المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ وَمِيقَاتُ أهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ وَمِيقَاتُ أهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ

‌بَابُ الْمَوَاقِيتِ

وَمِيقَاتُ أهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَأهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ.

ــ

بابُ المَوَاقِيتِ

فوائد؛ الأُولَى، قوله: ومِيقَاتُ أهْلِ المدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، وأهْلِ الشَّامِ ومِصْرَ والمغْرِبِ الجُحْفَةُ، وأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ، وأهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وأهْلِ المشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ. اعلمْ أنَّ بين ذِى الحُلَيْفَةِ وبين مَكَّةَ عَشَرَة أيَّامٍ أو تِسْعَةً. وهو أبعَدُ

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَواقِيتِ. وقيل: أكْثْرُ مِن سَبْعِين فَرْسَخًا. وقيل: مِائَتا مِيلٍ إلَّا مِيلَيْن، وبينَها وبينَ المَدِينَةِ مِيلٌ. قالَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال الزَّرْكَشِيُّ: سِتَّةُ أمْيالٍ أو سَبْعَةٌ، وبينهما تَبايُنٌ كبيرٌ. والصَّوابُ، أنَّ بينَهما سِتَّةَ أمْيالٍ، ورأَيْتُ مَن وَهَّمَ

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوْلَ مَن قال: إنَّ بينَهما مِيلًا. ويَلِيه في البُعْدِ، الجُحْفَةُ. وهى على ثَلاثِ مَراحِلَ مِن مَكَّةَ. وقيل: خَمْسِ مَراحِلَ أو سِتَّةٍ. ووَهِمَ مَن قال: ثَلاثٌ. والثَّلَاثةُ الباقِيَةُ

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بينَها وبين مَكَّةَ ليْلَتان. وقيل: أقْرَبُها ذاتُ عِرْقٍ. حكَاه في «الرِّعايَةِ» . وقال الزَّرْكَشِىُّ: قَرْنٌ عن مَكَّةَ يوْمٌ وليْلَةٌ، ويَلَمْلَمُ ليْلَتان. ورأَيْتُ في «شَرْحِ الحافِظِ ابنِ حَجَرٍ» (1)، أنَّ بينَ يَلَمْلَمَ وبينَ مَكَّةَ مَرْحَلتَيْن، ثَلاثُون مِيلًا، وبينَ ذاتِ عِرْقٍ وبينَ مَكَّةَ مَرْحلَتان، والمَسافَةُ اثْنان وأرْبَعُون مِيلًا. فَقَرْنٌ لأهْلِ نَجْدٍ، وهى نَجْدُ اليَمَنِ، ونَجْدُ الحِجَازِ والطَّائفِ. وذاتُ عِرْقٍ للمَشْرِقِ والعِراقِ وخُرَاسَانَ. الثَّانيةُ، هذه المَواقِيتُ كلُّها ثبَتَتْ بالنَّصِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وأوْمَأَ أحمدُ أنَّ ذاتَ عِرْقٍ باجْتِهادِ عمرَ. قال في «الفُروعِ»: والظَّاهِرُ، أنَّه

(1) انظر: فتح البارى 3/ 386، 389.

ص: 106

وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ.

ــ

خَفِىَ النَّصُّ فوَافقَه، فإنَّه مُوَفَّقٌ للصَّوابِ. قاله المُصَنِّفُ. ويجوزُ أنْ يكونَ عمرُ ومَن سأَلَه لم يعْلَمُوا بتَوْقيتِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، ذاتَ عِرْقٍ، فقال ذلك برَأْيِه، فأَصابَ. فقد كان مُوَفَّقًا للصَّوابِ. انتهى. قلتُ: يتَعيَّنُ ذلك؛ إِذْ مِنَ المُحالِ أنْ يعْلَمَ أحَدٌ مِن هؤلاءِ بالسُّنَّةِ، ثم يسْأَلُونَه أنْ يُوَقِّتَ لهم. الثَّالثةُ، الأَوْلَى أنْ يُحْرِمَ مِن أوَّلِ جُزْءٍ مِنَ المِيقاتِ، فإنْ أحْرَمَ مِن آخِرِه، جازَ. ذكَرَه في «التَّلْخِيصِ» وغيرِه.

قوله: وهذه المَواقيتُ لأهْلِها، ولِمَن مَرَّ عليها مِن غيرِهم. وهذا المذهَبُ، وعليه

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. فلو مَرَّ أهْلُ الشَّامِ أو غيرُهم على ذِى الحُلَيْفَةِ، أو مَرَّ غيرُ أهْلِ ميقاتٍ على غيرِه، لم يكُنْ لهم مُجاوزَتُه إلَّا مُحْرِمين. نصَّ عليه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ:

ص: 108

وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ، فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ.

ــ

يجوزُ تأْخِيرُه إلى الجُحْفَةِ إذا كان مِن أهْلِ الشَّامِ. وجعَلَه في «الفُروعِ» توْجيهًا مِن عندِه، وقوَّاه ومالَ اليه، وهو مذهبُ عطاءٍ وأبي ثَوْرٍ ومالكٍ.

قوله: ومَن مَنْزِلُه دونَ الميقاتِ، فَمِيقاتُه مِن مَوْضِعِه. بلا نِزاعٍ، لكنْ لو كان

ص: 109

وَأَهْلُ مَكَّةَ إِذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ، فَمِنَ الْحِلِّ،

ــ

له مَنْزِلان، جازَ أنْ يُحْرِمَ مِن أقْرَبِهما إلى البَيْتِ، والصَّحيحُ مِنَ المذهَبِ، أنَّ الإِحْرامَ مِنَ البَعيدِ أوْلَى. وقيلَ: هما سَواءٌ.

قوله: وأهْلُ مَكَّةَ إذا أرَادُوا العُمْرَةَ، فَمِنَ الحِلِّ. سَواءٌ كان مِن أهْلِها، أو مِن

ص: 110

وَإِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ، فَمِنْ مَكَّةَ.

ــ

غيرِهم، وسَواءٌ كان في مَكَّةَ أو في الحَرَمِ، هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهَبِ، وكلَّما تباعَدَ كان أفْضلَ. وذكَر ابنُ أبى مُوسى، أنَّ مَن كان بمَكَّةَ مِن غيرِ أهْلِها، إذا أرادَ عُمْرَةً واجِبَةً، فمِنَ المِيقاتِ، فلو أحْرَمَ مِن دُونِه، لَزِمَه دَمٌ، وإنْ أرادَ نَفْلًا، فمِن أدْنَى الحِلِّ. وعنه، مَنِ اعْتمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ - أطْلقَه ابنُ عَقِيلٍ، وزادَ غيرُ واحدٍ فيها، مِن أهْلِ مَكَّةَ - أهَلَّ بالحَجِّ مِنَ المِيقاتِ، وإلَّا لَزِمَه دَمٌ. قال في «الفُروعِ»: وهى ضَعيفَةٌ عندَ الأصحابِ، وأوَّلَها بعضُهم بسُقوطِ دَمِ المُتْعَةِ عن الآفَاقِيِّ بخُروجِه إلى المِيقَاتِ. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في صِفَةِ العُمْرَةِ، أنَّ العُمْرَةَ مِنَ التَّنْعيمِ أفْضَلُ، وبعدَها إذا أحْرَمَ مِنَ الحَرَمِ بها، وفِعْلُ العُمْرَةِ في كلِّ سَنةٍ وتَكْرَارُها.

قوله: وإذا أرَادُوا الحَجَّ، فَمِن مَكَّةَ. هذا المذهبُ، سَواءٌ كان مَكِّيًّا أو غيرَه،

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا كان فيها. قال في «الفُروعِ» : وظاهِرُه لا تَرْجيحَ. يعْنِى، أنَّ إحْرامَه مِنَ المَسْجِدِ وغيرِه سَواءٌ في الفَضِيلَةِ. ونقَل حَرْبٌ، يُحْرِمُ مِنَ المَسْجِدِ. قال في «الفُروعِ»: ولم أجِدْ عنه خِلافَه. ولم يَذْكُرْه الأصحابُ إلَّا في «الإِيضَاحِ» ؛ فإنَّه قال: يُحْرِمُ به مِنَ المِيزَابِ. قلتُ: وكذا قال في «المُبْهِجِ» .

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: يجوزُ لهم الإحْرامُ مِنَ الحَرَمِ والحِلِّ، ولا دَمَ عليهم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه الأثْرَمُ، وابنُ مَنْصُورٍ. ونَصَرَه القاضى وأصحابُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، إذا فعلَ ذلك، فعليه دَمٌ. وعنه، إنْ أحْرَمَ مِنَ الحِلِّ،

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعليه دَمٌ لإحْرامِه دُونَ المِيقَاتِ، بخِلافِ مَنْ أحْرَمَ مِنَ الحرَمِ. صحَّحَه في «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ» ، والنَّاظِمُ. وجزَم به المُصَنِّفُ، وقال: إنْ مَرَّ في الحَرَمِ

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قبلَ مُضِيَّه إلى عرَفةَ، فلا دَمَ عليه. وأطْلَقَ الأُولَى والثَّالِثَةَ في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، في مَنِ اعْتمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ مِن أهْلِ مَكَّةَ، يُهِلُّ بالحَجِّ مِنَ المِيقاتِ، فإنْ لم يَفْعَلْ، فعليه دَمٌ. وعن أحمدَ، المُحْرِمُ مِنَ المِيقاتِ عن غيرِه، إذا قَضَى نُسُكَه، ثم أرادَ أنْ يُحْرِمَ عن نفْسِه، واجبًا أو نَفْلًا، أو أحْرَمَ عن نَفْسِه، ثم أرادَ أنْ يُحْرِمَ عن غيرِه، أو عن إنْسانٍ، ثم عن آخَرَ، يُحْرِمُ مِنَ المِيقاتِ، وإلَاّ لَزِمَه دَمٌ. اخْتارَه القاضى وجماعةٌ. وقال في «التَّرْغِيبِ»: لا خِلافَ فيه. قال في «الفُروعِ» : كذا قال.

ص: 115

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتٍ، فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إِلَيْهِ، أَحْرَمَ.

ــ

واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو المَشْهورُ، خِلافَ ما جزَم به القاضى وغيرُه، ورَدُّوه (1). وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ والإِمامِ أحمدَ، لكنَّ بعضَهم تَأَوَّلَه. ويأْتِي بعضُ ذلك في بابِ صِفَةِ الحَجِّ.

قوله: ومَن لم يكُنْ طَرِيقُه على مِيقَاتٍ، فإذا حَاذى أقْرَبَ المَواقِيتِ إليه، أحْرَمَ.

(1) في ا: «وروى» .

ص: 116

وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّة تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغيْرِ إِحْرَامٍ، إِلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ؛ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ،

ــ

وهذا بلا نِزاعٍ، لكنْ يُسْتَحَبُّ الاحتِياطُ، فإنْ تَساوَيا في القُرْبِ إليه، فمِن أبعَدِهما عن مَكَّةَ. وأطْلَقَ الآجُرِّىُّ، أنَّ مِيقَاتَ مَن عرَّج عنِ المَواقِيتِ، إذا حَاذَاها.

فائدة: قال في «الرِّعايَةِ» : ومَن لم يُحاذِ مِيقَاتًا، أحْرَمَ عن مَكَّةَ بقَدْرِ مَرْحلَتَيْن. قال في «الفُروعِ»: وهذا مُتَّجَهٌ.

قوله: ولا يجَوزُ لمَن أرادَ دُخولَ مَكَّةَ تجَاوُزُ المِيقَاتِ بغيرِ إحْرَامٍ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه. سَواءٌ أرادَ نُسُكًا أو مَكَّةَ. وكذا لو أرادَ الحَرَمَ فقط. وعليه

ص: 117

ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ.

ــ

أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يجوزُ تَجاوُزُه مُطْلَقًا مِن غيرِ إحْرامٍ، إلَّا أنْ يُريدَ نُسُكًا. ذكَرَها القاضى وجماعَةٌ، وصحَّحَها ابنُ عَقِيلٍ. قال في «الفُروعِ»: وهى أظْهَرُ؛ للخَبَرِ. واخْتارَه في «الفَائقِ» . قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وظاهِرُ النَّصِّ.

تنبيه: قوله: ولا يجوزُ لمَن أرَادَ دُخولَ مكَّةَ. مُرادُه، إذا كان مُسْلِمًا مُكَلَّفًا

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حُرًّا، فلو تَجاوَزَ المِيقاتَ كافِرٌ، أو صَبِيٌّ، أو عَبْدٌ، ثم لَزِمَهم؛ بأنْ أسْلَمَ، أو بلَغ، أو عتَق، أحْرَمُوا مِن مَوْضِعِهم مِن غيرِ دَمٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نَصَّ عليه، واخْتارَه جماعَةٌ، منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «القَواعِدِ

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأُصُوليَّةِ»: والمذهبُ، لا دَمَ على الكافِرِ عندَ أبى محمدٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الرِّعايتَيْنِ» ، و «الحاوِيَيْن». قلتُ: فيُعايَى بها. وعنه في الكافِرِ يُسْلِمُ، يُحْرِمُ مِنَ المِيقاتِ. اختارَه أبو بكرٍ، ونَصَرَه القاضى وأصحابُه؛

ص: 120

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنَّه حُرٌّ بالِغٌ عاقِلٌ، كالمُسْلِمِ، وهو مُتَمَكِّنٌ مِنَ المانِعِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويتَخرَّجُ في الصَّبِيِّ والعَبْدِ كذلك. قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِى» ، و «الفائقِ» ، بعدَ ذِكْرِ الرِّوايَةِ: وهما مِثْلُه. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وغيرُه مِثْلُه وأوْلَى. انتهى. قلت: لو قِيل بالدَّمِ عليهما دُونَ الكافرِ والمَجْنونِ، لَكان له وَجْهٌ؛ لصِحَّتِه منهما مِنَ المِيقاتِ، بخِلافِ الكافرِ والمَجْنونِ.

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنَع الزَّرْكَشِىُّ مِنَ التَّخْرِيجِ، وقال: الرِّوايَةُ التى في الكافرِ مَبْنيَّةٌ على أنَّه مُخاطَبٌ بفُروعِ الإِسْلامِ. انتهى. وقال في «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» : وبَنَى بعضُهم الخِلافَ في الكافرِ على أنَّه مُخاطَبٌ بفُروعِ الإِسْلامِ. وعنه، يَلْزَمُ الجميعَ دَمٌ إذا لم يُحْرِمُوا مِنَ المِيقاتِ. وأمَّا المَجْنونُ، إذا أفاقَ بعدَ مُجاوزَةِ المِيقاتِ، فإنَّه يُحْرِمُ مِن مَوْضِعِ إفاقَتِه، ولا دمَ عليه.

فائدة: لو تَجاوَزَ الحُرُّ المُسْلِمُ المُكَلَّفُ المِيقاتَ بلا إحْرامٍ، لم يَلْزَمْه قَضاءُ الإِحْرامِ. ذكَرَه القاضى في «المُجَرَّدِ» . وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . قال في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: لم يَلْزَمْه قَضاءُ الإِحْرام الواجبِ في الأصحِّ. وذكَر القاضى أيضًا وأصحابُه، يقْضِيه، وأنَّ أحمدَ أوْمَأَ إليه، كنَذْرِ الإِحْرامِ.

قوله: إلَّا لقِتَالٍ مُبَاحٍ، أو حاجَةٍ مُتَكَرَّرَةٍ، كالحَطَّابِ. والفَيْجِ، ونَقْلِ المِيرَةِ، والصَّيْدِ، والاحْتِشاشِ، ونحوِ ذلك. وكذا ترَدُّدُ المَكِّىِّ إلى قرْيَتِه

ص: 122

وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ رَجَعَ مُحْرِمًا إِلَى الْمِيقَاتِ.

ــ

بالحِلِّ. ويأْتِى في آخِرِ كتابِ الحُدُودِ، هل يجوزُ القِتالُ بمَكَّةَ؟

قوله: ثم إنْ بَدَا له النُّسُكُ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يَلْزَمُه أنْ يرْجِعَ فيُحْرِمَ مِنَ المِيقاتِ، ولا دَم عليه. وذكَرَها في «الرَّعايَةِ» قوْلًا.

قوله: ومَن جَاوَزَه مُرِيدًا للنُّسُكِ، رجَع فأحْرَمَ منه. يعْنِى، يَلْزَمُه الرُّجوعُ. وهذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ، لكنَّ ذلك مُقَيَّدٌ بما إذا لم يخَفْ فَوْتَ الحَجِّ أو غيره. بلا نِزاعٍ. قال في «الفُروعِ»: وأطْلَقَ في «الرِّعايَةِ» في وُجوبِ الرُّجوعِ وَجْهَين، وظاهِرُ «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّهما بعدَ إحْرامِه، وكلٌّ منهما ضعِيفٌ.

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. قلتُ: قال في «الرِّعايَةِ» : وفى وُجوبِ رُجوعِه مُحِلًّا ليُحْرِمَ منه مع أمْنِ عَدُوٍّ، وفَوْتِ وَقْتِ (1) الحَجِّ، وجَهْان. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: ولا يَلْزَمُه الرُّجوعُ إلى المِيقَاتِ بعدَ إحْرامِه بحالٍ. ذكرَه القاضى. وحكَى ابنُ عَقِيلٍ، أنَّه إنْ لم يخفْ عَدُوًّا ولا فواتًا، لَزِمَه الرُّجوعُ والإِحْرامُ مِنَ المِيقاتِ. انتهى.

تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لو رجَع، فأَحْرَمَ مِنَ المِيقاتِ قبلَ إحْرامِه، أنَّه لا شئَ عليه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع

(1) زيادة من: ش.

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به كثيرٌ منهم. وحُكِىَ وَجْهٌ، عليه دَمٌ.

قوله: فإنْ أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه، فعليه دَمٌ، وإنْ رجَع إلى الميقاتِ. هذا المذهبُ. وجزَم به في «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجِيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهما. وعنه، يسْقُطُ الدَّمُ إنْ رجَع إلى المِيقَاتِ. وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» .

فائدتان؛ إحداهما، الجاهِلُ والنَّاسِى، كالعالمِ العامِدِ، بلا نِزاعٍ. والمُكْرَهُ

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كالمُطِيعِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الرِّعايَةِ» . وقال في «الفُروعِ» : وقاله بعضُ أصحابِنا في المُكْرَهِ. وقال: ويتَوَجَّهُ أنْ لا دمَ على مُكْرَهٍ، أو أنَّه كإتْلافٍ. وقال في «الرِّعايَةِ»: قلتُ: يَحْتَمِلُ أنْ لا يلْزَمُ المُكْرَهَ دَمٌ. الثَّانيةُ، لو أفْسَدَ نُسُكَه هذا، لم يسْقُطْ دمُ المُجاوَزَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه، وعليه الأصحابُ. ونقلَ مُهَنَّا، يسْقُطُ بقَضائِه. وأطْلقَهما في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

ص: 126

وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، وَلَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ [62 ظ] مُحْرِمٌ.

ــ

تنبيه: ظاهرُ قولِه: والاخْتِيارُ أنْ لا يُحْرِمَ قبلَ مِيقَاتِه. أنَّه يجوزُ الإحْرامُ قبلَ المِيقاتِ، لكِنَّه فعَل غيرَ الاخْتِيارِ، فيكونُ مَكْرُوهًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّم في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، الجَوازَ مِن

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرِ كراهةٍ، وأنَّ المُسْتَحَبَّ، مِنَ المِيقاتِ. وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، فيكونُ

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُباحًا. ونَقَل صالِحٌ، إنْ قَوِىَ على ذلك فلا بَأْسَ.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ولا يُحْرِمُ بالحَجِّ قبلَ أشْهُرِه. يعْنِى، أنَّ هذا هو الاخْتِيارُ، فإنْ فعَل

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهو مُحْرِمٌ، لكنْ يُكْرَهُ ويصِحُّ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهَبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. نَقل أبو طالِبٍ وسِنْدِيٌّ، يَلْزَمُه الحَجُّ، إلَّا أنْ يُريدَ فَسْخَه بعُمْرَةٍ، فله ذلك. قال القاضى: بِناءً على أصْلِه في فَسْخِ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ. وعنه، ينْعَقِدُ عُمْرَةً. اخْتارَه الآجُرِّىُّ، وابنُ حامِدٍ. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولعَلَّها أظْهَرُ. وقال: وقد يَنْبَنى الخِلافُ على الخِلافِ في الإِحْرامِ؛ فإنْ قُلْنا: شَرْطٌ. صحَّ كالوُضُوءِ. وإنْ قُلْنا: رُكْنٌ. لم يصِحَّ. وقد يُقالُ على القوْلِ بالشَّرْطِيَّةِ: لا يصِحُّ أيضًا. انتهى. ونقَل عَبْدُ اللهِ، يجْعَلُه عُمْرَةً. ذكَره القاضى مُوافِقًا للأوَّلِ. قال في «الفُروعِ»: ولعَلَّه أرادَ، إنْ صرَفَه إلى عُمْرَةٍ، أجْزَأَ عنها، وإلَّا تحَلَّلَ بعَمَلِها ولا يُجْزِئُ عنها،

ص: 131

وَأَشْهُرُ الْحَجِّ؛ شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ.

ــ

وقولُ: يتَحَلَّلُ بعَمَلِها، ولا يُجْزِئُ عنها. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، يُكْرَهُ. قال القاضى: أرادَ كراهَةَ تَنْزِيهٍ. وذكَر ابنُ شِهَابٍ العُكْبَرِىُّ رِوايَةً، لا يجوزُ.

قوله: وأشْهُرُ الحَجِّ؛ شَوَّالٌ، وذُو القَعْدةِ، وعَشْرٌ مِن ذِى الحِجَّةِ. فيكونُ يومُ النَّحْرِ مِن أشْهُرِ الحَجِّ، وهو يَوْمُ الحَجِّ الأكْبرِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. واخْتارَ الآجُرِّىُّ، آخِرُه ليْلَةُ النَّحْرِ. واخْتارَ ابنُ هُبَيْرَةَ، أنَّ أشْهُرَ الحَجِّ؛ شَوَّالٌ، وذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ كامِلًا. وهو مذهَبُ مالِكٍ.

فائدة: الصَّحيحُ، أنَّ فائدةَ الخِلافِ تعَلُّقُ الحِنْثِ به. وقالَه القاضى. وهو مذهبُ الحَنَفِيَّةِ. وجزَم به في «الفُروعِ». وقال: يتَوجَّهُ أنَّه جَوازُ الإِحْرامِ فيها، على خِلافٍ سبَق. وهو مذهَبُ الشَّافِعِىِّ. وعندَ مالِكٍ، فائدةُ الخِلافِ تعَلُّقُ

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدَّمِ بتَأْخيرِ طَوافِ الزِّيارَةِ عنها. وقال المُتَوَلِّى (1)، مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لا فائدةَ فيه

(1) هو عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابورى المتولى، أبو سعد، الإمام العلامة شيخ الشافعية، له كتاب «التتمة» ، وكتاب كبير في الخلاف. توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء 18/ 585، 586.

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلَّا في كراهَةِ العُمْرَةِ عندَ مالِكٍ فيها. ونقَل فى «الفَائقِ» عن ابنِ الجَوْزِيِّ، أنَّه قال: فائدةُ الخِلافِ خُروجُ وَقْتِ الفَضِيلَة بتَأْخيرِ طَوافِ الزِّيارةِ عنِ اليومِ العاشِرِ، ولُزومُ الدَّمِ في إحْدَى الرِّوايتَيْن. وتأْتِى أحْكامُ العُمْرَةِ في صِفَةِ العُمْرَةِ.

ص: 134