويَعْقُوبَ، وغيرِهم، أنَّه لا يكْفُرُ. وقال: مَن رَدَّ مُوجِباتِ القُرَآنِ، كفَر، ومَنْ ردَّ ما تعَلَّقَ بالأخْبارِ والآحادِ الثَابِتَةِ، فوَجْهان، وأنَّ غالِبَ أصحابِنا على كُفْرِه فيما يتعَلَّقُ بالصِّفاتِ. وذكرَ ابنُ حامدٍ في مَكانٍ آخَرَ، إنْ جحَد [أخْبارَ الآحادِ، كفَر، كالمُتَواترِ عندَنا يُوجِبُ العِلْمَ والعَملَ، فأمَّا مَن جحَد](1) العِلْمَ بها، فالأشْبَهُ لا يكْفُرُ، ويكْفُرُ في نحو الإِسْراءِ والنُّزولِ ونحوه مِنَ الصِّفاتِ. وقال في إنْكارِ المُعْتَزِلَةِ اسْتِخْراجَ قَلْبِه صلى الله عليه وسلم لَيلةَ الإِسْراءِ وإعادَتَه: في كُفْرِهم به وَجْهان، بناءً على أصْلِه في القدَرِيَّةِ الذين يُنْكِرُون عِلْمَ اللهِ وأنَّه صِفَةٌ له، وعلى مَن قال: لا أُكَفِّرُ مَن لا يُكَفِّرُ الجَهْمِيَّةَ.
(1) سقط من: الأصل.
وَإنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ، أوْ طَلَب رِيَاسَةٍ، فَهُمَا ظَالِمَتَانِ، وَتَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا أتْلَفَتْ عَلَى الأخْرَى.
ــ
الرَّابعةُ، قولُه: وإنِ اقْتَتَلَتْ طائفَتان لعَصَبيَّةٍ، أو طَلَبِ رِياسَةٍ، فهما ظالِمَتان، وتضْمَنُ كُل واحِدةٍ ما أتْلَفَتْ على الأخْرَى. وهذا بلا خِلافٍ أعْلَمُه. لكِنْ قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: إنْ جُهِلَ قَدْرُ ما نَهبَتْه كلُّ طائفةٍ مِن الأخْرَى، تَساوَتا، كمَن جَهِلَ قَدْرَ المُحَرَّمِ مِن مالِه، أخْرَجَ نِصْفَه، والباقي له. وقال أيضًا: أوْجَبَ الأصحابُ الضَّمانَ على مَجْموعِ الطَّائفةِ، وإنْ لم يُعْلَمْ عَينُ المُتْلِفِ. وقال أيضًا: وإنْ تقاتَلا تقَاصَّا؛ لأنَّ المُباشِرَ والمُعِينَ سَواءٌ عندَ الجمهورِ.
الخامسةُ، لو دخَل أحدٌ فيهما ليُصْلِحَ بينَهما، فقُتِلَ وجُهِلَ قاتِلُه، ضَمِنَتْه الطَّائِفَتان.