الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أدبِ الْقَاضِي
يَنْبَغِي أن يَكُونَ قَويًّا مِنْ غَيرِ عُنْفٍ، صليَنا مِنْ غَيرِ ضَعْفٍ، حَلِيمًا، ذَا أنَاةٍ وَفِطْنَةٍ، بَصِيرًا بِأحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ، وَرِعًا، عَفِيفًا.
ــ
بابُ أدَبِ القاضي
قوله: يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ قَويا مِن غَيرِ عُنْفٍ، ليِّنًا من غَيرِ ضَعْفٍ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: وظاهرُ «الفُصولِ» ، يجِبُ ذلك.
قوله: حَلِيمًا، ذا أناةٍ وفِطةٍ. قد تقدَّم أنَّ القاضيَ قال في مَوْضِع مِن كلامِه: إنَّه يُشْترَطُ في الحاكمِ أنْ لا يَكونَ بَلِيدًا. وهو الضوابُ.
قوله: بَصِيرًا بأحْكامِ الحُكَّامِ قَبْلَه. بلا نِزاع.
وقوله: ورِعًا، عَفِيفًا. هذا مِنه بِناءً على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، مِن أنه لا يُشْتَرَطُ في القاضي أنْ يكونَ وَرِعًا، وإنما يُسْتَحَبُّ ذلك فيه (1). وتقدَّمَ أن
(1) في الأصل: «منه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِرَقِيَّ وجماعَةً مِن الأصحابِ اشْتَرَطُوا ذلك فيه. وهو الصوابُ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو افْتاتَ عليه خَصْمٌ، فقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: له تأدِيبُه والعَفْوُ عنه. وقال في «الفُصولِ» : يزبُرُه (1)، فإنْ عادَ، عزَّرَه واعْتَبَرَه بدَفْعِ الصائلِ والنُّشوزِ. وقال في «الرِّعايةِ»: ويَنْتَهِرُه، ويَصِيحُ عليه قبلَ
(1) يزبر فلانًا: «يمنعه وينهاه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك. قال في «الفُروعِ» ، بعدَ أنْ ذكَر ذلك: وظاهِرُه، ولو لم يثْبُتْ ببَينةٍ، لكِنْ هل (1) ظاهِرُه يخْتَصُّ بمَجْلِسِ الحُكْمِ؛ فيه نظَر، كالإقْرارِ فيه وفي غيرِه، أو لأنَّ الحاجَةَ داعِيَة إلى ذلك؛ لِكَثْرَةِ المُتَظَلِّمِين على الحُكامِ وأعْدائِهم، فجازَ فيه وفي غيرِه، ولهذا شَقَّ رَفْعُه (2) إلى غيرِه، فأدَّبه بنَفْسِه، حتى إنه حق له. قلتُ: فيُعايَى بها. وقد ذكر ابنُ عَقِيلٍ في «أغْصانِ الشَّجَرَةِ» ، عن أصحابِنا:[إنَّ ما](3) يشُقُّ رَفْعُه إلى الحاكمِ، لا يُرْفعُ.
الثَّانيةُ، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: له أنْ ينْتَهِرَ الخَصْمَ إذا الْتَوَى، ويَصِيحَ عليه، وإنِ استَحَق التعْزِير، عزَّرَه بما يرَى.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في ط: «دفعه» .
(3)
في ط: «أنه» .
وَإذَا وُلِّيَ فِي غَيرِ بَلَدِهِ، سَألَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ والْعُدُولِ. وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ. وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الْاثْنَينِ أو الْخَمِيسِ أو السَّبْتِ لَابِسًا أجْمَلَ ثِيَابِهِ،
ــ
قوله: ويُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِه مَن يُعْلِمُهُم يَوْمَ دُخُولِه ليَتَلَقَّوْه. هذا المذهبُ. أعْنِي أنَّه يُرْسِلُ إليهم يُعْلِمُهم بدُخولِه مِن غيرِ أنْ يأمُرَهم بتَلَقيه. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال جماعَة مِن الأصحابِ: يأمُرُهم بتَلَقِّيه. قلتُ: منهم صاحِبُ «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» .
قوله: ويَدْخُلُ البَلَدَ يَوْمَ الاثْنَين أو الخَمِيسِ أو السبْتِ. وهو المذهبُ. يعْنِي
فَيَأتِي الْجَامِعَ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَينِ، وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
ــ
أنَّه بالخِيَرَةِ في الدُّخولِ في هذه الأيَّامِ. وجزَم به في «المُحَرُّرِ» ، و «النظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وذكَر جماعَةٌ مِن الأصحابِ، يدْخُلُ يَوْمَ الاثْنَينِ، فإنْ لم يقْدِرْ، فيَوْمَ الخميسِ، منهم صاحِبُ «المُذْهَبِ» . وقال في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم: فإنْ لم يقدرْ أنْ يدْخُلَ يَوْمَ الاثْنَينِ، فيَوْمَ الخميس أو السَّبْتِ. قال في «التبصِرَةِ»: يدْخُلُ ضَحْوَة، لاسْتِقْبالِ الشهْرِ. قال في «الفُروعِ»: وكانَ استِقْبالُ الشَّهْرِ تفَاؤلًا، كأوَّلِ النَّهارِ، ولم يَذْكُرْهما (1) الأصحابُ.
قوله: لابِسًا أجْمَلَ ثِيابِه. قال في «التبصِرَةِ» : وكذا أصحابُه. وقال أيضًا:
(1) في ا: «ينكرهما» .
فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أمر بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيهِمْ، وَأمرَ مَنْ يُنَادِي: مَنْ لَهُ حَاجَة، فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا. ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ، ويُنْفِذ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الحُكْمِ مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ.
ــ
تكونُ ثِيابُهم كلُّها سُودًا، وإلَّا فالعِمامَةُ. وقال في «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِهم، غيرُ السوادِ أوْلَى؛ للأخْبارِ (1).
فوائد؛ الأولَى، لا يَتَطيَّرُ بشيء، وإنْ تَفَاءَلَ فحَسَنٌ.
الثانيةُ، قولُه: ويَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فإذا اجْتَمَعَ الناسُ، أمَرَ بعَهْدِه فقُرِئ عليهم. بلا نِزاعٍ. قال في «التبصِرَةِ»: وَلْيُقِلَّ مِن كلامِه إلَّا لحاجَة.
الثَّالثةُ، قولُه: ويُنْفِذُ فيَتَسَلَّمُ دِيوانَ الحُكْمِ مِن الَّذِي كانَ قَبْلَه. بلا نِزاع.
قال في «التبصِرَةِ» : وَلْيَأمُرْ كاتِبًا ثِقَة يُثْبِتُ ما تَسَلَّمَه بمَحْضَرِ عَدْلَين.
(1) ما جاء في استحباب لبس البياض.
ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ، عَلَى أعدَلِ أحْوَالِهِ، غيرَ غَضْبَانَ، وَلَا جَائِعٍ، وَلَا شَبْعَان، وَلَا حَاقِنٍ، وَلَا مَهْمُوم بِأمْر يَشْغَلُهُ عَنِ الفَهْمِ، فَيُسَلِّمُ عَلَى
ــ
الرابعةُ، دِيوانُ الحُكْمِ؛ هو ما فيه محاضِرُ وسِجِلات وحُجَج وكُتُبُ وَقْفٍ، ونحوُ ذلك ممَّا يتعَلقُ بالحُكْمِ.
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: ويُسَلِّمُ على مَن يمُرُّ به. ولو كانُوا صِبْيانًا. وهو صحيحٌ. صرَّح به الأصحابُ.
مَنْ يَمُرُّ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ، وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ المَسْجِدِ إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ،
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: ويُصَلي تَحِيةَ المسْجِدِ إنْ كانَ في مَسْجِدٍ. بلا نِزاع. فإنْ كانَ في غيرِه خُيِّرَ، والأفْضَلُ الصَّلاةُ.
الثانيةُ، أفادَنا المُصَنفُ أنه يجوزُ القَضاءُ في الجَوامِعِ والمَساجِدِ. وهو صحيحٌ، ولا يُكْرَهُ. قاله الأصحابُ.
قوله: ويَجْلِسُ على بِساطٍ. ونحوه. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ» : والأشْهَرُ، ويجْلِسُ على بِساطٍ ونحوه. وجزَم به في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما: على
وَيَسْتَعِينُ بِاللهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، وَيَدْعُوهُ سِرًّا أن يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ، وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ، ولِمَا يُرْضِيهِ مِنَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فسِيحٍ؛ كَالْجَامِعِ، وَالْفَضَاءِ، وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ إنْ أمْكَنَ.
ــ
بِساطٍ. وقال في «الهِدايَةِ» وغيره: على بِساطٍ أو لِبْدٍ (1) أو حَصِيرٍ.
فائدة: قولُه: ويَجْعَلُ مَجْلِسَه في مَكانٍ فَسِيحٍ؛ كالجامِعِ، والفَضاءِ،
(1) اللبد: ضرب من البُسُط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والدَّارِ الواسِعَةِ. بلا نِزاع، ولكِنْ يصُونُه عمَّا يُكْرَهُ فيه. ذكَره في «المُوجَزِ» (1)، وهو كما قال.
(1) سقط من: الأصل.
وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا، إلَّا فِي غَيرِ مَجْلِس الحُكْمِ إن شَاءَ.
ــ
قوله: ولا يَتخِذُ حاجِبًا ولا بَوابًا، إلا في غيرِ مَجْلِس الحُكْمِ إنْ شاءَ. مُرادُه، إذا لم يكُنْ عُذْرٌ، فإنْ كانَ ثَمَّ عُذْرٌ، جازَ اتخاذُهما. إذا عَلِمْتَ
وَيَعْرِضُ الْقَصَصَ، فَيَبْدأ بِالأوَّلِ فَالأوَّلِ، وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ حَضَروا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا، قَدَّمَ أحدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
ــ
ذلك (1)، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنه لا يتَّخِذُهما في مَجْلِسِ الحُكْمِ مِن غيرِ عُذْرٍ. قال ابنُ الجَوْزِيِّ في «المُذْهَبِ»: يتْرُكُهما نَدْبًا. وقال في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : ليسَ له تأخِيرُ الحُضورِ إذا تَنازَعُوا إليه بلا عُذْر، ولا له أنْ يحْتَجِبَ إلا في أوْقاتِ الاسْتِراحَةِ.
فائدة: قولُه: ويَعْرِضُ القَصَصَ، فيَبْدَأ بالأوَّلِ فالأوَّلِ. قال في «المُسْتَوعِبِ»: يَنْبَغِي أنْ يكونَ على رَأسِه مَن يُرَتِّبُ النَّاسَ.
فائدة: قولُه: ولا يُقَدِّمُ السَّابِقَ في أكْثَرَ مِن حُكُومَةٍ واحِدَةٍ. واعلمْ أنَّ تقْدِيمَ السَّابِقِ على غيرِه واجِبٌ. على الصحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. ليقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم في «عُيونِ المَسائلِ» بتَقْديم مَنْ له بَينة، لِئَلا تُضْجَرَ بَيِّنتُه. وجَعَله في «الفُروعِ» توْجِيهًا. وقال في «الرّعايةِ»: ويُكْرَهُ تقْديمُ مُتَأخّر.
قوله: فإنْ حَضَرُوا دَفْعَة واحِدَة وتَشاحُّوا، قَدمَ أحَدَهم بالقُرْعَةِ. هذا المذهبُ
(1) سقط من: الأصل.
وَيَعْدِلُ بَينَ الْخَصْمَينِ فِي لَحْظِهِ، وَلَفْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَالدُّخُولِ عَلَيهِ، إلَّا أنْ يَكُونَ أحَدُهُمَا كَافِرًا، فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ عَلَيهِ فِي الدُّخُولِ، وَيَرْفَعُهُ فِي الجُلُوسِ. وَقِيلَ: يُسَوِّي القُرْعَةُ.
ــ
مُطْلَقًا. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «مُنْتَخَبِ الأَدَمِي» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وذكَر حماعَة مِن الأصحابِ، يُقَدِّمُ المُسافِرَ المُرْتَحِلَ. قلتُ: منهم صاحِبُ «المُحَررِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقال ذلك في «الكافِي» ، مع قِلتِهم. زادَ في «الرِّعايةِ» ، والمَرْأةَ لمَصْلَحَةٍ.
قوله: ويَعْدِلُ بينَ الخَصْمَين في لَحْظِه، ولَفْظِه، ومَجْلِسِه، والدُّخُولِ عليه. يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُه أنَّ ذلك واجِبٌ عليه. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَلْزَمُه، في الأصح، العَدْلُ بينَهما في لَحْظِه، ولَفْظِه، ومَجْلِسِه والدُّخولِ عليه. وجزَم به في «الشرْحِ». وقيلَ: لا يَلْزَمُه، بل يُسْتَحَبُّ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنفِ. وقدَّمه في «الرعايةِ الكُبْرى» .
قوله: إلَّا أنْ يَكُونَ أحَدُهما كافِرًا، فيُقَامُ المُسْلِمَ في الدُّخُولِ، ويَرْفَعُه في الجُلُوسِ. هذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ»: والأشْهَرُ، يُقَدم مُسْلِمٌ على كافر، دُخُولًا وجُلُوسًا. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا أوْلَى. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَورِ» في الدُّخولِ. وجزَم به في «الخُلاصةِ» ، في المَجْلِس، وصحَّحَه في الرَّفْعِ. وقدَّمه فيهما في «الشَّرْحِ». وصححه في «النَّظْمِ». وقدَّمه في الدُّخولِ فقطْ في «الرعايةِ الصُّغْرى». وقيل: يُسَوي بينَهما في ذلك أيضًا. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وقدَّمه في «الهِدايةِ» في الجُلُوسِ. وأطْلَقَهما في رَفْعِه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ،
بَينَهُمَا. وَلَا يُسَارُّ أحَدَهُمَا، وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يُضِيفُهُ،
ــ
وأطْلَقَهما فيهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال في «المُغْنِي» (1): يجوزُ تقْدِيمُ المُسْلِمِ على الكافِرِ في الجُلُوسِ. وظاهِرُ كلامِه، أنَّه يُسَوِّي بينَهما في الدُّخولِ. وفي «الرِّعايةِ» قولٌ عكْسُه. قالي ابنُ رَزِين في «مُخْتَصَرِه»: يُسَوِّي بينَ الخَصْمَينِ في مَجْلِسِه ولَحْظِه ولَفْظِه ولو ذِمِّي، في وَجْهٍ. فظاهِرُه دُخولُ اللَّحْظِ واللَّفْظِ في الخِلافِ. فتلَخَّصَ لنا في المَسْألةِ ثَلاثة أقْوالٍ؛ التقْدِيمُ مُطْلَقًا، ومَنْعُه مُطْلَقًا، والتَّقْدِيمُ في الدخولِ دُونَ الرَّفْعِ. وظاهِرُ «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» قَوْلٌ رابعٌ، وهو التَّقْديمُ في الرَّفْعِ دُونَ الدُّخولِ.
فائدة: لو سلم أحَدُ الخَصْمَين على القاضي، رَدَّ عليه. وقال في «التَّرْغيبِ»: يصْبِرُ حتى يُسلمَ الآخَرُ ليَرُدَّ عليهما معًا، إلى أنْ يتَمادى عُرْفًا. وقال في «الرعايةِ»: وإنْ سلَّما معًا، رَدَّ عليهما معًا، وإنْ سلَّم أحَدُهما قبلَ دُخولِ خَصْمِه أو معه، فهل يَرُدُّ عليه قبلَه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. انتهى. وله القِيامُ السَّائِغُ وتَرْكُه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: يُكْرَهُ القِيامُ لهما، فإنْ قامَ لأحَدِهما، قامَ للآخَرِ، أو اعْتَذَرَ إليه. قاله في «الرعايةِ» .
تنبيه: قولُه: ولا يُسَارُّ أحَدَهما، ولا يُلَقنُه حُجَّتَه، ولا يُضِيفُه. يعْنِي، يَحْرُمُ
(1) انظر: المغني 14/ 64.
وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيفَ يَدَّعِي، فِي أحدِ الوَجْهَينِ. وَفِي الآخَرِ، يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى لَهُ، إِذَا لَمْ يُحْسِنْ تَحْرِيرَهَا. وَلَهُ أنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِهِ لِيُنْظِرَهُ، أوْ لِيَضَعَ عَنْهُ، وَيَزِنَ عَنْهُ.
ــ
عليه ذلك. قاله الأصحابُ.
قوله: ولا يُعَلمُه كَيفَ يدعِي، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي» .
وفي الآخَرِ، يجوزُ له تحْرِيرُ الدَّعْوَى إذا لم يُحْسِنْها. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشرْحِ» ، و «النظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» .
وَيَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ،
ــ
تنبيه:. مَحَل الخِلافِ، إذا لم يَلْزَمْ ذِكْرُه، فأمَّا إنْ لَزِمَ ذِكْرُه في الدَّعاوَى -كشَرْطِ عَقْدٍ، أو سبَب ونحوه- ولم يذْكُرْه المُدَّعِي، فله أنْ يسْألَ عنه ليَتَحَرَّزَ عنه.
قوله: وله أنْ يَشْفَعَ إلى خَصْمِه ليُنْظِرَه، أو يَضَعَ عَنْه، ويَزِنَ عنه. يجوزُ للقاضي أنْ يشْفَعَ إلى خَصْمِ المُدَّعَى عليه لينظِرَه، بلا خِلافٍ أعْلَمُه، ويجوزُ له أنْ يشْفَعَ ليَضَعَ عنه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال في «الفُروع»: له ذلك على الأصحِّ. قال في «تَجْريدِ العِنايةِ» : له ذلك على الأظْهَرِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «لهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» . وعنه، ليسَ له ذلك. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الكافِي» . ويجوزُ له أنْ يَزِنَ عنه أيضًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقطَع به كثير منهم. وفيه احْتِمال لصاحبِ «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، لا يجوزُ ذلك. وما هو ببَعيدٍ.
قوله: ويَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَه الفُقَهاءَ مِن كُلِّ مذهب، إنْ أمْكَنَ، ويُشاورَهم فِيما يُشْكِلُ عليه -لاستِخْراجِ الأدِلَّةِ، وتعَرُّفِ الحقِّ بالاجْتِهادِ. قال
إنْ أمْكَنَ، وَيُشَاورَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيهِ،
ــ
الإمامُ أحمدُ: ما أحْسَنَه لو فعَلَه الحُكَّامُ، يُشاورُونَ وينْتَظِرونَ -فإنِ اتَّضَحَ له،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَكَمَ، وإلَّا أخَّرَه.
فَإن اتَّضَحَ لَهُ، حَكَمَ، وَإلَّا أخَّرَهُ. وَلَا يُقَلِّدُ غَيرَهُ وإنْ كَانَ أعلَمَ مِنْهُ.
ــ
قوله: ولا يُقَلدُ غيرَه وإنْ كانَ أعْلَمَ منه. يَحْرُمُ عليه أنْ يقَلِّدَ غيرَه -على الصحيحِ مِن المذهبِ- وإنْ كان أعْلَمَ منه. نقَل ابنُ الحَكَمِ، عليه أنْ يَجْتَهِدَ. ونقَل أبو الحارِثِ، لا تُقَلِّدْ أمْرَكَ أحدًا، وعليكَ بالأثرِ. وقال الفَضْلُ بنُ زِيادٍ: لا تقَلدْ دِينَكَ الرِّجال؛ فإنهم لنْ يسْلَمُوا أنْ يغْلَطُوا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْح ابنِ مُنَجَّى» ، و «االوَجيزِ» ، و «المُحَررِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُنَورِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، و «تَذْكِرَةِ
وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبانُ، ولَا حَاقِن، وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ،
ــ
ابنِ عَبْدُوس»، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، يجوزُ. قال أبو الخَطَّابِ: وحكَى أبو إسْحَاقَ الشِّيرازِيُّ: إنَّ مذهَبَنا جَوازُ تقْليدِ العالِمِ للعالِمِ (1). قال: وهذا لا نعْرِفُه عن أصحابِنا. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ، إنْ كانتِ العِبادَةُ ممَّا لا يجوزُ تأخِيرُها -كالصَّلاةِ- فَعَلَها بحسَبِ حالِه، ويُعيدُ إذا قَدَرَ، كمَنْ عَدِمَ الماءَ والتُّرابَ، فلا ضَرُورَةَ إلى التَّقْليدِ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وإنْ كان الخَصْمُ مُسافِرًا يَخافُ فَوْتَ رُفْقَتِه، احْتَمَلَ وَجْهَين. وتقدَّم ذلك في أوائلِ أحْكامِ المُفْتِي، في البابِ الذي قبلَه.
فائدة: لو حَكَمَ ولم يجْتَهِدْ، ثم بانَ أنَّه حَكَمَ بالحقِّ، لم يصِحَّ. ذكَرَه ابنُ عَقِيل في القَصْرِ مِنَ «الفُصولِ». قلتُ: لو خرَّج الصِّحةَ على قولِ القاضي أبي الحُسَينِ، فيما إذا اشْتَبَهَ الطاهِرُ بالطَّهُورِ، وتوَضأ مِن واحدٍ فقطْ، فظَهَرَ أنه الطهُورُ، لَكانَ له وَجْه.
تنبيه: قولُه: ولا يَقْضِي وهو غَضْبانُ، ولا حاقِنٌ -وكذا أو حاقِبٌ (2) - ولا
(1) سقط من النسخ، وانظر الفروع 6/ 445، المبدع 10/ 38.
(2)
الحاقب: هو الذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز وحصر غائطه.
وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، والنُّعَاسِ، وَالبَردِ المُؤلِمِ، وَالحَرِّ المُزْعِجِ. فَإِنْ خَالفَ، وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَق، نفَذَ حُكْمُهُ. وَقَال القَاضِي: لَا يَنْفُذُ. وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ، جَازَ، وَإلَّا فَلَا.
ــ
في شِدةِ الجُوعِ، والعَطَشِ، والهَمِّ، والوَجَعِ، والنُّعاسِ، والبَرْدِ المُؤلِمِ، والحَرِّ المُزْعِجِ. وكذا في شِدةِ المرَضِ والخَوْفِ، والفَرَحِ الغالبِ، والمَلَلِ، والكَسَلِ، ونحوه. ومُرادُه بالغَضَبِ، الغضَبُ الكثيرُ. وكلامُ الأصحابِ في ذلك مُحْتَمِل للكراهَةِ والتَّحْريمِ. وصرح أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» بالتَّحْريمِ. قلتُ: والدَّليلُ في ذلك يقْتضِيه، وكلامُهم إليه أقْرَبُ. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّرْكَشِي: وظاهرُ كلامِ الخِرَقِي وعامَّةِ الأصحابِ، أنَّ المَنْعَ مِن ذلك على سَبِيلِ التَّحْريمِ. وذكَر ابنُ البَنا في «الخِصَالِ» الكراهَةَ، فقال: إنْ كان غَضْبانَ، أو جائِعًا، كُرِهَ له القَضاءُ. وقال في «المُغْنِي» (1): لا خِلافَ نَعْلَمُه (2)، أنَّ القاضيَ لا يَنْبَغِي له أنْ يقْضِيَ وهو غَضْبانُ.
(1) انظر المغني 14/ 25.
(2)
في الأصل: «يحلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: كانَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أنْ يقْضِيَ في حالِ الغضَبِ دُونَ غيرِه. ذكَره ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِي الفُروعِ» في كتابِ الطلاقِ.
قوله: فإنْ خالفَ وحَكَمَ فوافَقَ الحَقَّ، نَفَذَ حُكْمُه. وهذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: نفَذَ في الأصحِّ. قال في «تَجْريدِ العِنايةِ» : نفَذَ في الأظْهَرِ. واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَورِ» (1)، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ونَصَراه، و «المُحَررِ» ، و «النظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم.
وقال القاضي: لا ينْفُذُ -وهذا ممَّا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ- وقيل:. إنْ عرَض له بعدَ أنْ فَهِمَ الحُكْمَ، نفَذ، وإلَّا فلا. وتقدَّم نظِيرُ ذلك في المُفْتِي، في البابِ الذي قبلَه، في أوائلِ (1) أحْكامِ المُفْتِي.
(1) في ط: «آداب» .
وَلَا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَرْتَشيَ، وَلَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ إلا مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيهِ قَبْلَ ولايتهِ، بِشرْطِ أنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكُومَة.
ــ
قوله: ولا يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ إلا مِمَّنْ كانَ يُهْدِي إليه قَبْلَ ولايته، بشَرْطِ أنْ لا يكُونَ له حُكُومَة. وهذا المذهبُ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. وعليه جماهيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. قال في «القاعِدَةِ الخَمْسِين بعدَ المِائَةِ» : منَع الأصحابُ مِن قَبُولِ القاضي (1) الهَدِيّةَ (2). وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النظْمِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرّعايةِ الكُبْرى». وقيل:
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في ط: «هدية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له أنْ يقْبَلَها ممَّنْ كان يُهْدِي إليه قبلَ ولايته، ولو كان له حُكُومَة. قلتُ: وهو بعيدٌ جِدًّا. وقال أبو بَكْر في «التنبِيهِ» : لا يقْبَلُ الهَدِيَّةَ (1). وأطْلَقَ. وذكَر جماعَة مِن الأصحابِ، لا يقْبَلُ الهَدِيَّةَ ممنْ كانَ يُهْدِي إليه قبلَ ولايته إذا أحَسَّ أنَّ له حُكُومَةً. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايةِ» ، وغيرِهم. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : ولا يقْبَلُ الهَدِيَّةَ إلا مِن ذِي رَحِم مَحْرَم منه. وما هو ببَعِيدٍ. وقال القاضي في «الجامِعِ الصغِيرِ» : يَنْبَغِي أنْ لا يقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا مِن صَديق كانَ يُلاطِفُه قبلَ ولايته، أو ذِي رَحِم مَحْرَم منه، [بعدَ أنْ لا](2) يكونَ له (3) خَصْم. انتهى. وعِبارَتُه في «المُسْتَوْعِبِ» قرِيبة مِن هذه. وذكَر في «الفُصولِ» احْتِمالًا، أن القاضيَ في غيرِ عَمَلِه كالعادَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأولى، حيثُ قُلْنا بجَوازِ قبولِها، فرَدُّها أوْلَى، بل يُسْتَحَبُّ. صرَّح به القاضي وغيرُه. قال في «الفُروعِ»: ردُّها أوْلَى. وقال ابنُ حَمْدانَ: يُكْرَهُ أخْذُها.
الثانيةُ، لَا يَحْرُمُ على المُفْتِي أخْذُ الهَدِيَّةِ. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال في «آدابِ المُفْتِي» : وأمَّا الهَدِيَّةُ، فله قَبُولُها. وقيلَ: يَحْرُمُ إذا كانتْ رِشْوَةً على أنْ يُفْتِيَه بما يريدُ. قلتُ: أو يكونُ له فيه نَفْعٌ، مِن جَاهٍ أو مالٍ، فيُفْتِيه لذلك بما لا يُفْتِي به غيرَه ممَّنْ لا ينْتَفِعُ به كنَفْعِ الأوَّلِ. انتهى. وقال ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه»: وله قَبُولُ هَدِيةٍ. والمُرادُ، لا ليُفْتِيَه بما يريدُه، وإلا حَرُمَتْ. زادَ بَعْضُهم: أو لنَفْعِه بجَاهِه أو مالِه. وفيه نظَرٌ. ونقَل المَرُّوذِي، لا يقْبَلُ هَدِيةً إلَّا أنْ يُكافِئ. وقال: لو جعَل للمُفْتِي أهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا ليَتَفَرَّغَ لهم، جازَ. وقال في «الرِّعايةِ»: هو بعيدٌ، وله أخْذُ الرزْقِ مِن بَيتِ المالِ. وتقدَّم أن للحاكمِ طَلَبَ الرِّزْقِ له ولأمَنائِه، وهل يجوزُ له الأخْذُ، إذا لم يَكُنْ له ما يكْفِيه، أم لا؟ وكذلك المُفْتِي، في أوائلِ بابِ القَضاءِ.
الثَّالثةُ، الرشْوَةُ؛ ما يُعْطَى بعدَ طَلَبِه، والهَدِيَّةُ؛ الدَّفْع إليه ابْتِداءً. قاله في «التَّرْغيبِ» . ذكَرَه عنه في «الفُروعِ» في بابِ حُكْمِ الأرَضِين المَغْنُومَةِ.
الرَّابعةُ، حيثُ قُلْنا: لا يقْبَلُ الهَدِيَّةَ. وخالفَ وفَعَل، أخِذَتْ منه لبَيتِ المالِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على قولٍ؛ لخَبَرِ ابنِ اللُّتْبِيَّةِ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: تُرَدُّ إلى صاحِبِها، كمَقْبُوض بعَقْدٍ فاسدٍ. وهو الصَّحيحُ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يَمْلِكُها (1) إنْ عجَّلَ مُكافَأتها. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» . فعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، تُؤخَذُ هَدِيَّةُ العامِلِ للصدَقاتِ. ذكَرَه القاضي. واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» ، وقال: فدَل أنَّ في انْتِقالِ المِلْكِ في الرشْوَةِ والهَدِيَّةِ وَجْهَين. قال: ويتَوَجَّهُ، أنَّ ما في «الرعايةِ» ، أنَّ الساعِيَ يعْتَد لرَب المالِ بما أهْدَاه إليه، نصَّ عليه. وعنه، لا. مأخَذُه ذلك: ونقَل مُهَنَّا في مَن اشْتَرَى مِن وَكيل، فوَهَبَه شيئًا، أنَّه للمُوَكلِ. وهذا يدُلُّ لكلامِ القاضي المُتَقَدمِ، ويتَوَجهُ فيه، في نَقْلِ المِلْك الخِلافُ. وجزَم به ابنُ تَمِيم في عامِلِ الزَّكاةِ، إذا ظَهَرَتْ خِيانته برِشْوَةٍ أو هَدِيةٍ، أخَذَها الإمامُ [لا أرْبابُ](2) الأمْوالِ. وتَبِعَه في «الرعايَةِ» ، ثم قال: قلتُ: إنْ عُرِفُوا، رُدَّ إليهم. قال الإمامُ
(1) في ا: «لا يملكها» .
(2)
في الأصل: «لأرباب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، في مَن وَلِيَ شيئًا مِن أمْرِ السُّلْطانِ: لا أحِبُّ له أنْ يقْبَلَ شيئًا؛ يُرْوَى: «هَدَايا الأمَراء غُلُول» (1). والحاكِمُ خاصَّةً لا أُحِبُّه له، إلَّا ممَّنْ كانَ له به خُلْطَة ووُصْلَةٌ ومُكافَأَة قبلَ أنْ يلِيَ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، في مَن كسَبَ مالًا مُحَرَّمًا برِضَى الدَّافِعِ، ثم تابَ؛ كثَمَنِ خمْر ومَهْرِ بَغِيّ، وحُلْوانِ كاهِن، أنَّ له ما سَلَفَ. وقال أيضًا: لا ينْتَفِعُ به ولا يرُدُّه، لقَبْضِه عِوَضَه، ويتَصَدَّقُ به، كما نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، في حامِلِ الخَمْرِ. وقال في مالٍ مُكْتَسَبٍ مِن خمْر ونحوه: يتَصَدَّقُ به، فإذا تصَدَّقَ به، فلِلْفَقِيرِ أكلُه، ولوَلِيِّ الأمْرِ أنْ يُعْطِيَه لأعْوانِه. وقال أيضًا في مَن تابَ: إنْ عَلِمَ صاحِبَه، دفَعَه إليه، وإلَّا دفَعَه في مَصالحِ المُسْلِمين، وله -مع حاجَتِه- أخْذُ كِفايته. وقال في الرَّدُّ على الرَّافِضِي، في بَيع سَلاح في فِتْنَةٍ وعِنَبٍ لخَمْرٍ: يتَصَدَّق بثَمَنِه. وقال: هو قولُ مُحَققِي الفُقَهاءِ. قال في «الفُروعِ» : كذا قال، وقوْلُه مع الجماعَةِ أوْلَى. وتقدَّم ما يقْرُبُ مِن ذلك في بابِ الغصْبِ، عندَ قوْلِه: وإنْ بَقِيَتْ في يَدِه غُصُوب لا يعْرِفُ أرْبابَها.
الخامسةُ، لا يجوزُ إعْطاءُ الهَدِيَّةِ لمَن يشْفَعُ عندَ السُّلْطانِ ونحوه. ذكَرَه القاضي، وأوْمَأ إليه؛ لأنها كالأجْرَةِ، والشَّفاعَةُ مِن (2) المَصالحِ العامَّةِ، فلا يجوزُ أخْذُ الأجْرَةِ عليها (3)، وفيه حدِيث صَرِيحٌ في السُّنَنِ (4). ونصُّ الإمامُ أحمدُ،
(1) رواه الإمام أحمد، في: المسند من حديث أبي حميد الساعدي مرفوعًا، بلفظ «هدايا العمال» . المسند 5/ 424. وبلفظه أخرجه البيهقي، في: باب هدايا الأمراء غلول، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى 10/ 138. وانظر تلخيص الحبير 4/ 189، 190.
(2)
في الأصل: «على» .
(3)
في الأصل، ط:«عليه» .
(4)
وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابًا عظيما من أبواب الربا» . أخرجه أبو داود، في: باب في الهدية لقضاء الحاجة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 261.
وَيُكْرَهُ أنْ يَتَوَلَّى الْبَيعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَيُستَحَبُّ أنْ يُوَكِّلَ فِي ذلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أنَّهُ وَكِيلُهُ.
ــ
رحمه الله، في مَن عندَه وَدِيعَة فأدَّاها فأهْدِيَتْ إليه هَدِّيةٌ، أَنه لا يقْبَلُها إلَّا بنِيَّةِ المكافَأةِ. وحُكْمُ الهَديةِ عندَ سائرِ الأماناتِ كحُكْمِ الوَدِيعَةِ. قاله في «القاعِدَةِ الخَمْسِين بعدَ المِائَةِ» .
قوله: ويُكْرَهُ أنْ يَتَوَلَّى الْبَيعَ والشراءَ بنَفْسِه، ويُسْتَحَبُّ أنْ يُوكِّلَ في ذلكَ مَن لا يُعْرَفُ أنه وَكِيلُه. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْح» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم مِن الأصحابِ. وقدمه في «الفُروعِ» . وجعَلَها الشَّرِيفُ وأبو الخَطَّابِ كالهَدِيَّةِ. وجزَم به في
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ المَرضَى، وَشُهودُ الجَنَائِزِ، مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنَ الحُكْمِ.
ــ
«الرِّعايةِ» ، كالوَالِي. وسأله حَرْبٌ: هل للقاضي والوالِي أنْ يَتَّجِرَ؟ قال: لا. إلَّا أنَّه شدَّدَ في الوالِي.
فائدة: قولُه: ويُسْتَحَبُّ له عِيادَةُ المَرْضَى، وشُهُودُ الجَنائزِ، ما لم يَشْغَلْه عن الحُكْمِ. بلا نزاعٍ. وذكَر في «التَّرْغيبِ» ، ويُوَدِّعُ الغازِيَ، والحاجَّ. قاله في «الرِّعايةِ» . وزادَ، وله زِيارَةُ أهْلِه وإخْوانِه الصُّلَحاءِ، ما لم يشْتَغِلْ عن الحُكم.
وَلَه حُضُورُ الوَلَائِم، فَإِنْ كَثُرَتْ، تَرَكَهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْض.
ــ
قوله: وله حُضُورُ الوَلائِمِ. يعْنِي، مِن غيرِ كراهَةٍ. وهو المذهبُ. قال في «المُحَرر» ، و «الفروعِ» ، وغيرِهما: هو في الدَّعَواتِ كغيرِه. وقال أبو الخَطَّابِ: تُكْرَهُ له المُسارَعَةُ إلى غيرِ وَلِيمَةِ عُرْس، ويجوزُ له ذلك. وقال في «التَّرْغيبِ»: يُكْرَهُ. قال في «الرِّعايةِ» : كما لو قصد رِياءً، أو كانتْ لخَصْمٍ. وقدَّم في «التَّرْغيبِ» ، لا يَلْزَمُه حُضورُ وَليمَةِ العُرْسِ.
قوله: فإنْ كَثُرَتْ، ترَكَها كلَّها، ولم يُجِبْ بَعْضَهم دُونَ بعض. قال القاضي وغيرُه: لا يُجِبْ بعْضَهم دُونَ بعْض بلا عُذْرٍ. وهو صحيحٌ. وذكَر المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التَرْغيبِ» ، وجماعَة: إنْ كَثُرَتِ الوَلائِمُ، صانَ نفسَه
وَيُوصِي الوُكَلَاءَ وَالْأعْوَانَ عَلَى بَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالخُصُومِ، وَقِلَّةِ الطَّمَعِ، وَيَجْتَهِدُ أن يَكُونُوا شُيُوخًا أوْ كُهُولًا، مِنْ أهْلِ الدِّينِ والعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ.
وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا مُسْلِمًا، مُكَلَّفًا، عَدْلًا، حَافِظًا، عَالِمًا، يُجْلِسُهُ بِحَيثُ يُشَاهِدُ مَا يَكتُبُهُ، وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ مَخْتُومًا بَينَ يَدَيهِ.
ــ
وترَكَها. قال في «الفُروعِ» : ولم يذْكُروا، لو تَضَيَّفَ رَجُلًا. قال: ولعَل كلامَهم يجوزُ، ويتَوَجَّهُ، كالمُقْرِضِ، ولعَلَّه أوْلَى.
قوله: ويتخِذُ كاتِبًا مُسْلِمًا مُكَلفًا، عَدْلًا، حافِظًا، عالمًا. ولم يذْكُرْ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» ، مُكَلَّفًا. وقال: ويتَوَجَّهُ فيه ما (1) في عامِلِ الزَّكاةِ. وقال في «الكافِي» : عارِفًا. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ وافِرَ العَقْلِ، وَرِعًا، نزِهًا، ويُسْتَحَبُّ أن يكونَ فَقِيهًا، جَيِّدَ الخَطِّ، حُرا، وإن كانَ عَبْدًا، جازَ.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: اتِّخاذُ الكاتِبِ على سَبِيلِ الإباحَةِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصنفِ هنا. واخْتارَ
وَيُسْتَحَبُّ أنْ لَا يَحْكُمَ إلا بحَضْرَةِ الشهُودِ.
وَلَا يَحكُمُ لِنَفْسِهِ، وَلا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَيَحْكُمُ بَينَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ. وَقَال أبو بَكْر: يَجُوزُ ذَلِكَ.
ــ
المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ أن ذلك مُسْتَحَب. وجزَم به الزَّرْكَشِي.
قَوله: ولا يَحْكُمُ لنَفْسِه، ولا لمَن لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له، ويَحْكُمُ بَينَهُمْ بَعْضُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خُلَفائِه. حُكْمُه لنَفْسِه لا يجوزُ ولا يصِحُّ، بلا نِزاع. وحُكْمُه لمَن لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له لا يجوزُ أيضًا، ولا ينْفُذُ. على الصّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وحكَاه القاضي عِيَاض (1) إجماغا. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال أبو بَكْر: يجوزُ له ذلك. وهو رِوائة عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. ذكَرها في «المُبْهِجِ». وقيل: يجوزُ بينَ والِدَيه ووَلَدَيه. وما هو ببَعيد. وأطْلَقَ في «المُحَررِ» في جَوازِ حُكْمِه لمَن لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له وَجْهَين.
(1) سقط من: الأصل.
فَصْل: وَأوَّلُ مَا يَنظُرُ فِيهِ أمْرُ الْمُحْبَسِينَ، فَيَبْعَثُ ثِقَةً إِلَى
ــ
فوائد؛ الأولَى، يَحْكُمُ ليَتيمِه، على قَوْلِ أبي بَكْر. قاله في «التَّرْغيبِ» .
وقيل: وعلى قَوْلِ غيرِه أيضًا. قال في «الرِّعايةِ» : فإنْ صارَ وَصِيُّ اليَتيمِ حاكِمًا، حَكَمَ له بشُروطِه. وقيل: لا.
الثَّانيةُ، يجوزُ أنْ يسْتَخْلِفَ والِدَه ووَلَدَه، كحُكْمِه لغيرِه بشَهادَتِهما. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ الراغُونِيِّ، وأبو الوَفاءِ. وزادَ، إذا لم يتَعَلَّقْ عليهما مِن ذلك تُهْمَة، ولم يُوجِبْ لهما بقَبُولِ شَهادَتِهما رِيبَة، ولم يثْبُتْ بطَريقِ التَّزْكِيَةِ. وقيل: ليسَ له اسْتِخْلافُهما. قال في «الرِّعايةِ» : قلتُ: إنْ جازَتْ شَهادَته لهما وتزْكِيَتُهما، جازَ، وإلَّا فلا.
الثَّالثةُ، ليسَ له الحُكْمُ على عَدُوِّه، قوْلًا واحدًا، وله أنْ يُفْتِيَ عليه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيلَ: ليسَ له ذلك. كما تقدَّم في أحْكامِ المُفْتِي.
الْحَبْسِ، فَيَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوس، وَمَنْ حَبَسَهُ، وَفِيمَ حَبَسَهُ، فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، ثُمَّ يُنَادِي فِي البلَدِ: إِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي أمرِ الْمُحْبَسِينَ غَدًا، فَمَنْ لَهُ مِنْهُمْ خَصْمٌ فَلْيَحْضُرْ. فَإذا كَانَ الغَدُ، وَحَضَرَ القَاضِي، أحضَرَ رُقْعَةً، فَقَال: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَمَنْ خَصْمُهُ؟ فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ، نَظَرَ بَينَهُمَا.
ــ
الرّابعةُ، قولُهْ: فإنْ حَضَرَ خَصْمُه، نَظَرَ بَينَهما. بلا نِزاع. فإنْ كانَ حُبِسَ لتُعَدَّلَ البَينةُ، فإعادَتُه مَبْنِيَّة على حَبْسِه في ذلك. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إعادَتُه. وقال في «الرعايةِ» : تُعادُ (1) إنْ كانَ الأوَّلُ حَكَمَ به، مع أنَّه ذكَر أنَّ إطْلاقَ المَحْبُوسِ حُكْمٌ. قال في «الفروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه كفِعْلِه، وأنَّ مِثْلَه
(1) سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقْدِيرُ مُدَّةِ حَبسه ونحوُه. قال: والمُرادُ، إذا لم يأمُرْ ولم يأذَنْ بحَبْسِه وإطْلاقِه، وإلَّا فأمْرُه وإذنهْ حُكْم يرْفَعُ الخِلافَ. كما يأتِي.
وَإنْ كَانَ حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ، أو افْتِيَاتٍ عَلَى القَاضِي قَبْلَهُ، خَلَّى سَبِيلَهُ.
ــ
قوله: فإنْ كانَ حُبِس في تُهْمَةٍ، أو افْتِياتٍ على القاضِي قَبْلَه، خلَّى سَبِيلَه.
وَإنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْم، وَقَال: حُبِسْتُ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ، وَلَا خَصْمَ لِي. نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإنْ حَضَرَ لَهُ خَصْم وإلَّا احْلَفَهُ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
ــ
وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ، والشارِحُ: لأنَّ المَقْصُودَ بحَبْسِه التأدِيبُ، وقد حصَل. وقال ابنُ مُنَحى: لأنَّ بَقاءَه في الحَبْس ظُلْم. قلتُ: في هذا نظَر. وقال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: وإنْ حَبَسه تَعْزيرًا أو تُهمَةً، خَلَّاه، أو بَقاه بقَدْرِ ما يرَى. وكذا قال في «الفُروعِ» وغيرِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ولعَلَّه مُرادُ مَن أطْلَقَ، وتعْلِيلُ الشارِحِ يدُلُّ عليه.
قوله: وإنْ لم يَحْضُرْ له خَصْم، وقال: حُبِسْتُ ظُلْمًا، ولا حَقَّ عليَّ، ولا خَصْمَ لي. نادَى بذلك ثَلًالا، فإنْ حضَر له خَصْم وإلَّا أحلَفَه، وخَلَّى سَبِيلَه. وكذا قال في «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي» ، وغيرهم. وأقَره الشارحُ، وابنُ مُنَجَّى على ذلك. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نُودِيَ بذلك. ولم يذْكُروا ثَلًاثًا. قلتُ: يَحْتَمِلُ أن مُرادَ مَن قيد بالثلاثِ، أنه يَشْتَهِرُ بذلك، ويظْهَرُ له (1) غَرِيمٌ -أنْ كانَ- في الغالِبِ. ومُرادُ مَن لم يُقَيِّدْ، أنه يُنادَى عليه حتى يغْلِبَ على الظنِّ أنه ليسَ له غَرِيم، ويحْصُلُ ذلك في الغالِبِ في ثَلاثٍ، فيَكونُ المَعْنَى في الحَقِيقَةِ واحِدًا، وكَلامُهم (2) مُتفِق. لكِنْ حكَى في «الرِّعايتَين» القَوْلَين، وقام عدَمَ التَّقْيِيدِ بالثلاثِ، فظاهِرُه التنافِي بينَهما.
فوائد؛ الأولَى، لو كان خَصْمُه غائِبًا، أبْقاهُ حتى يَبْعَثَ إليه. على الصحيحِ مِن المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين». وقيل: يُخَلِّي سَبِيلَه، كما لو جَهِلَ مَكانَه، أو تَأخرَ بلا عُذْر. قلتُ: وهو ضعيفٌ. وقال في «الفُروعِ» : والأوْلَى أنْ لا يُطْلِقَه إلا بكَفِيلٍ. واخْتارَه في «الرِّعايَةِ» . قلتُ: وهو عَينُ الصوابِ، إذا قُلْنا: يُطْلَقُ.
الثانيةُ، لو حُبِسَ بقِيمَةِ كَلْبٍ، أو خَمْرِ ذِمِّيٍّ، فقيلَ: يُخَلَّى سَبِيلُه. وقدمه في «الرعايةِ الكُبْرى» ، وقال: إنْ صدَّقَه غَرِيمُه. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وقدَّمه الشارِحُ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «المُغْنِي» . وقيل: يُبَقَّى. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وقيل: يَقِفُ ليَصْطَلِحا على شيءٍ. وجزَم في «الفُصولِ» ، أنَّه يرْجِعُ إلى رَأيِ الحاكمِ الجديدِ.
الثالثةُ، إطْلاقُ الحاكمِ المحْبوسَ مِن الحَبْسِ أو غيرِه حُكْم. جزَم به في «الرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ» . وكذا أمْرُه بإراقَةِ نَبِيذٍ. ذكَرَه في «الأحْكامِ السُّلْطانِيةِ» ، في المُحْتَسِبِ. وتقدَّم في بابِ الصُّلْعِ، أن إذنه في مِيزابٍ وبِناءٍ
(1) سقط من: ط.
(2)
بعده في ط: «في الرعاية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه يمْنَعُ الضَّمانَ؛ لأنه كإذْنِ الجميعِ. ومَن منَع؛ فلأنه ليسَ له عندَه أنْ يأذَنَ، لا لأنَّ إذنه لا يرْفَعُ الخِلافَ، ولهذا يرْجِعُ بإذْنِه في قَضاءِ دَين ونفَقَةٍ، وغيرِ ذلك، ولا يضْمَنُ بإذْنِه في النَّفَقَةِ على لَقِيطٍ وغيرِه، بلا خِلافٍ، وإنْ ضَمِنَ لعدَمِها؛ ولهذا إذْنُ الحاكمِ في أمْر مُخْتَلَفٍ فيه، كافٍ بلا خِلاف. وسَبَق كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدينِ، رحمه الله، أنَّ الحاكِمَ ليسَ هو الفاسِخَ، وإنَّما يأذَنُ له، ويحْكُمُ به، فمتَى أذِنَ أو حكَمَ لأحَد باسْتِحْقاقِ عَقْدٍ أو فَسْخ، فعَقَدَ أو فَسَخَ، لم يحْتَجْ بعدَ ذلك إلى حُكْم بصِحَّتِه، بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو عقَدْ هو أو فسَخَ، فهو فِعْلُه. وهل فِعْلُه حُكْم؟ فيه الخِلافُ المَشْهورُ. انتهى. وقال في «الرِّعايةِ»: وإنْ ثَبَتَ عليه قَوَدٌ لزَيدٍ، فأمَر بقَتْلِه، ولم يقُلْ: حَكَمْتُ به. أو أمَر رَبَّ الدَّينِ الثابتِ أنْ يأخُذَه مِن مالِ المَدْيونِ، ولم يقُلْ: حكَمْتُ به. احْتَمَلَ وَجْهَين. وكذا حَبْسُه، وإذنه في القَتْلِ وأخْذِ الدَّينِ. انتهى.
الرابعةُ، فِعْلُه حُكْم. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. وقد ذكَر الأصحابُ في حِمَى الأئمةِ، أن اجْتِهادَ الإمامِ لا يجوزُ [نقْضُه، كما لا يجوزُ](1) نقْضُ حُكْمِه. وذَكروا -خَلا (2) المُصَنِّفِ- أن المِيزابَ ونحوَه يجوزُ بإذْن، واحْتَجُّوا بنَصْبِه -عليه أفْضَلُ الصلاةِ والسَّلامِ- مِيزابَ العَبَّاسِ، رضي الله عنه (3). وقال المُصَنفُ في «المُغْنِي» (4) وغيرِه، في بَيعِ ما فُتِحَ عَنْوَة: إنْ باعَه الإمامُ لمَصْلَحَة رَآها، صحَّ؛ لأنَّ فِعْلَ الإمامِ كحُكْمِ الحاكمِ. وقال في
(1) سقط من: ط.
(2)
في ا: «خلاف» .
(3)
تقدم تخريجه في 13/ 186.
(4)
انظر المغني 4/ 195.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُغْنِي» (1) أيضًا: لا شُفْعَةَ فيها، إلا أنْ يحْكُمَ ببَيعِها حاكِم، أو يفْعَلَه الإمامُ أو نائبُه. وقال في «المُغْنِي» (1) أيضًا: إنَّ ترْكَها بلا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لها، وأنَّ ما فَعَلَه الأئِمَّةُ ليس لأحَدٍ نقْضُه. واخْتارَ أبو الخَطابِ رِوايةً، أن الكافِرَ لا يَمْلِكُ مال مُسْلِم بالقَهْرِ. وقال: إنَّما منْعُه منه بعدَ القِسْمَةِ؛ لأنَّ قِسْمَةَ الإمامِ تجْرِي مَجْرَى الحُكْمِ. انتهى. وفِعْلُه حُكْم؛ كتَزْويجِ يَتيمَةٍ، وشِراءِ عَين غائبَةٍ، وعَقْدِ نِكاحٍ بلا وَلِيٍّ. وذكَرَه المُصَنِّفُ في عَقْدِ النِّكاح بلا وَلِيٍّ، وغيرُه. وذكَرَه الشيخُ تَقِي الدينِ، رحمه الله، أصحَّ الوَجْهَين. وذكَر الأزَجِيُّ -في مَن أقَر لزَيدٍ، فلم يُصَدِّقْه، وقُلْنا: يأخُذُه الحاكِمُ. ثم ادَّعَاه المُقِرُّ- لم يصِح؛ لأنَّ قَبْضَ الحاكمِ بمَنْزِلَةِ الحُكْمِ بزَوالِ مِلْكِه عنه. وذكَر الأصحابُ في القِسْمَةِ المُطْلَقَةِ المَنْسِيةِ، أنَّ قُرْعَةَ الحاكِمِ كحُكْمِه لا سَبِيلَ إلى نقْضِه. وقال القاضي في «التَّعْليقِ» ، والمَجْدُ في «المُحَررِ»: فِعْلُه حُكْم -إنْ حكَم به هو أو غيرُه وفاقًا- كفُتْيَاه. فإذا قال: حَكَمْتُ بصِحَّتِه. نفَذَ حُكْمُه باتِّفاقِ الأئِمةِ. قاله الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. وقال [ابنُ القَيِّمِ] (2) في «إعْلامِ المُوَقِّعِينَ»: فُتْيا الحاكِمِ ليستْ حُكْمًا منه، فلو حكَم غيرُه بغيرِ ما أفْتَى، لم يكُنْ نقْضًا لحُكْمِه، ولا هي كالحُكْمِ، ولهذا يجوزُ لنْ يُفْتِيَ للحاضِرِ والغائبِ، ومَن يجوزُ حُكْمُه له ومَن لا يجوزُ. انتهى. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: حُكْمُه يَلْزَمُ بأحَدِ ثلاثةِ ألْفاظٍ: ألزَمْتُكَ. أو: قَضَيتُ له به عليكَ. أو: أخْرِجْ إليه منه. وإقْرارُه ليسَ كحُكْمِه.
(1) انظر المغني 4/ 189 - 191.
(2)
سقط من: الأصل.
ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الأَيتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالوُقُوفِ،
ــ
الخامسةُ، قولُه: ثم يَنْظُرُ في أَمْرِ الأَيتامِ والمَجانِينِ والوُقُوفِ. بلا نِزاعٍ، وكذا الوَصايا. فلو نفَّذَ الأَوَّلُ وَصِيَّتَه، لم يَعْزِلْه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ معْرِفَةُ أهْلِيَّتِه، لكِنْ يُراعِيه. قال في «الفُروعِ»: فدَلَّ أنَّ إثْباتَ ضِفَةٍ؛ كعَدالةٍ وجَرْحٍ وأهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ وغيرِها، حُكْمٌ -خِلافًا لمالِكٍ، رحمه الله يقْبَلُه حاكمٌ خِلافًا لمالِكٍ، وأنَّ له إثْباتَ خِلافِه. وقد ذكَر الأصحابُ أنَّه إذا بانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ، يعْمَلُ بعِلْمِه في عَدالتِه، أو يحْكُمُ. وقال في «الرِّعايتَين» هنا: وينْظُرُ في أمْوالِ الغُيَّابِ. زادَ في «الكُبْرى» ، وكُلِّ ضالَّةٍ ولُقَطَةٍ، حتى الإِبِلِ ونحوها. انتهى. وقد ذكَرَ الأصحابُ -منهم المُصَنِّفُ في هذا الكِتابِ، في أواخِرِ البابِ الذي بعدَ هذا- إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ادَّعَى أنَّ أباه ماتَ عنه، وعن أَخٍ له غائبٍ، وله مالٌ في ذِمَّةِ فُلانٍ، أو دَينٌ عليه، وثَبَتَ ذلك، أنَّه يأْخُذُ مال الغائبِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. ويدْفَعُ إلى الأخِ الحاضِرِ نَصِيبَه. وتقدَّم في بابِ مِيراثِ المَفْقودِ، أنَّ الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ، رحمه الله، قال: إذا حصَل لأَسِيرٍ مِن وَقْفٍ شيءٌ، تَسَلَّمَه وحَفِظَه وَكِيلُه ومَن ينْتَقِلُ إليه جميعًا. واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» .
السَّادِسَةُ، مَن كانَ مِن أُمَناءِ الحاكمِ للأَطْفالِ، أو الوَصايا التي لا وَصِيَّ لها، ونحوه بحالِه، أقَرَّه؛ لأنَّ الذي قبْلَه وَلَّاه، ومَن فسَقَ، عزَلَه، ويضُمُّ إلى الضَّعِيفِ
ثُمَّ حَال القَاضِي قَبْلَهُ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، لَمْ يَنْقُضْ مِنْ أَحْكَامِهِ إلا مَا خَالفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا.
ــ
أمِينًا. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّها مسْأَلَةُ النَّائبِ. وجعَل في «التَّرْغيبِ» أُمَناءَ الأَطْفالِ كنائبِه في الخِلافِ، وأنَّه يضُمُّ إلى وَصِيٍّ فاسِقٍ أو ضَعِيفٍ أمينًا، وله إبدْالُه.
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: ثم -يَنْظُرُ في- حالِ القاضِي قبلَه. وُجوبُ النَّظَرِ في أحْكامِ مَن قبْلَه؛ لأنَّه عطَفَه على النَّظَرِ في أمْرِ الأَيتامِ والمَجانِينِ والوُقوفِ، وتابَع في ذلك صاحِبَ «الهِدايةِ» فيها وغيرَه. وهو ظاهِرُ «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: له النَّظَرُ في ذلك مِن غيرِ وُجوبٍ. وهو المذهبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في «الفُروعِ» : وله -في الأصحِّ- النَّظَرُ في حالِ مَن قبْلَه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وقُوَّةُ كلامِ الخِرَقِيِّ تقْتَضِي أنَّه لا يجِبُ عليه تتَبُّعُ قَضايا مَن قبْلَه. وهو ظاهرُ «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه الزَّرْكَشِيُّ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» . وقيل: ليسَ له النَّظَرُ في حالِ مَن قبْلَه ألْبَتَّةَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فإنْ كانَ مِمَّن يَصْلُحُ للقَضاءِ، لم يَنْقُضْ مِن أَحْكامِه إلا ما خالفَ نَصَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كِتابٍ أو سُنَّةً. كقَتْلِ المُسْلِمِ بالكافِرِ. نصَّ عليه. فيَلْزَمُه نقْضُه. نصَّ عليه. إذا عَلِمْتَ ذلك، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه ينْقُضُ حُكْمَه إذا خالفَ سُنَّةً، سواءٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانتْ مُتَواتِرَةً أو آحادًا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا ينْقُضُ حُكْمَه إذا خالفَ سُنَّةً غيرَ مُتَواتِرَةٍ.
قوله: أو إِجْمَاعًا. الإِجْماعُ إجْماعَان؛ إجْماعٌ قَطْعِيٌّ، وإجْماعٌ ظَنِّيٌّ؛ فإذا خالفَ حُكْمُه إجْماعًا قَطْعِيًّا، نقَضَ حُكْمَه قَطْعًا، وإنْ [كان ظَنِّيًّا](1)، لم يَنْقُضْ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ». وقيل: يَنْقُضُ. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وكلامِ «الوَجيزِ» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم مِن الأصحابِ.
تنبيه: صرَّح المُصَنِّفُ، أنَّه لا يُنْقَضُ الحُكْمُ إذا خالفَ القِياسَ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به أكثرُهم. وقيل: يُنْقَضُ إذا خالفَ قِياسًا جَلِيًّا. وفاتًا لمالِكٍ والشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُما اللهُ. واخْتارَه في «الرِّعايتَين». وقال: أو خالفَ حُكْمَ غيرِه قبْلَه. قال: وكذا يُنْقَضُ مَن حَكَّمَ نَفْسَه (2)، وحاكم مُتَوَلٍّ غيرَه. وقيل: إنْ خالفَ قِياسًا، أو سُنَّةً، أو
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ، نَقَضَ أَحْكَامَهُ وَإِنْ وَافَقَتِ الصَّحِيحَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ الصَّوَابَ مِنْهَا.
ــ
إجْماعًا في حُقوقِ اللهِ تعالى -كطَلاقٍ وعِتْقٍ- نقَضَه. وإنْ كانَ في حقِّ آدَمِيٍّ، لم ينْقُضْه إلَّا بطَلَبِ رَبِّه. وجزَم به في «المُجَرَّدِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .
فائدة: لو حكَمَ بشاهِدٍ ويَمِينٍ، لم يُنْقَضْ. وذكَرَه القَرَافِيُّ إجْماعًا. ويُنْقَضُ حُكْمُه بما لم يعْتَقِدْه، وفاقًا للأئمَّةِ الأرْبَعَةِ. وحكاه القَرَافِيُّ أيضًا إجْماعًا. وقال في «الإِرْشادِ»: وهل يُنْقَضُ بمُخالفَةِ قوْلِ صَحابِيٍّ (1)؟ يتَوَجَّهُ نقْضُه إنْ جُعِلَ حُجَّةً كالنَّصِّ، وإلَّا فلا؟ قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والسِّتِّين»: لو حكَم في مسْألَةٍ مُخْتَلَفٍ فيها بما يرَى أنَّ الحقَّ في غيرِه، أَثِمَ وعَصَى بذلك، ولم يُنْقَضْ حُكْمُه، إلَّا أنْ يكونَ مُخالِفًا لنَصٍّ صَريحٍ. ذكَرَه ابنُ أبي مُوسى. وقال السَّامَرِّيُّ: يُنْقَضُ حُكْمُه. نقَل ابنُ الحَكَمِ، إنْ أخَذ بقَوْلِ صَحابِيٍّ، وأخَذَ آخَرُ بقَوْلِ تابِعِيٍّ، فهذا يُرَدُّ حُكْمُه؛ لأنَّه حُكْمٌ تجَوَّزَ وتأَوَّلَ الخَطَأَ. ونقَل أبو طالِبٍ، فأمَّا إذا أخْطَأَ بلا تأْويلٍ، فليَرُدَّه، ويَطْلُبْ صاحِبَه حتى يَرُدَّه فيَقْضِيَ بحقٍّ.
قوله: وإِنْ كانَ مِمَّن لا يَصْلُحُ، نَقَضَ أَحْكامَه. هذا المذهبُ. وعليه أكثرُ
(1) في النسخ: «صاحب» . وانظر الفروع 6/ 457، والمبدع 10/ 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. نقَل عَبْدُ اللهِ، إنْ لم يكُنْ عَدْلًا، لم يُجِزْ حُكْمَه. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال في «تَجْريدِ العِنايةِ»: هذا الأشْهَرُ.
ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَنْقُضَ الصَّوابَ منها. واخْتارَه المُصَنِّفُ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «التَّرْغيبِ» . وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وأبي بَكْرٍ، وابنِ عَقِيلٍ، وابنِ البَنَّا، حيثُ أَطْلَقوا أنَّه لا يَنْقُضُ مِن الحُكْمِ إلَّا ما خالفَ كِتابًا أو سُنَّةً أو إجْماعًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ، وعليه عَمَلُ النَّاسِ مِن مُدَدٍ، ولا يسَعُ النَّاسَ غيرُه. وهو قولُ أبي حَنِيفَةَ، ومالِكٍ، رحِمَهُما اللهُ. وأمَّا إذا خالفَتِ الصَّوابَ، فإنَّها تُنْقَضُ بلا نِزاعٍ. قال في «الرِّعايةِ»: ولو ساغَ فيها الاجْتِهادُ.
فائدتان؛ إحْداهما، حُكْمُه بالشَّيءِ حُكْمٌ بلازِمِه. ذكَرَه الأصحابُ في المَفْقُودِ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ. يعْنِي؛ أنَّ الحُكْمَ بالشَّيءِ لا يكونُ حُكْمًا بلازِمِه. وقال في «الانْتِصارِ» ، في لِعانِ عَبْدٍ: في إعادَةِ فاسِقٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَهادَتُه لا تُقْبَلُ؛ لأنَّ رَدَّه لها حُكْمٌ بالرَّدِّ، فقَبُولُها نقْضٌ له فلا يجوزُ، بخِلافِ رَدِّ صَبِيٍّ وعَبْدٍ، لإِلْغاءِ قوْلِهما. وقال في «الانْتِصارِ» أيضًا في شَهادَةٍ في نِكاحٍ: لو قُبِلَتْ، لم يكُنْ نَقْضًا للأَوَّلِ، فإنَّ سَبَبَ الأَوَّلِ الفِسْقُ، وزال ظاهِرًا، لقَبُولِ سائرِ شَهاداتِه. وإذا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الواقِعَةِ فتَغَيَّرَ القَضاءُ بها، لم يكُنْ نقْضًا للقَضاءِ الأوَّلِ، بل رُدَّتْ للتُّهْمَةِ؛ لأنَّه صارَ خَصْمًا فيه، فكأَنَّه شَهِدَ لنَفْسِه، أو لوَلِيَّه. وقال في «المُغْنِي»: ردُّ شهادةِ الفاسقِ باجتهادِه. فقبولُها نقضٌ له. وقال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، في رَدِّ عَبْدٍ: لأنَّ الحُكْمَ قد مضَى، والمُخالفَةُ في قَضِيَّةٍ واحدَةٍ نقْضٌ مع العِلْمِ. وإنْ حكَم ببَيِّنَةِ خارِجٍ، أو جَهِلَ عِلْمَه ببَيِّنَةِ داخِلٍ، لم يُنْقَضْ؛ لأنَّ الأَصْلَ جَرْيُه على العَدْلِ والصِّحَّةِ. ذكَرَه المُصنِّفُ في «المُغْنِي» في آخِرِ فُصولِ مَنِ ادَّعَى شيئًا في يَدِ غيرِه (1). قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ. يعْنِي بنَقْضِه.
الثَّانيةُ، ثُبوتُ الشيءِ عندَ الحاكمِ ليسَ حُكْمًا به. على ما ذكَرُوه في صِفَةِ السِّجِلِّ، وفي كتابِ القاضي، على ما يأْتِي. وكلامُ القاضي هناك يُخالِفُه. قال ذلك في «الفُروعِ» وقد دلَّ كلامُه في «الفُروعِ» في بابِ كتابِ القاضِي إلى القاضِي، أنَّ في الثُّبوتِ خِلافًا؛ هل هو حُكْمٌ، أمْ لا؟ بقَوْلِه في أوائلِ البابِ: فإنْ حكَم المالِكِيُّ للخِلافِ في العَمَلِ بالخَطِّ، فلحَنْبَلِيٍّ تنْفِيذُه، وإنْ لم يحْكُمِ
(1) انظر المغني 14/ 297.
وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى القَاضِي خَصْمٌ لَهُ، أَحْضَرَهُ. وَعَنْهُ، لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا.
ــ
المالِكِيُّ، بل قال: ثَبَتَ كذا. فكذلك؛ لأنَّ الثُّبوتَ عندَ المالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إنْ رأَى الحَنْبَلِيُّ الثُّبوتَ حُكْمًا، نفَّذَه، وإلَّا فالخِلافُ. ويأْتِي في آخرِ البابِ الذي يَلِيه، هل تنْفِيذُ الحاكمِ حُكْمٌ، أمْ لا؟.
قوله: وإِذا اسْتَعْداه أَحَدٌ على خَصْمٍ له، أَحْضَرَه. يعْنِي، يَلْزَمُه إحْضارُه. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الهِدايةِ»: هذا اخْتِيارُ عامَّةِ شُيوخِنا. قال في «الخُلاصةِ» : وهو الأصحُّ. قال النَّاظِمُ: وهو الأَقْوَى. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : وهو المذهبُ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنه، لا يُحْضِرُه حتى يعْلَمَ أنَّ لِما ادَّعاه أصْلًا. وقدَّمه في «الحاوي» . وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغرى» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وأَطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «المُحَرَّرِ» . فلو كان لِما ادَّعاه أصْلٌ، بأَنْ كانَ بينَهما مُعامَلَةٌ، أحْضَره. وفي اعْتِبارِ تحْريرِ الدَّعْوَى لذلك قبلَ إحْضارِه وَجْهان. وأَطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى». قال في «الفُروعِ»: ومَنِ اسْتَعْداهُ على خَصْمٍ في البَلَدِ، لَزِمَه إحْضارُه. وقيل: إنْ حرَّر دَعْواه. وقال في «المُحَرَّرِ» : ومَن اسْتَعْداهُ على خَصْمٍ حاضرٍ في البَلَدِ، أحْضَرَه، لكِنْ في اعْتِبارِ تحْريرِ الدَّعْوى وَجْهان. فظاهِرُ كلامِ صاحبِ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، أنَّ المَسْألتَين مسْألَةٌ واحدةٌ، وجَعَلا الخِلافَ فيها وَجْهَين. وحكَى صاحِبُ «الهِدايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم، هل يُشْتَرَطُ في حُضورِ الخَصْمِ أنْ يعْلَمَ أنَّ لِما ادَّعاه الشَّاكِي أصْلًا، أمْ لا؟ ولم يَذْكُروا تحْرِيرَ الدَّعْوَى، فالظَّاهِرُ أنَّ هذه مسْألَةٌ وهذه مسْأَلَةٌ. فعلى القَوْلِ بأنَّه يُشْتَرَطُ أنْ يعْلَمَ أنَّ لِما ادَّعاه أصْلًا، يُحْضِرُه، لكِنَّ في اعْتِبارِ تحْرِيرِ الدَّعْوى قبلَ إحْضارِه الوَجْهَين. وذكَرهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» مسْأَلَتَين، فقال: وإنِ ادَّعَى على حاضِرٍ في البَلَدِ، فهل له أنْ يُحْضِرَه قبلَ أنْ يعْلَمَ أنَّ بينَهما مُعامَلَةً فيما ادَّعاه؟ على رِوايتَين، وإنْ كان بينَهما مُعامَلَةٌ، أحْضَرَه أو وَكِيلَه. وفي اعْتِبارِ تحْريرِ الدَّعْوى لذلك قبلَ إحْضارِه وَجْهان. انتهى. وهو الصَّوابُ. وذكَرَ في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» و «الحاوي الصَّغِيرِ» المَسْألَةَ الثَّانيةَ طريقَةً.
فائدتان؛ إحْداهما، لا يُعْدَى حاكمٌ في مِثْلِ ما لا تَتْبَعُه الهِمَّةُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: ولا يَنْبَغِي للحاكمِ أنْ يسْمَعَ شَكِيَّةَ أحَدٍ إلَّا ومعه خَصْمُه، هكذا وَرَدَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
(1) وهو ما جاء في حديث علي رضي الله عنه عندما بعثه النبي إلى اليمن فقال له: «إذا جلس بين يديك خصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء» .
أخرجه أبو داود، في: باب كيف القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 270. والترمذي، في: باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما، كتاب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 72. وابن ماجه، في: باب ذكر القضاء، من كتاب الأقضية. سنن ابن ماجه 2/ 774. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 90.
وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى القَاضِي قَبْلَهُ، سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ قَال: لِي عَلَيهِ دَينٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ، أَوْ رِشْوَةٌ. رَاسَلَهُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ، وَقَال: إِنَّمَا يُرِيدُ تَبْذِيلِي. فَإِنْ عَرَفَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا، أَحْضَرَه، وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُه؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
الثَّانيةُ، متى لم يَحْضُرْ، لم يُرَخِّصْ له في تَخَلُّفِه، وإلَّا أعْلَمَ به الوالِيَ، ومتى حضَرَ، فله تأْدِيبُه بما يراه.
تنبيه: مُرادُ المُصَنِّفِ هُنا وغيرِه، إذا اسْتَعْداه على حاضِرٍ في البَلَدِ. أمَّا إنْ كانَ المُدَّعَى عليه غائبًا، فيَأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوَّلِ الفَصْلِ الثَّالثِ مِن البابِ الآتِي بعدَ هذا. وكذا إذا كان غائبًا عنِ المَجْلِسِ، ويأْتِي هناك أيضًا.
قوله: وإِنِ اسْتَعْداه على الْقاضِي قَبْلَه، سَأَلَه عَمَّا يَدَّعِيه، فإِنْ قال: لي عليه دَينٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن مُعامَلَةٍ، أو رِشْوَةٍ. راسَلَه، فإنِ اعْتَرَفَ بذلكَ، أَمَرَه بالخُرُوجِ منه، وإِنْ أَنْكَرَه، وقال: إنَّما يُرِيدُ -بذلك- تَبْذِيلي. فإن عَرَفَ لِما ادَّعاه أَصْلًا، أَحْضَرَه، وإِلَّا فهل يُحْضِرُه؟ على رِوايتَين. يعْنِي، وإنْ لم يَعْرِفْ لِمَا ادَّعاه أصْلًا. واعلمْ أنَّه إذا ادَّعى على القاضِي المَعْزُولِ، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه يُعْتَبَرُ تحْرِيرُ الدَّعْوَى في حقِّه. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايتَين». قال في «الفُروعِ»: ويُعْتَبَرُ تحْرِيرُها في حاكمٍ مَعْزُولٍ في الأصحِّ. وقيلَ: هو كغيرِه. قال في «الشَّرْحِ» : وإنِ ادَّعَى عليه الجَوْرَ في الحُكْمِ، وكان للمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، أحْضَرَه وحكَم بالبَيِّنَةِ، وإنْ لم يكُنْ معه بَيِّنَةٌ، ففي إحْضارِه وَجْهان. انتهى. وعنه، متى بَعُدَتِ الدَّعْوَى عُرْفًا، لم يُحْضِرْه حتى يُحَرِّرَها، ويتَبَيَّنَ (1) أَصْلَها. وزاد في «المُحَرَّرِ» في هذه الرِّوايةِ فقال: وعنه، كلُّ مَن يُخْشَى بإحْضارِه ابْتِذَالُه إذا بَعُدَتِ الدَّعْوى عليه في العُرْفِ، لم يُحْضِرْه، حتى يُحَرِّرَ ويُبَيِّنَ أصْلَها. وعنه، متى تَبَيَّنَ، أحْضَرَه، وإلَّا فلا.
تنبيه: لابُدَّ مِن مُراسَلَتِه قبلَ إحْضارِه على كلِّ قَوْلٍ. على الصَّحيحِ مِن
(1) في الأصل: «يتبين» .
وَإِنْ قَال: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَينِ. فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيرِ يَمِينٍ.
ــ
المذهبِ. صحَّحه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . قال في «الفُروعِ» : ويُراسِلُه في الأصحِّ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : ومُراسَلَتُه أظْهَرُ. قال النَّاظِمُ: وراسِلْ (1) في الاقْوَى. وجزَم به كثيرٌ مِن الأصحابِ، منهم صاحِبُ «الوَجيزِ». وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: يُحْضِرُه مِنْ غير مُراسَلَةٍ. وهو رِوايةٌ في «الرِّعايةِ» ، وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» ، فإنَّه لم يذْكُر المُراسَلَةَ، بل قال: إنْ ذكَر المُسْتَعْدِي (2) أنَّه يدَّعِي عليه حقًّا مِن دَينٍ أو غَصْبٍ، أعْداه عليه، كغيرِ القاضِي. وأَطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
قوله: فإنْ قال: حَكَمَ عليَّ بشَهادَةِ فاسِقَين. فأَنْكَرَ، فالقَوْلُ قَوْلُه بغَيرِ
(1) في الأصل: «أرسل» .
(2)
في الأصل: «المتعدى» .
وَإِنْ قَال الحَاكِمُ الْمَعْزُولُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي ولَايَتِي لِفُلَانٍ
ــ
يَمِينٍ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يُقْبَلُ قولُه إلَّا بيَمِينِه.
فائدة: قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: تخْصِيصُ الحاكمِ المَعْزولِ بتَحْريرِ الدَّعْوَى في حقِّه لا مَعْنَى له، فإنَّ الخَلِيفَةَ ونحوَه في مَعْناه، وكذلك العالِمُ الكَبِيرُ والشَّيخُ المَتْبوعُ. قلتُ: وهذا عَينُ الصَّوابِ. وكلامُهم لا يُخالِفُ ذلك، والتَّعْلِيلُ يدُلُّ على ذلك. وقد قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وكذلك الخِلافُ والحُكْمُ في كلِّ مَن خِيفَ تَبْذِيلُه، ونَقْصُ حُرْمَتِه بإحْضارِه، إذا بَعُدَتِ الدَّعْوى عليه عُرْفًا. قال (1): كَسُوقِيٍّ ادَّعَى أنَّه تزَوَّجَ بِنْتَ سُلْطانٍ كبيرٍ، أو اسْتَأْجرَه لخِدْمَتِه. وتقدَّم أنَّ ذلك رِوايةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال في «الخُلاصةِ» ، بعدَ أنْ ذكَر حُكْمَ القاضي المَعْزولِ: وكذلك ذَوُو الأَقْدارِ.
قوله: وإنْ قَال الحاكِمُ المعْزُولُ: كُنْتُ حَكَمْتُ في ولايَتِي لفُلانٍ بحَقٍّ. قُبِلَ.
(1) سقط من: ط.
عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ. قُبِلَ قَوْلُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ.
ــ
هذا المذهبُ، سواءٌ ذكَر مُسْتَنَدَه، أوْ لا. جزَم به القاضي في «جامِعِه» ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيه» (1) الكبيرِ والصَّغيرِ، وابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. واخْتارَه الخِرَقِيُّ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «تَجْريِدِ العِنايةِ»: وكذا يُقْبَلُ بعدَ عَزْلِه، في الأَظْهَرِ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. [وقيَّده في «الفُروعِ» بالعَدْلِ. وهو أَوْلَى. وأَطْلَقَ أكثرُهم](2).
(1) في الأصل، ط:«خلافه» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَحْتَمِلُ أَنْ لا يُقْبَلَ. وهو لأبي الخَطَّابِ. قال المُصَنِّفُ: وقولُ القاضي في فُروعِ هذه المَسْأَلَةِ يقْتَضِي أنْ لا يُقْبَلَ قوْلُه هنا. فعلى هذا الاحْتِمالِ، هو كالشَّاهِدِ. قال في «المُحَرَّرِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُقْبَلَ إلَّا على وَجْهِ الشَّهادَةِ إذا كان عن إقْرارٍ. وقال في «الرِّعايةِ» : ويَحْتَمِلُ ردُّه، إلَّا إذا اسْتَشْهَدَ مع عَدْلٍ آخَرَ عندَ حاكمٍ غيرِه، أنَّ حاكِمًا حكَمَ به، أو أنَّه حُكْمُ حاكمٍ جائزِ الحُكْمِ، ولم يذْكُرْ نفْسَه. ثم حكَى احْتِمال «المُحَرَّرِ» قوْلًا. انتهى. وقيل: ليسَ هو كشَاهِدٍ. وجزَم به في «الرَّوْضَةِ» ، فلابُدَّ مِن شاهِدَين سِواه. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، إذا أخْبَرَ الحاكِمُ في حالِ ولايَتِه أنَّه حكَمَ لفُلانٍ بكذا، في آخِرِ البابِ الآتِي بعدَ هذا؛ وهو قوْلُه: وإنِ ادَّعَى إنْسانٌ أنَّ الحاكِمَ حكَمَ له، فصَدَّقَه، قُبِلَ قولُ الحاكمِ. فعلى المذهبِ، مِن شَرْطِ قَبُولِ قَوْلِه أنْ لا يُتَّهَمَ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرُه. نقَله الزَّرْكَشِيُّ.
تنبيه: قال القاضي مَجْدُ الدِّينِ: قَبُولُ قوْلِه مُقَيَّدٌ بما إذا لم يشْتَمِلْ على إبْطالِ حُكْمِ حاكمٍ آخَرَ، فلو حَكَمَ حَنَفِيٌّ برُجوعِ واقِفٍ على نفْسِه، فأَخْبَرَ حاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ أنَّه كان حَكَمَ قبلَ حُكْمِ الحَنَفِيِّ بصِحَّةِ الوَقْفِ المَذْكورِ، لم يُقْبَلْ. نقَله القاضي مُحِبُّ الدِّينِ في «حَواشِي الفُروعِ» ، وقال: هذا تقْيِيدٌ حسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمادُه. وقال القاضي مُحِبُّ الدِّينِ: ومُقْتَضَى إطْلاقِ الفُقَهاءِ قَبُولُ قوْلِه، ولو كانَتِ العادَةُ تَسْجِيلَ أحْكامِه وضَبْطَها بشُهودٍ، ولو قيَّد ذلك بما إذا لم يكُنْ عادَةً، كان مُتَّجِهًا؛ لوُقوعِ الرِّيبَةِ، لمُخالفَتِه للعادَةِ. انتهى. قلتُ: ليسَ الأمْرُ كذلك، بل يُرْجَعُ إلى صِفَةِ الحاكمِ. ويدُلُّ عليه ما قاله أبو الخَطَّابِ وغيرُه، على ما تقدَّم.
فوائد؛ الأُولَى، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رَحِمَه اللهُ تعالى: كِتابُه في غيرِ عَمَلِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو بعدَ عَزْلِه، كخَبَرِه. ويأْتِي ذلك أيضًا.
الثَّانيةُ، نَظِيرُ مسْألَةِ إخْبارِ الحاكمِ في حالِ الولايَةِ والعَزْلِ، أمِيرُ الجِهادِ وأمِينُ الصَّدَقَةِ وناظِرُ الوَقْفِ. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ». قال في «الانْتِصارِ»: كلُّ مَن صحَّ منه إنْشاءُ أمْرٍ، صحَّ إقْرارُه به.
الثَّالثةُ، لو أخْبَرَه حاكِمٌ آخَرُ بحُكْمٍ أو ثُبوتٍ في عَمَلِهما، عَمِلَ به في غَيبَةِ المُخْبِرِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايةِ»: عَمِلَ به مع غَيبَةِ المُخْبِرِ عن المَجْلِسِ.
الرَّابعةُ، يُقْبَلُ خَبَرُ الحاكمِ لحاكمٍ آخَرَ في غيرِ عَمَلِهما، وفي عَمَلِ أحَدِهما. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، واخْتارَه ابنُ حَمْدانَ، وصحَّحه في «النَّظْمِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وإليه مَيلُ أبي محمدٍ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وابنُ رَزِينٍ، والزَّرْكَشِيُّ. وعندَ القاضي لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُقْبَلُ في ذلك كلِّه إلَّا أنْ يُخْبِرَ في عَمَلِه حاكِمًا في غيرِ عَمَلِه، فيَعْمَلَ به إذا بلَغ عَمَلَه وجازَ حُكْمُه بعِلْمِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «التَّرْغيبِ». ثمَّ قال: وإنْ كانَا في ولايةِ المُخْبِرِ، فوَجْهان. وفيه أيضًا، إذا قال: سَمِعْتَ البَيِّنَةَ فاحْكُمْ. لا فائدَةَ له مع حَياةِ البَيِّنَةِ، بل عندَ العَجْزِ عنها. فعلى قولِ القاضي ومَن تابَعَه، يفَرَّقُ بينَ هذه المَسْألَةِ وبينَ ما إذا قال الحاكِمُ المَعْزولُ: كنتُ حَكَمْتُ في ولايَتِي لفُلانٍ بكذا. أنَّه يُقْبَلُ هناك، ولا يُقْبَلُ هنا. فقال الزَّرْكَشِيُّ: وكأَنَّ الفَرْقَ ما يحْصُلُ مِن الضَّرَرِ
وَإِنِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيرِ بَرْزَةٍ، لَمْ يُحْضِرْهَا، وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيهَا اليَمِينُ، أَرْسَلَ إِلَيهَا مَنْ يُحْلِفُهَا.
ــ
بتَرْكِ قَبُولِ قولِ المَعْزُولِ، بخِلافِ هذا.
قوله: وإِنِ ادَّعَى على امْرَأَةٍ غيرِ بَرْزَةٍ، لم يُحْضِرْها، وأَمَرَها بالتَّوْكِيلِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به الأكثرُ. وأَطْلَقَ ابنُ شِهَابٍ وغيرُه إحْضارَها؛ لأنَّ حقَّ الآدَمِيِّ مَبْناه على الشُّحِّ والضِّيقِ، ولأنَّ مَعَها أمِينَ الحاكِمِ، فلا يحْصُلُ معه خِيفَةُ الفُجورِ، والمُدَّةُ يسِيرَةٌ، كسَفَرِها مِن مَحَلَّةٍ إلى مَجَلَّةٍ، ولأنَّها لم تُنْشِئْ هي إنَّما أُنْشِئَ بها. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ، إنْ تعَذَّرَ حُصولُ الحقِّ بدُونِ إحْضارِها، أحْضَرها. وذكَر القاضي أنَّ الحاكِمَ يَبْعَثُ مَن يقْضِي بينَها وبينَ خَصْمِها.
فوائد؛ الأُولَى، لا يُعْتَبَرُ لامْرَأَةٍ بَرْزَةٍ في حُضورِها مَحْرَمٌ. نصَّ عليه. وجزَم به الأصحابُ. وغيرُها تُوَكِّلُ، كما تقدَّم. وأَطْلَقَ في «الانْتِصارِ» النَّصَّ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَرْأَةِ، واخْتارَه إنْ تعَذَّرَ الحقُّ بدُونِ حُضورِها، كما تقدَّم.
الثَّانيةُ، البَرْزَةُ؛ هي التي تَبْرُزُ لحَوائِجِها. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وقال في «المُطْلِعِ»: هي الكَهْلَةُ التي لا تحْتَجِبُ احْتِجَابَ الشَّوَابِّ. والمُخْدَرَةُ بخِلافِها. وقال في «التَّرْغيبِ» : إنْ خَرَجَتْ للعَزاءِ والزِّياراتِ (1) ولم تُكْثِرْ، فهي مُخْدَرَةٌ.
الثَّالثةُ، المَرِيضُ يُوَكِّلُ كالمُخْدَرَةِ.
(1) في ط: «الرزايا» .
وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ البَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ، كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَينَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ. ثُمَّ يُحْضِرُهُ وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ.
ــ
قوله: وإنِ ادَّعَى على غائِبٍ عن البَلَدِ في مَوْضِعٍ لا حاكِمَ فيه، كَتَبَ إلى ثِقَاتٍ مِن أَهْلِ ذلك الْمَوْضِعِ، ليَتَوَسَّطُوا بَينَهُما، فإِنْ لم يَقْبَلُوا، قِيلَ للخَصْمِ: حَقِّقْ ما تَدَّعِيه. ثُمَّ يُحْضِرُه، وإنْ بَعُدَتِ المَسافَةُ. وهذا المذهبُ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» -ونَصَرَاه- و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُحْضِرُه مِن مَسافَةِ قَصْرٍ فأَقَلَّ. وقيل: لا يُحْضِرُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا إذا كانَ لدُونِ مَسَافَةِ القَصْرِ. وعنه، لدُونِ يومٍ. جزَم به في «التَّبْصِرَةِ» ، وزادَ، بلا مُؤْنَةٍ ولا مَشَقَّةٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وقيل: إنْ جاءَ وعادَ في يومٍ، أُحْضِرَ ولو قبلَ تحْرِيرِ الدَّعْوى. وقال في «التَّرْغيبِ»: لا يُحْضِرُه مع البُعْدِ حتى تَتَحَرَّرَ دَعْواه. وفي «التَّرْغيبِ» أيضًا: يَتَوَقَّفُ إحْضارُه على سَماعِ البَيِّنَةِ إن كان ممَّا لا يُقْضَى فيه بالنُّكولِ. قال: وذكَر بعْضُ أصحابِنا، لا يُحْضِرُه مع البُعْدِ، حتى يصِحَّ عندَه ما ادَّعاه. وجزَم به في «التَّبْصِرَةِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: مَحَلُّ هذا إذا كانَ الغائِبُ في مَحَلِّ ولايَتِه.
فائدتان؛ إحْداهما، لو ادَّعَى قبلَه شَهادَةً، لم تُسْمَعْ دَعْواه، ولم يُعْدَ عليه، ولم يُحَلَّفْ عندَ الأصحابِ. خِلافًا للشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، رحمه الله، في ذلك. قال: وهو ظاهرُ نَقْلِ صالحٍ، وحَنْبَلٍ. وقال: لو قال: أَنا أَعْلَمُها (1) ولا أُؤَدِّيها. فظاهِرٌ، ولو نَكَلَ، لَزِمَه ما ادَّعَى به إنْ قيلَ: كِتْمانُها مُوجِبٌ لضَمانِ ما تَلِفَ. ولا يَبْعُدُ، كما يضْمَنُ في تَرْكِ الإِطْعامِ الواجِبِ.
الثَّانيةُ، لو طَلَبَه خَصْمُه، أو حاكمٌ ليَحْضُرَ مَجْلِسَ الحُكْمِ، لَزِمَه الحُضورُ، حيثُ يَلْزَمُ إحْضارُه بطَلَبِه منه.
(1) في الأصل: «أعملها» .