المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب القضَاءِ ــ كتابُ القَضاءِ فائدة: القَضاءُ واحِدُ الأقْضِيَةِ. والقَضاءُ يُعَبَّرُ به عن - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٨

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌كتاب القضَاءِ ــ كتابُ القَضاءِ فائدة: القَضاءُ واحِدُ الأقْضِيَةِ. والقَضاءُ يُعَبَّرُ به عن

‌كتاب القضَاءِ

ــ

كتابُ القَضاءِ

فائدة: القَضاءُ واحِدُ الأقْضِيَةِ. والقَضاءُ يُعَبَّرُ به عن مَعانٍ كثيرةٍ، والأصْلُ فيه

ص: 255

وَهُوَ فَرْضُ كِفَايةٍ. قَال أحْمَدُ، رحمه الله: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِم، أتذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ!

ــ

الحَتمُ، والفَراغُ مِن الأمْرِ. ويَجْرِي على هذا جميع ما في القُرْآنِ من لَفْظِ القَضاءِ. والمُرادُ به في الشَّرْعِ الإلْزامُ. وولايةُ القَضاءِ رُتْبَة دِينيَّة ونَصْبَة شَرْعِيَّة.

قوله: وهو فَرْضٌ كِفايَةٍ. هذا المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تَذكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وصحّحه في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم. وعنه، سُنَّة. نصَرَه القاضي وأصحابُه. وقدَّمه ناظِمُ «المُفْرَداتِ» وهو منها. وعنه، لا يُسَنُّ دُخولُه فيه. نقَل عَبْدُ اللهِ، لا يُعْجِبُنِي، هو أسْلَمُ.

فائدة: نَصْبُ الإمامَةِ (1) فَرْضٌ على الكِفايَةِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ.

(1) في ا: «الإمام» .

ص: 257

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. بشُروطِه المُتَقَدِّمَةِ في أوَّلِ بابِ قِتالِ أهْلِ البَغْي. وذكَرَ في «الفُروعِ» رِوايةً، أنَّه ليس فَرْضَ كِفايةٍ. وهو ضعيفٌ جِدًّا، ولم أرَه لغيرِه.

ص: 258

فَيَجِبُ عَلَى الْإمَامِ أنْ يُنَصِّبَ في كُلِّ إقْلِيم قَاضِيًا، وَيَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يجِدُ وَأَوْرَعَهُمْ،

ــ

قوله: فيَجِبُ -يعْنِي على القَوْلِ بأنَّه فَرْضُ كِفايَةٍ- على الإِمامِ أنْ يُنَصِّبَ في كُل إقلِيم قاضِيًا. وقال في «الرِّعايةِ» : يَلْزَمُه على الأصحِّ. والظَّاهِرُ أنَّه مَبْنِيٌّ على الوُجوبِ والسُّنِّيَّةِ.

ص: 259

وَيَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَإيثارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتهِ، وَتَحَرِّي الْعَدْلِ، والْاجْتِهَادِ في إِقَامَةِ الْحَقِّ، وَأنْ يَسْتَخْلِفَ في كُلِّ صُقعٍ أصْلَحَ مَن يَقْدِرُ عَلَيهِ لَهُمْ.

ــ

قوله: ويَخْتارَ لذلِكَ أفْضَلَ مَن يَجِدُ وأوْرَعَهم. قاله الأصحابُ. وفي «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ البَغْدادِيِّ» ، على الإمامِ نَصْبُ مَنْ يُكْتَفَى به. قال في

ص: 260

وَيَجبُ على مَنْ يَصْلُحُ لَهُ، إِذَا طُلِبَ وَلَمْ يُوجَدْ غَيرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، الدُّخُولُ فِيهِ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالامْتِنَاعِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بهِ؛ قَال: لَا يَأْثَمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ليسَ بِوَاجِبٍ.

ــ

«الرِّعايةِ» : يَلْزَمُه أنْ يُوَلِّيَ قاضِيًا مِن أفْضَلِ وأصْلَحِ مَنْ يجدُ عِلْمًا ودِينًا. وعنه، ووَرَعًا ونَزاهَةً وصِيانَةً وأمانَةً.

قوله: ويَجِبُ على مَن يَصلُحُ له، إذا طُلِبَ ولم يُوجَدْ غَيرُه مِمَّن يُوثَقُ به، الدُّخُولُ فيه. يعْنِي على القَوْلِ بأنه فَرْضُ كِفايَةٍ. ومُرادُه، إذا لم يَشْغَلْه عمَّا هو أهَمُّ

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منه. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وصحَّحه في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، أنَّه سُئِلَ، هل يأْثَمُ القاضي بالامْتِناعِ إذا لم يُوجَدْ غيرُه ممَّنْ يُوثَقُ به؟ قال: لا يأْثَمُ. وهذا يدُلُّ على أنَّه ليسَ بواجِبٍ. قال في «الفُروعِ» :

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، لا يُسَنُّ دُخولُه فيه. نقَل عَبْدُ اللهِ، لا يُعْجِبُنِي، هو أسْلَمُ. وذكَر ما رَواه عن عائشةَ، رضي الله عنها، مَرْفُوعًا:«لَيَأتِيَنَّ على القاضي العَدْلِ سَاعَةٌ يتَمَنَّى أنَّه لم يَقْضِ بينَ اثْنَين في تَمْرَةٍ» (1). قال في «الحاوي» عن الرِّوايةِ الثَّانيةِ: هذه الروايةُ مَحْمُولَة على مَن لا يأْمَنُ على نفْسِه الضَّعْفَ فيه، أو على أنَّ ذلك الزَّمانَ كان الحُكَّامُ يُحْمَلُون فيه (2) على ما لا يَحِل (3)، ولم يُمْكِنْهم الحُكْمُ بالحَقِّ. انتهى.

تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: ويجِبُ على مَن يصْلُحُ له إذا طُلِبَ. أنَّه لا يجِبُ عليه الطَّلَبُ. وهو صحيح. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يَلْزَمُه الطَّلَبُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الشَّارِحِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا.

(1) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 75.

(2)

بعده في ا: «القضاة» .

(3)

في الأصل: «يحمل» .

ص: 263

فَإِنْ وُجِدَ غَيرُهُ، كُرِهَ لَهُ طَلبهُ، بِغَيرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ.

ــ

وقيل: يَحْرُمُ الطَّلَبُ (1)؛ لخَوْفِه مَيلًا.

فائدة: قال في «الفُروعِ» : وإنْ وُثِقَ بغيرِه، فيَتَوَجَّهُ أنَّه كالشَّهادَةِ، وظاهرُ كلامِهم مُخْتَلِفٌ.

قوله: فإِنْ وُجِدَ غَيرُه، كُرِهَ له طَلبه، بِغَيرِ خِلافٍ في المذهبِ. يعني، فيما

(1) في الأصل: «المطلب» .

ص: 264

وَإِنْ طُلِبَ، فَالأفْضَلُ أنْ لَا يُجيبَ إِلَيهِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقَال ابْنُ حَامِدٍ: الأَفْضَلُ الإجَابَةُ إلَيهِ إِذَا أَمِنَ نَفْسَهُ.

ــ

إذا اطَّلَعَ عليه. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقطَع به كثير منهم. وعنه، لا يُكْرَهُ طَلَبُه لقَصْدِ الحقِّ ودَفْعِ غيرِ المُسْتَحِقِّ. وقيل: يُكْرَهُ مع وُجودِ أصْلَحَ منه، أو غِنَاه عنه، أو شُهْرَتِه. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ». قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ وجْهٌ، بل يُسْتَحَبُّ طَلَبُه لقَصْدِ الحقِّ ودَفْعِ غيرِ المُسْتَحِقِّ، وقال (1) الماوَرْدِي: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ، يَحْرُمُ بدُونِه.

قوله: وإنْ طُلِبَ، فالأَفْضَلُ أنْ لا يُجِيبَ إليه، في ظاهِرِ كلامِ أحْمَدَ.

(1) في الأصل: «قاله» .

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يعْنِي، إذا وُجِدَ غيرُه وطُلِبَ هو. وهو المذهبُ مُطْلَقًا. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي وغيرُه.

وقال ابنُ حامِدٍ: الأفْضَلُ الإجابَةُ إذا أمِنَ نَفْسَه. ذكَرَه المُصَنِّفُ هنا. وأَطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» . وقيل: الأفضَلُ الإجابَةُ إليه مع خُمولِه. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، والشَّارِحُ: وقال ابنُ حامِدٍ: إنْ كان رَجُلًا خامِلًا لا يُرْجَعُ إليه في الأحْكام، فالأوْلَى له التَّوْلِيَةُ ليُرْجَعَ إليه في ذلك، ويقُومَ الحَقُّ به، ويَنتفِعَ به المُسْلِمُون، وإنْ كان مَشْهورًا في النَّاسِ بالعِلْمِ، ويُرْجَعُ إليه في تَعْليمِ العِلْمِ والفَتْوَى، فالأوْلَى (1) له الاشْتِغالُ بذلك. انتهيا. فلعَلَّ ابنَ حامِدٍ له قوْلان. وقد حكاهُما في «الفُروعِ» وغيرِه قَوْلَين. وقيل:

(1) سقط من: ط، ا.

ص: 266

وَلَا تَثْبُتُ ولَايةُ الْقَضَاءِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.

وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّى كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ،

ــ

الإجابَةُ أفْضَلُ مع خُمولِه وفَقْرِه.

فائدتان؛ إحْداهما، يَحْرُمُ بَذْلُ المالِ في ذلك، ويَحْرُمُ أخْذُه وطَلَبُه وفيه مُباشِرٌ أهْل له. قال في «الفُروعِ»: وظاهرُ تَخْصِيصِهم (1) الكَراهَةَ بالطلَبِ، أنَّه لا يُكْرَهُ توْلِيَةُ الحَريصِ، ولا ينْفِي أنَّ غيرَه أوْلَى. قال: ويتَوَجَّهُ وَجْهٌ. قلتُ: هذا التَّوْجِيهُ هو الصَّوابُ.

الثَّانيةُ، تَصِحُّ ولايةُ المفْضُولِ مع وجُودِ الأَفْضَلِ. على الصَّحيحِ مِن المذهَبِ. وقيل: لا تصِحُّ إلَّا لمَصْلَحَةٍ.

قوله: ومِن شَرْطِ صِحَّتِها مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ المُوَلَّى على صِفَةٍ تصْلُحُ

(1) في ط: «كلامهم» .

ص: 267

وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأعْمَالِ وَالبُلْدَانِ، وَمُشَافَهَتُهُ بِالْولَايةِ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا، وَإشْهَادُ شَاهِدَينِ على تَوْلِيَتهِ. وَقَال الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالاسْتِفَاضَةِ، إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا تَسْتَفِيضُ فِيهِ أخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ.

ــ

للْقَضَاءِ، وتَعْيِينُ ما يُوَلِّيهِ الحُكْمَ فِيه مِن الأَعْمالِ والْبُلْدانِ، ومُشافَهَتُه بالْولايةِ أو مُكاتَبَتُه بها، واسْتِشْهادُ شاهِدَين على تَوْلِيَته. قدَّم المُصَنِّفُ، أنَّه يُشْتَرَطُ في ولايته؛ إمَّا المُكاتَبَةُ، وإمَّا المُشافَهَةُ، واسْتِشْهادُ شاهِدَين على ذلك فقطْ. وهذا أحدُ الوَجْهَين. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وهو ظاهرُ ما جزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وقال القاضي: تَثْبُتُ بالاسْتِفاضَةِ إذا كان بَلَدُه قرِيبًا فتَسْتَفِيضُ فيه أخْبارُ بَلَدِ الإمامِ. وهذا المذهبُ. قال في «الفروعِ» : والأصحُّ، وتَثْبُت بالاسْتِفاضَةِ. وجزَم به

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «المُحَرَّرِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَب الأدَمِيِّ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الشَّرْحِ» . وهو عجِيب منه، إلَّا أنْ تكونَ النُّسخَةُ مغْلُوطَةً. وجزَم به المُصَنِّفُ في أوَّلِ كتابِ الشَّهاداتِ.

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، حَدَّ الأصحابُ البَلَدَ القرِيبَ بخَمْسَةِ أيَّامٍ فما دُونَ. وأطْلَقَ الأدَمِيُّ الاسْتِفاضَةَ، وظاهِرُه مع البُعْدِ. قال في «الفُروعِ»: وهو مُتَّجِهٌ. قلتُ: وهو الصَّوابُ، والعَمَلُ عليه في الغالبِ، وهو قولُ أصحابِ أبي حَنِيفَةَ.

الثَّاني، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّه لا تصِحُّ الولايَةُ بمُجَرَّدِ الكِتابَةِ إليه بذلك (1) مِن غيرِ إشْهادٍ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ»: وتَتَوَجَّهُ صِحَّتُها بِناءً على صِحَّةِ الإقْرارِ بالخَطِّ. وهو احْتِمالٌ للقاضي في «التَّعْليقِ» . ذكَرَه في بابِ صَرِيحِ الطَّلاقِ وكِنايته.

(1) في الأصل: «من ذلك» .

ص: 270

وَهَلْ تُشْتَرَطُ عَدَالةُ الْمُوَلِّي؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

قوله: وهل تُشْتَرَطُ عَدالةُ المُوَلِّي؟ -بكَسْرِ اللَّامِ، اسْمُ فاعِلٍ- على رِوايَتَينِ. وأطْلَقَهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، في نائبِ الإمامِ. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» بعدَ أنْ أطْلَقُوا الخِلافَ: وقيل: الرِّوايَتَان في نائبِ الإمامِ دُونَه. إحْداهما، لا تُشْتَرَطُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، وغيرِهما. وَقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو ظاهرُ ما جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النظْمِ» في الإمامِ. وصححه في «النَّظْمِ» وغيرِه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ (1)، تُشْترَطُ. وعنه، تُشْترَطُ العَدالةُ في سِوَى الإمامِ. وتقدَّم كلامُه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي». ثم قال في «الرِّعايةِ»: إنْ قُلْنا: الحاكِمُ نائِبُ الشَّرْعِ. صَحَّتْ منهما، وإلَّا فلا. قلتُ: في الإمامِ وَجْهان، هل تَصَرُّفُه بطَريقِ الوَكالةِ أو الولايَةِ؟ اخْتارَ القاضي الأوَّلَ. وقال في «الوَجيزِ»: وإذا كان المُوَلِّي نائِبَ الإمامِ، لم تُشْتَرَطْ عَدَالتُه.

(1) بعده في الأصل، ا:«لا» .

ص: 271

وَأَلفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةِ سَبْعَةٌ: وَلَّيتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيكَ، وَفَوَّضْتُ إِلَيكَ، وَجَعَلْتُ لَكَ الْحُكْمَ. فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا وَالْقَبُولُ مِنَ الْمُوَلَّى، انْعَقَدَتِ الْولَايةُ. وَالْكِنَايةُ نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيكَ، وَوَكَّلْتُ إِلَيكَ، وَأسْنَدْتُ إِلَيكَ الْحُكْمَ. فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا

ــ

قوله: وأَلفَاظُ التوْلِيَةِ الصَّرِيحَةِ سَبْعَة: وَليتُكَ الْحُكْمَ، وقَلَّدْتُكَ، واسْتَنَبْتُكَ، واسْتَخْلَفْتُكَ، ورَدَدْتُ إليكَ، وفوضْتُ إليكَ، وجَعَلْتُ إليكَ الحُكْمَ. زاد في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، واسْتَكْفَيتُكَ. وذكَرَها في «الخُلاصةِ» ، ولم يذْكُرِ، اسْتَنَبْتُكَ. وقيل: ردَدْتُه و (1) فوضْتُه وجعَلْتُه إليكَ كِناية.

قوله: فإذا وُجِدَ لَفْظٌ منها والْقَبُولُ مِن المُوَلَّى، انْعَقَدَتِ الْولايَةُ. وكذا قال في

(1) سقط من: الأصل، ا.

ص: 272

حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ، نَحْوُ: فَاحْكُمْ، أو فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ عَلَيكَ فِيهِ. وَمَا أَشْبَهَهُ.

ــ

«الوَجيزِ» . وقال في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي»: فإذا وُجِدَ أحدُ هذه الأَلْفاظِ وجَوابُها مِن المُوَلَّى بالقَبُولِ، انْعَقَدَتِ الولايةُ. وهو قريبٌ مِن الأوَّلِ. وفي «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم، فإذا وُجِدَ لَفْظٌ منها، وقَبُولُ المُوَلَّى في المَجْلِسِ إن كان حاضِرًا، أو فيما بعدَه إنْ كانَ غائبًا، انْعَقَدَتِ الولايةُ. وفي «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، فإذا أَتَى بواحِدٍ منها واتَّصَلَ القَبُولُ، انْعَقَدَتِ الولايةُ. زادَ في «الشرْحِ» ، كالبَيعِ والنِّكاحِ وغيرِ ذلك. وفي «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، تُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ القَبُولِ مع الحُضورِ. وفي «المُنَوِّرِ» ، وفَوْرِيَّةُ القَبُولِ. هذه عِباراتُهم. فيَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُ صاحبِ «الهِدايةِ» ، ومَن تابعَه، ما قاله صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، ومَن تابعَه، أنَّه يُشْتَرَطُ للحاضِرِ القَبُولُ في المَجْلِسِ. وأنَّ مُرادَه -في «الكافِي» ، و «الشرْحِ» - بالاتصالِ المَجْلِسُ، بدَليلِ قوْلِه: كالبَيعِ والنِّكاحِ. وأمَّا «المُنْتَخَبِ» ، و «المُنَورِ» فمُخالِفٌ لهم، وكلامُه في «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» يَقْرُبُ مِن ذلك. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كلامُ صاحبِ

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهِدايةِ» ، ومَن تابعَه على ظاهِرِه، وأنَّه لا يُشْتَرَطُ للقَبُولِ المَجْلِسُ، ولم نَرَه صَرِيحًا، فيَكونُ في المَسْأَلَةِ وَجْهان، وكلامُه في «المُنْتَخَبِ» ، و «المُنَوِّرِ» وَجْهٌ ثالثٌ، وقد قال كثير مِن الأصحابِ: هلِ القُضاةُ نُوَّابُ الإمامِ أو نُوَّابُ المُسْلِمِين؟ فيه وَجْهان. وقد قال القاضي: عَزْلُ القاضي نفْسَه يتَخَرجُ على رِوايتَين؛ بِناءً (1) على أنَّه، هل هو وَكِيل للمُسْلِمِين أمْ لا؟ فيه رِوايَتان. وقال كثيرٌ مِن الأصحابِ: هل ينْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه بالعَزْلِ؟ على وَجْهَين؛ بِناءً على الوَكيلِ. وقد قال الأصحابُ: لا يُشْتَرَطُ للوَكِيلِ القَبُولُ في المَجْلِسِ. واللهُ أعلمُ.

تنبيه: قولُه: والْقَبُولُ مِن الْمُوَلَّى. إنْ قَبِلَ باللَّفْظِ، فلا نِزاعَ في انْعِقادِ ما، وإنْ قَبِلَ بالشُّروعِ في العَمَلِ إنْ كانَ غائبًا، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، انْعِقادُ الولايَةِ بذلك. قال في «الفُروعِ»: والأصح، أو شَرَعَ غائِبٌ في العَمَلِ [انْعَقَدَتْ] (2). وقدَّمه في «الرِّعايتَين». وقيل: لا يَنْعَقِدُ بذلك. وقال في «الرِّعايتَين» : قلتُ: وإنْ قُلْنا: هو نائِبُ الشَرْعِ. كَفَى الشُّروعُ في العَمَلِ، وإنْ قُلْنا: هو نائبُ مَن وَلَّاهُ. فلا. وحكَى القاضي في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» في ذلك احْتِمالين وجعَل مأَخْذَهما، هل يَجْرِي الفِعْلُ مَجْرَى النُّطْقِ لدَلالتِه عليه؟ قال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والخَمْسِينَ»: ويَحْسُنُ بِناؤهما على أنَّ ولايَةَ القَضاءِ عَقْدٌ جائزٌ أو لازِمٌ.

قوله: والْكِنايَةُ نَحْوُ، اعْتَمَدْتُ عليكَ، وعَوَّلْتُ عليكَ، ووَكَّلْتُ اليكَ،

(1) سقط من: ط.

(2)

زيادة من: «الفروع» .

ص: 274

فصلٌ: وَإذَا ثَبَتَتِ الْولَايةُ وَكَانَتْ عَامَّةً، اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ في عَشَرَةِ أَشْيَاءَ؛ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيهِ وَدَفْعُهُ إلَى رَبِّهِ، والنَّظَرُ في أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَجَانِينِ والسُّفَهَاءِ، وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرُ فِي الْوُقُوفِ في عَمَلِهِ، بِإجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا، وَتزْويجُ النِّسَاءِ اللَّاتي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ، وَإقَامَةُ الْحُدُودِ، وَإقَامَةُ

ــ

وأَسْنَدْتُ إليكَ الْحُكْمَ. فلا ينْعَقِدُ بها حَتَّى يَقْتَرِنَ بها قَرِينَة نَحْوُ، فاحْكُمْ، أو فتَوَلَّ ما عَوَّلْتُ عليكَ، وما أشْبَهَه. وتقدَّم قولٌ) (1): إنَّ في: رَدَدْتُه، وفَوضْتُه، وجعَلْتُه إليكَ، كِنايَة. فلابُدَّ أيضًا مِن القَرِينَةِ على هذا القولِ.

قوله: وإذا ثَبَتَتِ الْولايةُ وكانَتْ عامَّة، اسْتَفادَ بها النَّظَرَ في عَشَرَةِ أَشْياءَ؛ فَصْلُ الْخُصُوماتِ، واسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِمَّنْ هو عليه ودَفْعُه إلى رَبِّه، والنَظَرُ في أمْوالِ اليَتامَى والمَجانِينِ والسُّفَهاءِ، والْحَجْرُ على مَن يَرَى الْحَجْرَ عليه لِسَفَهٍ أو فَلَس، والنَّظَرُ

(1) في الأصل: «قوله» .

ص: 275

الْجُمُعَةِ، والنَّظَرُ في مَصَالِحِ عَمَلِهِ، بِكَفِّ الأذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتهِمْ، وَتَصَفُّحُ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، والْاسْتِبدَالُ بِمَنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ. فَأَمَّا جِبَايةُ الْخَرَاجِ، وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

في الْوُقُوفِ في عَمَلِه، بإجْرَائِها على شَرْط الْواقِفِ، وتَنْفِيذُ الْوَصايا، وتزْويجُ النِّساءِ الَّلاتِيَ لا وَلِي لَهُنَّ، وإقامَةُ الْحُدُودِ، وإقامَةُ الْجُمُعَةِ. وكذا إقامَةُ العيدِ. وهذا المذهبُ بلا رَيبٍ. وعليه الأصحابُ. وقَطَعُوا به في الْجُمْلَةِ.

وقال النَّاظِمُ:

وقَبْضُ خَراجٍ والزَّكاةِ أجِزْ (1) وأنْ

يَلِي جُمْعَة والعِيدَ في المُتَجَوِّدِ

فظاهِرُه إجْراءُ الخِلافِ في الجُمُعَةِ والعيدِ، ولم أرَه لغيرِه، ولعَلَّ الخِلافَ عائدٌ إلى قَبْضِ الخَراجِ والزَّكاةِ.

(1) في ا: «أجرة» .

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، مَحَلُّ ذلك إذا لم يُخَصَّا بإمامٍ.

الثَّاني، قوْلُه: وإقامَةُ الجُمُعَةِ. وتَبِعَه على ذلك ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ» ، و «المُنَوِّرِ». وقال القاضي: وإمامَةُ الجُمُعَةِ. بالمِيمِ بدَلَ القافِ. وتَبِعَه صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وتَقَدَّمَ عِبارَةُ النَّاظِمِ. قال الحارِثِيُّ: قال الشَّيخُ: وإقامَةُ الجُمُعَةِ. بالقَافِ، وعلَّلَ بأنَّ الأئمَّةَ كانُوا يُقِيمُونَها والقاضي يَنُوبُ عنهم (1)، والإقامَةُ قد يُرادُ بها ولايةُ الإذْنِ في إقامَتِها، ومُباشَرةُ الإمامَةِ فيها، وقد يُرادُ بها (2) نَصْبُ الأئمَّةِ مع عدَمِ ولايةِ أصْلِ الإذْنِ، وقال في «المُغْنِي» إمامَةٌ -بالميمِ- كقَوْلِ أبي الخَطَّابِ وغيرِه، وكذا القاضي، فيَحْتَمِلُ إرادَةَ نَصْبِ الأئمَّةِ، وهذا أظْهَرُ، وفيه جَمْعٌ بينَ العِبارَتَين؛ فإن النَّصْبَ فيهما إقامَةٌ لهما، وعلى هذا نَصْبُ أئمَّةِ المَساجدِ، ويَحْتَمِلُ إرادَةَ فصلِ الإمامَةِ، كما صرَّح به بعْضُ شُيوخِنا في مُصَنَّفِه. قال: وأنَّ يَومَّ في الجُمُعَةِ والعيدِ مع عدَمِ إمامٍ خاصٍّ لهما، إلَّا أنَّ الحَمْلَ على هذا يَلْزَمُ مَنه أنْ لا يكونَ له الإقامَةُ أو (3) الإمامَةُ إلَّا في بُقْعَةٍ مِن عَمَلِه لا في جميعِ عَمَلِه؛ إذْ لا يُمْكِنُ منه الفِعْلُ إلا في بُقعَةٍ واحدةٍ منه، وهو خِلافُ الظَّاهِرِ مِن إطْلاقِ أنَّ له فِعْل ذلك في عَمَلِه. انتهى. قلتُ: عِبارَتُه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» ، وأنْ يَؤمَّ في الجُمُعَةِ والعيدِ. كما نَقَلَه الحارِثِيُّ عن

(1) في الأصل: «عنها» ، وفي ط:«عنه» .

(2)

زيادة من: ا.

(3)

في الأصل: «و» .

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعْضِ مَشايخِه.

فائدة: مِن جُمْلَةِ ما نسْتَفِيدُه ممَّا (1) ذكَرَه المُصَنفُ هنا، النَّظَرُ في عمَلِ مصالحِ عمَلِه، بكَفى الأذَى عن طُرُقاتِ المُسْلِمين وأفْنِيَتهم، وتَصَفحُ حالِ شُهودِه وأُمَنائِه والاسْتِبْدالُ ممَّنْ ثَبَتَ جَرْحُه منهم. ويَنْظُرُ أيضًا في أمْوالِ الغائِبِين. على ما يأْتِي في أواخِرِ بابِ أدبِ القاضي.

قوله: فأمَّا جِبايَةُ الخَراجِ وأخْذُ الصَّدَقَةِ، فعلى وَجْهَين. ومحَلُّهما، إذا لم يُخَصَّا بعامِلٍ. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، يُسْتَفادان بالولايةِ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، كما تقدَّم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وتدَّمه في «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُسْتَفادان بها. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُنَورِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي». وقيل: لا يُسْتَفادُ الخَراجُ فقطْ.

تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: اسْتَفادَ بها النَّظَرَ في عَشَرَةِ أشْياءَ. أنَّه لا يسْتَفِيدُ غيرَها. وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال في «التَّبصِرَةِ» : ويسْتَفِيدُ أيضًا الاحْتِسابَ على الباعَةِ والمُشْتَرِين، وإلْزامَهم بالشَّرْعِ (2). وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ما يسْتَفِيدُه بالولايةِ لا حدَّ له شَرْعًا، بل يُتَلَقَّى مِن الأَلْفاظِ والأحْوالِ والعُرْفِ. ونقَل أبو طالِبٍ، أمِيرُ البَلَدِ إنَّما هو مُسَلَّطٌ على الأدَبِ،

(1) في الأصل، ط:«ما» .

(2)

في ا: «باتباع الشرع» .

ص: 278

وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ. فَأمَّا مَعَ عَدَمِهَا، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

وليسَ المَوارِيثُ والوَصايا والفُروجُ والحُدودُ، والرَّجْمُ (1)، إنَّما يكونُ هذا إلى القاضي.

قوله: وله طَلَبُ الرِّزْقِ لنَفْسِه وأُمَنائِه وَخُلفائِه مع الْحاجَةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ

(1) سقط من: ط، ا.

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنِ عَبْدُوسٍ»، و «الحاوي» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يجوزُ مع الحاجَةِ بقَدْرِ عَمَلِه.

قوله: فأمَّا مع عَدَمِها، فعلى وجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ، و «المُحَررِ» ؛ أحدُهما، له ذلك وأخْذُه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ،

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغير. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» وغيرُه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «الفُروع»: واخْتارَ جماعَةٌ،

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبدُونِ حاجَةٍ. والوَجْهُ الثَّاني، ليسَ له ذلك، ولا أخْذُه. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: له الأخْذُ إنْ لم يَتَعَيَّنْ عليه. وعنه، لا يأْخُذُ أُجْرَةً على أعْمالِ البِرِّ.

فائدتان؛ إحْداهما، إذا لم يَكُنْ له ما يكْفِيه، ففي جَوازِ أخْذه مِن الخَصْمَينِ وَجْهان. وأطلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ أحدُهما، يجوزُ. قال في «الكافِي»: وإذا قُلْنا بجَوازِ أخْذِ الرِّزْقِ، فلم يُجْعَلْ له شيءٌ، فقال: لا أقْضِي بينَكما إلَّا بجُعْلٍ. جازَ. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: فإنْ لم يكُنْ للقاضي رِزْقٌ، فقال للخَصْمَين (1): لا أقْضِي بينَكما حتى تجْعَلا لي عليه جُعْلًا. جازَ، ويَحْتَمِلُ أنَّ لا يجوزَ. انتهيا. والوَجْهُ الثَّاني، لا يجوزُ. اخْتارَه في «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. ويأْتِي حُكْمُ الهَدِيَّةِ في البابِ الذي يَليه.

الثَّانيةُ، لو تعَيَّنَ عليه أنْ يُفْتِيَ وله كِفايَةٌ، فهل يجوزُ له الأخْذُ؛ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «آدابِ المُفْتِي» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «أُصُولِ ابنِ مُفلِحٍ» ، و «فُروعِه» . واخْتارَ ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، في «إعْلامِ المُوَقعِين» عدَمَ الجوازِ. ومَن أخَذ رِزْقًا مِن بَيتِ المالِ (2)، لم يَأْخُذْ أُجْرَةً لفُتْياه. وفي أُجْرَةِ خَطِّه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يجوزُ. قدَّمه ابنُ مُفْلِحٍ في «أُصُولِه» . واخْتارَه الشيخُ ابنُ القيِّمِ، رحمه الله، في «إعْلام المُوَقِّعِينَ» . والثَّاني، يجوزُ (3). ونقَل المَرُّوذيُّ في من يُسْألُ عن العِلْمِ، فرُبَّما أُهْدِي له؟

(1) سقط من: ط.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في ا: «لا يجوز» .

ص: 282

فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ في عُمُومِ الْعَمَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا في أَحَدِهمَا أو فِيهِمَا، فيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ في بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ، فَيَنْفُذَ قَضَاؤهُ في أَهْلِهِ وَمَنْ طَرأَ إِلَيهِ، أَوْ يَجْعَلَ إليهِ الْحُكْمَ في الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً، أَوْ فِي قَدْرٍ مِنَ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، أَوْ يُفَوِّضَ إِلَيهِ عُقُودَ الأَنْكِحَةِ دُونَ غَيرِهَا.

ــ

قال: لا يَقْبَلُ، إلَّا أنْ يُكافَأَ. ويأْتِي أيضًا حُكْمُ هَدِيةِ المُفْتِي عندَ ذِكْرِ هَدِيَّةِ القاضي.

قوله: ويَجُوزُ أنْ يُوَليِّهَ عُمُومَ النَّظَرِ في عُمُومِ العَمَلِ، ويَجُوزُ أنْ يُوَلِّيَه خاصًّا في أَحَدِهما أو فيهما، فيُوَلِّيَه عُمُومَ النظَرِ في بَلَدٍ أو مَحَلَّةٍ خاصَّةٍ. بلا نِزاعٍ.

قوله: فَيَنْفُذَ قَضاؤه في أهْلِه ومَن طَرَأ إليه. بلا نِزاع أيضًا. لكِنْ لا يسْمَعُ بَينة في غيرِ عَمَلِه، وهو محَلُّ حُكْمِه، وتجِبُ إعادَةُ الشهادَةِ. ذكَرَه القاضي، وأبو

ص: 283

وَيَجُوزُ أنْ يَوَلِّيَ قَاضِيَينِ أَوْ أَكْثَرَ في بَلَدٍ وَاحِدٍ؛ يَجْعَلُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَمَلًا، فَيَجْعَلُ إلَى أحَدِهِمَا الْحُكْمَ بَينَ النَّاسِ، لَيالى الْآخَرِ عُقُودَ الْأنْكِحَةِ دُونَ غَيرِهَا.

ــ

الخَطَّابِ، وغيرُهما كتَعْدِيلِها (1). قاله في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايةِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَين. ويأْتِي في آخرِ البابِ الذي لَلِيه، إخبْارُ الحاكمِ لحاكِم آخَرَ بحُكْم أو ثُبوتٍ في عَمَلِهما أو في غيرِه.

قوله: ويَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قاضِيَين أو أكثر في بَلَدٍ واحِدٍ، يَجْعَلُ إلى كُلِّ واحِدٍ -مِنْهُما- عَمَلًا، فيَجْعَلُ إلى أَحَدِهما الحكْمَ بَينَ النَّاسِ، وإلى الآخَرِ عُقُودَ الأنْكِحَةِ دُوْنَ غَيرِها. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به أكثرُهم. وقيل: إنِ اتَّحَدَ الزَّمَنُ أو المَحَلُّ، لم يَجُزْ توْلِيَةُ قاضِيَين فأكثرَ، وإلَّا جازَ.

(1) في ا: «لتعديلها» .

ص: 284

فَإِنْ جَعَلَ إِلَيهِمَا عَمَلًا وَاحِدًا، جَازَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخطَّابِ لَا يَجُوزُ.

ــ

قوله: فإن جعَلَ إليهما عَمَلًا واحِدًا، جازَ. هذا المذهبُ. صحَّحه المصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايةِ»: والأقْوَى عندِي، أنَّه لا يجوزُ. وصحَّحه في «الخُلاصَةِ». وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ». وقيل: إنِ اتَّحَدَ عمَلُهما، أو الزَّمَنُ، أو المَحَلُّ، لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ. وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» .

فوائد؛ الأولَى، حيثُ جوَّزْنا جعْلَ قاضِيَين فأكثرَ في عمَلٍ واحدٍ، لو تَنازَع الخَصْمان في الحُكْمِ عندَ أحَدِهم، قُدِّمَ قولُ صاحبِ الحقِّ؛ وهو الطَّالِبُ، ولو طَلَبَ حُكْمَ النَّائبِ، أُجِيبَ؛ فلو كانَا مُدَّعِيَين اخْتلَفا في ثَمَن مَبِيع باقٍ، اعْتُبِرَ أقْرَبُ الحَكَمَين ثم القُرْعَةُ. وقيل: يُعْتَبَرُ اتِّفاقُهما. وقال في «الرِّعايةِ» : يُقَدَّمُ منهما مَن طَلَبَ حُكْمَ المُسْتَنِيبِ. وقال في «التَّرْغيبِ» : إنْ تَنازَعا، أُقْرِعَ. قال في «القاعِدَةِ الأخِيرَةِ»: لو اخْتَلَفَ خَصْمانِ في مَن يحْتَكِمان

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إليه، قُامَ المُدَّعِي، فإنْ تَساويا في الدَّعْوَى، اعْتُبِرَ أقْرَبُ الحاكِمَين (1) إليهما، فإنِ اسْتَويا، أُقْرِعَ بينَهما. وقيل: يُمْنَعان مِن التَّخاصُمِ حتى يتَّفِقا على أحَدِهما. قال القاضي: والأوَّلُ أشْبَهُ بقَوْلِنا.

الثَّانيةُ، قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: ويجوزُ لكُل ذِي مَذهَبٍ أنْ يُوَلِّيَ مِن غيرِ مذهَبِه. ذكَرَه في مَكانَين مِن هذا البابِ. وقال: فإنْ نَهاه عن الحُكْمِ في مَسْألَةٍ، احْتَمَلَ وَجْهَين. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ الجوازُ. وقال ذلك في «الرِّعايةِ

(1) في الأصل: «الحالين» .

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصُّغْرى» أيضًا، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .

قال النَّاظِمُ:

وتَوْليَةَ المَرْءِ المُخالفِ مذْهَبَ الـ

ـمُوَلِّي أجِزْ مِن غيرِ شَرْطٍ مُقَيِّدِ

وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: ومتى اسْتَنابَ الحاكِمُ مِن غيرِ أهْلِ مذْهَبِه؛ إنْ كان لكَوْنِه أرْجَحَ، فقد أحْسَنَ مع صِحَّةِ ذلك، وإلَّا لم يصِحَّ. قال في «الفُروعِ» ، في بابِ الوَكالةِ: ويتَوَجَّهُ جَوازُها إذا جازَ له الحُكْمُ ولم يَمْنَعْ منه مانِعٌ، وذلك مَبْنِيٌّ على جَوازِ تقْلِيدِ غيرِ إمامِه، وإلَّا انْبَنَى على أنَّه، هل يسْتَنِيبُ فيما لا يَمْلِكُه، كتَوْكِيلِ مُسْلِم ذِمِّيًّا في شراءِ خَمْر ونحوه؟ انتهى. وقال القاضي جمالُ الدِّينِ المَرْدَاويُّ، صاحِبُ «الانْتِصارِ» ، في الحديثِ في الرَّدِّ على مَن جوَّزَ المُناقَلَةَ: لا يجوزُ أنْ يسْتَنِيبَ مِن غيرِ أهلِ مذْهَبِه. قال: ولم يَقُلْ بجَوازِ ذلك مِن الأصحابِ إلَّا ابنُ حَمْدانَ في «رِعايَتِه» . انتهى.

الثَّالِثَةُ، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لا يجوزُ أنْ يُقَلِّدَ القَضاءَ لواحدٍ على أنْ يحْكُمَ بمَذهَب بعَينه. قالا: وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله، ولا نعلمُ فيه خِلافًا. وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: مَن أوْجَبَ تقْلِيدَ إمامٍ بعَينه

ص: 287

وَإِنْ مَاتَ الْمُوَلِّي، أَوْ عُزِلَ الْمُوَلَّى مَعَ صَلَاحِيَتهِ، لَمْ تَبْطُلْ ولَايتُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَينِ، وَتَبْطُلُ في الْآخَرِ.

ــ

اسْتُتِيبَ، فإنْ تابَ، وإلا قُتِلَ. قال: وإنْ قال: يَنْبَغِي. كان جاهِلًا ضالًّا. قال: ومَنْ كان مُتَّبِعًا لإمام، فخالفَه في بعْضِ المَسائلِ لقُوَّةِ الدَّليلِ، أو لكَوْنِ أحدِهما أعْلَمَ أو أتْقَى، فقد أحْسَنَ، ولم يُقْدَحْ في عدالتِه، بلا نِزاع. قال: وهذه الحالُ تجوزُ عندَ أئمَّةِ الإسْلام. وقال أيضًا: بل تجِبُ، وإن الإمامَ أحمدَ، رَحِمَه اللةُ، نصَّ عليه. انتهى. ويأْتِي قريبًا في أحْكامِ المُفْتِي والمُسْتَفْتِي.

قوله: فإنْ ماتَ المُوَلى -بكَسْرِ اللامِ- أو عُزِلَ المُوَلَّى -بفَتْحِها- مع صَلاحِيَته، لم تَبْطُلْ ولايتُه في أَحَدِ الْوَجْهَين. إذا ماتَ المُوَلى -بكَسْرِ اللامِ-

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهل ينْعَزِلُ المُوَلَّى؟ فيه وَجْهان. أطْلَقهما المُصَنِّفُ هنا، وأطْلَقهما ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ؛ أحدُهما، لا ينْعَزِلُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّرْغيبِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِي» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرِّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ،

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال الشَّارِحُ: والأولَى، إنْ شاءَ اللهُ تعالى، أنَّه لا ينْعَزِلُ، قوْلًا واحدًا. انتهى. قال الزَّرْكَشِيُّ في بابِ نِكاحِ أهْلِ الشِّرْكِ، في مَسْألَةِ نِكاحِ المُحْرِمِ: المَشْهورُ لا ينْعَزِلُ بمَوْتِه. والوَجْهُ الثَّاني، ينْعَزِلُ، كما لو كان المَيِّتُ أو العازِلُ قاضِيًا. وقال في «الرِّعايةِ»: إنْ قُلْنا: الحاكِمُ نائِبُ الشَّرْعِ. لم ينْعَزِلْ، وإنْ قُلْنا: هو نائِبُ مَن وَلَّاه. انْعَزَلَ. وأمَّا إذا عزَلَ الإِمامُ أو نائِبُه القاضِي المُوَلَّى مع صلاحِيَته، فهل ينْعَزِلُ وتَبْطُلُ ولايَتُه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، لا تَبْطُلُ ولايتُه ولا ينْعَزِلُ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. جزَم به الأدَمِيُّ في «مُنْتَخَبِه» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» . واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. والوَجْهُ الثَّاني، تَبْطُلُ ولايتُه وينْعَزِلُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ،

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «النَّظْمِ» . وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وابنِ مُنَجَّى في «شَرْحِه». وهو ظاهرُ ما جزَم. به في «المُنَوِّرِ». وجزَم به في «الوَجيزِ». قال في «الفُروع»: واخْتارَه جماعة. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): كالوَلِيِّ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: كعَقْدِ وَصِيٍّ وناظِر عَقْدًا جائزًا؛ كوَكالةٍ، وشَرِكَةٍ، ومُضارَبَةٍ. انتهى. ومَنْشَأُ الخِلافِ، أنَّ القُضاةَ، هل هم نُوَّابُ الإمامِ أو المُسْلِمين؟ فيه وَجْهان معْروفان، ذكَرَهما في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» وغيرُه؛ أحدُهما، هم نُوَّابُ المُسْلِمين. فعليه، لا ينْعَزِلُون بالعَزْلِ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. والثَّاني، هم نُوَّابُ الإمامِ، فيَنْعَزِلُون بالعَزْلِ.

فوائد؛ الأولَى، مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ كل عَقْدٍ لمَصْلَحَةِ المُسْلِمين؛ كوالٍ، ومَن يُنَصَّبُ (2) لجِبايَةِ مالٍ وصَرْفِه، وأميرِ الجِهَادِ، ووَكيلِ بَيتِ المالِ،

(1) انظر: المغني 14/ 84.

(2)

في ط: «ينصبه» .

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمُحْتَسِبِ. ذكَرَه الشَّيخ تَقِيُّ الذين، رحمه الله. وقال في «الفُروعِ»: وهو ظاهرُ كلامِ غيرِه. وقال أيضًا في الكُلِّ: لا ينْعَزِلُ بانْعِزالِ المُسْتَنِيبِ ومَوْتِه حتى يقُومَ غيرُه مَقامَه. وقال في «الرِّعايةِ» : في نائبِه في الحُكْمِ، وقَيِّمِ الأيتامِ، وناظِرِ الوَقْفِ، ونحوهم أوْجُهٌ؛ ثالِثُها، إنِ اسْتَخْلَفَهم بإذْنِ مَن وَلَّاه، وقيل: وقال: اسْتَخْلِفْ عنكَ. انْعَزَلُوا. انتهى. ولا يَبْطُلُ ما فَرَضَه فارِضٌ في المُسْتَقْبَلِ، وفيه احْتِمالٌ.

الثَّانيةُ، لو كانَ المُسْتَنِيبُ قاضِيًا، فزالتْ ولايتُه بمَوْتٍ أو عَزْلٍ أو غيرِه، كما لو اخْتَلَّ فيه بعْضُ شُروطِه، انْعَزَلَ نائِبُه، وإنْ لم ينْعَزِلْ في المسائلِ التي قبلَها. هذا الصَّحيحُ مِن المذهب. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وكلُّ قاضٍ ماتَ أو عَزَلَ نفْسَه -وصحَّ عَزْلُه في الأصحِّ- أو عَزَلَه (1) مَن وَلّاه -وصحَّ عَزْلُه- أو انْعزَلَ بفِسْقٍ أو غيره، انْعَزَلَ نائِبُه في شُغْل مُعَيَّن؛ كسَماعِ بَيِّنَةٍ خاصَّةٍ، وبَيعِ ترِكَةِ مَيِّتٍ خاصٍّ (2). وقال: وفي خُلَفائِه ونائبِه في الحُكْمِ في كلِّ ناحِيَةٍ وبَلَدٍ وقَرْيَةٍ، وقيمِ الأيتام، وناظِرِ الوُقوفِ، ونحوهم أوْجُهٌ؛ العَزْلُ وعدَمُه، وهو بعيدٌ، والثَّالِثُ، إنِ اسْتَخْلَفَهم بإذْنِ مَن وَلَّاه انْعَزَلُوا، والرَّابعُ، إنْ قال للمُوَلِّي: اسْتَخْلِفْ عنكَ. انْعَزَلُوا (3)، وإنْ قال: اسْتَخْلِفْ عنِّي. فلا، كما تقدَّم. انتهى. وحكَى ابنُ عَقِيلٍ عن الأصحابِ، ينْعَزِلُ نُوَّابُ القاضي؛ لأنَّهم نُوَّابُه، ولا ينْعَزِلُ القُضاةُ؛ لأنَّهم

(1) في ط، ا:«عزل» .

(2)

في ا: «خاصة» .

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 292

وَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ؟ عَلَى وَجْهَينِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ.

ــ

نُوَّابُ المُسْلِمين. وفي «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : لا ينْعَزِلُ نُوَّابُ القُضاةِ. واخْتارَه في «التَّرْغيبِ» . وجزَم في «التَّرْغيبِ» أيضًا، أنَّه ينْعَزِلُ نائِبُه في أمْرٍ مُعَيَّن؛ مِن سَماعِ شَهادَةٍ مُعَيَّنَةَ، وإحْضارِ مُسْتَعْدًى عليه. وقاله في «الرِّعايةِ» . فعلى هذا الوَجْهِ؛ لو عزَلَه في حَياتِه، لم ينْعَزِلْ. قاله في «الفُروعِ» .

الثَّالثةُ، له عَزْلُ نفْسِه في أصحِّ الوَجْهَين. قاله في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» . وقدَّمه في [«الرِّعايةِ الصُّغْرى». وقال في](1)«الرِّعايةِ الكُبْرى» ، مِن عنْدِه: ومَن لَزِمَه قَبُولُ توْليَةِ القَضاءِ، ليسَ له عزْلُ نفْسِه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال في «الرِّعايةِ» أيضًا: له عزْلُ نائبِه بأفْضَلَ منه. وقيل: بمِثْلِه. وقيل: بدُونِه لمَصْلَحَةِ الدِّينِ. وقال القاضي: عزْلُ نفسِه يتَخَرَّجُ على رِوايتَين؛ بِناءً على أنَّه، هل هو وَكِيلٌ للمُسْلِمين أمْ لا؛ فيه رِوايَتان. نصَّ عليهما في خَطَأَ الإمامِ. فإنْ قيل: في بَيتِ المالِ. فهو وَكيل، فله عَزْلُ نفْسِه، وإنْ قُلْنا: على عاقِلَتِه. فلا. وذكَر القاضي، هل لمَن وَلَّاه عزْلُه؛ فيه الخِلافُ السَّالِفُ. وقال في «الفُروعِ» في بابِ العاقِلَةِ: وخطَأُ إمام وحاكِم في حُكْم في بَيتِ المالِ، وعليها، للإمامِ عزْلُ نفْسِه. ذكَرَه القاضي وغيرُه. انتهى. وتقدَّم في أوَّلِ بابِ قِتالِ أهْلِ البَغْي الخِلافُ في تصَرُّفِ الإمامِ على النَّاسِ، هل هو بطَرِيقِ الوَكالةِ أو الولايةِ؟ فَلْيُعاوَدْ.

قوله: وهل يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِه بالْعَزْلِ؟ على وَجْهَين، بِناءً على الْوَكِيلِ. وبِناءُ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِلافِ هنا على رِوايَتَيْ عَزْلِ الوَكيلِ قبلَ عِلْمِه بانْعِزالِه. قاله القاضي. وقاله (1)

(1) في ط: «قال» .

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وغيرُهم. فيَكونُ المُرَجَّحُ [على قولِ](1) هؤلاءِ عَزْلَه، على ما تقدَّم في بابِ الوَكالةِ. وذكَرَهما مِن غيرِ بناءٍ في «المُذْهَبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وأطْلَقَ الخِلافَ في «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرَ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، ينْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وهو المذهبُ على المُصْطَلَحِ في الخُطْبَةِ. والوَجْهُ الثَّاني، لا ينْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه. صحَّحه في «الرِّعايةِ» ، وهو الصوابُ الذي لا يسَعُ الناسَ غيرُه. وقال في «التَّلْخيصِ»: لا ينْعَزِلُ قبلَ العِلْمِ بغيرِ خِلافٍ وإنِ انْعَزَلَ الوَكِيلُ. ورَجَّحَه الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: هو المَنْصوصُ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال: لأنَّ في ولايَته حقًّا للهِ تعالى، وإنْ قيلَ: إنَّه وَكيل، فهو شَبِيهٌ بنَسْخِ الأحْكامِ، لا تثْبُتُ قبلَ بلُوغِ النَّاسِخِ، على الصَّحيحِ،

(1) في الأصل: «عند» .

ص: 295

وَإذَا قَال الْمُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ في الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ: قَدْ وَلَّيتُهُ. لَمْ تَنْعَقِدِ الْولَايةُ لِمَنْ يَنْظُرُ.

ــ

بخِلافِ الوَكالةِ المَحْضَةِ، وأيضًا فإنَّ ولايةَ القاضي العُقودُ والفُسوخُ، فتَعْظُمُ البَلْوَى بإبْطالِها قبلَ العِلْمِ، بخِلافِ الوَكالةِ. قلتُ: وهذا الصَّوابُ. قال في «الرِّعايةِ» ، بعدَ أنْ أطْلَقَ الوَجْهَين: أصحُّهما بَقاؤُه حتى يعْلَمَ به.

فائدة: لو أُخْبِرَ بمَوْتِ قاضي بَلَدٍ، فوَلَّى غيرَه، فَبَانَ حيًّا، لم ينْعَزِلْ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: ينْعَزِلُ.

قوله: وإذا قال المُوَلِّي: مَن نَظَرَ في الحُكْمِ في الْبَلَدِ الْفُلانِيِّ مِن فُلانٍ وفُلانٍ،

ص: 296

وَإِنْ قَال: وَلَّيتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنَ نَظرَ مِنْهُمَا، فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْولَايةُ.

فَصْلٌ: وَيُشْتَرَط في الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ؛ أنْ يَكُونَ

ــ

فهو خَلِيفَتِي. أو: قَدْ وَلَّيتُه. لم تَنْعَقِدِ الْولايةُ لِمَن يَنْظُرُ. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وذلك لجَهالةِ المُوَلَّى منهما. ذكَرَه القاضي وغيرُه. وعلَّلَه المُصَنِّفُ، وتَبعَه الشَّارِحُ بأنَّه علَّق الولايةَ بشَرْطٍ، ثم ذكَر احْتِمالًا بالجَوازِ؛ للخَبَرِ (1):«أمِيرُكُمْ زَيدٌ» . قال في «الفُروعِ» : والمَعْروفُ صِحَّةُ الولايَةِ بشَرْطٍ. وهو كما قال، وعليه الأصحابُ. قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: ويصِحُّ تعْليقُ القَضاءِ والإمارَةِ بالشَّرْطِ. وأمَّا إذا وُجِدَ الشرْطُ بعدَ مَوْتِه، فسبَق ذلك في بابِ المُوصَى إليه.

تنبيه: قوْلُه: وإنْ قال: وَلَّيتُ فُلانًا وفلانًا، فَمَن نَظَرَ منهما، فهو خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الولايَةُ. لأنَّه وَلَّاهما، ثم عيَّن مَنْ سَبَقَ، فَتَعَيَّنَ.

قوله: ويُشْتَرَطُ في القاضِي عَشْرُ صِفاتٍ؛ أَنْ يَكُونَ بالِغًا. وهو المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به أكثرُهم، وقدَّمه في «الفُروعِ» . ولم يذْكُرْ

(1) في ط: «لخبر» .

ص: 297

بَالِغًا، عَاقِلًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا. وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

أبو الفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في كتُبِه «بالِغًا» . فظَاهِرُه عدَمُ اشْتِراطِه.

قوله: حُرًّا. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به أكثرُهم. وقيل: لا تُشْتَرَطُ الحُرِّيّةُ، فيَجوزُ أنْ يكونَ عَبْدًا. قاله ابنُ عَقِيلٍ، وأبو الخَطَّابِ. وقال أيضًا: يجوزُ بإذْنِ السَّيِّدِ.

فائدة: تصِحُّ ولايةُ العَبْدِ إمارةَ السَّرايا، وقَسْمَ الصَّدَقاتِ والفَىْءِ، وإمامَةَ

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّلاةِ. ذكَرَه القاضي محَلَّ وفاقٍ.

قوله: مُسْلِمًا. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ. وعليه الأصحابُ. وقطَعُوا به. وقال في «الانْتِصارِ» في صِحَّةِ إسْلامِه: لا نعْرِفُ فيه رِوايَةَ: فإن سَلِمَ. وقال في

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«عُيونِ المَسائلِ» : يَحْتَمِلُ المَنْعَ وإنْ سَلِمَ.

قوله: عَدْلًا. هذا المذهبُ، ولو كان تائِبًا مِن قَذْفٍ. نصَّ عليه. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: إن فُسِّقَ بشُبْهَةٍ، فوَجْهان. ويأْتي بَيانُ العَدالةِ في بابِ شُروطِ مَن تُقْبَلُ شهادَتُه. وقد قال الزَّرْكَشِيُّ: العَدالةُ المُشْتَرَطَةُ هنا؛ هل هي العَدالةُ ظاهِرًا وباطِنًا، كما في الحُدودِ، أو ظاهِرًا فقطْ، كما في إمامَةِ الصَّلاةِ والحاضِنِ ووَلِيِّ اليَتِيمِ ونحو ذلك؟ وفيها الخِلافُ، كما في العَدالةِ في الأمْوالِ، ظاهِرُ إطْلاقاتِ الأصحابِ، أنَّها كالذي في الأَمْوالِ. وقد يُقال: إنَّها كالذي في الحُدودِ. انتهى.

قوله: سَمِيعًا، بَصِيرًا. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيلَ: لا يُشْتَرَطان.

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: مُجْتَهِدًا. هذا المذهبُ المَشْهورُ. وعليه مُعْظَمُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال ابنُ حَزْم: يُشْتَرَطُ كوْنُه مُجْتَهِدًا إجْماعًا. وقال: أجْمَعُوا أنَّه لا يحِلُّ لحاكم ولا لمُفْتٍ تقْليدُ رجُل، فلا يحْكُمُ ولا يُفْتِي إلَّا بقَوْلِه. وقال في «الإِفْصاحِ»: الإِجْماعُ انْعَقَدَ على تقْليدِ كل مِن المذاهبِ الأرْبَعَةِ، وأنَّ الحقَّ لا يخْرُجُ عنهم. قال المُصَنِّفُ في خُطبةِ «المُغْنِي» (1): النِّسْبَةُ إلي إمامٍ في الفُروعِ، كالأئمَّةِ الأرْبعَةِ ليستْ بمَذْمُومَةٍ، فإنَّ اخْتلافَهم رَحْمَة، واتِّفاقَهم حُجَّةٌ قاطِعَةٌ. قال بعْضُ الحَنَفِيَّةِ: وفيه نَظَر؛ فإنَّ الإجْماعَ ليسَ عِبارَةً عنِ الأئمَّةِ الأرْبَعَةِ وأصحابِهم. قال في «الفُروعِ» : وليسَ في كلامِ الشَّيخِ ما فَهِمَه هذا الحَنَفِيُّ. انتهى. واخْتارَ في

(1) انظر: المغني 1/ 4.

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّرْغيبِ» : ومُجْتَهِدًا في مذهبِ إمامِه للضَّرُورَةِ. واخْتارَ في «الإفْصاحِ» ، و «الرِّعايةِ»: أو مُقَلِّدًا. قلتُ: وعليه العَمَلُ مِن مُدَّةٍ طويلةٍ، وإلَّا تعَطَّلَتْ أحْكامُ النَّاسِ. وقيلَ في المُقَلِّدِ: يُفْتِي ضَرُورَةً. وذكَر القاضي، أنَّ ابنَ شَاقْلا اعْتَرَضَ عليه بقولِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله: لا يكونُ فَقِيهًا حتى يَحْفَظَ أرْبَعَمِائَةِ ألْفِ حديثٍ. فقال: إنْ كنتُ لا أحْفَظُه، فإنِّي أُفْتِي بقولِ مَن يَحْفَظ أكثرَ منه. قال القاضي: لا يقْتَضِي هذا أنَّه كان يُقَلِّدُ الإمامَ أحمدَ، رحمه الله، لمَنْعِه الفُتْيَا بلا عِلْمٍ. قال بعْضُ الأصحابِ: ظاهِرُه تقْلِيدُه، إلَّا أنْ يُحْمَلَ على أخْذِه طُرُقَ العِلْمِ عنه (1). وقال ابنُ بَشَّارٍ، مِن الأصحابِ: ما أعِيبُ (2) على مَن يَحْفَظُ خَمْسَ

(1) في ط: «منه» .

(2)

في الأصل: «أعتب» .

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَسائِلَ للإمامِ أحمدَ، رحمه الله، يُفْتِي بها. قال القاضي: هذا مِنْه مُبالغَةٌ في فَضْلِه. وظاهرُ نَقْلِ عَبْدِ اللهِ، يُفْتِي غيرُ مُجْتَهِدٍ. ذكَرَه القاضي. وحَمَله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله، على الحاجَةِ. فعلى هذا، يُراعِي أَلْفاظَ إمامِه ومُتَأخِّرَها، ويُقَلِّدُ كِبارَ مذهَبِه في ذلك. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُه أنَّه يحْكُمُ ولو اعْتَقَدَ

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خِلافَه؛ لأنَّه مُقَلِّدٌ، وأنَّه لا يخْرُجُ عن الظَّاهرِ عنه، فيَتَوَجَّهُ، مع الاسْتِواءِ، الخِلافُ في مُجْتَهِدٍ. انتهى. وقال في «أُصُولِه»: قال بعْضُ أصحابِنا: مُخالفَةُ المُفْتِي نصَّ إمامِه الذي قلَّدَه كمُخالفَةِ المُفْتِي نصَّ الشَّارِعِ.

فائدة: يَحْرُمُ الحُكْمُ والفُتْيَا بالهَوَى إجْماعًا، وبقَوْلٍ أو وَجْهٍ مِن غيرِ نظَر في التَّرْجيحِ إجْماعًا، ويجِبُ أنْ يعملَ بمُوجِبِ اعْتِقادِه فيما له أو عليه إجْماعًا. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله. ويأْتِي قريبًا شيءٌ مِن أحْكامِ المُفْتِي.

قوله: وهل يُشْتَرَطُ كَوْنُه كاتِبًا؟ على وَجْهَينِ. وأطْلَقَهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُحَررِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «الزَّرْكَشِىيِّ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لا يُشْتَرَطُ ذلك. وهو المذهبُ؛ صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرِّرِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِيِّ»؛ لكَوْنِهم لم يذْكُروه في الشووطِ. قال ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه»: والكاتِبُ أوْلَى. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، [و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ»](1)، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يُشْتَرَطُ. قدَّمه في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، لكِنْ صحَّحَ الأوَّلَ.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ، أنَّه لا يُشْتَرَطُ فيه غيرُ ما تقدَّم. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِن الأصحابِ؛ لكَوْنِهم لم يذْكُرُوه. وقال الْخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الرَّوْضَةِ» ، والحَلْوانِيُّ، وابنُ رَزِينٍ، والشَّيخُ تَقِيُّ الذينِ، رحمهم الله: يُشْتَرَطُ كوْنُه وَرِعًا. وهو الصَّوابُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، على ما حَكاه أبو بَكْرٍ في «التنبِيهِ». وقيل: يُشْتَرَطُ كوْنُه وَرِعًا زاهِدًا. وأطلَقَ في «التَّرْغيبِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايةِ» فيهما وَجْهَين. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا مُغَفَّلًا. قال مَشايخِنا: الذي يظْهَرُ الجَزْمُ به. وهو كما قال. والذي يظْهَرُ، أنَّه مُرادُ الأصحابِ، وأنه يُخَرجُ مِن كلامِهم. وقال القاضي في مَوْضِعٍ: لا بَلِيدًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال القاضي أيضًا: لا نافِيًا للقِياسِ. وجعَله ظاهِرَ كلامِ الإمامِ أحمدَ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الولايةُ لها رُكْنان؛ القُوَّةُ، والأمانَةُ؛ فالقُوَّةُ في الحُكْمِ ترْجِعُ إلى العِلْمِ بالعَدْلِ وتَنْفيذِ الحُكْمِ، والأمانَةُ ترْجِعُ إلى خَشْيَةِ اللهِ عز وجل. قال: وهذه الشروطُ تُعْتبَرُ حسَبَ الإمْكانِ، وتَجِبُ توْلِيَةُ الأمْثَلِ فالأمْثَلِ. وقال: على هذا يدُلُّ كلامُ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وغيرِه؛ فيُوَلَّى للعَدَمِ أنْفَعُ الفاسِقَين، وأَقلُّهما شرًّا، وأعْدَلُ المُقَلِّدَين وأعْرَفُهما بالتَّقْليدِ. قال في «الفُروعِ»: وهو كما قال؛ فإن

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَرُّوذِيَّ نقَل في مَن قال: لا أسْتَطِيعُ الحُكْمَ بالعَدْلِ. يصِيرُ الحُكْمُ إلى أعْدَلَ منه. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: قال بعْضُ العُلَماءِ: إذا لم يُوجَدْ إلَّا فاسِقٌ عالِمٌ و (1) جاهِلٌ دَيِّنٌ، قُدِّمَ ما الحاجَةُ إليه أكثرُ إذَنْ. انتهى.

تنبيه: لا يُشْتَرَطُ غيرُ ما تقدَّم، ولا كراهَةَ فيه، فالشَّابُّ المُتَّصِفُ بالصِّفاتِ المُعْتَبَرَةِ كغيرِه، لكِنَّ الأَسَنَّ أوْلَى مع التَّساوي، ويُرَجَّحُ أيضًا بحُسْنِ الخُلُقِ وغيرِ ذلك، ومَن كانَ أكمَلَ (2) في الصفاتِ، ويوَلَّى المُوَلى مع أهْلِيَّته.

فائدتان؛ إحْداهما، كل ما يمنعُ مِن توْليَةِ القَضاءِ ابْتِداءً يَمْنَعُها دَوامًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. فيَنْعَزِلُ إذا طَرَأ ذلك عليه مُطْلَقًا. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم به في «الرِّعايةِ» وغيرِه. وقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الوَجيزِ» ، ومَن تابعَهم: ما فُقِدَ مِن الشُّروطِ في الدَّوامِ أزال الولايةَ، إلَّا فَقْدَ السَّمْعِ والبَصَرِ فيما يثْبُتُ عندَه ولم يحْكُمْ به؛ فإنَّ ولايةَ حُكْمِه باقِيَةٌ فيه. وقاله في «الانْتِصارِ» في فَقْدِ البَصَرِ فقطْ. وقيل: إنْ تابَ فاسِقٌ، أو أفاقَ مَن جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه، وقُلْنا: يَنْعَزِلُ بالإِغْماءِ، فولايَتُه باقِيَةٌ. وقال في «التَّرْغيبِ»: إنْ جُنَّ، ثم أفاقَ، احْتَمَلَ وَجْهَين. وقال في «المُعْتَمَدِ»: إنْ طرَأ جُنون، فقيل: إنْ لم يكُنْ مُطْبقًا، لم يُعْزَلْ، كالإغْماء، وإنْ أطْبَقَ به، وَجَبَ عَزْلُه. وقال: الأثْمبَهُ بقوْلِنا: يُعْزَلُ. إنْ أطْبَقَ شَهْرًا؛ لَأنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحِمَه اللهُ تعالى، أجازَ شهادَةَ مَن يُخْنَقُ في الأحْيانِ، وقال: في الشهْرِ مَرَّةً. قال في «الفُروعِ» : كذا قال.

(1) في الأصل، ا:«أو» .

(2)

في الأصل: «أجمل» .

ص: 306

وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ الله تِعَالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عليه السلام الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَالأمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ، وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَتَوَاتُرَهَا مِنْ آحَادِهَا، وَمُرْسَلَهَا وَمُتَّصِلَهَا، وَمُسْنَدَهَا وَمُنْقَطِعَهَا، مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالأحْكَامِ خَاصَّةً،

ــ

الثَّانيةُ، لو مَرِضَ مرَضا يَمْنَعُ القَضاءَ، تعيَّن عزْلُه. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشُّارِحُ: ينْعَزِلُ.

قوله: والمُجْتَهِدُ مَن يَعْرِفُ مِن كِتابِ اللهِ تَعالى وسُنَّةِ رَسُولِه عليه الصلاةُ

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والسَّلامُ الْحَقِيقَةَ والْمَجازَ، والأَمْرَ والنَّهْيَ، والمُجْمَلَ والمُبَيَّنَ، والمُحْكَمَ والمُتَشابِهَ، والْخاصَّ والعامَّ، والمُطْلَقَ والمُقَيَّدَ، والنَّاسِخَ والمنْسُوخَ، والمُسْتَثْنَى والمسْتَثْنَى منه، ويَعْرِفُ مِن السُّنَّةِ صَحِيحَها مِن سَقِيمِها، وتَواتُرَها مِن آحادِها، ومُرْسَلَها ومُتَّصِلَها، ومُسْنَدَها ومُنْقَطِعَها، ممَّا له تَعَلُّقٌ بالأحْكامِ خاصَّةٌ، ويَعْرِفُ ما أُجْمِعَ عليه ممَّا اخْتُلِفَ فيه، والقِياسَ وحُدُودَه وشُرُوطَه

ص: 308

ويَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيهِ ممَّا اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْقِيَاسَ وَحُدُودَهُ وَشُرُوطَهُ وَكَيفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَا يُوَالِيهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيهِ وَرُزِقَ فَهْمَهُ، صَلُحَ لِلْقَضَاءِ، وَالْفُتْيَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.

ــ

وكَيفِيَّةَ اسْتِنْباطِه، والْعَرَبِيَّةَ المُتَداوَلَةَ بالْحِجازِ والشَامِ والْعِراقِ وما يُوالِيهِمْ، وكُلُّ ذلك مَذْكُورٌ في أُصُولِ الفِقْهِ وفُرُوعِه، فمَن وَقَفَ عليه ورُزِقَ فهْمَه، صَلُحَ للْفُتْيا والْقَضاءِ، وباللهِ التَّوْفِيقُ. وكذا قال كثير مِن الأصحابِ. وقال في «الفُروعِ»:

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فمَن عَرَفَ أكثره، صَلُحَ للفُتْيا والقَضاءِ. وقال في «الوَجيزِ»: فمَن وَقَفَ على أكْثَرِ ذلك وفَهِمَه، صَلُحَ للفُتْيا والقَضاءِ. وقال في «المُحَرَّرِ»: فمَن وَقَفَ عليه أو على أكْثَرِه، ورُزِقَ فهْمَه، صَلُحَ للفُتْيا والقَضاءِ. انتهى. وقيل: يُشْتَرَطُ أنْ يعْرِفَ أكْثَرَ الفِقْهِ. وقال في «الواضِحِ» : يجِبُ معْرِفَةُ جميعِ أُصُولِ الفِقْهِ، وأدَلّةِ الأحْكامِ. وقال أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ: مَن حصَّلَ أُصُولَ الفِقْهِ وفرُوعَه، فمُجْتَهِدٌ. انتهى. وقال ابنُ مُفْلِح في «أُصُولِه»: والمُفْتِي؛ العالِمُ بأُصُولِ الفِقْهِ وما يُسْتَمَدُّ منه، والأدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مُفَصَّلَةً، واخْتِلافِ مَراتِبِها غالِبًا، واعْتَبَرَ بعْضُ أصحابِنا معْرِفَةَ أكْثَرَ الفِقْهِ، والأشْهَرُ، لا. انتهى. وقال في «آدابِ المُفْتِي»: لا يضُرُّ جَهْلُه ببَعْضِ ذلك لشُبْهَةٍ أو إشْكالٍ، لكِنْ يكْفِيه معْرِفَةُ وُجوهِ دَلالةِ الأدِلَّةِ، ويكْفِيه أخْذُ الأحْكامِ مِن لَفْظِها ومَعْناها. زادَ ابنُ عَقِيلٍ في «التّذْكِرَةِ» ، ويعْرِفُ الاسْتِدْلال، واسْتِصْحابَ الحالِ، والقُدْرَةَ على إبْطالِ شُبْهَةِ المُخالِفِ، وإقامَةَ الدَّلائِلِ على مذهَبِه. انتهى. وقال في «آدابِ المُفْتِي» أيضًا: وهل يُشْتَرَطُ معْرِفَةُ الحِسابِ ونحوه مِن المَسائلِ المُتَوَقِّفَةِ عليه؟ فيه خِلافٌ. ويأْتي -بعدَ فَراغِ الكتابِ- أقْسامُ المُجْتَهِدِين، وتقدَّم قريبًا عندَ قوْلِه: مُجْتَهِدًا. أنَّه لا يُفْتِي إلَّا مُجْتَهِدٌ، على الصَّحيحِ.

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، لو أدَّاه اجْتِهادُه إلى حُكْم، لم يَجُزْ له تقْلِيدُ غيرِه إجْماعًا. ويأْتي هذا في كلامِ المُصَنِّفِ في أوَّلِ الباب الذي يَلِيه، في قوْلِه: ولا يُقَلِّدُ غيرَه وإنْ كان أعْلَمَ منه. وإنْ لم يَجْتَهِدْ، لم يَجُزْ. أَنْ يُقَفد غيرَه أيضًا مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونصَّ عليه في رِوايةِ الفَضْلِ بنِ زِيادٍ. قال ابنُ مُفْلِحٍ في «أُصُولِه»: قاله أحمدُ وأكثرُ أصحابِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يجوزُ. اخْتارَه الشِّيرَازِي فقال: مذهَبُنا جوازُ تقْليدِ العالِم للعالِمِ. قال أبو الخَطَّابِ: وهذا لا نعْرِفُه (1) عن أصحابِنا. نقَلَه في «الحاوي الكَبِيرِ» في الخُطْبَةِ. وعنه، يجوزُ مع ضِيقِ الوَقْتِ. وقيل: يجوزُ لأعلَمَ منه. وذكَر أبو المَعالِي، عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله: يُقَلِّدُ صحابِيًّا، ويُخَيَّرُ فيهم،

(1) في ط: «يعرف» .

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومِن التَّابعِين عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ فقطْ. وفي هذه المَسْألَةِ للعُلَماءِ عِدَّةُ (1) أقْوالٍ غيرِ ذلك. وتقدَّم نظِيرُها في بابِ اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ. وقال في «الرِّعايةِ» : يجوزُ له التقْلِيدُ؛ لخَوْفِه على خُصوم مُسافِرين فَوْتَ رُفْقَتِهم، في الأصحِّ.

ومنها، يتَحَرَّى الاجْتِهادَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقال ابنُ مُفْلِحٍ في «أُصُولِه»: قاله أصحابُنا. وصحَّحه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقطَع به المُصَنِّفُ في «الرَّوْضَةِ» وغيرُه. وقيل: لا يتَحَرَّى. وقيل: يتَحَرَّى في بابٍ، لا (2) في مسْألَةٍ.

ومنها، وتَشْتَمِلُ على مَسائِلَ كثيرةٍ في أحْكامِ المُفْتِي والمُسْتَفْتِي؛ تقدَّم قريبًا

(1) في هامش الأصل: «عشرة» .

(2)

في الأصل: «الآنية» .

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تحْريمُ الحُكْمِ والفُتْيا بالهَوَى، وبقَوْلٍ أو وَجْهٍ مِن غيرِ نظَو في التَّرْجيحِ إجْماعًا. واعلمْ أنَّ السَّلَف الصَّالِحَ، رحمهم الله، كانُوا يَهابُون الفُتْيا، ويُشَدِّدُونَ فيها، ويتَدافَعُونَها، وأنْكَرَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وغيرُه على مَنْ تهَجَّمَ في الجَوابِ. وقال: لا يَنْبَغِي أنْ يُجيبَ في كل ما يُسْتَفْتَى. وقال: إذا هابَ الرَّجُلُ شيئًا، لا ينْبَغِي أنْ يُحْمَلَ على أَنْ يقولَ. إذا عَلِمْتَ ذلك، ففي وُجوبِ تقْديمِ معْرِفَةِ الفِقْهِ (1) على أصُولِه وَجهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يجِبُ تقْديمُ معْرِفَةِ (2) الفِقْهِ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. قال في «آدابِ المُفْتِي»: وهو أوْلَى. والثَّاني، يجِبُ تقْديمُ معْرِفَةِ أُصُولِ الفِقْهِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ وابنُ البَنَّا، وغيرُهما. قال في «آدابِ المُفْتِي»: وقد أوْجَبَ ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه، تقْدِيمَ معْرِفَةِ أُصُولِ الفِقْهِ على فُروعِه؛ ولهذا ذكَرَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبي مُوسى، والقاضي، وابنُ البَنَّا في أوَائلِ كُتُبِهم الفُرُوعِيَّةِ، وقال أبو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ: أبْلَغُ ما تُوُصِّلَ به إلى إحْكامِ الأحْكامِ، إتْقانُ أُصُولِ الفِقْهِ، وطَرَفٍ مِن أُصُولِ الدِّينِ. انتهى. وقال

(1) في ا: «فروع الفقه» .

(2)

بعده في الأصل: «أصول» ، وفي ا:«فروع» . وانظر الفروع 6/ 427.

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنُ قاضِي الجَبَلِ في «أُصُولِه» ، تبَعًا لـ «مُسَوَّدَةِ ابنِ (1) تَيمِيَّةَ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى»: تقْدِيمُ معْرِفَتِها أوْلَى مِن الفُروعِ عندَ ابنِ عَقِيلٍ وغيرِه. قلتُ: في غيرِ فَرْضِ العَينِ. وعندَ القاضي عكْسُه. انتهى (2). فظاهِرُ كلامِهم، أنَّ الخِلافَ في الأوْلَويَّةِ، ولعَلَّه أولَى (3)، وكلامُ غيرِهم في الوُجوبِ. وتقدَّم: هل للمُفْتِي الأخْذُ مِن المُسْتَفْتِي إذا كان له كِفايَة، أمْ لا؟ ويأْتي: هل له أَخْذُ الهَدِيَّةِ، أمْ لا؟ عندَ أحْكام هَدِيَّةِ الحاكِمِ.

والمُفْتِي؛ مَن يُبَيِّنُ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، ويُخْبِرُ به مِن غيرِ إلْزامٍ. والحاكِمُ؛ مَن يُبَيِّنُه ويُلْزِمُ به. قاله شيخُنا في «حَواشِي الفُروعِ» . ولا يُفْتِي في حالٍ لا يُحْكَمُ فيها، كغَضَبٍ ونحوه، على ما يأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ. قال ابنُ مُفْلِحٍ في

(1) في النسخ: «بنى» . وانظر حاشية الفروع 6/ 427.

(2)

سقط من: ط، ا.

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«أُصُولِه» : فظاهِرُه، يَحْرُمُ كالحُكْمِ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: لا يُفْتِي في هذه الحالِ، فإنْ أَفْتَى وأصابَ، صح وكُرِهَ. وقيل: لا يصِحُّ. ويأْتِي نظِيرُه في قَضاءِ الغَضْبانِ ونحوه. وتصِحُّ فَتْوَى العَبْدِ والمَرْأةِ والقَريبِ ويأْتِي والأخْرَسِ المَفْهُومِ الإشارَةِ أو الكِتابَةِ، وتصِحُّ مع جَرِّ النفْعِ ودَفْعِ الضرَرِ، وتصِحُّ مِن العَدُوِّ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الرِّعايةِ» ، و «آدابِ المُفْتِي» ، و «الفُروعِ» في بابِ أدَبِ القاضي. وقيل: لا تصِحُّ، كالحاكِمِ والشَاهِدِ. ولا تصِحُّ مِن فاسِقٍ لغيرِه وإنْ كان مُجْتَهِدًا، لكِنْ يُفْتِي نفْسَه، ولا يسْألُ غيرَه. وقال الطُّوفِيُّ في «مُخْتَصَرِه» وغيرُه: لا تُشْتَرَطُ عَدالته في اجْتِهادِه، بل في قَبُولِ فُتْياه وخَبَرِه. وقال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله في «إعْلامِ المُوَقعينَ»: قلتُ: الصَّوابُ جوازُ اسْتِفْتاءِ الفاسِقِ، إلا أنْ يكونَ مُعْلِنًا بفِسْقِه، داعِيًا إلى بدْعَتِه، فحُكْمُ اسْتِفْتائِه حكمُ إمامَتِه وشَهادَتِه. ولا تصِحُّ مِن مَسْتُورِ الحالِ أيضًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، وغيره مِن الأصُولِيِّينَ. وقيل: تصِحُّ. قدَّمه في «آدابِ المُفْتِي» . وعملُ النَّاسِ عليه. وصححه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . [واخْتارَه في «إعْلامِ المُوَقعينَ»](1). وقيل: تصِحُّ إنِ اكْتَفَينا بالعَدالةِ الظاهِرَةِ، وإلَّا فلا. والحاكِمُ كغيرِه في الفُتْيا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: تُكْرَهُ له (2) مُطْلَقًا. وقيل: تُكْرَهُ في مَسائِلِ الأحْكامِ المُتَعَلِّقَةِ به، دُونَ الطَّهارَةِ والصَّلاةِ ونحوهما. ويَحْرُمُ تَساهُلُ مُفْتٍ، وتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ به. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: لا يجوزُ اسْتِفْتاءُ إلا مَن يُفْتِي بعِلْم وعَدْلٍ. ونقَل المَروذِيُّ، لا يَنْبَغِي أنْ يُجِيبَ في كُل ما يُسْتَفْتَى فيه. ويأْتِي: هل له قَبُولُ الهَدِيَّةِ، أمْ لا؟

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وليسَ لمَنِ انْتَسَبَ إلى مذهبِ إمام في مسْألَةٍ ذاتِ قوْلَين أو وَجْهَين أنْ يتَخَيَّرَ، فَيَعْمَلَ أو يُفتِيَ بأيِّهما شاءَ، بل إنْ عَلِمَ تارِيخَ القَوْلَين، عَمِلَ بالمُتَأَخِّرِ إنْ صرَّح برُجُوعِه عن الأوَّلِ، وكذا إنْ أطْلَقَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ فيهما. وقيل (1): يجوزُ العَمَلُ بأحَدِهما إذا ترَجَّحَ أنَّه مذَهبٌ لقائِلِهما. وقال في «آدابِ المُفْتِي» : إذا وَجَدَ مَن ليسَ أهْلًا للتَّخْريجِ والتَّرْجيحِ بالدَّليلِ، اخْتِلافًا بينَ أئمَّةِ المذاهبِ، في الأصحِّ مِن القَوْلَينِ أو الوَجْهَين، فيَنْبَغِي أنْ يرْجِعَ في التَّرْجيحِ إلى صِفَاتِهم المُوجِبَةِ لزِيادَةِ الثِّقَةِ بآرَائِهم، فيَعْمَلَ بقَوْلِ الأكثرِ، والأعْلَمِ، والأوْرَعِ، فإنِ اخْتُصَّ أحدُهما بصِفَةٍ منها، والآخَرُ بصِفَةٍ أُخْرَى، قدَّم الذي هو أحْرَى منهما بالصَّوابِ، فالأعْلَمُ الوَرِعُ (2)، مُقَدَّئم على الأوْرَعِ العالِمِ. وكذلك إذا وَجَد قوْلَين أو وَجْهَين. لم يَبْلُغْه عن أحدٍ مِن أئمَّتِه بَيانُ الأصحِّ منهما، اعْتَبَرَ أوْصافَ [ناقِلِيهما وقابِلِيهما](3)، ويُرَجِّحُ ما وافَقَ منهما أئمَّةَ أكثرِ المذاهبِ المَتْبُوعَةِ، أو أكثر العُلَماءِ. انتهى. قلتُ: وفيما قاله نظر. وتقدَّم في آخِرِ الخُطْبَةِ تحْريرُ ذلك. وإذا اعْتَدَلَ عندَه قوْلان -وقُلْنا: يجوزُ- أفْتَى بأَيِّهما شاءَ. قاله القاضي في «الكِفايةِ» ، وابنُ حَمْدانَ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. كما يجوزُ للمُفْتِي أنْ يعْمَلَ بأيِّ القَوْلَين شاءَ. وقيلَ: يُخَيَّرُ المُسْتَفْتِي، وإلَّا تعَيَّنَ الأحْوَطُ. ويَلْزَمُ المُفْتِيَ تَكْرِيرُ النَّظرَ عندَ تكَرُّرِ (4) الواقِعَةِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وقال: وإلَّا كان مُقَلِّدًا لنَفْسِه؛

(1) في ط، ا:«هل» .

(2)

في الأصل، ا:«الأورع» .

(3)

في الأصل: «ناقلهما وقابلهما» .

(4)

في ط: «تكرار» .

ص: 316

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لاحْتِمالِ تغَيُّرِ اجْتِهادِه. وقدَّمه ابنُ مُفْلِح في «أُصُولِه» . وقيل: لا (1) يَلْزَمُه؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاءُ ما اطَّلَعَ عليه وعدَمُ غيرِه. ولُزومُ السُّؤالِ ثانيًا فيه الخِلافُ. وعندَ أبي الخَطَّابِ، والآمِدِي، إنْ ذكَر المفْتِي طرِيقَ الاجْتِهادِ، لم يَلْزَمْه، وإلَّا لَزِمَه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وإنْ حَدَثَ ما لا قَوْلَ فيه، تكَلَّم فيه حاكِمٌ ومُجْتَهِدٌ ومُفْتٍ. وقيل: لا يَجوزُ. وقيل: لا يجوزُ في أُصُولِ الدِّينِ. قال في «آدابِ المُفْتِي» : ليسَ له أنْ يُفْتِيَ في شيءٍ مِن مَسائلِ الكَلامِ مُفَصِّلًا، بل يَمْنَعُ السَّائِلَ وسائِرَ العامَّةِ مِن الخَوْضِ في ذلك أصْلًا. وقدَّمه في «مُقْنِعِه» . [وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى»](2). وقدَّم (3) ابنُ مُفْلِح في «أُصُولِه» ، أنَّ مَحَلَّ الخِلافِ في الأَفْضَلِيَّةِ، لا في الجوازِ وعدَمِه. وأطْلَقَ الخِلافَ. وقال في خُطْبَةِ «الإرْشادِ»: لابُدَّ مِن الجوابِ. وقال في «إعْلامِ المُوَقعينَ» ، بعدَ أنْ حكَى الأقْوال: والحقُّ التَّفْصِيلُ، وأنَّ ذلك يجوزُ بل يُسْتَحَبُّ، أو يجِبُ عندَ الحاجَةِ وأهْلِيَّةِ المُفْتِي والحاكمِ، فإنْ عُدِمَ الأمْران، لم يَجُزْ، وإنْ وُجِدَ أحدُهما، احْتَمَلَ الجوازَ والمَنْعَ، والجَوازُ عندَ الحاجَةِ دُونَ عدَمِها. انتهى. وله تخْيِيرُ مَنِ اسْتَفْتاه بينَ قوْلِه وقول مُخالِفِه. رُوِيَ ذلك عن الإمام أحمدَ، رحمه الله. وقيل: يأْخُذُ به إنْ لم يَجدْ غيرَه، [أو كان](4) أرْجَحَ، وسأَلَه [أبو داودَ](5)، الرجُل يسْأَلُ عن المَسْأَلَةِ، أدُلُّه على إنْسانٍ يسْأَلُه؟ قال: إذا كان الذي أرْشَدَ إليه يتَّبعُ ويُفْتِي بالسُّنَّةِ. فقيلَ له: إنَّه يريدُ الاتِّباعَ، وليسَ كل قوْلِه يُصِيبُ. قال: ومَنْ يُصِيبُ في كل شيءٍ؟!

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في ط: «واختاره في رعايته الكبرى» .

(3)

في الأصل: «قدمه» .

(4)

في الأصل: «وإن كان» .

(5)

في الأصل: «داود» .

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتقدَّم في آخِرِ الخُلْعِ التنبِيهُ على ذلك. ولا يَلْزَمُ جَوابُ ما لم يقَعْ، لكِنْ تُسْتَحبُّ إجابَتُه. وقيل: تُكْرَهُ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. ولا يجبُ جَوابُ ما لا يَحْتَمِلُه كلامُ (1) السَّائلِ، ولا ما لا نَفْعَ فيه. ومَن عَدِمَ مُفْتِيًا في بَلَدِه وغيرِه، فحُكْمُه حُكْمُ ما قبلَ الشَّرْعِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «آدابِ المُفْتِي»: وهو أقْيَسُ. وقيل: متى خَلَتِ البَلْدَةُ مِن مُفْتٍ، حَرُمَتِ (2) السكْنَى فيها. ذكَرَه في «آدابِ المُفْتِي» . وله ردُّ الفُتْيا إنْ كان في البَلَدِ مَنْ يقُومُ مَقامَه، وإلَّا لم يَجُزْ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل، وغيرُهما. وقطَع به مَنْ بعدَهم. وإنْ كان مَعْروفًا عندَ العامَّةِ بفُتْيا، وهو جاهِل، تعَين الجوابُ على العالمِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: الأظْهَرُ، لا يجوزُ في التي قبلَها، كسُؤالِ عامِّيّ عمَّا لم يقَعْ. قال، في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِثْلُه، حاكم في البَلَدِ غيرُه، لا يَلْزَمُه الحُكْمُ، وإلَّا لَزِمَه. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» في شَهادَةِ العَبْدِ: الحُكْمُ يتَعَينُ بولايته؛ حتى لا يُمْكِنَه ردُّ مُحْتَكِمَينِ إليه، ويُمْكِنَه ردُّ مَن يسْتَشْهِدُه، وإنْ كان مُتَحَمِّلًا لشَهادَةٍ، فنادِر أنْ لا يكونَ سِواه، وفي الحُكْمِ لا ينُوبُ البَعْضُ عنِ البَعْضِ، ولا يقولُ لمَنِ ارْتَفَعَ إليه: امْضِ إلى غيرِي مِن الحُكامِ. انتهى. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ تخْرِيج مِن الوَجْهِ، في إثْمِ مَن دُعِيَ لشهادَةٍ، قالوا: لأنه تعَيَّنَ عليه بدُعائِه. لكِنْ يَلْزَمُ عليه إثْمُ مَن عُينَ في كل فَرْضِ كِفايةٍ فامْتَنَعَ. قال: وكلامُهم في الحاكمِ،

(1) زيادة من: ا.

(2)

في الأصل: «حرم» .

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ودَعْوَةِ الوَلِيمَةِ، وصَلاةِ الجِنازَةِ، خِلافُه. انتهى. ومَن قَوِيَ عندَه مذهَبُ غيرِ إمامِه، أفْتَى به وأعْلَمَ السَّائِلَ. ومَن أرادَ كتابَةً على فُتْيا أو شَهادَةٍ، لم يَجُزْ أنْ يُكَبِّرَ خَطَّه؛ لتَصرُّفِه في مِلْكِ غيرِه بلا إذْنِه ولا حاجَةَ، كما لو أباحَه قَمِيصَه، فاسْتَعْملَه فيما يُخْرِجُه عن العادَةِ بلا حاجَةٍ. ذكَرَه ابنُ عَقِيل في «المَنْثُورِ» (1) وغيرِه. وكذا قال في «عُيونِ المَسائلِ»: إذا أرادَ أنْ يُفْتِيَ أو يكْتُبَ شَهادةً، لم يَجُزْ أنْ يُوسِّعَ الأسْطُرَ، ولا يُكْثِرَ إذا أمْكَنَ الاخْتِصارُ؛ لأنه تَصَرُّف في مِلْكِ غيرِه بلا إذْنِه، ولم تَدْعُ الحاجَةُ إليه. واقْتَصَرَ على ذلك في «الفُروعِ». وقال في «أصُولِه»: ويتَوَجَّهُ مع قَرِينَةٍ خِلاف، ولا يجوزُ إطْلاقُه في الفُتْيا في اسْم مُشْتَرَكٍ إجْماعًا، بل عليه التَّفْصِيلُ؛ فلو سُئِلَ: هل له الأكْلُ بعدَ طُلوعِ الفَجْرِ؛ فلابُدَّ أنْ يقولَ: يجوزُ بعدَ الفَجْرِ الأوَّلِ، لا الثَّاني. ومسْألةُ أبي حَنِيفَةَ مع أبي يُوسُفَ وأبي الطَّيِّبِ مع قَوْم معْلُومَة. واعلمْ أنَّه قد تقدَّم، أنَّه لا يُفْتِي إلَّا مُجْتَهِد. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وتقدَّم هناك قولٌ بالجَوازِ؛ فيُراعِي ألفاظَ إمامِه ومُتَأخِّرَها، ويُقَلِّدُ كِبارَ أئمَّةِ مذهَبِه. والعامِّيُّ يُخْبِرُ (2) في فَتْواه فقطْ، فيقولُ: مذهَبُ فُلانٍ كذا. ذكرَه ابنُ عَقِيل وغيرُه. وكذا قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رحمه الله: النَّاظِرُ المُجَرَّدُ يكونُ حاكِيًا، لا مُفْتِيًا. وقال في «آدابِ عُيونِ المسَائلِ»: إنْ كان الفَقِيهُ مُجْتَهِدًا، يعْرِفُ صِحةَ الدَّليلِ، كتَب الجوابَ عن نفْسِه، وإنْ كان ممَّن (3) لا يعْرِفُ الدليلَ، قال: مذهبُ أحمدَ كذا، مذهَبُ الشَّافِعِي كذا. فيَكونُ

(1) في الأصل: «المنور» ، وفي ا:«الفنون» .

(2)

في ط، 1:«يخير» .

(3)

في الأصل، ط:«مما» .

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُخْبِرًا (1)، لا مُفْتِيًا. ويُقَلِّدُ العامي مَن عرَفَه عالِمًا عدْلًا، أو رَآه مُنْتَصِبًا مُعَظَّمًا، ولا يُقَلِّدُ مَن عَرَفَه جاهِلًا عندَ العُلَماءِ. قال المُصَنفُ في «الرَّوْضَةِ» وغيرِها: يكْفِيه قولُ عدْلٍ. ومُرادُه خَبِيرٌ. واعْتَبَرَ بعْضُ الأصحابِ الاسْتِفاضَةَ بكَوْنِه عالِمًا، لا مُجَرَّدَ اعْتِزائِه إلى العِلْمِ ولو بمَنْصِبِ تَدْرِيس. قلتُ: وهو الصّوابُ. وقال ابنُ عَقِيل: يجِبُ سُؤالُ أهْلِ الثقَةِ والخَيرِ. قال الطُّوفِيُّ في «مخْتَصَرِه» : يُقَلِّدُ مَن عَلِمَه أو ظَنَّه أهْلًا بطرَيق ما اتِّفاقًا، فإنْ جَهِلَ عدالتَه، ففي جَوازِ تقْلِيدِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، عدَمُ الجوازِ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. نَصَرَه المُصَنِّفُ في «الرَّوْضَةِ» . وقدَّمه ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه» ، والطُّوفِيُّ في «مُخْتَصَرِه» ، وغيرُهما. والثَّاني، الجوازُ. قدَّمه في «آدابِ المُفْتِي». وتقدَّم: هل تصِحُّ فُتْيا فاسِقٍ أو مَسْتُورِ الحال، أمْ لا؟ ويُقَلِّدُ مَيِّتًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وهو كالإجماعِ في هذه الأعْصارِ. وقيل: لا يُقَلَّدُ مَيِّتٌ. وهو ضعيفٌ. واخْتارَه في «التَّمْهِيدِ» ، في أن عُثْمانَ، رضي الله عنه، لم يُشْتَرَطْ عليه (2) تقْلِيدُ أبي بَكْر وعمرَ، رضي الله عنهما؛ لمَوْتِهما. ويَنْبَغِي للمُسْتَفْتِي أنْ يحْفَظَ الأدبَ مع المُفْتِي ويُجِلَّه، فلا يقولُ أو يفْعَلُ ما جرَتْ عادَةُ العَوام به؛ كإيماء بيَدِه في وَجْهِه، أو: ما مذهَبُ إمامِكَ في كذا؛ أو: ما تحْفَظُ في كذا؛ أو: أفْتاني غيرُك -أو فلانٌ- بكذا أو كذا. قلتُ أنا: أو: وَقِّعْ لي. أو: إنْ كانَ جوابُك مُوافِقًا فاكْتُبْ. لكِنْ إنْ عَلِمَ غرَضَ السَّائلِ في شيء، لم يَجُزْ أنْ يكْتُبَ بغيرِه، أو يسْألهُ [في حالِ](3) ضَجَر، أو هَمٍّ، أو قِيامِه،

(1) في الأصل، ط:«مميزا» . وانظر الفروع 6/ 428.

(2)

سقط من: الأصل.

(3)

في الأصل: «بحال» .

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونحوه، ولا يُطالِبُه بالحُجَّةِ. ويجوزُ تقْلِيدُ المَفْضولِ مِن المُجْتَهِدينَ. على الصحيحِ مِن المذهب. قال ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه»: قاله أكثرُ أصحابِنا؛ القاضي، وأبي الخَطَّابِ، وصاحِبِ «الرَّوْضَةِ» ، وغيرِ هم (1). وقدَّمه هو وغيرُه. قال في «فُروعِه» ، في اسْتِقْبال القِبْلَةِ: لا يجِبُ تقْليدُ الأوْثَقِ، على الأصح. قال في «الرعايةِ»: على الأقيَسِ. وعنه، يجِبُ عليه. قال ابنُ عَقِيل: يَلْزَمُه الاجْتِهادُ فيهما، فيُقَدمُ الأرْجَحَ. ومَعْناه قولُ الْخِرَقِيِّ: كالقِبْلَةِ في الأعْمَى والعامِّيِّ. قال ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه» : أمَّا لو بانَ للعاميِّ الأرْجَحُ منهما، لَزِمَه تقْلِيدُه. زادَ بعْضُ أصحابِنا، في الأظْهَرِ. قلتُ: ظاهرُ كلامِ كثير مِن الأصحابِ مُخالفِ لذلك. وقال في «التَّمْهِيدِ» : إنْ رجحَ دِينَ واحدٍ، قدمه في أحَدِ الوَجْهَين. وفي الآخَرِ، لا؛ لأنَّ العُلَماءَ لا تُنْكِرُ على العامي ترْكَه. وقال أيضًا: في تقْديمِ الأدينِ على الأعْلَمِ وعكْسِه وَجْهان. قلتُ.: ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، تقْدِيمُ الأدينِ؛ حيثُ قيلَ له: مَن نسْألُ بعدَك؟ قال: عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ؛ فإنَّه صالِح، مِثْلُه يُوَفَّقُ للحَق. قال في «الرعايةِ»: ولا يكْفِيهِ مَن لم تسْكُنْ نفْسُه إليه، وقدَّم الأعْلَمَ على الأوْرَعِ. انتهى. فإنِ اسْتَوَى مُجْتَهِدان، تَخَيَّرَ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه مِن الأصحابِ. وقال ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه»: وقال بعْضُ الأصحابِ: هل يَلْزَمُ المُقَلِّدَ التَّمَذْهُبُ (2) بمَذهَبٍ، والأخْذُ برُخَصِه وعَزائمِه؟ فيه وَجْهان. قلتُ: قال في «الفُروعِ» ، في أثْناءِ بابِ شُروطِ من تُقْبَلُ شهادَتُه: وأمَّا لُزومُ التَّمَذْهُبِ بمَذْهَب، وامْتِناعُ الانْتِقالِ إلى غيرِه في مَسْألةٍ، ففيه وَجْهان، وِفاقًا لمالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُما اللهُ، وعَدَمُه أشْهَرُ.

(1) سقط من: الأصل.

(2)

في الأصل: «المتمذهب» .

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. قال في «إعْلامِ المُوَقِّعِينَ» : وهو الصَّوابُ المَقْطُوعُ به. وقال في «أصُولِه» : عدَمُ اللُّزومِ قولُ جُمْهورِ العُلَماءِ، فَيَتَخَيَّرُ. وقال في «الرِّعايةِ الكبرى»: يَلْزَمُ كلَّ مُقَلِّدٍ أنْ يَلْتَزِمَ بمَذهَبٍ مُعَين في الأشْهَرِ، فلا يُقَلِّدُ غيرَ أهْلِه. وقيلَ: بلَى. وقيل: ضَرُورَةً. فإنِ الْتَزَمَ فيما يُفْتِي به، أو عَمِلَ (1) به، أو ظَنَّه حقَّا، أو لم يجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ، لَزِمَ قَبُولُه، وإلَّا فلا. انتهى. واخْتارَ الآمِدِي مَنْعَ الانْتِقالِ فيما عَمِلَ به. وعندَ بعْضِ الأصحابِ، يَجْتَهِدُ في أصحِّ المذاهبِ فيَتَبِعُه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الذينِ، رحمه الله: في الأخْذِ برُخَصِه وعَزائِمِه طاعَةُ غيرِ الرَّسُولِ، عليه الصلاة والسلام، في كلِّ أمْرِه ونَهْيِه، وهو خِلافُ الإجْماعِ. وتوَقَّفَ أيضًا في جَوازِه، وقال أيضًا: إنْ خالفَه لقُوَّةِ دَليل، أو زِيادَةِ عِلْمٍ أو تَقْوَى، فقد أحْسَنَ، ولا يَقْدَحُ في عَدالتِه، بلا نِزاع. وقال أيضًا: بل يجِبُ في هذه الحالِ، وأنَّه نصُّ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ هُبَيرَةَ. وقال في «آدابِ المُفْتِي»: هل للعاميِّ أنْ يتَخَيَّرَ ويُقَلِّدَ أيَّ مَذهبٍ شاءَ، أم لا؟ فإنْ كان مُنْتَسِبًا إلى مذهبٍ مُعَيَّن، بنَينَا ذلك على أنَّ العامِّيَّ هل له مذهب، أمْ لا؟ وفيه مذهَبان، أحدُهما، لا مذهبَ له، فله أنْ يسْتَفْتِيَ مَن شاءَ مِن أرْبابِ المذاهب، سِيَّما إنْ قُلْنا: كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. والوَجْهُ الثَّاني، له مذَهب؛ لأنه اعْتَقَدَ أنَّ المذهبَ الذي انْتَسَبَ إليه هو الحقُّ، فعليه الوَفاءُ بمُوجَبِ اعْتِقادِه، فلا يسْتَفْتِي مَن يُخالِفُ مذهبَه. وإنْ لم يكُن انْتَسَبَ إلى مذهبٍ مُعَيَّن، انْبَنَى على أنَّ العامِّيَّ، هل يَلْزَمُه أنْ يتَمَذْهَبَ بمَذْهَبٍ مُعَيَّن يأخُذُ برُخَصِه وعَزائمِه؟ وفيه مذهَبان؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه، كما لم يَلْزَمْ في عَصْرِ أوائلِ الأمَّةِ أنْ

(1) في الأصل: «علم» .

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَخُصَّ العامِّي (1) عالِمًا مُعَيَّنًا يُقَلِّدُه، سِيَّما إنْ قُلْنا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصيبٌ. فعلى هذا، هل له أنْ يسْتَفْتِيَ على أيِّ مذهَبٍ شاءَ، أم يَلْزَمُه أنْ يبْحَثَ حتى يعْلَمَ -عِلْمَ مِثْلِه- أسَدَّ المَذاهبِ، وأصَحَّها أصْلًا؟ فيه مَذهبان. والثَّاني، يَلْزَمُه (2) ذلك، وهو جارٍ في كل مَن لم يبلُغ درَجَةَ الاجْتِهادِ مِنَ الفُقَهاءِ وأرْبابِ سائرِ العُلومِ. فعلى هذا الوَجْهِ، يَلْزَمُه أنْ يَجْتَهِدَ في اخْتِيارِ مذهَبٍ يُقَلدُه على التَّعْيِينِ، وهذا أوْلَى بإلْحاقِ الاجْتِهادِ فيه على العامي ممَّا سَبَقَ في الاسْتِفْتاءِ. انتهى. ولا يجوزُ للعامِّي تَتَبُّعُ الرُّخَصِ. ذكَرَه ابنُ عَبْدِ البَر إجْماعًا. ويَفْسُقُ عندَ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، وغيرِه. وحَمَلَه القاضي على مُتَأوِّلٍ أو مقَلِّدٍ. قال ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه»: وفيه نظر. قال: وذكَر بعْضُ أصحابِنا في فِسْقِ مَن أخَذَ بالرُّخَصِ رِوايتَين، وإنْ قَوِيَ دَليلٌ أو كان عاميًّا، فلا. كذا قال. انتهى. وإذا اسْتَفْتَى واحِدًا أخَذ بقَوْلِه. ذكَرَه ابنُ البَنَّا وغيرُه. وقدَّمه ابنُ مُفْلِح في «أصُولِه». وقال: والأشْهَرُ، يَلْزَمُه (3) بالْتِزامِه. وقيل: وبظَنِّه حقا. وقيل: وبعَمَل (4) به. وقيل: يَلْزَمُه إنْ ظنَّه حقا. وإنْ لم يجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ، لَزِمَه، كما لو حكَمَ به حاكِم. وقال بعْضهم: لا يَلْزَمُه مُطْلَقًا إلَّا مع عدَمِ غيرِه. ولو سألَ مُفْتِيَين، واخْتَلفا عليه، تَخَيَّرَ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. اخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. قال أبو الخَطَّابِ: هو ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. وذكَر (5) ابنُ البَنَّا وَجْهًا، أنَّه يأخُذُ بقَوْلِ الأرْجَحِ. واخْتارَه بعْضُ الأصحابِ. وقدَّم في «الرَّوْضَةِ» ، أنه

(1) في الأصل: «الأمي» ، وفي ا:«الأمي العامي» .

(2)

في الأصل: «يلزم» .

(3)

في ط، ا:«يلزم» .

(4)

في الأصل: «نعمل» ، وفي ط:«يعمل» .

(5)

في الأصل: «ذكره» .

ص: 323

فَصْل: وَإنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُل يَصْلُحُ للقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَينَهُمَا، فَحَكَمَ، نَفَذَ حُكمُهُ في الْمَالِ.

ــ

يَلْزَمُه الأخْذُ بقوْلِ الأفْضَلِ في عِلْمِه ودِينه. قال الطوفِيُّ في «مُخْتَصَرِه» : وهو الظاهِرُ (1). وذكَر [ابنُ البَنَّا أيضًا](2) وَجْهًا آخَرَ، يأخُذُ بأغْلَظِهما. وقيل: يأخُذ بالأخَفِّ. وقيل: يسْألُ مُفْتِيًا آخَرَ. وقيل: يأخُذُ بأرْجَحِهما دَلِيلًا. وقال في «الفُروعِ» ، في باب. اسْتِقْبال القِبْلَةِ: ولو سألَ مُفْتِيَين، فاخْتَلَفا، فهل يأخُذُ بالأرْجَحِ، أو الأخَفِّ، أو الأشدّ، أو يُخيَّرُ؟ فيه أوْجُهٌ في المذهبِ، وأطْلَقَهُن. وإنْ سألَ، فلم تسْكُنْ نفْسُه، ففي تَكْرارِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» في بابِ اسْتِقْبالِ القِبْلةِ. وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِي الفُروعِ»: أظْهَرُهما، لا يَلْزَمُه. فهذه جملة صالحة نافعةٌ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

قوله: وإنْ تَحاكَمَ رَجُلان إلى رَجُل يَصْلُحُ للْقَضاءِ، فحَكَّماه بينَهُما،

(1) في الأصل: «ظاهر» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فحَكَمَ، نَفَذَ حُكْمُه في المالِ، ويَنْفُذُ في الْقِصاصِ والْحَدِّ، والنِّكاحِ، واللِّعانِ في

ص: 325

ويَنْفُذُ في الْقِصَاصِ، والْحَدِّ، وَالنِّكَاحِ، واللِّعَانِ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ. وَقَال الْقَاضِي: لا يَنْفُذُ إلا في الاموالِ خَاصَّةً.

ــ

ظاهِرِ كلامِه، ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ -في «الهِدايةِ» . وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» - وقال القاضي: لا ينْفُذُ إلَّا في الأمْوالِ خاصَّةً. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . وقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما: وعنه، لا ينْفُذُ في قَوَدٍ، وحَدِّ قَذْفٍ، ولِعانٍ، ونِكاح. وأطْلَقَ الرِّوايتَين في «المُحَرَّرِ» .

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطلَقَ الخِلافَ في «الكافِي» . وقال في «الفُروعِ» : وظاهرُ كلامِه، ينْفُذُ في غيرِ فَرْجٍ، كتَصَرُّفِه ضَرُورَةً في تَرِكَةِ مَيِّتٍ [في غيرِ فَرْجٍ](1). ذكَرَه ابنُ عَقِيل في «عُمدِ الأدِلَّةِ» . واخْتارَ الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله، نُفُوذَ حُكْمِه بعدَ حُكْمِ حاكم، لا إمام. وقال: إنْ حَكَّم أحدُهما خَصْمَه، أو حكَّما مُفْتِيًا في مسْألَةٍ اجْتِهادِيَّةٍ، جازَ. وقال: يكْفِي وَصْفُ القِصَّةِ له. قال في «الفُروعِ» : يُؤيِّدُه قولُ أبي طالِب: نازَعَنِي ابنُ عَمِّي الأذانَ، فتَحاكَمْنا إلى أبي عَبْدِ الله، قال: اقْتَرِعا. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، رحمه الله: خَصُّوا اللِّعانَ؛ لأنَّ فيه دَعْوَى وإنْكارًا، وبَقِيَّةُ الفُسوخِ كإعْسارٍ قد يتَصادَقَان، فيَكونُ الحُكْمُ إنْشاءً لا إبْدَاءً (2)، ونظيرُه، لو حكَّماه في التَّداعِي بدَين وأقَرَّ به الوَرَثَةُ. انتهى. فعلى المذهبِ، يَلْزَمُ مَنْ يكْتُبُ إليه بحُكْمِه القَبُولُ وتنْفِيذُه، كحاكِمِ الإمامِ، وليسَ له حَبْسٌ في عُقُوبَةٍ، ولا اسْتِيفاءُ قَوَدٍ، ولا ضَرْبُ دِيَةِ الخَطَأ على عاقِلَةِ مَنْ رَضِيَ (3) بحُكْمِه. قاله في «الرعايتَين». وزادَ في «الصُّغْرى»: وليسَ له أنْ يُحِدَّ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو رجَعَ أحدُ الخَصْمَينِ قبلَ شُروعِه في الحُكْمِ، فله ذلك، وإنْ رجَعَ بعدَ شُروعِه، وقبلَ تَمامِه، ففيه وَجْهان. وأطْلَقهما في

(1) سقط من: ط.

(2)

في الأصل: «بداء» ، وفي ا:«ابتداء» .

(3)

في ط، ا:«وصى» .

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايةِ الكُبْرى» ؛ أحدُهما، له ذلك. [الثاني، ليسَ له ذلك. انتهى](1). قلتُ: وهو الصوابُ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . واخْتارَ في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : إنْ أشْهَدا عليهما بالرضا بحُكْمِه قبلَ الدخولِ في الحُكْمِ، فليسَ لأحَدِهما الرجوعُ.

الثَّانيةُ، قال في «عُمدِ الأدِلَّةِ» -بعدَ ذِكْرِ التَّحْكيمِ-: وكذا يجوزُ أنْ يتَولَّى مُتَقَدِّمُو الأسْواقِ والمَساجدِ الوَساطاتِ، والصُّلْحَ عندَ الفَوْرَةِ والمُخاصَمَةِ، وصلاةَ الجِنازَةِ، وتفْويضَ الأمْوالِ إلى الأوْصِياءِ، وتفْرِقَةَ زَكاتِه بنَفْسه، وإقامَةَ الحُدودِ على رَقيقِه، وخُروجَ طائفَةٍ إلى الجِهادِ تَلَصُّصًا وبَياتًا، وعِمارَةَ المساجدِ، والأمْرَ بالمَعْروفِ والنَّهْيَ عن المُنْكَرِ، والتَّعْزِيرَ لعَبِيدٍ وإماءٍ، وأشْباهَ ذلك. انتهى.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 328