الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ طَرِيقِ الحُكْمِ وَصِفَتِهِ
إِذَا جَلَسَ إِلَيهِ خَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ المُدَّعِي مِنْكُمَا؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى، قَدَّمَهُ،
ــ
بابُ طَريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه
قوله: إذا جَلَسَ إليه خَصْمان، فله أَنْ يَقُولَ: مَن المُدَّعِي مِنْكما؟ وله أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئا. الصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه إذا جلَسَ إليه خَصْمان (1)، فله (2) أنْ يقولَ: مَن المُدَّعِي مِنْكما؟ وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ» : وله
(1) في الأصل، م:«الخصمان» .
(2)
في الأصل: «له» ، وفي ا:«أن له» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يسْكُتَ حتى يَبْدَآ، والأَشْهَرُ، وأنْ يقولَ: أيُّكُما المُدَّعِي؟ وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقيلَ: لا يقُولُه حتى يَبْتَدِآ بأَنْفُسِهما، فإنْ سكَتا، أو سكَتَ الحاكِمُ، قال القائِمُ على رَأْسِ القاضِي: مَن المُدَّعِي مِنْكُما؟.
فائدتان؛ الأُولَى، لا يقُولُ الحاكِمُ ولا القائمُ على رَأْسِه لأحَدِهما: تَكَلَّمْ. لأنَّ في إفْرادِه بذلك تَفْضِيلًا له وتَرْكًا للإِنْصافِ.
الثَّانيةُ، لو بدَأَ أحدُهما فادَّعَى، فقال خَصْمُه: أَنا المُدَّعِي. لم يُلْتَفَتْ إليه،
وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا، قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ. فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ، سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ.
ــ
ويُقالُ له: أَجِبْ عن دَعْواه، ثم ادَّعِ بما شِئْتَ.
قوله: وإنِ ادَّعَيا مَعًا، قَدَّمَ أَحَدَهما بالْقُرْعَةِ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الشَّارِحُ: قِياسُ المذهبِ، أنْ يُقْرِعَ بينَهما. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُقَدِّمُ الحاكِمُ مَن شاءَ منهما.
فائدتان؛ إحْداهما، لا تُسْمَعُ الدَّعْوَى المَقْلُوبَةُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: وسَمِعَها بعْضُهم واسْتَنْبَطَها. قلتُ: الذي يظْهَرُ، أنَّه اسْتَنْبَطَها مِن الشُّفْعَةِ؛ فيما إذا ادَّعَى الشَّفِيعُ على شَخْصٍ أنَّه اشْتَرَى الشِّقْصَ، وقال: بلِ اتَّهَبْتُه. أو: وَرِثْتُه. فإنَّ القولَ قولُه مع يَمِينِه، فلو نَكَلَ عنِ اليَمِينِ، أو قامَتْ للشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ بالشِّراءِ، فله أخْذُه ودَفْعُ ثَمَنِه. فإنْ قال: لا أَسْتَحِقُّه. قيل له: إمَّا أنْ تقْبَلَ، وإمَّا أنْ تُبْرِئَه. على أحَدِ الوُجوهِ. وقطَع به المُصَنِّفُ هناك. فلو ادَّعَى الشَّفِيعُ عليه ذلك، ساغَ، وكانتْ شَبِيهَةً بالدَّعْوَى المَقْلُوبَةِ. ومِثْلُه في الشُّفْعَةِ أيضًا، لو أقرَّ البائعُ بالبَيعِ وأنْكَرَ المُشْتَرِي -وقُلْنا: تجِبُ الشُّفْعَةُ- وكان البائعُ مُقِرًّا بقَبْضِ الثَّمَنِ مِن المُشْتَرِي، فإنَّ الثَّمَنَ الذي في يَدِ الشَّفيعِ لا يدَّعِيه أحدٌ، فيُقالُ للمُشْتَرِي: إمَّا أنْ تقْبِضَ، وإمَّا أنْ تُبْرِئَ. على أحَدِ الوُجوهِ. وتقدَّم ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ. وقال الأصحابُ -ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: لو جاءَه بالسَّلَمِ قبلَ مَحِلِّه، ولا ضرَر في قَبْضِه، لَزِمَه ذلك، فإنِ امْتَنَعَ مِن القَبْضِ، قيلَ له: إمَّا أنْ تقْبِضَ حقَّكَ، أو تُبْرِئَ منه. فإنْ
ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ؟ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ سُؤَالهُ حَتَّى يَقُولَ المُدَّعِي: اسْأَلْ سُؤَالهُ عَنْ ذَلِكَ.
ــ
أبَى، رُفِعَ الأمْرُ إلى الحاكِمِ، على ما تقدَّم في بابِ السَّلَمِ. وكذا في الكِتابةِ. فيُسْتَنْبَطُ مِن ذلك كلِّه صِحَّةُ الدَّعْوَى المَقْلُوبَةِ.
الثَّانيَةُ، لا تصِحُّ الدَّعْوى والإِنْكارُ إلَّا مِن جائزِ التَّصَرُّفِ. وقد صرَّح به المُصَنِّفُ في أوَّلِ بابِ الدَّعاوَى والبَيِّناتِ في قوْلِه: ولا تصِحُّ الدَّعْوَى والإِنْكارُ إلَّا مِن جائزِ التَّصَرُّفِ. انتهى. وتصِحُّ الدَّعْوَى على السَّفِيهِ فيما يُؤْخَذُ به في (1) حالِ حَجْرِه (2) لسَفَهٍ، وبعْدَ فَكِّ حَجْرِه، ويُحلَّفُ إذا أنْكَرَ.
قوله: ثمَّ يَقُولُ للْخَصْمِ: ما تَقُولُ فيما ادَّعاه؟ هذا المذهبُ. قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: هذا أصحُّ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ونصَراه.
ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَمْلِكَ سُؤاله حتى يقولَ المُدَّعِي: واسْأَلْ سُؤاله عن ذلك. وفي
(1) في الأصل: «على» .
(2)
في الأصل، ا:«عجزه» .
فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ، لَمْ يَحْكُمْ لَهُ حَتَّى يُطَالِبَهُ المُدَّعِي بِالْحُكْمِ.
ــ
«المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وَجْهان.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّ الدَّعْوى تُسْمَعُ في القَليلِ والكثيرِ. وهو كذلك، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «التَّرْغيبِ»: لا تُسْمَعُ في مِثْلِ ما لا تَتْبَعُه الهِمَّةُ، ولا يُعْدَى حاكِمٌ في مِثْلِ ذلك.
قوله: فإنْ أَقَرَّ له، لم يَحْكُمْ له حَتَّى يُطالِبَه المدَّعِي بالْحُكْمِ. هذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: ولا يَحْكُمُ له إلَّا بسُؤالِه، في الأصحِّ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم.
وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ المُدَّعِي: أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا. أَوْ: بِعْتُهُ. فَيَقُولَ: مَا أَقْرَضَنِي وَلَا بَاعَنِي. أَوْ: مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ،
ــ
قال المُصَنِّفُ: هكذا ذكَرَه أصحابُنا. قال: ويَحْتَمِلُ أنْ يجوزَ (1) له الحُكْمُ قبلَ مَسْألَةِ المُدَّعِي؛ لأنَّ الحال يدُلُّ على إرَادَتِه ذلك، فاكْتَفى بها كما اكْتَفَى في مسْألَةِ المُدَّعَى عليه الجَوابَ؛ ولأنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ لا (2) يعْرِفُ مُطالبَةَ الحاكِمِ (3) بذلك. انتهى. ومال إليه في «الكافِي». وقال في «الفُروعِ» أيضًا: فإنْ أقَرَّ، حَكَمَ. قاله جماعَةٌ. وقال في «التَّرْغيبِ»: إنْ أقَرَّ، فقد ثَبَتَ، ولا يَفْتَقِرُ إلى قولِه: قَضَيتُ. في أحَدِ الوَجْهَين، بخِلافِ قِيامِ البَيِّنَةِ؛ لأنَّه يتعَلَّقُ باجْتِهادِه. قال في «الرِّعايةِ»: وقيلَ: يَثْبُتُ الحقُّ بإقْرارِه وبدُونِ حُكْمٍ.
فائدة: لو قال الحاكِمُ للخَصْمِ: يَسْتَحِقُّ عليك كذا؟ فقال: نعمْ. لَزِمَه. ذكَرَه في «الواضِحِ» في قولِ الخاطِبِ للوَلِيِّ: أزَوَّجْتَ؟ قال: نعم.
قوله: وإنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ المُدَّعِي: أَقْرَضْتُه أَلْفًا. أو: بِعْتُه. فَيَقُولَ:
(1) في الأصل، ا:«لا يجوز» .
(2)
في الأصل، ط:«ما» .
(3)
في الأصل: «الحكم» .
وَلَا شَيئًا مِنْهُ. أَوْ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ. صَحَّ الجَوَابُ.
ــ
ما أَقْرَضَنِي ولا باعَنِي. أو: ما يَسْتَحِقُّ عليَّ ما ادّعاه، ولا شَيئًا منه. أَو: لا حَقَّ له عليَّ. صَحَّ الْجَوَابُ. مُرادُه، ما لم يعْتَرِفْ بسَبَبِ الحقِّ، فلو اعْتَرَفَ بسَبَبِ الحقِّ، مِثْلَ ما لو ادَّعَتْ مَن تعْتَرِفُ بأَنَّها زَوْجَتُه المَهْرَ، فقال: لا تَسْتَحِقُّ عليَّ شيئًا. لم يصِحَّ الجوابُ، ويَلْزَمُه المَهْرُ، إنْ لم [يُقِمْ بَيِّنَةً](1) بإسْقاطِه، كجَوابِه في دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ به، لا يَسْتَحِقُّ عليَّ شيئًا. ولهذا لو أقَرَّتْ في مرَضِها، لا مَهْرَ لها عليه، لم يُقْبَلْ إلَّا ببَيِّنَةٍ أنَّها أخَذَتْه. نقَله مُهَنَّا. قال في «الفُروعِ»: والمُرادُ، أو (2) أنَّها أسْقَطَتْه في الصِّحَّةِ. وهو كما قال.
فائدتان؛ إحْداهما، لو قال لمُدَّعٍ (3) دِينارًا: لا تَسْتَحِقُّ عليَّ حَبَّةً. فعندَ ابنِ عَقِيلٍ، أنَّ هذا ليسَ بجَوابٍ؛ لأنَّه لا يُكْتَفَى في دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بنَصٍّ، ولا يُكْتَفَى بالظَّاهِرِ، ولهذا لو حلَفَ: واللهِ إنِّي لَصادِقٌ فيما ادَّعَيتُه عليه. أو حَلَفَ المُنْكِرُ: إنَّه لَكاذِبٌ فيما ادَّعاه عليَّ. لم يُقْبَلْ. وعندَ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، رحمه الله، يَعُمُّ الحَبَّاتِ، وما لم ينْدَرِجْ في لَفْظِ حَبَّةٍ، مِن بابِ الفَحْوَى، إلَّا أنْ يُقال: يعُمُّ حقِيقَةً عُرْفِيَّةً. وقد تقدَّم في اللِّعانِ وَجْهان؛ هل يُشْترَطُ قوْلُه: فيما رَمَيتُها به؟.
الثَّانيةُ، لو قال: لِي عليكَ مِائَةٌ. فقال: ليسَ لكَ عليَّ مِائَةٌ. فلا بُدَّ أنْ يقُولَ: ولا شيءٌ منها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، كاليَمِينِ. وقيل: لا يُعْتَبَرُ. فعلى
(1) في الأصل: «تقم بينته» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «المدعى» .
وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَال الْحَاكِمُ: أَلَكَ
ــ
الأَوَّلِ، لو نَكَلَ عمَّا دُونَ المِائَةِ، حكَمَ عليه بمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا. وإنْ قُلْنا برَدِّ اليَمِينِ، حَلَفَ المُدَّعِي على ما دُونَ المِائَةِ، إذا لم يُسْنِدِ المِائَةَ إلى عَقدٍ؛ لكَوْنِ اليَمِينِ (1) لا تَقَعُ إلَّا مع ذِكْرِ النِّسْبَةِ، لتُطابِقَ الدَّعْوَى. ذكَره في «التَّرْغيبِ». وإنْ أجابَ مُشْتَرٍ لمَن يسْتَحِقُّ المَبيعَ بمُجَرَّدِ الإِنْكارِ: رجَعَ عليَّ البائعُ بالثَّمَنِ. وإنْ قال: هو مِلْكِي اشْتَرَيتُه مِن فُلانٍ، وهو مِلْكُه. ففي الرُّجوعِ وَجْهان. وأَطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وإنِ انْتُزِعَ المَبِيعُ مِن يَدِ مُشْتَرٍ ببَيِّنَةِ مِلْكٍ مُطْلَقٍ، رجَع على البائعِ، في ظاهرِ كلامِهم. قاله في «الفُروعِ» ، كما يرْجِعُ في بَيِّنَةِ مِلْكٍ سابِقٍ. وقال في «التَّرْغيبِ»: يَحْتَمِلُ عندِي أنْ لا يرْجِعَ؛ لأنَّ المُطْلَقَةَ تقْتَضِي الزَّوال مِن وَقْتِه، لأنَّ ما قبلَه غيرُ مَشْهُودٍ به. قال الأَزَجِيُّ: ولو قال: لكَ عليَّ شيءٌ. فقال: ليسَ لي عليكَ شيءٌ، إنَّما لِي عليكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ. لم تُقْبَلْ منه دَعْوَى الأَلْفِ؛ لأنَّه نَفَاها بنَفْيِ الشَّيْءِ. ولو قال: لك عليَّ دِرْهَمٌ. فقال: ليسَ لي (2) عليك في دِرْهَمٌ ولا دانِقٌ، إنَّما لي عليكَ أَلْفٌ. قُبِلَ منه دَعْوَى الأَلْفِ؛ لأنَّ معْنَى نفْيِه. ليسَ حقِّي هذا القَدْرَ. قال: ولو قال: ليسَ لكَ عليَّ شيءٌ إلَّا دِرْهَمٌ. صحَّ ذلك. ولو قال: ليسَ له عليَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةٌ. فقِيلَ: لا يَلْزَمُه شيءٌ؛ لتَخَبُّطِ اللَّفْظِ. والصَّحيحُ أنَّه (3) يَلْزَمُه ما أَثْبَتَه، وهي الخَمْسَةُ؛ لأنَّ التَّقْدِيرَ، ليسَ له عليَّ عَشَرَةٌ، لكِنْ خَمْسَةٌ. ولأنَّه اسْتِثْناءٌ مِن النَّفْي، فيَكونُ إثْباتًا.
قوله: وللْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ. وإنْ لم يَقُلْ، قال الحاكِمُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟
(1) في النسخ: «الثمن» . وانظر الفروع 6/ 467، والمبدع 10/ 59.
(2)
سقط من: الأصل، ط.
(3)
سقط من: ط.
بَيِّنَةٌ؟ فَإِنْ قَال: لِي بَيِّنَةٌ. أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا.
ــ
وله قولُ ذلك قبلَ أنْ يقُولَ المُدَّعِي: لي بَيِّنَةٌ. فإنْ قال: لي بَيِّنَةٌ. أمَرَه بإحْضارِها. ومَعْناه، إنْ شِئْتَ فأَحْضِرْها. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا. وقدَّمه في «الفُروعِ» . قال في «الهِدايةِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهما: وإنْ أنْكَرَ، سأَلَ المُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ وقال في «المُحَرَّرِ» : لا يقولُ الحاكِمُ للمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ إلَّا إذا لم يَعْرِفْ (1) أنَّ هذا مَوْضِعُ البَيِّنَةِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . قال في «الرِّعايةِ» ، و «الحاوي»: فإنْ قال المُدَّعِي: لي بَيِّنَةٌ.
(1) في الأصل: «يعلم» .
فَإِنْ أَحْضَرَهَا، سَمِعَهَا الحَاكِمُ، وَحَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ المُدَّعِي.
ــ
وأحْضَرَها، حكَمَ بها، وإنْ جَهِلَ أنَّه مَوْضِعُها، قال له: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فإنْ قال: نعم. طَلَبَها، وحكَمَ بها. وكذا إنْ قال: إنْ كانتْ لكَ بَيِّنَةٌ فأَحْضِرْها إنْ شِئْتَ. فَفَعَلَ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي»: لا يأْمُرُه بإحْضارِها؛ لأنَّ ذلك حقٌّ له، فله أنْ يفْعَلَ ما يَرَى.
قوله: فإذا أَحْضَرَها، سَمِعَها الحاكِمُ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ لا يسْأَلُها الحاكِمُ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقال: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ.
فائدة: لا يقُولُ الحاكِمُ لهما: اشْهَدا. وليسَ له أنْ يُلَقِّنَهما. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ» : ولا يَنْبَغِي ذلك. وقال في «المُوجَزِ» :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُكْرَهُ ذلك، كتَعَنُّتِهما (1) وانْتِهارِهما. وظاهِرُ «الكافِي» في التَّعَنُّتِ والانْتِهارِ، يَحْرُمُ.
قوله: فإذا أَحْضَرَها، سَمِعَها الْحاكِمُ، وحَكَمَ بها إِذا سَأَلَه الْمُدَّعِي. الصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يحْكُمُ إلَّا بسُؤالِ المُدَّعِي، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: له الحُكْمُ قبْلَ سُؤالِه. وهي شَبِيهَةٌ بما إذا أَقَرَّ له، على ما تقدَّم.
فائدة: إذا شَهِدَتِ البَيِّنَةُ، لم يَجُزْ له تَرْدِيدُها، ويَحْكُمُ في الحالِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايةِ»: إنْ ظَنَّ الصُّلْحَ، أَخَّرَ الحُكْمَ. وقال في «الفُصولِ»: وأَحْبَبْنا له أمْرَهما بالصُّلْحِ، ويُؤَخِّرُه، فإنْ أبَيا، حَكَمَ. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يقولُ له الحاكِمُ: قد شَهِدا عليكَ، فإنْ كانَ قادِحٌ فبَيِّنْه عندِي. يعْنِي، يُسْتَحَبُّ ذلك. وذكَره غيرُهما، وذكَره (2) في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، فيما إذا ارْتَابَ فيهما. قال في «الفُروعِ»: فدَلَّ أنَّ له الحُكْمَ مع الرِّيبَةِ (3). [قلتُ: الحُكْمُ مع الرِّيبَةِ](4) فيه نَظَرٌ بَيِّنٌ. وقال في «التَّرْغيبِ» وغيرِه: لا يجوزُ الحُكْمُ (5) بضِدِّ ما يعْلَمُه، بل يتَوَقَّفُ، ومع اللُّبْسِ يأْمُرُ بالصُّلْحِ، فإنْ عجِلَ فحكَمَ قبلَ البَيانِ،
(1) في الأصل: «كتعنفهما» ، وفي ا:«كتعنيفهما» .
(2)
في ط: «ذكر» .
(3)
في الأصل: «الرتبة» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَرُمَ، ولم يصِحَّ.
تنبيه: ظاهِرُ قولِه: فإذا أحْضَرَها، سَمِعَها الحاكِمُ وحكَمَ. أنَّ الشَّهادَةَ لا تُسْمَعُ قبلَ الدَّعْوَى (1). واعلمْ أنَّ الحقَّ حقَّان؛ حقٌّ لآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وحقٌّ للهِ، فإنْ كان الحقُّ لآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّها لا تُسْمَعُ قبلَ الدَّعْوَى. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ذكَراه في أثْناءِ كِتابِ الشَّهاداتِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وسَمِعَها القاضي في «التَّعْليقِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، إنْ لم يعلَمْ به. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وهو غَرِيبٌ. وذكَر الأصحابُ أنَّها تُسْمَعُ بالوَكالةِ مِن غيرِ خَصْمٍ. ونقَله مُهَنَّا. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: تُسْمَعُ ولو كان في البَلَدِ. وبَناه القاضي، وغيرُه، على جَوازِ القَضاءِ على الغائبِ. انتهى. والوَصِيَّةُ مثْلُ الوَكالةِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: الوَكالةُ إنَّما تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ حقٍّ أو إبْقاءَه، وهو ممَّا لا حَقَّ للمُدَّعَى عليه فيه (2)، فإنَّ دفْعَه إلى الوَكيلِ وإلى غيرِه سَواءٌ، ولهذا لم يشْتَرِطْ فيها رِضاه. وإنْ كانَ الحقُّ للهِ تعالى؛ كالعِباداتِ، والحُدودِ، والصَّدَقَةِ، والكفَّارَةِ، لم تصِحَّ به الدَّعْوى، بل ولا تُسْمَعُ. وتُسْمَعُ البَيِّنَةُ مِن غيرِ تقدُّمِ دَعْوَى. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «التَّعْليقِ»: شَهادَةُ الشُّهودِ دَعْوَى. قيل للإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، في بَيِّنَةِ الزِّنى: تحْتاجُ إلى مُدَّعٍ؟ فذَكَرَ خَبَرَ أبي بَكْرَةَ (3)، رضي الله عنه، وقال: لم يكُنْ مُدَّعٍ. وقال في «الرِّعايةِ» : تصِحُّ دَعْوَى حِسْبَةٍ
(1) بعده بهامش ط: «إذا كان الحق لمعين لا تسمع البينة قبل الدعوى» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
تقدم تخريجه في 26/ 318، 320.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن كلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ في حقِّ اللهِ تعالى؛ كعِدَّةٍ، وحَدٍّ، ورِدَّةٍ، وعِتْقٍ، واسْتِيلادٍ، وطَلاقٍ، وكفَّارَةٍ، ونحو ذلك، وبكُلِّ حقٍّ لآدَمِيٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ، وإنْ لم يَطْلُبْه مُسْتَحِقُّه. وذكَر أبو المَعالِي، لنائبِ الإِمامِ مُطالبَةُ رَبِّ مالٍ باطِنٍ بزَكاةٍ، إذا ظَهَرَ له تقْصِيرٌ. وفيما أوْجَبَه مِن نَذْرٍ وكفَّارَةٍ ونحوه، وَجْهان. وقال القاضي في «الخِلافِ» في مَن تَرَكَ الزَّكاةَ: هي آكَدُ؛ لأنَّ للإِمامِ أنْ يُطالِبَ (1) بها، بخِلافِ الكفَّارَةِ والنَّذْرِ. وقال في «الانْتِصارِ» في حَجْرِه على مُفْلِسٍ: الزَّكاةُ، كَمَسْألَتِنا، إذا ثَبَتَ وُجوبُها عليه، لا الكفَّارَةُ. وقال في «التَّرْغيبِ»: ما شَمِلَه حقُّ اللهِ والآدَمِيِّ، كسَرِقَةٍ، تُسْمَعُ الدَّعْوَى في المالِ، ويُحَلَّفُ مُنْكِرٌ. ولو عادَ إلى مالِكِه، أو مَلَكَه سارِقُه، لم تُسْمَعْ؛ لتَمَحُّضِ حقِّ اللهِ. وقال في السَّرِقَةِ: إنْ شَهِدَتْ بسَرِقَةٍ قبلَ الدَّعْوى، فأصحُّ الوَجْهَين، لا تُسْمَعُ، وتُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ أنَّه أباعَه فُلانٌ. وقال في «المُغْنِي»: كسَرِقَةٍ، وزِناه بأَمَتِه لمَهْرِها، تُسْمَعُ، ويُقْضَى على ناكِلٍ بمالٍ. وقاله ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه.
فائدة: تُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ ولو أنْكَرَ العَبْدُ. نقَله المَيمُونِيُّ. وذكَرَه في «المُوجَزِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» ، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» .
تنبيه: وكذا الحُكْمُ في أنَّ الدَّعْوى لا تصِحُّ ولا تُسْمَعُ، وتُسْمَعُ البَيِّنَةُ قبلَ الدَّعْوَى في كلِّ حَقٍّ لآدَمِيٍّ غيرِ مُعَيَّنِ؛ كالوَقْفِ على الفُقَراءِ، أو على مَسْجِدٍ، أو رِباطٍ، أو وَصِيَّةٍ لأحَدِهما. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكذا عُقوبَةُ كذَّابٍ مُفْتَرٍ على النَّاسِ، والمُتَكَلِّمِ فيهم. وتقدَّم في التَّعْزِيرِ كلامُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، والأصحابِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، في حِفْظِ
(1) في الأصل: «يطلب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقْفٍ وغيرِه بالثَّباتِ عن خَصْمٍ مُقَدَّرٍ: تُسْمَعُ الدَّعْوى والشَّهادَةُ فيه بلا خَصْمٍ. وهذا قد يدْخُلُ في كتابِ القاضي، وفائِدَتُه كفائِدَةِ الشَّهادَةِ، وهو مثْلُ كتابِ القاضي إذا كان فيه ثُبوتٌ مَحْضٌ، فإنَّه هناك يكونُ مُدَّعٍ فقط بلا مُدَّعىً عليه حاضِرٍ. لكِنْ هنا المُدَّعَى عليه مُتَخَوِّفٌ، وإنَّما المُدَّعِي يَطْلُبُ مِن القاضي سَماعَ البَيِّنَةِ أو الإِقْرارِ، كما يسْمَعُ ذلك شُهودُ الفَرْعِ، فيقولُ القاضِي: ثَبَتَ ذلك عندِي، بلا مُدَّعىً عليه. قال: وقد ذكَره قومٌ مِن الفُقَهاءِ، وفَعَله طائفَةٌ مِن القُضاةِ (1)، ولم يَسْمَعْها طَوائِفُ (2) مِن الحَنَفِيَّةِ والشَّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ؛ لأنَّ القَصْدَ بالحُكْمِ فَصْلُ الخُصُومَةِ. ومَنْ قال بالخَصْمِ المُسَخَّرِ، نصَبَ الشَّرَّ، ثم قطَعَه. وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، ما ذكَره القاضي، مِن احْتِيالِ (3) الحَنَفِيَّةِ على سَماعِ البَيِّنَةِ مِن غيرِ وُجودِ مُدَّعىً عليه؛ فإنَّ المُشْتَرِيَ المُقَرَّ له بالبَيعِ قد قَبَضَ المَبِيعَ وسلَّم الثَّمَنَ، فهو لا يدَّعِي شيئًا، ولا يُدَّعَى عليه شيءٌ، وإنَّما غرَضُه تَثْبِيتُ الإِقْرارِ والعَقْدِ، والمَقْصودُ سَماعُ القاضي البَيِّنَةَ، وحُكْمُه بمُوجَبِها مِن غيرِ وُجودِ مُدَّعىً عليه، ومِن غيرِ مُدَّعٍ على أحَدٍ، لكِنْ خَوْفًا مِن حُدوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ، فيكونُ هذا الثُّبوتُ حُجَّةً بمَنْزِلَةِ الشَّهادَةِ، فإنْ لم يكُنِ القاضي يسْمَعُ البَيِّنَةَ بلا هذه الدَّعْوَى، وإلَّا امْتَنَعَ مِن سَماعِها مُطْلَقًا، وعطَّل هذا (4) المَقْصودَ الذي احْتَالُوا له. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكلامُه يقْتَضِي أنَّه هو لا يحْتاجُ إلى هذا الاحْتِيالِ، مع أنَّ جَماعَاتٍ مِن القُضَاةِ [المُتأَخِّرين مِن](5) الشَّافِعِيَّةِ
(1) في ط: «الفقهاء» .
(2)
في الأصل: «طائفة» .
(3)
في الأصل: «اختيار» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحَنابِلَةِ دَخلُوا مع الحَنَفِيَّةِ في ذلك، وسَمَّوْه الخَصْمَ المُسَخَّرَ. قال: وأمَّا على أصْلِنا الصَّحيحِ، وأصْلِ مالِكٍ، رحمه الله؛ فإمَّا أنْ نمْنَعَ الدَّعْوى على غيرِ خَصْمٍ مُنازِعٍ، فتَثْبُتُ الحُقوقُ بالشَّهاداتِ على الشَّهاداتِ، كما ذكَره مَن ذكَره مِن أصحابِنا، وإمَّا أنْ نسْمَعَ الدَّعْوَى والبَيِّنَةَ بلا خَصْمٍ، كما ذكَره طائِفَةٌ مِن المالِكِيَّةِ والشَّافِعِيَّةِ. وهو مُقْتَضَى كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وأصحابِنا في مَواضِعَ؛ لأنَّا نَسْمَعُ الدَّعْوَى والبَيِّنَةَ على الغائبِ والمُمْتَنِعِ، وكذا على الحاضِرِ في البَلَدِ في المَنْصوصِ، فمع عدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى. قال: وقال أصحابُنا: كِتابُ الحاكِمِ كشُهودِ الفَرْعِ. قالوا: لأنَّ المَكْتُوبَ إليه يحْكُمُ بما قامَ مَقامَه غيرُه؛ لأنَّ إعْلامَ القاضِي للقاضِى قائِمٌ مَقامَ الشَّاهِدَين. فجعَلُوا كلَّ واحدٍ مِن كتابِ الحاكِمِ، وشُهودِ الفَرْعِ قائِمًا مَقامَ غيرِه، وهو بَدَلٌ عن شُهودِ الأَصْلِ، وجعَلُوا كِتابَ القاضِي كخِطابِه. وإنَّما خَصُّوه بالكِتابِ؛ لأنَّ العادَةَ تَباعُدُ الحاكِمَين، وإلَّا فلو كانا في مَحَلٍّ واحدٍ، كانَ مُخاطَبَةُ أحَدِهما للآخَرِ أبْلَغَ مِن الكِتابِ. وبنَوْا ذلك على أنَّ الحاكِمَ ثَبَت عندَه بالشَّهادَةِ ما لم يحْكُمْ به، وأنَّه يُعْلِمُ به حاكِمًا آخَرَ ليَحْكُمَ به، كما يُعْلِمُ الفُروعَ بشَهادَةِ الأُصُولِ. قال: وهذا كلُّه إنَّما يصِحُّ إذا سُمِعَتِ الدَّعْوى والبَيِّنَةُ في غيرِ وَجْهِ خَصْمٍ. وهو يُفيدُ أنَّ كُلَّ ما يثْبُتُ بالشَّهادَةِ على الشَّهادَةِ، يُثْبِتُه القاضِي بكِتابِه. قال: ولأَنَّ النَّاسَ بهم حاجَةٌ إلى إثْباتِ حُقوقِهم بإثْباتِ القُضاةِ، كإثْبَاتِها بشَهادَةِ الفُروعِ، وإثْباتُ القُضاةِ أنْفَعُ؛ لكَوْنِه كَفَى مُؤْنَةَ النَّظَرِ في الشُّهودِ، وبهم حاجَةٌ إلى الحُكْمِ فيما فيه شُبْهَةٌ أو خِلافٌ لرَفْعٍ (1)، وإنَّما يخافُون مِن خَصْمٍ حادِثٍ.
(1) في الأصل: «لدفع» .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ، إِذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَمِعَهُ معه شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ، نَصَّ عَلَيهِ.
وَقَال القَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ.
ــ
قوله: ولا خِلافَ في أَنَّه يَجُوزُ له الْحُكْمُ بالإِقْرارِ والْبَيِّنَةِ في مَجْلِسِه، إذا سَمِعَه معه شاهِدان -بلا نِزاعٍ- فإنْ لم يَسْمَعْه معه أَحَدٌ، أو سَمِعَه معه شاهِدٌ واحِدٌ، فله الْحُكْمُ به، نَصَّ عليه. في رِوايةِ حَرْبٍ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم.
وقال القاضِي: لا يَحْكُمُ به. وهو رِوايةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وجزَم به في «الرَّوْضَةِ». قال في «الخُلاصةِ»: لم يحْكُمْ به، في الأصحِّ. وقال في «تَجْريدِ العِنايةِ»: والأظْهَرُ عنْدي، إنْ سَمِعَه معه (1) شاهِدٌ واحدٌ، حكَم به، وإلَّا فلا.
(1) في ط: «منه» .
وَلَيسَ لَهُ الحُكْمُ بِعِلْمِهِ، مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ. نَصَّ عَلَيهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيرِهِ.
ــ
قوله: ولَيسَ له الحُكْمُ بعِلْمِه، مِمَّا رآه أو سَمِعَه -[يَعْنِي في غيرِ مَجْلِسِه](1) - نصَّ عليه، وهو اخْتِيارُ الأصحابِ. وهو المذهبُ بلا رَيبٍ. وعليه الأصحابُ. قال في «الهِدايةِ»: اخْتارَه عامَّةُ شُيوخِنا. قال في «الفُروعِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه: هذا المذهبُ. قال في «المُحَرَّرِ» : فلا يجوزُ في الأَشْهَرِ عنه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ [المَشْهورُ المَنْصوصُ](1) والمُخْتارُ لعامَّةِ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه.
وعنه ما يَدُلُّ عَلى جوازِ ذلك، سَواءٌ كانَ في حَدٍّ أو غيرِه. وعنه، يجوزُ في غيرِ
(1) في الأصل: «المشهور» ، وفي ط:«المنصوص» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحُدودِ. ونقَل حَنْبَلٌ، إذا رآه على حدٍّ، لم يكُنْ له أنْ يُقِيمَه إلَّا بشَهادَةِ مَن شَهِدَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معه؛ لأنَّ شَهادَتَه شَهادَةُ رَجُلٍ. ونقَل حَرْبٌ، فيَذْهَبان إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حاكِمٍ، فأمَّا إنْ شَهِدَ عندَ نفْسِه، فلا.
وَإِنْ قَال المُدَّعِي: مَا لِي بَيِّنَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَيُعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ اليَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ، وإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَهُ، أَحْلَفَهُ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
ــ
قوله: وإنْ قَال: ما لِي بَيِّنَةٌ. فالْقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ مع يَمِينِه، فَيُعْلِمُه أَنَّ له الْيَمِينَ على خَصْمِه، وإِنْ سأَلَ إِحْلافَه، أَحْلَفَه، وخَلَّى سَبِيلَه. وليسَ له اسْتِحْلافُه قبلَ سُؤالِ المُدَّعِي؛ لأنَّ اليمينَ حقٌّ له. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ قال المُدَّعِي: ما لِي بَيِّنَةٌ. أعْلَمَه الحاكِمُ بأنَّ له اليمينَ على خَصْمِه. قال: وله تحْلِيفُه مع عِلْمِه قُدْرَتَه على حقِّه. نصَّ عليه. نقَل ابنُ هانِئٍ، إنْ عَلِمَ عندَه مالًا لا يُؤَدِّي إليه حقَّه، أرْجُو أنْ لا يأْثَمَ. وظاهِرُ رِوايةِ أبي طالِبٍ، يُكْرَهُ. وقاله شيخُنا، ونقَله مِن «حَواشِي تعْليقِ القاضي» . وهذا يدُلُّ على تحْريمِ تَحْليفِ البَرِئِ دُونَ الظَّالمِ. انتهى.
فائدة: يكونُ تَحْلِيفُه على صِفَةِ جَوابِه لخَصْمِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصَّ عليه. وجزَم به في «الرِّعايةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و [«المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ». ذكَراه في آخِرِ بابِ اليمينِ في الدَّعاوَى](1). وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه (2). وعنه، يحلِفُ على صِفَةِ الدَّعْوى. وعنه، يَكْفِي تحْلِيفُه: لا حَقَّ لكَ عليَّ.
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: أَحْلَفَه وخَلَّى سَبِيلَه. أنَّه لا يُحَلِّفُه ثانيًا بدَعْوى أُخْرى. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ مُطْلَقًا؛ فَيَحْرُمُ تحْلِيفُه. أَطْلَقَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما (3). وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «الرِّعايةِ»: له تحْلِيفُه عندَ مَن جَهِلَ حَلِفَه عندَ غيرِه؛ لبَقاءِ الحقِّ، بدَلِيلِ أخْذِه ببَيِّنَةٍ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو أمْسَكَ عن تحْلِيفِه، وأرادَ تحْلِيفَه بعدَ ذلك بدَعْواه المُتَقَدِّمَةِ، كانَ له ذلك. ولو أَبْرَأَه مِن يَمِينِه، بَرِئَ منها في هذه الدَّعْوى، فلو جدَّد الدَّعْوى وطَلَبَ اليَمِينَ، كان له ذلك. جزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم (3).
الثَّانيةُ، لا يُقْبَلُ يَمِينٌ في حقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بعدَ الدَّعْوى عليه وشَهادَةِ الشَّاهِدِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال في «الرِّعايةِ»: إلَّا بعدَ الدَّعْوى، وشَهادَةِ الشَّاهِدِ، والتَّزْكِيَةِ. وقال في
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في النسخ: «غيرهم» .
وَإِنْ أَحْلَفَهُ، أَوْ حَلَفَ هُوَ مِنْ غَيرِ سُؤَالِ المُدَّعِي، لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ.
ــ
«التَّرْغيبِ» : يَنْبَغِي أنْ تتَقدَّمَ شَهادَةُ الشَّاهِدِ، وتَزْكِيَتُه (1) اليَمِينَ.
قوله: وإِنْ أَحْلَفَه، أو حَلَفَ مِن غَيرِ سُؤَالِ الْمدَّعِي، لم يُعْتَدَّ بيَمِينِه. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يَبْرَأُ بتَحْليفِ المُدَّعِي، وعنه، يَبْرَأُ بتَحْليفِ المُدَّعِي وحَلِفِهِ له أيضًا وإنْ لم يُحَلِّفْه. ذكَرَهُما الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله مِن رِوايةِ مُهَنَّا، أنَّ رَجُلًا اتَّهَمَ رجُلًا بشيءٍ، فحَلَفَ له، ثم قال: لا أَرْضَى إلَّا أنْ تحْلِفَ لي عندَ السُّلْطانِ. أَلَه ذلك؟ قال: لا، قد ظَلَمَه وتعَنَّتَه. واخْتارَ أبو حَفْصٍ تَحْلِيفَه، واحْتَجَّ برِوايةِ مُهَنَّا.
فوائد؛ الأُولَى، يُشْتَرَطُ في اليَمِينِ أنْ لا يَصِلَها باسْتِثْناءٍ. وقال في «المُغنِي»: وكذا بما لا يُفْهَمُ؛ لأنَّ الاسْتِثْناءَ يُزيلُ حُكْمَ اليمينِ. وقال في «التَّرْغيبِ» : هي يَمِينٌ كاذِبَةٌ. وقال في «الرِّعايةِ» : لا ينْفَعُه الاسْتِثْناءُ إذا لم يَسْمَعْه الحاكِمُ المُحَلِّفُ له.
(1) في الأصل، ا:«تزكية» .
وَإِنْ نَكَلَ، قَضَى عَلَيهِ بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيهِ. وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ حَلَفْتَ، وَإِلَّا قَضَيتُ عَلَيكَ. ثَلَاثًا، فَإِنْ
ــ
الثَّانيةُ، لا يجوزُ التَّوْرِيَةُ والتَّأْويلُ إلَّا لمَظْلومٍ. وقال في «التَّرْغيبِ»: ظُلْمًا ليسَ بجارٍ في مَحَلِّ الاجْتِهادِ. فالنِّيَّةُ على نِيَّةِ الحاكمِ المُحَلِّفِ، واعْتِقادِه؛ فالتَّأْويلُ على خِلافِه لا ينْفَعُ. وتقدَّم ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوَّلِ بابِ التَّأْويلِ في الحَلِفِ.
الثَّالثةُ، لا يجوزُ أنْ يحْلِفَ المُعْسِرُ: لا حَقَّ له عليَّ. ولو نَوَى السَّاعَةَ، سواءٌ خافَ أنْ يُحْبَسَ أوْ لا. نقَله الجماعَةُ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وجوَّزَه صاحِبُ «الرِّعايةِ» بالنِّيَّةِ. قال في «الفُروعِ»: وهو مُتَّجِهٌ. قلتُ: وهو الصَّوابُ إنْ خافَ حَبْسًا. ولا يجوزُ أيضًا أنْ يحْلِفَ مَن عليه دَينٌ مُؤَجَّلٌ، إذا أرادَ غَرِيمُه مَنْعَه مِن سَفَرٍ. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ كالتي قبلَها.
قوله: وإِنْ نَكَلَ، قَضَى عليه بالنُّكُولِ، نَصَّ عليه، واخْتارَه عامَّةُ شُيُوخِنا.
لَمْ يَحْلِفْ، قَضَى عَلَيهِ إِذَا سَأَلَ المُدَّعِي ذَلِكَ.
ــ
وهو المذهبُ. نقَله الجماعَةُ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، مَرِيضًا كان أو غيرَه. قال في «الفُروعِ»: نقَله واخْتارَه الجماعَةُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال في «المُحَرَّرِ»: ويتَخَرَّجُ حَبْسُه، ليُقِرَّ أو يحْلِفَ. وعندَ أبي الخَطَّابِ، تُرَدُّ اليَمِينُ على المُدَّعِي، وقال: قد صوَّبَه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله. وقال (1): ما هو ببعيدٍ، يحْلِفُ ويأْخُذُ. نقَل أبو طالِبٍ، ليسَ له أنْ يَرُدَّها. ثم قال بعدَ ذلك: وما هو ببعيدٍ، يُقالُ له: احْلِفْ وخُذْ. قال في «الفُروعِ» : يجوزُ رَدُّها. وذكَرها جماعَةٌ، فقالوا: وعنه، تُرَدُّ اليَمِينُ على المُدَّعِي. قال: ولعَلَّ ظاهِرَه يجِبُ. ولهذا (2) قال الشَّيخُ -يَعْنِي المُصَنِّفَ- واخْتارَه أبو الخَطَّابِ: إنَّه لا يحْكُمُ بالنُّكُولِ، ولكِنْ يَرُدُّ اليَمِينَ على خَصْمِه. وقال: قد صوَّبَه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وقال: ما هو ببعيدٍ، يَحْلِفُ ويَسْتَحِقُّ. وهي رِوايةُ أبي طالِبٍ المذْكُورَةُ، وظاهِرُها جَوازُ الرَّدِّ. واخْتارَ المُصَنِّفُ، في «العُمْدَةِ» ردَّها، واختارَه في «الهِدايةِ» ، وزادَ، بإِذْنِ النّاكِلِ فيه. واخْتارَه ابنُ القَيِّمِ، رَحِمَه
(1) سقط من: ط.
(2)
في الأصل: «لأجل هذا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهُ، في «الطُّرُقِ الحُكْمِيَّةِ» . وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: مع عِلْمِ مُدَّعٍ وحدَه بالمُدَّعَى به، لهم ردُّها، وإذا لم يَحْلِفْ لم يأْخُذْ، كالدَّعْوَى على وَرَثَةِ مَيِّتٍ حقًّا عليه يَتَعَلَّقُ بتَرِكَتِه. وإنْ كان المُدَّعَى عليه هو العالِمَ بالمُدَّعَى به دُونَ المُدَّعِي، مثْلَ أنْ يدَّعِيَ الوَرَثَةُ أو الوَصِيُّ على غريمٍ للمَيِّتِ، فيُنْكِرَ، فلا يحلِفُ المُدَّعِي. قال: وأمَّا إنْ كان المُدَّعِي يدَّعِي العِلْمَ، والمُنْكِرُ يدَّعِي العِلْمَ، فهُنا يتَوَجَّهُ القَوْلان. يعْنِي الرِّوايتَين.
فائدتان؛ إحْداهما، إذا رُدَّتِ اليَمِينُ على المُدَّعِي، فهل تكونُ يَمِينُه كالبَيِّنَةِ، أمْ كإقْرارِ المُدَّعَى عليه؟ فيه قوْلان. قال ابنُ القَيِّمِ في «الطُّرُقِ الحُكْمِيَّةِ»: أَظْهَرُهما عندَ أصحابِنا، أنَّها كإقْرارٍ. فعلَى هذا، لو أقامَ المُدَّعَى عليه بَيِّنَةً بالأَداءِ أو الإِبْراءِ بعدَ حَلِفِ المُدَّعِي، فإنْ قيلَ: يَمِينُه كالبَيِّنَةِ. سُمِعَتْ للمُدَّعَى عليه. وإنْ قيلَ: هي كالإِقْرارِ. لم يُسْمَعْ؛ لكَوْنِه مُكَذِّبًا للبَيِّنَةِ بالإِقْرارِ.
الثَّانيةُ، إذا قَضَى بالنُّكولِ، فهل يكونُ كالإِقْرارِ، أو (1) كالبَذْلِ؟ فيه وَجْهان. قال أبو بَكْرٍ في «الجامِعِ»: النُّكُولُ إقْرارٌ. وقاله في «التَّرْغيبِ» في القَسامَةِ، على ما يأْتِي. ويَنْبَنِي عليهما ما إذا ادَّعَى نِكاحَ امْرَأَةٍ، واسْتَحْلَفْناها، فنَكَلَتْ (2)، فهل يُقْضَى عليها بالنُّكول، وتُجعَلُ زوْجَتَه؟ إذا قُلْنا: هو إقْرارٌ. حُكِمَ عليها بذلك، وإنْ قُلْنا: بَذْلٌ. لم يُحْكَمْ بذلك؛ لأنَّ الزَّوْجِيَّةَ لا تُسْتَباحُ بالبَذْلِ. وكذلك لو ادَّعَى رِقَّ مَجْهولِ النَّسَبِ، وقُلْنا: يُسْتَحْلَفُ. فنَكَلَ عنِ اليَمِينِ. وكذلك لو ادَّعَى قَذْفَه، واسْتَحْلَفْناه، فنَكَلَ، فهل يُحَدُّ للقَذْفِ؟ يَنْبَنِي على
(1) في الأصل: «و» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك. ثم قال ابنُ القَيِّمِ في «الطُّرُقِ الحُكْمِيَّةِ» : والصَّحيحُ، أنَّ النُّكُولَ يقُومُ مَقامَ الشَّاهِدِ والبَيِّنَةِ، لا مَقامَ الإِقْرارِ والبَذْلِ؛ لأنَّ النَّاكِلَ قد صرَّحَ بالإِنْكارِ، وأنَّه لا يَسْتَحِقُّ المُدَّعَى به، وهو يُصِرُّ على ذلك، فتَوَرَّعَ عنِ اليَمِينِ، فكيفَ يقالُ: إنَّه مُقِرٌّ مع إصْرارِه على الإِنْكارِ، ويُجْعَلُ مُكَذِّبًا لنَفْسِه؟ وأيضًا؛ لو كانَ مُقِرًّا، لم يُسْمَعْ منه (1) نُكُولُه بالإِبْراءِ والأَداءِ، فإنَّه يكونُ مُكَذِّبًا لنَفْسِه. وأيضًا؛ فإنَّ الإِقْرارَ إخْبارٌ، وشَهادَةُ المَرْءِ على نفْسِه، فكيفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شاهِدًا على نفْسِه بسُكُوتِه؟ والبَذْلُ إباحَةٌ وتَبَرُّعٌ، وهو لم يقْصِدْ ذلك، ولم يَخْطُرْ على قَلْبِه، وقد يكونُ المُدَّعَى عليه مَرِيضًا مرَضَ المَوْتِ، فلو كانَ النُّكُولُ بَذْلًا وإباحَةً، اعْتُبِرَ خُروجُ المُدَّعَى به (2) مِن الثُّلُثِ. قال، رحمه الله: فتَبَيَّنَ أنَّه لا إقْرارَ ولا إباحَةَ، بل هو جارٍ مَجْرَى الشَّاهِدِ والبَيِّنَةِ. انتهى.
قوله: فيَقُولُ: إنْ حَلَفْتَ وإِلَّا قَضَيتُ عليكَ. ثَلاثًا. يُسْتَحَبُّ أنْ يقولَ ذلك له (2) ثَلاثًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يقُولُه مَرَّةً. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: ثَلاثًا، أو مَرَّةً. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: مَرَّةً. وقيلَ: ثَلاثًا. انتهى. والذي قاله
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل، ط.
وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، تُرَدُّ اليَمِينُ عَلَى المُدَّعِي. وَقَال: قَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ، وَقَال: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ، يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ. فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ: لَكَ رَدُّ اليَمِينِ عَلَى المُدَّعِي. فَإِنْ رَدَّهَا، حَلَفَ المُدَّعِي، وَحَكَمَ لَهُ.
ــ
الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: إذا نَكَلَ، لَزِمَه الحقُّ.
قوله: فإنْ لم يَحْلِفْ، قَضَى عليه، إِذا سأَلَه المدَّعِي ذلك. وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَحْكُمُ له قبلَ سُؤالِه. وتقدَّم نَظِيرُ ذلك أيضًا.
تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: فيُقالُ للنَّاكِلِ: لَكَ رَدُّ الْيَمِينِ على المدَّعِي. فإنْ رَدَّها، حَلَفَ المدَّعِي وحَكَم له. أنَّه يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاكِلِ في ردِّ اليَمِينِ. وهو قولُ أبي
وَإِنْ نَكَلَ أَيضًا صَرَفَهُمَا، فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا فَبَذَلَ الْيَمِينَ، لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حَتَّى يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ.
ــ
الخَطَّابِ، كما تقدَّم عنه في «الهِدايةِ» . والصَّحيحُ أنَّه لا يُشْتَرَطُ -على القَوْلِ بالرَّدِّ- إذْنُ النَّاكِلِ في الرَّدِّ. وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
قوله: وإِنْ نَكَلَ أَيضًا صَرَفَهُما، فإنْ عادَ أَحَدُهُما فبَذَلَ الْيَمِينَ، لم يَسْمَعْها في ذلك المَجْلِسِ، حَتَّى يَحْتَكِما في مَجْلِسٍ آخَرَ. قال في «المُحَرَّرِ»: ومَن بذَلَ منهما اليَمِينَ بعدَ نُكُولِه، لم تُسْمَعْ منه (1) إلَّا في مَجْلِسٍ آخَرَ، بشَرْطِ عدَمِ الحُكْمِ. وكذا قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوي» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: والأشْهَرُ، قبلَ الحُكْمِ بالنُّكُولِ. وقيل: تُسْمَعُ ولو بعدَ الحُكْمِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ. قال ابن نَصْرِ الله في «حَواشِي الفُروعِ» : وهو بعيد. ولم يذْكُرْه في «الرِّعايةِ» . انتهى. وقال المُصَنفُ، والشَّارِحُ: إذا نَكَلَ المُدَّعِي، سُئِلَ عن سبَبِ نُكولِه؛ فإنْ قال: امْتَنَعْتُ لأنَّ لي بَينةً أقِيمُها. أو: حِسَابًا أنْظُرُ فيه. فهو على حقه مِن اليَمِينِ، ولا يُضَيَّقُ عليه في اليَمِينِ؛ بخِلافِ المُدَّعَى عليه، وإنْ قال: لا أرِيدُ أنْ أحْلِفَ. فهو ناكِل. وقيل: يُمْهَلُ ثلاثَةَ أيام في المالِ. ذكَره في «الرعايةِ» .
فوائد؛ متى تعَذَّرَ ردُّ اليَمِينِ، فهل يُقْضَى بنُكُولِه، أو يَحْلِفُ وَلِيٌّ، أو إنْ باشَرَ ما ادَّعاه، أو لا يَحْلِفُ حاكِم؟ فيه أوْجُة. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» . قطَع في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، بأنَّ الأبَ، والوَصِيَّ، والأمِينَ، لا يحْلِفُون. وقال في «الحاوي الصَّغِيرِ»: وكل مالٍ لا تُرَدُّ فيه اليَمِينُ، يُقْضَى فيه بالنُّكُولِ، كالإمامِ إذا ادَّعَى لبَيتِ المالِ، أو وَكيلِ الفُقَراءِ، ونحو ذلك. انتهى. وقَدَّمه (1) في «الرعايةِ الصُّغْرى» ، وقال: وكذا الأبُ، ووَصِيُّه، وأمِينُ الحاكِمِ، إذا ادَّعَوا حقا لصَغِير، أو مَجْنُونٍ، وناظِرُ الوَقْفِ، وقَيمُ المَسْجِدِ. وقال في «الكُبْرى»: قُضِيَ بالنُّكُولِ، في الأصح. وقيل: على الأصح. وقيل: يُحْبَسُ حتى يُقِرَّ، أو يَحْلِفَ. وقيل: بل يَحْلِفُ المُدَّعِي منهم، ويأخُذُ ما ادَّعاه. وقيل: إنْ كانَ قد باشَرَ ما ادَّعاه، حَلَفَ عليه، وإلَّا فلا. قلتُ: لا يَحْلِفُ إمام ولا حاكِم. انتهى. وقطَع المُصَنِّفُ، أنَّة يحْلِفُ إذا عَقَلَ وبَلَغَ، ويكْتُبُ الحاكِمُ مَحْضَرًا بنُكُولِه. فإنْ قُلْنا: يحْلِفُ. حَلَفَ لنَفْيِه، إنِ ادَّعَى عليه وُجوبَ
(1) في الأصل، ا:«قاله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَسْليمِه مِن مُوَلِّيه، فإنْ أبَى، حَلَفَ المُدَّعِي وأخَذَه، إنْ جُعِلَ النُّكُولُ مع يَمِين المُدَّعِي كَبَينةٍ، لا كإقْرارِ خَصْمِه، على ما تقدَّم. وقال في «التَّرْغيبِ»: لا خِلافَ بينَنا، أنَّ ما لا يُمْكِنُ ردُّها يُقْضَى بنُكُولِه؛ بأنْ يكونَ صاحِبُ الدَّعْوى غيرَ مُعَيَّن، كالفُقَراءِ، أو يكونَ الإِمامَ، بأن يدَّعِيَ لبَيتِ المالِ دَينًا، ونحوَ ذلك. وقال في «الرِّعايةِ» ، في صُورَةِ الحاكِمِ: يُحْبَسُ حتى يُقِر أو يحْلِفَ. وقيل: يُحْكَمُ عليه. وقيل: أو يحْلِفُ الحاكِمُ. وقال في «الانْتِصارِ» : نَزَّلَ أصحابُنا نُكولَه منْزِلَةً بينَ مَنْزِلَتَين، فقالوا: لا يُقْضَى به في قَوَدٍ وحد. وحَكَمُوا به في حق مَرِيض، وعَبْدٍ وصَبِي مأذُونٍ لهما. وقال في «التَّرْغيبِ» في القسامَةِ: مَن قُضِيَ عليه بنُكُولِه بالديةِ، ففي مالِه؛ لأنَّه كإقْرارٍ. وفيها قال أبو بَكْر في «الجامِعِ»: لأنَّ النُّكولَ إقْرار. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّ المُدَّعِيَ يحْلِفُ (1) ابْتِداءً مع اللَّوْثِ، وأنَّ الدَّعْوَى في التُّهْمَةِ كبسَرِقَةٍ، يُعاقَبُ المُدَّعَى عليه الفاجِرُ، وأنَّه لا يجوزُ إطْلاقُه، ويُحْبَسُ المَسْتُورُ، ليَبِينَ أمْرُه ولو ثلاثًا، على وَجْهَين. نقَل حَنْبَل، حتى يبينَ أمْرُه. ونصَّ الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، ومُحَقِّقُو أصحابِه على حَبْسِه. وقال: إن تَحْلِيفَ كل مُدَّعًى عليه، وإرْساله مَجَّانًا، ليسَ مذهبَ الإمامِ. واحْتَجَّ في مَبهانٍ آخَرَ بأنَّ قَوْمًا اتَّهَمُوا ناسًا في سَرِقَةٍ، فَرَفَعُوهم إلى النُّعْمانِ بنِ بَشِير، رضي الله عنهما، فحَبَسَهم أيامًا، ثم أطْلَقهم، فقالوا له: خَلَّيتَ سَبيلَهم بغيرِ ضَرْبٍ لي لا امْتِحانٍ؟ فقال: إنْ شِئْتُم ضَرَبْتُهم، فإنْ ظَهَرَ مالُكم، وإلا ضَرَبْتُكُم مِثْلَه. فقالوا: هذا حُكْمُكَ؟ فقال: حُكْمُ الله ورسُولِه (2). قال في
(1) بعده في الأصل: «عليه بحلف» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في الامتحان بالضرب، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 448. والنسائي، في: باب امتحان السارقة بالضرب والحبس، من كتاب قطع السارق. المجتبى 8/ 59.
وَإنْ قَال المُدَّعِي: لِي بَيَنةٌ. بَعدَ قَوْلِهِ: مَا لِي بَيَنةٌ. لَمْ تُسْمَعْ. ذَكَرَهُ الخِرَقِيّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُسْمَعَ.
ــ
«الفُروعِ» : وظاهِرُه أنَّه قال به، وقال به شيخُنا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال في «الأحْكامِ السُّلطانِيَّةِ»: يَحْبِسُه وَالٍ. قال: وظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ، رحمه الله، وقاض أيضًا، وأنه يَشْهَدُ له:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} (1). حَمَلْنا على الحَبْسِ؛ لقُوَّةِ التُّهْمَةِ. وذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، الأوَّلُ قولُ أمصرِ العُلَماءِ. واخْتارَ تعْزِيرَ مدعٍ بسَرِقَةٍ ونحوها على مَن يعْلَمُ براءَتَه، واخْتارَ أنَّ خَبَرَ مَنِ [له رَئِيٌّ جِنِّيٌّ](2) بأن فلانًا سَرَقَ كذا، كخَبَرِ إنْسِيٍّ مَجْهُولٍ، فيُفِيدُ تُهْمَةً، كما تقدَّم. وقال في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ»: يضْرِبُه الوَالِي مع قُوَّةِ التُّهْمَةِ تعْزِيرًا، فإنْ ضُرِبَ ليُقِرَّ، لم يصِح، وإنْ ضُرِبَ ليَصْدُقَ عن حالِه، فأقَرَّ تحتَ الضرْبِ، قُطِعَ ضَرْبُه، وأعِيدَ إقْرارُه، ليُؤخَذَ به، ويُكْرَهُ الاكتِفاءُ بالأوَّلِ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال الشَّيخ تَقِيُّ الذينِ، رحمه الله: إذا كانَ مَعْروفًا بالفُجورِ المُناسِبِ للتُهْمَةِ، فقالتْ طائفَة: يضْرِبُه الوَالِي والقاضِي. وقالت طائفَة: يضْرِبُه الوَالِي عندَ القاضِي. وذكَر ذلك طوائِفُ مِن أصحابِ مالِكٍ، والشافِعِيِّ، وأحمدَ، رحمهم الله.
قوله: وإنْ قال المُدَّعِي: لي بَينة. بَعْدَ قَوْلِه: ما لي بَينة. لم تُسْمَعْ، ذَكَرَه
(1) سورة النور 8.
(2)
في ا: «ادعى بحق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْخِرَقِيُّ. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «الوَجيز» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.
ويَحْتَمِلُ أنْ تُسْمَعَ. وهو وَجْه اخْتارَه ابنُ عَقِيل وغيرُه. قال في «الفُروعِ» : وهو مُتَّجِه، حَلَّفَه أوْ لا. وجزَم في «التَّرْغيبِ» بالأوَّلِ. وقال: وكذا قولُه: كَذَبَ شُهودِي. وأوْلَى، ولا تَبْطُلُ دَعْواه بذلك، في الأصحِّ، ولا تُرَدُّ بذِكْرِ السَّبَبِ، بل [بذِكْرِ سبَبِ] (1) المُدَّعِي غيرَه. وقال في «التَّرْغيبِ»: إنِ ادَّعَى مِلْكا مُطْلَقا، فشَهِدَتْ به وبسَبَبِه، وقُلْنا: تُرَجَّحُ بذِكْرِ السَّبَبِ. لم تُفِدْه إلَّا أنْ تُعادَ بعدَ الدَّعْوى.
فوائد؛ إحْداها، لو ادَّعَى شيئًا، فشَهِدَتْ له البَينةُ بغيرِه، فهو مُكَذِّبٌ لهم. قاله الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، وأبَو بَكْر. وقدَّمه في «الفُروعِ» . واخْتارَ في «المُسْتَوْعِبِ» ، تُقْبَلُ البَيَنةُ، فيَدَّعِيه ثم يُقِيمُها. وفي «المُسْتَوْعِبِ» أيضًا، و «الرِّعايةِ» ، إنْ قال: أسْتَحِقُّه وما شَهِدَتْ به، وإنَّما ادَّعَيتُ بأحَدِهما، لأدَّعِيَ الآخَرَ وَقْتًا آخَرَ. ثم شَهِدَتْ به، قُبِلَتْ.
الثَّانيةُ، لو ادَّعَى شيئًا، فأقَرَّ له بغيرِه، لَزِمَه إذا صدَّقَه المُقَر له، والدَّعْوى
(1) في الأصل: «بسبب» .
وَإنْ قَال: مَا أعْلَمُ لِي بَينةً. ثُمَّ قَال: قَدْ عَلِمتُ لِي بَيَنةً. سُمِعَتْ. وإنْ قَال شَاهِدَانِ: نَحْنُ نَشْهَدُ لَكَ. فَقَال: هَذَانِ بَيِّنتِي. سُمِعَتْ. وَإنْ قَال: مَا أرِيدُ أن تَشْهَدَا لِي. لَمْ يُكَلَّفْ إِقَامَةَ البَينةِ.
ــ
بحالِها. نصَّ عليه.
الثَّالثةُ، لو سألَ مُلازَمَتَه حتى يُقِيضها، أجِيبَ في المَجْلِسِ، على الأصحِّ من الرِّوايتَين. فإنْ لم يُحْضِرْها في المَجْلِسِ، صَرَفَه. وقيل: يُنْظَرُ ثَلاثا. وذكَر المُصَنِّفُ وغيرُه، ويُجابُ مع قُرْبِها. وعنه، وبُعْدِها، ككَفِيل. فيما ذكَر في «الإرْشادِ» ، و «المُبْهِج» ، و «التَّرْغيبِ» ، وأنَّه يَضْرِبُ له أجَلًا، متى مَضَى، فلا كَفالةَ. ونَصُّه: لا يُجابُ إلى كَفِيل (1)، كحَبْسِه. وفي مُلازَمَتِه حتى يَفْرَغَ له الحاكِمُ مِن شُغْلِه، مع غَيبَة ببَينة وبُعْدِها، يَحْتَمِلُ وَجْهَين. قاله في «الفُروعِ». قال المَيمُونِي: لم أرَهُ يذهبُ إلى المُلازَمَةِ إلى أنْ يُعَطِّلَه مِن عَمَلِه، ولا يُمَكِّنُ أحدًا مِن عَنَتِ خَصْمِه.
(1) في الأصل: «كفالة» .
وَإنْ قَال: لِي بَيَنةٌ وَأرِيدُ يَمِينَهُ. فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، فَلَهُ إحْلَافُهُ. وَإنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَينِ. فَإن حَلَفَ المُنْكِرُ ثُمَّ أحْضَرَ المُدَّعِي بَيَنةً، حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ اليَمِينُ مُزيلَةً لِلْحَقِّ.
ــ
قوله: وإنْ قال: لي بَينة وأرِيدُ يَمِينَه. فإنْ كانَتْ غائِبَةً -يعْنِي، عنِ المَجْلِسِ- فله إحْلافُه. وهذا المذهبُ، سواءٌ كانتْ قريبةً أو بعيدةً. وجزَم به في الهِدايةِ»، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاص» ، و «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَورِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: القَرِيبَةُ كالحاضرَةِ في المَجْلِسِ. قال في «المُحَررِ» : وقيلَ: لا يَمْلِكُها إلا إذا كانتْ غائبةً عن البَلَدِ. وقيل: ليس له إحلافُه مُطْلَقًا، بل يُقِيمُ البَينةَ فقطْ. وقَطَعُوا به في كُتُبِ الخِلافِ.
قوله: وإنْ كانَتْ حاضرَةً، فهل له ذلك؟ على وجْهَين. وأطْلَقهما في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، له إقامَةُ البَيِّنَةَ، أو تحْلِيفُه إذا كانتْ حاضِرَةً في المَجْلِسِ. وهو المذهبُ. نَصَرَه المُصَنفُ، والشارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثاني، يَمْلِكُهما، فيُحَلِّفُه ويُقِيمُ البَينةَ بعدَه. وقيل: لا يَمْلِكُ إلَّا إقامَةَ البَينةِ فقطْ. قال في «الفُروعِ» : قَطَعُوا به في كتُبِ الخِلافِ. كما تقدَّم.
وَإنْ سَكَتَ المُدَّعَى عَلَيهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، قَال لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ، وَإلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيتُ عَلَيكَ. وَقِيلَ: يَحْبِسُه حَتَّى يُجِيبَ.
ــ
فائدة: لو سألَ تحْلِيفَه ولا يُقِيمُ البَينةَ، فَحَلَفَ، ففي جَوازِ إقامَتِها بعدَ ذلك وَجْهان. قاله القاضي. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الزَّرْكَشي» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، أحدُهما، ليسَ له إقامَتُها بعدَ تَحْليفِه. صحَّحه النَّاظِمُ. والثَّاني، له إقامَتُها. قدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» .
قوله: وإنْ سَكَتَ المُدَّعَى عليه فلم يُقِرَّ ولم يُنْكِرْ، قال له الْقاضِي: إنْ أجَبْتَ، وإلَّا جَعَلْتُك ناكِلًا، وقَضَيتُ عليك. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وغيرُه.
وقيل: يَحْبِسُه حتى يُجِيبَ. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الشَّرْحِ» . وذكَره في «التَّرْغيب» عن الأصحابِ. ومُرادُهم بهذا الوَجْهِ، إذا لم يَكُنْ للمُدَّعِي بَيِّنة، فإنْ كانَ له بيِّنة، قَضَى بها، وَجْهًا واحدًا.
فائدتان؛ إحْداهما، مثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو قال: لا أعْلَمُ قَدْرَ حقِّه. ذكَره في «عُيونِ المَسائلِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» .
الثَّانيةُ، قولُه: يقولُ له القاضي: إنْ أجَبْتَ، وإلَّا جَعَلْتُكَ ناكِلًا. ثَلاثَ مرَّاتٍ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهم.
وَإنْ قَال: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ. لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا.
وَإنْ قَال: لِي حِسَابٌ أرِيدُ أن أنْظُرَ فِيهِ. لَمْ يَلْزَمِ المُدَّعِيَ إِنْظَارُهُ.
ــ
قوله: وإنْ قال: لِي حِساب أرِيدُ أنْ أنْظُرَ فيه. لم يَلْزَمِ الْمُدَّعِيَ إنْظارُه. هذا أحدُ الوَجْهَين. جزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» . وقدمه في «الرعايتَين» ،
وَإنْ قَال: قَدْ قَضَيتُهُ. أوْ: أبْرَأَنِي، وَلِي بَيَنةٌ بِالقَضَاءِ. أَو: الإبْرَاءِ. وَسَألَ الإِنْظَارَ، أنْظِرَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُه،
ــ
و «الحاوي» . وقيل: يَلْزَمُه (1) إنْظارُه ثَلاثًا. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ». قال في «الفُروعِ»: لَزِمَ إنْظارُه -في الأصحِّ- ثَلاثَةَ أيام. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» .
فائدة: لو قال: إنِ ادَّعَيتَ ألفًا برَهْنِ كذا لي بيَدِكَ، أجَبْتُ. أو: وإنِ ادَّعَيتَ هذا ثَمَنَ كذا بِعْتَنِيه ولم تُقْبِضْنيه، فَنَعم، وإلَّا فلا حقَّ لكَ عليَّ. فهو جَوابٌ صحيحٌ. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم.
قوله: وإنْ قال: قَدْ قَضَيتُه. أوْ -قَدْ- أبْرأنِي، ولِي بَينة بالْقَضاءِ. أوْ: بِالإبراءِ. وسَألَ الإنْظَارَ، انْظِرَ ثَلاثًا، ولِلْمُدَّعِي مُلازَمَتُه. وهو المذهبُ. جزَم به
(1) في ط: «يلزم» .
فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ المُدَّعِي عَلَى نَفْي مَا ادَّعَاهُ، وَاسْتَحَقَّ.
ــ
في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشّرْح» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يُنْظَرُ، كقَوْلِه: لي بَينةٌ تدْفَعُ دَعْواه.
تنبيه: مَحَلُّ الخِلافِ، إذا لم يَكُنِ الخَصْمُ أنْكَرَ أوَّلًا سَبَبَ الحق، أمَّا إنْ كانَ أنْكَرَ أوَّلًا سبَبَ الحقِّ، ثم ثَبَتَ، فادَّعَى قَضاءً أو إبْراء سابِقًا، لم تُسْمَعْ منه وإنْ أتَى ببَينةٍ. نصّ عليه. ونقَله ابنُ مَنْصُور. وقدَّمه في «المُحَرّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: تُسْمَعُ بالبَينةِ. وتقدَّم نَظِيرُه في أواخِرِ بابِ الوَدِيعَةِ.
فائدة: مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو ادَّعَى القَضاءَ أو الإبراءَ، وجعَلْناه مُقِرا بذلك. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما.
قوله: فإنْ عَجَزَ -يعْنِي (1)، عن إقامَةِ البَينةِ بالقَضاءِ أو الإبراءِ- حَلَفَ الْمُدَّعِي على نَفْي ما ادَّعاه، واسْتَحَقَّ. بلا نِزاع. لكِنْ لو نَكَلَ المُدَّعِي، حُكِمَ عليه. وإنْ قيلَ برَدِّ اليَمِينِ، فله تحْليفُ خَصْمِه، فإنْ أبَى حُكِمَ عليه.
فائدة: لو ادَّعَى أنَّه أقاله في بَيع، فله تَحْليفُه، ولو قال: أبْرَأنِي مِنَ الدعْوى.
(1) سقط من: ط.
فَإِن ادَّعَى عَلَيهِ عَينًا فِي يَدِهِ، فَأقَرَّ بِهَا لِغَيرِهِ، جُعِلَ الخَصْمَ فِيهَا، وَهَلْ يَحْلِفُ المُدَّعَى عَلَيهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ. فَإِنْ كَانَ المُقَرّ لَهُ وَأخَذَهَا، وَإنْ أقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، سُلِّمَتْ إِلَيهِ، وَإنْ قَال: لَيسَتْ لِي، وَلَا أعْلَمُ لِمَنْ هِيَ. سُلمَتْ إِلَى المُدَّعِي، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الآخَرِ، لَا تُسَلَّمُ إِلَيهِ إلا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجْعَلُهَا الحَاكِمُ عِنْدَ أمين. وَإنْ أقرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أو صَبِيٍّ، أوْ مَجْنُونٍ، سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى، ثُمَّ إِنْ كَإنَ لِلْمُدَّعِي بَيَنةٌ، سُلِّمتْ إِلَيهِ، وَهَلْ
ــ
فقال في «التَّرْغيبِ» : انْبَنَى على الصلْحِ على الإِنْكارِ، والمذهبُ صِحتُه. وإنْ قُلْنا: لا يصِحُّ. لم تُسْمَعْ.
قوله: وإنِ ادَّعَى عليه عَينًا في يَدِه، فأقَرَّ بها لغَيرِه، جُعِلَ الخَصْمَ فيها، وهل يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه؟ -وهو المُقِر- على وجْهَين. وأطْلَقهما في «الرعايتَين» ،
يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَينِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيَنةٌ، حَلَفَ المُدَّعَى عَلَيهِ أنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيهِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ، إلا أنْ يُقِيمَ بَيِّنةً أنَّهَا لِمَنْ سَمَّى، فَلَا يَحْلِفُ.
ــ
و «شَرْحِ ابنِ مُنَجى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ أحدُهما، يحْلِف. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والوَجْهُ الثَّاني، لا يحْلِف. فعلى المذهبِ، إن نَكَلَ، أخِذَ منه بدَلُها. قوله: فإنْ كانَ المُقَرُّ له حاضِرًا مُكَلَّفًا، سُئِلَ، فإنِ ادَّعاها لنَفْسِه ولم تَكُنْ -له- بَيِّنة، حَلَفَ وأخذها. فإذا أخَذَها وأقامَ الآخَرُ بَينةً، أخذَها منه. قال في «الرَّوْضَةِ»: وللمُقَرِّ له قِيمَتُها على المُقِرِّ.
قوله: وإنْ قال: لَيسَتْ لي، ولا أعْلَمُ لمَنْ هي. سُلِّمَتْ إلى المدَّعِي، في أحَدِ الْوَجْهَين. وإنْ كانا اثْنَين، اقْتَرَعا عليها. وهو المذهبُ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم.
وفي الآخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إليه إلَّا ببَينةٍ، ويَجْعَلُها الْحاكِمُ عِنْدَ أمين. ذكَره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضي. وقيل: تُقَر بيَدِ رَبِّ اليَدِ. وذكَره في «المُحَرَّرِ» ، و «المُذْهَبِ» . وضعَّفَه في «التَّرْغيبِ» . ولم يذْكُرْه في «المُغْنِي» . فعلى الوَجْهَين الآخَرَين، يحْلِفُ للمُدَّعِي، وعلى الوَجْهِ الأوَّل، يحْلِفُ إنْ قُلْنا: تُرَدُّ اليَمِينُ. جزَم به في «الفُروعِ» . وقال المُصَنفُ، والشّارِحُ: ويتَخَرَّجُ لنا وَجْه، أنَّ المُدَّعِيَ يحْلِفُ أنها له، وتُسَلَّمُ إليه، بِناءً على القَوْلِ برَدِّ اليَمِينِ إذا نَكَلَ المُدَّعَى عليه. فتَلَخصَ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ؛ تُسَلمُ للمُدعِي، أو ببَينة، أو تُقَرُّ بيَدِ رَبِّ اليَدِ، أو يأخُذُها المُدعِي ويحْلِفُ إنْ قُلْنا: تُرَدُّ اليَمِينُ.
فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ لو كذَّبَه المُقَرُّ له، وجُهِلَ لمَنْ هي.
الثَّانيةُ، لو عادَ فادَّعاها لنَفْسِه أو لثالِثٍ، لم يُقْبَلْ. على ظاهرِ ما في «المُغْنِي» وغيرِه. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: تُقْبَلُ على الوَجة الثَّالِثِ، وهو الذي قال: إنَّه المذهبُ. وجزَم به الزَّرْكَشِيُّ. ثم إنْ عادَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُقَرُّ له أوَّلًا إلى دَعْواه، لم تُقْبَلْ، وإنْ عادَ قبلَ ذلك، فوَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وإنْ أقَرَّتْ برِقِّها لشَخْص، و (1) كان المُقَرُّ به عَبْدًا، فهو كَمالِ غيرِه. وعلى الذي قبلَه، يَعْتِقَان. وذكَر الأزَجِيُّ في أصْلِ المَسْألَةِ، أنَّ القاضيَ قال: تَبْقَى على مِلْكِ المُقِرّ. فتَصِيرُ وَجْهًا خامِسًا.
قوله: وإنْ أقَرَّ بها لغائبٍ، أو صَبِي، أو مَجْنُونٍ، سَقَطَتْ عنه الدَّعْوَى، ثم إِنْ كانَ للْمُدَّعِي بَيَنةٌ، سُلمَتْ إليه، وهل يَحْلِفُ؟ على وَجْهَين. وذكَرَهما في «الرِّعايتَين» رِوايتَين. وأطلَقهما في «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرعايتَين» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؟ أحدُهما، لا يحْلِفُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. والثَّاني، يحْلِفُ مع البَيِّنةِ. قال ابنُ رَزِين في «مُخْتَصَرِه»: ويَحْلِفُ معها، على رَأيٍ. وقيل: إنْ جعَل قَضاءً على
(1) في الأصل: «أو كان المقر له أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غائبٍ، حَلَفَ، وإلَّا فلا. قاله في «الرِّعايةِ» .
قوله: وإنْ لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ، حَلَفَ المُدَّعَى عليه أنَّه لا يَلْزَمُه تَسْلِيمُها إليه، وأُقِرت في يَدِه. وهو صحيحٌ. لكِنْ لو نَكَلَ، غَرِمَ بدَلَها. فإنْ كان المُدَّعِي اثْنَين، لَزِمَه لهما عِوَضان.
قوله: إلَّا أنْ يُقِيمَ بَينةً أنها لمَنْ سَمى، فلا يَحْلِفُ. وتُسْمَعُ البَيَنةُ؛ لفائِدَةِ زَوالِ التُهْمَةِ وسُقوطِ اليَمِينِ عنه، ويُقْضى بالمِلْكِ إِنْ قُدِّمَتْ بَينةُ داخِل، وكان (1) للمُودِعِ والمُسْتَأجِرِ والمُسْتَعِيرِ المُحاكَمَةُ. قدمه في «الفُروعِ» .
(1) بعده في الأصل، ا:«لو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الزَّرْكَشِيُّ: وخُرِّجَ (1) القَضاءُ بالمِلْكِ، بِناءً على أنَّ للمُودِعِ ونحوه المُخاصَمَةَ فيما في يَدِه. وقدَّم المُصَنفُ، أنَّه لا يُقْضَى بالمِلْكِ؛ لأنَّه لم يَدَّعها الغائِبُ ولا وَكِيلُه. وجزَم به الزَّرْكَشِيُّ.
تنبيهان؛ أحدُهما، قال في «الفُروعِ»: وتقدَّم أنَّ الدَّعْوَى للغائبِ لا تصِح إلَّا تَبَعًا. وذكَرُوا أنَّ الحاكِمَ يقْضِي عنه، ويَبِيعُ ماله، فلابُدَّ مِن معْرِفَتِه أنَّه للغائبِ، وأعْلَى طَرِيقَةٍ البَينةُ، فتَكونُ مِنَ المُدَّعِي (2) للغائبِ تَبَعًا أو مُطْلَقًا؛ للحاجَةِ إلى
(1) بعده في ا: «القاضي» .
(2)
في ط: «الدعوى» .
وَإنْ أقَرَّ بِهَا لمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أنْ تُعَرِّفَهُ، أوْ نَجْعَلَكَ نَاكِلًا.
ــ
إيفاءِ الحاضِرِ وبَراءَةِ ذِمَّةِ الغائبِ.
الثَّاني، تولُه: وإنْ أقر بها لمجْهُول، قيلَ له: إمَّا أن تُعَرفَه، أو نَجْعَلَكَ ناكِلًا. وهذا بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو عادَ فادَّعَاها لنَفْسِه، فقيلَ: تُسْمَعُ؛ لعدَمِ صِحَّةِ قوْلِه. قال في «الرعايةِ الكبْرى» : قُبِلَ قولُه، في الأشْهَرِ. وقيل: لا تُسْمَعُ؛ لاعْتِرافِه أنَّه لا يَمْلِكُها. صحَّحه في «تَصْحبحِ المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» في هذا البابِ. وأطلَقهما في بابِ الدَّعاوَى، وأطْلَقهما في «الكافِي» ، و «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الزَّرْكَشِي». وقال في «التَّرْغيبِ»: إنْ أصَرَّ حُكِمَ عليه بنُكُولِه، فإن قال بعدَ ذلك: هي لي. لم يُقْبَلْ، في الأصح. قال: وكذا تُخَرَّجُ إذا أكْذَبَه المُقَرُّ له، ثم ادَّعاها لنَفْسِه، وقال: غَلِطْتُ. ويَدُه باقِيَة.
تنبيه: بعْضُ الأصحابِ يذْكُرُ هذه المَسائِلَ في بابِ الدَّعاوَى، وبعْضُهم يذْكُرُها هنا، وذكَر المُصَنفُ هناك ما يتَعَلَّقُ بذلك.
فَصْل: وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يُعْلَمُ بِهِ المُدَّعَى، إلا فِي الوَصِيَّةِ وَالإِقْرَارِ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ.
ــ
قوله: ولا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يُعْلَمُ به المدَّعَى. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. إلَّا ما اسْتَثْنى. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّ مسْألةَ الدَّعْوَى وفُروعَها ضَعِيفَة؛ لحَدِيثِ الحَضْرَمِيِّ (1)، وٍ أنَّ الثُّبوتَ المَحْضَ يصِحُّ بلا مُدَّعى عليه. وقال: إذا قيلَ: لا تُسْمَعُ إلَّا مُحَرَّرَة، فالواجِبُ أنَّ مَن ادَّعَى مُجْمَلًا، اسْتَفْصَلَه الحاكِمُ. وقال: المُدَّعَى عليه قد يكونُ مُبْهَمًا، كدَعْوَى الأنْصارِ قَتْلَ صاحِبِهم (2)، ودَعْوَى المَسْرُوقِ منه على بَنِي أبَيرقٍ (3). ثم المَجْهول قد يكونُ مُطْلَقًا، وقد يَنْحَصِرُ في قَوْم؛ كقَوْلِها: نَكَحَنِي أحدُهما. وقو لِه: زَوْجَتِي (3) إحْدَاهما. انتهى. والتَّفْرِيعُ على الأوَّلِ. فعلى المذهبِ، يُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ بالدَّعْوى، فلا يكْفِي قوْلُه: لي عِندَ فُلانٍ كذا. حتى يقولَ: وأنا الآنَ مُطالِب له به. ذكَره في «التَّرْغيبِ» ، و «الرِّعايةِ» ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 416.
(2)
تقدم تخريجه في 25/ 378.
(3)
أخرجه الترمذي، عارضة الأحوذي 11/ 164 - 167. وانظر الدر المنثور 2/ 217، 218.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِهما. وقدَّمه في الفُروعِ، وقال: وظاهرُ كلامِ جماعَةٍ، يَكْفِي الظَّاهِرُ. قلتُ: وهو أظْهَرُ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال في «الرعايةِ»: لو كان المُدَّعَى به مُتَمَيِّزًا، مَشْهورًا عندَ الخَصْمَين والحاكمِ، كَفَتْ شُهْرَتُه عن تحْديدِه. وقال في «الفُروعِ»: وتَكْفِي شُهْرَتُه عِندَهما، و (1) عندَ الحاكمِ عن تحْديدِه؛ لحَدِيثِ الحَضْرَمِي، والكِنْدِي. قال: وظاهِرُه عَمَلُه بعِلْمِه أنَّ مَوْرُوثَه (2) ماتَ ولا وارِثَ له سِواه. انتهى.
الثَّانيةُ، لو قال: غَصَبْتَ ثَوْبِيَ؛ فإنْ كان باقِيًا فلِي رَدُّه، وإلَّا فقِيمَتُه (3). صحَّ اصْطِلاحًا. وقيلَ: يدَّعِيه، فإنْ خَفِيَ (4)، ادَّعَى قِيمَتَه. وقال في
(1) في الأصل: «أو» .
(2)
في الأصل، ا:«مورثه» . وانظر الفروع 6/ 463.
(3)
في الأصل، ا:«قيمته» .
(4)
في ط: «حلف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«التَّرْغيبِ» : لو أعْطىَ دَلَّالًا ثَوْبًا قِيمَتُه عَشَرَة ليَبِيعَه بعِشْرِين، فجَحَدَه، فقال: أدَّعِي ثَوْبًا، إنْ كانَ باعَه فلِي عِشْرُون، وإنْ كان باقِيًا، فلي عَينُه، وإنْ كانَ تالِفًا فلِي عشَرَة. قال في «الفُروعِ»: فقد اصْطَلَحَ القُضاةُ على قَبُولِ هذه الدَّعْوَى المُرَدَّدَةِ (1) للحاجَةِ. قال في «الرِّعايةِ» : صحَّ اصْطِلاحًا (2). انتهى. وإنِ ادَّعَى أنَّه (3) له الآنَ، لم تُسْمَعْ بَينتُه أنَّه (4) كانَ له أمْسِ، أو في يَدِه، في الأصح من الوَجْهَين، حتى يبيِّنَ سبَبَ يَدِ الثَّاني نحوَ غاصِبِه، بخِلافِ ما لو شَهِدَتْ أنَّه كان مِلْكَه بالأمْسِ، اشْتَرَاه مِن رَبِّ اليَدِ، فإنَّه يُقْبَلُ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله، إنْ قال: ولا أعْلَمُ له مُزِيلًا. قُبِلَ كعِلْمِ الحاكمِ أنَّة يُلمسُ عليه. وقال أيضًا: لا يُعْتَبَرُ في أداءِ الشَّهادَةِ قوْلُه: وأنَّ الدَّينَ باقٍ في ذِمَّةِ الغَريمِ إلى الآنَ. بل يَحْكُمُ الحاكِمُ باستِصْحابِ الحال، إذا ثَبَتَ عِندَه سبْقُ الحقِّ إجْماعًا. وقال أيضًا في مَن بيَدِه عَقار، فادَّعَى رجُل بمَثْبُوتٍ عندَ الحاكمِ، أنَّه كانَ لجَده إلى مَوْتِه، ثم لوَرَثَتِه، و [لم يثبِ] (5) أنَّه مُخَلَّف عن مَوْرُوثِه: لا يُنْزَعُ منه بذلك؛ لأنَّ أصْلَين تَعارَضا، وأسْبابَ انْتِقالِه أكثرُ مِن الإرْثِ، ولم تَجْرِ العادَةُ بسُكُوتِهم المُدَّةَ الطَّويلَةَ، ولو فُتِحَ هذا لانْتُزِعَ كثير مِن عَقَارِ النَّاسِ بهذه الطَّريقِ. وقال في مَن بيَدِه عَقارٌ، فادَّعَي آخَرُ أنه كانَ مِلْكًا لأبِيه، فهل يُسْمَعُ مِن غيرِ بَينةٍ؟ قال: لا يُسْمَعُ إلَّا بحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، أو إقْرارِ مَنْ هو في يَدِه، أو تحتَ حُكْمِه. وقال في بَينةٍ شَهِدَتْ له بمِلْكِه إلى حينِ وَقْفِه، وأقامَ الوارِثُ بَينةً، أن مَوْرُوثَه اشْتَراه مِن الواقِفِ قبلَ
(1) في الأصل، ط:«المردودة» . وانظر الفروع 6/ 462.
(2)
بعده في ا: «وقيل بلى» .
(3)
في الأصل، ا:«أن» .
(4)
في ط: «أن» .
(5)
في الأصل: «لمن ثبت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقْفِه: قدِّمَتْ بَينةُ وارِثٍ؛ لأنَّ معها مَزِيدَ عِلْم؛ لتَقْديمِ (1) مَنْ شَهِدَ بأنه وَرِثَه مِن أبِيه، وآخَرَ أنه باعَه. انتهى.
قوله: إلا في الوَصِيةِ والإقْرارِ، فإنَّها تَجُوزُ بالْمَجْهُولِ. وكذلك في العَبْدِ المُطْلَقِ في المَهْرِ، إذا قُلْنا: يصِحُّ. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال في «الرِّعايتَين»: كوَصِيَّةٍ، وعَبْدٍ مُطْلَقٍ في مَهْر، أو نحوه. وقيل: أو إقْرار. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب»: ولا تصِحُّ إلَّا مُحَررَةً، يُعْلَمُ بها المُدَّعَى، إلَّا في الْوَصِيَّةِ خاصَّةً، فإنَّها تصِحُّ بالمَجْهولِ. وقاله غيرُهم. وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: يصِحُّ الإقْرارُ بالمَجْهولِ؛ لِئَلَّا يسْقُطَ حقُّ المقَرِّ له، ولا تصِحُّ الدَّعْوى؛ لأنَّها حق له، فإذا رُدَّتْ عليه عُدِلَ إلى مَعْلوم. واخْتارَ في «التَّرْغيبِ» أنَّ دَعْوى الإقْرارِ بالمَعْلومِ لا تصِحُّ؛ لأنَّه ليسَ بالحقِّ ولا مُوجبِه، فكيفَ بالمَجْهولِ؟ وقال في «التَّرْغيبِ» أيضًا: لو ادَّعَى دِرْهَمًا، وشَهِدَ الشُّهودُ على إقْرارِه، قُبِلَ، ولا يدعِي الإقْرارَ، لموافَقَتِه لَفْظَ الشُّهودِ، بل لو ادَّعَى لم تُسْمَعْ: وفي «التَّرْغيب» ، في اللُّقَطَةِ: لا تُسْمَعُ. وقال الآمِدِيّ: لو ادَّعَتِ امْرَأة أنَّ زوْجَها أقَرَّ أنَّها اخْتُه مِن الرَّضاعِ، أو ابْنَتُه، وأنْكَرَ الزَّوْجُ، فأقامَتْ بَينةً على إقْرارِه بذلك، لم تُقْبَلْ؛ لأنَّها شهادَة على الإقْرارِ على الرَّضاعِ. قال الشَّيخُ تَقِي الدينِ، رَحِمَه الله تُعالى: لعَل مأخَذَه أنَّها ادعَتْ بالإقْرارِ لا بالمُقَر به. ولكِنَّ هذه الشَّهادَةَ تُسْمَعُ (2) بغيرِ دَعْوى؛ لِمَا فيها مِن حق اللهِ، على أنَّ الدَّعْوى بالإقْرارِ
(1) في الأصل: «في التقديم» .
(2)
في الأصل: «لم تسمع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيها نظَرٌ، فإنَّ الدعْوى بها تصْدِيقُ المُقِرِّ.
فوائد؛ الأولَى، مِن شَرْطِ صِحةِ الدَّعْوى، أنْ تكونَ مُتَعَلقَةً بالحالِّ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدمه في «الفُروعِ». وقيل: تُسْمَعُ بدَين مُؤجل؛ لإِثْباتِه. قال في «التَّرْغيبِ» : الصحيحُ أنَّها تُسْمَعُ، فيَثْبُتُ أصْلُ الحق لِلُّزُومِ في المُسْتَقْبَلِ، كدَعْوَى تَدْبِير، وأنَّه يَحْتَمِلُ في قوْلِه: قَتَلَ أبي أحدُ هؤلاءِ الخَمْسَةِ. أنَّها تُسْمَعُ للحاجَةِ؛ لوُقِوعِه كثيرًا، ويحْلِفُ كلّ منهم. وكذا دَعْوَى غَصْبٍ وإتْلافٍ وسَرِقَةٍ، لا إقْرارٍ وبَيع، إذا قال: نَسِيتُ. لأنَّه مُقَصرٌ. وقال في «الرعايةِ الكُبْرى» : تُسْمَعُ الدَعْوى بدَين مُؤجل؛ لإثْباتِه، إذا خافَ سفَرَ الشُّهودِ أو (1) المَدْيُونِ مُدَةً بغيرِ أجَل (2).
الثَّانيةُ، يُشْترَطُ في الدعْوى انْفِكاكُها عمَّا يُكَذِّبُها؛ فلو ادعَى عليه أنَّه قتَل أبَاه مُنْفَرِدًا، ثم ادَّعَى على آخَرَ المُشارَكَةَ فيه، تُسْمَعِ الثَّانيةُ ولو أقَر الثَّاني، إلَّا أنْ يقولَ: غَلِطْتُ. أو: كَذَبْتُ في الأولَى. فالأظْهَرُ، تُقْبَلُ. قاله في «التَّرْغيبِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ؛ لإِمْكانِه، والحقُّ لا يَعْدُوهما. وقال في «الرعايةِ»: مَنْ أقَرَّ لزَيدٍ بشيءٍ، ثم ادَّعاه، وذكَرَ تَلَقِّيَه منه، سُمِعَ، وإلا فلا، وإنْ أخِذَ منه بِبَينةٍ، ثم ادعاه، فهل يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين.
الثَّالثةُ، لو قال: كان بيَدِكَ. أو: لكَ أمْسِ، وهو مِلْكِي الآنَ. لَزِمَه سبَبُ زَوالِ يَدِه. على أصح الوَجْهَين. والوَجْهُ الثاني، لا يَلْزَمُه. وقيل: يَلْزَمُه في الثانيةِ دُونَ الأولَى. قال في «الفُروعِ» : فيَتَوَجهُ على الوَجْهَين، لو أقامَ المُقِر بَينةً أنَّه
(1) في الأصل: «و» .
(2)
في الأصل، ط:«أجله» .
فَإِنْ كَانَ المُدَّعَى عَينًا حَاضِرَةً، عَيَّنَهَا، وَإنْ كَانَتْ غَائِبَةً، ذَكَرَ صِفَاتِهَا، إِنْ كَانتْ تَنْضَبِطُ بهَا، وَالأوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا.
ــ
له، ولم يُبَيِّنْ سبَبًا، هل تُقْبَلُ؟. وتقدَّم الكِفايَةُ بشُهْرَتِه عندَ الخَصْمَين و (1) الحاكمَ قريبًا.
الرَّابعةُ، لو أحْضَرَ ورَقَةً فيها دَعْوَى مُحَررَة، وقال: أدَّعِي بما فيها. مع حُضورِ خَصْمِه، لم تُسْمَعْ. قاله في «الرِّعايةِ». وقال في «الفُروعِ»: لا يَكْفِي قوْلُه عن دَعْوَى في ورَقَةٍ: أدَّعِي بما فيها.
الخامسةُ، تُسْمَعُ دَعْوَى اسْتِيلادٍ وكِتابَةٍ وتَدْبِير. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: تُسْمَعُ في التَّدْبِيرِ إنْ جُعِلَ عِتْقًا بصِفَةٍ. وقال في «الفُصولِ» : دَعْواه سبَبًا قد يُوجِبُ مالًا -كضَرْبِ عَبْدِه ظُلْمًا- يَحْتَمِلُ أنْ لا تُسْمَعَ حتى يجبَ المالُ. وقال في «التَّرْغيبِ» : لا تُسْمَعُ [إلا دَعْوَي](2) مُسْتَلْزِمَة، لا كَبَيعِ خِيارٍ ونحوه، وأنَّه لو ادعى بَيعًا أو هِبَةً، لم تُسْمَعْ إلَّا أنْ يقولَ: ويَلْزَمُه التَّسْلِيمُ إليَّ. لاحْتِمالِ كوْنِه قبلَ اللُّزومِ. ولو قال: بَيعًا لازِمًا. أو: هِبَةً مَقْبُوضَة. فوَجْهان؛ لعدَمِ تَعَرضِه للتَّسْليمِ.
قوله: وإنْ كانَ الْمُدَّعَى عَينًا حاضِرَةً، عَيَنها، وإنْ كانتْ غائِبَةً، ذَكَرَ صِفاتِها، إنْ كانَتْ تَنْضَبِطُ بها، والأوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِها. وجزَم به الشَّارِحُ، وابنُ
(1) في الأصل، ا:«أو» .
(2)
في الأصل، ا:«الدعوى» .
وَإنْ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الأمْثَالِ، ذَكَرَ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا، وَإنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أوْلَى، وَإنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ، فَلابُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا.
ــ
مُنَجَّى، و [«الفُروعِ»، وغيرُهم](1).
قوله: وإنْ كانَتْ تالِفَةً مِن ذَواتِ الأمْثالِ -أو في الذِّمَّةِ- ذَكَرَ قَدْرَها وجنْسَها وصِفَتَها. فيَذْكُرُ هنا ما يذكُرُ في صِفَةِ السلَمِ، وإنْ ذكرَ قِيمَتَها، كان أولَى. يعْنِي، الأوْلَى أنْ يذْكُرَ قِيمَتَها مع ذِكْرِ صِفَةِ السلَمِ. قاله الأصحابُ؛ لأنه
(1) في الأصل: «غيرهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أضْبَطُ. وكذا إنْ كانَ غيرَ مِثْلِي. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنفِ، وغيرِه. وقال في «التَّرْغيبِ»: يَكْفِي ذِكْرُ قِيمَةِ غيرِ المِثْلِيِّ.
فائدة: قولُه: وإنْ لم تَنْضَبِطْ بالصِّفاتِ، فلا بُد مِن ذِكْرِ قِيمَتِها. كالجَواهِرِ ونحوها، بلا نِزاعٍ. لكِنْ يكْفِي ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ (1) البَلَدِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «المُحَررِ» ، و «النظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي
(1) سقط من: ط.
وَإنِ ادَّعَى نِكَاحًا، فَلَابُدَّ مِنْ ذِكْرِ المَرأةِ بِعَينها إِنْ حَضَرَتْ، وَإلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا، وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ، وَأنَهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَرِضَاهَا، فِي الصَّحِيحِ مِنَ المَذْهَبِ.
ــ
الصَّغِيرِ»، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: ويَصِفُه أيضًا.
قوله: وإنِ ادَّعَى نِكاحًا، فلابُدَّ مِن ذِكْرِ الْمَرْأةِ بعَينها إنْ حَضَرَتْ، وإلَّا ذَكَرَ اسْمَها ونَسَبَها، وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكاحِ، وأنه تَزَوَّجَها بوَلِي مُرْشِدٍ وشاهِدَيْ عَدْلي، وبرِضاها، في الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وهو المذهبُ، كما قال. يعْنِي، يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الدَّعْوى بالنِّكاحِ، ذِكْرُ شُروطِه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «الفُروعِ» وغيرِه، فقال: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُروطِه، في الأصح. واخْتارَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الرعايةِ» وغيرِه. وقال في «التَّرْغيبِ»: يُعْتَبَرُ في النكاحِ وَصْفُه بالصحَّةِ. انتهى. وقيل: لا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُروطِه. فعلى المذهبِ، لو ادَّعَى اسْتِدامَةَ الزَّوْجِيةِ، ولم يَدَّعِ العَقْدَ، فهل يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُروطِه في صِحَّةِ الدَّعْوى، أمْ لا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يُشْترَطُ. وهو الصَّحيحُ. صحَّحه في «البُلْغَةِ» ، و «الرعايتَين» . وإليه مَيلُ
وَإنِ ادَّعَى بَيعًا، أو عَقْدًا سِوَاهُ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟
ــ
المُصَنفِ، والشارِحِ. وهو ظاهرُ كلامِه في «الوَجيزِ» . والثاني، يُشْترَطُ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ: لو كانتِ المَرْأةُ أمَةً، والزَّوْجُ حُرًّا، فَقِياسُ ما ذكَرْنا، أنَّه يحْتاجُ إلى ذِكْرِ عدَمِ الطَّوْلِ وخَوْفِ العَنَتِ.
الثَّانيةُ، لو ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأةٍ، فأقَرَّتْ، فهل يُسْمَعُ إقْرارُها -وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وصحَّحه المَجْدُ -أو لا يُسْمَعُ؟ وإنِ ادَّعَى زَوْجِيتَّهَا واحِد، قُبِلَ، وإنِ ادعاها (1) اثْنان، لم يُقْبَلْ. قطع به المُصَنفُ في «المُغْنِي» . فيه ثلاثُ رِوَاياتٍ.
قوله: وإنِ ادَّعَى بَيعًا، أو عَقْدًا سِواه، فهل يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِه؟ يَحْتَمِلُ
(1) في الأصل، ط:«ادعاه» .
يَحْتَمِلُ وَجْهَينِ.
ــ
وَجهين. وكذا في «التَّرْغيبِ» . يعْنِي، إذا اشْترَطْنا ذِكْرَ ذلك في النِّكاحِ. وأطْلَقهما ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ؛ أحدُهما، يُشْترَطُ ذِكْرُ شُروطِه. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: اعْتُبِرَ ذِكْرُ شُروطِه، في الأصحِّ. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى»: ذِكْرُ شُروطِ صِحتِه، في الأصحِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «تَجْريدِ
وَإنِ ادَّعَتِ امْرأة نِكَاحًا عَلَى رَجُل، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً أو مَهْرًا، سُمِعَتْ دَعْوَاهَا، وَإنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ، فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
العِنايةِ»، و «النّظْمِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُشْترَطُ. اخْتارَه المُصَنفُ، والشَّارِحُ. وقيل: يُشْترَطُ ذِكْرُه في مِلْكِ الإماءِ والنِّكاحِ، ولا يُشْترَطُ ذِكْرُه في غيرِهما.
قوله: وإنِ ادَّعَتِ المَرْأةُ نِكاحًا على رَجُل، وادَّعَتْ معه نَفَقَةً أو مَهْرًا، سُمِعَتْ دَعْواها -بلا نِزاع- وإنْ لم تَدَّعِ سِوَى النكاحِ، فهل تُسْمَعُ دَعْواها؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على وجْهَين. وأطلَقهما في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لا تُسْمَعُ. وهو المذهبُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وصحَّحه في «التصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «النّظْمِ» . والوَجْهُ الثَّاني، تُسْمَعُ. جزَم به القاضي. فعليه، هي في الدَّعْوَى كالزَّوْجِ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو نَوَى بجُحودِه الطَّلاقَ، لم تَطْلُقْ. على الصحيحَ مِن المذهبِ، خِلافًا للمُصَنِّفِ في «المُغْنِي». واخْتارَه في «التَّرْغيبِ». وقال: المَسْألةُ مَبْنِيَّة على رِوايةِ صِحَّةِ إقْرارِها به إذا ادَّعاه واحدٌ. قاله في «الفُروعِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلتُ: قد تقدَّم في كتابِ الطَّلاقِ، في قوْلِه: ليسَ لِي امْرَأة. أو: ليستْ لي بامْرَأةٍ. رِوايَةُ أنَّه لَغْوٌ. قال في «الفُروع» : والأصحُّ، كِنايَةٌ. وقال في «المُحَررِ» هناك: إذا نَوَى الطَلاقَ بذلك، وقَعَ. وعنه، لا يقَعُ شيء. فالجُحُودُ هنا لعَقْدِ النكاحِ، لا لكَوْنِها امْرَأته.
الثَّانيةُ، لو عَلِمَ أنَّها ليستِ امْرَأته، وأقامَتْ بَينةً أنها امْرَأته، فهل يُمَكَّنُ منها ظاهِرًا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: الذي يُقْطَعُ به، أنَّه لا يُمَكنُ منها، وكيفَ يُمَكَنُ منها
وَإنِ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ، ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأنَهُ انْفَرَدَ بِهِ، أوْ شَارَكَ غَيرَهُ، وَأنَهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، أوْ خَطَأً، أوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيَصِفُهُ. وإنِ ادَّعَى الإرْثَ، ذَكَرَ سبَبَهُ.
ــ
وهو يعْلَمُ مِن نفْسِه ويتَحَققُ أنَّها ليستْ له بزَوْجَةٍ، حتى ولو حَكَمَ به حاكِم؛ لأنَّ حُكْمَه لا يُحِلُّ حَرامًا.
قوله: وإنِ ادعَى قَتْلَ مَوْرُوثِه، ذَكَرَ القاتِلَ، وأنَّه انْفَرَدَ به، أو شارَكَ غَيرَه، وأنه قَتَلَه عَمْدًا، أو خَطَأ، أو شِبْهَ عَمْدٍ، ويَصِفُه. وهذا بلا. نزاع. وإنْ لم يذْكُرِ الحياةَ في ذلك، فوَجْهان. وأطلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى». قلتُ: الأوْلَى عدَمُ اشْتِراطِ ذِكْرِ الحَياةِ.
فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: وإنِ ادعَى الإرْثَ، ذَكَرَ سَبَبَه. بلا نِزاع. ولو ادعَى دَينًا على أبِيه، ذكَرَ مَوْتَ أبِيه، وحَرَّرَ الدينَ والترِكَةَ. على الصحيحِ مِن المذهبِ. اخْتارَه القاضي [وغيرُه](1). وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» .
(1) سقط من: الأصل.
وَإنِ ادَّعَى شَيئًا مُحَلًّى، قَوَّمَهُ بِغَيرِ جِنْسِ حِلْيَتهِ، فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ.
فَصْلٌ: وَتُعْتَبَرُ فِي البَينةِ العَدَالةُ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أبي بَكْرِ وَالقَاضِي. وَعَنْهُ، تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِم لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ.
ــ
واخْتارَ المُصَنِّفُ، أنَّه يكْفِي (1) [أنْ يقولَ] (2): إنَّه وصَلَ إليه مِن تَرِكَةِ أبِيهِ ما يَفِي بدَينه.
الثَّانيةُ، قولُه: وإنِ ادَّعَى شَيئًا مُحَلًّى، قوَّمَه بغَيرِ جِنْسِ حِلْيَته، فَإنْ كانَ مُحَلًّى بذَهَبٍ وفِضَّةٍ، قوَّمَهَ بما شاءَ مِنْهُما للْحاجَةِ. بلا نِزاعٍ. ولو ادَّعَى دَينًا أو عَينًا، لم يُشْتَرَطْ ذِكْرُ سبَبِه، وَجْهًا واحدًا؛ لكَثْرَةِ سَبَبِه، وقد يَخفى على المُدَّعِي.
قوله: وتُعْتَبَرُ في الْبَينةِ الْعَدالةُ ظاهِرًا وباطِنًا، في اخْتِيارِ أبِي بَكْر والقاضِي. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: تُعْتَبَرُ عَدالةُ البَينةِ ظاهِرًا وباطِنًا، أطْلَقَه الإمامُ
(1) بعده في ط: «أيضًا» .
(2)
سقط من: ط.
اخْتارَهَا الخِرَقِيُّ. وإنْ جَهِلَ إِسْلَامَهُ، رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ. والْعَمَلُ عَلَى الأوَلِ.
ــ
والأصحابُ. قال الزَّرْكَشِي: هذا المذهبُ عندَ أكثرِ الأصحابِ؛ القاضي وأصحابِه، وأبي محمدٍ، والْخِرَقِيِّ، فيما قاله أبو البَرَكاتِ. انتهى. قلتُ: وحكاه في «الهِدايةِ» عن الْخِرَقِيِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال في «المُحَرَّرِ» : واخْتارَه الْخِرَقِيُّ. وأخذَه مِن قوله: وإذا شَهِدَ عندَه مَن لا يعْرِفُه، سألَ عنه. وفي «الواضِحِ» ، و «المُوجَزِ»: كَبَيِّنةِ حدٍّ وقَوَدٍ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : العَدالةُ المُعْتبَرةُ في شُهودِ الزِّنَى، هي العَدالةُ المُعْتَبَرَةُ ظاهِرًا وباطِنًا، وَجْهًا واحدًا، وإنِ اخْتُلِفَ في ذلك في الأمْوالِ؛ لتَأكُّدِ الزِّنَى. انتهى.
وعنه، تُقْبَلُ شَهادَةُ كُل مُسْلِم لم تظْهَرْ منه رِيبَة، اخْتارَها الْخِرَقِي. قاله المُصنِّفُ في هذا الكتابِ هُنا، وأخذَها مِن قوْلِه: والعَدْلُ؛ مَنْ لم تظْهَرْ منه رِيبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذا قال القاضي وغيرُه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وليسَ بالبَيِّن؛ لِما تقَدَّم له مِن أنَّه إذا شَهِدَ عندَه مَن لا يعْرِفُ حاله، سألَ عنه. فدَلَّ على أن كلامَه هنا في مَن عرَفَ حاله. انتهى. واخْتارَ هذه الروايةَ أبو بَكْر، وصاحِبُ «الرَّوْضَةِ» . قاله في «الفُروعِ» . فعليها، إنْ جَهِلَ إسْلامَه، رجَعَ إلى قوْلِه. وفي جَهْلِ حُريته -حيثُ اعْتَبَرْناها- وَجْهان؛ أحدُهما، لا يرجِعُ إليه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ». وقال: جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وأوْرَدَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «النَّظْمِ» مذهبًا. والثَّاني، يرجِعُ إليه. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وإنْ جَهِلَ عَدالتَه، لم يَسْأل عنه، إلَّا أنْ يَجْرَحَه الخَصْم. وقال في «الانْتِصارِ»: يُقْبَلُ مِن الغَريبِ قولُه: أنا حُر عَدْل. للحاجَةِ، كما قَبِلْنا قولَ المَرْأةِ، أنَّها ليستْ مُزَوَّجَةً، ولا مُعْتَدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة جليلَة: وهي أنَّ المُسْلِمَ، هل الأصْلُ فيه العَدالةُ، أو الفِسْقُ؟ اخْتُلِفَ فيها في زَمَنِنا، فأحبَبْتُ أنْ أنْقُلَ ما اطلَعْتُ عليه فيها مِن كُتُبِ الأصحابِ، فأقولُ، وباللهِ التَّوْفيقُ: قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1) عندَ قوْلِ الْخِرَقِيِّ: وإذا شَهِدَ عندَه مَن لا يعْرِفُه، سأل عنه. وتابعَه الشَارِحُ عندَ قولِ المُصَنِّفِ: وتُعْتَبَرُ في البَينةِ
(1) انظر المغني 14/ 43.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَدالةُ ظاهِرًا وباطِنًا. لمَّا نَصَرَا (1) أنَّ العَدالةَ تُعْتَبَرُ ظاهِرًا وباطِنًا، وحكَيَا (2) القولَ بأنه لا تُعْتَبَرُ العَدالةُ إلّا ظاهِرًا، وعللاه بأنْ قالا: ظاهِرُ حالِ المُسْلِمِين العَدالةُ.
(1) في الأصل: «نص» .
(2)
في الأصل: «حكينا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحْتَجَّا له بشَهادَةِ الأعْرابِي برُؤيَةِ الهِلالِ وقَبُولِها، وبقَوْلِ عمرَ، رضي الله عنه: المُسْلِمُون عُدول بعْضُهم على بَعْض. ولمَّا نصَرا (1) الأوَّلَ قالا: العَدالةُ شَرْط، فَوَجَبَ العِلْمُ بها كالإسْلامِ. وذكَرا (2) الأدِلةَ، وقالا: وأمَّا قولُ عمرَ، رَضِيَ اللهُ
(1) في الأصل: «نصر» .
(2)
في الأصل، ط:«ذكر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى عنه، فالمُرادُ به ظاهِرُ العَدالةِ. وقَالا: هذا بَحْث يدُل على أنَّه لا يُكْتَفَى بدُونِه. فظاهِرُ كلامِهما، أنَّهما سلَّما أنَّه ظاهِرُ العَدالةِ، ولكِنْ تُعْتَبَرُ معْرِفَتُها باطِنًا. وقالا في الكَلامِ على أنه لا يُسْمَعُ الجَرْحُ إلا مُفَسَّرًا: لأنَّ الجَرْحَ ينْقُلُ عن الأصْل؛ فإنَّ الأصْلَ في المُسْلِمين العَدالةُ، والجَرْحُ ينْقُلُ عنها. فصَرحا هنا بأن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصْلَ في المُسْلِمين العَدالةُ. وقال ابنُ مُنَجى في «شَرْحِه» ، لمَّا نَصَرَ أنَّه تُعْتَبَرُ العَدالةُ ظاهِرًا وباطِنًا: وأمَّا دَعْوَى أنَّ ظاهِرَ (1) حالِ المُسْلِمين (2)
(1) زيادة من: ا.
(2)
في الأصل: «المسلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَدالةُ، فَممْنُوعَةٌ، بلِ الظَّاهِرُ عكْسُ ذلك. فصَرّحَ أنّ الأصْلَ في ظاهرِ حالِ المُسْلِمِ عَكْسُ العَدالةِ. وقال في قولِه: ولا يُسْمَعُ الجَرْحُ إلَّا مُفَسرًا. والفَرْقُ بينَ التَّعْديلِ وبينَ الجَرْحِ، أنَّ التعْدِيلَ إذا قال: هو عَدْل. يُوافِقُ الظَّاهِرَ، فحَكَم بأنه عَدْل في الظَّاهِرِ، فخالفَ ما قال أوَّلًا. وقال ابنُ رَزِين في «شرحه» في أولَ كتابِ النِّكاحِ: وتصِحُّ الشَّهادَةُ مِن مَسْتُورِي الحالِ، رِوايةً واحدةً؛ لأن الأصْلَ العَدالةُ. وقال الطوفِيُّ في «مُخْتَصَرِه» في الأصولِ، في أواخِرِ التَّقْليدِ: والعَدالةُ أصْلِيَّة في كل مُسْلِم. وتابعَ ذلك في «شَرْحِه» على ذلك. فظاهِرُ كلامِه، أنَّ الأصْلَ العَدالةُ. وقال في «الرَّوْضَةِ» ، في هذا المَكانِ: لأنَّ الظَّاهِرَ مِن حالِ العالِمِ العَدالةُ. وقال الزرْكَشِي عندَ قولِ الْخِرَقِي: وإذا شَهِدَ عندَه مَن لا يعْرِفُه، سألَ عنه: ومنْشَأ الخِلافِ أن العَدالةَ، هل هي شَرْط لقَبولِ الشَّهادَةِ -والشَّرْطُ لا بد مِن تَحَقُّقِ وُجودِه، وإذَنْ لا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الحالِ، لعدَمِ تحَققِ الشَّرْطِ فيه- أو (1) الفِسْقُ مانِعٌ؟ فيُقْبَلُ مَسْتُوري الحالِ، إذِ الأصْلُ عدَمُ الفِسْقِ. ثم قال بعدَ ذلك بأسْطُر: فإنْ قيلَ بأنَّ الأصْلَ في المُسْلِمين العَدالةُ. قيلَ: لا نُسَلِّمُ هذا، إذِ العَدالةُ أمْر زائدٌ على الإسْلامِ، ولو سُلمَ هذا فُمعارَض بأن الغالِبَ -ولاسِيَّما
(1) في الأصل: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في زَمَنِنا هذا- الخُروجُ عنها. وقد يَلْزَمُ أنَّ الفِسْقَ مانِع، ويقالُ: المانِعُ لا بدَّ مِن تحَقُّقِ ظَنِّ عدَمِه، كالصبِيِّ والكُفْرِ. وقال الشّيخُ تَقِيّ الدِّينِ، رحمه الله: مَنْ قال: إنّ الأصْلَ في الإنْسانِ العَدالةُ. فقد أخْطَأ، وإنما الأصْلُ فيه الجَهْلُ والظُّلْمُ؛ قال اللهُ تعالى:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (1). وقال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في أواخِرِ «بَدائِع الفَوائدِ»: إذا شكَّ في الشاهِدِ، هل هو عَدْلٌ أم لا؟ لم يحْكُمْ بشَهادَتِه (2)؛ إذِ الغالِبُ في النَّاسِ عدَمُ العَدالةِ، وقولُ مَن قال: الأصْلُ في النّاسِ العَدالةُ. كَلام مُسْتَدْرَك، بلِ العَدالةُ حادِثَة تتَجَدَّدُ، والأصْلُ عدَمُها، فإنَّ خِلافَ العَدالةِ مُسْتَنَدُه جَهْلُ الإنْسانِ وظُلْمُه، والإنْسانُ جَهُول ظَلُوم، فالمُؤمِنُ يَكْمُلُ بالعِلْمِ والعَدالةِ، وهما جِماعُ الخَيرِ، وغيرُه يَبْقَى على الأصْلِ. وقال بعْضُهم: العَدالةُ والفِسْقُ مَبْنِيَّان على قَهُولِ شَهادَتِه، فإنْ قُلْنا: تُقْبَلُ شَهادَةُ مَسْتُورِ (3) الحالِ. فالأصْلُ فيه العَدالةُ، ؤإنْ قُلْنا: لا تُقْبَلُ. فالأصْلُ فيه الفِسقُ. قلتُ: الذي يَظْهَرُ أن المُسْلِمَ ليسَ الأصْلُ فيه الفِسْقَ، لأن الفِسْقَ قَطْعًا يَطْرأ، والعَدالةُ أيضًا -ظاهِرًا وباطِنًا- تَطْرأ، لكِن الظَّنَّ في المُسْلِمِ العَدالةَ أوْلَى مِن الظَّنِّ به الفِسْقَ. وممَّا يُسْتَأنَسُ به -على القَوْلِ بأنَّ الأصْلَ في المُسْلِمِ العَدالةُ- قوْلُه عليه أفْضَلُ الصِّلاةِ والسّلام:«ما مِنْ مَوْلُود يُولَدُ إلَّا على الفِطْرَةِ، فأبَواهُ يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرَانِه أو يُمَجِّسانِه» (4).
(1) سورة الأحزاب 72.
(2)
في الأصل: «بشهادة» .
(3)
في الأصل، ا:«مستوري» .
(4)
تقدم تخريجه في 10/ 94.
وَإذَا عَلِمَ الحَاكِمُ عَدَالتَهُمَا، عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا،
ــ
قوله: وإذا عَلِمَ الْحاكِمُ عَدالتَهُما، عَمِلَ بعِلْمِه. هكذا عِبارَةُ غالبِ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: وفي عِبارَةِ غيرِ واحدٍ، ويَحْكُمُ بعلْمِه في عَدالةِ الشَّاهِدِ وجَرْحِه للتَّسَلْسُلِ. قال في «عُيونِ المَسائلِ»: ولأنه يُشْرِكُه فيه غيرُه، فلا تُهْمَةَ. وقال هو والقاضي وغيرُهما: هذا ليسَ بحُكْم؛ لأنه يُعَدلُ هو ويَجْرَحُ غيرُه، ويَجْرَحُ هو ويُعَدِّلُ غيرُه، ولو كان حُكْمًا، لم يَكُنْ لغيرِه نقْضُه. قال في «التَّرْغيبِ»: إنَّما الحُكْمُ بالشَّهادَةِ، لا بِهما. إذا عَلِمْتَ ذلك، فَعَمَلُ الحاكِمِ بعِلْمِه في الشهودِ، وحُكْمُه بعِلْمِه في العَدالةِ والجَرْحِ هو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يعْمَلُ في جَرْحِه بعِلْمِه فقطْ. وعنه، لا يعْمَلُ بعِلْمِه فيهما، كالشَّاهِدِ، على أصح الوَجْهَين فيه. قال الزَّرْكَشِي: وحكَى ابنُ حَمْدانَ في «رِعايته» قوْلًا بالمَنْعِ. وهو مَرْدود، إنْ صحَّ ما حَكاه القُرْطُبِيُّ؛ فإنَّه حكَى اتفاقَ الكُلِّ على الجَوازِ. انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، لا يجوزُ الاعْتِراضُ عليه لتَرْكِه تَسْمِيَة الشُّهودِ. ذكَرَه
إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا، فَيُفَرقَهُمَاْ وَيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؟ وَمَتَى؟ وَفِى أَيَّ مَوْضِعٍ؟ وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ أَوْ أَنْتَ
وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنِ اخْتَلَفَا، لَمْ يَقْبَلْهَا، وَإِنِ اتَّفَقَا، وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا، فَإِنْ ثَبَتَا، حَكَمَ بِهِمَا إِذَا سَأَلَهُ المُدَّعِى.
ــ
القاضى وغيرُه فى مَسْألَةِ المُرْسلِ، وابنُ عَقِيل. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّ له طَلَبَ تَسْمِيَةِ البَينةِ، ليَتَمَكَّنَ مِن القَدْحِ، بالاتِّفاقِ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِثْلُه لو قال: حكَمْتُ بكذا. ولم يذْكُرْ مُسْتَنَدَه.
الثَّانيةُ، قال فى «الرِّعايةِ»: لو شَهِدَ أحدُ الشَّاهِدَيْن ببَعْضِ الدَّعْوى، قال: شَهِدَ عنْدِى بما وضَعَ به خَطُّه فيه، أو عادةَ حُكَّامِ بلَدِه. وإنْ كانَ الشَّاهِدُ عدْلاً، كتَب تحتَ خطِّه: شَهِدَ عنْدِى بذلك. وإنْ قَبِلَه كتَب: شَهِدَ بذلك عنْدِى. وإنْ قَبِلَه غيرُه أو أخْبَرَه بذلك، كتَبَ: وهو مَقْبولٌ. وإنْ لم يَكُنْ مَقْبُولًا، كتَبَ: شَهِدَ بذلك. وقال للمُدَّعِى: زِدْنِى شُهودًا. أو: زَكِّ شاهِدَيْكَ. وقيل: إنْ
طلَبَ خَصْمُه التَّزْكِيَةَ، وإلَّا فلا. انتهى.
قوله: إلَّا أنْ يَرْتابَ بهما، فيُفَرِّقَهُما ويَسْأَلَ كُلَّ واحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهادَةَ؟ ومَتَى؟ وفى أىِّ مَوْضِعٍ؟ وهل كُنْتَ وحْدَكَ أو أنْتَ وصاحِبُكَ؟ فإنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتَلَفا، لم يَقْبَلْهُما، وإِنِ اتَّفَقا، وعَظَهُما وخَوَّفَهُما، فإنْ ثَبَتا، حَكَمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بهما إذا سَأَلَه المُدَّعِى. يَلْزَمُ الحاكمَ سُؤالُ الشُّهودِ، والبَحْثُ عن صِفَةِ تَحَمُّلِهما، وغيرُه، إذا ارْتابَ فيهما. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزٍ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.
وظاهرُ كلام القاضى فى «الخِلافِ» ، وُجوبُ التوَقفِ حتى يَبِينَ وَجْهُ الطعْنِ.
وقال فى «التَّرْغيبِ» : لوِ ادَّعَى جَرْحَ البَيَّنَةِ، فليسَ له تحْليفُ المُدَّعِى، فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحِّ. وقال فى «الرَّعايةِ» : إنِ اخْتَلَفَا، توَقَّفَ فيها. وقيل: تسْقُطُ شَهادَتُهما.
وَإِنْ جَرَحَهُمَا المَشْهُودُ عَلَيْهِ، كُلِّفَ البَيَّنَةَ بِالْجَرْحِ، فَإنْ سَأَلَ الْإنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا.
وَلِلْمُدَّعِى مُلَازَمَتُهُ، فَان لَمْ يُقِمْ بَينّةَ، حُكِمَ عَلَيْهِ.
ــ
قوله: وإِنْ جَرَحَهُما المشْهُودُ عليه، كُلِّفَ- إقامَةَ- الْبَيِّنَةِ بالجَرْحِ، فإنْ سألَ الإنْظارَ، أنْظِرَ ثَلاثًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال فى «الرِّعايةِ»: يُمْهَلُ الجارِحُ ثَلَاثةَ أيَّامٍ- فى الأصحِّ- إنْ طَلَبَه. وجزَم به كثيرٌ مِن الأصحابِ. وقيل:
وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِى العَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ. وعنه، [332 و] أَنَّهُ يَكْفِى أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ،
وَلَيْسَ بِعَدْلٍ.
ــ
لا يُمْهَلُ.
قوله: ولا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلا مُفَسَّرًا بما يَقْدَحُ فى العَدالَةِ، إمَّا أَنْ يَراه، أو يَسْتَفِيضَ عنه. فلا يَكْفِى مُطْلَقُ الجَرْحِ، وهذا المذهبُ. قالَه فى «الفُروعِ» ، و «الزرْكَشِىِّ» ، وغيرِهما (1). وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى
(1) فى الأصل: «غيره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقيل: يُقْبَلُ الجَرْحُ مِن غيرِ تَبْيِينِ سبَبِه.
وعنه، يَكْفِى أنْ يَشْهَدَ أَنَّه فاسِقٌ ولَيْسَ بعَدْلٍ. كالتَّعْديلِ، فى أصحِّ الوَجْهَيْن فيه. وقيل: إنِ اتَّحَدَ مذِهبُ الجارِحِ والحاكمِ، أو عرَفَ الجارِحُ أسْبابَ الجَرْحِ، قُبِلَ إجْمالُه، وإلَّا فلا. قال الزرْكَشِىُّ: وهو حسَنٌ. وقيل: يَكْفِى قوْلُه: اللهُ أعلمُ به. ونحوُه. ذكَرَهما فى «الرِّعايةِ» .
تنبيه: قولُه: أو يَسْتَفِيضَ عنه. اعلمْ أنَّ له أنْ يشْهَدَ بجَرْحِه بما يقْدَحُ فى العَدالَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[باسْتِفاضَةِ ذلك عنهْ](1). على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه جاهيرُ الأصحابِ.
وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: ليسَ له ذلك، كالتَّزْكِيَةِ، فى أصحِّ الوَجْهَيْن فيها. وفى التَّزْكِيَةِ وَجْهٌ، اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: المُسْلِمُون يشْهَدُون (2) فى مِثْلِ عمرَ بنِ عَبْدِ العَزيزِ، والحَسَنِ [البَصْرِىِّ، رَضِىَ اللهُ تعالَى عنهما](3)، بما لا (4) يعْلَمُونَه إلَاّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالاسْتِفاضَةِ. وقال: لا نعْلَمُ فى الجَرْحِ بالاسْتِفاضَةِ نِزاعًا بينَ النَّاسِ. وقال فى «التَّرْغيبِ» : لا يجوزُ الجَرْحُ بالتَّسَامُعِ. نَعَم، لو زُكِّيَ جازَ التَّوَقُّفُ بتَسامُعِ الفِسْقِ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال فى «المُحَرَّرِ»: الجَرْحُ المُبَيِّنُ؛ أنْ يذْكُرَ ما يقْدَحُ
وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ، قَالَ لِلْمُدَّعِى: زِدْنِى شُهُودًا.
ــ
فى العَدالَةِ، عن رُؤْيَةٍ أو (1) اسْتِفاضَةٍ. والمُطْلَقُ؛ أنْ يقولَ: هو فاسِقٌ. أو (5): ليسَ بعَدْلٍ. قال الزرْكَشِىُّ: هذا هو المَشْهورُ. وقال القاضى فى «خِلافِه» : هذا هو المُبَيِّنُ، والمُطْلَقُ أنْ يقولَ: اللهُ أعلمُ. ونحوُه.
الثَّانيةُ، يُعَرِّضُ الجارِحُ بالزِّنَى، فإنْ صرَّح ولم يأْتِ بتَمامِ أرْبَعَةِ شُهودٍ (2)،
(1) فى ط: «و» .
(2)
زيادة من: ا.
وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ، طَالَبَ المُدَّعِىَ بِتَزْكِيَتَهِ.
وَيَكْفِى فِى التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا، وَلَا يَحْتَاجُ أنْ يَقُولَ: عَلَىَّ وَلِىَ.
ــ
حُدَّ، خِلافًا للشَّافِعِىِّ.
تنبيه: قولُه (1): وِإنْ جَهِلَ حالَه، طالَبَ المدَّعِىَ بتَزْكِيَتَه. بِناءً على اعْتِبارِ العَدالَةِ ظاهِرًا وباطِنًا. وهو المذهبُ، كما تقدَّم.
فائدة: التَّزْكِيَةُ حقٌّ للشَّرْعِ، يَطْلُبُها الحاكِمُ وإنْ سكَتَ عنها الخَصْمُ. هذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ. وقيل: بل هى حقٌ للخَصْمِ، فلو أقَرَّ بها، حكمَ عليه بدُونِها. وعلى الأوَّلِ، لا بُدَّ منها. ويأْتِى بأعَمَّ مِن هذا قريبًا.
قوله: ويَكْفِى فى التَّزْكِيةِ شاهِدان يَشْهَدان أنَّه عَدْلٌ رِضًا.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُشْتَرَطُ فى قَبُولِ المُزَكِّيَيْن، مَعْرِفَةُ الحاكمِ خِبْرَتَهما الباطِنَةَ بصُحْبَةٍ ومُعامَلَةٍ، ونحوِهما. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قطَع به فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وقدَّمه فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يُقْبَلان مع جَهْلِ الحاكمِ خِبْرَتَهما الباطِنَةَ. وقال فى «الرِّعايةِ» ، وغيرِها: ولا يُتَّهَمُ بعَصَبِيَّةٍ أو غيرِها.
قولُه: يَشْهَدان أَنَّه عَدْلٌ رِضًا. وكذا لو شَهِدا أنَّه عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهادَةِ. بلا نِزاعٍ. ويكْفِى قَوْلُهما (4): عَدْلٌ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . قال الزَّرْكَشِىُّ: ظاهِرُ كلامِ أبى محمدٍ، الجَوَازُ، وظاهِرُ كلامِ أبى البَرَكاتِ، المَنْعُ. وقال فى «التَّرْغيبِ»: هل يكْفِى قوْلُهما (1): عَدْلٌ؟ فيه
(1) فى الأصل، ط:«قوله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهان. وأَطْلَقَهما فى «الرِّعايةِ» .
فوائد؛ الأُولَى، لا يكْفِى قوْلُهما: لا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا.
الثَّانيةُ، قال جماعَةٌ مِن الأصحابِ: لا يَلْزَمُ المُزَكِّىَ الحُضُورُ للتَّزْكِيَةِ. وجزَم به فى «الرَّعايةِ» [وغيرِه](1). وقال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ وَجْةٌ.
الثَّالثةُ، لا تجوزُ التَّزْكِيَةُ إلَّا لمَنْ له خِبْرَةٌ باطِنَةٌ. قطَع به الأصحابُ. وزادَ فى «التَّرْغيبِ» ، ومَعْرِفَةُ الجَرْحِ والتَّعْديلِ.
الرَّابعةُ، هل تَعْدِيلُ المَشْهُودِ عليه وحدَه تعْديلٌ فى حقِّه، وتَصْديقُ الشُّهودِ تعْديلٌ؟ وهل تصِحُّ التَّزْكِيَةُ فى واقِعَةٍ واحدَةٍ؟ فيه وَجْهان. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، [و «الرِّعايةِ»](3). قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله: لا يُعْجِبُنِى أنْ يُعَدَّلَ؛ إنَّ النَّاسَ يتَغَيَّرُون. وقال: قيلَ لشُرَيْحٍ: قد أحْدَثْتَ فى قَضائِكَ؟ فقال: إنَّهم أحْدَثُوا، فأَحْدَثْنا. قال فى «الرِّعايةِ الكُبْري»: وإنْ أقَرَّ الخَصْمُ بالعَدالَةِ،
(1) سقط من: الأصل.
وَإنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالجَرْحُ أوْلَى.
ــ
فقال: هما عَدْلان فيما شَهِدَا به علىَّ. أو: صادِقان. حَكَمَ عليه بلا تَزْكِيَةٍ.
وقيل: لا. وقال: هل تصْديقُ الشُّهودِ تَعْديلٌ لهم؟ فيه وَجْهان. وقال فى «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ»: والتَّزْكِيَةُ حقٌّ للهِ، فتُطْلَبُ وإنْ سكَتَ الخَصْمُ، فإنْ أقَرَّ بالعَدالَةِ، حَكَمَ عليه. وقيل: لا يحكُمُ. وأَطْلَقَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ- فيما إذا عدَّلَ المَشْهودُ عليه الشَّاهِدَ- الوَجْهَيْن-. وأَطْلَقَ فى «الرِّعايةِ» - فى صِحَّةِ التَّزْكِيَةِ فى واقِعَةٍ واحدَةٍ - الوَجْهَيْن، وقال: وقيل: إنْ تَبَعَّضَتْ، جازَ، وإلَّا فلا تَزْكِيَةَ.
تنييه: قولُه: وإنْ عَدَّلَه اثْنان، وجَرَحَه اثْنان، فالجَرْحُ أَوْلَى. بلا نِزاعٍ.
وإذا قُلْنا: يُقْبَلُ جَرْحُ واحدٍ. فجَرَحَه واحدٌ، وزَكَّاه اثْنان، فالتَّزْكِيَةُ أوْلَى، على أصحِّ الوَجْهَيْن. قالَه فى «الفُروعِ» . وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، وغيرِهم. وقيلَ: الجَرْحُ
وَإنْ سَأَلَ المُدَّعِى حَبْسَ المَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّىَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَس؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
أَوْلَى. وهو أوْلَى. وقال الزَّرْكَشِىُّ: ولو عدَّلَه ثَلَاثَةٌ، وجَرَحَه اثْنان، وبَيَّنا السَّبَبَ، [فالجَرْحُ أَوْلَى، وإنْ لم يُبَيِّنا السَّبَبَ](1)، فالتَّعْدِيلُ أَوْلَى.
قوله: وإنْ سأَلَ المُدَّعِى حَبْسَ المشْهُودِ عليه حَتَّى يُزَكِّىَ شُهُودَه، فهل يُحْبَسُ؟ على وَجْهَيْن. وأَطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يُجابُ ويُحْبَسُ. وهو المذهبُ. صحَّحه. فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِير» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ»: احْتَمَلَ أنْ يَحْبِسَه. واقْتَصَرَا عليه. قال فى «الخُلاصةِ» : وفى حَبْسِه احْتِمالٌ. واقْتَصَرَ عليه. والوَجْهُ الثَّانى، لا يُحْبَسُ. وقيلَ: لا يُحْبَسُ إلَّا فى المالِ. ذكرَه فى «الرِّعايةِ» .
فائدتان؛ إحْداهما، مُدَّةُ حَبْسِه ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه، وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ،
(1) سقط من: ط.
وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الآخَرَ، حَبَسَهُ إِنْ كَانَ فِى المَالِ، وَإنْ كَانَ فِى غَيْرِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُحْبَسُ إلى أنْ يُزَكِّىَ شُهودَه. وقدَّمه فى «الرِّعايةِ» . وقيلَ: القَوْلُ بإطْلاقِ ذلك ظاهِرُ الفَسادِ. وهو كما قالَ. وقطَع (1) جماعَةٌ مِن الأصحابِ؛ منهم، المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، بأَنَّه يُحالُ فى قِنٍّ أو امْرَأَةٍ، ادَّعَى عِتْقًا، أو طَلاقًا بينَهما بشاهِدَيْن. وفيه بواحِدٍ فى قِنٍّ وَجْهان.
الثَّانيةُ، مِثْلُ ذلك فى الحُكْمِ، لو سأَلَ كَفِيلًا به، أو تَعْدِيلَ عَيْنٍ مُدَّعاةٍ قبلَ التَّزْكِيَةِ. قالَه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ،
و «الفُروعَ» ، وغيرِهم.
قوله: وإِنْ أَقَامَ شاهِدًا وسَأَلَ حَبْسَه حتى يُقِيمَ الآخَرَ، حَبَسَه إنْ كانَ فِى
(1) بعده فى الأصل: «به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمالِ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يُحْبَسُ.
قوله: وإنْ كانَ فى غَيْرِه، فعلى وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ
مُنَجَّي»؛ أحدُهما، لا يُحْبَسُ. وهو المذهبُ. وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُحْبَسُ. وهو ظاهرُ ما جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،
وَإِنْ حَاكَمَ إلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ، تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ.
ــ
و «الحاوِى» ، و «النَّظْمَ» .
وَلَا يَقْبَلُ فِى التَّرْجَمَةِ، وَالجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّعْرِيفِ، وَالرِّسَالَةِ، إِلَّا قَوْلَ عَدْلَيْنِ. وعنه، يَقْبَلُ قَوْلَ وَاحِدٍ.
ــ
قوله: ولا يَقْبَلُ فى التَّرْجَمَةِ، والْجَرْحِ، والتَّعْدِيلِ، والتَّعْرِيفِ، والرِّسالَةِ، إلَّا قَوْلَ عَدْلَيْن. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به الْخِرَقِىُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّغِيرِ»، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم مِن الأصحابِ.
وعنه، يَقْبَلُ قوْلَ واحدٍ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وأَطْلَقَهما فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» .
فعلى المذهبِ، يكونُ ذلك شَهادَةً تفْتَقِرُ إلى العدَدِ والعَدالَةِ، ويُعْتَبَرُ فيها مِن الشُّروطِ ما يُعْتَبَرُ فى الشهادَةِ على الإِقْرارِ بذلك الحقِّ؛ فإنْ كانَ ممَّا يتَعَلقُ بالحُدودِ والقِصاصِ، اعْتُبِرَ فيه الحُرِّيَّةُ، ولم يَكْفِ إلَّا شاهِدان ذكَران، وإن كان مالًا، كَفَى فيه رجُلٌ وامْرَأَتان، ولم تُعْتَبَرِ الحُرِّيَّةُ، وإنْ كان فى حدِّ زِنى، فالأَصَحُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أرْبَعَةٌ. وقيلَ: يكْفِى اثْنان؛ بِناءً (1) على الرِّوايتَيْن فى الشَّهادَةِ على الإقْرارِ بالزِّنَى على ما تقدَّمَ. ويعْتَبَرُ فيه لَفْظُ الشهادَةِ. وعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، يصِحُّ بدُونِ لَفْظِ الشَّهادَةِ، ولو كانَ امْرَأَةً، أو والِدًا، أو وَلَدًا، أو أعْمَى لمَن خَبَرُه بعدَ عَماه.
ويُقْبَلُ مِن العَبْدِ أيضًا. ويُكْتَفَى بالرُّقْعَةِ مع الرَّسُولِ، ولا بُدَّ مِن عَدالَتِه. وعلى المذهبِ، تجِبُ المُشافَهَةُ. قال القاضى: تَعْدِيلُ المَرْأةِ، هل هو مَقْبولٌ؛ مَبْنيٌّ على أصْلٍ؛ وهو، هل الجَرْحُ والتَّعْديلُ شَهادَةٌ أو خَبَرٌ؟ على قَوْلَيْن؛ فإنْ قُلْنا: هو خَبَرٌ. قُبِلَ تعْدِيلُهُنَّ. وإنْ قُلْنا بقَوْلِ الْخِرَقِىِّ، وأَنَّه شَهادَةٌ، فهل يُقْبَلُ تعْدِيلُهُنَّ؟ مَبْنِىٍّ على أصْلٍ آخَرَ؛ وهو، هل تُقْبَلُ شَهادَتُهُنَّ فيما لا يُقْصَدُ به المالُ ويَطَّلِعُ عليه
(1) سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرِّجالُ، كالنِّكاحِ؟ وفيه رِوايَتان؛ إحْداهما، تُقْبَلُ، فيُقْبَلُ تَعْدِيلُهُن. والثَّانيةُ، لا تُقْبَلُ. وهذا الصَّحيحُ، فلا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ. انتهى.
فوائد؛ الأُولَى، مَن رَتَّبَه الحاكِمُ يَسْأَلُ سِرًّا عن الشُّهودِ لتَزْكِيَةٍ أو جَرْحٍ، فقيلَ: تُعْتَبَرُ شروطُ الشَّهادَةِ فيهم. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرحِ» ، فَقالا: ويُقْبَلُ قولُ أصحابِ (1) المَسائلِ. قال فى «الكافِي» : ويجِبُ أن يكونُوا عُدُولًا، ولا يَسْأَلُوا عَدُوًّا ولا صَدِيقًا. وهذا ظاهِرُ ما جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» .
(1) فى الأصل: «صاحب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: تُشْتَرَطُ شُروطُ الشَّهادةِ فى المَسْئُولين، لا فى مَن رَتَّبَهم الحاكمُ. وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفروعِ» و «الزَّرْكَشِىِّ». وقال فى «التَّرْغيبِ»: وعلى قَوْلِنا: التَّزْكِيَةُ ليستْ شَهادَةً. لا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشّهادَةِ والعدَدُ [فى الجميعِ](1).
الثَّانيةُ، مَن سأَلَه حاكمٌ عن تَزْكِيَةِ مَن شَهِدَ عندَه، أَخبَرَه، وإلَّا لم يجِبْ.
الثَّالثةُ، مَن نُصِبَ للحُكْمِ بجَرْحٍ وتَعْديلٍ، وسَماعِ بَيِّنةٍ، قَنِعَ الحاكمُ بقَوْلِه وحدَه، إذا قامَتِ البَيِّنَةُ عندَه.
الرَّابعةُ، قال فى «المُطْلِعِ»: المُرادُ بالتَّعْريفِ تَعْريفُ الحاكمِ، لا تَعْريفُ الشَّاهدِ المَشْهُودَ عليه. قال أحمدُ: لا يجوزُ أنْ يقولَ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: أَنا أَشْهَدُ أنَّ هذه فُلانَةُ. ويَشْهَدَ على شَهادَتِه. قال: والفَرْقُ بينَ الشُّهودِ والحاكمِ مِن وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّ [الحاجَةَ للحاكِمِ](2) أكثرُ مِن الشُّهودِ. والثَّانى، أنَّ الحاكِمَ يحْكُمُ (3) بغَلَبَةِ الظَّنِّ، والشَّاهِدَ لا يجوزُ له أنْ يشْهَدَ غالِبًا إلَّا على العِلْمِ. انتهى. وقال فى «الفُروعِ» ، فى كتابِ الشَّهاداتِ: ومَن جَهِلَ رَجُلًا حاضِرًا، شَهِدَ فى حَضْرَتِه لمَعْرِفَةِ عَيْنِه، وإنْ كان غائِبًا، فَعَرَّفَه به مَن يَسْكُنُ إليه- وعنه (4)، اثْنانِ. وعنه، جماعَةٌ - شَهِدَ، وإلَّا فلا. وعنه، المَنْعُ. وحَمَلَها القاضى على الاسْتِحْبابِ. والمَرْأَة كالرَّجُلِ. وعنه، إنْ عرَفَها كما يعْرِفُ نفْسَه.
وعنه، أو نظَرَ إليها، شَهِدَ، وإلَّا فلا. ونقَل حَنْبَلٌ، يَشْهَدُ بإذْنِ زَوْجٍ. وعلَّلَه
وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَي تَجْدِيدِ البَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
بأنَّه أمْلَكُ بعِصْمَتِها. وقطَع به في «المُبْهِجِ» ؛ للخَبَرِ. وعلَّله بَعْضُهم بأنَّ النَّظَرَ حقُّه. قال فى «الفُروعِ» : وهو سَهْوٌ. ويأْتِى ذلك أيضًا فى كتابِ الشَّهاداتِ.
وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: التَّعْريفُ يتَضَمَّنُ تَعْريفَ عَيْنِ المَشْهودِ عليه، والمَشْهودِ له، والمَشْهودِ به، إذا وَقَعَتْ على الأسْماءِ، وتعْرِيفَ المَحْكُومِ له والمَحْكُومِ عليه، والمَحْكُومِ به، وتَعْرِيفَ المُثْبَتِ عليه، والمُثْبَتِ له، ونفْسِ المُثْبَتِ فى كتابِ القاضِى إلى القاضِى، والتَّعْريفُ مثْلُ التَّرْجَمَةِ سواءً، فإنَّه بَيانُ مُسَمَّى هذا الاسْمِ، كما أنَّ التَّرْجَمَةَ كذلك؛ لأنَّ التَّعْرِيفَ قد يكونُ فى أسْماءِ الأَعْلامِ، والتَّرْجَمَةَ فى أسْماءِ الأجْناسِ. وهذا التَّفْسِيرُ لا يَختَصُّ بشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ. انتهى. ذكرَه فى «شَرْحِ المُحَرَّرِ» عندَ قوْلِه: ولا يُقْبَلُ فى التَّرْجَمَةِ وغيرِها إلَّا عَدْلان.
قوله: ومَن ثَبَتَتْ عَدالَتُه مَرةً، فهل يَحْتاجُ الى تَجْدِيدِ البَحْثِ عَن عَدالَتِه مَرةً أُخْرَى؟ على وجْهَيْن. يعْنِى، مع تَطاوُلِ المُدَدِ. وهما رِوايَتان. قال فى
فَصْلٌ: وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غائِبٍ، أَوْ مُسْتَتِرٍ فِى البَلَدِ، أَوْ مَيِّتٍ، أوْ صَبِىٍّ، [332 ظ] أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ
بِهَا.
ــ
«الرِّعايةِ» : فيه وَجْهان. وقيل: رِوايَتان. وأَطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ الكُبْري» ؛ أحدُهما،
يُحْتاجُ إلى تجْديدِ البَحْثِ عن عَدالَتِه مع تَطاوُلِ المُدَدِ، ويجِبُ. وهو المذهبُ.
قال في «المُحَرَّرِ» : وهو المَنْصوصُ. قال فى «الفُروعِ» : لَزِمَ البَحْثُ عنها، على الأصحِّ، مع طُولِ المُدَّةِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يجِبُ، بل يُسْتَحَبُّ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغرى» ، [و «الحاوِى الصَّغِيرِ»](1).
قوله: وإِنِ ادَّعَى على غائبٍ، أو مُسْتَتِر فى البَلَدِ، أو مَيِّتٍ، أو صَبِيٍّ، أو مَجْنُونٍ، وله بَيِّنَةٌ، سَمِعَها الْحاكِمُ وحَكَمَ بها وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وليس تقَدُّمُ الإِنْكارِ هُنا شَرْطًا، ولو فُرِضَ إقْرارُه، فهو تَقْوِيةٌ (2)؛ لثُبوتِه بالبَيِّنةِ. قال في «التَّرْغيبِ» وغيرِه: لا تفْتَقِرُ البَيِّنَةُ إلى جُحُودٍ؛ إذِ الغَيْبَةُ كالسُّكُوتِ، والبَيِّنَةُ تُسْمَعُ على ساكتٍ. وكذا جعَل فى «عُيونِ المَسائلِ»
(1) سقط من: ط.
(2)
فى الأصل: «مقر به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِها هذه المَسْأَلةَ أصْلًا على الخَصْمِ. وعنه، لا يحْكُمُ على غائبٍ، كحَقِّ اللهِ تعالَى. فيَقْضِى فى السَّرقَةِ بالغُرْمِ فقطْ. اخْتارَه ابنُ أبى مُوسى. قالَه (1) فى «الكافِى» . وعنه، يحكُمُ على الغائبِ تَبَعًا، كشَرِيكٍ حاضِرٍ.
(1) فى الأصل: «قال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهات؛ الأَوَّلُ، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّه إذا حكمَ له، أنَّه يُعْطَى العَيْنَ المُدَّعَاةَ مُطْلَقًا. وهو ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا أَشْهَرُ الوَجْهَيْن. وقيل: يُعْطَى بكَفِيلٍ. وما هو ببعيدٍ. وأَطْلَقَهما في «الحاوِى» ، و «الرِّعايتَيْن» .
الثَّانى، مُرادُه بالمُسْتَتِرِ هنا، المُمْتَنِعُ مِن الحُضورِ، على ما يأْتِي بعدَ ذلك قريبًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّالثُ، الغَيْبَةُ هنا، مَسافَةُ القَصْرِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: ومَسِيرَةُ يومٍ أيضًا. وقيل: أو فوقَ نِصْفِ يومٍ. قالَه فى «الرِّعايةِ الكُبْري» .
الرَّابعُ، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، صِحَّةُ الدَّعْوى على الغائبِ فى جميعِ الحُقوقِ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وأبى الخَطَّابِ، والمَجدِ، وغيرِهم.
وقال ابنُ البَنَّا، والمُصَنِّفُ، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهم: إنَّما يُقْضَى على الغائبِ فى
وَهَلْ يَحْلِفُ المُدَّعِى أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَىْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
حُقوقِ الآدَمِيِّينَ، لا فى حُقوقِ اللهِ، كالزِّنَى والسَّرِقَةِ. نَعَمْ، فى السَّرِقَةِ يُقْضَى بالمالِ فقطْ، وفى حدِّ القذْفِ وَجْهان؛ بِناءً على أنَّه حَقٍّ للهِ، أو لآدَمِىٍّ، على ما تقدَّم فى أوَّلِ بابِ القَذْفِ.
قوله: وهل يَحْلِفُ المُدَّعِى أَنَّه لم يَبْرَأْ إليه منه، ولا مِن شَىْءٍ منه؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقهما فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهادِى» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، لا يَحْلِفُ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لم يُسْتَحْلَفْ فى أشْهَرِ الرِّوايتَيْن. وقالَا: هى ظاهِرُ المذهبِ. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وقدَّمه فى «الكافِى» ، و «الفُروعِ» ، و «خِلافِ أبى الخَطَّابِ» ، [ونَصَرَه] (1). قال الزَّرْكَشِىُّ: هى اخْتِيارُ أبى الخَطَّابِ، والشَّرِيفِ، والشِّيرَازِىِّ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يسْتَحْلِفُه على بَقاءِ حقِّه. قال فى «الخُلاصةِ»: حَلَف مع بَيِّنَتِه، على الأصحِّ.
قال فى «الرِّعايتَيْن» : وحلَفَ معها، على الأصحِّ، على بَقاءِ حقِّه. وجزَم به فى
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وهو ظاهرُ كلامِه فى «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ، فى «تَذْكِرَتِه» ، وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .
ومالَ إليه المُصَنفُ. ذكَرَه عنه الشَّارِحُ فى بابِ الدَّعاوَى، عندَ قولِه: وإنْ كانَ لأحَدِهما بَيِّنَةٌ، حكمَ له بها. فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، لا يَتَعَرَّضُ فى يَمِينِه لصِدْقِ البَيِّنةِ، على الصَّحيحِ [مِن المذهبِ](1). وهو ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ.
وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال فى «التَّرْغيبِ» : لا يَتَعَرَّضُ فى يَمِينِه؛ لصِدْقِ البَيِّنَةِ إنْ كانتْ كامِلَةً، ويجبُ تعَرُّضُه إذا أقامَ شاهِدًا وحَلَفَ معه.
فوائد؛ الأُولَى، لا يَمِينَ مع بَيِّنَةٍ كامِلَةٍ - كمُقِرٍّ له- إلَّا هنا. وعنه، بلَى، فعلَه علىُّ بنُ أبى طالِبٍ، رَضِىَ اللهُ عنه. وعنه-، يَحْلِفُ مع رِيبَةٍ فى البَيِّنَةِ. وتقدَّم فى بابِ الحَجْرِ أنَّه إذا شَهِدَتْ بَيِّنَة بنَفادِ مالِه، أنَّه يَحْلِفُ معها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وإذا شَهِدَتْ بإعْسارِه، أنَّه لا يَحْلِفُ معها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. ولَنا وَجْهٌ، أنَّه يَحْلِفُ معها أيضًا.
الثَّانيةُ، قال فى «المُحَرَّرِ»: ويخْتَصُّ اليَمِينُ بالمُدَّعَى عليه دُونَ المُدَّعِى، إلَّا فى القَسامَةِ ودَعاوَى الأُمَناءِ المَقْبولَةِ، وحيثُ يُحْكَمُ باليمينِ مع الشَّاهِدِ، أوِ نقولُ برَدِّها. وقالَه فى «الرِّعايةِ» ، وغيرِه، وقالَه كثيرٌ مِن الأصحابِ، مُفرَّقًا فى أَماكِنِه. وتقدَّم بعْضُ ذلك. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينٍ، رحمه الله: أمَّا دَعْوَى الأُمَناءِ المَقْبولَةُ، فغيرُ مُسْتَثْناةٍ، فيَحْلِفُون؛ وذلك لأَنَّهم أُمَناءُ لا ضَمانَ عليهم إلَّا
بتَفْرِيطٍ أو عُدْوانٍ، فإذا ادُّعِىَ عليهم ذلك فأَنْكَرُوه، فهم مُدَّعًى عليهم، واليمينُ على المُدَّعَى عليهم. انتهى. قلتُ: صرَّح المُصَنِّفُ وغيرُه فى بابِ الوَكالَةِ، أنَّه لو ادَّعَى الوَكيلُ الهَلاكَ ونَفَى التَّفْرِيطَ، قُبِلَ قولُه مع يَمِينِه. وكذا فى المُضارَبَةِ،
(1) سقط من: الأصل، ط.
ثُمَّ إِذَا قَدِمَ الغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِىُّ، أوْ أفَاقَ المَجْنُونُ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِه.
ــ
والوَدِيعَةِ، وغيرِهما.
الثَّالثةُ، قولُه: ثم إذا قَدِمَ الغائبُ، أو بَلَغ الصَّبِىُّ- يعْنِى، رَشِيدًا- أوْ أفَاقَ المجْنُونُ، فهو على حُجَّتِه. وهو صحيحٌ، لكِنْ لو جرَحَ البَيِّنَةَ بأَمْرٍ بعدَ أداءِ الشَّهادَةِ أو مُطْلَقًا، لم تُقْبَلْ؛ لجَوازِ كوْنِه بعدَ الحُكْمِ، فلا يقْدَحُ فيه، وإلَّا قُبِلَ.
وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِى البَلَد غَائِبًا عَنِ المَجْلِسِ، لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ، فَإنِ امْتَنَعَ عَنِ الحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ وَحُكِمَ بِهَا،
ــ
قوله: وإنْ كانَ الْخَصْمُ فى البَلَدِ غائبًا عَن المجَلِسِ، لم تُسْمَعِ البَيِّنَةُ حتى
فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْن. وَفِي الأُخْرَى، لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ، فَإِنْ أَبَى، بَعَثَ إِلَى صَاجِبِ الشُّرَطَةِ لِيُحْضِرَهُ، فَإِن تَكَرَّرَ مِنْهُ الاسْتِتَارُ،
أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِى دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَحْضُرَ.
ــ
يَحْضُرَ. ولا تُسْمَعُ أيضًا الدَّعْوى. وهو المذهبُ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريد العِنايةِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُسْمَعانِ، ويحْكُمُ
عليه. وأَطْلَقَهما فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، في سَماعِ البَيِّنَةِ. ونقَل أبو طالِبٍ، يُسْمَعان، ولا يحْكُمُ عليه حتى يَحْضُرَ. قال فى «المُحَرَّرِ»: وهو الأصحُّ. واخْتارَه النَّاظِمُ. وجزَم به فى «المُنَورِ» . وأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِىُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فإنِ امْتَنَعَ مِن الْحُضُورِ، سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ وحُكِمَ بها، فى إِحْدَى الرِّوايتَيْن.
وهو المذهبُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشُّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وهو ظاهرُ ما جزَم به فى «الرَّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .
والأُخْرى: لا تُسْمَعُ حتى يَحْضُرَ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وأطْلَقَهما ابنُ مُنَجُّى فى «شَرْحِه» . فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، إنْ أَبَى مِن الحُضورِ، بعَثَ إلى صاحبِ الشُّرَطَةِ ليُحْضِرَه، فإنْ تكَرَّرَ منه الاسْتِتارُ، أقْعَدَ على بابِه مَن يُضَيِّقُ عليه فى دُخولِه وخُروجِه حتى يَحْضُرَ. كما قال المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهما، وليسَ له دُخولُ بَيْتِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدُّمه في «الفُروعِ». وقال فى «التَّبصِرَةِ»: إنْ صحَّ
وَإِنَ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ، وَلَهُ مَالٌ فِى يَدِ
ــ
عندَ الحاكمِ أنَّه فى مَنْزِلِه، أَمَرَ بالهُجومِ عليه وإخْراجِه. فعلى الأوَّلِ، إنْ أصَرَّ على الاسْتِتارِ، حكَمَ عليه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. نصَّ عليه. قال فى «المُحَرَّرِ»: فإنْ أصَرَّ على التَّغَيُّبِ، سُمِعَتِ البَيِّنَةُ، وحَكَم بها عليه، قوْلًا واحدًا. وقالَه غيرُه مِن الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وهو مُرادُ المُصَنِّفِ بقَوْلِه قبلَ ذلك بيَسِيرٍ: وإنِ ادَّعى على مُسْتَتِرٍ وله بَيِّنَةٌ، سَمِعَها الحاكِمُ، وحَكَمَ بها. قال فى «الفُروعِ»: ونصُّه: يَحْكُمُ عليه بعدَ ثَلَاَثةِ أيَّامٍ. وجزَم به فى «التَّرْغيبِ» وغيرِه. وظاهِرُ نَقْلِ الأَثْرَمِ، يحْكُمُ عليه إذا خرَجَ. قال: لأنَّه صارَ فى حُرْمَةٍ، كمَنْ لَجَأَ إلى الحَرَمِ. انتهى. وحكَى الزَّرْكَشِىُّ كلامَه فى «المُحَرَّرِ» ، وقال: وفى «المُقْنِعِ» إذا امْتَنَعَ مِن الحُضورِ، هل تُسْمَعُ البَيِّنَةُ، ويحْكُمُ بها عليه؟ على رِوايتَيْن. مع أنَّه قطَع بجَوازِ الحُكْمِ على الغائبِ، وفيه نظَرٌ؛ فكَلامُه مُخالِفٌ لكَلامِ أبى البَرَكاتِ. فعلى المذهبِ، إنْ وَجدَ له مالًا، وَفَّاه الحاكِمُ منه، وإلَّا قال للمُدَّعِى: إنْ عرَفْتَ له مالًا، وثَبَتَ عنْدِى، وَفَّيْتُكَ منه.
قوله: وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ أَباه ماتَ عنه وعَن أَخٍ له غائبٍ، وله مالٌ فى يَدِ فُلانٍ، أو
فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، سُلِّمَ إِلَى المُدَّعِى نَصِيبُهُ، وَأَخَذَ الحَاكِمُ نَصِيبَ الغَائِبِ فَيَحْفَظُهُ لَهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ المَالُ دَيْنًا، أَنْ يُتْرَكَ نَصِيبُ الغَائِبِ فِى ذِمَّةِ
ــ
دَيْنٌ عليه، فأَقَرَّ المدَّعَى عليه، أو ثَبَت ببَيِّنَةٍ، سُلِّمَ إلَى المدَّعِى نَصِيبُه، وأخَذَ الْحاكِمُ نَصِيبَ الغائبِ يَحْفَظُه له. اعلمْ أنَّ الحُكْمَ للغائبِ مُمْتَنِعٌ. قال فى «التَّرْغيبِ»: لامْتِناعِ سَماعِ البَيِّنَةِ له والكِتابةِ له إلى قاضٍ آخَرَ ليَحْكُمَ له بكِتابِه، بخِلافِ الحُكْمِ عليه. إذا عَلِمْتَ ذلك، فيُتَصَوَّرُ الحُكْمُ له لكن على سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، كما مثَّل المُصَنِّفُ هنا. وكذا لو كانَ الأخُ الآخَرُ غيرَ
رَشِيدٍ. فإذا حكَم (1) في هذه المَسْألَةِ وأشْباهِها، وأخذَ الحاضِرُ حِصَّتَه، فالحاكِمُ يأْخُذُ نَصِيبَ الغائبِ، وغيرِ الرَّشِيدِ يَحْفَظُه له. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال الشَّارِحُ: هذا أوْلَى. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروع وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ أنَّه إذا كانَ المالُ دَيْنًا، أنْ يتْرُكَ نَصِيبَ الغائبِ فى ذِمَّةِ الغَريمِ، حتى يقْدَمَ الغائِبُ، ويَرْشُدَ السَّفِيةُ (2). وهو وَجْهٌ لبعْضِ الأصحابِ. قلتُ:
(1) بعده فى الأصل: «هو» .
(2)
سقط من: الأصل، ط.
الغَرِيمَ حَتَّى يَقْدَمَ.
ــ
ويَحْتَمِلُ أنَّه (1) يُتْرَكُ إذا كان مَلِيًّا.
فائدة: تُعادُ البَيِّنَةُ فى غيرِ الإِرْثِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكرَه فى «الرِّعايةِ» ، وزادَ، ولو أقامَ الوارِثُ البَيِّنَةَ- نقَله عنه فى «الفُروعِ» . ولم أرَ هذه الزِّيادةَ فى «الرِّعايةِ» - وبَقِيَّةُ الوَرَثَةِ غيْرُ رَشِيدٍ، انْتُزِعَ المالُ مِن يدِ المُدَّعَى عليه لهما، بخِلافِ الغائبِ، فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وفى الآخَرِ، يُنْتَزَعُ أيضًا. وقال
(1) فى ط: «أن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «المُغْنِى» (1): إنِ ادَّعَى أحدُ الوَكِيلَيْن الوَكالَةَ، والآخَرُ غائبٌ، وثَمَّ بَيِّنَة، حكَمَ لهما، فإنْ حضَرَ، لم تُعَدِ البَيِّنَةُ، كالحُكْمِ بوَقْفٍ ثبَتَ لمَن لم يُخْلَقْ، تَبَعًا لمُسْتَحِقه الآنَ. وتقدَّم أن سُؤالَ بعْضِ الغُرَماءِ الحَجْرَ كالكُل. قال فى «الفُروعِ»: فيَتَوَجَّهُ أنْ يفيدَ أنَّ القَضِيَّةَ الواحِدَةَ المُشْتَمِلَةَ على عدَدٍ أو (2) أَعْيانٍ - كَوَلَدِ الأبوَيْن فى المشَرَّكَةِ- أنَّ الحُكْمَ على واحدٍ أوْ لَه، يعُمُّه وغيرَه.
(1) المغنى 7/ 260، 261.
(2)
فى الأصل: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكرَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، المَسْألَةَ، وأخذَها مِن دَعْوى مَوْتِ مَوْرُوثِه وحُكْمِه بأنَّ هذا يَسْتَحِقُّ هذا، أو لأن مَن وَقَفَ بشَرْطٍ شامِلٍ يَعُمُّ. وهل حُكْمُه لطبَقَةٍ حُكْمٌ للثَّانيةِ والشَّرْطُ واحدٌ؛ رُدِّدَ النَّظَرُ على وَجْهَيْن، ثمَّ مَن أبْدَى ما يجوزُ أنْ يَمْنَعَ الأوَّلَ مِن الحُكْمِ عليه لو عَلِمَه، فَلِثانٍ الدَّفْعُ به، وهل هو نَقْضٌ للأوَّلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كحُكْمٍ مُغَيًّى بغايَةٍ هل هو فَسْخٌ؟.
وَإذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أنَّ الحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ، فَصَدَّقَهُ، قُبِلَ قَوْلُ الْحَاكِمٍ وَحْدَهُ، وَإنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَاكِمُ ذَلِكَ، [333 و] فَشَهِدَ
عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأمْضَى القَضَاءَ. وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا، قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا.
ــ
قوله: وإِنِ ادَّعَى إنسانٌ أنَّ الْحاكِمَ حَكَمَ له بِحَقٍّ، فَصدَّقَه، قُبِلَ قَوْلُ الحاكِمِ وَحْدَه. إذا قال الحاكمُ المَنْصوبُ: حَكَمْتُ لفُلانٍ على فلانٍ بكَذا. ونحوُه، وليسَ أباه ولا ابْنَه، قُبِلَ قولُه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقَطَعُوا به. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، وسَواءٌ ذكرَ مُسْتَندَه، أوْ لا. وقيل: لا يُقْبَلُ قِوْلُه. وقال الشيْخُ تَقِى الذينِ، رحمه الله:
قولُهم فى كتابِ القاضى: إخْبارُه بما ثَبَتَ بمَنْزِلَةِ شُهودِ الفَرْعِ. يُوجِبُ أنْ لا يُقْبَلَ قولُه فى الثُّبوتِ المُجَرَّدِ؛ إذ لو قُبِلَ خبَرُه لقُبِلَ كِتابُه، وأوْلَى. قال: ويجِبُ أنْ يقالَ: إنْ قال: ثَبَتَ عنْدِى. فهو كقَوْلِه: حَكَمْتُ فى الإِخْبارِ والكِتابِ. وإنْ قال: شَهِدَ. أو: أقَرَّ عنْدِى فُلانٌ. فكالشَّاهِدَيْن سَواءٌ. انتهى. وتقدَّم ما إذا أخْبَرَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعدَ عَزْلِه، أنَّه كانَ حكَمَ لفُلانٍ بكذا فى وِلاِيَتِه، فى آخِرِ بابِ أدَبِ القاضى.
وهناك بعْضُ فُروعٍ تتعَلَّقُ بهذا.
قوله: وإِنْ لم يَذْكُرِ الْحاكِمُ ذلك، فَشَهِدَ عَدْلان أَنَّه حَكَمَ له به، قَبِلَ شَهادَتَهُما، وأمْضَى القَضاءَ. وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَعُوا به؛ منهم صاحِبُ «الوَجيزِ» وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر ابنُ عَقِيلٍ، أنَّ الحاكِمَ إذا شَهِدَ عندَه اثْنان أنه حَكَمَ لفُلانٍ، أنَّه لا يقْبَلُهما.
تنبيه: مُرادُ الأصحابِ على الأوَّلِ، إذا لم يتَيَقَّنْ صَوابَ نفْسِه، فإنْ تيَقَّنَ صَوابَ نَفْسِه، لم يقْبَلْهُما، ولم يُمْضِه. قالَه فى «الفُروعِ». وقال: لأنَّهم احْتَجُّوا بقِصَّةِ ذِى اليَدَيْن (1)، وذكَرُوا هناك؛ لو تيَقَّنَ صَوابَ نفْسِه، لم يقْبَلْهما. واحْتَجُّوا أيضًا بقَوْلِ الأصْلِ المُحَدِّثِ للرَّاوِى (2) عنه: لا أدْرِى.
وذكَرُوا هناك، لو كذَّبَه، لم يقْدَحْ فى عَدالَتِه، ولم يعْمَلْ به. ودلَّ أنَّ قولَ ابنِ عَقِيلٍ هنا (3)، قِياسُ الرِّوايَةِ المذْكُورَةِ فى الدَّلِيلَيْنِ.
قوْله: وكذلِكَ إنْ شَهِدَا أنَّ فُلانًا وفُلانًا شَهِدا عنْدَكَ بكذا- وكذا- قَبِلَ
(1) تقدم تخريجه فى 4/ 26.
(2)
فى الأصل: «الراوى» .
(3)
سقط من: الأصل.
وَإنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ، لكِنْ وَجَدَهُ فِى قِمَطْرِهِ فِى صَحِيفَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ، فَهَلْ يُنْفِذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
شَهادَتَهُما- بلا نِزاعٍ- وإِنْ لم يَشْهَدْ به أحَدٌ، لَكِنْ وَجَدَه فى قِمَطْرِه فى صَحِيفَةٍ تَحْتَ خَتْمِه بخَطِّه، فهل يُنْفِذُه؟ على رِوايتَيْن. وأَطْلَقهما فى «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ؛ إحْداهما، ليسَ له تنْفِيذُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو المذهبُ. ذكره القاضى وأصحابُه، وذكَر فى «التَّرْغيبِ» ، أنَّه الأَشْهَرُ، كخَطِّ أبِيه بحُكْمٍ أو شَهادَةٍ، لم يشْهَدْ ولم يحْكُمْ بها إجْماعًا. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الحاوِى» ، و «الرِّعايتَيْن» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُنْفِذُه.
وعنه، يُنْفِذُه سواءٌ كان فى قِمَطْرِه، أوْ لا. اخْتارَه فى «التَّرْغيبِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ البَغْدادِىِّ (4)» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى
وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا رَأَى خَطَّهُ فِى كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أنْ يَشْهَدَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
«المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ». قلتُ: وعليه العَمَلُ.
قوله؛ وكذلكَ الشَّاهِدُ إذا رأى خَطَّه فى كِتابٍ بشَهَادَةٍ، ولم يَذْكُرْها، فهل له أنْ يَشْهَدَ بها؟ على رِوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ؛ إحْداهما، ليسَ له أنْ يشْهَدَ. وهو الصَّحيح مِن المذهبِ. وذكَره القاضى وأصحابُه، المذهبَ. وذكَرَ فى «التَّرْغيبِ» ، أنَّه الأَشْهَرُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الحاوِى» ، و «الرِّعايتَيْن» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، له أنْ يشْهَدَ إذا حرَّرَه، وإلَّا فلا. وعنه، له أنْ يشْهَدَ مُطْلَقًا، اخْتارَه فى «التَّرْغيبِ» . وجزَم به فى
«الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمَ» .
فائدة: مَن علِمَ الحاكمُ منه أنَّه لا يُفَرقُ بمنَ أنْ يُذَكَّرَ، أو يعْتَمِدَ على معْرِفَةِ الخَطِّ، يتَجَوَّزُ ذلك (1)، لم يَجُزْ قَبُولُ شَهادَتِه، ولهما حُكْمُ المُغَفَّلِ، أو (2) المُخْرَقِ، وإنْ لم يتَحَقَّقْ، لم يَجُزْ أنْ يسْأَلَه عنه، ولا يجِبُ أنْ يُخْبِرَه بالصِّفَةِ.
(1) فى الأصل: «بذلك» .
(2)
فى ط: «و» .
فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ لَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا.
ــ
ذكَره ابنُ الزَّاغُونِىِّ، وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال أبو الخَطَّابِ: لا يَلْزَمُ الحاكِمَ سُؤالُهما عن ذلك، ولا يَلْزَمُهما جَوابُه. وقال أبو الوَفَاءِ: إذا علِمَ تجَوُّزَهما، فهما كمُغَفَّلٍ، ولم يَجُزْ قَبُولُهما.
قوله: ومَن كانَ له على إنسانٍ حَقٌّ، ولم يُمْكِنْه أخْذُه بالْحاكمِ، وقَدَرَ له على مالٍ، لم يَجُزْ له أنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّه. نَصَّ عليه. واخْتارَه عامَّةُ شُيوخِنا. وهو
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ المُحْدَثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ، أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ، وَإلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، مُتَحَرِّيًا
ــ
المذهبُ. نقَله الجماعَةُ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا المَشْهورُ فى المذهبِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ المَنْصوصُ المَشْهورُ.
وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، والخِرَقِىُّ، وغيرُهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.
وذهَبَ بعْضُهم مِن المُحْدِّثِين إلى جَوازِ ذلك. وحكاه ابنُ عَقِيلٍ عن المُحْدَثِين مِن الأصحابِ. وهو رِوايةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وخرَّجه أبو الخَطَّابِ-
لِلْعَدْلِ فِى ذَلِكَ؛ لحَدِيثِ هِنْدٍ: «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» .
ــ
وتَبِعَه جماعَةٌ مِن الأصحابِ- مِن قولِ الإِمامِ أحمدَ، رَحِمَه اللهُ تعالَى، فى المُرْتَهِنِ: يرْكَبُ ويحْلِبُ بقَدْرِ ما يُنْفِقُ، والمَرْأةُ تأْخُذُ مُؤْنَتَها، والبائعُ للسِّلْعَةِ يأْخُذُها (1) مِن مالِ المُفْلِسِ بغيرِ رِضاه. وخرَّجه فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه، مِن تَنْفيذِ الوَصِىِّ الوَصِيَّةَ ممَّا فى يَدِه إذا كتَمَ الوَرَثَةُ بعْضَ التَّرِكَةِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو أظْهَرُ فى التَّخْريجِ. فعلى هذا، إنْ قَدَرَ على جِنْسِ حقِّه، أخَذَ بقَدْرِه، وإلَّا
قوَّمَه وأخذَ بقَدْرِه مُتَحَرِّيًا للعَدْلِ فى ذلك، لحديثِ [رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لهِنْدٍ زَوْجِ أبى سُفْيانَ، رَضِىَ اللهُ عنهما](2): «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ» ؛ ولقَوْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ومَحْلُوبٌ» (3). وجزَم به فى «الهِدايةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهما. وذكَرَ فى
(1) فى الأصل: «يأخذ» .
(2)
فى الأصل، ط:«هند» .
(3)
أخرجه الحاكم، فى: المستدرك 2/ 58. والدارقطنى فى: سننه 3/ 34. والبيهقى، فى: السنن الكبرى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الواضِحِ» ، أنَّه لا يأْخُذُ إلَّا مِن جِنْسِ حقِّه. وهما احْتِمالان فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، مُطْلَقانِ. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: وخرَّج بعْضُ أصحابِنا الجوازَ، رِوايةً عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، مِن جَوازِ أخْذِ الزَّوْجَةِ مِن مالِ زوْجِها نَفَقَتَها ونَفَقَةَ وَلَدِهَا بالمَعْروفِ، وقد نصَّ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، على
= 6/ 38. وأبو نعيم، فى: حلية الأولياء 5/ 45.كلهم من حديث أبى هريرة مرفوعا.
وقال البيهقى: ورواه الجماعة عن الأعمش موقوفا على أبى هريرة. وانظر: فتح البارى 5/ 143.
وأخرجه عبد الرزاق، فى: المصنف 8/ 244. موقوفا على أبى هريرة.
وانظر ما تقدم تخريجه فى 12/ 491.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّفْريقِ بينَهما، فلا يصِحُّ التَّخْريجُ. وأشارَ إلى الفَرْقِ بأنَّ المَرْأة تأْخُذُ مِن بَيْتِ زَوْجِها. يعْنِى، أنَ لها يَدًا وسُلْطانًا على ذلك، وسبَبُ النَّفَقَةِ ثابِتٌ وهو الزَّوْجِيَّةُ، فلا تُنْسَبُ بالأَخْذِ إلى خِيانَةٍ؛ ولذلك أباحَ فى رِوايةٍ عنه أخْذَ الضَّيْفِ مِن مالِ مَن نزَلَ به ولم يَقْرِه بقَدْرِ قِراه. ومتى ظَهَرَ السَّبَبُ، لم يُنْسَبِ الآخِذُ إلى خِيانَةٍ.
وعكَسَ ذلك بعْضُ الأصحابِ، وقال: إذا ظَهَرَ السَّبَبُ، لم يَجُزِ الأخْذُ بغيرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذْنٍ؛ لإِمْكانِ إقامَةِ البَيِّنَةِ عليه، بخِلافِ ما إذا خَفِىَ. وقد ذكَرَ المُصَنِّف، والشَّارِحُ فى ذلك أرْبَعَةَ فُروقٍ.
فائدة: قال القاضى أبو يَعْلَى، فى قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لهِنْدٍ (1):«خُذِى ما يَكْفِيكِ ووَلَدِكِ بالمَعْرُوفِ» : هو حُكْمٌ لا فُتْيا. واخْتَلَفَ كلامُ المُصَنِّفِ فيه؛ فَتارَةً قطَع بأنَّه حُكْمٌ، وتارَةً قطَع بأَنَّه فُتْيا. قال الزَّرْكَشِىُّ: والصَّوابُ أنَّه فُتْيا.
تنبيهات؛ أحدُها، حيثُ جوَّزْنا الأخْذَ بغيرِ إذْنٍ، فيَكونُ فى الباطِنِ. قالَه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. وظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، جَوازُ الأخْذِ ظاهِرًا وباطِنًا. والأصولُ التى خرَّج عليها أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهما، مِن حديثِ هِنْدٍ، وحَلْبِ الرَّهْنِ ورُكُوبِه، تَشْهَدُ لذلك، والأُصولُ التى خرَّج عليها صاحِبُ «المُحَرَّرِ» تقتَضِى ما قالَه.
الثَّانى، مفْهومُ قولِه: ولم يُمْكِنْه أخْذُه بالْحاكمِ. أنَّه إذا قَدَرَ على أخْذِه بالحاكمِ، لم يَجُزْ له أخْذُ قَدْرِ حقِّه إذا قَدَرَ عليه. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ.
وعنه، فى الضَّيْفِ، يأْخُذُ وإنْ قَدَرَ على أخْذِه بالحاكمِ. [وظاهِرُ «الواضِحِ»، يأْخُذُ الضَّيْفُ وغيرُه وإنْ قَدَرَ على أخْذِه بالحاكمِ](2). قال فى
(1) زيادة من: ا.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : [وهو](1) ظاهِرُ ما خرَّجه أبو الخَطَّابِ فى نفَقَةِ الزَّوْجَةِ، «والرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ومَحْلُوبٌ» ، وأخْذِ سِلْعَتِه مِن المُفْلِسِ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، جَوازَ الأخْذِ ولو قَدَرَ على أخْذِه بالحاكمِ، فى الحق الثَّابِتِ بإقْرار أو بَيِّنَةٍ، أو كان سَبَبُ الحقِّ ظاهِرًا. قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ شِهَابٍ وغيرِه.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّالثُ، مَحَلُّ الخِلافِ فى هذه المَسْألَةِ، إذا لم يَكُنِ الحقُّ الذى (1) فى ذِمَّتِه قد أخَذَه قَهْرًا، فأمَّا إنْ كانَ قد غصَبَ مالَه، فيَجُوزُ له الأخْذُ بقَدْرِ حقِّه. ذكَرَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وغيرُه. وقال: ليسَ هذا مِن هذا البابِ. وقال فى «الفُنونِ» : مَن شَهِدَتْ له بَيِّنَةٌ بمالٍ - لا عندَ حاكمٍ- أخَذَه. وقيلَ: لا، كقَوَدٍ، فى الأصحِّ. ومَحَل الخِلافِ أيضًا، إذا كانَ عَيْنُ مالِه قد تعَذَّرَ أخْذُه، فأمَّا إنْ قَدَرَ على عَيْنِ مالِه، أخَذَه قَهْرًا. زادَ فى «التَّرْغيبِ» ، ما لم يُفْضِ إلى فِتْنَةٍ.
قال: ولو كانَ لكُلِّ واحدٍ منهما على الآخَرِ دَيْنٌ مِن غيرِ جنْسِه، فجَحَدَ أحدُهما، فليسَ للآخَرِ أنْ يَجْحَدَ، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّهَ كَبَيْعِ دَيْنٍ بدَيْنٍ؛ لا يجوزُ، ولو رَضِيا. انتهى.
[فائدة: لو كانَ له دَيْنٌ على شَخصٍ، فجَحَدَه، جازَ له أخْذُ قَدْرِ حقِّه، ولو مِن غيرِ جِنْسِه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وهو مِن «المُفْرَداتِ». قال ناظِمُها:
ومعْ جُحُودِ الدَّيْنِ لا بالظَّفَرِ
…
يُؤْخَذُ مِن جِنْسِه فى الأشْهَرِ] (2)
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: ط.
وَحُكْمُ الحَاكِمِ لا يُزِيلُ الشَّىْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِى البَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِى مُوسَى عَنْهُ رِوَايَةً، أَنَّهُ يُزِيلُ العُقُودَ وَالفُسُوخَ.
ــ
قوله: وحُكْمُ الْحَاكِمِ لا يُزِيلُ الشَّىْءَ عَن صِفَتِه فى الباطِنِ- وهو المذهبُ.
وعليه جماهيرُ الأصحابِ- وذكَرَ ابْنُ أبِى مُوسَى رِوايَةً عنه، أنَّه يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ. وذكَرَها أبو الخَطَّابِ. قال فى «الفُروعِ»: وحُكِىَ عنه، يُحِيلُه فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَقْدٍ وفَسْخٍ مُطْلَقًا. وأطْلَقَهما فى «الوَسِيلَةِ» . قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: الأَهْلُ أكثرُ مِن المالِ. وقال فى «الفُنونِ» : إنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَها، فاعْتَبَرَها باللِّعانِ.
وعنه، يُزِيلُه (1) فى مُخْتَلَفٍ فيه قبلَ الحُكْمِ. قطَع به فى «الواضِحِ» وغيرِه. قال فى «المُحَرَّرِ»: وحُكْمُ الحاكمِ لا يُحِيلُ الشَّئَ عن صِفَتِه فى الباطِنِ، إلَّا فى أَمْرٍ
(1) فى الأصل، ا:«يرسله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُخْتَلَفٍ فيه قبلَ الحُكْمِ؛ فإنَّه على رِوايتَيْن. قال فى «الرِّعايتَيْن» ، بعدَ أنْ حكَى الرِّوايتَيْن فى (1) الأولِ: وقيلَ: هما فى أمْرٍ مُخْتَلَفٍ فيه قبلَ الحُكْمِ. فعلى هذه الرِّوايةِ، لو حَكَمَ حَنَفِىٌّ لحَنْبَلِىٍّ أو لشافِعِىٍّ بشُفْعَةِ جِوارٍ، فَوَجهان. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» . ومَن حكَمَ لمُجْتَهِدٍ، أو عليه بما يُخالِفُ اجْتِهادَه، عَمِلَ باطِنًا بالحُكْمِ. ذكَره القاضى. وقيلَ: باجْتِهادِه. وإنْ باعَ حَنْبَلِىٌّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ، فحكَمَ بِصحَّتِه شافِعِىٌّ، نَفَذَ عندَ أصحابِنا خِلافًا لأبى الخَطَّابِ. قال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِيه»: قولُ أبى الخَطَّابِ أَظْهَرُ؛ إذْ كيفَ يحكُمُ له بما لا يَسْتَحِلُّه، فإنَّه إنْ كانَ مُجْتَهِدًا، لَزِمَه العَمَلُ باجْتِهادِه، وإنْ كانَ مُقَلِّدًا، لَزِمَه العَمَلُ بقَوْلِ مَن
قلَّده؛ فكيفَ يَلْزَمُه شئٌ ولا يلْتَزِمُه، فيَجْتَمِعَ الضِّدَّان، إلَّا أنْ يُرادَ، يَلْزَمُه الانْقِيادُ للحُكْمِ ظاهِرًا، والعَمَلُ بضِدِّه باطِنًا، كالمَرْأةِ التى تَعْتَقِدُ أنَّها مُحَرَّمَة على زَوْجِها، وهو يُنْكِرُ ذلك. لكِنْ فى جَوازِ إقْدامِ الحاكمِ على الحُكْمِ بذلك، لمَن
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَعْتَقِدُ تحْرِيمَه، نظَرٌ؛ لأنَّه إلْزامٌ له بفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، لاسِيَّما على قَوْلِ مَن يقولُ: كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. انتهى.
فوائد؛ الأُولَى، قال فى «الانْتِصارِ»: متى عَلِمَ البَيِّنَةَ كاذِبَةً، لم يُنْفِذْ. وإنْ باعَ مالَه فى دَيْن ثَبَتَ ببَيِّنَةِ زُورٍ، ففى نُفُوذِه مَنْعٌ وتَسْلِيمٌ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: هل يُباحُ له بالحُكْمِ ما اعْتَقَدَ تحْرِيمَه قبلَ الحُكْمِ؟ فيه رِوايَتان. وفى حِلِّ ما أخَذَه وغيرِه بتَأْوِيلٍ، أو مع جَهْلِه، رِوايَتان (1). وإنْ رجَع المُتَأَوِّلُ، فاعْتَقَدَ التَّحْريمَ، رِوايَتان؛ بِناءً على ثُبوتِ الحُكْمِ قبلَ بُلوغِ الخِطابِ. قال: أصَحُّهما حِلُّه، كالحَرْبِىِّ بعدَ إسْلامِه وأوْلَى. وجعَل مِن ذلك، وَضْعَ طاهِرٍ فى اعْتِقادِه فى مائعٍ لغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: وفيه نظَرٌ. وذكَر جماعَةٌ، إنْ أسْلَمَ بدارِ الحَرْبِ، وعامَلَ برِبًا جاهِلًا، ردَّه. وقال فى «الانْتِصارِ»: ويُحَدُّ لِزِنًى.
الثَّانيةُ، مَن حُكِمَ له- ببَيِّنَةِ زُورٍ- بزَوْجِيَّةِ امْرَأةٍ، حلَّتْ له حُكْمًا، فإنْ وَطِئَ مع العِلْمِ، فكَزِنًى. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: لا حَدَّ. ويصِحُّ
(1) سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نِكاحُها لغيرِه، خِلافًا للمُصَنِّفِ. وإنْ حكَمَ بطَلاقِها ثَلاثًا بشُهودِ زُورٍ، فهى زَوْجَتُه باطِنًا، ويُكْرَهُ له اجْتِماعُه بها ظاهِرًا، خَوْفًا مِن مَكْرُوهٍ يَنالُه، ولا يصِحُّ نِكاحُها غيرَه ممَّن يعْلَمُ الحالَ. ذكَره الأصحابُ، ونَقَلَه أحمدُ بنُ الحَسَنِ. قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1): إنِ انْفَسَخ باطِنًا، جازَ. وكذا قال فى «عُيونِ المَسائلِ» ، على الرِّوايةِ الثَّالثةِ: تَحِلُّ للزوْجِ الثانى، وتَحْرُمُ على الأوَّلِ بهذا
الحُكْمِ ظاهِرًا وباطِنًا.
الثَّالثةُ، لو رَدَّ الحاكِمُ شَهَادَةَ واحِدٍ برَمَضَانَ، لم يُؤَثِّرْ، كمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وأَوْلَى؛ لأنَّه لا مَدْخَلَ لحُكْمِه فى عِبادَةٍ ووَقْتٍ، وإنَّما هو فَتْوَى، فلا يقالُ: حكَمَ بكَذِبِه، أو بأنَّه لم يَرَه. ولو سلَّمَ أنَّ له مَدْخَلًا، فهو مَحْكُومٌ به فى حقِّه مِن رَمَضَانَ، فلم يُغَيِّرْه حُكْمٌ، ولم تُؤَثِّرْ شُبْهَةٌ؛ لأنَّ الحُكْمَ يُغيِّرُ إذا اعْتَقَدَ المَحْكومُ عليه أنَّه حُكْمٌ، وهذا يُعْتَقَدُ خَطَؤُه؛ كمُنْكِرَةٍ نِكاحَ مُدَّعٍ تتَيَقَّنُه، فشَهِدَ له
فاسِقان، فرُدَّا. ذكَره فى «الانْتِصارِ». وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (2): رَدُّه ليسَ بحُكْم هنا؛ لتَوقفِه فى العَدالَةِ. ولهذا لو ثَبَتَ، حَكَمَ. قال الشيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: أُمورُ الدِّينِ والعِباداتِ المُشْتَرَكَةِ بين المُسْلِمين لا يحْكُمُ فيها إلَّا اللهُ ورَسُولُه إجْماعًا. وذكَرَه القرافِىُّ. قال فى «الفُروعِ» : فدَلَّ أنَّ إثْباتَ
(1) انظر المغنى 14/ 37.
(2)
انظر المغنى 14/ 258.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سبَبِ الحُكْمِ كرُؤْيَةِ الهلالِ، والزَّوالِ، ليسَ بحُكْمٍ، فمَن لم يَرَه سَبَبًا، لم يَلْزَمْه شئٌ. وعلى ما ذكَرَ الشَيْخُ [تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله](1)، وغيرُه فى رُؤْيَةِ الهِلالِ، أنَّه حُكْمٌ. وقال القاضى فى «الخِلافِ»: يجوزُ أنْ يَختَصَّ الواحِدُ برُؤْيَةٍ، كالبَعْضَ.
الرَّابعةُ، لو رُفِعَ إليه حُكْمٌ فى مُخْتَلَفٍ فيه، لا يَلْزَمُه نَقْضُه ليُنْفِذَه، لَزِمَه تَنْفِيذُه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: لَزِمَه فى الأصحِّ.
وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. قال فى «الرِّعايةِ
الكُبْرى»: لَزِمَه ذلك. قلتُ: مع عدَمِ نَصَّ يُعَارِضُه. وقيل: لا يَلْزَمُه. وقيل: يَحْرُمُ تنْفِيذُه إنْ لم يَرَه. وكذا الحُكْمُ لو كان نفْسُ الحُكْمِ مُخْتَلَفًا فيه، كحُكْمِه بعِلْمِه، ونُكُولِه، وشاهِدٍ ويَمِينٍ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «المُحَرَّرِ»: فإنْ كانَ المُخْتَلَفُ فيه نفْسَ الحُكْمِ، لم يَلْزَمْه تنْفِيذُه، إلَّا أنْ يحْكُمَ به حاكِمٌ آخَرُ قبلَه. وجزَم به فى
«النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. قال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِى الفُروعِ»: الحُكْمُ بالنُّكولِ، والشَّاهدِ واليَمينِ هو المذهبُ، فكيفَ لا يَلْزَمُه تنْفِيذُه على قولِ «المُحَرَّرِ» ؟ إذْ لو كان أصْلُ الدَّعْوى عندَه، لَزِمَه الحكْمُ بها، وإنَّما يتوَجَّهُ ذلك- وهو عدَمُ لُزومِ التَّنْفيذِ لحُكْم مُخْتَلَفٍ فيه-[إذا كانَ الحاكمُ الذى رُفِعَ إليه الحُكْمُ المُخْتَلَفُ فيه](2) لا
(1) سقط من: الأصل، ط.
(2)
سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يرَى صِحَّةَ الحكْمِ، كالحُكْمِ بعِلْمِه؛ لأنَّ التَّنْفيذَ يتَضَمَّنُ الحُكْمَ بصِحَّةِ الحكْمِ المُنَفَّذِ؛ وإذا كانَ لا يرَى صِحَّتَه، لم يَلْزَمْه (1) الحكْمُ بصِحَّتِه. انتهى. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: إذا صادَفَ حُكْمُه مُخْتَلَفًا فيه لم يعْلَمْه، ولم يَحْكُمْ فيه، جازَ نقْضُه.
الخامسةُ، قال شارِحُ «المُحَرَّرِ» هنا: نفْسُ الحُكْمِ فى شئٍ لا يكونُ حُكْمًا بصِحَّةِ الحُكْمِ فيه، لكِنْ لو نفَّذَه حاكِمٌ آخَرُ، لَزِمَه إنْفاذُه؛ لأنَّ الحُكْمَ المُخْتَلَفَ فيه صارَ محْكومًا به، فلَزِمَ تنْفِيذُه كغيرِه. قال شيْخُنا الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ ابنُ قندسٍ البَعْلِىُّ، رحمه الله: قد فُهِمَ مِن كلامِ الشَّارِحِ أنَّ الإِنْفَاذَ حُكْمٌ؛ لأنَّه قال: لو نفَّذَه حاكمٌ آخَرُ، لَزِمَه (2) تنْفيذُه؛ لأنَّ الحُكْمَ المُخْتَلَفَ فيه صارَ
محْكومًا به، وإنَّما صارَ محْكومًا به بالتَّنْفيذِ؛ لأنَّه لم يحْكُمْ به، وإنَّما نفَّذَه.
فَجَعَلَ التَّنْفيذَ حُكْمًا. وكذلك فسَّر التَّنْفيذَ بالحُكْمِ فى «شَرْحِ المُقْنِعِ الكَبِير» ؛ فإنَّه قال عندَ قولِ المُصَنِّفِ: فهل يُنْفِذُه؛ على رِوايتَيْن؛ إحْداهما، يُنْفِذُه. وعللَه بأنَّه حُكْمُ حاكمٍ لم يعْلَمْه، فلم يَجُزْ إنْفاذُه إلَّا ببيِّنَةٍ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يحْكُمُ به. ففَسَّرَ رِوايةَ التَّنْفيذِ بالحُكْمِ. لكِنْ قال فى مسْأَلَةِ ما إذا ادَّعَى أنَّ الحاكِمَ حكَمَ له بحقٍّ، فذَكَرَ الحاكمُ حُكْمَه: أَمْضاه، وأَلْزَمَ خَصْمَه بما حكَمَ به عليه. وليسَ هذا حُكْمًا بالعِلْمِ، وإنَّما هو إمْضاءٌ لحُكْمِه السَّابقِ. فصرَّح أنَّه ليسَ حُكْمًا، مع أنَّ رِوايةَ التَّنْفيذِ المُتَقَدِّمَةَ التى فسَّرها بالحُكْمِ، إنَّما هى إمْضاءٌ
(1) فى الأصل: «يلزم» .
(2)
فى ط: «لزم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لحُكْمِه الذى وجَدَه فى قِمَطْرِه، فهما بمَعْنًى واحدٍ. وقد ذكَرُوا فى السِّجِلِّ أنَّه لإِنْفاذِ ما ثَبَتَ عندَه والحُكْم به، وأنَّه (1) يكْتُبُ: وإنَّ القاضىَ أمْضاه وحكَمَ به على ما هو الواجِبُ فى مِثْلِه، ونفَّذَه، وأشْهَدَ القاضى فُلانٌ على إنْفاذِه وحُكْمِه وإمْضائِه مَن حضَرَه مِن الشُّهودِ. فذَكَرُوا الإِنْفاذَ والحُكْمَ والإِمْضاءَ، وذكَرُوا أنَّه يكْتُبُ على كلِّ نُسْخَةٍ مِن النُّسْخَتَيْن، أنَّها حُجَّةٌ فيما أنْفَذَه فيهما. فدَلَّ على أنَّ الإِنْفاذَ حُكْمٌ؛ لأنَّهم اكْتَفَوْا به عن الحُكْمِ والإِمْضاءِ، والمُرادُ الكُلُّ. انْتَهى كلامُ شيْخِنا. وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِى الفُروعِ»: لم يتَعَرَّضِ الأصحابُ للتَّنْفيذِ، هل هو حُكْمٌ، أمْ لا؟ والظَّاهِرُ، أنَّه ليسَ بحُكْمٍ؛ لأنَّ الحُكْمَ بالمَحْكُومِ به تحْصِيلُ الحاصِلِ، وهو مُحالٌ، وإنَّما هو عمَلٌ بالحُكْمِ وإمْضاءٌ له، كَتَنْفيذِ الوَصِيَّةِ، وإجازَةٌ له، فكأَنَّه يُجيزُ هذا المَحْكومَ به بعَيْنِه لحُرْمَةِ الحُكْمِ، وإنْ كانَ [ذلك المَحْكومُ به مِن](2) جِنْسٍ غيرِ جائزٍ عندَه. انتهى.
وقال فى مَوْضِعٍ آخَرَ: لأنَّ التَّنْفيذَ يَتَضَمَّنُ الحُكْمَ بصِحَّةِ الحُكْمِ (3) المُنَفَّذِ.
انتهى. وتقدَّم فى آخِرِ البابِ الذى قبلَه، هل الثُّبوتُ حُكْمٌ، أمْ لا؟.
السَّادسةُ، لو رفَع إليه خَصْمان عَقْدًا فاسِدًا عندَه فقطْ، وأقَرَّا بأنَّ نافِذَ الحُكْمِ حكَم بصِحَّتِه، فله إلْزامُهما ذلك ورَدُّه، والحُكْمُ بمَذْهَبِه. ذكَرَه القاضى.
واقْتَصَرَ عليه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: قد يقالُ: قِياسُ المذهبِ، أنَّه كالبَيِّنَةِ. ثم ذكَر أنَّه كالبَيِّنَةِ إنْ
(1) فى ط، ا:«إنما» .
(2)
سقط من: ط.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عيَّنا الحاكِمَ.
السَّابعةُ، لو قلَّد (1) فى صِحَّةِ نِكاحٍ، لم يُفارِقْ بتَغيُّرِ اجْتِهادِه، كحُكْمٍ.
على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: بلَى، كمُجْتَهِدٍ نكَحَ ثم رأَى بُطْلانَه، فى أصحِّ الوَجْهَيْن فيه. وقيل: ما لم يحْكُمْ به حاكِمٌ. ولا يَلْزَمُه إعْلامُه بتَغَيُّرِه، فى أصحِّ الوَجْهَيْن.
الثَّامنةُ، لو بانَ خطَؤُه فى إتْلافٍ بمُخالَفَةِ دَليلٍ قاطِعٍ، ضَمِنَ، لا مُسْتَفْتِيه.
وفى تَضْمِينِ مُفْتٍ ليسَ أهْلًا وَجْهان. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» . واخْتارَ ابنُ حَمْدانَ، فى كتابه «أدَبِ المُفْتِى والمُسْتَفْتِى» ، أنَّه لا ضَمانَ عليه. قال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، فى «إعْلامِ المُوَقِّعِين» فى الجزء الأخيرِ: ولم أعْرِفْ هذا القَوْلَ لأحَدٍ قبلَ ابنِ حَمْدان. ثم قال: قلتُ: خطَأُ المُفْتِى كخَطَأ الحاكمِ أو الشَّاهدِ.
التَّاسِعَةُ، لو بانَ بعدَ الحُكْمِ كُفْرُ الشُّهودِ أو فِسْقُهم، لَزِمَه نقْضُه، ويرجِعُ بالمالِ أو (2) بدَلِه، وبدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى على المَحْكُومِ له، وإنْ كانَ الحُكْمُ للهِ بإتْلافٍ حِسِّىٍّ، أو بما سَرَى إليه، ضَمِنَه مُزَكُّون. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ.
قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وقال القاضى وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ»: يضمَنُه
(1) فى الأصل: «قلده» .
(2)
فى الأصل: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحاكِمُ، كعَدَمِ مُزَكٍّ وفِسْقِه. وقيل: يضْمَنُ أيَّهما شاءَ، وقَرَارُه على مُزَكٍّ.
وعندَ أبى الخَطَّاب؛ يَضْمَنُه الشُّهودُ. وذكَر ابنُ الزَّاغُونِى، أنَّه لا يجوزُ له نقْضُ حُكْمِه بفِسْقِهما إلًّا بثبوتِه ببَيِّنَةٍ، إلَّا أنْ يكونَ حكَمَ بعِلْمِه فى عَدالَتِهما، أو بظاهرِ عَدالَةِ الإِسْلامِ. ويمَنْعُ ذلك فى المَسْألتَيْن فى إحْدَى الرِّوايتَيْن، وإنْ جازَ فى الثَّانيةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْن؛ فإنْ وافَقَه المَشْهودُ له على ما ذكَرَ، ردَّ مالًا أخَذَه، ونقَضَ الحُكْمَ بنَفْسِه دُونَ الحاكمِ، وإنْ خالَفَه فيه، غَرِمَ الحاكمُ.
وأجابَ أبو الخَطَّابِ، إذا بانَ له فِسْقُهما وَقْتَ الشَّهادَةِ، أو (1) أنَّهما كانا كاذِبَيْن، نقَضَ الحُكْمَ الأوَّلَ، ولم يَجُزْ له تَنْفِيذُه. وأجابَ أبو الوَفَاءِ، لا يُقْبَلُ قولُه بعدَ الحُكْمِ. وعنه، لا يُنْقَضُ بفِسْقِهم. وذكَر ابنُ رَزِينٍ [فى «شَرْحِه»](2)، أنَّه الأَظْهَرُ، فلا ضَمانَ. وفى «المُسْتَوْعِب» وغيرِه، يضْمَنُ الشُّهودُ. انتهى. وإنْ بانُوا عَبِيدًا، أو والِدًا، أو وَلَدًا، أو عَدُوًّا؛ فإنْ كانَ الحاكِمُ الذى حكَمَ به يرَى الحُكْمَ به، لم ينْقُضْ حُكْمَه، وإنْ كانَ لا يرَى الحُكْمَ به، نقَضَه، ولم يُنْفِذْ؛ لأنَّ الحاكمَ يعْتَقِدُ بُطْلانَه. قالَه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِيه»: إذا حَكَمَ بشَهادَةِ شاهدٍ، ثم ارْتابَ فى شَهادَتِه، لم يَجُزْ له الرُّجوعُ فى حُكْمِه. وقال فى مَوْضِعٍ آخَرَ: تحَرَّرَ فيما إذا كانَ لا يرَى الحُكْمَ به ثَلَاثَةُ أقوالٍ؛ لُزومُ النَّقْضِ، وجَوازُه، وعدَمُ جَوازِ نقْضِه، كما هو مُقتَضَى ما فى «الإرْشادِ». انتهى. وقال فى «المُحَرَّرِ»: مَن حكَمَ بقَوَدٍ، أو حَدٍّ ببَيِّنَةٍ، ثم بانُوا عَبيدًا، فله نقْضُه إذا كانَ لا يرَى قَبُولَهم فيه. قال: وكذا مُخْتَلَفٌ فيه صادَف مَا حكَمَ فيه وجَهِلَه. وتقدَّم كلامُه فى «الإِرْشادِ» ، أنَّه إذا حكَمَ فى مُخْتَلَفٍ فيه
(1) فى الأصل، ا:«و» .
(2)
سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بما لا يرَاه مع عِلْمِه، لا ينْقُضُ. فعلى الأوَّلِ، إنْ شكَّ فى رَأْىِ الحاكمِ، فقد تقدَّم، إذا شكَّ هل علِمَ الحاكِمُ بالمُعارِضِ، كمَن حكَمَ ببَيِّنَةِ خارِجٍ، وجَهِلَ عِلْمَه ببَيِّنَةِ داخِلٍ، لم ينْقُضْ. قال فى «الفُروعِ»: وقد عُلِمَ ممَّا تقدَّم وممَّا ذكَرُوا فى نقْضِ حُكْمِ الحاكمِ، أنَّهَ لا يُعْتَبَرُ فى نَقْضِ حُكْمِ الحاكمِ عِلْمُ الحاكمِ بالخِلافِ، خِلافًا لمالِكٍ، رَحِمَه اللهُ تعالَى. وإنْ قال: عَلِمْتُ وَقْتَ الحُكمِ أنَّهما فَسَقَةٌ، أو زُورٌ، وأكْرَهَنِى السُّلْطانُ على الحُكْمِ بهما. فقال ابنُ الزَّاغُونِىِّ: إنْ أضافَ فِسْقَهما إلى عِلْمِه، لم يَجُزْ له نَقْضُه، وإنْ أضافَه إلى غيرِ عِلْمِه، افْتَقَرَ إلى بَيِّنَةٍ بالإِكْراهِ، ويَحْتَمِلُ، لا. وقال أبو الخَطَّابِ، وأبو الوَفاءِ: إنْ قال: كُنْتُ عالِمًا بفِسْقِهما. يُقْبَلُ قولُه. قال فى «الفروعِ» : كذا وَجَدْتُه.