الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ
وَهُوَ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ.
فَمَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، أَوْ جَحَدَ رُبُوبيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ، أو صِفَةً مِنْ
ــ
بابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ
فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: فمَن أشْرَكَ باللهِ، أو جَحَدَ رُبُوبيَّتَه، أو وَحْدانيَّته أو صِفَةً مِن صِفاتِه، كَفَرَ. قال ابنُ عَقِيل في «الفُصولِ»: أَو جَحَدَ صِفَةً مِن صِفاتِه المُتَّفَقِ على إثْباتِها.
صِفَاتِهِ، أو اتَّخَذَ للهِ صَاحِبَةً، أَوْ وَلَدًا، أَوْ جَحَدَ نَبِيًّا، أوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الله تِعَالى، أَوْ شَيئًا مِنْهُ، أوْ سَبَّ اللهَ تعالى، أوْ رَسُولَهُ، كَفَرَ.
ــ
الثَّانيةُ: قولُه: أو سَبَّ اللهَ تعالى، أو رَسُولَه صلى الله عليه وسلم، كَفَرَ. قال الشَّيخ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكذا لو كان مُبْغِضًا لرَسُولِه صلى الله عليه وسلم، أو لِمَا جاءَ به اتفاقًا.
تنبيه: قولُه: فمَن أشْرَكَ باللهِ، أو جَحَدَ رُبُوبِيَّته، أو وَحْدانِيَته، أو صِفَةً مِن صِفاتِه، أو اتَّخَذَ للهِ صاحِبَةً، أو ولَدًا، أو جَحَدَ نَبِيًّا، أو كتَابًا مِن كُتُبِ اللهِ، أو شيئًا منه، أو سَبَّ اللهَ، أو رَسُولَه، كَفَرَ. بلا نِزاعٍ في الجملةِ. ومُرادُه، إذا أتَى بذلك طَوْعًا، ولو هازِلًا، وكان ذلك بعِدَ أن أسْلَمَ طَوعًا. وقيل: وكَرْهًا. [قلتُ: ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ، أنَّ هذه الأحْكامَ مُتَرتبَةٌ عليه حيثُ حكَمْنا بإسْلامِه طَوْعًا أو كَرْهًا](1). وأطْلَقهما في «الفُروع» . وقال: والأصحُّ بحَقٍّ. يعنِي، إذا أُكْرِهَ على الإِسْلامِ لا بُدَّ أنْ يكونَ بحَقٍّ، على الأصحِّ.
فائدة: قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكذا الحُكْمُ لو جعَل بينَه وبينَ اللهِ وسائِطَ يتوَكَّلُ عليهم ويدْعُوهم ويسْألُهم إجْماعًا. قال جماعةٌ مِن الأصحابِ:
(1) سقط من: الأصل.
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ أوْ شَيئًا مِنْهَا، أوْ أَحَلَّ الزِّنَى، أَو الْخَمْرَ، أو شَيئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيهَا لِجَهْلٍ، عُرِّفَ ذَلِكَ، وَإنْ كَانَ مِمَّن لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ، كَفَرَ.
ــ
أو سجَد لشَمْسٍ أو قَمَرٍ. قال في «التَّرْغِيبِ» : أو أتَى بقَوْلٍ أو فِعْل صريحٍ في الاسْتِهْزاءِ بالدِّينِ. وقيل: أو كذَب على نَبِيٍّ، أو أصَرَّ في دارِنا على خَمْر أو خِنْزِير غيرَ مُسْتَحِلٍّ. وقال القاضي: رأَيتُ بعْضَ أصحابِنا يُكَفِّرُ جاحِدَ تحْريمِ النَّبِيذِ، والمُسْكِرُ كلُّه كالخَمْرِ، ولا يُكَفِّرُ بجَحْدِ قِياس اتفِّاقًا، للخِلافِ، بل سُنَّةٍ ثابتةٍ. قال:[ومَن أظْهَر الإِسْلامَ وأسَرَّ الكُفْرَ، فَمُنافِقٌ، وإنْ أظْهَرَ أنَّه قائمٌ بالواجِبِ وفي قَلْبِه أنْ لا يفْعلَ، فنِفاقٌ، وهل يكْفُرُ؟ على وَجْهَين](1). وظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، والأصحابِ، لا يكْفُرُ إلَّا مُنافِقٌ أسَرَّ الكُفْرَ. قال: ومِن أصحابِنا مَن أخْرَج الحَجَّاحَ بنَ يُوسُفَ عن الإِسْلامِ، لأنَّه أخافَ أهْلَ المَدِينَةِ، وانْتَهَكَ حَرَمَ الله وحرَمَ رسُولِه صلى الله عليه وسلم. قال في «الفُروعِ»: فيتَوَجَّهُ عليه يزيدُ بنُ مُعاويَةَ، ونحوُه. ونصُّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، بخِلافِ ذلك، وعليه الأصحابُ، وأنَّه لا يجوزُ التَّخْصِيصُ باللَّعْنَةِ، خِلافًا لأبي الحسَينِ وابنِ الجَوْزِيِّ، وغيرِهما. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ظاهِرُ كلامِه الكَراهَةُ.
(1) سقط من: الأصل.
وَإنْ تَرَكَ شَيئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الخَمْسِ تَهَاوُنًا، لَمْ يَكْفُرْ. وَعَنْهُ،
ــ
قوله: وإنْ تَرَكَ شَيئًا مِن العِبادَاتِ الخَمْسِ تَهاوُنًا، لم يَكْفُرْ. يعْنِي، إذا عزَم
يَكْفُرُ إلا الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ.
فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ،
ــ
على أنْ لا يفْعلَه أبدًا، اسْتُتِيبَ وُجوبًا، كالمُرْتَدِّ، فإنْ أصَرَّ، لم يكْفُرْ، ويُقْتَلُ حدًّا. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه.
وعنه، يكْفُرُ إلَّا بالحَجِّ لا يكْفُرُ بتَأخيرِه بحالٍ. وعنه، يكْفُرُ بالجميعِ. نقَلها أبو بَكْرٍ. واخْتارَها هو وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» .
وعنه، يخْتَصُّ الكُفْرُ بالصَّلاةِ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال ابنُ شِهابٍ: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال: اخْتارَه الأكثرُ.
وعنه، يخْتَصُّ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ.
وعنه، يخْتَصُّ الكُفْرُ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ، إذا قاتَل عليهما الإِمامَ. وجزَم به بعْضُ الأصحابِ.
وعنه، لا يكْفُرُ ولا يُقْتَلُ بتَرْكِ الصَّوْمِ والحَجِّ خاصَّةً. وتقدَّم ذلك في أوَّلِ كتابِ الصَّلاةِ، وبابِ إخْراجِ الزَّ كاةِ مُسْتَوْفًى بأتَمَّ مِن هذا.
قوله: فمَنِ ارْتَدَّ عن الإسْلامِ مِن الرجالِ والنِّسَاءِ، وهو بالغٌ عاقِلٌ -مُخْتارٌ
دُعِيَ إِلَيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَضُيِّقَ عَلَيهِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ، قُتِلَ.
ــ
أيضًا- دُعِيَ إليه ثَلاثَةَ أيامٍ -يعْنِي وُجوبًا- وضُيِّقَ عليه، فإنْ لم يَتُبْ، قُتِلَ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «الخُلاصَةِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِهم. قال في «النَّظمِ» : هذا أشْهَرُ الرِّوايتَين. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عندَ الأصحابِ.
وَعَنْهُ، لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ في الْحَالِ.
ــ
وعنه، لا تجِبُ الاسْتِتابةُ، بل تُسْتَحَبُّ، ويجوزُ قَتْلُه في الحالِ. قال في «الفُروعِ»: وعنه، لا تجِبُ اسْتِتابَتُه. وعنه، ولا تأْجِيلُه. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن ذلك رسُولُ الكفَّارِ إذا كان مُرْتَدًّا؛ بدَليلِ رَسُولَيْ مُسَيلمَةَ. ذكرَه ابنُ القَيَّمِ، رحمه الله، في «الهَدْي». قلتُ: فيُعايَى بها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: قال ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ» ، في مَن وُلِدَ برأْسَين، فلَمَّا بلَغ نطَقَ أحدُ الرَّأسَين بالكُفْرِ، والآخَرُ بالإسْلامِ: إنْ نطَقا معًا، ففي أيُّهما يغلِبُ؟ احْتِمالان.
وَيُقْتَلُ بِالسَّيفِ
ــ
قال: والصَّحيحُ، إنْ تقدَّم الإسْلامُ، فمُرْتَدٌّ.
وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا الإمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَإنْ قَتَلَهُ غَيرُهُ بِغَيرِ إِذْنِهِ، أسَاءَ، وَعُزِّرَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيهِ، سَواءٌ قَتَلَهُ قَبْلَ الْاسْتِتَابَةِ أوْ بَعْدَهَا.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَإنْ عَقَلَ الصَّبِيُّ الإسْلَامَ، صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ. وَالْمَذْهَبُ الْأوَّلُ.
ــ
قوله: وإنْ عَقَلَ الصَّبِيُّ الإسْلامَ، صَحَّ إسْلامُه ورِدَّتُه. يعْنِي، إذا كانَ مُمَيِّزًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا المذهبُ كما قال المُصَنِّفُ هنا، وقاله الشَّارِحُ، وصاحبُ «التَّلْخيص» في بابِ اللُّقَطَةِ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. قال في «القَواعِدِ الأصُوليَّةِ»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» وغيرِه. وقد أسْلَمَ الزُّبيرُ بنُ العَوَّامِ، رضي الله عنه، وهو ابنُ ثَمانِ سنِينَ، وكذلك علي بنُ أبي طالب، رضي الله عنه. حكاه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ اللُّقَطَةِ، وقاله عُرْوَةُ (1).
(1) انظر. الطبقات الكبرى، لابن سعد 3/ 21، 22، 102. والذي فيه أن الزبير أسلم وهو ابن ست عشرة سنة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنه، يصِحُّ إسْلامُه دُونَ رِدَّتِه. قال في «الفُروعِ»: وهي أظْهَرُ. وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ.
وعنه، لا يصِحُّ شيءٌ منهما حتى يبْلُغ.
وعنه، يصِحُّ ممَّنْ بلَغ عَشْرًا. وجزَم به في «الوَجيزِ» . واخْتارَه الخِرَقِيُّ، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، في صِحَّةِ إسْلامِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المذهبُ المَعْروفُ، والمُخْتارُ لعامَّةِ الأصحابِ، حتى إنَّ جماعَةً -منهم أبو محمدٍ، في
وَإنْ أسْلَمَ ثُمَّ قَال: لَمْ أَدرِ مَا قُلْتُ. لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَأُجْبِرَ
ــ
«المُغْنِي» ، و «الكافِي» - جزَمُوا بذلك. انتهى. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» .
وعنه، يصِحُّ ممَّنْ بلَغ سَبْعًا. فعلى هذه الرِّواياتِ كلِّها، يُحالُ بينَه وبينَ الكفَّارِ.
قال في «الانْتِصارِ» : ويتَوَلَّاه المُسْلِمون، ويُدْفَن في مَقابرِهم، وأنَّ فرِيضَتَه مُتَرَتِّبَةٌ على صِحَّتِه، كصِحَّتِه تَبَعًا، وكصَوْمِ مَريض ومُسافِرٍ رَمَضانَ.
قوله: وإنْ أسْلَمَ -يعْنِي الكافِرَ؛ صِغيرًا كان أو كبيرًا، وإنْ كان ظاهِرُه في
عَلَى الإسْلَامِ.
ــ
الصَّغِيرِ- ثُم قَال: لم أدْرِ ما قُلْتُ. لم يُلْتَفَتْ إلى قَوْلِه، وأُجْبِرَ على الإِسْلامِ. وهذا المذهبُ. قال أبو بَكْرٍ: والعمَلُ عليه. وجزَم به ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يُقْبَلُ منه. وعنه، يُقْبَلُ منه إنْ ظهَرَ صِدْقُه، وإلَّا فلا.
ورُوِيَ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يُقْبَلُ مِن الصَّبِيِّ، ولا يُجْبَرُ على الإِسْلامِ. قال أبو بَكْرٍ: هذا قولٌ مُحْتَمِلٌ؛ لأنَّ الصَّبِيَّ في مَظنَّةِ النَّقْصِ، فيجوزُ أنْ يكونَ صادِقًا. قال: والعمَلُ على الأوَّلِ.
وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُجَاوزَ ثَلَاثَةَ أَيامٍ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ قُتِلَ.
ــ
قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في مَن قال لكافرٍ: أسْلِمْ وخُذْ أَلْفًا. فأسْلَمَ ولم يُعْطِه، فأبَى الإِسْلامَ: يُقْتَلُ، ويَنْبَغِي أنْ يَفِيَ. قال: وإنْ أسْلَمَ على صلاتين، قُبِلَ منه، وأُمِرَ بالخَمْسِ.
قوله: ولا يُقْتَلُ حتَّى يبْلُغَ ويُجاوزَ ثَلاثةَ أيامٍ مِن وقْتِ بُلُوغِه. وهذا المذهبُ. وعليه عامَّةُ الأصحابِ. وقطَع به أكثرُهم. وقال في «الرَّوْضَةِ» : تصحُّ رِدَّةُ
وَمَنِ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ، لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ، وَتَتِمَّ لَهُ ثَلَاثةُ أيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ في سُكْرِهِ، مَاتَ كَافِرًا. وَعَنْهُ، لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ.
ــ
مُمَيِّز، فيُسْتَتابُ، فإنْ تابَ، وإلَّا قُتِلَ، وتجْرِي عليه أحْكامُ البُلَّغِ. وغيرُ المُمَيِّزِ يُنْتَظَرُ بلُوغُه، فإنْ بلَغ مُرْتَدًّا، قُتِلَ بعدَ الاسْتِتابَةِ. وقيل: لا يُقْتَلُ حتَّى يبْلُغَ مُكَلَّفًا. انتهى.
قوله: ومَنِ ارْتَدَّ وهو سَكْرانُ، لم يُقْتَلْ حتَّى يَصْحُوَ، وتَتِمَّ له ثَلاثَةُ أيامٍ مِن وقْتِ رِدَّتِه. تصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرانِ، على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ»: هذا أظْهَرُ الرِّوايَتَين، واخْتارَه عامَّةُ شُيوخِنا. قال النَّاظِمُ: هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أظْهَرُ قوْلَي الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ. وصحَّحه في «تجْريدِ العِنايةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» في كتابِ الطَّلاقِ.
[وعنه، لا تصِحُّ رِدَّتُه. اخْتارَه النَّاظِمُ، في كتابِ الطَّلاقِ](1)، وتقدَّم ذلك
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسْتَوْفًى في كتابِ الطَّلاقِ. وأَطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الشَّرْحِ» .
قوله: لم يُقْتَلْ حَتَّى يصْحُوَ، وتَتِمَّ له ثَلاثَةُ أيامٍ مِن وقْتِ رِدَّتِه. وهو أحدُ القَوْلَين. اخْتارَه الخِرَقِيُّ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم. والصَّحيحُ مِن المذهب أنَّ ابْتِداءَ الأيَّامِ الثَّلاثةِ مِن حينِ
وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أوْ مَنْ سَبَّ اللهَ تَعَالى أوْ رَسُولَهُ، وَالسَّاحِرِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ؛ إِحْدَاهُمَا، لَا تقْبَل تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَالأخْرَى، تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، كَغَيرِهِ.
ــ
صَحْوه. وجزَم به في «الوَجيز» ، و «تجْريدِ العِنايَةِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
قوله: وهل تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْذِيقِ، ومَن تَكَررَتْ رِدَّتُه، أو مَن سَبَّ اللهَ أو رَسُولَه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسَّاحِرِ؟ -يعْنِي، الذي يُكَفَّرُ بسِحْرِه- على رِوايتَين. وأطْلَقهما الزَّرْكَشِيُّ؛ إحْداهما، لا تُقْبَلُ توْبَتُه، ويُقْتَلُ بكُلِّ حالٍ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «إدْراكِ الغايةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، وغيرِهم. وهو اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّرِيفِ، وأبي الخَطَّابِ، وابنِ البَنَّا، والشِّيرَازِيِّ، في الزِّنْديقِ. قال القاضي في «التَّعْليقِ»: هذا الذي نصَره الأصحابُ. وهو اخْتِيارُ أبِي الخَطَّابِ -في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«خِلافِه» ، في السَّاحرِ. وقطَع به القاضي في «تَعْليقِه» ، والشِّيرَازِيُّ، في سابِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، والخِرَقِيُّ، في قوْلِه: مَن قذَف أُمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قُتِلَ. والأُخْرَى: تُقْبَلُ توْبَتُه، كغيرِه. وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى (1)» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقيِّ. وهو اخْتِيارُ الخَلَّالِ، في السَّاحرِ، ومَن تكَرَّرَتْ رِدَّتُه، والزِّنْدِيقِ، وآخِرُ قَوْلَي الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وهو اخْتِيارُ
(1) في الأصل: «الكبرى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضي في «رِوايتَيه» ، في مَن تكَرَّرَتْ رِدَّتُه. وظاهرُ كلامِه في «تَعْليقِه» ، في سابِّ اللهِ تعالى.
وعنه، لا تُقْبَلُ إنْ تكَرَّرَتْ رِدَّتُه ثلاثًا فأكثرَ، وإلَّا قُبِلَتْ. وقال في «الفُصولِ» عن أصحابِنا: لا تُقْبَلُ توْبَتُه إنْ سبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه حقُّ آدَمِيٍّ لا يُعْلَمُ إسْقاطُه، وأنَّها تُقْبَلُ إنْ سبَّ اللهَ تعالى؛ لأنَّه يقْبَلُ التَّوْبَةَ في خالِصِ حقِّه. وجزَم به في «عُيونِ المَسائلِ» وغيرِها؛ لأنَّ الخالِقَ مُنَزَّهٌ عن النَّقائصِ، فلا يَلْحَقُ به، بخِلافِ المَخْلوقِ، فإنَّه مَحَلٌّ لها؛ ولهذا افْتَرقا. وعنه، مِثْلُهم في من وُلِدَ على الفِطْرَةِ ثم ارْتَدَّ. ذكرَه الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله.
تنبيه: مَحَل الخِلافِ في السَّاحِرِ، حيثُ يُحْكَمُ بقَتْلِه بذلك. على ما يأتِي في آخرِ البابِ.
فوائد؛ الأُولَى، حُكْمُ مَنْ تَنقَّصَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حُكْمُ مَنْ سبَّه صلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. ونقَله حَنْبَلٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: ولو تعْرِيضًا. نقَل حَنْبَلٌ، مَنْ عرَّضَ بشيءٍ مِن ذِكْرِ الرَّبِّ، فعليه القَتْلُ، مُسْلِمًا كان أو كافِرًا، وأنَّه مذهَبُ أهْلِ المَدِينَةِ. وسألَه ابنُ مَنْصُورٍ، ما الشَّتِيمَةُ التي يُقْتَلُ بها؟. قال: نحنُ نرَى في التَّعْريضِ الحدَّ. قال: فكانَ مذهَبُه فيما يجِبُ فيه الحدُّ مِن الشَّتِيمَةِ التَّعْريضَ.
الثَّانيةُ، محَلُّ الخِلافِ المُتقَدِّمِ، في عدَمِ قَبُولِ توْبَتِهم وقَبُولِها، في أحْكامِ الدُّنْيا؛ مِن تَرْكِ قَتْلِهم، وثُبوتِ أحْكامِ الإِسْلامِ، فأمَّا في الآخِرَةِ، فإنْ صدَقَتْ توْبَتُه، قُبِلَتْ، بلا خِلافٍ. ذكَره ابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَارِحُ، وجماعَةٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وفي «إرْشادِ ابنِ عَقِيلٍ» رِوايةٌ، لا تُقْبَلٍ توْبَةُ الزِّنْديقِ باطِنًا. وضعَّفَها، وقال: كمَن تَظاهرَ بالصَّلاحِ، إذا أتَى مَعْصِيَة وتابَ منها. وذكَر القاضي، وأصحابُه رِوايةً، لا تُقْبَلُ توْبَةُ داعِيَةٍ إلى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ. اخْتارَها أبو إسْحَاقَ بنُ شَاقْلا. وقال ابنُ عَقِيل في «إرْشادِه»: نحنُ لا نَمْنَعُ أنْ يكونَ مُطالبًا بمَن أضَلَّ. قال في «الفُروعِ» : وظاهِرُ كلامِ غيرِه، لا مُطالبَةَ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: قد بيَّن اللهُ أنَّه يتُوبُ على أئمَّةِ الكُفْرِ الَّذينَ هم أعْظَمُ مِن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أئمَّةِ البِدَعِ. وقال في «الرَّعايةِ» : مَن كفَر ببِدْعَتِه، قُبِلَتْ توْبَتُه، على الأصحِّ. وقيل: إنِ اعْترَفَ بها. وقيل: لا تُقْبَلُ مِن داعِيَةٍ.
الثَّالثةُ، الزِّنْديقُ هو الذي يُظْهِرُ الإسْلامَ ويُخْفِي الكُفْرَ، ويُسَمَّى مُنافِقًا في الصَّدْرِ الأولِ. وأمَّا مَنْ أظْهَرَ الخَيرَ، وأَبْطَنَ الفِسْقَ، فكَالزِّنْديقِ في توْبَتِه، في قِياسِ المذهبِ. قاله في «الفُروعِ» . وذكَره ابنُ عَقِيلٍ، وحمَل رِوايةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المُتَظاهرِ، وعَكْسُه بعَكْسِه. قال في «الفُروعِ»: يُؤيِّدُه تعْلِيلُهم للرِّوايةِ المَشْهورةِ، بأنَّه لم يُوجَدْ بالتَّوْبَةِ سِوَى ما يُظْهِرُه. قال: وظاهرُ كلامِ غيرِه، تُقْبَلُ، وهو أوْلَى في الكُلِّ. انتهى.
الرَّابعةُ، تُقْبَلُ تَوْبَةُ القاتلِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ قاطِبَةً. وذكَر القاضي وأصحابُه رِوايةً، لا تُقْبَلُ توْبَتُه. فعلى المذهبِ، لو اقْتُصَّ مِن القاتلِ، أو عُفِيَ عنه، هل يُطالِبُه المَقْتولُ في الآخِرَةِ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . قال الإِمامُ ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في «الدَّاءِ والدَّواءِ» وغيرِه،
وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. إلا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ أو جَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ، أَوْ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
ــ
بعدَ ذِكْرِ الرِّوايتَين: والتَّحْقيقُ في المَسْألَةِ، أنَّ القَتْلَ يتعَلَّقُ به ثَلاثةُ حُقوقٍ؛ حقٌّ للهِ، وحقٌّ للمَقْتولِ، وحقٌّ للوَليِّ، فإذا أسْلَمَ القاتِلُ نفْسَه طَوْعًا واخْتِيارًا إلى الوَليِّ؛ نَدَمًا على ما فعَل، وخَوْفًا مِن اللهِ، وتوْبَةً نصُوحًا، سقَط حقُّ اللهِ بالتَّوْبَةِ، وحقُّ الأوْلياءِ بالاسْتِيفاءِ، أو الصُّلْحِ، أو العَفْو، وبَقِيَ حقُّ المَقْتولِ، يُعَوِّضُه اللهُ تعالى عنه يومَ القِيامَةِ عن عَبْدِه التَّائبِ المُحْسِنِ، ويصْلِحُ بينَه وبينَه، فلا يذهبُ حقُّ هذا، ولا تَبْطُلُ تَوْبَةُ هذا. انتهى. [وهو الصَّوابُ](1).
قوله: وتَوْبَةُ المُرْتَدِّ إسْلامُه؛ وهو أنْ يَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه
(1) سقط من: الأصل.
- صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إِلَى الْعَالمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الإسْلَامِ.
ــ
ورَسُولُه. إلَّا أنْ تكُونَ رِدَّتُه بإنْكارِ فَرْضٍ، أو إحْلالِ مُحَرَّم، أو جَحْدِ نَبيٍّ، أو كِتابٍ، أو انتَقَلَ إلى دِينِ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلى العرَبِ خاصَّةً، فلا يَصِحُّ إسْلامُه حتَّى يُقِرَّ بما جَحَدَه، ويَشْهَدَ أنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعالمِينَ، أوْ يَقُولَ: أنا بَرِئُ مِن كُلِّ دِينٍ يُخالِفُ دينَ الاسْلامِ. يعْنِي، يأْتِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذلك مع الإتْيانِ بالشَّهادَتَين، إذا كانَ ارْتِدادُه بهذه الصِّفَةِ وهذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» .
وعنه، يُغْنِي قوْلُه: محمدٌ رَسُولُ اللهِ. عن كَلِمَةِ التَّوْحيدِ. وعنه، يُغْنِي ذلك عن مُقِرٍّ بالتَّوْحيدِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. قال في «الفُروع»: ويتوَجَّهُ احْتِمالٌ، يكفِي التَّوْحيدُ ممَّنْ لايُقِرُّ به، كالوَثَنِيِّ؛ لظاهرِ الأخْبارِ، ولخَبَرِ أُسامَةَ بنِ زَيدٍ، رضي الله عنهما، وقَتْلِه الكافِرَ الحَرْبيِّ، بعدَ قوْلِه: لا إلَهَ إلَّا اللهُ (1). لأنِّه
(1) أخرجه البخاري، في: باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرُقات من جهينة، من كتاب المغازي، وباب قول الله تعالى {ومن أحياها} ، من كتاب الديات. صحيح البخاري 5/ 183، 9/ 4. ومسلم، في: كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 96. وأبو داود، في: باب على ما يقاتل المشركون، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 41. وابن ماجه، في: باب الكف عمن قال لا اله إلا الله، من كتاب الفتن. سنن أبن ماجه 2/ 1296. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 439، 5/ 207.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مصْحُوبٌ بما يتَوقَّفُ على الإسْلامِ، ومُسْتَلْزِمٌ له. وذكرَ ابنُ هُبَيرَةَ في «الإفْصاحِ» ، يكْفِي التَّوْحيدُ مُطْلَقًا. ذكَره في حديثِ جُنْدَبٍ وأُسامَةَ، قال فيه: إنَّ الإِنْسانَ إذا قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ. عصَم بها دَمَه، ولو ظَنَّ السَّامِعُ أنَّه قالها فَرَقًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن السَّيفِ بعدَ أنْ يكونَ مُطْلَقًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، نقَل أبو طالبٍ، في اليَهُودِي إذا قال: قد أسْلَمْتُ. أو: أنا مُسْلِمٌ. وكذا قولُه: أنَا مُؤْمِنٌ. يُجْبَرُ على الإِسْلامِ، قد علِم ما يُرادُ منه. وقاله القاضي أبو يَعْلَى، وابنُ البَنَّا، وغيرُهما مِن الأصحابِ. وذكرَ في «المُغْنِي» احْتِمالًا، أنَّ هذا في الكافرِ الأصْلِيِّ ومَن جحَدَ الوَحْدانِيَّةَ، أمَّا مَن كفَر بجَحْدِ نَبِيٍّ أو كتابٍ أو فريضَةٍ أو نحو هذا، فإنَّه لا يضُرُّ مُسْلِمًا بذلك. وفي مُفْرَداتِ أبي يَعْلَى الصَّغيرِ: لا خِلافَ أنَّ الكافِرَ لو قال: أنا مُسْلِمٌ ولا أنْطِقُ بالشَّهادَةِ. يُقْبَلُ منه ولا يُحْكَمُ بإسْلامِه.
الثَّانيةُ، لو أُكْرِهَ ذمِّيٌّ على إقْرارِه به، لم يصِحَّ؛ لأنَّه ظُلْمٌ. وفي «الانْتِصارِ» احْتِمالٌ، يصِحُّ. وفيَه أيضًا، يصِيرُ مُسْلِمًا بكِتابَةِ الشَّهادَةِ.
الثَّالثةُ، لا يُعْتَبَرُ، في أصحِّ الوَجْهَين، إقْرارُ مُرْتَدٍّ بما جحَدَه، لصِحَّةِ الشَّهادَتَين مِن مُسْلِم ومنه، بخِلافِ التَّوْبَةِ مِن البِدْعَةِ. ذكرَه فيها جماعَةٌ. ونقَل المَرُّوذِيُّ، في الرَّجُلِ يُشْهَدُ عليه بالبِدْعَةِ، فيَجْحَدُ، ليستْ له تَوْبَةٌ، إنما التَّوْبَةُ لمَنِ اعْتَرفَ، فأمَّا مَن جحَدَ، فلا.
الرَّابعَةُ، يكْفِي جَحْدُه لرِدَّتِه بعدَ إقْرارِه بها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. كرُجوعِه عن حدٍّ، لا بعد بَيِّنَةٍ، بل يُجدِّدُ إسْلامَه. قال جماعة: يأْتِي بالشَّهادَتَين. وفي «المُنْتخَبِ» الخِلافُ. [نقَل ابنُ الحَكَمِ](1) في مَن أسْلَمَ، ثم تهَوَّدَ أو
(1) سقط من: الأصل.
وَإذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ.
ــ
تنَصَّرَ، فشَهِدَ عليه عُدُولٌ، فقال: لم أفْعَلْ وأنا مُسْلِمٌ. قُبلَ قوْلُه، هو أبَرُّ عندِي مِنَ الشُّهودِ.
قوله: وإنْ ماتَ المُرْتَدُّ، فأقامَ وارِثُه بَيِّنَةً أَنَّه صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ، حُكِمَ بإسْلامه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفِّى، في كتابِ الصَّلاةِ](1)
(1) سقط من: الأصل.
وَلَا يَبْطُلُ إِحْصَانُ الْمُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ، وَلَا عِبَادَاتُهُ الَّتى فَعَلَهَا في إِسْلَامِهِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ.
ــ
قوله: ولا يَبْطُلُ إحْصانُ الْمُسْلِمِ برِدَّتِه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ» : ويُؤْخَذُ بحَدٍّ فعَلَه في رِدَّتِه. نصَّ عليه، كقَبْلِ رِدَّتِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وظاهرُ ما نقَله مُهَنَّا، واخْتارَه جماعةٌ، أنَّه إنْ أسْلَمَ لا يُؤْخَذ به، كعِبادَتِه. وعنه، الوَقْفُ. وقال في «الفُروعِ» أيضًا: ولا يبْطُلُ إحْصانُ قَذْفٍ ورَجْمٍ برِدَّةٍ، فإذا أتَى بهما بعدَ إسْلامِه، حُدَّ، خِلافًا لـ «كتابِ» ابنِ رَزِينٍ في إحْصانِ رَجْمٍ.
قوله: ولا عِباداتُه الَّتِي فَعَلَها في إسْلامِه -يعْنِي، لا تَبْطُلُ- إذا عادَ إلى الإِسْلامِ. العِباداتُ التي فعَلَها قبلَ رِدَّتِه، لا تخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ حَجًّا، أو صلاةً في وَقْتِها، أو غيرَ ذلك، فإنْ كانتْ حَجًّا، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ أنَّه لا يَلْزَمُه قَضاؤُه، بل يُجْزِيء الحَجُّ الذي فعلَه قبلَ رِدَّتِه. نصَّ عليه. قال المَجْدُ في
فَصْل: وَمَنِ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَتَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةً، فَإنْ أسْلَمَ، ثَبَتَ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ، وَإلَّا بَطَلَتْ.
ــ
«شَرْحِه» : هذا الصُّحيحُ مِن المذَهبِ. وقدَّمه الإِمامُ ابنُ القَيِّمِ، وابنُ عُبَيدانَ، وصاحِبُ «الحاوي الكَبيرِ» ، وغيرُهم. وجزَم به الشَّارِحُ هنا.
وعنه، يَلْزَمُه. اخْتارَه القاضي. وجزَم به ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، في كتابِ الحَجِّ. وجزَم به في «الإِفَاداتِ» لابنِ حَمْدانَ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذكِرَتِه» ، وذكرَه في الحَجِّ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وأمَّا الصَّلاةُ إذا أسْلَمَ بعدَها في وَقْتِها، فحكْمُها حكمُ الحَجِّ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، خِلافًا ومذهبًا. وقال القاضي: لا يُعِيدُ الصَّلاةَ، وإنْ أعادَ الحَجَّ؛ لفِعْلِها في إسْلامِه الثَّاني، وأمَّا غيرُهما مِن العِبادات، فقال الأصحابُ: لا تَبْطُلُ عِبادَة فعَلَها في الإِسْلامِ إذا عادَ إلى الإِسْلامِ، ولا قَضاءَ عليه، إلَّا ما تقدَّم مِنَ الحَجِّ والصَّلاةِ. قال في «الرِّعايَةِ»: إنْ صامَ قبلَ الرِّدَّةِ، ففي القَضاءِ وَجْهان. وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفًى في كتابِ الصَّلاةِ، فَلْيُعاوَدْ.
قوله: ومَن ارْتَدَّ عَن الإِسْلامِ، لم يَزُلْ مِلْكُه، بل يَكُونُ مَوْقُوفًا، وتَصَرُّفَاتُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَوْقُوفَةً؛ فإنْ أسْلَمَ، ثَبَتَ مِلْكُه وتَصَرُّفاتُه، وإلَّا بَطَلَتْ. [الظَّاهِرُ أنَّ هذا بِناءٌ منه على ما قدَّمه، في بابِ مِيراثِ أهْلِ المِلَلِ، مِن أنَّ يِراثَ المُرْتَدِّ فَىْءٌ](1).
واعلمْ أنَّ مال المُرْتَدِّ إذا ماتَ مُرْتَدًّا، لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ نقولَ: يَرِثُه ورَثَتُه مِن المُسْلِمين، أو وَرثته مِن دِينِه الذي اخْتارَه، أو يكونَ فَيئًا. على ما تقدَّم في بابِ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِيراثِ أهْلِ المِلَلِ. فإنْ قُلْنا: يَرِثُه ورَثتُه مِن المُسْلِمين، أو مِن الدِّينِ الذي اخْتارَه. فإنَّ تصَرُّفَه في مِلْكِه في حالِ ردَّتِه كالمُسْلمِ، ويُقَرُّ بيَدِه. وهذا المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال أبوالخَطًّابِ في «الانْتِصارِ»: لا قَطْعَ بسَرِقَةِ مالِ مُرْتَدٍّ؛ لعدَمِ عِصْمَتِه، وإنْ قُلْنا: يكونُ فَيئًا. ففي وَقْتِ مَصِيرِه فَيئًا ثلاثُ رِواياتٍ؛ إحْداهُنَّ، يكونُ فَيئًا من حينِ مَوْتِه مُرْتَدًّا. وهذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ. قاله في «الفُروعِ» ، وقدَّمه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وهو ظاهرُ ما قدَّمه المُصَنِّفُ، في بابِ مِيراثِ أهْلِ المِلَلِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَصِيرُ فَيئًا بمُجَردِ رِدَّتِه. اخْتارَها أبو بَكْرٍ، وأبو إسْحاقَ، وابنُ أبِي مُوسى، وصاحِبُ «التَّبصِرَةِ» ، و «الطَّريقِ الأقْرَبِ» ، وهو قولُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنِّفِ. وقال أبو بَكْرٍ: يزُولُ مِلْكُه بِرِدَّتِه، ولا يصحُّ تصَرُّفُه، فإنْ أسْلَمَ، رُدَّ إليه تَمْليكًا مُسْتَأْنَفًا. والرِّوايةُ الثَّالثةُ، يتَبَيَّنُ بمَوْتِه مُرْتَدًّا كوْنُه فَيئًا مِن حينِ الرِّدَّةِ. فعلى الصَّحيحِ مِن المذهبِ، يُمْنَعُ مِن التَّصَرُّفِ فيه. قاله القاضي وأصحابُه؛ منهم أبو الخَطَّابِ، وأبو الحُسَينِ، وأبو الفَرَجِ. قال في «الوَسيلَةِ»: نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل ابنُ هانِئٍ، يُمْنَعُ منه، فإذا قُتِلَ مُرْتَدًّا، صارَ ما لُه في بَيتِ المالِ. واخْتارَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، على هذه الرِّوايةِ، أنَّ تصَرُّفَه يُوقَفُ ويُتْرَكُ عندَ ثِقَةٍ، كالرِّوايةِ الثَّالِثَةِ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. قال ابنُ مُنَجَّى وغيرُه: المذهبُ لا يزُولُ مِلْكُه برِدَّتِه، ويكونُ مِلْكُه مَوْقُوفًا، وكذلك تصَرُّفاتُه، على المذهبِ. انتهى. قال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : وجعَل في «التَّرْغيبِ» كلامَ القاضي وأصحابِه، وكلامَ المُصَنِّفِ، واحِدًا. وكذا ذكَره القاضي في «الخِلافِ» . وتَبِعَه ابنُ البَنَّا، وغيرُه على ذلك. وذكَر أنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، نصَّ عليه. لكِنْ لم يقُولُوا: إنَّه يُتْرَكُ عندَ ثِقَةٍ، بل قالوا: يُمْنَعُ منه. وهذا مَعْنَى كلامِ ابنِ الجَوْزِيِّ؛ فإنَّه ذكَر أنَّهُ يُوقَفُ تَصرُّفُه؛ فإنْ أسْلَم بعدَ ذلك، وإلَّا بَطَلَ، وأنَّ الحاكِمَ يحْفَظُ بقِيَّةَ مالِه. قالوا: فإنْ ماتَ، بَطَلَتْ تصَرفاتُه تغْلِيظًا عليه بقَطْعِ ثَوابِه، بخِلافِ المَرِيضِ. وقيل: إنْ لم يبْلُغْ تصَرُّفُه الثُّلُثَ، صحَّ. وقال في «المُحَرَّرِ» ، ومَنْ تَبِعَه، على الرِّوايةِ الأُولَى التي [قدَّمها، وهي المذهبُ: يُقَر بيَدِه، وتَنْفُذُ فيه معاوضاتُه، وتُوقَفُ تبَرُّعاتُه، وتُرَدُّ](1) بمَوْتِه مُرْتَدًّا، لأنَّ حُكْمَ الردَّةِ حُكْمُ المَرَضِ المَخُوفِ. وإنَّما لم ينْفُذْ مِن ثُلُثِه؛ لأنَّ ماله يصِيرُ فَيئًا بمَوْتِه مُرْتَدًا، ولو كانَ قد باعَ شِقْصًا أُخِذَ بالشُّفْعَةِ. وقيل: يصِحُّ تبَرُّعُه المُنْجَزُ، وبَيعُ الشِّقْصِ المَشْفُوعِ. واخْتارَه في «الرِّعايتَين» . زادَ
(1) سقط من: الأصل.
وَتُقْضَى دُيُونُهُ، وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ، وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُه.
ــ
في «الكُبْرَى» ، فإنْ أسْلَمَ، اعْتُبِرَ مِن الثلُثِ. وعلى الثَّانيةِ، يُجْعَلُ في بيتِ المالِ، ولا يصحُّ تصَرُّفُه فيه، لكِنْ إنْ أسْلَم، رُدَّ إليه مِلْكًا جديدًا. وعليها أيضًا، لا نفَقَةَ لأحَدٍ في الرِّدَّةِ (1)، ولا يُقْضَى دَينٌ تجَدَّدَ فيها، فإنْ أسْلَم، مَلَكَه إذَنْ، وإلَّا بَقِيَ فَيئًا. وعلى الثَّالثَةِ، يحْفَظُه الحاكِمُ، وتُوقَفُ تصَرُّفاتُه كلُّها. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ أيضًا؛ فإنْ أسْلَم، أُمْضِيَتْ، وإلَّا تبَيِّنَّا فَسادَها. وعلى الأُولَى والثَّالثةِ، يُنْفَقُ منه على مَنْ تَلْزَمُه نفَقَتُه، وتُقْضَى دُيونُه؛ فإنْ أسْلَم، أخَذَه أو بَقِيَّتَه، ونفَذ تصَرُّفُه، وإلَّا بَطَلَ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وعلى الرِّواياتِ الثَّلاثِ، يُقْضَى منه ما لَزِمَه قبلَ رِدَّتِه، مِن دَينٍ ونحوه، ويُنْفَقُ عليه منه مُدَّةَ الردَّةِ. وقاله غيرُه.
فائدة: إنَّما يَبْطُلُ تصَرُّفُه لنفْسِه، فلو تصَرَّفَ لغيرِه بالوَكالةِ، صحَّ. ذكرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ.
قوله: وتُقْضَى دُيُونُه، وأُرُوشُ جناياتِه، ويُنفَقُ على مَن تَلْزَمُه مُؤْنَتُه. قد تقدَّم
(1) في الأصل: «الزيادة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك بِناءً على بَعْضِ الرِّواياتِ دُونَ بعْضٍ.
وَمَا أَتْلَفَ مِنْ شَيْءٍ، ضَمِنَهُ، وَيَتَخَرَّجُ في الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَنْ لَا تَضْمَنَ مَا أَتْلَفَتْهُ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإنْ أَسْلَمَ رُدَّ إِلَيهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا.
ــ
قوله: وما أَتْلَفَ مِن شَيءٍ، ضَمِنَه. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
ويتَخَرَّجُ في الجماعَةِ المُمْتَنِعَةِ (1) المُرْتَدَّةِ أنْ لا تضْمَنَ ما أتْلَفَتْه. وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» . وعنه، إنْ فعَلَه في دارِ الحَرْبِ، أو في جماعَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ، لا يضْمَنُ. اخْتارَه الخَلالُ، وصاحِبُه أبو بَكْرٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وغيرُهم.
(1) سقط من: الأصل.
وَإذَا أسْلَمَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
قوله: وإذا أَسْلَمَ، فهل يَلْزَمُه قَضاءُ ما تَرَكَ مِن العِباداتِ في رِدَّتِه؟ على رِوايَتَين. وأَطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنِ مُنَجَّى»؛ إحْداهما، لا يَلْزَمُه. وهو المذهبُ. قاله القاضي، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. قال في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ»: هذا أصحُّ الرِّوايتَين. وجزَم به الأدَمِيُّ في «مُنْتَخَبِه» ، وغيرُه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «ابنِ تَمِيمٍ» ، و «الحاوي» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَلْزَمُه. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، وجزَم به في «الإِفاداتِ» ، في الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصَّوْمِ، والحَجِّ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، لكِنْ قال: المذهبُ عدَمُ اللُّزومِ. فعلى هذه، لو جُنَّ بعدَ رِدَّتِه، لَزِمَه قَضاءُ العِبادَةِ زمَنَ جُنونِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وقيل: لا يَلْزَمُه. وأمَّا إذا حاضَتِ المُرْتَدَّةُ، فإنَّ الوُجوبَ يسْقُطُ عنها، قوْلًا واحدًا. وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفِّى، في كتابِ الصَّلاةِ، عندَ قوْلِه: ولا تجِبُ على كافِرٍ.
تنبيه: مفْهومُ كلامِه، أنَّه يَلْزَمُه قَضاءُ ما تَركَ مِن العِباداتِ قبلَ رِدَّتِه. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. قاله في «الفُروعِ» . وجزَم به في «الإِفاداتِ» ، في كتابِ الصَّلاةِ. وقدَّمه ابنُ حَمْدانَ في «رِعايَتِه الكُبْرَى» ، وابنُ تَميمٍ. وعنه، لا يلْزَمُه. اخْتارَه في «الفائقِ» . قال في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ»: هذا أصحُّ
وَإذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ، وَلَحِقَا بدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيهِمَا، لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمَا، وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَولَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا في دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ قُتِلَ. وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ، وَهَلْ يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
الروايتَين. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفًى في كتابِ الصَّلاةِ، ونَقْضُ الوُضوءِ تقدَّم في بابِ نواقِضِ الوُضوءِ.
[قوله: وإِذا ارْتَدَّ الزَّوْجان، ولَحِقَا بِدارِ الحَرْبِ، ثم قُدِرَ عليهما، لم يَجُزِ اسْتِرْقاقُهُما، ولا اسْتِرْقاقُ أوْلادِهِما الَّذِين وُلِدُوا في دارِ الإِسْلامِ -بلا نِزاعٍ- ومَن لم يُسْلِمْ منهم، قُتِلَ. بلا نِزاعٍ.
فائدة: لو لَحِقَ مُرْتَدٌّ بدارِ الحَرْبِ، فهو وما معه كجَرْبِيِّ. والمذهبُ المَنْصوصُ، لا يَتنَجَّزُ جَعْلُ ما بدارِنا فَيئًا، إنْ لم يَصِرْ فَيئًا برِدَّتِه. وقيل: يَتنَجَّزُ] (1).
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ويَجُوزُ اسْتِرْقاقُ مَن وُلِدَ بعدَ الرِّدَّةِ. وهذا المذهبُ، سواءٌ وُلِدَ في دارِ الإِسْلامِ أو دارِ الحَرْبِ. نصَّ عليه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ كلامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْخِرَقِيِّ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ في «الخِلافِ» ، والقاضي، وأبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ، وابنُ البَنَّا، والشِّيرَازِيُّ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذكِرَتِه» ، وغيرُههم. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «إدْراكِ الغايةِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: لا يجوزُ اسْتِرْقاقُهم. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» وغيرِه. وذكَره ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ، أنَّه لو كان قبلَ الردَّةِ حَمْلٌ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ ما لو حمَلَتْ به بعدَ الردَّةِ. وهو أحدُ الوَجْهَين، وظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ. واخْتارَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يُسْتَرَقُّ وإنِ اسْتُرِقَّ مَن حمَلَتْ به بعدَ الرِّدَّةِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، فإنَّه قال: ومَن لم يُسْلِمْ منهم، قُتِلَ، إلَّا مَن عَلِقَتْ به أُمُّه في الرِّدَّةِ، فيجوزُ أنْ يُسْتَرَقَّ. وجزَم به في «الكافِي» .
فوائد؛ الأُولَى، لو مات أبو الطِّفْلِ أو الحَمْلِ، أو أبو المُمَيِّزِ، أو مات أحدُهما في دارِنا، فهو مُسْلِمٌ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ الجماعةِ. وقطَع به الأصحابُ، إلَّا صاحِبَ «المُحَرَّرِ» ومَن تَبِعَه. وهو مِن مُفْرَداتِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ. وعنه، لا يُحْكَمُ بإسْلامِه. قال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في [أحْكامِ الذمَّةِ] (1): وهو قولُ الجُمْهورِ، ورُبَّما ادُّعِيَ فيه إجْماعٌ معْلومٌ متَيقَّنٌ. واخْتارَه شيخُنا تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. انتهى. وذكَر في «المُوجَزِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» رِوايةً، لا يُحْكَمُ بإسْلامِه بموتِ أحَدِهما. نقَل أبو طالِبٍ في يَهُودِيٍّ أو نَصْرانِيٍّ ماتَ وله ولَدٌ صغيرٌ، فهو مُسْلِمٌ إذا ماتَ أبُوه، ويَرِثُه أبواه، ويرِثُ أبوَيه. ونقَل جماعَةٌ، إنْ كفَلَه المُسْلِمون، فمُسْلِمٌ، ويرِثُ الوَلدُ المَيِّتَ؛ لعدَمِ تقَدُّمِ الإِسْلامِ، واخْتِلافُ الدِّينِ ليسَ مِن جِهَتِه. وقيل: لا يحْكَمُ بإسْلامِه إذا كان مُمَيِّزًا، والمَنْصوصُ خِلافه.
الثَّانيةُ، مثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو عُدِمَ الأبَوان أو أحَدُهما بلا مَوْتٍ، كزِنَى ذِمِّيَّةٍ ولو بكافِر، أو اشْتِباهِ وَلَدِ مُسْلِمٍ بوَلَدِ كافرٍ. نصَّ عليهما. وهذا المذهبُ. [وقال القاضي] (2): أو وُجِدَ بدارِ حَرْبٍ. قلتُ: يُعايَى بذلك. وقيل للإِمامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ، رحمه الله، في مَسْألَةِ الاشْتِباهِ: تكونُ القافَةُ في هذا؟ قال: ما أحْسَنَه. وإنْ لم يُكَفِّرا ولَدَهما، وماتَ طِفْلًا، دُفِنَ في مَقابرِنا. نصَّ عليه، واحْتَجَّ بقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«فأبَواهُ يُهَوِّدانِه» (1). قال النَّاظِمُ: كلَقِيطٍ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ كالتي قبلَها. ورَدَّ الأوَّلَ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: المُرادُ به يُحْكَمُ بإسْلامِه، ما لم يُعْلَمْ له أبَوان كافِران، ولا يتَناوَلُ مَن وُلِدَ بينَ كافِرَين؛ لأنَّه انْعَقدَ كافِرًا. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: ويدُلُّ على خِلافِ النَّصِّ الحَديثُ. وفسَّر الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، الفِطْرَةَ فقال: التي فَطَر اللهُ النَّاسَ عْليها؛ شَقِيٌّ أو سعيدٌ. قال القاضي: المُرادُ به الدِّين، مِن كُفْرٍ أو إسْلامٍ. قال: وقد فسَّر الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، هذا في غيرِ مَوْضعٍ. وذكرَ الأثْرَمُ مَعْناه على الإِقْرارِ بالوَحْدانيَّةِ حينَ أخذَهم
(1) تقدم تخريجه في 10/ 94.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن صُلْبِ آدَمَ، وأشْهَدَهم على أنْفُسِهم، وبأنَّ له (1) صانعًا ومُدَبرًا وإنْ عبَد شَيئًا غيرَه وسمَّاه بغيرِ اسْمِه، وأنَّه ليسَ المُرادَ على الإِسْلامِ؛ لأنَّ اليَهُودِيَّ يَرِثُه ولَدُه الطِّفْلُ إجْماعًا. ونقَل يُوسُفُ، الفِطْرَةُ التي فطَر اللهُ العِبادَ عليها. وقيلَ له، في رِوايَةِ المَيمُونِيِّ: هي التي فطَر اللهُ النَّاسَ عليها، الفِطْرَةُ الأُولَى؟ قال: نعم. وأمَّا إذا ماتَ أبُو واحدٍ ممَّنْ تقدَّم في دارِ الحَرْبِ، فإنَّا لا نحْكُمُ بإسْلامِه. على الصَّحيحِ
(1) أي لآدم عليه السلام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن المذهبِ. وقيل: حُكْمُه حُكْمُ دارِنا. قال في «المُحَرَّرِ» : وفيه بُعْدٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّالثةُ، لو أسْلَم أَبَوا مَن تقدَّم، أو أحدُهما، لا جَدُّه ولا جَدَّتُه، حكَمْنا بإسْلامِه أيضًا. وتقدَّم إذا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا، أو مع أحَدِ أبوَيه، أو معهما، في كلامِ المُصَنِّفِ، في أثْناءِ كتاب الجِهَادِ، فَلْيُعاوَدْ.
قوله: وهل يُقَرُّون على كُفْرِهم؟ على رِوايتَين. يعْنِي، مَن وُلِدَ بعدَ الرِّدَّةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في «الفُروعِ» : وهل يُقَرُّون بجزْيَةٍ أمِ الإِسْلامِ ويَرِقُّ، أم القتْلِ؟ فيه رِوايَتان. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الحاوي» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجِّى» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، يُقَرُّون. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، واخْتارَه القاضي في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«رِوايتَيه» . وصحَّحه في «التَّصحيحِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُقَرُّونَ، [فلا يُقْبَلُ](1) منهم إلَّا الإِسْلامُ أو السَّيفُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهدايةِ» ، و «الكافِي» ، لاقْتِصارِهما على حِكايةِ هذه الرِّوايةِ، وهي رِوايَةُ الفَضْلِ بنِ زِيادٍ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقال في «المُغْنِي» (2)، وتبِعَه في «الشَّرْحِ» -مع حِكايَةِ الرِّوايتَين: إذا وقَع أبو الوَلَدِ في الأَسْرِ بعدَ لُحُوقِه بدار الحَرْبِ، فحُكْمُه حكمُ أهْلِ الحَرْبِ، وإنْ بذَلَ الجِزْيَةَ وهو في دارِ الحَرْبِ، أو وهو في دارِ الإِسْلامِ، لم نُقرَّها (3)، لانْتِقالِه إلى الكُفْرِ بعدَ نزُولِ القُرْآنِ. انتهيا. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذه طريقَة لم نَرَها لغيرِه.
فائدتان؛ إحْداهما، أطْفالُ الكفَّارِ في النَّارِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
انظر المغني: 12/ 283.
(3)
في الأصل: «نقف بها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نصَّ عليه مِرارًا. و](1) قدَّمه في «الفُروعِ» . [واخْتارَه القاضي، وغيرُه](2). وعنه، الوَقْفُ. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِي، أنَّهم في الجَنَّةِ كأَطْفالِ المُسْلِمين، ومَن بلَغَ منهم مَجْنونًا. [نقل ذلك في «الفُروعِ». وقال ابنُ حَمْدانَ في «نِهايَةِ المُبْتَدِئينَ»: وعنه، الوَقْفُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوْزِيِّ، وأبو محمدٍ المَقْدِسِي. انتهى. قلتُ: الذي ذكرَه في «المُغْنِي» ، أنَّه نقَل رِوايةَ الوَقْفِ، واقْتَصرَ عليها] (2). واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، تكْلِيفَهم في القِيامَةِ؛ للأخْبارِ. ومِثْلُهم مَن بلَغ منهم مَجْنونًا، فإنْ جُنَّ بعدَ بلُوغِه، فوَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ». قال: وظاهِرُه يتْبَعُ أبوَيه بالإِسْلامِ كصغيرٍ. فيُعايَى بها. نقَل ابنُ مَنْصورٍ في مَن وُلِدَ أعْمَى أبْكَمَ أصَمَّ، وصارَ رجُلًا، هو بمَنْزِلَةِ المَيِّتِ، هو مع أبوَيه، وإنْ كانا مُشْرِكَين ثم أسْلَما بعدَما صارَ رجُلًا، قال: هو معهُما. قال في «الفُروعِ» : ويتوَجَّهُ مثْلُهما في مَن لم تَبْلُغْه الدَّعْوَةُ. وقاله شيخُنا.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكَر في «الفُنونِ» عن أصحابِنا، لا يُعاقَبُ. وفي «نِهايَةِ المُبْتَدِي» ، لا يُعاقَبُ. وقيل: بلَى، إنْ قيلَ بحَظْرِ الأفْعالِ قبلَ الشَّرْعِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يُعاقَبُ مُطْلَقًا. ورَدَّه في «الفُروع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّانيةُ، لو ارْتَدَّ أهلُ بَلَدٍ، وجرَى فيه حُكْمُهم، فهي دارُ حَرْبٍ؛ فيُغْنَمُ مالُهم وأوْلادُهم الَّذِين حدَثُوا بعدَ الرِّدَّةِ.
فَصْل: والسَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوهِ، يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ، فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بالْأَدْويَةِ، وَالتَّدْخِينِ، وَسَقْي شَيْءٍ يَضُرُّ، فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.
ــ
قوله: والسَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ المِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ به في الهَواءِ ونحْوه -كالذي يدَّعِي أنَّ الكواكِبَ تُخاطِبُه- يَكْفُرُ ويُقْتَلُ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قاله أصحابُنا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنه، لا يكْفُرُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «التَّبْصِرَةِ». وكفَّرَه أبو بَكْرٍ بعمَلِه. قال في «التَّرْغيبِ»: عمَلُه أشدُّ تحْريمًا. وحمَل ابنُ عَقِيلٍ كلامَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، في كُفْرِه على مُعْتَقِدِه، وأنَّ فاعِلَه يفْسُقُ، ويُقْتَلُ حدًّا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: مَن اعْتقَدَ أنَّ السِّحْرَ حَلالٌ كفَر، قوْلًا واحدًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فأمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بالأَدويَةِ، والتَّدْخِينِ، وسَقْيِ شَيْءٍ يَضُرُّ، فلا يَكْفُرُ ولا يُقْتَلُ، ولَكِنْ يُعَزَّرُ. هذا المذهبُ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال القاضي، والحَلْوانِيُّ: إنْ قال: سِحْرِي ينْفَعُ، وأقْدِرُ على القَتْلِ به. قُتِلَ ولو لم يَقْتُلْ به. فعلى المذهبِ، يُعَزَّرُ تعْزِيرًا بَليغًا بحيثُ لا يبْلُغُ به القَتْلَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: له تعْزِيرُه بالقَتْلِ.
قوله: ويُقْتَصُّ منه إنْ فَعَلَ ما يُوجِبُ الْقِصاصَ. وكذا قال كثيرٌ مِن الأصحابِ. وقال في «الفُروعِ» : ويُقادُ منه إنْ قتَلَ غالِبًا، وإلَّا الدِّيةُ. وكذا قال المُصَنِّفُ، وغيرُه، في كتابِ الجِناياتِ. وتقدَّم ذلك مُحَرَّرًا هناك في القِسْمِ الثَّامِنِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجَنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ، فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ، وَذَكَرهُ أبو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ.
ــ
قوله: فأمَّا الذي يعزِمُ على الْجِنِّ، ويَزْعُمُ أنَّه يَجْمَعُها فَتُطِيعُه، فلا يَكْفُرُ ولا يُقتَلُ. ولَكِنْ يُعَزرُ. وهذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، [و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ»](1). وذكَر ابنُ مُنَجَّى، أنَّه قولُ غيرِ أبي الخَطَّابِ. [وذكرَه أبو الخَطَّابِ](1)، في السَّحَرَةِ الذين يُقْتَلُون. وكذلك القاضي. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وأَطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» . فعلى المذهبِ، يُعَزَّرُ تعْزيرًا بَلِيغًا لا يبْلغُ به القَتْلَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: يبْلغُ بتَعْزيرِه القَتْلَ.
فوائد؛ الأُولَى، حُكْمُ الكاهِنِ والعَرَّافِ كذلك، خِلافًا ومذهبًا. قاله في «الفُروعِ» . وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . فالكاهِنُ هو الذي له رِئِيٌّ مِن الجِنِّ يأْتِيه بالأخْبارِ. والعَرَّافُ، هو الذي يَحْدِسُ ويتَحَرَّصُ.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال في «التَّرْغيبِ» : الكاهِنُ والمُنَجِّمُ كالسَّاحرِ عندَ أصحابِنا، وأنَّ ابنَ عَقِيلٍ فسَّقَه فقطْ، إنْ قال: أصَبْتُ بحَدْسِي وفَراهَتِي (1).
الثَّانيةُ، لو أوْهَم قوْمًا بطَرِيقَتِه أنَّه يعْلَمُ الغَيبَ، فلِلْإِمامِ قَتْلُه؛ لسَعْيِه بالفَسادِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: التَّنْجِيمُ كالاسْتِدْلالِ بالأَحْوالِ الفَلَكيَّةِ (2) على الحَوادِثِ الأرْضِيَّةِ، مِن السِّحْرِ. قال: ويَحْرُمُ إجْماعًا، وأقَرَّ
(1) فَرُهَ، فَرَاهةً: حَذِق ومهر.
(2)
في الأصل: «العلوية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوَّلُهم وآخِرُهم، أنَّ اللهَ يَدْفَعُ عن أهْلِ العِبادَةِ والدُّعاءِ (1) ببرَكَتِه ما زعَمُوا أنَّ الأفْلاكَ تُوجِبُه، وأنَّ لهم مِن ثَوابِ الدَّارَين ما لا تَقْوَى الأفْلاكُ على أنْ تَجْلِبَه.
الثَّالثةُ، المُشَعْبِذُ (2)، والقائِلُ بزجْرِ (3) الطَّيرِ، والضَّارِبُ بحَصًى، وشَعِيرٍ، وقِداحٍ -زادَ في «الرِّعايَةِ» ، والنَّظَرُ في أَلْواحِ الأكْتافِ- إنْ لم يكُنْ يعْتَقِدُ إباحتَه، وأنَّه يَعْلَمُ به، يُعزَّرُ، ويَكُفُّ عنه، وإلَّا كفَرَ.
الرَّابعَةُ، يَحْرُمُ طِلَسْمٌ ورُقْيَةٌ بغيرِ عَرَبِيٍّ. وقيل: يكَفَّرُ. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي»: ويَحْرُمُ الرَّقْىُ والتَّعْويذُ بطِلَسْمٍ وعَزِيمَةٍ، واسْمِ كَوْكَبٍ، وخَرَزٍ، وما وُضِعَ على نَجْمٍ مِن صُورةٍ أو غيرِها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخامسةُ، توَقَّفَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في حَل المَسْحُورِ بسِحْرٍ، وفيه وَجْهان. وأَطْلَقهما في «الفُروعِ». قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): توَقَّفَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في الحَلِّ، وهو إلى الجوازِ أمْيَلُ. وسألَه مُهَنَّا عمَّنْ تأْتِيه مَسْحُورَةٌ، فيُطْلِقُه عنها؟ قال: لا بأْسَ. قال الخَلَّالُ: إنَّما كَرِهَ فِعاله، ولا يرَى به بأْسًا، كما بيَّنه مُهَنَّا. وهذا مِنَ الضَّرُورَةِ التي تُبِيحُ فِعْلَها. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي»: ويَحْرُمُ العَطْفُ والرَّبْطُ، وكذا الحَلُّ بسِحْرٍ. وقيل: يُكْرَهُ الحَلُّ. وقيل: يُباحُ بكلامٍ مُباحٍ.
السَّادِسَةُ، قال في «عُيونِ المَسائلِ»: ومِن السِّحْرِ السَّعْيُ بالنَّمِيمَةِ والإِفْسادِ بينَ النَّاسِ، وذلك شائِعٌ عامٌّ في النَّاسِ. وذكَر في ذلك حِكاياتٍ حصَل بها القَتْلُ. قال في «الفُروعِ»: وما قاله غريبٌ، ووَجْهُه أنَّه يقْصِدُ الأذَى بكلامِه وعَملِه، على وَجْهِ المَكْرِ والحِيلَةِ، فأشْبَهَ السِّحْرَ، وهذا يُعْلَمُ بالعادَةِ والعُرْفِ، أنَّه يُؤثِّرُ ويُنْتِجُ ما يعْمَلُه السِّحْرُ، أو أكثرَ، فيُعْطَى حُكْمَه، تَسْويَةً بينَ المُتماثِلَين، أو
(1) انظر المغني: 12/ 304.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُتَقارِبَين، لاسِيَّما إنْ قُلْنا: يُقتَلُ الآمِرُ بالقَتْلِ. على رِوايَةٍ سبَقَتْ، فهنا أوْلَى، أو المُمْسِكُ لمَن يقْتُلُ، فهذا مثْلُه. انتهى.
السَّابعةُ، هذه الأحْكامُ كلُّها في السَّاحِرِ المُسْلِمِ، فأمَّا السَّاحِرُ الكِتابِيُّ، فلا يُقْتَلُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. قال في «الهِدايَةِ»: قال أصحابُنا: لا يُقْتَلُ. نصَّ عليه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يُقْتَلُ. قال في «المُحَرَّرِ»: وعنه، ما يدُل على قَتْلِه. قال في «الهِدايَةِ»: ويتَخَرَّجُ مِن عُمومِ قوْلِه في رِوايَةِ يَعْقُوبَ بنِ بخْتانَ: الزِّنْدِيقُ والسَّاحِرُ، كيفَ تُقْبَلُ توْبَتُهما؟ أنْ يُقْتَلا. وقال في «الرِّعايتَين»: وقيل: لا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ. وقال في «الكُبْرَى» ، وقيل: يُقتَلُ لنَقْضِه العَهْدَ.