المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ النَّذرِ ــ بابُ النَّذْرِ فائدتان؛ إحْداهما، لا نِزاعَ في صِحَّةِ النَّذْرِ ولُزومِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٨

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بابُ النَّذرِ ــ بابُ النَّذْرِ فائدتان؛ إحْداهما، لا نِزاعَ في صِحَّةِ النَّذْرِ ولُزومِ

‌بابُ النَّذرِ

ــ

بابُ النَّذْرِ

فائدتان؛ إحْداهما، لا نِزاعَ في صِحَّةِ النَّذْرِ ولُزومِ (1) الوَفاءِ به في الجُمْلَةِ.

(1) في الأصل: «لزومه» .

ص: 167

وَهُوَ أنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلّهِ تَعَالى شَيئًا. وَلَا يَصِحُّ إلا مِنْ مُكَلَّفٍ،

ــ

وهو عِبارَةٌ عمَّا قال المُصَنفُ: وهو أنْ يُلْزِمَ نفْسَه لله تعالى شيئًا. يعْنِي، إذا كان مُكَلَّفًا مُخْتارًا.

الثَّانيةُ، النَّذْرُ مَكْرُوهٌ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ؛ لقَوْلِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ

ص: 168

مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.

ــ

والسَّلامِ: «النَّذْرُ لا يَأتِي بخَيرٍ» (1). قال ابنُ حامِدٍ: لا يَرُدُّ قَضَاءً ولا يَمْلِكُ به شيئًا مُحْدَثًا (2). وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». قال النَّاظِمُ: وليسَ بسُنَّةٍ ولا مُحَرَّم. وتوَقَّفَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في تحْرِيمِه. ونقَل عَبْدُ اللهِ، نَهَى عنه (3)، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ. وقال ابنُ حامِدٍ: المذهبُ أنَّه مُباح. وحرَّمه طائفَة مِن أهْلِ الحديثِ.

قوله: ولا يَصِحُّ إلَّا مِن مُكَلَّفٍ؛ مُسْلِمًا كانَ أو كافِرًا. يصِحُّ النَّذْرُ مِن المُسْلِمِ مُطْلَقًا، بلا نِزاعٍ. ويصِحُّ مِن الكافرِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِن المذهب. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» (3)، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الهادِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي

(1) تقدم في الصفحة السابقة.

(2)

في الأصل: «محدوثًا» .

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 169

وَلَا يَصِحُّ إلا بِالْقَوْلِ، فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيرِ قَوْلٍ، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

الصَّغِيرِ»، وغيرِهم. ونصَّ عليه في العِبادَةِ. وقال في «الفُروعِ»: ولا يصِحُّ إلَّا مِن مُكَلَّفٍ -ولو كان (1) كافِرًا- بعِبادَةٍ، نصَّ عليه، وقيل: منه بغيرِها. مَأخَذُه؛ أنَّ نَذْرَه (2) لها كالعِبادَةِ لا اليمينِ. قال في «الرِّعايتَين» : ويصِحُّ مِن كلِّ كافِرٍ. وقيل: بغيرِ (3) عِبادَةٍ. فعلى (4) القَوْلِ: يصِحُّ منه بعِبادَةٍ. قال في «القَواعِد الأُصُولِيَّةِ» : يَحْسُنُ بِناؤُه على أنَّهم مُخاطَبُون بفروعِ الإسْلامِ، وعلى القَوْلِ الآخرِ، إنَّ نَذْرَه للعِبادَةِ عِبادَةٌ، وليسَ مِن أهْلِ العِبادَةِ.

تنبيه: قولُه: ولا يَصِحُّ إلَّا بالقَوْلِ، فإنْ نَواهُ مِن غَيرِ قَولٍ، لم يَصِحَّ. بلا نِزاعٍ. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُه لا تُعْتَبَرُ صِيغَةٌ خاصَّةٌ. يؤيِّدُه ما يأتِي في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ في مَن قال: أنا أُهْدِي جارِيتي أو دارِي. فكفَّارَةُ يمين إنْ أرادَ اليَمِينَ. قال: وظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ أو الأكثرِ، يُعْتَبَرُ قوْلُه: للهِ عليَّ كذا. أو: عليَّ كذا. ويأتِي كلامُ ابنِ عَقِيل، إلَّا مع دَلالةِ حالٍ. وقال في «المُذْهَبِ»: بشَرْطِ إضافَتِه، فيقولُ: للهِ عليَّ. وقد قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» وغيره: وهو قولٌ يَلْتَزِمُ به المُكَلَّفُ المُخْتارُ للهِ حقًّا بـ: عليَّ لله. أو: نَذَرْتُ للهِ.

(1) سقط من: ط، ا.

(2)

في الأصل: «دره» .

(3)

سقط من: الأصل.

(4)

بعده في ا: «هذا» .

ص: 170

وَلَا يَصِحُّ في مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَال: لِلّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ. أو: صَوْمُ رَمَضَانَ. لَمْ يَنْعَقِدْ.

ــ

قوله: ولا يَصِحُّ في مُحالٍ ولا واجِبٍ، فلو قال: للهِ عليَّ صَوْمُ أمْسِ، أو صَوْمُ رَمَضانَ. لم يَنْعَقِدْ. لا يصِحُّ النَّذْرُ في مُحالٍ ولا واجِبٍ. على الصَّحيحِ مِن

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ. وعليه الأصحابُ. قاله المُصِّنفُ وغيرُه. وحَكَى في «المُغْنِي» احْتِمالًا، وجعَلَه في «الكافِي» قِياسَ المذهبِ؛ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ في الواجِبِ، وتجِبُ الكفّارَةُ إنْ لم يفْعَلْه. وقال في «المُغْنِي» (1) في مَوْضِعٍ: قِياسُ قولِ الخِرَقِيِّ الانْعِقادُ، وقولِ القاضي عدَمُه. انتهى. وذكَر قى «الكافِي» احْتِمالًا بوُجوبِ الكفّارَةِ في نَذْرِ المُحالِ، كيَمِينِ الغَمُوسِ. ويأْتِي، إذا نذَر صَوْمَ (2) نِصْفِ يومٍ.

(1) انظر المغني 13/ 645.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 172

وَالنَّذْرُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أقْسَامٍ؛ أحَدُهَا، النَّذْرُ الْمُطْلَقُ؛ وَهُوَ أنْ يَقُولَ: لِلهِ عَلَيَّ نَذْرٌ. فَتَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

ــ

قوله: والنَّذْرُ المُنْعَقِدُ على خَمْسَةِ أقْسامٍ؛ أحَدُها، النَّذرُ المُطْلَقُ؛ وهو أنْ يَقُولَ: للهِ عليَّ نَذْرٌ. فتَجِبُ -فيه- كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وكذا قولُه: للهِ عليَّ نَذْرٌ إنْ فَعلْتُ كذا. ولا نِيَّةَ له.

ص: 173

الثَّانِي، نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ مَا يَقْصِدُ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ شَيْءٍ، أو الْحَمْلَ عَلَيهِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَلِلّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ. أوْ: صَوْمُ سَنَةٍ. أوْ: عِتْقُ عَبْدِي. أو: الصَّدَقَةُ بِمَالِي. فَهَذَا يَمِين، يُخَيَّرُ بَينَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ.

ــ

قوله: الثَّانِي، نَذْرُ اللَّجاجِ والغَضَبِ، وهو ما يَقْصِدُ به المَنْعَ مِن شَيْءٍ -غَيرَه- أو الحَمْلَ عليه، كقَوْلِه: إنْ كَلَّمْتُكَ، فلِلَّهِ عليَّ الحَجُّ. أو: صَوْمُ سَنَةٍ.

أو: عِتْقُ عَبْدِي. أو: الصَّدَقَةُ بمالِي. فهذا يَمِين يَتَخَيَّرُ بَينَ فعْلِه والتَّكْفِيرِ. يعْنِي، إذا وُجِدَ الشَّرْطُ. وهذا المذهبُ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ بلا رَيبٍ. نقَل صالِحٌ، إذا فعَل المَحْلُوفَ عليه، فلا كفَّارَةَ، بلا خِلافٍ. وجزَم به في «الوَجزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» . وعنه، يتَعَيَّنُ كفَّارَةُ يمينٍ. وقال في «الواضِحِ»: إذا وُجِدَ الشَّرْطُ، لَزِمَه. وظاهرُ «الفُروعِ» إطْلاقُ الخِلافِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لا يضُرُّ قولُه: على مذهبِ مَن يُلْزِمُ بذلك. أو: لا أُقلِّدُ

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَن يَرَى الكفَّارَةَ. ونحوُه. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله؛ لأنَّ الشَّرْعَ لا يتَغَيَّرُ بتَوْكيدٍ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ فيه، كأنْتِ طالِقٌ بَتَّةً. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله:[وإنْ قصَد](1) لُزومَ الجزاءِ عندَ حُصولِ (2) الشَّرْطِ، لَزِمَه مُطْلَقًا عندَ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. نقَل الجماعَةُ في مَن حَلَفَ بحَجَّةٍ أو بالمَشْي إلى بَيتِ اللهِ، إنْ أرادَ يمينًا كفَرَ يمِينَه، وإنْ أرادَ نَذْرًا فعلى حدِيثِ عُقْبَةَ (3). ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، في (4) مَن قال: انا أُهْدِي جارِيتي أو دَارِي. فكَفارَةُ يمين إنْ أرادَ اليمينَ. وقال في امْرَأةٍ حَلَفَتْ، إنْ لَبِسْتُ قَمِيصِي هذا فهو مُهْدًى: تُكَفِّرُ بإطْعامِ عَشَرَةِ مَساكِينَ؛ لكُلِّ مِسْكِين مُدٌّ. ونقَل مُهَنَّا، إنْ قال: غَنَمِي صدَقَة. وله غَنَمٌ شَرِكَةٌ؛ إنْ نَوَى يمينًا، فكفَّارَةُ يمينٍ.

الثَّانيةُ، لو علَّق الصَّدقَةَ به ببَيعِه، والمُشْتَرى علَّق الصَّدقَةَ به بشِرائِه فاشْتَراه، كفَّرَ كلٌّ فهما كفَّارَةً، نصَّ عليه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: إذا حَلَفَ بمُباحٍ أو معْصِيَةٍ، لا شيْءَ عليه كنَذْرِهما، فإنَّ ما لم يَلْزَمْ بنَذْرِه، لا يَلْزَمُ به شيءٌ (5) إذا حَلَفَ به، فمَنْ يقولُ: لا يَلْزَمُ النَّاذِرَ شيءٌ. لا يَلْزَمُ الحالِفَ بالأوْلَى، فإن إيجابَ النَّذْرِ أقْوَى مِن إيجابِ اليمينِ.

(1) في الأصل: «ولأن الشرع» .

(2)

سقط من: الأصل، ط.

(3)

تقدم تخريجه في صفحة 171.

(4)

سقط من: الأصل، ا.

(5)

سقط من: الأصل.

ص: 175

الثَّالِثُ، نَذْرُ الْمُبَاحِ، كَقَوْلِهِ: للهِ عَلَيَّ أنْ ألْبَسَ ثَوْبِي. أوْ: أرْكَبَ دَابَّتِي. فَهَذَا كَالْيَمِينِ، يَتَخَيَّرُ بَينَ فِعْلِهِ وَبَينَ كَفَّارَةِ يمِينٍ.

ــ

قوله: الثَّالِثُ، نَذْرُ الْمُبَاحِ، كقَوْلِه: للهِ عليَّ أنْ أَلبَسَ ثَوْبِي. أوْ: أرْكَبَ دابَّتي. فهذا كاليَمِينِ، يَتَخَيَّرُ بينَ فِعْلِه وبينَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: عليه الأصحابُ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ،

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الهادِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا ينْعَقِدَ نَذْرُ المُباحِ ولا (1) المَعْصِيَةِ، على ما يأْتِي، ولا تجِبُ به كفَّارَة. وهو رِوايةٌ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُخَرَّجَةٌ. وجزَم به في «العُمْدَةِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، في نَذْرِ المُباحِ.

ص: 178

فَإِنْ نَذَرَ مَكرُوهًا، كَالطَّلاقِ، اسْتُحِبَّ أنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَهُ. الرَّابعُ، نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَصَوْمِ يَوْمِ الْحَيضِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيُكَفِّرُ،

ــ

تنبيه: أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، بقوْلِه: فإنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا كالطَّلاقِ، اسْتُحِبَّ له أنْ يُكفِّرَ ولا يَفْعَلَه. أنَّه (1) إذا لم يَفْعَلْه، عليه الكفَّارَةُ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» وغيرِهم. وعنه: لا كفَّارَةَ عليه. وهو داخِلٌ في احْتِمالِ المُصَنِّفِ؛ لأنَّه إذا لم ينْعَقِدْ نَذْرُ المُباحِ، فنَذْرُ المَكْرُوهِ أوْلَى. والمذهبُ انْعِقادُه، وعليه الأصحابُ. وتقدَّم في كتابِ الطَّلاقِ، أنَّه ينْقَسِمُ إلى خَمْسَةِ أقْسامٍ.

قوله: الرَّابعُ، نَذْرُ المَعْصِيَةِ، كشُرْبِ الخَمْرِ، وصَوْمِ يَوْمِ الحَيضِ، ويَوْمِ النَّحْرِ، فلا يَجُوزُ الوَفاءُ به -بلا نِزاعٍ- ويُكَفِّرُ. إذا نذَرَ شُرْبَ الخَمْرِ،

(1) سقط من: ط.

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو صَوْمَ يومِ الحَيضِ، فالصَّحِيحُ مِن المذهبِ أنَّه ينْعَقِدُ. نصَّ عليه. ويُكَفِّرُ. قال في «الفُروعِ» ، و «المُذْهَبِ»: يُكَفِّرُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «الرِّعايتَين». قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ (1) المَعْروفُ عندَ الأصحابِ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.

ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَنْعَقِدَ نَذْرُ المُباحِ ولا المَعْصِيَةِ، ولا تَجِبَ به كَفَّارَةٌ. كما تقدَّم: وهو روايةٌ مخَرَّجَةٌ. قال الزَّرْكَشِيُّ: في نَذْرِ المَعْصِيَةِ رِوايَتان؛ إحْداهما، هو لاغٍ لا شيءَ فيه. قال الإمامُ أحمدُ، رَحِمَه اللهُ تعالى، في مَن نذَر ليَهْدِمَنَّ دارَ غيرِه لَبنَةً لَبِنَةً: لا كفَّارَةَ عليه. وجزَم به في «العُمْدَةِ» . ولهذا قال أصحَابُنا: لو نذَر الصَّلاةَ أو الاعْتِكافَ في مَكانٍ مُعَيَّن، فله فِعْلُه في غيرِه ولا كَفَّارَةَ عليه. وتقدَّم كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، رحمه الله، إذا حلَف بمُباحٍ أو معْصِيَةٍ. وذكَر الأدَمِيُّ البَغْدادِيُّ، أنَّ نذْرَ شُرْبِ الخَمْرِ لَغْوٌ، ونذْرَ ذَبْحِ وَلَدِه يُكَفَّرُ. وقدَّم ابنُ رَزِينٍ أنَّ نَذْرَ المَعْصِيَةِ لَغْوٌ. وفي نَذْرِ صومِ يومِ الحَيضِ وَجْهٌ، أَنه كنَذْرِ صومِ يومِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العيدِ، على ما يأْتِي. وجزَم به في «التَّرْغيبِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. فعلى المذهبِ، إنْ فعَل ما نذَرَه، أَثِمَ ولا شيءَ علية. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. ويَحْتَمِلُ وُجوبَ الكفَّارَةِ مُطْلَقًا. وهو للمُصَنِّفِ. وأمَّا إذا نذَرَ صَوْمَ يومِ النَّحْرِ، فالصَّحِيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يصِحُّ صَوْمُه ويقْضِيه. نصَرَه القاضي وأصحابُه. قاله في «الفُروعِ» ، وقدَّمه هو وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» . وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وعنه، لا يقْضِي. نَقَلَها حَنْبَلٌ. قال في «الشَّرْحِ»: وهي الصَّحِيحَةُ. قاله القاضي، وصحَّحه النَّاظِمُ. وعلى كِلا الرِّوايتَين، يُكَفِّرُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، كما قال المُصَنِّفُ هنا. قال في «الفُروعِ»: والمذهبُ يُكَفِّرُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا يُكَفِّرُ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» . وعنه، لا ينْعَقِدُ نَذْرُه، فلا قَضاءَ ولا كفَّارَةَ. وعنه، يصِحُّ صوْمُه ويأْثَمُ. وقال ابنُ شِهَابٍ: ينْعَقِدُ نَذْرُ (1) صَومِ يومِ العيدِ ولا يصُومُه ويقْضِي. فتَصِحُّ منه القُرْبَةُ ويَلْغُو تعْيِينُه؛ لكَوْنِه معْصِيَةً، كنَذْرِ مريضٍ صَوْمَ يومٍ يُخافُ عليه فيه، يَنْعَقِدُ نذْرُه ويَحْرُمُ صوْمُه، وكذا الصَّلاةُ في ثَوْبٍ حريرٍ. والطَّلاقُ زَمَنَ الحَيضِ صِادَفَ التَّحْرِيمَ، ينْعَقِدُ على قوْلِهم ورِوايةٍ لنا (2)، كذا هنا. ونَذْرُ صومِ لَيلَةٍ لا ينْعَقِدُ ولا كفَّارَةَ؛ لأنَّه ليس بزَمَنِ صَوْمٍ. وعلى قِياسِ ذلك، إذا نذَرَتْ صَوْمَ يومِ (3) الحَيضِ، وصَوْمَ يومِ يَقْدَمُ فُلانٌ وقد أكَل. انتهى. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: والظَّاهِرُ أنَّه،

(1) في الأصل، ا:«بنذر» .

(2)

في الأصل: «كذا» .

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 181

إلا أنْ يَنْذِرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، أنَّهُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ.

ــ

والصَّلاةً زَمَنَ الحَيضِ. [قال في «الفُروعِ»: ونَذْرُ صَوْمِ اللَّيلِ مُنْعَقِدٌ في «النَّوادِرِ»، وفي «عُيونِ المَسائلِ»، و «الانْتِصارِ»، لا؛ لأنَّه ليسَ بزَمَنِ الصَّوْمِ. وفي «الخِلافِ»، و «مُفْرَداتِ ابنِ عَقِيلٍ»، مَنْعٌ وتَسْلِيمٌ](1).

فائدة: نَذْرُ صوْمِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ كنَذْرِ صومِ يومِ العيدِ إذا لم يَجُزْ صوْمُها عن الفَرْضِ، وإنْ أجَزْنا صوْمَها عن الفَرْضِ، فهو كنَذْرِ سائرِ الأيَّامِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال في «المُحَرَّرِ»: ويتَخَرَّجُ أنْ يكونَ كنَذْرِ العيدِ أيضًا.

قوله: إلَّا أنْ يَنْذِرَ ذَبْحَ وَلَدِه -وكذا نَذْرُ ذَبْحِ نفْسِه- ففيه رِوايَتان -

(1) سقط من: الأصل.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الخِرَقِيِّ» - إحْداهما، هو كذلك. يعْنِي، أنَّ عليه الكفَّارَةَ لا غيرَ. وهو المذهبُ. قال الشَّارِحُ: هذا قِياسُ المذهبِ. ونصَرَه، ومال إليه المُصَنِّفُ. قال أبو الخَطَّابِ في «خِلافِه»: وهو الأقْوَى. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ،

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم. وصححه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» .

والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَلْزَمُه ذَبْحُ كَبْشٍ. نصَّ عليه (1). قال الزَّرْكَشِيُّ: هي

(1) سقط من: الأصل.

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَصُّهما (1). وجزَم به في «الوَجيزِ» ، واخْتارَه القاضي. ونصَرَها (2) الشَّرِيفُ،

(1) في ط: «أنصها» .

(2)

في الأصل، ط:«نصبها» .

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» . وعنه، إنْ قال: إنْ فَعَلْتُه فعليَّ كذا. أو نحوَه، وقصَد اليمِينَ فيَمِينٌ، وإلَّا فنَذْرُ معْصِيَةٍ، فيَذْبَحُ في مسْأَلةِ الذَّبْحِ كَبْشًا. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: عليه أكثرُ نُصوصِه. قال: وهو مَبْنِيٌّ على الفَرْقِ بينَ النَّذْرِ واليَمِينِ. قال: ولو نذَر طاعَةً حالِفًا بها، أجْزَأ كفَّارَةُ يمينٍ، بلا خِلافٍ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، فكيفَ لا يُجْزِئُه إذا نذَرَ معْصِيَةً حالِفًا بها؟! قال في «الفُروعِ»: فعلى هذا، على رِوايةِ حَنْبَلٍ الآتيةِ، يَلْزَمان النَّاذِرَ، والحالِفُ يُجْزِئُه كفَّارَةُ يمينٍ.

تنبيه: قال المُصَنِّفُ، والخِرَقِيُّ، وجماعَةٌ: ذبَح كَبْشًا. وقال جماعَةٌ: ذبَح (1) شاةً. والإمامُ أحمدُ، رحمه الله، تارَةً قال هذا وتارَةً قال هذا.

فائدتان؛ إحْداهما، مِثْلُ ذلك لو نذَرَ ذَبْحَ أبِيه وكُلِّ مَعْصُومٍ (2). ذكَرَه القاضي وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ». قال الشَّارِحُ: فإنْ نذَرَ ذبْحَ نفْسِه أو

(1) سقط من: ط.

(2)

في ط: «معلوم» .

ص: 186

وَيَحْتَمِلُ أنْ لَا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ، وَلِهَذَا قَال أصْحَابُنَا: لَوْ نذَرَ الصَّلَاةَ أوْ الاعْتِكَافَ في مَكَانٍ

ــ

أجْنَبِيّ، ففيه أيضًا عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، رِوايَتان. واقْتَصَرَ ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه على الوَلَدِ. واخْتارَه في «الانْتِصارِ» ، وقال: ما لم نَقِسْ. وقال في «عُيونِ المَسائل» : وعلى قِياسِه العَمُّ والأخُ في ظاهِرِ المذهبِ؛ لأنَّ بينَهم ولاية.

الثَّانيةُ، لو كان له أكثرُ مِن وَلَدٍ ولم يُعَيِّنْ واحِدًا منهم، لَزِمَه بعدَدِهم كفَّاراتٌ أو كِباشٍ. ذكره المُصَنِّفُ ومَن تَبِعَه، وعَزَاه إلى نَصِّ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وهو مُخالِفٌ لِمَا اخْتارَه في الطَّلاقِ والعِتْقِ، على ما تقدَّم.

تنبيه: على القَوْلِ بلُزومِ ذَبْحِ كَبْشٍ، قيل: يذْبَحُه مَكانَ نَذْرِه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : وعنه، بل يذْبَحُ كَبْشًا حيثُ هو، ويُفَرِّقُه على المَساكِينِ. فقطَعَ بذلك. وقيل: هو كالهَدْي. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ونقَل حَنْبَلٌ، يَلْزَمانِه.

ص: 187

مُعَيَّنٍ، فَلَهُ فِعْلُهُ في غَيرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 188

وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيهِ.

ــ

قوله: ولو نَذَرَ الصَّدَقَةَ بكلِّ مالِه، فله الصَّدَقَةُ بثُلُثِه ولا كفَّارَةَ. قال في «الفُروعِ»: وإنْ نذَرَ مَن تُسْتَحَبُّ له الصَّدَقَةُ الصَّدَقَةَ بمالِه بقَصْدِ القُرْبَةِ -نصَّ عليه [أجْزَأه ثلُثُه، وعنه، كلُّه](1). وقولُه: مَن تُسْتَحَبُّ له الصَّدَقَةُ. يَحْتَرِزُ به (2) عن نَذْر اللَّجَاجِ والغَضَبِ. قال في «الرَّوْضَةِ» : ليسَ لنا في نَذْرِ الطَّاعَةِ ما يَفِي ببَعْضِه إلَّا هذا الموْضِعُ. قلتُ: فيُعايىَ بها. إذا عَلِمْتَ ذلك، فالصَّحِيحُ مِن المذهبِ، إجْزاءُ الصَّدقَةِ بثُلُثِ مالِه ولا كفَّارَةَ عليه. نصَّ عليه. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» وغيرِهم. وصحَّحه في

(1) زيادة من الفروع. انظر الفروع 6/ 398.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ» ، وغيرِهما. قال في «القَواعِدِ»: يتَصدَّقُ بثُلُثِ مالِه عندَ الأصحابِ، ويُعايَى بها أيضًا. وعنه، تَلْزَمُه الصَّدقَةُ بمالِه كلِّه. وقال الزَّرْكَشِي: ويُحْكَى رِوايةً عن الإمام أحمدَ، رحمه الله، أنَّ الواجِبَ في ذلك كفَّارَةُ يمين. وعنه: يشْمَلُ النقْدَ (1) فقطْ: وقال في «الرِّعايتين» ، و «الحاوي»: وهل يخْتَصُّ ذلك

(1) في الأصل: «العقد» .

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالصَّامِتِ أو يَعُمُّ غيرَه بلا نِيَّةٍ؟ على رِوايتَين. قال الزَّرْكَشِيُّ: ظاهرُ كلامِ الأكثرِ، أنَّه يعُمُّ كلَّ مالٍ إنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ. قال في «الفُروعِ»: ويتوَجَّهُ على اخْتِيارِ شيخِنا كلُّ أحَدٍ بحسَبِ عزْمِه. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله. فنقَل الأثْرَمُ في مَن نذَرَ ماله في المَساكِينِ، أيكُونُ الثُّلُثُ مِن الصَّامِتِ أو مِن جميع ما يَمْلِكُ؟ قال: إنَّما يكونُ هذا علَى قَدْرِ ما نَوَى، أو على قَدْرِ مَخرَجِ يَمِينِه،

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأمْوالُ تَخْتَلِفُ عندَ النَّاسِ. ونقَل عَبْدُ اللهِ، إنْ نذَرَ الصَّدقَةَ بمالِه أو ببَعْضِه وعليه دَين أكثرُ ممَّا يمْلِكُه، أجْزَأه الثُّلُثُ؛ لأنَّه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أمرَ أبا لُبابَةَ بالثُّلُثِ. فإنْ نفَدَ هذا المالُ وأنْشَأ غيرَه، وقضَى دَينَه، فإنَّما يجِبُ إخْراجُ ثُلُثِ مالِه يَوْمَ حِنْثِه. قال في «الهَدْي»: يريدُ بيَوْمِ حِنْثِه يَوْمَ نذْرِه، وهذا صحيحٌ. قال: فيَنْظُرُ قَدْرَ الثُّلُثِ ذلك اليومَ، فيُخْرِجُه بعدَ قَضاءِ دَينِه. قال في «الفُروع»: كذا قال، وإنَّما نصُّه، أنّه يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يومَ نَذْرِه ولا يسْقُطُ عنه قَدْرُ دَينِه. وهذا -على أصْلِ الأمامِ أحمدَ، رحمه الله صحيحٌ

ص: 192

وإنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلفٍ، لَزِمَهُ جَمِيعُهُ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ.

ــ

في صِحةِ تصَرُّفِ المَدِينِ، وعلى قولٍ سبَقَ، أنَّه لا يصِحُّ بكَوْنِ قَدْرِ الدَّينِ مُسْتَثْنًى بالشَّرْعِ مِن النَّذْرِ. انتهى.

قوله: وإنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بألفٍ، لَزِمَه جَمِيعُه. هذا المذهبُ. قال الشَّارِحُ، والمُصَنِّف: هذا الصَّحِيحُ مِن المذهبِ. وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «النظْمِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصةِ» . وعنه، يُجْزِئُه ثُلُثُه. قطَع به القاضي في «الجامِعِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» .

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» . وعنه، إنْ زادَ المَنْذُورُ على ثُلُثِ المالِ، أجْزَأه قَدْرُ الثُّلُثِ، وإلا لَزِمَه كل المُسَمَّى. قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: وهو الأصحُّ. وصحَّحه ابنُ رَزِين في «شَرْحِهْ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّر» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

فوائد؛ الأُولَى، لو نذَرَ الصَّدَقَةَ بقَدْرٍ مِن المالِ، فأَبْرَأَ غَرِيمَه مِن قَدْرِه يقْصِدُ به وَفاءَ النَّذْرِ، لم يُجْزِئْه وإنْ كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ. قال الإمامُ أحمدُ، رَحِمَه اللهُ تعالى: لا يُجْزِئُه حتى يقْبِضَه.

ص: 194

فَصْلٌ: الْخَامِسُ، نَذْرُ التَّبَرُّرِ، كَنَذْرِ الصَّلَاةِ، والصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوهَا مِنَ الْقُرَبِ، عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ، سَواءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا، أوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ، فَقَال: إِنْ شَفَى الله مَرِيضِي، أوْ: سَلَّمَ الله تَعَالى مَالِي، فَلِلّهِ عَلَيَّ كَذَا. فَمَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ، ولَزِمَهُ فِعْلُهُ.

ــ

الثَّانيةُ، قولُه: الخَامِسُ، نَذْرُ التَّبَرُّرِ؛ كنَذْرِ الصَّلاةِ، والصِّيامِ، والصَّدَقَةِ، والاعْتِكافِ، والحَجِّ، والعُمْرَةِ، ونحْوها مِن القُرَبِ على وجْهِ التَّقَرُّبِ؛ سَواءٌ نَذَرَه مُطْلَقًا أو مُعَلَّقا بشَرْطٍ يَرْجُوه، فقال: إنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي، أو: إنْ سَلَّمَ اللهُ مالِي، فلِلهِ علي كذا. قال في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم مِن الأصحابِ: بشَرْطِ تجَدُّدِ نِعْمَةٍ، أو دَفْعِ نِقْمَةٍ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه: كطُلوعِ الشَّمْس.

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّالثةُ، لو نذَرَ صِيامَ نِصْفِ يوم، لَزِمَه يَوْمٌ كامِلٌ. ذكَرَه المَجْدُ في «المُسَوَّدَةِ» قِياسَ المذهبِ. قال في «القَواعِدِ الأصُوليَّةِ»: وفيه نَظر. [وجزَم بالأوَّلِ في «الفُروع»، وقال: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ](1).

الرَّابعةُ، مثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو حَلَفَ بقَصْدِ التَّقَرُّبِ، مثْلَ ما لو قال: واللهِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَئِنْ سَلِمَ مالِي لأتصَدَّقَنَّ بكذا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. نصَّ عليه. قال في «الفُروع» ، بعدَ تعَدُّدِ نَذْرِ التَّبرُّرِ: والمَنْصُوصُ، أو حَلَفَ بقَصْدِ التبَّرُّرِ. وقيل: ليسَ هذا بنَذْرٍ.

الخامسةُ، ما قاله المُصَنِّفُ: متى وُجِدَ شَرْطُه، انْعَقَدَ نَذْرُه ولَزِمَه فِعْلُه. بلا نِزاعٍ. ويجوزُ فِعْلُه قبلَه -ذكَرَه في «التبصِرَةِ» ، و «الفُنونِ» - لوُجودِ أحَدِ سَبَبَيه، والنذْرُ كاليمينِ. واقْتَصَرَ عليه في «القَواعِدِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» .

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنَعه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّ تعْلِيقَه منَع كوْنَه سبَبًا. وقال القاضي في «الخِلافِ» : لأَنَّه لم يَلْزَمْه فلا يُجْزِئُه عنِ الواجبِ. ذكَرَاه (1) في جَوازِ صَوْمِ المُتَمَتِّعِ السَّبْعَةَ قبلَ رُجوعِه إلى أهْلِه. وقال القاضي في «الخِلافِ» أيضًا، في مَن نذَرَ صَوْمَ يَوْمِ (2) يَقْدَمُ فُلانٌ: لم يجِبْ؛ لأنَّ سبَبَ الوُجوبِ القُدومُ، وما وُجِدَ. وتقدَّم في أواخِرِ كتابِ الأيمانِ، وُجوبُ كفَّارَةِ اليمينِ والنَّذْرِ على الفَوْرِ.

السَّادِسَةُ، لو نذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّن فماتَ قبلَ عِتْقِه، لم يَلْزَمْه عِتْقُ غيرِه، ولَزِمَه كفَّارَةُ يمين، نصَّ عليه؛ لعَجْزِه عن المَنْذُورِ. وإنْ قتَله (3) السَّيِّدُ، فهل يَلْزَمُه ضَمانُه؛ على وَجْهَين؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه. قاله القاضي، وأبو الخَطَّابِ.

(1) في الأصل: «ذكره» .

(2)

سقط من. الأصل.

(3)

في الأصل: «قبله» .

ص: 198

وَإنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، لَمْ يَدْخُلْ في نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدَينِ. وَفِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ. وعنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه يَقْضِي يَوْمَيِ الْعِيدَينِ وَأيَّامَ التَّشْرِيقِ.

ــ

والثَّاني، يَلْزَمُه. قاله ابنُ عَقِيل. فيَجِبُ صَرْفُ قِيمَتِه في الرِّقابِ. ولو أتْلَفَه أجْنَبِي، فقال أبو الخَطَّابِ: لسَيِّدِه القِيمَةُ، ولا يَلْزَمُه صَرْفُها في العِتْقِ. وخرَّج بعضُ الأصحابِ وَجْهًا بوُجوبِه، وهو قِياسُ قولِ ابنِ عَقِيل؛ لأنَّ البَدَلَ قائمْ مَقامَ المُبْدَلِ، ولهذا لو وَصَّى له (1) بعبْدٍ، [فقُتِلَ قبلَ قَبُولِه](2)، كان له قِيمَتُه. قال ذلك في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثينَ بعدَ المِائةِ» .

قوله: وإنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، لم يَدْخلْ في نَذْرِه رَمَضانُ ويَوْما العِيدَينِ. وفي أيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوايَتَان. واطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . إذا نذَرَ صَوْمَ سنَةٍ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يُطْلِقَ السَّنَةَ أو يُعَيِّنها، فإن عيَّنَها، لم يدْخُلْ في نَذْرِه رَمَضانُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وصحَّحه في

(1) سقط من ت الأصل.

(2)

في القواعد الفقهية: «فقبل قوله» . انظر القواعد صفحة 335.

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وعنه، يدْخُلُ في نَذْرِه فيَقْضِي ويُكَفِّرُ أيضًا، على الصَّحيحِ. وفيه وَجْه، أنَّه لا يُكَفِّرُ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» . ولا يدْخُلُ في نَذْرِه أيضًا يَوْما (1) العِيدَين، على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه ما يدُلُّ على أنَّه يقضِي يَوْمَيِ العِيدَين، فيَدْخُلان في نَذْرِه. وأطْلَقهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» . والحُكْمُ في القَضاءِ والكفَّارَةِ كرَمَضانَ، على ما تقدَّم. ولا يدْخُلُ في نَذْرِه أيضًا أيَّامُ التَّشْرِيقِ -على الصَّحيحِ مِن المذهبِ- إذا قُلْنا: لا يُجْزِئُ عن صَوْمِ الفَرْضِ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَررِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يَدْخُلْنَ (2) في نذْرهِ. قال المُصَنفُ هنا: وعنه، ما يدُلُّ على أنَّه يقْضِي يوْمَيِ العِيدَينِ وأيَّامَ التَّشْرِيقِ. [قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: وعنه، يتَناوَلُ النَّذْرُ أيَّامَ] (3)

(1) في الأصل: «يوم» .

(2)

في الأصل: «يدخل» .

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[النَّهْي دُونَ أيَّامِ رَمَضَانَ](1). وأطْلَقهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، القَضاءُ لا بدَّ منه، ويَلْزَمُه التَّكْفِيرُ على الصَّحيحِ، كما تقدَّم. وفيه وَجْه آخَرُ، أنَّه لا يَلْزَمُه التَّكْفِيرُ. وأمَّا إذا نذَرَ صَوْمَ سنَةٍ وأطْلَقَ، ففي لُزومِ التَّتابُعِ فيها، ما في نَذْرِ صَوْمِ شَهْر مُطْلَقٍ، على ما يأتي. إذا عَلِمْتَ ذلك، فيَلْزَمُه صِيامُ اثْنَيْ عشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضانَ وأيَّامِ النَّهْي، وإنْ شرَطَ التَّتابُعَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال في «التَّرْغيبِ»: يصُومُ مع التَّفَرق ثَلاثمِائَةٍ وسِتِّين يَوْمًا. ذكَرَه القاضي. وعندَ ابنِ عَقِيل، أن صِيامَها مُتَتابِعَة، وهي على ما بها مِن نُقْصانٍ أو تَمام. وقال في «التَّبصِرَةِ»: لا يَعُمُّ العِيدَ ورَمَضانَ، وفي التَّشْرِيقِ رِوايَتان. وعنه، يقْضِي العِيدَ والتَّشْرِيقَ إنْ أفَطَرَها. وقال في «الكافِي»: إنْ لَزِمَ التَّتابُعُ فكمُعَيَّنةٍ. قال في «المُحَرَّرِ» : وقال صاحِبُ «المُغْنِي» : متى شرَطَ التَّتابُعَ، فهو كنَذْرِه المُعَينَّةً.

فائدتان؛ إحْداهما، لو نَذَر صَوْمَ سنَةٍ مِن الآنَ أو مِن وَقْتِ كذا، فهي كالمُعَينَّةِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقيل: كمُطْلَقَةٍ في لُزومِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا للنَّذْرِ. واخْتارَه في «المُحَرَّرِ» .

الثَّانيةُ، لو نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ، لَزِمَه صَوْمُه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ لُزومُه إنِ اسْتَحَبَّ (2) صَوْمَه. وعندَ الشَّيخِ تَقِيِّ

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل، ا:«استصحب» .

ص: 201

وَإذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْم الْخَمِيس، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أوْ حَيض، أفْطَرَ، وَقَضَى وَكَفَّرَ.

ــ

الدِّينِ، رحمه الله، مَن نَذَرَ صَوْمَ الدَّهرِ، كان له صِيامُ يَوْم وإفْطارُ يَوْم. انتهى. وحُكْمُه كما في دُخولِ رَمَضانَ والعِيدَين والتَّشْرِيقِ حُكْمُ (1) السَّنَةِ المُعَيَّنَةِ، على ما تقدَّم. فعلى المذهبِ، إنْ أفْطَرَ كَفَّرَ فقطْ؛ فإن كفَّر -لتَرْكِه صِيامَ يوم أو أكثرَ- بصِيام، فاحْتِمالان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» (2)، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: فعلى الصِّحَّةِ، يُعايىَ بها. وقال في «الرِّعايةِ»: وهل يدْخُلُ تحتَ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ مِن قادِرٍ، ومَن قضَى ما يجبُ فِطْرُه، كيَوْمِ عيدٍ ونحوه، وقَضاءُ ما أفْطَرَه مِن رَمَضان لعُذْرٍ، وصَوْمُ كفَّارَةِ الظِّهارِ ونحوُ ذلك لعُذْر؟ على وَجْهَين. فإن دخَلَ، ففي الكفَّارَةِ -لكُلِّ يَوْم فَقِير- وَجْهان، أظْهَرُهما عدَمُها مع القَضاءِ؛ لأنَّ النَّذْرَ سقَطَ لقَضاءِ ما أوْجبَه الشَّارِعُ ابْتِداءً، ووُجوبُها مع صَوْمِ الظِّهارِ؛ لأنَّه سبَبُه. انتهى. وقال في «الفُروعِ» وغيرِه: ولا يدْخُلُ رَمَضانُ، وقيل: بل قَضاءُ فِطْرِه منه لعُذْرٍ، ويَوْمُ نَهْي، وصَوْمُ ظِهارٍ ونحوُه، ففي الكفارَةِ وَجْهان، أظْهَرُهما وُجوبُها مع صَوْمِ ظِهارٍ؛ لأنَّه سبَبُه. انتهى.

قوله: وإن نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الخَمِيسِ فوافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أو حَيض، أفْطَرَ، وقَضَى

(1) في الأصل: «وحكم» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 202

وَعَنْهُ، يُكَفِّرُ مِنْ غَيرِ قَضَاءٍ. وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ إِنْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ، صَحَّ صَوْمُهُ.

ــ

وكَفرَ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه (1). وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وصحّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه.

وعنه، يُكَفِّرُ مِن غيرِ قَضاء، ونُقِلَ عنه ما يدُل على إنَّه إنْ صامَ يومَ العِيدِ صحَّ صَوْمُهُ. وعنه، لا كفارَةَ عليه مع القَضاءِ. وقيل: عكْسُه. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ»: ومَن ابْتَدَأ بنَذْرِ صَوْمِ كل أثنَين أو خَمِيس، أو علقَه بشَرْط مُمْكِن فوُجِدَ، لَزِمَه، فإن صادَفَ مرَضًا أو حَيضًا غيرَ مُعْتاب، قَضَى. وقيل: وكفَّرَ، كما لو صادَفَ عِيدًا. وعنه، تكْفِي الكفارَةُ فيهما. وقيل: لا قَضاءَ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 203

وَإنْ وَافَقَ أيامَ التَّشْرِيقِ، فَهَلْ يَصُومُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَين.

ــ

ولا كفارَةَ مع حَيض وعِيدٍ. وقيل: إنْ صامَ العِيدَ، صحَّ. زادَ في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وقيلَ: يقْضِي العِيدَ. وفي الكفَّارَةِ رِوايَتان. انتهى. ذكَرَهما (1) في «الرعايةِ الكُبْرى» في بابِ صَوْمِ النذْرِ والتَّطَوُّعِ، وفي «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» في بابِ النذْرِ.

فائدة: لو نَذَرَ أن يصُومَ يومًا مُعَيَّنًا أبدًا ثم جَهِلَه، فأفْتَى بعْضُ العُلَماءِ بصِيامِ الأسْبُوعِ، كصَلاةٍ مِن خَمْس. وقال الشَّيخُ تَقِيِّ الدِّينِ، رحمه الله: بل يصُومُ يومًا مِن الأيامِ مُطْلَقًا أيَّ يَوْم كانَ. وهل عليه كفَّارَة لفَواتِ التعْيِينِ؟ يُخَرَّجُ على رِوايتَين بخِلافِ الصَّلَواتِ الخَمْس، فإنَّها لا تُجْزِئ إلَّا بتَعْيِينِ النِّيَّةِ على المَشْهورِ، والتعْيِينُ يسْقُط بالعُذْرِ.

قوله: وإنْ وافَقَ أيامَ التَّشْرِيقِ فهل يَصُومُه؟ عَلَى رِوايَتَين. وهما مَبْنِيَّتان على جَوازِ. صوْمِها فرْضًا وعدَمِه، على ما تقدَّم في بابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وقد تقدَّم المذهبُ منهما (2) هناك، فالمذهبُ هنا مِثْلُه.

(1) في الأصل: «ذكرها» .

(2)

في الأصل، ا:«فيهما» .

ص: 204

وإذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَان، فَقَدِمَ لَيلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ، وَإنْ قَدِمَ نَهَارًا، فَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إِتْمَامُ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أفْطَرَ. وَعَنْهُ، أنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَواء قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِر أَوْ صَائِمٌ. وإنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَال الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ. وَقَال غَيرُهُ: عَلَيهِ الْقَضَاءُ. وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ.

ــ

قوله: وإنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلان، نقَدِمَ ليلًا، فلا شيء عليه. بلا نِزاعٍ. لكِنْ قال في «مُنْتَخبِ وَلَدِ الشِّيرازِيِّ»: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يومِ صَبِيحَتِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» .

قوله: وإنْ قدِمَ نَهارًا، فعنه ما يَدُلُّ على إنَّه لا يَنْعَقِدُ نَذْرُه ولا يَلْزَمُه إلَّا إتْمامُ صِيامِ ذلك اليَوْمِ إنْ لم يَكُنْ أفْطَرَ، وعنه، أنَّه يَقْضِي ويُكَفِّرُ؛ سَواءٌ قدِمَ وهو

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُفْطِرٌ أو صائِمٌ. إذا نذَر صَوْم يومِ يَقْدَمُ فُلان، وقَدِمَ نَهارًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يقْدَمَ وهو صائمٌ أو يقْدَمَ وهو مُفْطِر، فإن قَدِمَ وهو مُفْطِر، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه يقْضِي ويُكَفِّرُ. قدمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الفُروعِ». وقال عن التَّكْفيرِ: اخْتارَه أكثرُ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لو قَدِمَ يَوْمَ فِطْر أو أضْحَى، فعنه، لا يصِحُّ ويقْضِي ويُكَفِّرُ، وهو قولُ أكثرِ أصحابِنا. وأطْلَقا فيما إذا كان مُفْطِرًا في غيرِهما الرِّوايتَين. وعنهِ، لا يَلْزَمُه مع القَضاءِ كفارَة. وأطْلَقَ في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» في وُجوبِ الكفارَةِ مع القَضاءِ الرِّوايتَين، وقدَّما وُجوبَ القَضاءِ. وعنه، لا يَلْزَمُ القَضاءُ أصلًا ولا كفارَةَ. قال في «الوَجيزِ»: فلا شيءَ عليه. وإنْ قَدِمَ وهو صائمٌ تَطَوُّعًا؛ فإن كانَ قد بَيَّتَ النِّيَّة للصَّوْمِ بخَبَر سَمِعَه، صحّ صَوْمُه وأجْزَأه، وإنْ نَوَى حينَ قَدِمَ، أجْزَأه أيضًا، على إحْدَى الرِّوايتَين. اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، لا يُجْزِئُه الصَّوْمُ والحالةُ هذه وعليه القَضاءُ. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . ومحَلُّ الرِّوايتَين، إذا قَدِمَ قبلَ الزَّوالِ أو بعدَه وقُلْنا

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بصِحَّتِه، على ما تقدَّم في كتابِ الصَّوْمِ. وإنْ قُلْنا: لم يصِحَّ بعدَ الزَّوالِ. وقَدِمَ (1) بعدَه، فلَغْوٌ. قال في «الرِّعايتَين»: مَبْنِيٌّ على الرِّوايتَين على أنَّ مُوجِبَ النَّذْرِ الصَّوْمُ مِن قُدومِه أو كلُّ اليَوْمِ. فعلى المذهبِ -وهو وُجوبُ القَضاءِ- تَلْزَمُه كفَّارَةٌ أيضًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ» : اخْتارَه أكثرُ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وصحَّحه [في «النَّظْمِ»](2). وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا تَلْزَمُه مع القَضاءِ كفَّارَة. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» . وعلى المذهبِ

(1) في الأصل: «قدومه» ، وفي ا:«قدمه» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 207

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أيضًا، لو نذَرَ صَوْمَ يوم (1) أكَل فيه، قضَى في أحَدِ الوَجْهَين. قاله في «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ في هذا أَنَّه لَغْوٌ، أشْبَهَ ما لو نذَرَ صَوْمَ أمْسِ. وقال في «الانْتِصارِ»: يقْضِي ويُكَفِّرُ. وفي «الانْتِصارِ» أيضًا، لا يصِحُّ كحَيضٍ، وأنَّ في إمْساكِه أوْجُهًا. الثَّالثُ، يَلْزَمُ في الثَّانيةِ.

قوله: وإنْ وافَقَ قُدُومُه يَوْمًا مِن رَمَضَانَ، فقال الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُه صِيامُه لرَمَضَانَ ونَذْرِه. وهو رِواية عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. نَقَلَها المَروذِيُّ. وجزَم به ابنُ عَقِيل في «تَذْكِرَتِه». قال في «الوَجيزِ»: وإنْ وافقَ قُدومُه في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَمَضانَ، لم يَقْضِ ولم يُكفِّرْ. قال في «القَواعِدِ»: حَمَلِ هذه الرِّوايةَ المُتَأخِّرون على أنَّ نذْرَه لم ينْعَقِدْ لمُصادَفَتِه رَمَضانَ. قال: ولا يخْفى فَسادُ هذا التَّأويلِ. وقال غيرُه: عليه القَضاءُ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو رِواية عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي أنَصُّهما. واخْتارَه أبو بَكْر، والقاضي، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» .

قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عشْرَةَ» : هذا الأشْهَرُ عندَ الأصحابِ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. وقال في «الفُصولِ»: لا يَلْزَمُه صومٌ آخَرُ، لا لأنَّ صَوْمَه أغْنَى عنهما، بل لتعَذُّرِه فيه. نصَّ عليه. وقال فيه أيضًا: إذا نَوَى صوْمَه (1) عنهما، فقيل: لَغْوٌ. وقيل:

(1) سقط من: الأصل.

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُجْزِئُه عن رَمَضانَ. انتهى. وعنه، لا ينْعَقِدُ نذْرُه إذا قَدِمَ في نَهارِ يوم مِن رَمَضانَ. والمذهبُ انْعِقادُه. وعليه الأصحابُ. فعلى المذهبِ -وهو وُجوبُ القَضاءِ- في وُجوبِ الكفَّارَةِ معه رِوايَتان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ؛ إحْداهما، عليه الكفَّارَةُ أيضًا. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» . وصحَّحه في «تَصْحيح المحَرَّرِ» . واخْتارَه أبو بَكْر. قاله المُصَنِّفُ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا كفَّارَةَ عليه. اخْتارَه المَجْدُ في «شَرْحِ الهِدايةِ» . قاله في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وعلى قولِ الْخِرَقِيِّ، في نِيَّةِ نذْرِه أيضًا وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا بدَّ أن ينْويَه عن فَرْضِه ونذْرِه. قاله المُصَنفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «القَواعِدِ». وقال المَجْدُ: لا يحْتاجُ إلى نِيَّةِ النَّذْرِ. قال: وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ، والإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال في «القَواعِدِ»: وفي تعْلِيله بُعْدٌ. وتقدّم كلامُ صاحبِ «الفُصولِ» .

ص: 210

وَإنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيهِ وَلَا كَفَّارَةَ.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو وافقَ قُدومُه وهو صائمٌ عن نذرٍ مُعَيَّن، فالصَّحيحُ أنَّه يُتمُّه، ولا يَلْزَمُه قَضاؤه، بل يقْضِي نَذْرَ القُدومِ؛ كصَوْم في قَضاءِ رَمَضانَ، أو كفَّارَةٍ، أو نَذْرٍ مُطْلَقٍ. قاله في «الفُروعِ» . وعنه، يكْفِيه لهما.

الثَّانيةُ، مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو نذَرَ صِيامَ شَهْر مِن يَوْمِ يَقْدَمُ فُلان، فقَدِمَ في أوَّلِ شَهْرِ رَمَضانَ.

قوله: وإنْ وافَقَ يَوْمَ نَذْرِه وهو مَجْنُون، فلا قَضاءَ عليه ولا كَفَارَةَ. قال في

ص: 211

وَإنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْر مُعَيَّن، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيرِ عُذْرٍ، فَعَلَيهِ الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِين، وَإنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ، فَعَلَيهِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ.

ــ

«الفُروعِ» ، [عن مَن] (1) نذَرَ صَوْمَ شَهْر بعَينِه وجُنَّ كلَّ الشَّهْرِ: لم يَقْضِ، على الأصحِّ. وكذا قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» (2)، وغيرِهم. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» في مَوْضِعٍ. وعنه، يقضِي.

قوله: وإنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْر مُعَيَّن، فلم يَصُمْهُ لغَيرِ عُذْرٍ، فعليه الْقَضاءُ وكفَّارَةُ يمِين -بلا نِزاعٍ- وإنْ لم يَصُمْه لعُذْرٍ، فعليه الْقَضاءُ -بلا نِزاع- وفِي

(1) في الأصل: «كمن» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكَفَّارَةِ رِوَايتَان. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، عليه الكفَّارَةُ أيضًا. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابن عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهما. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا كفَّارَةَ عليه. وعنه في المَعْذُورِ، يَفْدِي فقط. ذكَرَه الحَلْوانِيُّ.

فوائد؛ الأولَى، صوْمُه في كفَّارَةِ الظِّهارِ في الشَّهْرِ المنْذُورِ، كفِطْرِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعنه، لا يَلْزَمُه كفَّارَة هنا.

الثَّانيةُ، لو جُنَّ في الشَّهْرِ كلِّه، لم يقْضِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعنه، يقْضِيه.

الثَّالثةُ، إذا لم يَصُمْه لعُذْرٍ أو غيرِه وقَضاه، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه يَلْزَمُه القَضاءُ مُتَتابِعًا مُواصِلًا لتَتِمَّتِه. وعنه، له تفْريقُه. وعنه، وتَرْكُ مُواصَلَتِه أيضًا.

ص: 213

وَإنْ صَامَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ.

وإنْ أفْطَرَ في بَعْضِهِ لِغَيرِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَيُكَفِّرُ. وَيَحْتَمِلُ أن يُتمَّ بَاقِيَهُ، وَيَقْضِيَ وَيُكَفِّرَ.

ــ

الرابِعَةُ، يَبْنِي مَنْ لا يقْطَعُ عذْرُه تَتابُعَ صَوْمِ الكفَّارَةِ.

الخامسةُ، قولُه: وإنْ صامَ قَبْلَه، لم يُجْزِئْه. بلا نِزاع، كالصَّلاةِ، لكِنْ لو كان نذْرُه بصَدَقَةِ مالٍ، جازَ إخْراجُها قبلَ الوَقْتِ الذي عَيَّنَه؛ للنَّفْعِ كالزَّكاةِ. قاله الأصحابُ. قال النَّاظِمُ:

ويُجْزِيهِ فيما فيه نَفْعُ سِوَاه كالزَّ

كاةِ لنَفْعِ الخَلْقِ لا المُتَعَبَّدِ

قوله: وإنْ أفْطَرَ في بَعْضِه لغَيرِ عُذْرٍ، لَزِمَه اسْتِئْنافُه ويُكَفِّرُ. وهو المذهبُ. وجزَم به الْخِرَقِي، وصاحِبُ «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ،

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه هي المَشْهورَةُ واخْتِيارُ الْخِرَقِي، وأبي الخَطَّابِ في «الهِدايةِ» ، وابنِ البَنَّا. فعلى هذا، يَلْزَمُه الاسْتِئْنافُ عَقِبَ الأيَّامِ التي أفْطَرَ فيها، ولا يجوزُ تأخِيرُه، ويَحْتَمِلُ أن يُتِمَّ باقِيَه ويقْضِيَ. ويُكَفِّرَ. وهو رِواية عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهذه الروايَةُ أقْيَسُ وأصحُّ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «الحاوي» .

تنبيه: قال الزَّرْكَشِيُّ: أصْلُ الخِلافِ أنَّ التَّتابُعَ في الشَّهْرِ المُعَيَّنِ هل وَجَبَ لضَرُورَةِ الزَّمَنِ؟ وإليه مَيلُ أبي محمدٍ، أو لإطْلاقِ النَّذْرِ؟ وإليه مَيلُ الْخِرَقِي، والجماعَةِ؛ ولهذا لو شرَط التَّتابُعَ بلَفْظِه أو نَواه، لَزِمَه الاسْتِئْنافُ، قوْلًا واحدًا.

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وممَّا يَنْبَنِي على ذلك أيضًا، إذا تَرَكَ صَوْمَ الشَّهْرِ كلِّه فهل يَلْزَمُه شَهْر مُتَتابعٌ أو يُجْزِئُه مُتَفرقًا؟ على الرِّوايتَين. ولهاتَينِ الرِّوايتَين أيضًا الْتِفات إلى ما إذا نَوَى صَوْمَ شَهْر وأطْلَقَ، هل يَلْزَمُه مُتَتابِعًا أمْ لا؟ وقد تقدَّم أنَّ كلامَ الْخِرَقِيِّ يُشْعِرُ بعَدَمِ التَّتابُعِ. وقَضِيَّةُ البِناءِ هنا تقْتَضِي اشْتِراطَ التَّتابُعِ، كما هو المَشْهورُ عندَ الأصحابِ ثَمَّ. انتهى.

فائدتان؛ إحْداهما، لو قيَّد (1) الشَّهْرَ المُعَيَّنَ بالتَّتابُعِ، فأفْطَرَ يوْمًا بلا عُذْرٍ، ابْتَدَأ وكفَّر.

الثَّانيةُ، لو أفْطَرَ في بعْضِه لعُذْرٍ، بَنَى على ما مضَى مِن صِيامِه وكفَّر. على

(1) في الأصل: «قيل» .

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال الشَّارِحُ: هذا قِياسُ المذهبِ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» . ونَصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وعنه، لا يُكَفِّرُ. وأطلَقَهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» .

ص: 217

وَإذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْر، لَزِمَهُ التَّتَابُعُ.

ــ

قوله: وإذا نَذَرَ صَوْمَ شَهْر، لَزِمَه التَّتَابُعُ. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّر» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وصحّحه النَّاظِمُ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذْهبِ. وعنه، لا يَلْزَمُه التَّتابُعُ إلَّا بشَرْطٍ أو نيَّةٍ، وفاقًا للأئمَّة الثَّلاثةِ. وفي إجْزاءِ صَوْمِ رَمَضانَ عنهما رِوايَتا حَجٍّ. قاله في «الواضِحِ» .

فائدة: لو قطَع تَتابُعَه بلا عُذْرٍ استَأنفَه، ومع عُذْرٍ يُخَيَّرُ بينَه بلا كفَّارَةٍ أو يبنِي. قال في «الفُروعِ»: فهل يُتمُّ ثلاثين أو الأيَّامَ الفائتة؟ فيه وَجْهان. قلتُ: يَقْرُبُ مِن ذلك، إذا ابْتَدَأ صَوْمَ شَهْرَيِ الكفَارَةِ في أثْناءِ شَهْر. على ما تقدَّم في بابِ الإجارَةِ. وتقدَّم، إذا فاتَه رَمَضانُ هل [يقْضِي شَهْرًا] (1) أو ثَلاثينَ يَوْمًا ويُكَفِّرُ؟ [على كِلا الوَجْهَين] (2). وفيهما رِواية كشَهْرَيِ الكفَّارَةِ. ذكَرَه غيرُ واحدٍ. وتقدَّم كلامُه في «الرَّوْضَةِ». وقال في «التَّرْغيبِ»: إنْ أفْطَرَه بلا عُذْرٍ كفَّر، وهل ينْقَطِعُ فيَسْتَأنِفَه، أم لا فيَقْضِيَ ما ترَكَه؟ فيه رِوايَتان. وكذا قال في «التَّبصِرَةِ» . وهل يُتمُّه أو يَسْتَأنِفُه؟ فيه رِوايَتان. واخْتارَ أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ،

(1) في الأصل: «يجزئ قضاء شهر» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 218

وإنْ نَذَرَ صِيَامَ أيَّام مَعْدُودَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتابُعُ، إلَّا أَنْ يَشتَرِطَهُ.

ــ

يُكَفِّرُ ويَسْتَأنِفُه.

قوله: وإنْ نَذَرَ صِيامَ أيَّام مَعْدُودَةٍ، لم يَلْزَمْه التَّتَابُعُ، إلَّا أن يَشْتَرِطَه. يعْنِي أو ينْويَه. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وعنه، يَلْزَمُه التَّتابُعُ مُطْلَقًا. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .

تنبيه: دخَلَ في قوْلِه: وإنْ نذَرَ صِيامَ أيَّام معْدُودَةٍ. لو كانتْ ثَلَاثين يَوْمًا.

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو كذلك، فلا يَلْزَمُه التَّتابُعُ فيها إلَّا بشَرْطٍ أو نِيَّةٍ، كما لو قال: عِشْرِين. ونحوَها، وهو إحْدَى الرِّوايتَين. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» (1)، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» . وهو وَجْهٌ في «الرِّعايتَين» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يَلْزَمُه التَّتابُعُ فيها وإنْ لَزِمَه في غيرِها. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. وقدَّمهِ في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم؛ لأنَّه لو أرادَ التَّتابُعَ لقال: شَهْرًا.

(1) سقط من: ط.

ص: 220

وَإنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا، فَأفطَرَ لِمَرض أو حَيض، قَضَى لا غَيرُ، وَإنْ أفْطَرَ لِغَيرِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الاسْتِئْنَافُ، وَإنْ أفْطَرَ لِسَفَر أوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإنْ نَذَرَ صِيامًا مُتَتابِعًا -يعْنِي غيرَ مُعَيَّن- فأفْطَرَ لِمَرَض -يعْنِي يجِبُ معه الفِطْرُ- أو حَيض، قَضَى، لا غَيرُ. هذا إحْدَى الرِّوايتَين. قدَّمه ابنُ

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُنَجَّى [في «شَرْحِه»](1). وعنه، يُخَيَّرُ بينَ أن يسْتَأنِفَ، ولا شيءَ عليه، وبينَ أن يَبْنِيَ على صِيامِه ويُكَفرَ. وهو المذهبُ. وجزَم به في «الوجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ،

(1) سقط من: ط، ا.

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوي» ، و «الْخِرَقِي» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: وإنْ أفطَرَ لغَيرِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الاسْتِئْنَافُ -بلا نِزاع. بلا كفَّارَةٍ- وَإن أفطَرَ لسَفَر أو ما يُبِيحُ الْفِطْرَ-[مع القُدْرةِ على الصَّوْمِ](1) - فعلى وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الزَّرْكَشيِّ» ؛ أحدُهما، لا ينْقَطِعُ التَّتابُعُ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. صحَّحه. في «التَّصْحيحِ» . وهو ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. والثَّاني، ينْقَطِعُ التَّتابُعُ بذلك. قال ابنُ مُنَجَّى: ويجئُ على قولِ الْخِرَقِيِّ: يُخَيَّرُ بينَ الاسْتِئْنافِ، وبينَ

(1) سقط من: ط، ا.

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البناءِ والقَضاء والكفَّارَةِ. كما تقدَّم. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ [الْخِرَقِي، و](1) أكثرِ (2) الأَصحابِ؛ لعدَمِ تَفْريقِهم في ذلك. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولَنا وَجْه ثالث، يُفرَّقُ بينَ المرَضِ والسَّفَرِ، ففي المَرَضِ يُخَيَّرُ، وفي السَّفَرِ يَتَعَيَّنُ الاسْتِئْنافُ. انتهى.

(1) سقط من: ط.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: دخَلَ في قوْلِه: ما يُبِيحُ الفِطْرَ. المرَضُ [أيضًا، لكِنَّ مُرادَه بالمرَضِ هُنا المرَضُ غيرُ المَخُوفِ، ومُرادُه بالمَرَضِ في المَسْألةِ الأولَى المَرَضُ](1) المَخُوفُ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 225

وَإنْ نَذَرَ صِيَامًا، فَعَجَزَ عَنْهُ لِكِبَر، أوْ مَرَض لَا يُرْجَى بُرْؤهُ، أطعَمَ

ــ

المُوجِبُ للفِطْرِ. ذكَرَه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» .

قوله: وإنْ نَذَرَ صِيامًا، فعَجَزَ عنه لكِبَر أو مَرَض لا يُرْجَى بُرْؤه، أطْعَمَ عنه

ص: 226

عَنْهُ لكُلِّ يَوْم مِسْكِينًا. وَيَحْتَمِلُ أن يُكَفِّرَ ولَا شَيْءَ عَلَيهِ.

ــ

لكل يَوْم مِسْكِينًا. يعْنِي، يُطْعِمُ ولا يُكَفِّرُ. وهذا إحْدَى الرِّواياتِ. ويَحْتَمِلُ أن يُكَفِّرَ ولا شيءَ عليه. وذكَرَه ابنُ عَقِيل رِوايةً كغيرِ الصَّوْمِ. قال في «الحاوي»: وهو أصحُّ عندِي. ومال إليه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» .

ص: 227

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» . وعنه، أنَّه يُطْعِمُ لكُل يَوْم مسْكِينًا ويُكَفرُ كفَّارَةَ يمين. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. قال القاضي: وهو أصحُّ. قال في «المُحَرَّرِ» : والمَنْصوصُ عنه وُجوبُه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يُجْزِئُ عن كلِّه فقير واحدٌ. ويتَخَرَّجُ أن لا يلْزَمَه كفَّارَة. وفي «النَّوادِرِ» احْتِمال، يُصامُ عنه. وسَبَقَ في فِعْلِ الوَلِيِّ عنه

ص: 228

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه ذكَرَه القاضي في «الخِلافِ» .

فائدتان: إحْداهما، مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو نذَرَه (1) في حالِ عَجْزِه عنه. قاله الأصحابُ. وقيل: لا يصِحُّ نذْرُه. نقَل أبو طالِبٍ، ما كانَ نذْرَ معْصِيَةٍ أو لا يقْدِرُ عليه، ففيه كفَّارَةُ يمين. وتقدَّمَتْ رِوايةُ الشَّالنْجِيِّ. قال في «الفُروع»: ومُرادُهم غيرُ الحَجِّ عنه. قال: والمُرادُ، ولا يُطِيقُه ولا شيئًا منه، وإلَّا أتى بما يُطِيقُه منه وكفَّر للباقِي. قال: وكذا أطْلَقَ شَيخُنا. يعْنِي به الشَّيخَ تقِيَّ الدِّينِ، رحمه الله، فقال: القادِرُ (2) على فِعْلِ المَنْذُورِ يَلْزَمُه، وإلَّا فله أن يُكَفِّرَ. انتهى.

(1) في الأصل: «نذر» .

(2)

في الأصل: «القاضي» .

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فأمَّا إنْ نذَرَ مَن لا يجِدُ زادًا وراحِلَةً الحَجَّ؛ فإن وجدَهما بعدَ ذلك، لَزِمَه بالنَّذْرِ السَّابقِ، وإلَّا لم يَلْزَمْه، كالحَجِّ الواجِبِ بأصْلِ الشَّرْعِ. ذكَرَه القاضي في «الخِلافِ» في فِعْلِ الوَلِي عنه. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» في ضَمانِ المَجْهولِ: أكثرُ ما فيه أن يظْهَرَ مِن الدَّينِ ما يَعْجزُ عن أدائِه، وذلك لا يَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمانِ، كما لو نذَرَ ألفَ حَجَّةٍ والصَّدَقةَ بمِائَةِ أَلْفِ دِينارٍ ولا يَمْلِكُ قِيراطًا، فإنَّه

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصِحُّ؛ لأنَّه وَرطَ نفْسَه في ذلك برِضاه. انتهى. وقيل: لا ينْعَقِدُ نَذْرُ العاجِزِ.

الثَّانيةُ، لو نذَرَ غيرَ الصِّيامِ؛ كالصّلاةِ ونحوها، وعَجَزَ عنه، فليسَ عليه إلَّا (1) الكفَّارَةُ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 231

وَإنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيتِ اللهِ الحَرَامِ، أو مَوْضِع مِنَ الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلا أن يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ لِعَجْزٍ أو غَيرِهِ، فَعَلَيهِ كَفَّارَةُ يَمِين. وَعَنْهُ، عَلَيهِ دَمٌ.

ــ

قوله: وإنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيتِ الله تعالى أو مَوْضِع مِن الْحَرَمِ -أو مكَّةَ

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقَ- لم يُجْزِئْه إلَّا أن يمشِيَ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ لأنَّه مَشْى إلى عِبادَةٍ، والمَشْيُ إلى العِبادَةِ أفْضَلُ. ومُرادُه ومُرادُ غيرِه، يَلْزَمُه المَشْيُ ما لم يَنْو إتْيانَه، لا حَقِيقَةَ المَشْي. صرَّح به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم.

فائدة: حيثُ لَزِمَه المَشْيُ أو غيرُه، فيَكونُ ابْتِداؤه مِن مَكانِه، إلّا أن يَنْويَ مَوْضِعًا بعَينِه. نصّ عليه. وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وذكَرَه القاضي إجْماعًا، مُحْتَجًّا به وبما لو نَذرَه مِن مَحَلِّه لم يَجُزْ مِن مِيقَاتِه؛ على قَضاءِ الحَجِّ الفاسِدِ مِن الأبعَدِ مِن إحْرامِه أو مِيقاتِه. وقيل هنا: أو (1) مِن إحْرامِه إلى أمْنِه فَسادَه بوَطْئِه. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله:

(1) سقط من: الأصل.

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا رَمَى الجَمْرَةَ فقد فَرَغَ. وقال أيضًا: يرْكَبُ في الحَج إذا رَمَى، وفي العُمْرَةِ إذا سَعَى. وقال في «التَّرْغيبِ»: لا يرْكَبُ حتَّى يأتِيَ بالتَّحْلِيلَين على الأصحِّ.

ص: 234

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: مفْهومُ قولِه: أو مَوْضِع مِن الحَرَمِ. لو نذَرَ المَشْيَ إلى غيرِ الحَرَمِ؛ كعَرَفَةَ ومَواقِيتِ الإحْرامِ وغيرِ ذلك، لم يَلْزَمْه ذلك ويكونُ كنَذْرِ المُباحِ، وهو كذلك. قاله المُصَنِّف، والشَّارِحُ.

فائدة: لو نذَرَ الإتْيانَ إلى بَيتِ اللهِ غيرَ حاجٍّ ولا مُعْتَمِر، لَغا قوْلُه: غيرَ حاجٍّ ولا مُعْتَمِر. ولَزِمَه إتْيانُه حاجًّا أو مُعْتَمِرًا. ذكَرَه القاضي أبو الحُسَينِ.

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: فإن تَرَكَ الْمَشْيَ لعَجْز أو غَيرِه، فعليه كَفارَةُ يَمِين. وهو المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وهو أصحُّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وعنه، عليه دَمٌ. ووُجوبُ كفارَةِ اليمينِ أو الدَّمِ مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا

ص: 236

وَإنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ، فَمَشَى، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ.

ــ

كفَّارَةَ عليه. ذكَرَها ابنُ رَزِين. وقال في «المُغْنِي» (1): قِياسُ المذهبِ (2)، يسْتَأنِفُه ماشِيًا؛ لتَرْكِه صِفَةَ المَنْذُورِ، كتَفْرِيقِه صَوْمًا مُتَتابِعًا.

قوله: وإنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ فمَشَى، ففيه الرِّوايَتانِ. يعْنِي: المُتَقَدِّمَتان. وهما؛ هل عليه كفَّارَةُ يمين أو دَمٌ (3)؟ وقد عَلِمْتَ المذهبَ منهما؛

(1) انظر المغني 13/ 637.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: «ندم» .

ص: 237

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنَّ الرُّكوبَ في نَفْسِه غيرُ طاعَةٍ.

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحداهما، لو أفْسَدَ الحَجَّ المَنْذُورَ ماشِيًا، وَجَبَ القَضاءُ ماشِيًا،

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذا إنْ فاتَه الحَجُّ، سقَطَ تَوابع الوُقوفِ والمَبِيتُ بمُزْدَلِفَةَ ومِنًى والرَّمْيُ، وتَحَلَّلَ

ص: 240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعُمْرَةٍ، ويَمْضِي في الحَجِّ الفاسِدِ ماشِيًا حتَّى يُحِل منه.

الثَّانيةُ، لو نذَرَ المَشْيَ إلى مَسْجِدِ المَدِينَةِ أو الأقْصَى، لَزِمَه ذلك والصلاةُ فيه. قاله الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّ مُرادَهم لغيرِ (1) المَرْأةِ؛ لأفْضَلِيَّةِ بَيتها، وإنْ عيَّنَ مَسْجِدًا غيرَ حَرَم، لَزِمَه عندَ وُصولِه رَكْعَتَان، ذكَرَه في «الواضِحِ» . واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» . قال المُصَنِّف، والشَّارِحُ: لو نذَرَ

(1) في الأصل: «غير» .

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إتْيانَ مَسْجِدٍ سِوَى المَساجِدِ الثَّلاثةِ، لم يَلْزَمْه إتْيانُه، وإنْ نذَرَ الصَّلاةَ فيه، لَزِمَتْه

ص: 242

وَإنْ نَذَرَ رَقَبَةً، فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُهُ عَنِ الْوَاجِبِ، إلَّا أن يَنْويَ رَقَبَةً

ــ

الصَّلاةُ دُونَ المَشْي، ففي أيِّ مَوْضِعٍ صلَّى أجْزَأه. قالا: ولا نعلمُ فيه خِلافًا. قوله: فإن نَذَرَ رَقَبَةً، فهي الَّتِي تُجْزِئ عَن الواجِبِ -على ما تقدَّم تَبْيِينُه في كتابِ الظِّهارِ- إلَّا أن ينْويَ رَقَبَةً بعَينها. فيُجْزِئُه ما عيَّنَه، بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو

ص: 243

بِعَينهَا.

ــ

ماتَ المَنْذُورُ (1) قبلَ أن يُعْتِقَه، لَزِمَه كفارَةُ يمين، ولا يَلْزَمُه عِتْقُ عَبْدٍ. نصَّ على ذلك، وقاله الأصحابُ. ولو أتْلَفَ العَبْدَ المَنْذُورَ عِتْقُه، لَزِمَه كفَّارَةُ يمين. على

(1) سقط من: الأصل.

ص: 244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّحيحِ مِن المذهب. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقيل: [قِيمَتُها تُصْرَفُ في](1) الرِّقابِ.

ص: 245

وَإنْ نَذَرَ الطَّوافَ عَلَى أرْبَع، طَافَ طَوَافَينِ. نَصَّ عَلَيهِ.

ــ

قوله: وإنْ نَذَرَ الطَّوافَ على أرْبَع، طافَ طَوافَينِ، نصَّ عليه. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «النَّظم» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. قال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: هذا بدَلَّ واجِبٌ. وعنه، يُجْزِئُ طَوافٌ واحدٌ على رِجْلَيه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والقِياسُ أن يَلْزَمَه طَوافٌ واحدٌ على رِجْلَيه، ولا يَلْزَمُه على يدَيه. وفي الكفَّارَةِ على هذه الرِّوايَةِ وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ،

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» ، و «الفُروعِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: بِناءً على ما تقدَّم. وقالا: قِياسُ المذهبِ، لُزومُ الكفَّارَةِ؛ لإخْلالِه بصِفةِ نَذْرِه وإنْ كان غيرَ مَشْرُوع.

فوائد؛ الأولَى، مِثْلُ المَسْألةِ في الحُكْمِ، لو نَذَرَ السَّعْيَ على أرْبَع. ذكَرَه في «المبْهِجِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى». قال في «الفُروعِ»:[وكذا](1) لو نذَرَ طاعَةً على وَجْهٍ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنْهِيٍّ عنه؛ كنَذْرِه صَلاةً عُرْيانًا، أو الحَجّ حافِيًا حاسِرًا، أو نذَرَتِ المرْأةُ الحَج حاسِرَةً وَفاءً بالطاعَةِ. قال في «القَواعِدِ الأصُوليَّةِ»: قِياسُ المذهبِ، الوَفاءُ بالطَّاعَةِ على الوَجْهِ المَشْروعِ، وفي الكفَّارَةِ لتَرْكِه المَنْهِيَّ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ». وهما كالوَجْهَين المُتَقَدِّمَين قبلَ ذلك. قال في «الرِّعايةِ»: فإن قال: حافِيًا حاسِرًا. كفَّر ولم يفْعَلِ الصِّفَةَ، وقيل: يَمْشِي منذُ أحْرَمَ. انتهي.

الثَّانيةُ، لو نذَرَ الطَّوافَ، فأقَلُّه أسْبوعٌ، ولو نذَرَ صَوْمًا، فأقَلُّه يَوْمٌ، ولو نذَرَ صَلاةً لم يُجْزِئْه أقلُّ مِن رَكْعَتَينِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: يُجْزِئُه رَكْعَة. وأطْلَقَهما في «الشَّرْحِ» .

الثَّالثةُ، قال في «الفُروعِ»: لو نذَرَ الحَجَّ العامَ فلم يَحُجَّ، ثم نذَرَ أخْرَى في العامِ الثَّاني، فيَتَوَجَّهُ أنَّه يصِحُّ، ويَبْدأ بالثَّانِيَةِ لفَوْتِها، ويُكَفِّرُ لتَأخِيرِ الأولَى، وفي المَعْذُورِ الخِلافُ. انتهى.

الرابِعَةُ، لا يَلْزَمُ الوفاءُ بالوَعْدِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ؛ لأنَّه يَحْرُمُ (1) بلا اسْتِثْناءٍ، لقَوْلِه تَعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (2). ولأنَّه في مَعْنَى الهِبَةِ قبلَ القَبْض. ذكَرَه

(1) في الأصل، ا:«لا يحرم» .

(2)

سورة الكهف 23، 24.

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروعِ» . وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وَجْهًا، أنَّه يَلْزَمُه. واخْتارَه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه رِوايَةٌ مِن تأجيلِ العارِيَّةِ والصُّلْحِ عن عِوَضِ المُتْلَفِ بمُؤجَّل. ولمَّا قيلَ للإمامِ أحمدَ، رحمه الله: بِمَ يُعْرَف الكذَّابُون؟ قال: بخُلْفِ المَواعيدِ. قال في «الفُروعِ» : وهذا مُتَّجِه. وتقدَّم الخُلْفُ بالعَهْدِ في أوَّلِ كتابِ الأيمانِ.

الخامسةُ، لم يزَلِ العُلَماءُ يسْتَدِلُّون بهذِه الآيَةِ على الاسْتِثْناءِ. وفي الدَّلالةِ بها غُموضٌ، فلهذا قال القرَافِيُّ في «قَواعِدِه»: اتَّفَقَ العُلَماءُ (1) على الاسْتِدْلالِ بقَوْلِه تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، وَوجْهُ الدَّليلِ منه في غايَةِ الإشْكالِ؛ فإن {إلا} ليستْ للتَّعْليقِ، و {أَنْ} المَفْتوحةَ ليستْ للتَّعْليقِ، فما بَقِيَ في الآيَةِ شيءٌ يدُلُّ على التَّعْليقِ [مُطابَقَةً ولا الْتِزامًا](2)، فكيفَ يصِحُّ الاسْتِدْلالُ بشيء لا يدُلُّ على ذلك؟ وطولَ الأيَّامِ يُحاولُون الاسْتِدْلال بهذه الآيَةِ، ولا يكادُ يُتَفَطَّنُ لوَجْهِ الدَّليلِ منها، وليسَ فيها إلَّا الاسْتِثْناءُ و {أَنْ} النَّاصِبَةُ لا الشَّرْطِيَّةُ، ولا يَفْطُنون لهذا الاسْتِثْناء مِن أيِّ شيءٍ هو؟ وما هو المُسْتَثْنَى منه؟ فتأمَّلْه فهو في غايةِ الإشْكالِ، وهو أصْل في اشْتِراطِ المَشِيئَةِ عندَ النُّطْقِ بالأفْعالِ، والجوابُ، أنا نقولُ: هذا اسْتِثْناءٌ مِن الأحْوالِ، والمُسْتَثْنَى حالةٌ مِن الأحْوالِ، وهي مَحْذوفَةٌ قبلَ «أن» النَّاصِبَةِ وعامِلَة فيها؛ أعْنِي الحال عامِلَةً في «أن» النَّاصِبَةِ، وتقْرِيرُه، ولا تقُولَنَّ لشيءٍ: إنِّي فاعِل ذلك غدًا في حالةٍ مِن الأحْوالِ إلا مُعَلِّقًا بأنْ يَشاءَ الله، ثم حُذِفَتْ

(1) في ط، ا:«الفقهاء» .

(2)

في الأصل: «والالتزام» . وفي ط؛ «مطابقة ولا التزام» .

ص: 252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«مُعَلقًا» والباءُ مِن «أن» فيَكونُ النَّهْي المُتَقَدِّمُ مع «إلا» المُتَأخرَةِ قد حصَرَتِ القَوْلَ في هذه الحالِ دُونَ سائرِ الأحْوالِ، فتَخْتَص هذه الحالُ (1) بالإباحَةِ وغيرُها بالتَّحْريمِ، وتَرْكُ المُحَرَّمِ واجِب، وليسَ شيء هناك يُتْرَكُ به الحَرامُ إلَّا هذه، فتَكونُ واجِبَةً، فهذا مُدْرَكُ الوُجوبِ، وأمَّا مُدْرَكُ التَّعْليقِ فهو قوْلُنا (2): مُعَلِّقًا. فإنَّه يدُلُّ على أنَّه تعْليق (3) في تلك الحالةِ، كما إذا قال: لا تخْرُجْ إلَّا ضاحِكًا. فإنَّه يفيدُ الأمْرَ بالضَّحِكِ للخُروجِ، وانْتَظَمَ «مُعَلِّقًا» مع «أن» بالباءِ المَحْذُوفَةِ، واتجَهَ الأمْرُ بالتَّعْليقِ على المَشِيئَةِ مِن هذه الصِّيغَةِ عندَ الوَعْدِ بالأفْعالِ. انتهى.

(1) في الأصل: «الأحوال» .

(2)

في الأصل: «كقولنا» .

(3)

في الأصل، ط:«تعلق» .

ص: 253