المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ

‌بَابُ الْإِحْرَامِ

يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ، وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ؛ إِزَارًا وَرِدَاءً.

ــ

بابُ الإِحْرامِ

فائدتان؛ إحداهما، الإِحْرامُ؛ هو نِيَّةُ النُّسُكِ. وهى كافِيَةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وذكَر أبو الخَطَّابِ في «الانْتِصَارِ» رِوايَةً، أنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ كافِيَةٌ مع التَّلْبِيَةِ، أو سَوْقِ الهَدْىِ. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّانيةُ، لو أحْرَمَ حالَ وَطْئِه، انْعقَدَ إحْرامُه. صرَّح به المَجْدُ، [وقطَع به ابنُ عقيلٍ](1). وقال بعضُ الأصحابِ، في البَيْعِ الفاسِدِ: لا يجِبُ المُضِيُّ فيه. فدَلَّ على أنَّه لا ينْعَقِدُ، فيكونُ باطِلًا. ذكرَه في «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الأُصُوليَّةِ» . وتقدَّم في أوَّل كتابِ المنَاسِكِ، هل يَبْطُلُ الإِحْرامُ بالإِغْماءِ والجُنونِ؟.

تنبيه: شمِلَ قولُه: يُسْتَحَبُّ لمن أرادَ الإِحْرامَ أنْ يَغْتَسِلَ. الحائضَ والنُّفَساءَ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 135

وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ

ــ

وهو صحيحٌ، بلا نِزاعٍ. وتقدَّم ذلك.

فائدة: إذا لم يَجِدْ ماءً، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، ونقَله صالِحٌ، أنَّه يَتَيَمَّمُ.

ص: 136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «الفُروعِ» ، في بابِ الغُسْلِ: ويَتَيَمَّمُ في الأصحِّ لحاجَةٍ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : تَيمَّم في الأَشْهَرِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الإفادَاتِ» ، و «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ». واخْتارَه الفاضى وغيرُه. وقيل: لا يُسْتَحَبُّ له التَّيَمُّمُ. اخْتارَه

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفَائقِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «التَّلْخِيصِ» ، و «الحاوَيَيْن» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .

قوله: ويَتَطَّيَّبُ. يعْنِى، في بدَنِه، وسَواءٌ كان له جُرْمٌ أوْ لا. فأمَّا تَطْيِيبُ ثَوْبِه،

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه يُكْرَهُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال الآجُرِّىُّ: يحْرُمُ. وقيل: تَطْيِيبُ ثَوْبِه كتَطْيِيبِ بدَنِه. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. قال

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِىُّ: قد شَمِلَه كلامُ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. ويأْتِى، هل له اسْتِدامَةُ ذلك؟

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهل تجِبُ الفِدْيَةُ به؟ في آخِرِ بابِ الفِدْيَةِ، عندَ قوْلِه: وليس له لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ.

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، قوله: ويَلْبَسُ ثَوْبَيْن أبْيَضَيْن نَظيفَيْن؛ إزَارًا ورِدَاءً. فالرِّداءُ يضَعُه على كَتِفَيْه، والإِزَارُ في وَسَطِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَر الحَلْوَانِىُّ في «التَّبصِرَةِ» ، إخْراجُ كَتِفِه الأيْمَنِ مِنَ الرِّداءِ أوْلَى. الثَّانيةُ، يجوزُ إحْرامُه في

ص: 142

وَيُصَلِّىَ رَكْعَتَيْنِ، وَيُحْرِمَ عَقِيبَهُمَا.

ــ

ثَوْبٍ واحدٍ. قال في «التَّبْصِرَةِ» : بعضُه على عاتِقِه.

قوله: ويُصَلِّى رَكْعَتَيْن، ويُحْرِمُ عَقِيبَهما. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُسْتَحَبُّ أنْ يُحْرِمَ عَقيبَ صلاةٍ؛ إمَّا مَكْتُوبَةٍ أو نَفْلٍ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يُسْتَحَبُّ أنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ مكْتُوبَةٍ فقط، وإذا رَكِبَ وإذا سارَ سواءٌ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّه يُسْتَحَبُّ أنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ فَرْضٍ إنْ كان وَقْتَه، وإلَّا فليس للإِحْرامِ صلاةٌ تخُصُّه.

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لا يُصَلِّى الرَّكْعتَيْن في وَقْتِ نَهْىٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ فيه الخلافُ الذى في صَلاةِ الاسْتِسْقاءِ في وَقْتِ النَّهْىِ، وقد مَرَّ، ولا يُصَلِّيهما أيضًا مَن عَدِمَ الماءَ والتُّرابَ.

ص: 144

وَيَنوِى الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ،

ــ

تنبيهان؛ الأوَّلُ، قوله: ويَنْوِى الإحْرامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، ولا يَنْعَقِدُ إلَّا بالنِّيَّةِ.

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال ابن مُنَجَّى: إنْ قيل: الإِحْرامُ ما هو؟ فإنْ قيلَ: النِّيَّةُ. قيلَ: فكيفَ ينْوِى

ص: 146

وَيَشْتَرِطُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِى، فَيَسِّرْهُ لِى،

ــ

النِّيَّةَ، ونِيَّةُ النِّيَّةِ لا تجِبُ؛ لِمَا فيه مِنَ التَّسَلْسُلِ؟ وإنْ قيلَ: التَّجَرُّدُ. فالتَّجَرُّدُ ليس رُكْنًا في الحَجِّ، ولا شَرْطًا وِفاقًا، والإِحْرامُ، قيلَ: إنَّه أحدُهما. فالجَوابُ، أنَّ الإِحْرامَ النِّيَّةُ، والتَّجَرُّدَ هيْئَةٌ لها. والنِّيَّةُ لا تجِبُ لها النِّيَّةُ. وقوْلُ المُصَنِّفِ هنا: ويَنْوِى الِإحْرامَ بنُسُكٍ مُعَيَّن. مَعْناه، يَنْوِى بنِيَّيِه نُسُكًا مُعَيَّنًا. والأشْبَهُ، أنَّه شرْطٌ، كما ذهَب إليه بعضُ أصحابِنا؛ كنِيَّةِ الوُضوءِ. انتهى. الثَّانِى، ظاهرُ قوْلِه: ويَشْتَرِطُ -أى يُسْتَحَبُّ- فيقولُ: اللَّهُمَّ إنِّى أُرِيدُ النُّسُكَ الفُلَانِىَّ. إلى آخرِه،

ص: 147

وَتَقَبَّلْهُ مِنِّى، فَإِنْ حَبَسَنِى حَابِسٌ، فَمَحِلِّى حَيْثُ حَبَسْتَنِى.

ــ

أنَّه يقولُ ذلك بلِسَانِه، أو ما في مِعْناه. وهو صحيحٌ، فلا يَصِحُّ الاشْتِراطُ بقَلْبِه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل:

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصِحُّ؛ لأنَّه تابعٌ للإِحرْامِ، وينَعَقِدُ بالنِّيَّةِ. فكذا الاشْتِراطُ. وهما احْتِمالَان مُطْلَقان فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» (1)، و «الزَّرْكَشِى» (1). واسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّين الاشْتِراطَ للخائفِ فقط. ونَقل أبو داوُدَ، إنِ اشْترَطَ فلا بأْسَ.

فائدة: الاشْتِراطُ يُفيدُ شَيْئَيْن؛ أحدُهما، إذا عاقَه عَدُوٌّ، أو مرَضٌ، أو ذَهابُ

ص: 149

وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالإفْرَادِ وَالْقِرَانِ،

ــ

نَفقَةٍ، أو نحوُه، جازَ له التَّحْلُّلُ. الثَّاني، لا شئَ عليه بالتَّحَلُّلِ. وصرَّح المُصَنِّفُ بذلك فى آخِرِ بابِ الفَواتِ والإِحْصارِ، لكنَّ قوْلَنا: جازَ له التَّحَلُّلُ. هو المذهبُ، وعليه الأكثرُ؛ منهم القاضى، وأبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وقال الزَّرْكَشِىُّ: ظاهرُ كلامِ الخِرَقِى، وصاحِبِ «التَّلْخِيصِ» ، وأبى البَرَكاتِ، أنَّه يَحِلُّ بمُجَرَّدِ الحَصْرِ. وهو ظاهِرُ الحديثِ.

ص: 150

وَأفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإفْرَادُ. وَعَنْهُ، إنْ سَاقَ الْهَدْىَ، فَالْقِرَانُ أفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ.

ــ

قوله: وأفْضَلُها التَّمَتُّعُ، ثم الإِفْرادُ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه مِرارًا كثيرةً، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى رِوايَةِ عَبْدِ اللهِ، وصالحٍ: يَخْتارُ المُتْعَةَ؛ لأنَّه آخِرُ ما أمرَ به النَّبِىُّ - صلي الله عليه وسلم -. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، إنْ ساقَ الهَدْىَ،

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالقِرانُ أفْضَلُ، ثم التَّمَتُّعُ. روَاها المَرُّوذِىُّ. واخْتارَها الشَّيْخُ تَقِىُّ الدينِ. وقال: هو المذهبُ. وقال: إنِ اعْتَمَرَ وحَجَّ فى سَفْرَتَيْن، أو اعْتمَرَ قبلَ أشْهُرِ الحَجِّ، فالإفْرادُ أفْضَلُ باتِّفاقِ الأئمَّةِ الأرْبعَةِ. ونصَّ عليه أحمدُ فى الصُّورَةِ الأُولَى. وذكرَه

ص: 152

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضى فى «الخِلَافِ» وغيرِه. وهى أفْضَلُ مِنَ الثَّانيةِ. نصَّ عليه. واخْتارَه

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صاحِبُ «الفائقِ» فى الصُّورَةِ الأُولَى.

ص: 154

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: اخْتلَفَ العُلَماءُ فى حَجَّةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، بحَسَبِ المذاهبِ، حتى اخْتلَفَ كلامُ القاضى وغيرِه؛ هل حَلَّ مِن عُمْرَتِه؟ فيه وَجْهان. فال فى «الفُروعِ»: والأظْهَرُ قوْلُ أحمدَ: لا أشُكُّ أنَّه كان قارِنًا، والمُتْعَةُ أحَبُّ إلَىَّ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّينِ: وعليه مُتَقَدِّمُو أصحابِه.

ص: 156

وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ؛ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِى أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَفْرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا فِى عَامِهِ. وَالإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ. وَلَوْ أحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا.

ــ

قوله: وصِفَةُ التَّمَتُّعِ؛ أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ فى أشْهُرِ الحَجِّ. هذا هو الصَّحيحُ.

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نصَّ عليه. وجزَم به الخِرَقِىُّ، وفى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم. وقال بعضُ الأصحابِ: هو أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ. وأطْلَقَ، منهم صاحِبُ «المُبْهِجِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقطَع جماعةٌ، أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ مِن مِيقاتِ بلَدِه، وأطْلَقوا، منهم المُصَنِّفُ فى «الكَافِى» ، وابنُ عَقيلٍ فى «تَذْكِرَتِه». قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُهم فى أشْهُرِ الحَجِّ.

قوله: ويفْرَغَ منها. هكذا قال الأصحابُ. قال فى «الفُروعِ» : قال الأصحابُ: ويفْرَغُ منها. قلتُ: جزَم به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «التَّذْكِرَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الكَافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الخِرَقِىِّ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الوَجِيزِ» ، وغيرِهم. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: ويتَحلَّلُ. وقال الزَّرْكَشِى: وصِفَةُ التَّمَتُّعِ، أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ فى أشْهُرِ الحَجِّ، ثم يَحُجَّ مِن عامِه. قال: وقد أشارَ الشَّيْخان إلى ذلك؛ فقالا: حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ ذلك، قال: ولا يَغُرَّنَّكَ ما وَقعَ فى كلامِ أبى محمدٍ وغيرِه، مِن أنَّ التَّمَتُّعَ؛ أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ فى أشْهُرِ الحَجِّ، ويَفرَغَ منها، ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن مَكَّةَ، إلى آخرِه؛ فإنَّ هذا التَّمَتُّعَ المُوجِبُ للدَّمِ، ومِن هنا قُلْنا:

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنَّ تَمَتُّعَ حاضِرِ المَسْجدِ الحَرامِ صحيحٌ على المذهبِ. انتهى. وقال فى «المُحَرَّرِ» : فالتَّمَتُّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ قبلَ الحَجِّ فى أشْهُرِه. وتَبِعَه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ». ولم يقُولُوا: ويَفْرَغُ منها. ويأْتِى أيضًا فى شُروطِ وُجوبِ الدَّمِ على التَّمَتُّعِ، هل النيةُ شَرْط فى التَّمَتُّع أم لا؟. قلتُ: ما قالَه الزَّرْكَشِىُّ لا يَرُدُّ على كلامِ الأصحابِ فى قوْلِهم: ويَفْرَغُ منها. إذِ الفَراغُ لابدَّ منه على كلِّ مُتَمَتِّع، سواءٌ كان آفاقِيًّا أو مَكِّيًّا؛ إذْ لو أحْرَمَ بالحَجِّ قبلَ فَراغِ العُمْرَةِ لَكانَ قارِنًا، والقارِنُ لا دَمَ عليه لأجْلِ تَمَتُّعِه؛ لأنَّه انْتقَلَ عنِ التَّمَتُّعِ إلى القِرانِ، فلذلك أوْجَبْنا عليه دَمَ القِرانِ، كما يأْتِى فى شُروطِ وُجوبِ الدَّمِ على المُتَمَتِّعِ، وقالَه هو فى الشروطِ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» . ولا يَلْزَمُ ممَّا ادَّعاه عدَمُ صِحَّةِ عُمْرَةِ المَكِّىِّ، فإنَّ إلأصحابَ قالُوا: يَفْرَغُ منها. وقالُوا: يصِحُّ تَمَتعُ المَكِّىِّ. فإذا تَمَتَّعَ المَكِّىُّ وأحْرَمَ بالعُمْرَةِ، فلابُدَّ مِن فَراغِه منها، وإلَّا صارَ قارِنًا. فلا سَبِيلَ إلى التَّمَتُّعِ إلَّا بفَراغِهِ مِنَ العُمْرَةِ. وظاهِرُ كلامِ الزَّرْكَشِىِّ، أنَّه لا يُشْتَرطُ ذلك للمَكِّىِّ. وليس الأمرُ كذلك. ويأْتِى فى آخرِ بابِ دُخولِ مَكَّةَ، هل يحِلُّ المُتَمَتِّعُ إذا فرَغ مِنَ العُمْرَةِ ولم يَسُقِ الهَدْىَ إذا كان مُلبِّدًا أم لا؟ [ويأْتِى أيضًا فى شُروطِ وُجوبِ الدَّمِ على المُتَمَتِّعِ، هل النِّيَّةُ شَرْطٌ فى التَّمَتُّعِ أم لا؟](1)

قوله: ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن مَكَّةَ، أو مِن قَرِيبٍ منها فى عامِه. هكذا زادَ جماعةٌ؛

(1) زيادة من: ش.

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منهم صاحِبُ «الفَائقِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . ونقَلَه حَرْبٌ، وأبو داودَ، يعْنِى أنَّهم قالوا: مِن مكَّةَ أو مِن قَريب منها. ومنهم صاحبُ «الوَجيزِ» ، لكنْ قَيَّدَ القُرْبَ بالحَرَمِ. والذى عليه أُ كثرُ الأصحابِ، أنَّه يُحْرِمُ فى عامِه، ولم يقُولُوا: مِن مَكَّةَ. ولا: مِن قَريب منها. ونسَبه فى «الفُروعِ» إلى الأصحابِ؛ منهم صاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» . وزادَ بعضُ الأصحابِ، فقال: يُحْرِمُ فى عامِه مِن مكَّةَ. ولم يذْكُرْ، قرِيبًا منها. منهم صاحِبُ «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الكَافِى» ، وابنُ عَقِيل فى «تَذْكِرَتِه» .

قوله: والإفْرَادُ، أنْ يُحْرِمَ بالحَجِّ مُفْرَدًا. وهذا بلا نِزاع، ولكنْ يعْتَمِرُ بعدَ ذلك. ذكَرَه جماعة مِنَ الأصحابِ، وأطْلَقوا، منهم صاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ». وقدَّمه فى «الفُروعِ». قال جماعة: يُحْرِمُ بالحَجِّ مِنَ المِيقاتِ، ثم يُحْرِمُ بالعُمْرَةِ مِن أدْنَى الحِلِّ. قال فى «الفَائقِ»: هو أنْ يَحُجَّ ثم يَعْتَمِرَ مِن أدْنَى الحِلِّ. وكذا فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قال ابنُ عَقِيلٍ فى «تَذْكِرَتِه»: والإفْرادُ، أنْ يحْرِمَ بالحَجِّ مِنَ المِيقاتِ. زادَ بعضُهم على ذلك، وعنه، بل يُحْرِمُ بالعُمْرَةِ مِنَ المِيقاتِ، وهو صاحِبُ «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه: الإفْرادُ، أنْ لا يأْتِىَ فى أشْهُرِ الحَجِّ بغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ:

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو أجْوَدُ. قال القاضى وغيرُه: ولو تحَلَّلَ منه فى يَوْمِ النَّحْرِ، ثم أحْرَمَ فيه بعُمْرَةٍ، فليس بمُتَمَتعٍ، فى ظاهرِ ما نقَله ابنُ هانِىٌ؛، ليس على مُعْتَمِر بعدَ الحَجِّ هَدْىٌ؛ لأنَّه فى حُكْمِ ما ليس مِن أشْهُرِه، بدَليلِ فَوْتِ الحَجِّ فيه. وقالَه ابنُ عَقِيلٍ فى «مُفْرَدَاتِه» . قال فى «الفُروعِ» ؛ فدَلَّ أنَّه لو أحْرَمَ بعدَ تَحلُّلِه مِنَ الأوَّلِ، صحَّ. وقال فى «الفُصُولِ»: الإفْرادُ، أنْ يُحْرِمَ فى أشْهُرِه، فإذا تحَلَّلَ منه، أحْرَمَ بالعُمْرَةِ مِن أدْنَى الحِلِّ.

قوله: والقِرَانُ، أنْ يُحْرِمَ بهما جَمِيعًا. هكذا أطْلَقَ جماعةٌ، منهم صاحِبُ «المُبْهِجِ» ، و «المُحَرَّرِ». قال فى «الخُلَاصَةِ»: والقِرَانُ، أنْ يجْمعَ بينَهما فى مُدَّةِ الإحْرامِ. وقال آخَرُون: يُحْرِمُ بهما جميعًا مِنَ المِيقاتِ؛ منهم صاحِبُ «الهِدَايَةِ» ، وابنُ عَقيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» .

قوله: أو يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ، ثم يُدْخِلَ عليها الحَجَّ. أطْلَقَ ذلك أكثرُ الأصحابِ. وقال بعضُ الأصحابِ: مِن مَكَّةَ، أو قُرْبِها.

فائدتان؛ إحْداهما، لا يُعْتَبرُ لصِحَّةِ إدْخالِ الحَجِّ على العُمْرَةِ الإِحْرامُ به فى أشْهُرِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيلَ: يُعْتَبرُ ذلك. الثَّانيةُ، لو شرَع فى طَوافِ العُمْرَةِ، لم يصِحَّ إدْخالُ الحَجِّ عليها، كما لو سَعَي، إلَّا لمَن معه هَدْيٌ، فإنَّه يصِحُّ ويصِيرُ قارِنًا، بِناءً على المذهبِ، مِن أنَّ مَن معه الهَدْىُ لا يجوزُ له التَّحَلُّلُ.

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنفِ، أنَّه يُسْتَحَبُّ أنْ ينْطِقَ بما أحْرَمَ به مِن عُمْرَةٍ أو حَجٍّ أو هما. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به فى «الهِدَايَةِ» . وعن أبى الخَطَّابِ، لا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أحْرَمَ به. نقَله الزَّرْكَشِىُّ.

قوله: ولو أحْرَمَ بالحَجِّ، ثم أدْخَلَ عليه العُمْرةَ، لم يَصِحَّ إحْرامُه بها. ولم يَصرْ قارِنًا. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، بِناءً على أنَّه يَلْزَمُه بالإحْرامِ الثَّانى شئٌ، وفيه خِلافٌ. وقيل: يجوزُ إدْخالُ العُمْرَةِ على الحَجِّ ضَرُورَةً. فعلى المذهبِ، يُسْتَحَبُّ أنْ يرْفُضَها لتَأكُّدِ الحَجَّ بفِعْلِ بعضِه، وعليه لرَفْضِها دَمٌ ويَقْضِيَها.

فائدة: مذهبُ الإِمامِ أحمدَ، وأكثرِ أصحابِه، أنَّ عمَلَ القَارِنِ كالمُفْرِدِ فى الإِجْزاءِ. نقَلَه الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ. ويسْقُطُ تَرْتيبُ العُمْرَةِ، ويَصِيرُ التَّرْتيبُ للحَجِّ كما يتَأخَّرُ الحِلَاقُ إلى يَوْمِ النَّحْرِ، فوَطْوه قبلَ طَوافِه لا يُفْسِدُ عُمْرَتَه. قال الزَّرْكَشِىُّ: هو المذهبُ المُخْتارُ للأصحابِ. وعنه، على القَارِنِ طَوافَان وسَعْيَان. وعنه، على القَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ. اخْتارَها أبو بَكْر، وأبو حَفْص، لعدَمِ طَوافِها. ويأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخِرِ صِفَةِ الحَجِّ، أنّ عُمْرَةَ القَارِنِ تُجْزِيُ عن عُمْرَةِ الإسْلامِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. فعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، يُقَدِّمُ القَارِنُ فِعْلَ العُمْرَةِ على فِعْلِ الحَجَّ، كمُتَمَتِّعٍ ساقَ هَدْيًا، فلو وقَف بعَرَفَةَ قبلَ طَوافِه وسَعْيِه لها،

ص: 167

وَيَجِبُ عَلىَ الْمُتَمتِّعِ وَالْقَارِنِ [63 و] دَمُ نُسُكٍ، إذَا لَم يَكُونَا مِن حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَهُمْ أهْلُ مَكَّةَ، وَمَنْ كَان مِنْهَا دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ.

ــ

فقيلَ: تَنْتَقِضُ عُمْرَتُه ويصيرُ مُفْرِدًا بالحَجِّ، يُتمُّه ثم يَعْتَمِرُ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: لا تَنْتَقِضُ عُمْرَتُه، فإذا رَمَى الجَمْرَةَ، طافَ لها ثم سعَى، ثم طافَ للحَجِّ ثم سعَى. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ويأْتى، هل للقِرانِ (1) إحْرامَان أو إحْرامٌ واحِدٌ؟ فى آخِرِ بابِ الفِدْيَةِ قبلَ قوْلِه: وكلُّ هَدْي أو إطْعام فهو لمَساكِينِ الحَرَم.

قولَه: ويَجِبُ على القارِنِ والمُتَمَتعِ دَمُ نُسُك. فالواجِبُ عليهما دَمُ نُسُكٍ، لا دَمُ جُبْرانٍ. أمَّا القَارِنُ، فيَلْزَمُه دَمٌ،؛ قال المُصَنّفُ، وهو المذهبُ. نصَّ عليه،

(1) فى الأصل، ط:«القران» .

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. ونَقل بَكْرُ بنُ محمدٍ، عليه هَدْيٌ، وليس كالمُتَمَتِّعِ، إنَّ اللهّ أَوْجَبَ على المُتَمَتِّعِ هَدْيًا فى كِتابِه، والقَارِنُ إنَما رُوِىَ أنَّ عمرَ قال للصُّبَىِّ: اذْبَحْ تَيْسًا. وسألَه ابنُ مُشَيْش، القارِنُ يجِبُ عليه الدَّمُ وُجوبًا؟ فقال.: كيفَ يجِبُ عليه وُجوبًا؟ وإنَّما شَبَّهُوه بالمُتَمَتِّعِ. قال فى «الفُروعِ» : فيَتَوجَّهُ منه رِوايَةٌ؛ لا يَلْزَمُه دمٌ. فعلى المذهبِ، يكونُ الدَّمُ دَمَ نُسُكٍ،؛ قال المُصَنِّفُ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال فى «المُبْهِجِ» ، و «عُيُونِ المَسَائِل»: ليس بدَمِ نُسُكٍ. يَعْنِيان، بل دَمُ جُبْرانٍ.

فائدة: لا يَلْزَمُ الدَّمُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ.؛ قال المُصَنِّفُ. وقالَه فى

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» وغيرِه. وقال: والقِياسُ، أنَّه لا يَلْزَمُ مَن سافرَ سفَرَ قَصْرٍ أو إلى المِيقاتِ، إنْ قُلْنا به، كظاهِر مذهَبِ الشَّافِعِىِّ، وكلامُهم يَقْتَضِى لزُومَه؛ لأنَّ اسْمَ القِرَانِ باقٍ بعدَ السَّفَرِ، بخِلافِ التَّمَتُّعِ. انتهى. وأمَّا المُتَمَتِّعُ، فيَجِبُ الدَّمُ عليه بسَبْعَةِ شُروطٍ؛ أحدُها، ماذكَرَه المُصَنِّفُ هنا، وهو إذا لم يكُنْ مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، وهذا شَرْطٌ فى وُجوبِه إجْماعًا. وفسَّرَ المُصَنِّفُ حاضِرِى

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَسْجِدِ الحرَامِ؛ أنَهم أهْلُ مَكَةَ، ومَن كان منها دونَ مَسافَةِ القَصْرِ. فظاهِرُه، أنَّ ابْتِداءَ مَسافَةِ القَصْرِ مِن نفْسِ مَكَّةَ. وهو اخْتِيارُ بعضِ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الشًرْحِ» ، وصاحِبُ «التَّلْخِيصِ». وقالَه الإمامُ أحمدُ. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ مُنَجَّى فى «شَرْحِه». وقيلَ: أوَّلُ مسافَةِ القَصْرِ مِن آخِرِ الحَرَمِ. وهو المذهبُ. وذكرَه ابنُ هُبَيْرَةَ قوْلَ أحمدَ. وجزَم به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» .

فوائد؛ الأُولَى، مَن له مَنْزِلٌ قريبُ دونَ مَسافَةِ القَصْرِ، ومنْزِلٌ بعيدٌ فوقَ مَسافَةِ القَصْرِ، لم يَلْزَمْه دمٌ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ؛ لأنَ بعضَ أهْلِه مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، فلم يُوجَدِ الشَرْطُ، وله أنْ يُحْرِمَ مِنَ القَريبِ. واعْتَبرَ القاضى فى «المُجَردِ» ، وابنُ عَقِيل فى «الفُصُول» ، إقامتَه أكثرَ بنَفْسِه، ثم بمالِه، ثم ببَنِيه (1)، ثم الذى أحْرَمَ منه. الثَّانيةُ، لو دخَل آفاقِىٌّ مَكَّةَ، مُتَمَتِّعًا ناوِيًا الإِقامةَ بها

(1) فى ط: «بنيته» .

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدَ فَراغِ نُسُكِه، أو نوَاها بعدَ فَراغِه منه، فعليه دَمٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحاب. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا، وحُكِىَ وَجْهٌ، لا دَمَ عليه. الثَّالثةُ، لو اسْتَوْطنَ آفَاقِى مَكَّةَ، فهو مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ. الرَّابعةُ، لو اسْتَوْطَنَ مَكِّىٌّ الشَّامَ أو غيرَها، ثم عادَ مُقيمًا مُتَمَتِّعًا، لَزِمَه الدَّمُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال فى «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصُولِ»: لادَمَ عليه، كسَفَرِ غيرِ مَكِّىٍّ ثم عَوْدِه. الشَّرْطُ الثَّانى، أنْ يَعْتَمِرَ فى أشْهُرِ الحَج. قال الإِمامُ أحمدُ: عُمْرَتُه فى الشَّهْرِ الذْى أهَلَّ. والاعْتِبارُ عندَنا بالشَّهْرِ الذى أحْرَمَ فيه لا بالشَّهْرِ الذى حَلَّ فيه؛ فلو أحْرَمَ بالعُمْرَةِ فى رَمَضانَ، ثم حَلَّ فى شَوَّالٍ، لم يكُنْ مُتَمَتِّعًا. نصَّ عليه فى رِوايَةِ جماعةٍ. الشَّرْطُ الثَّالثُ، أنْ يَحُجَّ مِن عامِه. الشَّرْطُ الرَّابعُ، أن لا يُسافِرَ بين العُمْرَةِ والحَجِّ، فإنْ سافرَ مسَافَةَ قَصْرٍ فأكْثَرَ - أطْلَقه جماعةٌ، منهم المُصَنِّفُ،

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحُ. قال فى «الفُروعِ» : ولعَلَّ مُرادَهم، فأَحْرَمَ - فلا دَمَ عليه. نصَّ عليه. وجزَم به ابنُ عَقِيلٍ فى «التذْكِرَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، وقالا: ولم يُحْرِمْ به مِن مِيقَاتٍ، أو يُسافِرْ سَفَرَ قَصْرٍ. وقال فى «الفُصُولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ»: ولا يُحْرِمُ بالحَجِّ مِنَ المِيقاتِ، فإنْ أحْرَمَ به مِنَ المِيقاتِ، فلا دَمَ عليه. ونصَّ عليه أحمدُ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وحمَلَه القاضى علي أنَّ بينَه وبينَ مَكَّةَ مَسافَةَ قَصْرٍ وقال ابنُ عَقِيلٍ:

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو رِوايَةٌ. وقال فى «التَّرْغِيبِ» ، و «التَّلْخِيصِ»: إنْ سافرَ إليه فأحْرَمَ به، فوَجْهان. ويَظْهَرُ أثَرُ هذا الخِلافِ فى «قَرْنٍ» مِيقاتِ أهْلِ نَجْدٍ؛ فإنَّه أقَلُّ ممَّا يُقْصَرُ فيه الصَّلاةُ، أمَّا ما عدَاه، فإنَّ بينها وبينَ مَكَّةَ مسافةَ قَصْرٍ، على ظاهرِ ما قالَه الزَّرْكَشِىُّ فى المَواقِيتِ. وتقدَّم قوْلٌ، إن أقْرَبَها ذاتُ عِرقٍ. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ؛ يَلْزَمُه دَمٌ (1) وإنْ رجَع. الشَّرْطُ الخامسُ، أنْ يَحِلَّ مِنَ العُمْرَةِ قبلَ إحْرامِه بالحَجِّ، بحِلِّ أوَّلًا، فإنْ أحْرَمَ به قبلَ حِلِّه منها، صارَ قارِنًا. الشَّرْطُ السَّادسُ، أنَّ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ مِنَ المِيقاتِ. ذكَرَه أبو الفَرَجِ، والحَلْوَانِىُّ. وجزَم به ابنُ عَقِيل فى «التَّذْكِرَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال القاضى، وابنُ عَقِيل، وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ،.

(1) زيادة من: ش

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرعايَةِ» ، وغيرِهم: إنْ بَقِىَ بينَه وبينَ مَكَّةَ مَسافَةُ (1) قَصْرٍ، فأحْرَمَ منه، لم يَلْزَمْه دَمُ المُتْعَةِ، لأنَّه مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، بل دَمُ المُجاوَزَةِ. واخْتارَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، أنَّه إذا أحْرَمَ بالعُمْرَةِ مِن دُونِ المِيقاتِ، يَلْزَمُه دَمان؛ دَمُ المُتْعَةِ، ودَم لإحرامه من دُونِ المِيقاتِ؛ لأنَّه لم يُقِمْ ولم يَنْوِها به، وليس بساكِن، ورَدُّوا ما قالَه القاضى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ولو أحْرَمَ الآفَاقِىُّ بعُمْرَةٍ فى غيرِ أشْهُرِ الحَجَّ، ثم أقامَ بمَكَّةَ، واعْتَمَر مِنَ التَّنْعِيمِ فى أشْهُرِ الحَجِّ، وحجَّ مِن عامِه، فهو مُتَمَتِّع، نصَّ عليه، وعليه دَمٌ. قالَا: وفى نَصِّه على هذه الصُّورَةِ تَنْبِيه على إيجابِ الدَّمِ فى الصُّورَةِ الأولَى بطرَيقِ الأوْلَى. الشَّرْطُ

(1) كذا بالنسخ، وفى الفروع:«دون مسافة» .

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السَّابعُ، نِيَّةُ التَّمَتُّعِ فى ابْتِداءِ العُمْرَةِ أو فى أثْنائِها. قالَه القاضى، وأكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ذكرَه القاضى، وتَبِعَه الأكثرُ. قلتُ: جزَم به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخِيصِ». قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويَنْوِى فى الأصحِّ. وقال فى «الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن»: ويَنْوِى فى الأظْهَرِ. وقيل: لا تشْترَطُ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ. اخْتارَه المُصنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفَائقِ» .

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فؤائد؛ إحداها، لا يُعْتَبرُ وُقوعُ النُّسُكَيْن عن واحدٍ. ذكَرَه بعضُ الأصحابِ، منهم المُصَنِّف، والمَجْدُ. قالَه الزَّرْكَشِى، واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» . فلو اعْتَمَرَ لنَفْسِه، وحَجَّ عن غيرِه، أو عكْسُه، أو فعَل ذلك عنِ اثْنَيْن، كان عليه دَمُ المُتْعَةِ. وقال فى «التَّلْخِيصِ» فى الشَّرْطِ الثَّالثِ: أنْ يكون النُّسُكان عنِ شَخْص واحدٍ، إمَّا عن نفْسِه أو غيرِه، فإنْ كان عن شَخْصَيْن، فلا تَمَتُّعَ؛ لأنَّه لم يَخْتَلِفْ أصحابُنا، أنَّه لابُدَّ مِنَ الإحْرامِ بالنُّسُكِ الثَّانى مِنَ المِيقاتِ، إذا كان

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن غيرِ الأوَّلِ والمُصَنِّفُ يُخالِفُ صاحِبَ «التَّلْخِيصِ» فى الأصْلَيْن اللَّذَيْن بنَى عليهما. والمَجْدُ يُوافِقُه فى الأصْلِ الثَّانى، وظاهِرُ كلامِه مُخالَفَتُه فى الأوَّلِ. الثَّانيةُ، لا تُعْتَبرُ هذه الشُّروطُ - فى كَوْنِه مُتَمَتِّعًا، على الصَّحيحِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: ومَعْنَى كلامِ الشَّيْخِ، يعْنِى به المُصَنِّفَ، يُعْتَبَرُ. وجزَم به فى «الرعايَةِ» - إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ، فإن المُتْعَةَ تصِحُّ مِنَ المَكِّىِّ، كغيرِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونقَله الجماعَةُ عن أحمدَ، كالإفْرادِ. ونقلَ المَرُّوذِيُّ، ليس لأهْلِ مَكَّةَ مُتْعَة. قال القاضى، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم: مَعْناه، ليس عليهم دَمُ مُتْعَةٍ. وقال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: قد يقالُ: إنَّ هذا مِنَ الإِمامِ أحمدَ بِناءً على أنَّ العُمْرَةَ لا تجِبُ عليهم، فلا مُتْعَةَ عليهم، أىِ الحَجُّ كافِيهم؛ لعدَمِ وُجوبِها عليهم، فلا حاجةَ لهم إليها. انتهى. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً، لا تصِحُّ المُتْعَةُ منهم. قال ابنُ أبى مُوسى: لا مُتْعَةَ لهم. وأطْلَقهما

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الفَائقِ» . الثَّالثةُ، لا يسْقُطُ دَمُ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ بإفْسَادِ نُسُكِهما. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وعنه، يسْقُطُ. وأطْلَقهما فى «الحاوِيَيْن». وقال القاضى: إنْ قُلْنا: يَلْزَمُ القَارِنَ للإِفْسادِ دمَان. سقَط دَمُ القِرَانِ. انتهى.

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرَّابعةُ، لا يسْقُطُ دَمُهما أيضًا بفَواتِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يسْقُطُ. الخامسةُ، إذا قضَى القَارِنُ قارِنًا، لَزِمَه دَمَان؛ لقِرَاَنِه الأَوَّلِ دَمٌ، ولقِرَانِه الثَّانِى آخَرُ، وفى دَمِ فَواتِه الرِّوايَتان المُتقَدِّمَتان. وقال المُصَنِّفُ: يَلْزَمُه دمان، دَمٌ لقِرَانِه، ودَمٌ لفوَاتِه. وإذا قضَى القارِن مُفرِدًا، لم يَلزَمْه شئٌ؛ لأنَّه أفْضَلُ. جزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزَم غيرُ واحدٍ،

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه يَلْزَمُه دَمٌ لقِرَانِه الأوَّلِ. وفيه لفواتِه الرِّوايَتان. وزادَ فى «الفُصُولِ» ، يَلْزَمُه دَمٌ ثالِثٌ لوُجوبِ القَضاءِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. فإذا فرَغ مَن قَضَى مُفْرِدًا، أحْرَمَ بالعُمْرَةِ مِنَ الأبْعَدِ، كمَن فسَد حَجُّه، وإلَّا لَزِمَه دَمٌ. وإذا قَضَى

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُتَمَتِّعًا، فإذا تحَلَّلَ مِنَ العُمْرَةِ، أحْرمَ بالحَجِّ مِنَ الأبْعَدِ. السَّادسةُ، يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ والقِرَانِ بطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به القاضى فى «الخِلَافِ» ، ورَدَّ ما نُقِلَ عنه خِلافُه إليه، وجزَم به فى «البُلْغَةِ» . وقدَّمه فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وعنه، يَلْزَمُ الدَّمُ إذا أحْرَمَ بالحَجِّ. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» . وعنه، يَلْزَمُ الدَّمُ بالوُقوفِ. وذكَره المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، اخْتِيارَ القاضى. قال الزَّرْكَشِىُّ، ولعَلَّه فى «المُجَرَّدِ»: وأطْلَقها والتى قبلَها فى «الكَافِى» ، ولم يذْكُرْ غيرَهما. وكذا

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقال ابنُ الزَّاغُونِىِّ فى «الوَاضِحِ»: يجِبُ دَمُ القِرَانِ بالإحْرامِ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. وعنه، يَلْزَمُ بإحْرامِ العُمْرَةِ لنِيَّتِه التَّمَتُّعَ إذَنْ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ أنْ يَبْنِىَ عليها ما إذا ماتَ بعدَ سبَبِ الوُجوبِ، يُخْرَجُ عنه مِن تِركَتِه. وقال بعضُ الأصحاب: فائدَةُ الرِّواياتِ، إذا تعَذَّرَ الدَّمُ، وأرادَ الانْتِقالَ إلى الصَّوْمِ، فمتَى يَثْبُتُ التَّعَذُّرُ، فيه الرِّوايَاتُ.

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، هذا الحُكْمُ المُتقَدِّمُ، فى لُزومِ الدَّمِ. وأمَّا وَقْتُ ذَبْحِه، فجزَم فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغَهِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم، أنَّه لا يجوزُ ذَبْحُه قبلَ وُجوبِه. قال فى «الفُروعِ» ،: وقاله القاضى وأصحابُه: لايجوزُ قبلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. قال: فظاهرُه يَجُوزُ إذا وجَب؛ لقَوْلِه: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1). فلو جازَ قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لجَازَ الحَلْقُ؛ لوُجودِ الغايَةِ. قال: وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه فى المُحْصَرِ، ويَنْبَنِى على عُمومِ المَفْهومِ، ولأنَّه لو جازَ لنَحَرَه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام، وصارَ كمَن لا هَدْىَ معه، وفيه نظَرٌ؛ لأنَّه كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا، أو كان له نِيَّةٌ، أَو فَعَلَ الأفْضَلَ، ولمَنَعَ التَّحَلُّلَ بسَوْقِه. انتهى.

وقد جزَم فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى» ، و «الفَائقِ» وغيرِهم، أنَّ وَقْتَ دَمِ المُتْعَةِ والقِرَانِ، وَقْتُ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ، على ما يأْتِى فى

(1) سورة البقرة 196.

ص: 184

وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً؛ لِأَمْرِ رَسُولٍ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِذلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا، فَيَكُون عَلَى إِحْرَامِهِ.

ــ

بابه. واخْتارَ أبو الخَطَّاب فى «الانْتِصَارِ» ، يجوزُ له نَحْرُه بإحْرامِ العُمْرَةِ، وأنَّه أَوْلَى مِنَ الصَّوْمِ؛ لأنَّه مُبْدَلٌ. وحملَ رِوايةَ ابنِ مَنْصُورٍ بذَبْحِه يَوْمَ النَّحْرِ على وُجوبِه يَوْمَ النَّحْرِ. ونقَل أبو طالِبٍ، إنْ قَدِمَ قبلَ العَشْرِ ومعه هَدْىٌ، يَنْحَرُه، لا يضيعُ أو يموتُ أو يُسْرَقُ. قال فى «الفُروعِ»: وهذا ضَعيفٌ. قال فى «الكَافِى» : إنْ قَدِمَ قبلَ العَشْرِ، نحَرَه، وإنْ قَدِمَ به فى العَشْرِ، لم يَنْحَرْه حتى يَنْحرَه بمِنىً. استدلالًا بهذه الرِّوايَةِ، واقْتَصرَ عليه. الثَّانى، هذا الحُكْمُ معَ وُجودِ الهَدْىِ، أما مع عدَمِه، فيَأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ فى أثْناءِ بابِ الفِدْيَةِ.

قوله: ومَن كان قَارِنًا أو مُفْرِدًا، أحْبَبْنَا له أنْ يَفْسَخَ إذا طافَ وسَعَى ويَجْعلَها عُمْرَةً؛ لأمْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه بذلك. اعلمْ أنَّ فَسْخَ القَارِنِ والمُفْرِدِ حجَّهما إلى العُمْرَةِ، مُسْتَحَبُّ بشَرطِه. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً. وعبَّرَ

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضى، وأصحابُه، والمَجْدُ، وغيرُهم، بالجَوازِ، وأرَادُوا فَرْضَ المَسْأَلَةِ مع المُخالِفِ. قالَه فى «الفُروعِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ، لكِنَّ المُصَنِّفَ هنا ذكَر الفَسْخَ بعدَ الطَّوافِ والسَّعْىِ. وقطَع به الخِرَقِىُّ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفَائقِ» . وقدَّمه الزَّرْكَشِى، وقال: هذا ظاهِرُ الأحادِيثِ. وعنِ ابنِ عَقِيل، الطَّوافُ بنِيَّةِ العُمْرَةِ هو الفَسْخُ، وبه حصَل رَفْضُ الإحْرامِ لا غيرُ. فهذا تحْقِيقُ الفَسْخِ وما ينْفَسِخُ به. قال الزَّرْكَشِى: قلتُ:

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا جَيِّدٌ، والأَحادِيثُ لا تأْبَاه. انتهى. وقال فى «الهِدَايَةِ» ، وتَبِعَه فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم، وهو مَعْنَى كلامِ القاضى وغيرِه:

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للقَارِنِ والمُفْرِدِ أنْ يفْسَخا نُسُكَهما إلى العُمْرَةِ، بشَرْطِ أنْ لا يكُونا وَقَفا بعَرَفَةَ، ولا سَاقَا هَدْيًا. فلم يُفْصِحُوا بوَقْتِ الفَسْخِ، بل ظاهِرُ كلامِهم، جوَازُ الفَسْخِ، سَواءٌ طَافَا وسعَيَا أوْلا، إذا لم يَقِفَا بعَرَفةَ. قال الزَّرْكَشِى: ولا يَغُرَّنَّكَ كلامُ ابنِ مُنَجَّى؛ فإنَّه قال: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الطَّوافَ والسَّعْىَ شَرْطٌ فى اسْتِحْبابِ الفَسْخِ. قال: وليس الأمْرُ كذلك؛ لأنَّ الأخْبارَ تَقْتَضِى الفَسْخَ

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قبلَ الطَّوافِ والسَّعْىِ؛ لأنَّه إذا طافَ وسَعَى ثم فسَخَ، يحْتاجُ إلى طَوافٍ وَسعْىٍ لأجْلِ العُمْرَةِ، ولم يَرِدْ مِثْلُ ذلك. قال: ويُمْكِنُ تأُوِيلُ كلامِ المُصَنِّفِ، على أنَّ «إذا» ظَرْفٌ لـ «أَحْبَبْنَا له أنْ يفْسَخَ وَقْتَ طَوافِه» ، أىْ وَقْتَ جَوازِ طَوافِه. انتهى كلامُ ابنِ مُنَجَّى. وغفَل عن كلامِ الخِرَقِىِّ، والمُصَنِّفِ فى «المُغْنِى» ،

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحِ. وكلامُ القاضى، وأبى الخَطَّابِ وغيرِهما لا يَأْبَى ذلك. قال الزَّرْكَشِىُّ: وليس فى كلامِهم ما يَقْتَضِى أنَّه يطُوفُ طَوافًا ثانِيًا، كما زعَم ابنُ مُنَجَّى. انتهى. قلتُ: قال فى «الكَافِى» : يُسَنُّ لهما، إذا لم يكُنْ معهما هَدْىٌ، أنْ يفْسَخا نِيَّتَهما بالحَجِّ، ويَنْوِيَا عُمْرَةً مُفْرَدَةً، ويحِلَّا مِن إحْرامِهما بطَوافٍ وسَعْىٍ وتَقْصير، ليَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْن. انتهى. قال الزَّرْكَشِىُّ: وقَوْلُ ابنِ مُنَجَّى. إنَّ الأخْبارَ تَقْتَضِى الفَسْخَ قبلَ الطَّوافِ والسَّعْىِ. ليس كذلك، بل قد يقالُ: إنَّ ظاهِرَها، أنَّ الفَسْخَ إنَّما هو بعدَ الطَّوافِ. ويُؤيِّدُه حدِيثُ جابرٍ؛ فإنَّه كالنَّصِّ، فإنَّ الأَمْرَ

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالفَسْخِ إنَّما هو بعدَ طَوافِهم. انتهى. وقال فى «الفُروعِ» : لهما أنْ يَفْسَخا نِيَّتَهما بالحَجِّ. زادَ المُصَنِّفُ، إذا طَافَا وَسعَيا، فيَنْوِيَان بإحْرامِهما ذلك عُمْرَةً مُفْرَدَةً، فإذا فرَغَا فها وحَلَّا، أحْرَما بالحَجِّ، ليَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْن. وقال فى «الانْتِصَارِ» ، و «عُيُونِ المَسائِلِ»: لو ادَّعَى مُدَّعٍ وُجوبَ الفَسْخِ، لم يَبْعُدْ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يجِبُ على مَن اعْتَقَدَ عدَمَ مسَاغِه. نقَله فى «الفَائقِ» .

قوله: إلَّا أنْ يكونَ قد سَاقَ معه هَدْيًا، فيكونَ على إحْرامِه. هذا شَرْطٌ فى صِحَّةِ فَسْخِ القَارِنِ والمُفْرِدِ حَجَّهما إلى العُمْرَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويأْتِى حِكايَةُ الخِلافِ بعدَ هذا. ويُشْتَرطُ أيضًا كوْنُه لم يَقِفْ بعرَفَةَ. قالَه الأصحابُ.

ص: 191

وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعِّ هَدْيًا، لَمْ يَكنْ لَهُ أنْ يَحِلَّ.

ــ

قوله: ولو سَاقَ المُتَمَتِّعُ هَدْيًا، لم يَكُنْ له أنْ يَحِلَّ. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. فعلى هذا، يُحْرِمُ بالحَجِّ إذا طافَ وسَعَى لعُمْرَتِه قبلَ تَحلُّلِه بالحَلْقِ، فإذا ذبَحَه يوْمَ النَّحْرِ، حَلَّ منهما معًا. نصَّ عليه. نقَل أبو طالِبٍ، الهَدْىُ يَمْنَعُه مِنَ التَّحَلُّلِ مِن جميعِ الأشْياءِ فى العَشْرِ وغيرِه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَحِلُّ كمَن لم يَهْدِ. وهو مُقْتَضَى ما نقَله يُوسُفُ بنُ مُوسى. قالَه القاضى. ونَقَل أبو طالِبٍ أيضًا، فى مَن يَعْتَمِرُ قارِنًا أو مُتَمَتِّعًا ومعه هَدْىٌ، له أنْ يُقَصِّرَ مِن شَعَرِ رأْسِه خاصَّةً. وعنه، إنْ قَدِمَ قبلَ العَشْرِ، نحَرَ الهَدْىَ وحَلَّ. ونقَل يُوسُفُ بنُ مُوسى، فى مَن قَدِمَ مُتَمَتِّعًا معه هَدْىٌ، إنْ قَدِمَ فى شَوَّالٍ، نحَرَه وحَلَّ، وعليه هَدْىٌ آخَرُ، وإنْ قَدِمَ فى العَشْرِ،

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يَحِلَّ. فقيلَ له: خبَرُ مُعاوِيَةَ؟ فقال: إنَّما حَلَّ بمِقْدارِ التَّقْصِيرِ. قال القاضى: ظاهِرُه يتَحَلَّلُ قبلَ العَشْرِ؛ لأنَّه لا يطولُ إحْرامُه. وقال المُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ كلامُ الخِرَقِىِّ، أنَّ له التَّحَلُّلَ، ويَنْحَرُ هَدْيَه عند المَرْوَةِ. ويأْتِى هذا أيضًا فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخِرِ بابِ دُخولِ مَكَّةَ.

فائدتان؛ إحْداهما، حيثُ صحَّ الفَسْخُ، فإنَّه يَلْزَمُه دَمٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وذكرَه القاضى فى «الخِلَافِ» .

ص: 193

وَالْمَرأةُ إِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ، فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ، أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ، وَصَارَتْ قَارِنَةً.

ــ

وذكرَ المُصَنِّفُ، عنِ القاضى، أنَّه لا يَلْزَمُ دَم لعدَمِ النِّيَّةِ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . الثَّانيةُ، قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: لا يُسْتَحَبُّ الإحْرامُ بنِيَّةِ الفَسْخِ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : يُكْرَهُ ذلك. واقْتَصرَ فى «الفُروعِ» على حِكايَةِ

قَوْلِهما.

قوله: والمرأةُ إذا دخَلَتْ مُتَمَتِّعَة، فحاضَتْ فخَشِيَتْ فَواتَ الحَجِّ، أحْرَمَتْ

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالحَجِّ وصارَتْ قارِنَةً. نصَّ عليه. ولم تَقْضِ طَوافَ القُدُومِ. وهذا بلا نِزاعٍ

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى ذلك كلِّه. وكذا الحُكْمُ لو خافَ غيرُها فَواتَ الحَجِّ. نصَّ عليه. ويجِبُ دَمُ القِرَانِ، وتسْقُطُ عنه العُمْرَةُ. نصَّ عليه. وجزَم به القاضى وأصحابُه فى كُتُبِ

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِلافِ، واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» .

ص: 197

وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، صَحَّ، وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ.

ــ

قوله: ومَن أحْرَم مُطْلَقًا - بأنْ نوَى نَفْسَ الإحرامِ، ولم يُعَيِّنْ نُسُكًا - صَحَّ، وله صَرْفُه إلى ما شاء. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجِيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال الإمامُ أحمدُ أيضًا: يجْعلُه عُمْرَةً. وقال القاضى: يجْعلُه عُمْرَةً، إن كان فى غيرِ أشْهُرِ

ص: 198

وإنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ، انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ.

ــ

الحَجِّ. وذكَر غيرُه أنَّه أوْلَى، كابْتداءِ إحْرامِ الحَجِّ فى غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: إنْ شرَطْنا تَعْيِينَ ما أحْرَمَ به، بطَل المُطْلَقُ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.

قوله: وإنْ أحْرَم بمثْلِ ما أحْرَم به فُلَانٌ، انْعَقَدَ إحْرامُه بمثلِه. وكذا لو أحْرَمَ

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بما أحْرَمَ به فُلانٌ، بلا خِلافٍ فيهما نَعْلَمُه، ثم إنْ عَلِمَ ما أحْرَمَ به فُلانٌ، انْعقَد بمثْلِه. ولو كان إحْرامُ الأوَّلِ مُطْلَقًا، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو أحْرَمَ هو به مُطْلَقًا، على ما تقدَّم. قال فى «الفُروعِ»: فظاهِرُه، لا يَلْزَمُه صَرْفُه إلى ما يُصْرَفُ إليه، ولا إلى ما كان صرَفَه إليه. وأطْلَقَ بعضُ الأصحابِ احْتِمالَيْن. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ

ص: 200

وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْن أَوْ عُمْرَتَيْن، انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا،

ــ

الأصحابِ، يعملُ بقَوْلِه، لا بما وقَع فى نفْسِه. ولو كان إحْرامُ مَن أحْرَمَ بمِثْلِه فاسدًا، فقال فى «الفُروعِ»: يتَوَجَّهُ الخِلافُ لنا فيما إذا نذَر عِبادَةً فاسدَةً، هل تَنْعَقِدُ صَحيحةً أم لا؟ على ما يأْتِى فى النَّذْرِ. ولو جَهِلَ إحْرامَ الأوَّلِ، فحُكْمُه حُكْمُ مَن أحْرَمَ بنُسُكٍ ونَسِيَه، كلى ما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ قريبًا. ولو شَكَّ، هل أحْرَمَ الأوَّلُ أو لا؟ فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ مالو لم يُحْرِمْ، فيكونُ إحْرامُه مُطْلَقًا. قال فى «الفُروع»: هذا الأشْهَرُ. وقال: فظاهِرُه، ولو أُعْلِمَ أنَّه لم يُحْرِمْ؛ لجَزْمِه بالإحْرام، بخِلافِ قوْلِه: إنْ كان مُحْرِمًا فقد أحْرَمْتُ. فلم يكُنْ مُحْرِمًا. وقال فى «الكَافِى» : حُكْمُه حُكْمُ مَن أحْرَمَ بنُسُكٍ ونَسِيَه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» .

فائدة: قوله: وإنْ أحْرَمَ بحَجَّتَيْن أو عُمْرَتَيْن، انْعَقَدَ بإحْدَاهما. بلا نِزاعٍ. قال فى «الفُروعِ» مُعَلِّلًا: لأنَّ الزَّمان يصْلُحُ لواحِدَةٍ، فيَصِحُّ به، كتَفْريقِ الصَّفْقَةِ. قال: فدَلَّ على خِلافٍ هنا، كأَصْلِه. قال: وهو مُتَوَجّةٌ. يعْنِى، أنَّه لا يصِحُّ بواحِدَةٍ منهما فى قَوْلٍ. وقال أيضًا: يتَوَجَّهُ الخِلافُ فى انْعِقادِه بهما.

ص: 201

وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ، جَعَلَهُ عُمْرَةً. وَقَالَ الْقَاضِى: يَصْرِفُهُ إِلَى مَا شَاءَ.

ــ

قوله: وإنْ أحْرَمَ بنُسُكٍ ونَسِيَه، جَعَلَه عُمْرَةً. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونقَلَه أبو داودَ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهما. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وقال القاضى: يَصْرِفُه إلى أيِّهما شاءَ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ، وقطَع به جماعةٌ. وحمَل القاضى نصَّ أحمدَ على الاسْتِحْبابِ، وقدَّمه فى «الشَّرْحِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لأنَّه على كلِّ تقْديرٍ جائزٌ. قال فى «المُحَرَّر» : ومَن أحْرَمَ بنُسُكٍ فأُنْسِيَه، أو أحْرَمَ به مُطْلَقًا، ثم عَيَّنَه بتَمَتُّعٍ أو إفْرادٍ أو قِرَانٍ، جازَ، وسقَط

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنه فرْضُه، إلَّا النَّاسِىَ لنُسُكِه إذا عَيَّنَه بقِرَانٍ، أو بتَمَتُّعٍ وقد ساقَ الهَدْىَ، فإنَّه يُجْزِئُه عنِ الحَجِّ دُون العُمْرَةِ. وأطْلَقَ جماعَةٌ وَجْهَيْن؛ هل يجْعَلُه عُمْرَةَ أو ما شاءَ؟

فائدة: لو عيَّنَ المَنْسِىَّ بقِرَانٍ، صحَّ حَجُّه، ولا دَمَ عليه. على الصَّحيحِ. وقيل: يَلْزَمُه دَمُ قِرَانٍ احْتِياطًا. وقيلَ: وتصِحُّ عُمْرَتُه، بناءً على إدْخالِ العُمْرَةِ على الحَجِّ لحاجَةٍ، فيَلْزَمُه دَمُ قِرانِ. ولو عَيَّنَه بتَمَتُّعٍ، فَحُكْمُه حُكْمُ فَسْخِ الحَجِّ الى العُمْرَةِ، ويَلْزَمُه دَمُ المُتْعَةِ، ويُجْزِئُه عنهما. ولو كان شَكُّه بعدَ طَوافِ العُمْرَةِ، جعَلَه عُمْرَةً؛ لامْتِناعِ إدْخالِ الحَجِّ إذَنْ لمَنْ لا هَدْىَ معه، فإذا سعَى وحلَق، فَمع

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَقاءِ وَقْتِ الوُقوفِ، يُحْرِمُ بالحَجِّ ويُتِمُّه ويُجْزِئُه، ويَلْزَمُه دَمٌ للحَلْقِ فى غيرِ وَقْتِه، إنْ كان حاجًّا، وإلَّا فَدَمُ مُتْعَةٍ. ولو كان شكُّه بعدَ طَوافِ العُمْرَةِ، وجعَلَه حَجًّا

ص: 204

وَإنْ أَحْرَمَ عَنْ رَجُلَيْنِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْيهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصْرِفُهُ إِلَى أَيِّهمَا شَاءَ.

ــ

أو قِرَانًا، تَحلَّلَ بفعْلِ الحَجِّ، ولم يُجْزِئْه واحِدٌ منهما، للشَّكِّ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّ المَنْسِىَّ عُمْرَةٌ، فلا يصِحُّ إدْخالُه عليها بعدَ طَوافِها، ويَحْتَمِلُ أنَّه حَجُّ، فلا يصِحُّ إدْخالُها عليه، ولا دَمَ ولا قَضاءَ؛ للشَّكِّ فى سَبَبهما.

فائدة: قوله: وإنْ أحْرَمَ عَن رَجُلَيْن، وقَع عَن نَفْسِه. بلا نِزاعٍ. وكذا لو أحْرَمَ عن نَفْسِه وعن غيرِه.

قوله: وإنْ أحْرَمَ عَن أحَدِهما لا بعَيْنه، وقَع عَن نَفْسِه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه

ص: 205

وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، لَبَّى تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَصْرِفُه إلى أيِّهما شاءَ. قال فى «الهِدَايَةِ» : وعندي له صَرْفُه إلى أيِّهما شاءَ. واخْتارَه القاضى. وأطْلَقهما فى «المحَرَّرِ» ، و «الفَائقِ» . فعلى القَوْلِ الثَّانى، لو طافَ شوْطًا، أو سعَى، أو وقَف بعرَفَةَ قبلَ جَعْلِه لأحَدهِما، تعَيَّنَ جَعْلُه عن نفْسِه. على الصَّحيحِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، تَبْطُلُ. كذا قال فى «الرِّعايَةِ» ، ويضْمَنُ.

فائدة: يوِّدَّبُ مَن أخَذ مِنِ اثْنَيْبن حَجَّتَيْن ليَحُجَّ عنهما فى عامٍ واحدٍ؛ لفِعْلِه مُحَرَّمًا. نصَّ عليه. فإنِ اسْتَنابَه اثْنان فى عامٍ فى نُسُكٍ، فأحْرَمَ عن أحَدِهما بعَيْنِه، ونَسِيَه، وتعَذَّرَ مَعْرِفَتُه، فإنْ فرَّطَ أعادَ الحَجَّ عنهما، وإنْ فرَّطَ المُوصَى إليه بذلك، غَرِمَ ذلك، وإلَّا فمِن ترِكَةِ المُوصِيَيْن، إنْ كان النَّائِبُ غيرَ مُسْتَأْجَرٍ لذلك، وإلَّا لَزِمَاه. وإنْ أحْرَمَ عن أحَدِهما بعَيْنِه ولم يَنْسَه، صحَّ، ولم يصِحَّ إحْرامُه للآخَرِ بعدُ. نصَّ عليه. قلتُ: قد قيلَ: إنَّه يُمْكِنُ فِعْلُ حَجَّتَيْن فى عام واحدٍ؛ بأَنْ يقِفَ بعَرَفَةَ، ثم يطُوفَ للزِّيارَةِ بعدَ نِصْفِ ليْلَةِ النَّحْرِ بيَسيرٍ، ثم يُدْرِكَ الوُقوفَ بعَرَفَةَ قبلَ طُلوعِ فَجْرِ ليْلَةِ النَّحْرِ.

قوله: وإذا اسْتَوَى على راحِلَتِه، لَبَّى. يعْنِى، إذا اسْتَوَتْ به راحِلَتُه قائمةً. وهذا أحَدُ الاْقْوالِ، وقطَع به جماعةٌ؛ منهم الخِرَقِىُّ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.

ص: 206

لَبَّيْكَ، [63 ظ] لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

ــ

وقدَّمه فى «الفَائقِ» . وقيلَ: يُسْتَحبُّ ابْتِداءُ التَّلْبِيَةِ عَقِبَ إحْرامِه. وهو المذهبُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: المَشْهورُ فى المذهبِ، أنَّ الأَوْلَى أنْ تكونَ التَّلْبِيَةُ حينَ يُحْرِمُ.

ص: 207

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به فى «التَّلْخِيصِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . ونقَل حَرْبٌ، يُلَبِّى متى شاءَ ساعةَ يُسَلِّمُ، وإنْ شاءَ بعدُ.

ص: 208

وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا، وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا.

ــ

فائدتان؛ إحداهما، التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، وعليه الأصحابُ. وقيل: واجِبَةٌ. اخْتارَه فى «الفائقِ» . الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ أن يُلَبِّىَ عن أَخْرَسَ وَمرِيضٍ. نقَله ابنُ إبْرَاهِيمَ. قال جماعةٌ: وعن مَجْنونٍ ومُغْمًى عليه. زاد بعضُهم، ونائمٍ. وقد ذكَر الأصحابُ، أنَّ إشارةَ الأَخْرَسِ المَفْهُومَةَ كنُطْقِه. قلتُ: الصَّوابُ الذى لاشَكَّ فيه أنَّ إشارةَ الأَخْرَسِ بالتَّلْبيَةِ تقومُ مقامَ النُّطْقِ بها، حيثُ عَلِمْنا إرادَتَه لذلك.

تنبيهان؛ أحدُهما، ظاهِرُ قوله: لَبَّى تَلْبِيةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ. . . .» .

ص: 210

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى آخره، أنَّه لا يَزيدُ عليها. وهو صحيحٌ، فلا تُسْتَحَبُّ الزِّيادَةُ عليها، ولكنْ لا تُكْرَهُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ هُبَيْرَةَ فى «الإِفْصَاحِ»: تُكْرَهُ الزِيادَةُ عليها. وقيلَ: له الزِّيادَةُ بعدَ فَراغِها، لا فيها. الثانى، ظاهرُ قولِه: ويُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها. الإطْلاقُ، فيَدْخُلُ فيه لو أحْرَمَ مِن بلَدِه، لكِنَّ الأصحابَ قيَّدُوا ذلك بأنَّه لا يُسْتَحَبُّ إظْهارُها فى مَساجِدِ الحِلِّ وأمْصارِها. والمَنْقُولُ عن أحمدَ، إذا أحْرَمَ مِن مِصْرِه، لا يُعْجِبُنِى أنْ يُلَبِّىَ حتى يَبْرُزَ. فيكونُ كلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه، ممَّن أطْلَقَ، مُقَيَّدًا بذلك. وعندَ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، لا يُلَبِّى بوُقوفِه بعرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ؛ لعدَمِ نقْلِه.

ص: 211

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى «الفُروعِ» : كذا قال.

فائدتان؛ إحداهما، قوله: والدُّعاءُ بعدَها. يعْنِى، يُسْتَحَبُّ الدُّعاءُ بعدَ التَّلْبِيَةِ، بلا نِزاع، ويُسْتَحَبُّ أيضًا بعدَها الصَّلاةُ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. الثَّانيةُ، لا يُسْتَحَبُّ تَكْرارُ التَّلْبِيَةِ فى حالَةٍ واحِدَةٍ. قالَه الإِمامُ أحمدُ، وقالَه فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصَحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ». وقال له الأَثْرَمُ: ما شئٌ يفْعَلُه العامَّةُ؟ يُكَبِّرون دُبُرَ الصَّلاةِ ثَلاًثا. فتَبَسَّمَ، وقال: لا أَدْرِى مِن أيْنَ جاءُوا به؟ قلتُ: ألَيْسَ يُجْزِئُه مَرَّةٌ؟ قال: بلَى؛ لأنَّ المَرْوِىَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا. وقال القاضى

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الخِلَافِ» : يُسْتَحَبُّ تَكْرارُها فى حالَةٍ واحدةٍ؛ لتَلَبُّسِه بالعِبادَةِ. وقال

ص: 214

وَيُلَبِّى إِذَا عَلَا نَشزًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِى دُبُرِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ،

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارح: تَكْرارُه ثلاًثا حسَنٌ، فإنَّ الله وِتْر يُحِبُّ الوِتْرَ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: يُكْرَهُ تَكْرارُها فى حالةٍ واحدةٍ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. قوله: ويُلَبِّى إذا عَلا نَشْزًا، أو هبَط وادِيًا، وفى دُبُرِ الصَّلَواتِ المكْتُوباتِ،

ص: 215

وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ.

ــ

وإقْبالِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وإذا التَقَتِ الرِّفاقُ. بلا نِزاعٍ. ويُلَبِّى أيضًا إذا سمِعَ مُلَبِّيًا، أو أتَى مَحْظُورًا ناسِيًا، أو رَكِبَ دابَّةً. زادَ فى «الرِّعايَةِ» ، أو نزَل عنها. وزادَ

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «المُستَوْعِبِ» ، وإذا رأَى البَيْتَ.

ص: 217

وَلَا تَرْفَعُ الْمَرأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، إِلَّا بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا.

ــ

قوله: ولا تَرْفَعُ المرْأةُ صَوْتَها بالتَّلْبِيَةِ، إلَّا بمِقْدارِ ما تُسْمِعُ رَفيقَتَها. السُّنَّةُ أنْ لا ترْفَعَ صوْتَها. حكَاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. ويُكْرَهُ جَهْرُها بها أكثرَ مِن إسْماعِ رَفِيقَتِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ خَوْفَ الفِتْنَةِ. ومَنَعها فى «الوَاضِحِ» مِن ذلك، ومِن أذانٍ أيضًا. هذا الحُكْمُ إذا قُلْنا: إنَّ صَوْتَها ليس بعَوْرَةٍ. وإن قُلْنا: هو عَوْرَةٌ. فإنَّها تُمْنَعُ. وظاهِرُ كلامِ بعضِ الأصحابِ، أنَّها تَقْتَصِرُ على إسْماعِ نفْسِها. قال فى «الفُروعِ»: وهو مُتَّجَهٌ. وفى كلامِ أبى الخَطَّابِ، والمُصَنِّفِ، وصاحِب «المُسْتَوْعِبِ» ، وجماعةٍ، لا تجْهَرُ إلَّا بقَدْرِ ما تُسْمِعُ رَفِيقَتَها.

فوائد؛ الأُولَى، لا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ بغيرِ العرَبِيَّةِ لمَن يقْدِرُ عليها. قالَه الأصحابُ. الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ أنْ يذْكُرَ نُسُكَه فى التَّلْبِيَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ونَصَراه. وقدَّمه فى «الفَائقِ». وقيلَ: لا يُسْتَحَبُّ. جزَم

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به فى «الهِدَايَةِ» ، و «والمُسْتَوْعِبِ». وأطْلَقهما فى «الفُروعِ». وقيلَ: يُسْتَحَبُّ ذِكْرُه فيها أوَّلَ مرَّةٍ. اخْتارَه الآجُرِّيُّ. وحيثُ ذكَرَه، فيسْتَحَبُّ للقَارِنِ ذِكْرُ العُمْرَةِ قبلَ الحَجِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه؛ فيَقولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وحَجًّا. للحَديثِ المُتَّفَقِ عليه. وقال الآجُرِّىُّ: يذْكُرُ الحَجَّ قبلَ العُمْرَةِ؛ فيَقولُ: لَبَّيْكَ حَجًّا وعُمْرَةً. الثَّالثةُ، لا بأْسَ بالتَّلْبيَةِ فى طَوافِ القُدومِ. قالَه الإمامُ أحمدُ وأصحابُه. وحكَى المُصَنِّفُ، عن أبى الخَطَّابِ، لا يُلبِّى؛ لأنَّه مُشْتَغِلٌ بذِكْرٍ يَخُصُّه. فعلى الأوَّلِ، قال الأصحابُ: لا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ فى طَوافِ القُدومِ. قالَه فى «الفُروعِ» . وقال فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، وغيرِهم: لا يُسْتَحَبُّ إظْهارُها فيه. ومَعْنَى كلامِ القاضى، يُكْرَهُ إظْهارُها فيه. وصرَّح به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وذكَر فى «الرِّعايَةِ» وَجْهًا؛ يُسَن إظْهارُها فيه. وأمَّا فى السَّعْىِ بعدَ طَوافِ القُدومِ، فقالَ فى «الفُروعِ»: يتَوَجَّهُ أنَّ حُكْمَه كذلك. وهو مُرادُ أصحابِنا. الرَّابعةُ، لا بَأْسَ أنْ يُلَبِّىَ الحَلالُ. ذكرَه المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ وغيرُه، وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ احْتِمالٌ، يُكْرَهُ؛ لعدَمِ نَقْلِه. فال: ويتَوَجَّهُ أنَّ الكلامَ فى أثْناءِ التَّلْبِيَةِ، ومُخاطَبَتَه، حتى بسَلامٍ ورَدِّه منه، كالأَذانِ. انتهى. قلتُ: قال فى «المُذْهَبِ» : [لا يقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بكلامٍ](1)، فإنْ سُلِّمَ عليه، رَدَّ وبَنَى.

تنبيه: هذا أحْكامُ فِعْلِ التَّلْبِيَةِ، أمَّا وَقْتُ قَطْعِها، فَيأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخِرِ بابِ دُخولِ مَكَّةَ، فَلْيُعاوَدْ.

(1) فى ا: «يقطع التلبية» .

ص: 219