المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب محظورات الإحرام - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٨

[المرداوي]

الفصل: ‌باب محظورات الإحرام

‌بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

وَهِىَ تِسْعَةٌ؛ حَلْقُ الشَّعَرِ،

ــ

بابُ محْظُوراتِ الإِحْرامَ

قوله: وهى تسْعَةٌ؛ حَلْقُ الشَّعَرِ، وتَقْلِيمُ الأظْفَارِ. يُمْنَعُ مِن إزالَةِ الشَّعَرِ إجْماعًا، وسَواءٌ كان مِنَ الرَّأْسِ أو غيرِه مِن أجْزاءِ البدَنِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال فى «المُبْهِجِ»: إنْ أزالَ شَعَرَ الأَنْفِ، لم يَلْزَمْه دَمٌ؛ لعَدَمِ التَّرَفُّهِ.

ص: 221

وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ،

ــ

قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. قال: وظاهِرُ كلامِ غيرِه خِلافُه، وهو أظْهَرُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ قاطِبَةً، أنَّ تَقْليمَ الأظْفارِ كحَلْقِ الشَّعَرِ. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. ووَجَّهَ فى «الفُروعِ» احْتِمالًا، لا شئَ فى تَقْليمِ الأظْفارِ. وحكَى المُصَنِّفُ وَمن تَبِعَه رِوايَةً، لا شئَ فيها. قال فى «الفُروعِ»:[وظاهِرُه، أنَّ الرِّوايَةَ عن أحمدَ](1)، ولم أجِدْه لغيرِه. [وعِبارَتُه فى «المُغْنِى»](2)، فى بابِ الفِدْيَةِ، أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ المُحْرِمَ ممْنُوعْ مِن أخْذِ أظْفارِه، وعليه الفِدْيَةُ بأَخْذِها فى قَوْلِ أكثَرِهم؛ حَمَّادٍ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْىِ. ورُوِىَ عن عَطاءٍ. وعنه، لا فِدْيَةَ عليه؛ لأنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ فيهِ فِدْيَةٌ. انتهى. هذا لفْظُه. والظَّاهِرُ أنَّ قوْلَه: وعنه. يعُودُ إلى عَطاءٍ، لا إلى الإِمامِ أحمدَ؛ لأنَّه لم يتَقدَّمْ له ذِكْرٌ. نبَّهَ على ذلك ابنُ نَصْرِ الله فِى «حَوَاشِيه» . وهو كما قال] (3).

(1) زيادة من: ش.

(2)

زيادة من: ش.

(3)

انظر: المغنى 146/ 5.

ص: 222

فَمَنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْهُ، لَا يَجِبُ إِلَّا فِى أَرْبَعٍ فَصَاعِدًا.

ــ

قوله: فمَن حلَق أو قلَّم ثلاثَةً، فعليه دَمٌ. هذا المذهبُ. قالَه القاضى وغيرُه، ونَصَره هو وأصحابُه، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «الوَجِيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الإفادَاتِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يجِبُ الدَّمُ إلَّا فى أرْبَعِ شَعَراتٍ فَصاعِدًا. نقَلها جماعةٌ. واخْتارَه الخِرَقِىُّ. وقدَّمه فى

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغنِى» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن». وجزَم به فى «الطَّرِيقِ الأقْرَبِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهى الأشْهَرُ عنه. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ». وذكَر ابنُ أبى مُوسَى رِوايةً؛ لا يجِبُ الدَّمُ إلَّا فى خَمْسٍ فصاعِدًا. واخْتارَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ». قال فى «الفُروعِ»: ولا وَجْهَ لها.

ص: 224

وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ فِى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ مُدٌّ مِنْ طَعَام. وَعَنْهُ، قَبْضَةٌ. وَعَنْهُ، دِرْهَمٌ.

ــ

قال الزَّرْكَشِىُّ: وهى أضْعَفُها. وأطْلَقهُنَّ فى «التَّلْخِيصِ» . ووَجَّهَ فى «الفُروعِ» احْتِمالًا، لا يجِبُ الدَّمُ إلَّا فيما يُماطُ به الأَذَى. وهو مذهَبُ مالكٍ. قال فى «الفَائقِ»: والمُخْتارُ تعَلُّقُ الدَّمِ بمِقْدارٍ يَتَرَفَّهُ بإزالَتِه.

قوله: وفيما دونَ ذلك فى كلِّ واحِدٍ مُدٌّ مِن طَعامٍ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه،

ص: 225

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. قال فى «الفُروعِ» : وهو المذهبُ عندَ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وهو الذى ذكَرَه الخِرَقِىُّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّواياتِ، والمُخْتارُ لعامَّةِ الأصحابِ؛ الخِرَقِىِّ، وأبى بَكْرٍ، وابنِ أبى مُوسَى، والقاضى، وأصحابِه، وغيرِهم. انتهى. وعنه، قَبْضَةٌ. لأنَّه لا تقْدِيرَ فيه مِنَ الشَّارِعِ. قال فى «الفُروعِ»: فدَلَّ على

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّ المُرادَ، يتَصَدَّقُ بشئٍ. وعنه، دِرْهَمٌ. وعنه، نِصْفُ دِرْهَمٍ. وعنه، دِرْهَمٌ أو نِصْفُه. ذكَرَها أصحابُ القاضى، وخرَّجَها القاضى مِن لَيالِى مِنًى. وهو قوْلٌ فى «الرِّعايَةِ». وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: ويَلْزَمُ، على تخْريجِ القاضى، أنْ يُخرَّجَ أنْ لا شئَ عليه، وأنْ يجِبَ دَمٌ، كما جاءَ ذلك فى لَيالِى مِنًى.

ووَجَّه فى «الفُروعِ» تخْريجًا، يَلْزَمُه فى كلِّ شَعَرَةٍ أو ظُفْرٍ ثُلُثُ دَمٍ. وما هو ببعيدٍ.

ص: 227

وَإنْ حُلِقَ رَأْسُهُ بِإِذْنِهِ، فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ.

ــ

قوله: وإنْ حُلِقَ رَأْسُه بِإذْنِه، فالفِدْيَةُ عليه. يعْنِى، على المَحْلُوقِ رأْسُه، ولا شئَ على الحالِقِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وفى «الفُصُولِ» احْتِمالٌ، أنَّ الضَّمانَ على الحالِقِ إذا كان مُحْرِمًا، كشَعَرِ الصَّيْدِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.

فائدة: لو حُلِقَ رأْسُه، وهو ساكِتٌ ولم يَنْهَهُ، فقيلَ: الفِدْيَةُ على المَحْلُوقِ رأْسُه؛ لأنَّه أمانَةٌ عندَه؛ كوَديعَةٍ. صحَّحَه فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ». وجزَم به فى «الكَافِى». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو ظاهِرُ «المُنَوِّرِ» . وقيلَ: على الحالِقِ؛ كإتْلافِه مالَه وهو ساكِتٌ. وجزَم به فى «الإِفادَاتِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِىِّ» . وهو ظاهِرُ كلامِ

ص: 228

وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

ــ

المُصَنِّفِ هنا. وأطْلقَهما فى «المُسْتَوْعِب» ، و «المُغْنِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» .

قوله: وإنْ كان مُكْرَهًا أو نائِمًا، فالفِدْيَةُ على الحالِق. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيلَ: على المَحْلُوقِ رأْسُه. وذكَر فى «الإِرْشَادِ» وَجْهًا؛ أنَّ الفِدْيَةَ على الحالِقِ. ووَجَّه فى «الفُروعِ» احْتِمالًا؛ أنَّه لا فِدْيَةَ على واحدٍ فهما؛ لأنَّه لا دَلِيلَ عليه. ويأْتِى إذا أُكْرِهَ على الحَلْقِ، وحلَقَ بنَفْسِه، فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخِرِ الفِدْيَةِ.

قوله: وإنْ حلَق مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلالٍ، فلا فِدْيَةَ عليه. هذا المذهبُ، وعليه

ص: 229

وَقَطْعُ الشَّعَرِ وَنَتْفُهُ كَحَلْقهِ، وَشَعَرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ. وَعَنْهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُفْرَدٌ.

ــ

الأصحابُ. وفى «الفُصُولِ» احْتِمالٌ؛ يجِبُ الضَّمانُ على المُحْرِمِ الحالِقِ.

فائدة: لو طَيَّبَ غيرَه، فحُكْمُه حُكْمُ الحالِقِ، على ما تقدَّم مِنَ الخِلافِ والتَّفْصِيلِ. قلتُ: لو قيلَ بوُجوبِ الفِدْيَةِ على المُطَيِّبِ المُحْرِمِ، لَكانَ مُتَّجهًا؛ لأنَّه فى الغالِبِ لا يسْلَمُ مِنَ الرَّائحةِ، بخِلافِ الحَلْقِ. وفى كلامِ بعضِ الأصحابِ، أو أَلْبَسَه غيرُه، فكَالحالِقِ.

قوله: وقَطْعُ الشَّعَرِ ونَتْفُه كحَلْقِه. وكذا قَطْعُ بعضِ الظُّفْرِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وخرَّج ابنُ عَقِيلٍ وَجْهًا، يجِبُ عليه بنِسْبَتِه، كأُنمُلَةِ إصْبَعٍ، وما هو ببَعِيدٍ. وجزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وهو احْتِمالٌ لأبِى حَكِيمٍ. ذكَرَه عنه فى «المُتْسَوْعِبِ» . وذكَرَه فى «الفَائقِ» وغيرِه قوْلًا.

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وشَعَرُ الرَّأْسِ والبَدَنِ واحِدٌ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهَبِ والرِّوايتَيْن. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقال: هذا ظاهِرُ المذهبِ، وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وجزَم به فى «الهَادِى» . وقدَّمه فى «الخُلَاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» . وعنه، لكُلِّ واحدٍ حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ. نقَلها الجماعَةُ عن أحمدَ. واخْتارَها القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وجماعةٌ. وجزَم به فى «المُبْهِجِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . وأطْلقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ» ، و «الفُروعِ». وقال فى «المُبْهِجِ»: إنْ أزَالَ شَعَرَ الأنْفِ، لم يَلْزَمْه دَمٌ.؛ لعدَمَ التَّرَفُّهِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. قال: وظاهِرُ كلامِ غيرِه خِلافُه. وهو أظْهَرُ. وتَظْهَرُ فائِدَةُ الرِّوايتَيْن، لو قطَعَ مِن رأْسِه شَعَرَتَيْن، ومِن بدَنِه شعَرَتَيْن، فيَجِبُ الدَّمُ على المذهبِ، ولا يجِبُ على الرِّوايَةِ الثَّانيةِ.

فائِدةُ: ذكَر جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، أنه لو لَبِسَ أو تطَيَّبَ فى رأْسِه وبدَنِه، أنَّ

ص: 231

وَإِنْ خَرَجَ فِى عَيْنَيْهِ شَعَرٌ فَقَلَعَهُ، أَوْ نَزَلَ شَعَرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ، أَوِ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ، أَوْ قَلَعَ جِلْدًا عَلَيْهِ شَعَرٌ، [64 و] فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

ــ

فيه الرِّوايتَيْن المُتقَدِّمتَيْن. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، أنَّ عليه فِدْيَةٌ واحِدَةٌ. وجزَم به القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهم. وهو المذهبُ. وذكَر ابنُ أبِى مُوسى الرِّوايتَيْن فى اللُّبْسِ. وتبِعَه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّما أنَّ عليه فِدْيَةً واحِدَةً.

قوله: وإِنْ خرَج فى عَينَيْه شَعَرٌ فقَلَعَه، أَو نَزَل شَعَرُه فغطَّى عَينَيْه فقَصَّه، أو انكَسَرَ ظُفْرُه فَقَصَّه -يعْنِى، قصَّ ما احْتاجَ إلى قَصِّه- أو قلَع جِلْدًا عليه شَعَرٌ، فلا فِدْيَةَ عليه. وكذا لو افْتَصَدَ فزَالَ الشَّعَرُ؛ لأنَّ التَّابعَ لا يُضْمَنُ، أو حجَم أو احْتَجمَ ولم يقْطَعْ شعَرًا. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ فى الفَصْدِ مِثْلُه. والمذهبُ فى ذلك كلِّه، أنَّه لا فِدْيَةَ عليه بفِعْلِ شئٍ مِن ذلك. وقال الآجُرِّىُّ: إنِ انْكَسَرَ ظُفْرُه فآذاه، قطَعَه وفَدَى.

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، لو حصَل له أذَّى مِن غيرِ الشَّعَرِ، كشِدَّةِ حَرٍّ وقُروحٍ وصُداع، أَزالَه وفَدَى، كأَكْلِ صَيْدٍ لضَرُورَةٍ. الثَّانيةُ، يَجُوزُ له تخْلِيلُ لِحْيَتِه، ولا فِدْيَةَ بقَطْعِه بلا تعَمُّدٍ. نقَلَه ابنُ إبْرَاهِيمَ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه إنْ بانَ بمَشْطٍ أو تخليلٍ، فَدَى. قال الإمامُ أحمدُ: إنْ خلَّلَها فسَقطَ شَعَرٌ، أو كان مَيِّتًا، فلا شئَ عليه. قالَه فى «الفُروعِ» . وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. الثَّالثةُ، يَجُوزُ له حَكُّ رأْسِه وبدَنِه برِفْقٍ. نصَّ عليه، ما لم يَقْطَعْ شَعَرًا. وقيل: غيرُ الجُنُبِ لا يُخَلُّلُهما بيَدَيْه، ولا يحُكُّهُما بمُشْطٍ

ص: 233

فَصْلٌ: الثَّالِثُ، تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ؛ فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ،

ــ

ولا ظُفْرٍ. الرَّابعةُ، يَجُوزُ غَسْلُه فى حمَّام وغيرِه بلا تَسْريحٍ. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ قوْلُ، أنَّ ترْكَ غَطْسِه فى الماءِ وتَغْيِيبِ رأْسِه أوْلَى، أو الجَزْمُ به. الخامسةُ، يجوزُ له غَسْلُ رأْسِه بِسِدْرٍ أو خِطْمِىٍّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضى وغيرُه. وصحَّحَه فى «الكَافِى» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر جماعَةٌ، يُكْرَهُ. وجزَم به صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . وعنه، يَحْرُمُ ويَفْدِى. نقَل صالِحٌ، قد رَجَّلَ شَعَرَه. ولعَلَّه يقْطَعُه مِنَ الغُسْلِ. وعلى القَوْلِ بالكراهَةِ، حكَى صاحِبُ «المُستَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهما، فى الفِدْيَةِ رِوايتَيْن، وقدَّموا عَدَمَ الوُجوبِ. وقيلَ: الرِّوايَتان على القَوْلِ بتَحْريمِ ذلك؛ فإنْ قُلْنا: يَحْرُمُ. فَدَى، وإلَّا فلا. قلتُ: وهو الصَّوابُ، كالاسْتِظْلالِ بالمَحْمِلِ على ما يأْتِى قرِيبًا. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، فى مَنِ احْتاجَ إلى قَطْعِه بحِجَامَةٍ أو غَسْلٍ: لم يَضُرَّه. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال.

تنبيه: قوله: الثَّالثُ، تغْطِيَةُ الرَّأْسِ. تقدَّم فى آخِرِ بابِ السِّواكِ، أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أن الأُذُنَيْن مِنَ الرَّأْسِ، وأنَّ ما فوْقَهما مِنَ البَياضِ مِنَ الرَّأْسِ، على الصَّحيحِ. وتقدَّم فى بابِ الوُضوءِ، ما هو مِنَ الرَّأْسِ، وما هو مِنَ الوَجْهِ،

ص: 234

أَوْ قِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ عَصَبَهُ، أَوْ طَيَّنهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ غَيْرِه، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَة.

ــ

والخِلافُ فى ذلك مُسْتَوْفًى؛ فما كان مِنَ الرَّأْسِ حَرُمَ تَغْطِيَتُه هنا، وعليه الفِدْيَةُ.

قوله: فمتَى غَطَّاه بعِمامَةٍ، أو خِرْقَةٍ، أو قِرْطاسٍ فيه دَواءٌ أو غيرُه، أَو

ص: 235

وَإِنِ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمِلِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.

ــ

عَصَبه -ولو بِسَيْرٍ- أو طَينَّهَ بطينٍ أو حِنَّاءٍ أو غيرِه -ولو بنُورَةٍ- فعليه الفِدْيَةُ. بلا نزاعٍ.

فائدة: فِعْل بعضِ المَنْهِىِّ عنه، كفِعْلِه كلِّه فى التَّحْريمِ.

قوله: وإنِ اسْتَظَلَّ بالمَحْمِلِ، ففِيه رِوايَتان. سواءٌ كان راكِبًا أو ماشيًا. قاله

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضى وجماعهٌ، واقتَصَر عليه فى «الفُروعِ» . وكذا ما فى مَعْناه، كالهَوْدَجِ، والعَمَّارِيَّةِ، والمِحَفَّةِ، ونحوِ ذلك. واعلمْ أنَّ كلامَ المُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ فى تحْريمِ الاسْتِظْلالِ. وفيه رِوايَتان؛ إحداهما، يَحْرُمُ. وهو [الصَّحيحُ مِنَ](1) المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المَشْهُورُ عن أحمدَ، والمُخْتارُ لأكثرِ الأصحابِ، حتى إنَّ القاضِىَ فى «التَّعْلِيقِ» وفى غيرِه، وابنَ الزَّاغُونِىِّ، وصاحِبَ «العُقُودِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، وجماعَةً، لا خِلافَ عندَهم فى ذلك. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. وهو ظاهِرُ ماقدَّمه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُكْرَهُ. اخْتارَها المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وقالَا: هى الظَّاهِرُ عنه. وجزَم

(1) زيادة من: ش.

ص: 237

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به ابنُ رَزِين فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ». وصحَّحَه فى «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ». قال القاضى مُوَفَّقُ الدِّينِ: هذا المَشْهورُ. وأطْلقَهما فى «الكَافِى» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، [و «الفُروعِ»](1)، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وعنه، يجوزُ مِن غيرِ كراهَةٍ. ذكَرَها فى «الفُروعِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كلامُ المُصَنِّفِ فى وُجوبِ الفِدْيَةِ بفِعْلِ ذلك، وهو الظَّاهِرُ؛ لقَوْلِه قبلَ ذلك: فمتى فعَل كذا وكذا، فعليه الفِدْيَةُ، وإنِ اسْتَظَلَّ بالمَحْمِلِ، ففيه رِوايَتان. فسِياقُه يَدُلُّ على ذلك، وعليه «شرْحُ ابنِ مُنَجَّى» ، وفيها رِوايَاتٌ؛ إحداها، لا تجِبُ الفِدْيَةُ بفِعْلِ ذلك. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» . قال ابنُ رَزِينِ

(1) زيادة من: ش.

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «شَرْحِه» : وهو أظْهَرُ. قال فى «إدْرَاكِ الغَايَةِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنَايَةِ»: ولا يَسْتَظِلُّ بمَحْمِل فىْ رِوايَةٍ. وجزَم به فى «الوَجِيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وهذا المذهبُ، على ما اصْطَلَحْنا عليه فى الخُطْبَةِ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، تجِبُ عليه الفِدْيَةُ بفِعْلِ ذلك. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. وجزَم به الخِرَقِى، وصاحِبُ «الِإفاداتِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَقِيلٍ» ، و «عُقُودِ ابنِ البَنَّا» ، و «الِإيضَاحِ» . وصحَّحَه فى «الفُصُولِ» ، و «المُبْهِجِ» . واخْتارَه القاضى فى «التَّعْلِيقِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» . وأطْلقَهما في «الكَافِى» ، و «الهَادِى» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «نِهَايَةِ ابنِ رَزِين» . والرِّوايَةُ الثَّالثةُ، إنْ كَثُرَ الاسْتِظْلالُ، وَجبَتِ الفِدْيَةُ، وإلَّا فلا. وهو المَنْصُوصُ عن أحمدَ فى رِوايَةِ جماعَةٍ. اخْتارَه القاضى، والزَّرْكَشِىُّ، وغيرُهما. وأطْلقَهُنَّ فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» .

تنبيه: اخْتلَفَ الأصحابُ فى مَحَلِّ الروايتَيْن الأُولَيَيْن؛ فعندَ ابنِ أبِى مُوسى، والمُصَنِّفِ فى «الكَافِى» ، والمَجْدِ، والشَّارِحِ، وابنِ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، أنَّهما مَبْنِيَّتان على الروايتَيْن فى تحْريمِ الاسْتِظْلالِ وعدَمِه، فإنْ قُلْنا: يَحْرُمُ. وَجبَتِ

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفِدْيَةُ، وإلَّا فلا. وهى طَرِيقَةُ ابنِ حَمْدانَ. وعندَ القاضى، وصاحِبِ لا المُبْهِجِ»، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، أنَّهما مَبْنِيَّتان على القَوْلِ بالتَّحْريمِ فى الاسْتِظْلالِ؛ إذْ لا جَوازَ عندَهم، إلَّا أنَّ القاضِىَ يَسْتَثْنِى اليَسِيرَ فيُبِيحُه، ولا يُوجِبُ فيه فِدْيَة، كما تقدَّم.

فوائد؛ إحداها، وكذا الخِلافُ والحُكْمُ إذا اسْتظَلَّ بثَوْبٍ ونحوِه، نَازِلًا وراكِبًا. قالَه القاضى وجماعَةٌ. واقْتَصر عليه فى «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لا أثَر للقَصْدِ وعدَمِه فيما فيه فِدْيَةٌ، وما لا فيه فِدْيَةٌ، على الصَّحيِحَ منَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ قصَد به السِّتْرَ، فدَى، مِثْلَ أنْ يقْصِدَ بحَمْلِ

ص: 240

وَإنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا، أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا، أوِ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أوْ شَجَرَةٍ أوْ بَيْتٍ، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ.

ــ

شئٍ على رأْسِه السِّتْرَ. الثَّالثةُ، يجوزُ تَلْبيدُ رأْسِه بغِسْلٍ أو صَمْغٍ ونحوِه؛ لِئَلَّا يدْخُلَه غُبَارٌ أو دَبِيبٌ، ولا يُصِيبَه شَعَثَ.

قوله: وإنْ حمَل على رَأْسِه شيئًا، أو نصَب حيالَه ثوبًا، أو اسْتَظَلَّ بخَيْمَةٍ أو شَجَرَةٍ أو بَيْتٍ، فلا شئَ عليه. ولو قصَد به السِّتْرَ. ولم يَسْتَثْنِ ابنُ عَقِيلٍ، إذا

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حمَل على رأْسِه شيئًا وقصَد السِّتْرَ به ممَّا تجِبُ فيه الفِدْيَةُ.

ص: 242

وَفِى تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ.

ــ

قوله: وفى تَغْطِيَةِ الوَجْهِ رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ؛ إحداهما، يُباحُ، ولا فِدْيَةَ عليه. هذا الصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قالَه فى «الفُروعِ». قلتُ: منهم القاضى فى «تَعْلِيقِه» ، و «جَامِعِه» ، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ عَبْدُوس فى «تَذْكِرَتِه». قال فى «الرِّعايَةِ»:

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والجَوازُ أصحُّ. وصحَّحَه فى «الفُصُولِ» ، و «التَّصْحِيحِ» ، و «تَمامِ أبِى الحُسَيْنِ» ، و «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ» . وجزَم به فى «الوَجِيزِ» ، و «عُقُودِ ابنِ البَنَّا» ، وغيرِهما. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنَايَةِ» ، وغيرِهم؛ لاقْتِصارِهم على المَنْعِ مِن تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. وقدَّمه فى «الكَافِى» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، و «إدْرَاكِ الغَايَةِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ، وعليه الفِدْيَة بتَغْطِيَتِه. نقَلَها الأكثرُ

ص: 244

فَصْلٌ: الرَّابعُ، لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ،

ــ

عنِ الإمام أحمدَ. وقدَّمه فى «المُبْهِجِ» .

قوله: اَلرَّابعُ، لُبْسُ المخِيطِ والخُفَّيْن، إلَّا أنْ لا يَجِدَ إزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَراوِيلَ،

ص: 245

إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، أَوْ لا يَجِدَ نَعْلَيْن، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلَا يَقْطَعْهُمَا، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

ــ

أو نَعْلَيْن، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْن، ولا يقْطَعْهُما، ولا فِدْيَةَ عَلَيه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ فى رِوايَةِ الجَماعَةِ، وعليه الأصحابُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، إنْ لم يقطَعِ الخُفَّيْن إلى دُونِ الكَعْبَين، فعليه الفِدْيَةُ. قال الخَطَّابِيُّ (1): العَجَبُ مِنَ

(1) فى: معالم السنن 2/ 176، 177.

ص: 246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإِمامِ أحمدَ فى هذا -يعْنِى فى قوْلِه بعَدَمِ القَطْعِ- فإنَّه لا يَكادُ يُخالِفُ سُنَّةً تبْلُغُه. وقَلتْ سُنَّة لم تَبْلُغْه. قال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: والعَجَبُ كلُّ العَجَبِ مِنَ الخَطَّابِىِّ

ص: 247

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى تَوَهُّمِه عن أحمدَ مُخالَفَةَ السُّنَةِ أو خَفاءَهَا، وقد قال المَرُّوذِىُّ: احْتَجَّيْتُ على أبى عَبْدِ اللهِ بقَوْلِ ابنِ عمرَ، عنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وقلتُ: هو زِيادَةٌ فى الخَبَرِ. فقال: هذا حدِيثٌ، وذاك حدِيثٌ. فقدِ اطَّلَعَ على السُّنَةِ، وإنَّما نظرَ نظَرًا لا يَنْظُرُه إلَّا الفُقَهاءُ المُتَبَصِّرُون، وهذا يدُلُّ على غايَتِه فى الفِقْهِ والنَّظرَ. انتهى. وفى «الانْتِصَارِ» احْتِمالٌ، يَلْبَسُ سَراوِيلَ للعَوْرَةِ فقط. ويأْتِى فى أوَّلِ جَزاءِ

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّيْدِ، إذا لَبِسَ مُكْرَهًا.

تنبيه: ظاهرُ قولِه: ولا يَقْطَعْهما. أنَّه لا يجوزُ قَطْعُهما. وهو صحيحٌ. قال الِإمامُ أحمدُ: هو فَسادٌ. واحْتَجَّ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما بالنَّهْىِ عن إضاعَةِ المالِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وجوَّز القَطْعَ أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وقالَه القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وأنَّ فائِدَةَ التَّخْصِيصِ، كراهَتُه لغيرِ إحْرامٍ. قال المُصَنِّفُ:

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأوْلَى قَطَعُهما، عمَلًا بالحديثِ الصَّحيحِ، وخُروجًا عن حالِهما مِن غيرِ قَطْعٍ.

فوائد؛ الأُولَى، الرَّأَنُ كالخُفِّ فيما تقدَّم. الثانية، لو لُبِسَ مَقْطوعًا دُونَ

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكَعْبَيْن، مع وُجودِ نَعْلٍ، لم يَجُزْ، وعليه الفِدْيَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصُّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقال القاضى، وابنُ عَقِيل فى «مُفْرَداتِه» ، والمَجْدُ، والشَّيْخُ

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِىُّ الدِّينِ: يجوزُ له لُبْسُه، ولا فِدْيَةَ عليه؛ لأنَّه ليسَ بخُفٍّ. فلُبْسُ اللَّالِكَةِ والجُمْجُمِ ونحوِهما يَجُوزُ، على الثَّانِى لا الأوَّلِ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وقِياسُ قَوْلِ الإِمامِ أحمدَ فى اللَّالِكَةِ والجُمْجُمِ، عَدمُ لُبْسِهما، لا مع عدَمِ النَّعْلَيْن. الثَّالثةُ، لو وجَد نعْلًا لا يُمْكِنُه لُبْسُها، لَبسَ الخُفَّ، ولا فِدْيَةَ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشًّارِحُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. والمَنْصُوصُ عنِ الإمامِ أحمدَ، أنَّ عليه الفِدْيَةَ بلُبْسِ الخُفِّ. وقدَّمه فى «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قلتُ: هذا المذهبُ. الرَّابعةُ، يُباحُ النَّعْلُ كيْفما

ص: 252

وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً ولا رِدَاءً وَلَا غَيْرَهُ، إِلَّا إِزَارَهُ وَهِمْيَانَهُ الَّذِى فِيهِ نَفَقَتُهُ، إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِالْعَقْدِ.

ــ

كانت. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لإطْلاقِ إباحَتِها. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، تجِبُ الفِدْيَةُ فى عَقِبِ النَّعْلِ أو قَيْدِها، وهو السَّيْرُ المُعْتَرِضُ على الزِّمامِ. وذِكَرَه فى «الإرْشَادِ». قال القاضى: مُرادُه، العَرِيضَيْن. وصحَّحَه بعضُهم؛ لأنَّه مُعْتَادٌ فيها.

تنبيه: شَمِلَ قوْلُه: لُبْسُ المَخِيطِ. ما عُمِلَ على قَدْرِ العُضْوِ. وهذا إجْماعٌ؛ ولو كان دِرْعًا مَنْسُوجًا، أو لِبْدًا مَعْقُودًا، ونحوَ ذلك. قال جماعةٌ: بما عُمِلَ على قَدْرِه وقُصِدَ به. وقال القاضى وغيرُه: ولو كان غيرَ مُعْتادٍ، كجَوْرَبٍ فى كفٍّ، وخُفٍّ فى رأْسٍ، فعليه الفِدْيَة.

فائدة؛ لا يُشْتَرطُ فى اللُّبْسِ أنْ يكونَ كثيرًا، بلِ الكثيرُ والقَليلُ سَواءٌ.

فائدتان؛ إحداهما، قوله: ولا يَعْقِدُ عليه مِنْطَقَةً ولا رِدَاءً ولا غيرَه. نصَّ عليه، وليس له أنْ يُحْكِمَه بشَوْكَةٍ، أو إبْرَةٍ، أو خَيْطٍ، ولا يُزِرَّه فى عُرْوَتِه، ولا يَغْرِزَه فى إزَارِه، فإنْ فعَل، أَثِم وفَدَى. الثَّانيةُ، يجوزُ شَدُّ وَسَطِه بمِنْديلٍ وحبلٍ

ص: 253

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونحوِهما، إذا لم يَعْقِدْه. قال الِإمامُ أحمدُ، فى مُحْرِمٍ حزَم عِمَامةً على وَسَطِه: لا يعْقِدُها، ويُدْخِلُ بعضَها فى بعضٍ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدينِ: يجوزُ له شدُّ وسَطِه بحَبْلٍ وعِمَامَةٍ ونحوِهما، وبرِداءٍ لحاجَةٍ.

قوله: ولا يَعْقِدُ عليه مِنْطَقَةً. اعْلمْ أنَّ المِنْطَقَةَ لا تخْلُو؛ إمَّا أنْ يكُونَ فيها نَفَقَتُه أو لا، فإنْ كان فيها نَفَقَتُه، فحُكْمُها حُكْمُ الهِمْيَانِ، على ما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، وإنْ لم يكُنْ فيها نَفَقَتُه، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يَلْبَسَها لوجَعٍ أو لحِاجَةٍ أو غيرِهما، فإنْ لَبِسَها لوَجع أو حاجةٍ، فالصَّحيحُ أنَّه يَفْدِى. وكذا لو لَبِسَها لغيرِ حاجَةٍ بطَريقٍ أوْلَى. وفى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّرْغِيبِ» رِوايَةٌ؛ أنَّ

ص: 254

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المِنْطَقَةَ كالهِمْيَانِ. اختارَه الآجُرِّىُّ، وابنُ أبى مُوسَى، وابنُ حامِدٍ. وذكَر المُصَنِّفُ وغيرُه، أنَّ الفَرْقَ بينَهما النَّفَقَةُ وعدَمُها، وإلَّا فهما سَواءٌ. قال فى «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ.

قوله: إلَّا إزارَه وهِمْيانَه الذى فيه نَفَقَتُه، إذا لم يَثْبُتْ إلَّا بالعَقْدِ. أمَّا الإِزارُ إذا لم يَثْبُتْ إلَّا بالعَقْدِ، فله أنْ يعْقِدَه، بلا نِزاعٍ. وأمَّا الهِمْيَانُ، فله أيضًا أنْ يعْقِدَه إذا لم يثبُتْ إلَّا بالعَقْد، إذا كانتْ نفَقَتُه فيه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ.

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفى «رَوْضَةِ الفِقْهِ» لبَعضِ الأصحابِ، ولم يُعْلَمْ مَن هو مُصَنِّفُها، لا يَعْقِدُ سُيورَ الهِمْيَانِ. وقيلَ: لا بأْسَ، احْتِياطًا على النَّفقَةِ.

ص: 256

وَإنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَقَالَ الْخِرَلِىُّ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، إِلَّا أنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِى كُمَّيْهِ.

ــ

قوله: وإنْ طرَح على كَتِفَيْه قَبَاءً، فعليه ألفِدْيَةُ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجِيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الهِدَايَةِ» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. قلتُ: منهم القاضى فى «خِلافِه» ، وأبو الخَطَّابِ، والمَجْدُ. وقال الخِرَقِىُّ: لا فِدْيَةَ عليه، إلَّا أنْ يُدْخِلَ يدَيْه فى الكُمَّيْن. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. صحَّحَها فى «التَّلْخِيصِ» ،

ص: 257

وَيَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ عَنْدَ الضَّرُورَةِ.

ــ

و «الترْغِيبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» . ورَجَّحَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وجزَم به فى «المُبْهِجِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» . وأطْلَقهما فى «الفَائقِ» . وقال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: إذا طرَح القَبَاءَ على كتِفَيْه، ولم يُدْخِلْ يدَيْه فى الكُمَّيْن، فليسَ عليه شئٌ، وَجْهًا واحِدًا. وإنْ أدْخَلَ يدَيْه، ففى الفِدْيَةِ وَجْهان. قلتُ: وهو ضعيفٌ. ولم أرَه لغيرِه، فلعَلَّه سَها. وقال فى «الوَاضِحِ»: إنْ أدْخلَ إحْدَى يدَيْه، فَدَى.

تنييه: مفهومُ قولِه: ويتَقَلَّدُ بالسَّيْفِ عندَ الضَّرُورَةِ. أنَّه لا يتَقلَّدُ به عندَ عدَمِها. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم. وقطَع به كثيرٌ منهم.

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه، يتَقلَّدُ به لغير ضَرُورَةٍ. اخْتارَه ابنُ الزَّاغُونِىِّ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّ المُرادَ فى غيرِ مَكَّةَ؛ لأنَّ حَمْلَ السِّلاحِ فيها لا يَجُوزُ إلَّا لحاجَةٍ. نقَل الأثْرَمُ، لا يتَقَلَّدُ بمَكَةَ إلَّا لخَوْفٍ. وإنَّما منَع منه؛ لأنَّه فى مَعْنَى اللُّبْسِ عندَه. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى»: والقِياسُ إباحَتُه مِن غيرِ ضَرُورَةٍ؛ لأنَّ ذلك ليسَ فى مَعْنَى المَلْبُوسِ المَنْصُوصِ على تحْريمِه. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال، وظاهِرُه، أنَّهُ يُباحُ عندَه فى الحَرَمِ. انتهى. قلتُ: الذى يظْهَرُ أنَّ المُصَنِّفَ ما أرادَ ذلك، وانَّما أرادَ جوازَ التَّقَلُّدِ به للمُحْرِمِ، مِن غيرِ ضَرُورَةٍ فى الجُمْلَةِ، أمَّا المَنْعُ مِن ذلك فى مَكَّةَ، فله مَوْضِعٌ غيرُ هذا. وكذا ابنُ الزَّاغُونِىِّ، وكذا الرِّوايَةُ.

فائدة: الخُنْثَى المُشْكِلُ إنْ لَبِسَ المَخِيطَ، أو غَطَّى وَجْهَه وجسَدَه، لم يَلْزَمْه

ص: 259

فَصْلٌ: الْخَامِسُ، الطِّيبُ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تطْيِيبُ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ، وَشَمُّ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبةِ، وَالادِّهَانُ بِهَا،

ــ

فِدْيَة للشَّكِّ، وإنْ غَطَّى وَجْهَه ورأْسَه، فَدَى؛ لأنَّه إمَّا رجُلٌ أو امْرأةٌ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال أبو بَكْر: يُغَطِّى رأْسَه ويفْدِى. وذكَرَه أحمدُ عنِ ابنِ المُبارَكِ، ولم يُخالِفْه. وجزَم به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .

قوله: الخَامِسُ، شَمُّ الأدْهانِ المُطَيِّبةِ والادِّهانُ بها. يحْرُمُ الادِّهانُ بدُهْنٍ مُطَيِّبٍ، وتَجِبُ به الفِدْيَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وذكَر

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الوَاضِحِ» رِوايَةً؛ لافِدْيَةَ بذلك. ويأْتِى قرِيبًا حُكْمُ الأدْهانِ غيرِ المُطَيِّبَةِ.

ص: 261

وَشَمُّ الْمِسْكِ ؤِالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ [64 ظ] وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ، وَالتَّبَخِّرُ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ، وَأَكْلُ مَا فِيهِ طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَو رِيحُهُ.

ــ

قوله: وأكْلُ ما فيه طيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُه أو رِيحُه. إذا أكَل ما فيه طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُه أو رِيحُه، فَدَى، ولو كان مَطبُوخًا أو مَسَّتْه النَّارُ، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وإنْ كانت رائِحَتُه ذهَبَتْ، وَبقِىَ طَعْمُه، فالمَذهَبُ، كما قال المُصَنِّفُ، أنَّه يَحْرُمُ عليه، وعليه الفِدْيَةُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكَثرُ. وقيلَ:

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا فِدْيَةَ عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. ويأْتِى إذا اشْتَرى طِيبًا وحمَلَه وقَلَّبَه ولم يقْصِدْ شَمَّه، عندَ قوْلِه: وإنْ جلَس عندَ العَطَّارِ.

ص: 263

وَإنْ مَسَّ مِنَ الطِّيب مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. الْعُودِ وَالْفَوَاكِهِ وَالشِّيحِ وَالْخُزَامَى.

ــ

قوله: وإنْ مَسَّ مِنَ الطِّيبِ مالا يَعْلَقُ بيَدِه، فلا فِدْيَةَ عليه. بلا نِزاعٍ؛ كمِسْكٍ غيرِ مَسْحُوقٍ، وقِطَعِ كافُورٍ، وعَنْبَرٍ، ونحوِه. ومفْهُومُه، أنَّه إذا عَلِقَ بيَدِه، أنَّ عليه الفِدْيَةَ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، كغَاليةٍ وماءِ وَرْدٍ. وقيلَ: أو جَهِلَ ذلك، كمِسْكٍ مَسْحُوقٍ. قالَه فى «الرِّعايَةِ». ويأْتِى فى بابِ الفِدْيَةِ قبلَ قوْلِه: وإنْ رفَض إحْرامَه. لو مَسَّ طِيبًا يَظُنُّه يابِسًا فَبانَ رَطْبًا، هل تجِبُ عليه الفِدْيَةُ أم لا؟

فائدة: قوله: وله شَمُّ العُودِ والفَواكِهِ والشِّيحِ والخُزامَى. بِلا نِزاعٍ. وكذا

ص: 264

وَفِى شَمِّ الرَّيْحَانِ وَالنَّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْبَرَمِ وَنَحْوِهَا،

ــ

كلُّ نبَاتِ الصَّحْراءِ، وما يُنْبِتُه الآدَمِىُّ لا لقَصْدِ الطَّيبِ، كالَحِنَّاءِ والعُصْفُرِ. وكذا القَرَنْفُلُ والدارصِيِنيُّ (1) ونحوُها.

قوله: وفى شَمِّ الرَّيْحانِ والنَّرْجِسِ والوَرْدِ والبَنَفْسَجِ والبَرَمِ ونَحْوِها،

(1) الدارصينى: شجر هندى يكون بتخوم الصين كالرمان، وأوراقه كأوراق الجوز، إلا أنها أدق، ولا زهر له ولا بزر، وهو معرب عن (دارشين) الفارسى. تذكرة داود 137/ 1.

ص: 265

وَالِادِّهَانِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ فِى رَأْسِهِ، رِوَايَتَانِ.

ــ

والادِّهانِ بُدهْنٍ غيرِ مُطَيِّبٍ فِى رَأسِه، رِوايتَان. شَمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ شَيْئَيْن؛ أحدُهما، الادِّهانُ بدُهْنٍ غيرِ مُطَيِّبٍ. والثَّانِى، شَمُّ ماعدَا ذلك، ممَّا ذكَرَه ومخوِه، وهو ينْقَسِمُ إلى قِسْمَيْن؛ أخدُهما، ما يُنْبتُه الآدَمِىُّ للطِّيبِ، ولا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ، كالرَّيْحانِ الفارِسِىِّ، والنَّمَّام (1)، والبَرَمِ، والنَّرْجِسِ، والمَرْزَجُوشِ، ونحوِها، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُباحُ شَمُّه، ولا فِدْيَةَ فيه. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأصحابُ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ، و «إدْرَاكِ الغَايَةِ» . وجزَم به فى «الإفادَاتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وغيرِهم.

(1) النَّمَّام: نبت طيِّبٌ مُدِرٌّ، عى كذلك لسطوع رائحته؛ لأنه يدل بها على نفسه.

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والروايةُ الثَّانيةُ، يَحْرُمُ شَمُّه، وفيه الفِدْيَةُ وصحَّحَه فى «النَّظْمِ» . وصحَّحَ فى «التَّصْحِيحِ» ، أنَّه لا شئَ فى شَمِّ الرَّيْحانِ، وأوْجبَ الفِدْيَةَ فى شَمِّ النَّرْجِسِ، والبَرَمِ، وهو غريبٌ، أعْنِى التَّفْرِقَةَ بينَ الرَّيْحانِ وغيرِه، وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «عُقُودِ ابنِ البَنَّا» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وذكَر القاضى وغيرُه، أنَّه يَحْتمِلُ أنَّ المذهبَ رِوايَةً وأحِدَةً، لا فِدْيَةَ فيه، وأنَّ قوْلَ أحمدَ: ليسَ مِن آلةِ المُحْرِمِ. للكراهِيَةِ. وذكَر القاضى أيضًا رِوايَةً أُخْرَى؛ أنَّه يَحْرُمُ شَمُّ ما نبَت بنَفْسِه فقط. القِسْمُ الثَّاني، ما يَنْبُتُ للطِّيبِ، ويُتَّخَذُ منه طِيبٌ، كالوَرْدِ والبَنَفْسَجِ، والخِيرِىِّ، وهو المنْثُورُ، واللَّيْنُوفَرُ، واليَاسَمِينُ؛ وهو الذى يُتَّخَذُ منه الزَّنْبَقُ. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَحْرُمُ شَمُّه، وعليه الفِدْيَةُ إنْ شَمَّه. اخْتارَه القاضى. والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ، كماءِ الوَرْدِ. وصحَّحَه فى «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحِيحِ» ، و «الكَافِى» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وابنُ البَنَّا فى «عُقُودِه» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، أنَّه يُباحُ شَمُّه، ولا فدْيَةَ فيه. وجزَم به فى «الإفادَاتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ،

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المَذهَبِ الأحْمَدِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» .

تنبيهان؛ الأوَّلُ، مُرادُه بالرَّيْحانِ، الرَّيْحانُ الفارِسِىُّ. صرَّح به الأصحابُ. قال فى «إدْرَاكِ الغَايَةِ»: وله شَمُّ رَيْحانٍ. وعنه، بَرىٍّ. الثانى، تابعَ المُصَنِّفُ أبا الخَطَّابِ فى حِكايَةِ الرِّوايتَيْن فى جميعِ ذلك، وتابعَ أبا الخَطَّابِ أيضًا صاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرُهم. وحكَى المُصَنِّفُ فى «الكَافِى» ، فى الرَّيْحانِ الفارِسِىِّ، الرِّوايتَيْن، ثم قال: وفى سائرِ النَّباتِ الطيِّبِ الرَّائحَةِ، الذى لا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ، وَجْهان، قِياسًا على الرَّيْحانِ. وقدَّم ابنُ رَزِينٍ، أنَ جميعَ القِسْمَيْن فيه وَجْهان؛ الرَّيْحانُ وغيرُه، ثم قال: وقيل: فى الجميعِ رِوايتان. انتهى. فتَلَخَّصَ للأصحابِ فى حِكايَةِ الخِلافِ، ثَلاثُ طُرُقٍ.

[فائدة: الرَّيْحانُ وغيرُه نحوُه كأَصْلِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وفى «الفُصُولِ» احْتِمالٌ بالمَنْعِ، كماءِ وَرْدٍ. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ عَكسُه (1). انتهى](2). وأمَّا الادِّهانُ بدُهْنٍ لا طِيبَ فيه،

(1) فى أ: «عليه» . والمثبت من الفروع 3/ 379.

(2)

زيادة من: ش.

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كالزَّيْتِ والشَيْرَجِ، ودُهْنِ البَانِ السَّاذَجِ ونحوِها، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ والرِّوايتَيْن، جَوازُ ذلك، ولا فِدْيَةَ فيه. نصَّ عليه. وصحَّحَه فى «التَّصْحِيحِ» ، و «الرِّعايَة الكُبْرَى» . وجزَم به فى «المُبْهِجِ» ، و «الإِفَادَاتِ» ، و «الوَجِيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، وغيرِهم. قال ناظِمُ المُفْرَداتِ:

أو يَدَّهِنْ فى رَأسِه بالشَّيْرَجْ

أو زَيْتٍ المَنْصُوصُ لا مَنْ خرَّجْ

وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وصحَّحَه ابنُ البَنَّا فى «عُقُودِه» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، عدَمُ الجَوازِ، فإنْ فعَل، فعليه الفِدْيَةُ. قال فى «الفُروعِ»: ذكَر القاضى، أنَّه اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ. قلتُ: قال الخِرَقِىُّ فى «مُخْتَصَرِه» : ولا يدَّهِنُ بما فيه طِيبٌ، ولا ما لا طِيبَ فيه. فعطَفَه على مافيه الفِدْيَةُ، والظَّاهِرُ التَّساوِى. ويأْتِى فى التَّنْبِيهِ الثَّالثِ. قال القاضى: هذه الرِّوايَةُ أَنَصُّ الرِّوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «التَّرْغِيبِ» ،

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرَّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، و «الشَّرْحِ» . ولكنْ إنَّما حكَى الخِلافَ فى التَّحْرِيم وعدَمِه، لا فى وُجوبِ الفِدْيَةِ.

تنبيهات؛ الأَوَّلُ، شَمِلَ قوْلُ المُصَنِّفِ: والادِّهانُ بدُهْنٍ غيرِ مُطَيِّبٍ. الزَّيْتَ، والشَّيْرَجَ، والسَّمْنَ، والشَّحْمَ، والبَانَ السَّاذَجَ. وذكَرَه جماعَةٌ كثيرةٌ. واقْتَصرَ القاضى، وابنُ عَقِيلٍ على الزَّيْتِ والشَّيْرَجِ. وذكَر جماعَةٌ، أنَّ السَّمْنَ كالزَّيْتِ. الثَّافى، ظاهِرُ قوْلِه: فى رَأْسِه. أنَّ الخِلافَ مَخْصُوصٌ بالرَّأْسِ فقط. وفى غيرِه، يجوزُ. وهو اخْتِيارُ المُصَنِّفِ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّارِحِ» ، وتَبِعَهُما ابنُ مُنَجَّى، وناظِمُ المُفْرَداتِ، كما تقدَّم. قال فى «الفُروعِ»: فكانَ يَنْبَغِى أنْ يقولَ: والوَجْهِ. ولهذا قال بعضُ أصحابِنا: فى دَهْنِ

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شَعَرِه. فلم يَخُصَّ الرَّأْسَ. وقال القاضى وغيرُه: الرِّوايتَان فى رَأْسِه وبَدَنِه. قلتُ: وعلى هذا الأكثرُ، كالمُصَنِّفِ فى «الكَافِى» ، وصاحِبِ «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، وغيرهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذه طَرِيقَةُ الأكْثَرِين. قلتُ: ورَدَ النَّصُّ عن أحمدَ بالمَنْعِ فى الرَّأْسِ، فكذلك اقْتَصرَ عليه المُصَنِّفُ. ومَنْ أجْرَى الخِلافَ فى جميعِ البَدَنِ، نظَر إلى تَعْليلِ الِإمامِ أحمدَ بالشَّعَثِ، وهو موْجُودٌ فى البَدَنِ، وفى الرَّأْسِ أكثرُ. الثَّالثُ، حيثُ قُلْنا بالتَّحْريمِ، فإنَّ الفِدْيَةَ تجِبُ، على ظاهرِ كلامِ الأصحابِ. قالَه الزَّرْكَشِىُّ. قال: وكذلك قال القاضى فى «تَعْلِيقِه» : إنَّه ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لأنَّه منَع منه، واخْتِيارُ الخِرَقِىِّ. انتهى. قلتُ:

ص: 271

وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ، أَوْ فِى مَوْضِعٍ لِيَشَمَّ الطِّيبَ.، فَشَمَّهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

جزَم به فى «الفُروعِ» . ولم يُوجِبِ المُصَنِّفُ الفِدْيَةَ على كِلا الرِّوايتَيْن. وقال: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. وجزَم به فى «الشَّرْحِ» ، و «الحاوِيَيْن» . وقد ذكَر ذلك القاضى أيضًا فى «تَعْلِيقِه» ، لكِنَّه جعَل المَنْعَ مِن أحمدَ بمَعْنَى الكَراهَةِ مِن غيرِ فِدْيَةٍ.

قوله: وإنْ جلَس عندَ العَطَّارِ، أو فى مَوضعٍ ليَشَمَّ الطِّيبَ، فَشَمَّه -مثْلَ مَن قصَد الكَعْبَةَ حالَ تَجْمِيرِها- فعليه الفِديَةُ، وإلَّا فلا. متى قصَد شَمَّ الطِّيبِ، حَرُمَ عليه، وعليه الفِدْيَةُ إذا شَمَّ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وحكَى القاضى فى «التَّعْلِيقِ» ، وأبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصارِ» ، عن ابنِ حامِدٍ، يُباحُ ذلك.

ص: 272

فَصْلٌ: السَّادِسُ، قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ وَاصْطِيَادُهُ؛ وَهُوَ مَا كَانَ وَحْشِيًّا مَأْكُولَا، أوْ مُتَوِّلدًا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ.

ــ

فائدتان؛ إحداهما، يجوزُ لمُشْتَرِى الطِّيبِ حَمْلُه وتَقْليبُه، إذا لم يَمَسَّه ولو ظهَر رِيحُه؛ لأنَّه لم يقْصِدِ الطِّيبَ، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه. ذكَره ابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ويتَوَجَّهُ، ولو عَلِقَ بيَدِه؛ لعَدَمِ القَصْدِ، ولحاجَةِ التِّجارَةِ. وعن ابنِ عَقِيلٍ، إنْ حمَلَه مع ظُهورِ رِيحِه، لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ. ونقَل ابنُ القاسِمِ، لا يَصْلُحُ للعَطَّارِ يَحْمِلُه للتِّجارَةِ، إلَّا ما لا رِيحَ له. الثَّانيةُ، لو لَبِسَ، أو تَطَيِّبَ، أو غَطَّي رأْسَه جاهِلًا، فقال فى «الفُروعِ»: يتَوَجَّهُ أنْ يكونَ كالأَكْلِ فى الصَّوْمِ جاهِلًا. وقد قال القاضى لخَصْمِه: يجِبُ أنْ يقولَ ذلك.

قوله: السَّادِسُ، قَتْلُ الصَّيْدِ واصْطِيادُه؛ وهو ما كان وَحْشيًّا مأكُولًا. وهذا

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى قَتْلِه الجَزاءُ إجْماعًا مع تحْرِيمِه، إلَّا أنَّ فى بَقَرِ الوَحْشِ رِوايَةً؛ لا جَزاءَ فيها، على ما يأْتِى. ويأْتِى إذا قتَل الصَّيْدَ مُكْرَهًا أو ناسِيًا، فى بابِ الفِدْيَةِ.

قوله: أو مُتَوَلِّدًا منه ومِن غيرِه. شَمِلَ قِسْمَيْن؛ قِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بينَ وَحْشِىٍّ وأهْلِىٍّ،

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بينَ وَحْشِيٍّ وغيرِ مأْكُولٍ. وكِلاهُما يَحْرُمُ قتْلُه، قوْلًا واحِدًا، وعليه الجَزاءُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وما أُكِلَ أبوَاه فُدِىَ، وحَرُمَ قتْلُه، وكذا ما أُكِلَ أحَدُ أبَويْه دُونَه. وقيلَ: لا يُفْدَى، كمُحَرَّمِ الأبوَيْن. انتهى. وفى «الفُروعِ» هنا سَهْوٌ فى النَّقْلِ

ص: 275

فَمَنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ فِى يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ،

ــ

مِنَ «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: يأْتِى حُكْمُ غيرِ الوَحْشِىِّ، وما هو مُخْتَلَفٌ فيه، عندَ قوْلِه: ولا تَأْثِيرَ للحَرَمِ ولا للإِحْرامِ فى تحْرِيمِ حَيَوانٍ إنْسِىِّ. انتهى.

ص: 276

وَيَضْمَنُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ أشَارَ إِلَيْهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ،

ــ

فائدة: قوله: ويضْمَنُ مادَلَّ عليه، أو أَشارَ إليه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. نقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ، وابنُ إبْراهِيمَ، وأبو الحَارِثِ فى الدَّالِّ. ونقَلَه عَبْدُ اللهِ فى المُشِيرِ.

ص: 277

أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِى ذَبْحِهِ؛ مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّينًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا، فَيَكُونَ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا.

ــ

ونقَلَه أبو طالِبٍ فى المُشِيرِ وفى الذى يُعِينُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال فى «المُبْهِجِ» : إنْ كانتِ الدَّلالَةُ مُلْجِئَة، لَزِمَه الجَزاءُ للمُحْرِمِ، كقَوْلِه: دخَل

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّيْدُ فى هذه المغَارةِ. وإنْ كانت غيرَ مُلْجِئَةٍ، لم يَلْزَمْه، كقَوْلِه: ذَهب إلى تلكَ البَرِّيَّةِ. لأنَّه لا يضْمَنُ بالسَّبَبِ مع المُباشَرَةِ إذا لم يكُنْ مُلْجِئًا؛ لوُجوبِ الضَّمانِ على القاتلِ والدَّافِعِ، دونَ المُمْسِكِ والحافِرِ. وقال فى «الفَائقِ»: والمُخْتارُ تحريمُ الدَّلَالَةِ والإِشَارَةِ، دونَ لُزومِ الضَّمانِ بهما. وقال أبو حَكِيمٍ فى «شَرْحِه»: إذا أمْسَكَ المُحْرِمُ صَيْدًا حتى قتَلَه الحَلَالُ، لَزِمَه الجَزاءُ، ويرْجِعُ به على الحَلَالِ. قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: وهذا محْمُولٌ على أنَّه لم يُمْسِكْه ليَقْتُلَه، بل أمْسَكَه للتَّمَلُّك، فقتَلَه الحَلالُ بغيرِ إذْنِه، فيَرْجِعُ عليه بالجَزاءِ؛ لأنَّه ألْجَأَه على الضَّمانِ بقَتْلِه.

فوائد؛ إحداهِا، لا ضَمانَ على دَالٍّ ومُشِيرٍ إذا كان قد رآه مَن يُرِيدُ صَيْدَه قبلَ ذلك، وكذا لو وُجِدَ مِنَ المُحْرِم عندَ رُويَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ أو اسْتِشْرافٌ، ففَطِنَ له غيرُه فَصادَه، أو أَعارَه آلَةً لغيرِ الصَّيْدِ، فاسْتَعْمَلَها فيه. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ ما سبَق، لو دَلَّه فكَذَّبَه، لم يَضْمَنْ. الثَّانيةُ، لا يَحْرُمُ دَلالَةٌ على طِيبٍ ولِباسٍ. ذكَرَه القاضى، وابنُ شِهابٍ، وغيرُهما. واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» ؛ لأنَّه لا يَضْمَنُ بالسَّبَبِ، ولأنَّه لا يتعَلَّقُ بهما حُكْمٌ مُخْتَصٌّ، والدَّلَالَةُ على الصَّيْدِ يتعَلَّقُ بها حُكْمٌ مُخْتَصٌّ وهو مُخْتَصٌّ، وهو تحريمُ الأكْلِ والإِثْمُ. الثَّالثةُ، لو نصَب شَبَكَةً ثم أحْرَمَ، أو أحْرَمَ ثم حفرَ بئْرًا بحَقٍّ، كدَارِه، أو للمُسْلِمِين بطرِيقٍ واسِعٍ، لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بذلك، وإلَّا ضَمِنَ، كالآدَمِىِّ إذا تَلِفَ فى هذه المسْأْلَةِ.

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقَ في «الانْتِصَارِ» ضَمانَه، وأنَّه لا تجِبُ به كفَّارَةُ قَتْلٍ. قال في «الفُروعِ»: ومُرادُ مَن أطْلَقَ مِن أصحابِنا، والله أعلمُ، إذا لم يَتَحَيَّلْ، فالمذهَبُ، رِوايَةً واحدَةً. وإذا تَحَيَّلَ (1)، فالخِلافُ. قال: وعدَمُه أشْهَرُ وأظْهَرُ. وقال فى «الفُصُولِ» ، فى أوَاخِرِ الحَجِّ، فى دِبْقٍ (2): قبلَ إحْرامِه لا يَضْمَنُ به، بل بعدَه، كنَصْبِ أُحْبُولَةٍ، وحَفْرِ بِئْر، ورَمْىٍ، اعْتِبارًا بحالَةِ النَّصْبِ والرَّمْىِ، ويَحْتَمِلُ الضَّمانُ، اعْتِبارًا بحالِ الإِصابَةِ. وقال أيضًا: يتَصَدَّقُ مَن آذَاه أو أفْزَعَه بحسَبِ أذِيَّتِه اسْتِحْسانًا. قال: وتَقْرِيبُه كَلْبًا مِن مَكانِ الصَّيْدِ جنايةٌ، كتَقْرِيبه الصَّيْدَ مِن مَهْلَكَةٍ.

قوله: إلَّا أنْ يكونَ القاتِلُ مُحْرِمًا فيكُونَ جَزاؤُه بينهما. يعْنِى، إذا كان القاتِل مُحْرِمًا، والمُتَسَبِّبُ فى قَتْلِه مُحْرِمًا، فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنَّ الجَزاءَ بينَهما. وهو

(1) فى ا: «يتحيل» . وفى الأصل، ط:«لم يتحيل» . وكذا بالفروع 408/ 3.

(2)

الدبق: حمل شجر فى جوفه كالغراء لازق يلزق بجناح الطائر فيصاد به.

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، وإحْدَى الرِّواياتِ. اخْتارَها ابنُ حامِدٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به فى «الِإرْشَادِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» . وقدَّمه فى «الكافِى» ، وصحَّحَه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، على كُلِّ واحدٍ جَزاءٌ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ. وحكَاهُما فى «المُذْهبِ» وَجْهَيْن، وأطْلَقهما. والرِّوايَةُ الثَّالثةُ، عليهما جَزاءٌ واحدٌ، إلَّا أنْ يكونَ صَوْمًا، فعلي كلِّ واحدٍ صَوْمٌ تَامٌّ. [ولو أهْدَى واحِدٌ، وصامَ الآخَرُ، فعلى المُهْدِى بحِصَّتِه، وعلى الصَّائمِ صَوْمٌ تَامٌّ](1). نقَل هذه الرِّوايَةَ

(1) زيادة من: ش.

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن الإمامِ أحمدَ الجماعَةُ، ونَصَرها القاضى وأصحابُه. وقال الحَلْوَانِىُّ: عليها الأكثرُ. وقدمها فى «المُبْهِجِ» ، وقال: هى أظْهَرُ. وقيل: لا جَزاءَ على مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مع مُحْرِمٍ قاتِلٍ. قال فى «الفُروعِ» : فيُؤْخَذُ مِن هذا، لا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع مُباشِرٍ. قال: ولعَلَّه أظْهَرُ، لاسِيَّما إذا أمْسَكَه ليَمْلِكَه، فقتلَه مُحِلٌّ. انتهى. وقيلَ: القَرارُ على القاتِلِ؛ لأنَّه هو جعَل فِعْلَ المُمْسِكِ عِلَّةً. قال فى «الفُروعِ» : وهذا مُتَوَجَّهٌ. وجزَم ابنُ شِهَابٍ، أنَّ الجَزاءَ على المُمْسِك؛ لتَأَكُّدِه، وأنَّ عكْسَه (1) المالُ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. ويأْتِى ذلك أيضًا فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخِرِ بابِ جَزاءِ الصَّيْدِ، عندَ قوْلِه: وإنِ اشْترَكَ جماعةٌ فى قَتْلِ صَيْدٍ.

(1) فى الأصل، ا:«عليه» . وانظر: الفروع 3/ 412.

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، كذا الحُكْمُ والخِلافُ لو كان الشَّرِيكُ سَبُعًا، فإنْ سبَق حَلَالٌ أو سَبُعٌ، فجَرَحَه أحدُهما ثم قتَلَه المُحْرِمُ، فعليه جَزاؤُه مَجْرُوحًا، وإنْ سبَق هو فجَرحَه، وقتَلَه أحدُهما، فعلى المُحْرِمِ أرْشُ جَرْحِه، فلو كانَا مُحْرِمَيْن، ضَمِنَ الجارِحُ نقْصَه، والقاتِلُ تَتِمَّةَ الجَزاءِ. ولو جرَح المُحِلُّ والمُحْرِمُ معًا، قيل: على المُحْرِمِ بقِسْطِه. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ فى «خِلَافِه» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . وقيلَ: عليه جَزاءٌ كامِلٌ. جزَم به القاضى أبو الحُسَيْنِ، والشَّارِحُ. وأطْلَقهما الزَّرْكَشِىُّ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» . الثانية، لو كان الدَّالُّ والشَّرِيكُ لا ضَمانَ عليه، كالمُحِلِّ مع المُحْرِمِ، فالجَزاءُ جمِيعُه على المُحْرِمِ. على الصَّحيَحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: فى الأشْهَرِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصرَاه، وقالَا: هذا ظاهِرُ قَوْلِ أحمدَ. وجزَم به فى «المُبْهِجِ» . قال ابنُ البَنَّا: نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ» : والمَنْقُولُ عن أحمدَ، إطْلاقُ القَوْلِ. ولم يُبَيِّنْ. قال القاضى: فيَحْتَمِلُ أنْ يريدَ به جميعَه، ويَحْتَمِلُ بحِصَّتِه. وذكَر بعضُهم وَجْهَيْن؛ لأنَّه اجْتمَعَ مُوجِبٌ ومُسْقِطٌ، فغلَبَ الإِيجابُ. قال فى «القَاعِدَةِ الثَّامنَةِ والعِشْرِين»: قال القاضى فى «المُجَرَّدِ» : مُقْتَضَى الفِقْهِ عندِى، أنَّه يَلْزَمُه نِصْفُ الجَزاءِ. الثَّالثةُ، لو دَلَّ حَلالٌ حَلالًا على صَيْدٍ فى الحَرَمِ.

ص: 284

وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الأَكلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَكلُ مَا صِيدَ لأَجْلِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.

ــ

فهو كما لو دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا على صَيْدٍ. قالَه ناظِمُ المُفْرَداتِ، وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال جماعةٌ: لا ضَمانَ على دالٍّ فى حِلٍّ، بل على المَدْلُولِ وحدَه، كَحَلالٍ دلَّ مُحْرِمًا. ويأْتِى ذلك فى أوَّلِ بابِ صَيْدِ الحَرَمِ.

قوله: ويحْرُمُ عليهِ الأكْلُ مِن ذلك كُلِّه، وأكْلُ ما صِيدَ لأجْلِه. يحْرُمُ على المُحْرِمِ الأكْلُ مِن كلِّ صَيْدٍ صادَه أو ذَبحَه إجْماعًا، وكذا إنْ دلَّ مُحْرِمٌ حَلالًا

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه، فقَتَلَه، أو أَعانَه، أو أشارَ إليه، ويحْرُمُ عليه ما صِيدَ لأَجلِها. على الصَّحيحِ

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ المذهبِ. نقَله الجماعةُ عن الإمامِ أحمدَ، وعليه الأصحابُ، وعليه الجَزاءُ إنْ

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أكلَه، وإنْ أَكَل بعضَه ضَمِنَه بمِثْلِه مِنَ اللَّحْمِ. وفى «الانْتِصَارِ» احْتِمالٌ بجَوازِ أكْلَ ما صِيدَ لأَجْلِه.

فائدتان؛ إحداهما، ماحَرُمَ على المُحْرِمِ، بدَلَالَةٍ أو إعانَةٍ أو صِيدَله، لا يَحْرُمُ على مُحْرِمٍ غيرِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا.

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: يَحْرُمُ. الثَّانيةُ، لو قَتَل المُحْرِمُ صَيْدًا، ثم أكَلَه، ضَمِنَه لقَتْلِه لا لأَكْلِه. نصَّ عليه. وكذا إنْ حَرُمَ عليه بالدَّلالَةِ أو الإِعانَةِ عليه أو الإِشارَةِ، فأَكَل منه، لم يَضْمَنْ للأَكْلِ؛ لأنَّه صَيْدٌ مَضْمُون بالجزاءِ مَرَّةً، فلم يجِبْ به جَزاءٌ ثانٍ، كما لو أَتْلَفَه. وهذا المذهبُ، وجزَم به الأكثرُ. وقال فى «الغُنْيَةِ»: عليه الجَزاءُ.

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: دخَل فى قولِه: ولا يحْرُمُ عليه الأكْلُ مِن غيرِ ذلك. لو ذبَح مُحِلٍّ صَيْدًا لغيرِه مِنَ المُحْرِمِين، فإنَّه يَحْرُمُ على المَذْبُوحِ له، ولا يَحْرُمُ على غيرِه مِنَ المُحْرِمِين، على الصَّحيحِ مِن المذهَبِ. جزَم به فى «التَّلْخِيصِ» وغيرِه. وقيلَ:

ص: 290

وَإنْ أَتلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ، أَوْ نَقَلَهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَفَسَدَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ [65 و] بِقِيمَتِهِ.

ــ

يحْرُمُ عليه أيضًا. وأطْلَقهما فى «القَاعِدَةِ الثَّانيةِ بعدَ المِائَةِ» .

قوله: وإنْ أتْلَف بَيْضَ صَيْدٍ، أو نقَلَه إلى مَوضِعٍ آخرَ ففَسَد، فعليه ضَمانُه بقِيمَتِه. إذا أتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ بفِعْلِه، أو بنَقْلٍ ونحوِه، فحُكْمُه حُكْمُ الصَّيْدِ، على ما تقدَّم.

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: فعليه ضَمانُه بقِيمَتِه. أنَّه إذا لم يكُنْ له قِيمَةٌ، كالمَذِرِ، لا شئَ عليه فيه، ولو كان فيه فَرْخٌ مَيِّتٌ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أكثرُ الأصحابِ، لكِن يُسْتَثْنَى مِنَ المَذِرِ بَيْضُ النَّعامِ؛ فإنَّ الأصحابَ قالُوا: لقِشْرِ بَيْضِه قِيمَةٌ. وعنه، لا شئَ فى قِشْرِه أيضًا. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقال

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحَلْوانِىُّ فى «المُوجَزِ» : إنْ تصَوَّرَ وتخَلَّقَ الفَرْخُ فى بَيْضَتِه، ففيه ما فى جَنِينِ

ص: 293

وَلَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِغَيْرِ الإِرْثِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِهِ أيْضًا.

ــ

صَيْدٍ سقَط بالضَرْبَةِ مَمِّتًا. انتهى. وإنْ كسَر بَيْضَةً، فخَرج منها فَرْخٌ فعَاشَ، فلا شئَ فيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. قدَّمه فى «المُغنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أنْ يضْمنَه، إلَّا أنْ يُحْفَظَ مِنَ الخارِجِ إلى أنْ ينْهَضَ فيَطِيرَ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يضْمنَه؛ لأنَّه لم يَجْعَلْه غيرَ مُمْتَنِعٍ بعدَ أنْ كان مُمْتَنِعًا، بل ترَكَه على صِفَتِه. انتهى. ويأْتِى إذا قتَل حامِلًا، فأَلْقَتْ جَنِينَها مَيِّتًا، فى جَزاءِ الصَّيْدِ.

قوله: ولَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بغيرِ الإِرْثِ. لا يَمْلِكُ الصَّيْدَ ابْتِداءً بشِراءٍ، ولا باتِّهابٍ، ولا باصْطِادٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: ولا يَمْلِكُ صَيْدًا باصْطِادِه بحالٍ، ولا بِشِراءٍ ولا باتِّهابٍ فى الأصحِّ فيهما. فحكَى وَجْهًا بصِحَّةِ المِلْكِ بالشِّراءِ والاتِّهابِ. وقال فى «الفُروعِ»: وفى «الرِّعايَةِ» ، يَمْلِكُه بشِرَاءٍ أو اتِّهابٍ. والظَّاهِرُ، أنَّه سقَط لَفْظَةُ «قَوْل» . فعلى المذهبِ، لو قبَضَه ثم تَلِفَ، فعليه جَزاؤُه، وعليه قِيمَةُ المُعَيَّنِ لمالِكِه. وقال

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الرِّعايَةِ» : لا شئَ لوَاهِبِه. انتهى. وعلى المذهبِ أيضًا، لو قبَضَه رَهْنًا فتَلِفَ، فعليه جَزاؤُه فقط، وإنْ لم يتْلَفْ، فعليه رَدُّه، فإنْ أرْسلَه، فعليه ضَمانُه لمالِكِه، وليسَ عليه جَزاءٌ، ويَرُدُّ المَبِيعَ ولا يُرْسِلُه. قال المُصَنِّفُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَه إرْسالُه. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» . ويَرُدُّ الموْهُوبَ على وَاهِبِه، على الصَّحِيحِ، كالمَبِيعِ، فإن تَلِفَ بعدَ رَدِّة، فهَدَرٌ قبلَ الرَّد مِن ضَمانِه. ولا يتَوَكَّلُ المُحْرِمُ -خرَج به إلى الحِلِّ- فى بَيْعِ الصَّيْدِ ولا شِرائِه، فلو خالَفَ لم يصِحَّ عقْدُه. ولا يسْتَرِدُّ المُحْرِمُ الصَّيْدَ الذى باعَه وهو حَلالٌ، بخِيَارٍ ولا عَيْبٍ فى ثَمَنِه ولا غيرِ ذلك؛ لأنَّه ابْتِداءُ مِلْكٍ، وإنْ رَدَّه المُشْتَرِى عليه بخِيَارٍ أو عَيْبٍ، فله ذلك، ويَلْزَمُ المُحْرِمَ إرْسالُه. وأمَّا مِلْكُه بالإِرْثِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَمْلِكُه به، وعليه

ص: 295

وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حَتّي تَحَلَّلَ، ثُمَّ تَلِفَ أَوْ ذَبَحَهُ، ضَمِنَهُ، وَكَانَ مَيْتَةً. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ أَكْلُهُ.

ــ

جماهيرُ الأصحابِ. وقيلَ: لا يَمْلِكُه به أيضًا. فعليه، يكونُ أحَقَّ به، فيَمْلِكُه إذا حَلَّ. وأطْلَقهما فى «القاعِدَةِ الخَمْسِين» ، [و «المُحَرَّرِ»، و «الرِّعايَةِ»، وغيرِهم](1).

قوله: وإنْ أمْسَكَ صَيْدًا حتى تحلَّلَ، ثم تَلِفَ أو ذَبَحَه، ضَمِنَه، وكان مَيْتَةً. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، إلَّا أبا الخَطَّابِ؛ فإنَّه قال: له أكْلُه، ويَضْمَنُه. كما قالَه المُصَنِّفُ.

فوائد؛ الأُولَى، وكذا الحُكْمُ لو أمْسَكَ صَيْدَ الحَرَمِ، وخرَج به إلي الحِلِّ. الثَّانيةُ، لو حلَب الصَّيْدَ بعدَ إخْراجِه إلى الحِلِّ، أو بعدَ حِلِّه (2)، ضَمِنَه بقِيمَتِه، وهل يَحْرُمُ أم لا؛ لأنَّ تحْريمَ الصَّيْدِ لعارِض؟ فيه احْتِمالَان فى «الفُنونِ» ، قلتُ:

(1) زيادة من: ش.

(2)

فى الأصل، ط:«حكمه» .

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأَوْلَى تحْرِيمُه، كأَصْلِه. قال فى «الفُروعِ»: فيتَوَجَّهُ مِثْلُه بَيْضُه. الثَّالثةُ، لو ذبَح المُحْرِمُ صَيْدًا، أو قتَلَه، فهو مَيْتَةٌ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ، فيَحْرُمُ أكْلُه على المُحْرِمِ والحَلالِ. الرَّابعةُ، لو ذبَح مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَم، فكَالمُحْرِمِ. ويأْتِى إذا اضْطُرَّ إلى أكلِ صَيْدٍ فذَبحَه، هل هو مَيْتَةٌ، أو يَحِلُّ بذَبْحِه؟ عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ: ومَنِ اضطُرَّ إلى أكْلِ الصَّيْدِ، فله اكْلُه. الخامسةُ، لو كسَر مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ، حرُم عليه اكْلُه، ويُباحُ أكْلُه للحَلالِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، لأنَّ حِلَّه له لا يقِفُ على كَسْرِه، ولا يُعْتَبرُ له أهْلِيَّتُه، فلو كسَرَه مَجُوسِىٌّ، أو بغيرِ تَسْمِيَةٍ، حلَّ. وقال القاضى: يحْرُمُ على الحَلالِ أيضًا، كالصَّيْدِ، لأنَّ كسْرَه جرَى مَجْرَى الذَّبْحِ؛ بدَليلِ حِلِّه للمُحْرِمِ بكَسْرِ الحَلالِ له، وتحْرِيمِه عليه بكَسْرِ المُحْرِمِ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: يَحْرُمُ عليه ما كسَرَه. وقيل: وعلى حَلالٍ ومُحْرِمٍ.

ص: 297

وَإنْ أَحْرَمَ وَفِى يَدِهِ صَيْدٌ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ، لَزِمَهُ إِزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل، فَتَلِفَ، ضَمِنَهُ، وَإنْ أرْسَلَهُ إِنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا، فَلَا ضَمَان عَلَى الْمُرْسِلِ.

ــ

قوله: وإنْ أحْرَمَ وفى يَدِه صَيْدٌ، أو دخَل الحرَمَ بصَيْدٍ، لَزِمَه إزالَةُ يَدِه المُشَاهَدَةِ دونَ الحُكْمِيَّةِ عنه. إذا أحْرَمَ وفى يَدِه صَيْدٌ، لَزِمَه إزالَةُ يَدِه المشاهَدَةِ، مثلَ ما إذا كان فى قَبْضَتِه، أو خَيْمَتِه، أو رَحْلِه، أو قَفَصِه، أو مَرْبُوطًا بحَبْلٍ معه، ونحوِه، ومِلْكُه باقٍ عليه، فيَرُدُّه مَن أخذَه (1)، ويَضْمَنُه مَن قتَلَه، دونَ الحُكْمِيَّةِ، مثلَ أنْ يكونَ فى بَيْتِه، أو بلَدِه، أو فى يَدِ نائبٍ له فى غيرِ مَكانِه، ومِلْكُه باقٍ عليه أيضًا، ولا يَضْمَنُه إنْ تَلِفَ، وله التَّصَرُّفُ فيه بالبَيْعِ والهِبَةِ وغيرِهما، ومَن غصَبَه لَزِمَه رَدُّه. وهذا المذهبُ فيهما، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الفُروعِ»: وجزَم فى

(1) في الأصل، ط:«حده» .

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايَةِ» ، لا يصحُّ نقْلُ مِلكِه عمَّا بيَدِه المُشاهَدَةِ. قال: فيه نَظَرٌ. انتهى. قلتُ: لم أجِدْ ذلك في «الرِّعايتَيْن» ، بل صرح في «الكبْرَى» بالجَوازِ؛ فقال: ومن أحْرَمَ، أو دخَل الحَرَمَ، وله صَيْد، أو ملَكَه بعدُ، لم يَزُل مِلْكُه عنه، وإنْ كان بيَدِه ابْتِداءً أو دَوامًا، أو معه في قَفَص أو حَبْلٍ، أرْسَلَه، ومِلكُه فيه باقٍ، وله بَيْعُه وهِبَتُه بشَرْطِهما. انتهى. وقال في «عُيُونِ المَسائلِ»: إنْ أحْرَمَ وعندَه صَيْدٌ، زالَ مِلْكُه عنه؛ لأنَّه لا يجوز ابْتدِاءُ مِلْكِه. والنِّكاحُ يُرادُ للاسْتِدامَةِ والبَقاءِ، فلهذا لا يزُولُ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. وأمَّا إذا دخَل الحَرَمَ بصَيْدٍ، فالمذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونقَلَه الجَماعَةُ، أنَّه يَلزَمُه إزالَةُ يَدِه عنه وإرْسالُه، فإنْ أتْلفَه أو تَلِفَ، ضمِنَه. كما قال المُصَنِّفُ، كصَيْدِ الحِلِّ في الحَرَمِ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ أنَّه لا يَلزَمُه إرْسالُه، وله ذَبْحُه، ونَقْل المِلْكِ فيه؛ لأنَّ

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّارِعَ إنَّما نهَى عن تَنْفيرِ صَيْدِ مَكَّةَ، ولم يُبَيِّنْ مثلَ هذا الحُكْمِ الخَفِيِّ مع كَثْرَةِ وُقوعِه، والصَّحابَةُ مُخْتلِفون، وقِياسُه على الإحْرامِ فيه نَظَر؛ لأنَّه آكُدُ لتَحْريمِه ما لا يُحَرِّمُه.

قوله: فإنْ لم يفْعَلْ، فتَلِفَ، ضَمِنَه. إذا أحرَمَ وفي مِلْكِه صَيْدٌ، وهو في يدِه المُشاهَدَةِ، لَزِمَه إرْسالُه، فإنْ لم يفْعَلْ حتَّى تَلِفَ، فجزمَ المُصَنِّفُ هنا، أنَّه يَضْمَنُه مُطلَقاً. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. وجزَم به فى «الوَجِيزِ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» . وهو تَخْريجٌ لابنِ عَقِيلٍ. وهو ظاهِرُ ما جزَم به النَّاظِمُ، كالمُصَنِّفِ. والوَجْهُ الثَّانى، إنْ أمْكنَه إرْسالُه فلم يُرسِلْه حتَّى تَلِفَ، ضَمِنَه، وإلَّا فلا؛ لعدَمِ تَفْرِيطِه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قالَه فى «الفُروعِ» . ونَصَّ أحمدُ على التَّفْرِقةِ بينَ اليَدَيْن. وجزَم به في «المُغْنِي» و «الشرْح» و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «شَرْح ابنِ رَزِين» . وقدَّمه فى «الفُصُولِ» . ويَحتَمِلُه كلام المُصَنِّفِ هنا

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَيضًا. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وأمَّا إذا ملَك الصَّيْدَ في الحِلِّ، ودخَل به في الحَرَمِ، ولم يُرْسِلْه حتَّى أتْلَفَه، أو تَلِفَ في يَدِه، فإنَّه يَضمَنُه، قوْلاً واحِداً عندَ الأصحابِ. ونقَله الجماعَةُ. كما تقدَّم.

فائدة: لو أمْسَكَ صَيْداً في الإحْرامِ، لَزِمَه إرْسالُه، فإنْ ماتَ قبلَ إرْسالِه، ضَمِنَه مُطْلَقًا، قوْلاً واحِداً.

قوله: وإنْ أرْسَلَه إنْسان مِنْ يَدِه قَهْرًا، فلا ضَمانَ على المُرْسِلِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: وعندَ أبي حَنِيفَةَ يَضْمَنُه؛

ص: 301

وَإنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائلاً عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ،

ــ

لانَ مِلْكَه مُحْترَمٌ، فلا يَبْطُلُ بإحْرامِه. وقوَّى أدِلَّتَه، ومالَ إليها، وقال بعدَ ذلك: فَظَهَر أنَّ قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ مُتَوَجِّهٌ. قلتُ: قطَع بذلك فى «المُبْهِجِ» ؛ فقال فى فَصْل جَزاءِ الصَيْدِ: فإنْ كان في يَدِه صَيْد قبلَ الإحْرامِ، ثم أحْرَمَ، فأرْسَلَه مِن يَدِه غيرُه بغيرِ إذْنِه، لَزِمَه ضَمانُه، سَواء كان المُرْسِلُ حَلالاً أو مُحْرِمًا. انتهى. ونقَل هذا فى «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والتِّسْعِين» ، ثم قال: اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ المُرْسِلُ حاكِمًا أو وَلِيَّ صَبِيِّ، فلا ضَمانَكما للوِلايةِ. ثم قال: هذا كلُّه بِناءٌ على قوْلِنا: يجِبُ إرْسالُه وإلْحاقُه بالوَحْشِىِّ. وهو المَنْصُوصُ، أمَّا إنْ قُلْنا: يجوزُ له نقْلُ يَدِه عنه إلى غيرِه بإعَارَةٍ أو إيدَاعٍ، كما قالَه القاضِيّ في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في بابِ العارِيَّةِ، فالضَّمانُ واجِبٌ بغيرِ إشْكالٍ. انتهى.

فائدة: لو أمْسَكَه حتى حَلَّ فمِلْكُه باقٍ عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقالَه القاضِيّ وغيرُه مِنَ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُغْنِي» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال فى «الكَافِي» : يُرْسِلُه بعدَ حِلِّه، كما لو صادَه وهو مُحْرِمٌ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الكبْرَى». قال فى «الفُروعَ»: كذا قال.

قوله: وإنْ قتَلَ صَيْدًا صائِلاً عليه دَفْعًا عن نَفْسِه، لم يَضْمَنْه. هذا المذهبُ.

ص: 302

أوْ بِتَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُع، أوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ فِيهمَا.

ــ

وعليه الأصحابُ. قالَه القاضِى. وهو ظاهِرُ كلامِ الامامِ أحمدَ وقِياسُ قَوْلِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَرْحِ» ، وغيرِهم. ولا فرْقَ بينَ أنْ يخْشَى منه التَّلَفَ أو مضَرَّةً، كجَرْحِه، أو إتْلافِ مالِه، أو بعضِ حَيوانِه. قالَه الأصحابُ. وقال أبو بَكْر في «التَّنْبِيهِ»: عليه الجَزاءُ.

قوله: أوْ بتَخْلِيصِه مِنْ سَبُع، أوْ شَبَكةٍ لِيُطلِقَه، لَمْ يَضْمَنْه إذا تَلِفَ. يعْنِي، إذا فكَّه بسَبَبِ تخْلِيصِه من سَبُعٍ أو شَبَكَةٍ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال: في الأشْهَرِ. وقيل: يَضْمَنُه. ويأتِي في باب الغَصْبِ، إذا حالَ حَيوانٌ بينَه وبينَ

ص: 303

وَلا تَأثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلا لِلْإحْرَامِ في تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ، وَلا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ.، إلَّا الْقَمْلَ في رِوَايَةٍ. وَأيُّ شَيءٍ تَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ خَيْرًا مِنه.

ــ

مالِه وقتلَه، هل يَضْمَنُه أم لا؟ ويأتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، إذا أتْلَفَ بعضَ الصَّيْدِ أو جرَحَه.

قوله: ولا تَأثِيرَ للحَرَمِ ولا للإحْرامِ في تَحْريمِ حَيوانٍ إنْسِيُّ، ولا مُحَرَّمِ الأكْلِ. ذكَر المُصَنِّفُ هنا شَيْئَين؛ أحدُهما، الحَيوان الإنْسِىُّ. والثَّانى، الحَيوانُ المُحَرَّم أكْلُه. فأمَّا الحَيوان الإنْسِيُّ، فلا يَحرمُ على المُحْرِمِ، ولا في الحَرَمِ إجْماعًا، لكِنَّ الاعْتِبارَ في الوَحْشِيِّ والأهْلِيِّ بأصْلِه، فالحَمامُ وَحْشِىٍّ، وإنْ تأهَّلَ، نصَّ عليه، ففيه الجَزاءُ كالمُتَوَحِّشِ. قطَع به الأصحابُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ،

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّ البَطَّ كالحَمامِ، فهو وَحْشِيُّ وإنْ تأَهَّلَ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيٌّ: المُصَحَّحُ وُجوبُ الجَزاءِ. وعنه،

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يَضْمَنُه إذا كان أهْلِيًّا؛ لأنه مألوف بأصْلِ الخِلْقَةِ. قال في «الفُروعِ» : كذا قالوا. وأطْلَقَ بعضُ الأصحابِ في الدَّجاجِ رِوايتَيْن، وخصَّهما ابنُ أبِي مُوسى ومَنْ

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تابعَه بدَجَاجِ السِّنْدِ. وصحَّح المُصَنِّفُ، والشارِحُ، أنَّ الدَّجاجَ السِّنْدِيَّ وَحْشِيٌّ، كالحَمامِ. وأطْلَقَ في «الفَائقِ» ، في دَجاجِ السِّنْدِ والبَطِّ، الروايتَيْن. وقدَّم في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، أنَّ في الدَّجاجِ الأهْلِيِّ الجَزَاءَ. قلتُ: هذا مُشْكِلٌ جِدًّا، ورُبَّما كان مخالِفَ الإجْمَاعِ، والاعْتِبارُ في الأهْلِيِّ بأَصْلِه، فلو توَحَّشَ بَقَرٌ أو غيرُه فهو أهْلِيٌّ. قال الإمامُ أحمدُ، في بَقَرَةٍ توَحَّشَتْ: لا شئَ فيها.

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الجَوامِيسَ أهْلِيَّةَ مُطْلَقًا. ذكَرَه القاضِيّ وغيرُه. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» وغيره. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايَةِ»: وما توَحَّشَ مِن إنْسِيِّ، أو تأْنَّسَ مِن وَحْشِيٍّ، فليسَ صَيْدًا. وقيلَ: ما توَحَّشَ مِن إنْسِيِّ، فهو على الإباحَةِ لرَبِّه ولغيرِه، وما تأنَّسَ مِن وَحْشِيٍّ، فكما لو لم يَتَأنَّسْ. وقيل: ما تَلِفَ مِن وَحْشِيٍّ، لم يَحِلَّ، وفيه الجَزاءُ، ولو توَحَّشَ إنْسِيٌّ، لم يَحْرُمْ. انتهى. وأمَّا مُحَرّم الأكْلِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهب، أنَّه لا جَزاءَ في قَتْلِه، إلَّا ما سبَق مِنَ المُتَولِّدِ، وما يَأتِي في القَمْلِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ مِن حيثُ الجُمْلَةُ.

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الإمامُ أحمدُ: لا فِدْيَةَ في الضِّفْدَعِ. وقال في «الإرْشَادِ» : فيه حُكومَة. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». ونقَلَه عَبْدُ اللهِ. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: لا أعرِفُ له وَجْهاً. وقال ابنُ عَقِيلٍ: في النَّمْلَة لُقْمَةٌ، أو تَمْرَةٌ إذا لم تُؤْذِه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويتَخرَّجُ مِثْلُ ذلك في النَّحْلَةِ، وفي أُمِّ حُبَيْن وَجْهٌ؛ يَضْمَنُها بجَدْي. اخْتارَه بعضُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو خِلافُ القِياسِ. وأُمُّ حُبَيْن؛ هي الحِرْباءُ. قال في «الفُروعِ» : وهي دابَّةٌ معْروفَةٌ، مثلُ أمِّ عُرْس، وابنِ آوَى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هي دابَّةٌ مُنْتَفِخَةُ البَطْنِ. قال فى «الفُروعِ» : فيتَوجَّهُ مثْلُه كلُّ مُحَرَّمٍ لم يُؤْمَرْ بقَتْلِه. انتهى. وفي السِّنَّوْرِ الأهْلِيِّ وَجْهٌ؛ أنَّ فيه الجَزاءَ. ويأْتِي الكلامُ في الثَّعْلَبِ، والسِّنَّوْرِ الأهْلِيِّ، والهُدْهُدِ، والقِرْدِ، ونحوِها، في بابِ جَزاءِ الصَّيْدِ.

قوله: إلَّا القَمْلَ في رِوَايةٍ، إذا قَتَلَه المُحْرِمُ. اعلمْ أنَّ في جَوازِ قَتْلِ القَمْلِ

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصِئبانِه (1) للمُحْرِمِ رِوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكَافِي» ، و «الهَادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ إحداهما، يُباحُ قتْلُها، كالبَراغِيثِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُباحُ قتْلُها. وهي الصَّحِيحَةُ مِنَ المذهبِ، وهي ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قال

(1) الصئبان: بيض القمل والبرغوث، واحدته صئبانة.

ص: 310

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِيٌّ: هي أنَصُّ الرِّوايتَيْن، واخْتِيار الخِرَقِيِّ. وجزَم به في «الإفاداتِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «المُحَرَّرِ» . فعلى المذهبِ، هل يجِبُ عليه في قَتْلِها جَزاءٌ؟ فيه رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الكَافِي» ، إحداهما، لا جَزاءَ عليه. وهي المذهبُ. قال في «العُمْدَةِ»: لا شئَ فيما حَرُمَ أكْلُه إلَّا المُتَوَلِّدَ. وقدمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ رَزِين» ، وصحَّحه فى

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«النَّظْمِ» ، فلا تفْرِيعَ عليها. والثانيةُ، عليه جَزاءٌ. وقال في «المُحَرَّرِ»: إنْ حَرُمَ قتْلُه، ففيه الفِدْيَةُ، وإلَّا فلا. [وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهِدَايَةِ»، و «المُسْتَوْعِبِ»، و «الرعايتَيْن»، و «الحاوِيَيْن»، وغيرِهم](1). فعليها، أيُّ شئٍ تصَدَّقَ به كان خَيْرًا منه، كما جزَم به المُصَنِّفُ، وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «المُحَرر» ، و «الرعايةِ» ، وغيرِهم.

تنبيه: ظاهِرُ كلام المُصَنِّف، أنَّ الروايتَيْن في تحْريمِ قَتْلِ القَمْلِ، لا فَرْق فيهما بينَ قَتْلِه ورَمْيِه، أوَ قَتْلِه بالزِّئْبَقِ ونحوِه، مِن رَأسِه، وبدَنِه، وثَوْبِه، ظاهِرِه وباطِنِه. وهو اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. [وجزَم به ابنُ رَزِينٍ، وغيرُه. وقدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» وغيرِه. وهو ظاهِرُ كلامِ أكثر الأصحابِ](2).

(1) زيادة من: ش.

(2)

زيادة من: ش.

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: رَمْيُه مِن غيرِ ظاهِرِ ثوْبِه كقَتْلِه. وقال فى «المُذْهَبِ» : إذا قُلْنا: لا يُباحُ قَتْلُه، وكان قد جعَل في رَأْسِه زِئّْبَقًا قبلَ الإحرامِ، فَتَلِفَ بَعْدَ (1) الإحْرَام، لم يَضْمَنْ. انتهى. قلتُ: هذا يُفْتِي مَنْ نصَب الأُحْبُولَة قبلَ الإحْرامِ، ثم يقَعُ فيها بعدَ الإحْرامِ صَيْدٌ، على ما تقدَّم. [وأطْلَقهما في «الفُروعِ»](2). وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: إنَّما الرِّوايَتان فيما إذا أَزالَه مِن شَعَرِه، وبَدَنِه، وباطِنِ ثَوْبِه، ويَجُوزُ مِن ظاهِرِه. نقَلَه عنهما في «الفُروعِ» . وحكَى المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، أنَّ الرِّوايتَيْن

(1) بياض بالأصول، ولعلها كما أثبتناها.

(2)

زيادة من: ط.

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيما أزَالَه مِن شَعَرِه، أمَّا ما ألْقاه مِن ظاهرِ بَدَنِه، (وثَوْبِه، فلا شئَ فيه، رِوايةً واحِدةً. انتهيا. قال الزَّرْكَشِيُّ: قال القاضي في «الرِّوايتَيْن»: ومَوْضِعُ الروايتَيْن، إذا ألْقاهَا من شَعَرِ رَأَسِه، أو بَدَنِه، أو لَحْمِه، أمَّا إنْ ألْقاهَا مِن ظاهرِ بدَنِه (1)، أو ثِيَابِه، أو بَدَنِ مُحِرمٍ، أو مُحْرِمٍ غيرِه، فهو جائزٌ، ولا شئَ عليه، رِواية واحدةً.

فائدة: يَجْوزُ قَتْلُ البَراغيثِ مطْلَقاً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جَماهيرُ الأصحابِ، وقطعَ به أكثرُهم، وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وقال في

(1) سقط من: ط.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» : ظاهرُ تَعْلِيقِ القاضي، أن البَراغِيثَ كالقَمْلِ. قال: وهو متوَجَّهٌ. وجزَم في «الرِّعايَةِ» في مَوْضِعٍ، لا يَقْتُلُ البَراغِيثَ ولا البَعُوضَ. وذكَرَه في مَوْضِعٍ آخَرَ قوْلاً، وزادَ، ولا قُرادًا. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَرَصَه ذلك، قتَلَه مجَّانًا، وإلَّا فلا يقْتُلْه.

تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: إلَّا القَمْلَ، إذا قتَلَه المُحْرِمُ. أنَّه لا يَحْرُمُ قتْلُه في الحَرَمِ. وهو صحيحٌ، فيُباحُ بلا نِزاعٍ بينَ الأصحابِ.

فوائد؛ يُسْتَحَبُّ قَتْلُ كلِّ مُؤْذٍ مِن حَيَوانٍ وطيْرٍ. جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: هو مُرادُ مَنْ أباحَه. انتهى. فمنه الفَواسِقُ الخَمْسَةُ وهُنَّ؛ الغُرابُ الأسْوَدُ، والأبقَعُ -وقيل: المُرادُ في الحديثِ، الأبْقَعُ. قالَه الزرْكَشِيُّ- والحِدَأةُ، والعَقْرَبُ، والفَأْرَةُ، والكَلْبُ العَقُورُ، والأسْوَدُ البَهِيمُ. وفي مُسْلِمٍ: والحَيَّةُ. أَيضًا. وفيه: يُقْتَلْنَ في الحَرَمِ والإحْرَامِ. وفيه. أنَّه، عليه أفْضَلُ الصلاةِ والسَّلامِ، أمرَ مُحْرِماً بقَتْلِ حَيَّةٍ في مِنّى. فنَصَّ مِن كلِّ جِنْسٍ على أدْناهُ تَنْبِيهاً، والتنبِيهُ مُقَدَّمٌ على المَفْهومِ إنْ كان. وللدارَقُطنىِّ: يَقْتُلُ المُحْرِمُ الذِّئّْبَ (1). نقلَ حَنْبَلٌ، يقْتُلُ المُحْرِم الكَلْبَ العَقُورَ، والذِّئْبَ،

(1) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحج. سنن الدارقطني 2/ 232.

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والسَّبُعَ، وكُلَّ ما عدَا مِنَ السِّباعِ. ونقَل أبو الحَارِثِ، يقْتُلُ السَّبُعَ، عَدَا أولم يَعْدُ. انتهى. وممَّا يَقْتُلُ أَيضًا، النَّمِرَ، والفهْدَ، وكلَّ جارِحٍ؛ كنَسْر، وبازِىٍّ، وصَقْر، وباشقٍ، وشاهِينٍ، وعُقَابٍ، ونحوِها، وذُبابٍ،، ووَزَغٍ، وعَلَقٍ، وطبُّوعٍ، وبَقٍّ، وبَعُوضٍ. ذكَرَه صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. ونقَل حَنْبَلٌ، يَقْتُلُ القِرْدَ، والنَّسْرَ، والعُقَابَ، إذا وثَب، ولا كفَّارَةَ. وقال قومٌ: لا يُباحُ قَتْلُ غُرابِ البَيْنِ. قال في «الفُروعِ» : ولعَلَّه ظاهِرُ «المسْتَوْعِبِ» ؛ فإنَّه مثَّل بالغُرابِ الأبقَعِ فقط. فإنْ قتَلَ شيئاً مِن هذه الأشْياءِ مِن غيرِ أنْ يعْدُوَ عليه، فلا كفَّارَةَ عليه، ولا يَنْبَغِي له. وما لا يُؤْذِي بطبعِه، لاجَزاءَ فيه، كالرَّخَمِ، والبُومِ ونحوهما. قال بعضُ الأصحابِ: ويجوزُ قتلُه. منهم النَّاظِمُ. وقيل: يُكْرَهُ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقيلَ: يَحْرُمُ. نقَل أبو داودَ، ويقْتُلُ كُلَّ ما يُؤْذِيه. وللأصحابِ وَجْهان فى نَمْلٍ ونحوِه. وجزَم فى «المُسْتَوْعِبِ» ، يُكْرَهُ قتلُه مِن غير أَذِيَّةٍ، وذكَرَ منها الذُّبابَ. قال فى التَّحْريمِ: والتَّحْرِيمُ أظْهَرُ؛ للنَّهْيِ. نقَل حَنْبَلٌ، لا بَأْسَ بقَتْلِ الذَّرِّ. ونقَل مُهَنَّا، ويقتُلُ النَّمْلَةَ إذا عَضتْه، والنحْلةَ إذا آذَتْه. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدينِ، لا يجوزُ قتلُ نَحْلٍ، ولو بأخْذِ كُل عسَلِه. قال هو وغيرُه: إنْ لم ينْدَفِعْ

ص: 316

وَلا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَفِي إبَاحَتِهِ في الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ.

ــ

نَمْلٌ إلَّا بقَتْلِه، جازَ. قال الإمامُ أحمدُ: يُدَخِّنُ للزَّنابِيرِ إذا خَشِيَ أذَاهم، هو أَحَبُّ إلَيَّ مِن تَحْريقِه، والنَّمْلُ إذا آذاه يقْتُلُه.

فائدتان؛ إحداهما، قوله: ولا يَحْرُمُ صَيْد البَحْرِ على المُحْرِمِ. هذا إجْماعٌ. واعلمْ أنَّ البَحْرَ المِلْحَ والأنْهارَ والعُيونَ سَواءٌ. الثَّانيةُ، ما يعيشُ في البَرِّ والبَحْرِ، كالسُّلَحْفَاةِ والسَّرَطانِ ونحوِهما، كالسّمَك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ونقَل عَبْدُ اللهِ، عليه الجَزاءُ.

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «الفُروعِ» : ولعَلَّ المُرادَ، أنَ ما يعيشُ في البَرِّ له حُكْمُه، وما يعِيشُ في البَحرِ له حُكْمُه. وأمَّا طَيْر الماءِ، فَبَرء بلا نِزاعٍ؛ لانَّه يُفْرِخُ ويبيضُ في البَرِّ.

قوله: وفي إباحَتِه في الحَرَم رِوايتان. وأطْلَقهما في «الفُروعَ» ، و «الفَائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» . وقالَ في «الفُروعِ» أَيضًا، في أحْكامِ صَيْدِ المدِينةِ: وفي صَيْدِ السَّمَكِ في الحَرَمَيْن رِوايَتَان. وقد

ص: 318

وَيَضْمَن الجَرَادَ بِقِيمَتِهِ، فَإنِ انْفَرَشَ في طَرِيقِهِ، فَقَتَلَهُ بِالْمَشْىِ

ــ

سبَقَتا؛ إحْداهما، لا يُباحُ. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «الشَّرْحِ» ، والشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في «مَنْسَكِه» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، [و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ»] (1). قال في «الوجيزِ»: ويَحْرُمُ صَيْد الحَرَمِ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. والثَّانيةُ، يُباحُ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «الإفاداتِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبِي مُوسى. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قال في «الفُصُولِ»: وهو اخْتِيارِي. وصحَّحَه النَّاظِمُ.

قوله: ويَضْمَن الجَرادَ بقيمَتِه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الجَرادَ إذا قُتِلَ

(1) زيادة من: ش.

ص: 319

عَلَيْهِ، فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ. وَعَنْهُ، لا ضَمَانَ في الْجَرَادِ.

ــ

يُضْمَنُ. جزَم به في «الوَجِيزِ» ، و «الإفادَاتِ» ، و «المُنَورِ». قال ابنُ مُنَجى: هذا المذهبُ. قال فى «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» : يُضْمَنُ على الأظْهَرِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الكَافِي» ، و «المُبْهِجِ» . وصحَّحَه في «النَّظْمِ» . وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشارِحِ. وعنه، لا يُضْمَن الجَرادُ. وقدَّمه في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وجزَم به في «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «نَظْمِها» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «الفُصُولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، و «الفائقِ» ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِيُّ. فعلى المذهبِ، يَضْمَنُه بقِيمَتِه، كما قال المُصَنِّفُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجِيز» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الشَّرْحِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وغيرُهم. وعنه، يتَصدَّقُ بتَمْرَةٍ عن جَرادَةٍ. وجزَم به في «الإرْشادِ» ، و «المُبْهِجِ». وقدَّمه فى «الفُصُولِ». قال القاضي: هذه الرِّوايَةُ تقْوِيمٌ لا تقْدير، فتَكون المَسْأَلةُ رِوايَةً واحِدَةً.

قوله: فإنِ انفرَش في طَرِيقِه، فقَتَلَه بالمَشْيِ عليه، ففي الجَزاءِ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «الحاوِيَيْن» ،

ص: 321

وَمَنِ اضْطرُّ إِلَى أكلِ الصَّيْدِ، أوِ احْتَاجَ إِلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ، فَلَهُ فِعْلُهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ.

ــ

و «الرعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَالقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، عليه الجَزاءُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، وصحَّحَه في «التَّصْحِيحِ» . والثَّاني، لا جَزاءَ عليه. قال النَّاظِمُ:

ويُفْدَى جَرادٌ في الأصَحِّ بقِيمَةٍ

ولو في طريق دُسْتَه بِمُبَعَّدِ

قال في «الفُصُولِ» : وهذا أصحُّ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» .

فائدة: حُكْمُ بَيْضِ الطيرِ إذا أتْلَفَه لحاجَةٍ، كالمَشْيِ عليه، حُكْم الجَراد إذا افترَشَ في طَرِيقِه. قالَه المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهما.

قوله: ومَنِ اضْطُرَّ إلى أكْلِ الصَّيْدِ. فله اكْلُه. وهذا بلا نِزاعٍ بينَ الأصحابِ، لكنْ إذا ذبَحَه فهل هو كالمَيْتَةِ، لا يحِلُّ أكلُه [283/ 1] إلَّا لمَنْ يجوزُ له أكْلُ المَيْتَةِ، أو يُحِلُّه الذَّبْحُ؛ قال القاضي: هو مَيْتَة. واحْتَجَّ بقولِ أحمدَ: كلُّ ما اصْطادَه المُحْرِمُ وقتلَه، فإنَّما هو قبلَ قتلِه. قال في «الفُروعِ»: كذا قال القاضي. قال: ويتَوَجَّهُ حِلُّه؛ لحِلِّ أكْلِه. انتهى.

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وعليه الفِدَاءُ. هذا المذهبُ، وعليه جماهير الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم. وقيل: لا فِداءَ عليه والحالَةُ هذه. وحُكِيَ عن أبي بَكْرٍ. قالَه الزَّرْ كَشِيُّ.

تنبيه: يَأْتِي في آخِرِ كتابِ الأطْعِمَةِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، لو اضْطُرَّ إلى الأكْلِ ووجَد مَيْتَةً وصَيْدًا وهو مُحْرِم، أو في الحَرَمِ. وأما إذا احْتاجَ إلى فِعْلِ شئٍ مِن هذه المَحْظُوراتِ، مثل إنِ احْتاجَ إلى حَلْقِ شَعَرِه لمرَض، أو قَمْلٍ، أو غيرِه، أو إلى تَغطِيَةِ رَأَسِه، أو لُبْسِ المَخِيطِ ونحوِ ذلك، وفعَلَه، فعليه الفِدْيَةُ، بلا خِلافٍ أعْلَمُه. ويجوزُ تقْديم الفديَةِ بعدَ وُجودِ العذرِ، وقبلَ فِعْلِ المَحْظُورِ.

ص: 323

فَصْلٌ: السَّابع، عَقْد النِّكَاحِ لا يَصِحُّ مِنْهُ. وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ. وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ في شَيءٍ مِنْهُمَا.

ــ

فائدة: لو كان بالمُحْرِمِ شئٌ لا يحِبُ أنْ يطَّلِعَ عليه أحد، جَازَ له اللُّبْسُ، وعليه الفِدَاءُ. نصَّ عليه. قلتُ: فيُعايىَ بها. وتقدَّم إذا دَلَّ على طِيبٍ أو لِباسٍ، عندَ الدَّلالَةِ على الصَّيْدِ.

قوله: السَّابع، عَقْد النِّكاحِ لا يَصِحُّ منه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونقَلَه الجماعةُ. وسَواءٌ زوَّج غيرَه، أو تَزَّوجَ مُحْرِمَةً أو غيرَها، وَلِيًّا كان أو وَكِيلاً. وعنه، إنْ زوَّج المُحْرِمُ غيرَه، صحَّ سَواءٌ كان وَلِيًّا أوْ وَكِيلاً. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، كما لو حلَق المُحْرِمُ راسَ حَلال. قالَه الزَّرْكَشِيُّ. فعلى المذهبِ، الاعْتِبارُ بحالَةِ العَقْدِ، فلو وَكَّل مُحْرِمٌ حَلالاً، فعَقَده بعدَ حِلِّه، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ. ولو وكَّل حَلالٌ حَلالاً، فعَقَدَه بعدَ أنْ أحْرَمَ، لم يصحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يصِحُّ. ولو وكَّلَ ثم أحْرَمَ، لم يَنْعَزِلْ وَكِيلُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَنْعَزِلُ. فعلى المذهبِ، لو حَلَّ المُوَكِّلُ كان لوَكِيله عَقْدُه له في الأَقْيَس. قالَه في «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ». فلو قال:

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عقَدَه قبلَ إحْرامِي. قُبِلَ قوْلُه. وكذا لو قال: عقَدَه بعدَ إحْرامِي. لأنَّه يَمْلِكُ فَسْخَه، فيَمْلِكُ إقْرارَه به، ولكِنْ يَلْزَمُه نِصْفُ المَهْرِ. ويصِحُّ العَقْدُ مع جَهْلِهِما

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وُقُوعَه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ مِنَ المُسْلِمين تَعاطِي الصَّحِيحِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو قال الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُ (1) بعدَ أنْ حَلَلْتِ. فقالتْ: بل وأنا مُحْرِمَةٌ. صُدِّقَ الزَّوْجُ، وتُصَدَّقُ هي في نَظيرَتِها في العِدَّةِ؛ لأنَّها مُؤتَمَنَةٌ. ذكَرَه ابنُ شِهَابٍ وغيرُه. الثَّانيةُ، لو أحْرَمَ الإمامُ، مُنِعَ مِنَ التَّزْوِيجِ لنَفْسِه وتَزْويجِ

(1) في أ: «تزوجتك» .

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أقارِبِه، وأمَّا بالوِلايةِ العامَّةِ، فقال القاضي في «التَّعْلِيقِ»: لم يَجُزْ له أنْ يُزوِّجَ، وإنَّما يُزَوِّجُ خُلَفاؤُه، ثم سَلَّمه؛ لأنَّه يجوزُ بوِلايةِ الحُكْمِ ما لا يجوزُ بوِلايةِ النَّسَب. وذكَر ابنُ عَقِيل احْتِمالَيْن في عدَمِ تزْويجِه وجَوازِه للحَرَجِ؛ لأنَّ الحُكَّامَ إنَّما يُزَوِّجُون بإذْنه ووِلاِيته، واخْتارَ الجَوازَ لحِلِّه حالَ وِلاِيته. والاسْتِدامَةُ أقْوَى؛ لأنَّ الإمامةَ لا تَبْطُلُ بفِسْقٍ طرَأ. واقْتَصرَ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» على حِكايَةِ كلامِ ابنِ عَقِيلٍ. وذكَر بعضُ الأصحابِ، أنَّ نائِبَه إذا أحْرَمَ، مِثْلُ الإمامِ. قلتُ: قال ابن الجَوْزِيِّ في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: للإمامِ الأعْظَمِ ونائبِه أنْ يُزَوِّجَ وهو مُحْرِمْ بالوِلايةِ العامَّةِ، على ظاهرِ المذهبِ. انتهى.

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: وظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، عدَمُ الصِّحَّةِ منهما.

قوله: وفي الرَّجْعَةِ رِوايتَان. يعْنى في إباحَتِها وصِحَّتِها. وأطْلَقهما في «الإرْشادِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذَّهَبِ»، و «المُسْتَوْعِبِ» ، ذكَروه فى بابِ الرَّجْعَةِ، و «الحاوِيَيْن» ، وناظِمُ «المُفْرَدات» ، [و «المُحَرَّرِ»](1)؛ إحْداهما، تُباحُ، وتصِحُّ. وهو المذهبُ. اخْتارَها الخرقِىُّ، والقاضى فى كتابِ «الرِّوايتَيْن» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحَه فى «الهدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» هنا، و «التَّلْخِيصِ» ، [و «البُلْغَة»](1)، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «التَصْحِيحِ» ، [و «تَصْحِيح المُحَرَّرِ»](1)، و «الفَائقِ». قال ناظِمُ «المُفْرَداتِ»: عليها الجُمْهورُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «الإفاداتِ» . وقدَّمه

(1) زيادة من: ش.

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الكافِي» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . والرِّوايَةُ الثانِيَةُ، المَنْعُ وعدَمُ الصِّحَّةِ. نَقَلها الجماعَةُ عن أحمدَ. ونصَرَها القاضي وأصحابُه. قال ابنُ عَقِيل: لا يَصِحُّ على المَشْهُورِ. قال في «الإيضاحِ» : وهي أصحُّ. ونصَرَها فى «المُبْهِجِ» . قال الزَّرْكَشِيُّ: هي الأشْهَرُ عن أحمدَ.

فوائد؛ الأُولَى، تُكْرَهُ خِطبَةُ المُحْرِمِ كخِطبةِ العَقْدِ وشُهودِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ ذلك لتَحْريمِ دَواعِي الجِمَاعِ. وأطْلَق أبو الفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ تحْريمَ الخِطْبَةِ. الثَّانيةُ، تُكْرَهُ الشَّهادَةُ فيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقيلٍ: تَحْرُمُ. وقدَّمه القاضي، واحْتَجَّ بنَقْلِ حَنْبلٍ، لا يَخْطُبُ. قال: ومَعْناه لا يَشْهَدُ النِّكاحَ. ثم سَلَّمَه. وقال في «الرِّعايَةِ»

ص: 330

فَصْلٌ: الثَّامِنُ، الْجِمَاعُ في الْفَرْجِ، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرًا، مِنْ

ــ

وغيرِها: يُكرهُ لمُحِلّ خِطْبَةُ مُحْرِمَةٍ، وأنَّ في كراهَةِ شَهادَتِه فيه وَجْهان. قال في «الفروعِ»: كذا قال. الثَّالثةُ، يصِحُّ شِراءُ الأمَةِ للوَطْءِ وغيرِه. قال المُصَنِّفُ: لا أعلمُ فيه خِلافًا. الرَّابعةُ، يجوزُ اخْتِيارُ مَن أسْلَمَ على أكْثرَ مِن أرْبَع نِسْوَةٍ لبَعضِهنَّ، في حالِ إحْرامِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، وابنُ رَزِينٍ. وقال القاضي: لا يخْتَارُ والحالَةُ هذه. ويأتِي ذلك في بابِ نِكاحِ الكُفَّارِ، فإنَّه مَحَلُّه.

قوله: الثَّامِنُ، الجِماعُ في الفَرْجِ، قُبُلاً كان أو دُبُرًا، مِن آدَمِيٍّ أو غيرِه.

ص: 331

آدَمِيّ أوْ غَيْرهِ. فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَسَدَ نُسُكُهُ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا،

ــ

فمتى فعلَ ذلك قبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ، فسَد نُسُكُه. هذا المذهبُ، قولاً واحِدًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، إلَّا أن بعضَهم خرَّج عدَمَ الفَسادِ بوَطْءِ البَهِيمَةِ مِن عدَمِ الحَدِّ بوَطْئِها. وأطْلَقَ الحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْن؛ أحدُهما، لا يَفْسُدُ، وعليه شاةٌ. وأطْلَقَ في «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، في فَسَادِ النُّسُكِ بوَطْءِ البَهِيمَةِ، وَجْهَيْن. وقال في

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُذْهَبِ» : وإذا وَطِئَ بهِيمَةً، فكَالْوَطْءِ في غيرِها، في أصحِّ الوَجْهَيْن. وتقدَّم إذا أحْرَمَ حالَ وَطْئِه، في أوَّلِ بابِ الإحْرامَ.

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: عَامِدًا كان أو ساهِياً. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، أنَّ السَّاهِيَ في فِعْلِ ذلك كالعامِدِ. وقطَع به كثيرٌ منهم، وكذا الجاهِلُ والمُكْرَهُ. قال المُصَنِّفُ وغيرُه. ونقَلَه الجماعَةُ في الجاهِلِ. وذكَر في «الفُصُولِ» رِوايةً، لا

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَفْسُدُ حَجُّ النَّاسِي، والجاهِلِ، والمُكْرَهِ، ونحوِهم. وخرَّجَها القاضي في كتابِ «الروايتَيْن» . واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفَائقِ» ، ومالَ إليه في «الفُروعِ». وقال: هذا مُتَّجَهٌ. ورَدَّ أدِلَّةَ الأصحابِ، وقال: فيه نظَرٌ. وقال في «الرَّوْضَةِ» : المُكْرَهَةُ لا يَفْسُدُ حَجُّها، وعليها بَدَنَةٌ. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ ما يجِبُ بالوَطْءِ، في بابِ الفِدْيَةِ، في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي، وبعدَه، إذا وَطِئ،

ص: 335

وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حَيْث أحرَمَا اوَّلاً. وَنَفَقَةُ الْمَرأةِ في الْقَضَاءِ عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ، وَإنْ أُكْرِهَتْ فَعَلَى الزَّوَجِ.

ــ

عامِدًا أو مُخْطئًا.

قوله: وعليهما المُضِيُّ في فاسِدِه. حُكْمُه حُكْم الإحْرامِ الصَّحيحِ. نَقَله الجماعةُ، وعليه الأصحابُ. وقال في رِوايَةِ ابنِ إبْرَاهِيمَ: أَحَبُّ إليَّ أنْ يَعْتَمِرَ مِنَ

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَنْعِيمِ، يعْنِي، يَجْعَلُ الحَجَّ عُمْرَةً، ولا يُقِيمُ على حَجَّةٍ فاسِدَةٍ. وهو مذهَبُ مالِكٍ.

قوله: والقَضاءُ على الفَوْرِ. إِنْ كان ما أفْسَدَه حَجًّا واجبًا، فلا نِزاعَ في وُجوبِ القَضاءِ، وتُجْزِئُه الحَجَّةُ مِن قابِلٍ. وإنْ كان الذي أفْسَدَه تَطوُّعاً، فَالمنْصُوصُ عنِ الإمامِ أحمدَ، وجُوبُ القَضاءِ، وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. قال في «الفُروعِ»: والمُرادُ وُجوبُ إتْمامِه، لا وُجوبُه في نَفْسه، لقَوْلِهم: إنَّه تَطوُّعٌ، فيُثابُ عليه

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثَوابَ نَفْلٍ. وفي «الهِدايَةِ» ، و «الانْتِصارِ» ، و «عُيُونِ المَسائلِ» رِوايَةٌ، لا يَلْزَم القَضاءُ. قال المَجْدُ: لا أحْسَبُها إلَّا سَهْوَا.

قوله: والقَضاءُ على الفَوْرِ مِن حيثُ أحْرَما أوَّلاً. إنْ كانَا أحْرَما قبلَ المِيقَاتِ، أو مِنَ المِيقاتِ، أحْرَما في القَضاءِ مِنَ المَوْضِعِ الذي أحْرَما منه أوَّلاً، وإنْ كانَا أحْرَما مِن دُونِ المِيقاتِ، أحْرَما مِنَ المِيقاتِ. وهذا بلا نِزاع. ونصَّ عليه الإمامُ أحمدُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنْ يُحْرِمَ مِنَ المِيقاتِ

ص: 338

وَيَتَفَرَّقَانِ في الْقَضَاءِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أصَابَهَا فِيهِ إلَى أنْ يَحِلَّا. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أوْ مُسْتَحَبٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

ــ

مُطقًا. ومالَ إليه.

قوله: ونَفَقَةُ المرأةِ في القَضاءِ عليها إنْ طاوَعَتْ -بلا نِزاع- وإنْ أُكْرِهَتْ، فعلى الزَّوْجِ. وهو المذهبُ، ولو طَلَّقَها. نقَل الأثرَمُ، على الزَّوْجِ حَمْلُها، ولو طَلَّقَها وتَزوجَتْ بغيرِه، ويُجْبَرُ الزَّوْجُ الثَّانى على إرْسالِها إنِ امْتَنَعَ. ويأْتِي في بابِ الفِدْيَةِ في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي، وُجوبُ فِدْيَةِ الوَطْءِ على المَرْأةِ في الحَجِّ والعُمْرَةِ.

قوله: ويتَفرَّقان في القَضاءِ مِنَ الموْضِعِ الذي أصابَها فيه إلى أنْ يَحِلَّا. هذا

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: هذا ظاهِر المذهبِ. وعنه، يتَفَرَّقان مِنَ المَوْضِعِ الذي يُحْرِمان منه.

قوله: وهل هو واجِبٌ أو مُسْتَحبٌّ؟ على وجْهَيْن. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الهادِى» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفَائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، مُسْتَحَبٌّ. وهو المذهبُ. قال في «الشَّرْحِ»: وهو أوْلَى. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وقدَّمَه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . واختارَه ابن عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . والوَجْهُ الثَّانِي، أنَ ذلك واجِبٌ. جزَم به أبو الخَطَّابِ في «رُءُوسِ المَسَائلِ» .

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، مَعْنَى التفَرُّقِ؛ أنْ لا يرْكَبَ معها في مَحْمِلٍ، ولا يَنْزِلَ معها في فُسْطَاطٍ، ونحوِ ذلك. قآل الإمامُ أحمدُ: يتفَرَّقان في النُّزولِ، والفُسْطاطِ،، والمَحْمِلِ، ولكنْ يكونُ بقُرْبِها. انتهى. وذلك ليُراعِيَ أحْوالَها، فإنَّه مَحْرَمُها. الثَّانى، ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ أنَّ زوْجَها الذي وَطِئَها يجوزُ ويصْلُحُ أنْ يكونَ مَحْرَماً لها في حَجَّةِ القَضاءِ. وهو صحيح، وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ. قالَه في «الفُروعِ» . وقد ذكَر المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ،

ص: 341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكونُ بقُرْبِها ليُراعِيَ أحْوالَها؛ لأنَّه مَحْرَمُها. ونقَل ابن الحَكَمِ، يُعْتَبَرُ أنْ يكونَ معها مَحْرَمٌ غير الزَّوْجِ. قلتُ: فيُعايَى بها.

فوائد؛ الأولَى، حُكْمُ العُمْرَةِ حُكْم الحَجِّ في فَسادِها بالوَطْءِ قبلَ الفَراغِ مِنَ السَّعْىِ ووُجوبِ المُضِيِّ في فاسدِها، ووُجوبِ القَضاءِ وغيرِه، فإنْ كان مَكِّيًّا، أو حصَل بها مُجاوِرًا، أحْرَمَ للقَضاءِ مِنَ الحِلِّ، سَواء أحْرَمَ بها منه أو مِنَ الحَرَمِ. وإن أفْسَد المُتَمَتِّعُ عُمْرَتَه، ومضَى فيها وأتَمَّها، فقال الإمامُ أحمدُ: يخْرُجُ إلى

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المِيقاتِ، فيُحْرِمُ (1) منه بعُمْرَةٍ، فإنْ خافَ فَوْتَ الحَجِّ، أحْرَمَ به مِن مَكَّةَ، وعليه دَمٌ، فإذا فَرَغ مِنَ الحَجِّ، أحْزَمَ مِنَ المِيقاتِ بعُمْرَةٍ مَكانَ الذي أفْسَدَها، وعليه هَدْىٌ لِمَا أفْسَدَ مِن عُمْرَتِه. وهذا المذهب. وجزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعَ» . ونقَل أبو طالِبٍ، والمَيْمُونِيُّ، فإذا فرَغ منه أحْرَمَ مِن ذِى الحُلَيْفَةِ

(1) في الأصل، ط:«فيخرج» .

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعُمْرَةٍ مَكانَ ما أفْسَدَ. قال القاضي ومَن تَبِعَه، تفْرِيعاً على رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ، أنَّ دَمَ المُتْعَةِ والقِرَانِ يسْقُطُ بالإفْسَادِ، فقال: إنْ أهَلَّ بعُمْرَةٍ للقَضاءِ، فهل هو مُتَمَتِّعٌ؟ إنْ أنْشأَ سَفَرَ قَصْرٍ، فمُتَمَتِّعٌ، وإلَاّ فلا. على ظاهِرِ نقْلِ ابنِ إبْراهِيمَ، إذا أنْشَأَ سفَرَ قَصْرٍ، فمُتَمَتِّعٌ. ونقَل ابنُ إبْرَاهِيمَ رِوايَةَ أُخْرَى، يَقْتَضِي إنْ بلَغ المِيقَاتَ، فمُتَمَتِّعٌ، فقال: لا يكُونُ مُتْعَةً حتى يخْرُجَ إلى ميقَاتِه. الثَّانيةُ، قَضاءُ العَبْدِ كنَذْرِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يصِحُّ في حالِ رِقِّه؛ لأنَّه وجب عليه بإيجابِه. قال في «الفُروعِ»: هذا أشْهَرُ. وقيل: لا يصِحُّ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» .

ص: 344

وَإنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ،

ــ

[وتقدَّم ذلك في كتابِ المنَاسِك، في أحْكامِ العَبْدِ](1). وإنْ كان الذي أفْسَدَه مأذُونًا فيه، قضَى متى قدَر. نقَلَه أبو طالِبٍ، ولم يَمْلِكْ منْعَه منه؛ لأنَّ إذْنَه فيه إذْنٌ في مُوجَبِه ومُقْتَضاه. وإنْ كان غيرَ مأْذُونٍ فيه، ملَك السَّيِّدُ منْعَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لتَفْويتِ حقِّه. وقيل: لا يَمْلِكُه لوُجوبِه. [وتقدَّم أَيضًا هناك](1). وإنْ أُعْتِقَ قبلَ القَضاءِ، انْصرَفَ إلى حَجَّةِ الإِسْلامِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: عندي لا يصِحُّ. الثَّالثةُ، يَلْزَم الصَّبِيَّ القَضاءُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، إذا أفْسَدَه. نصَّ عليه؛ لأنَّه يَلْزَمُه البَدَنَةُ، والمُضِيُّ في فاسِدِه؛ كبالغٍ. وقيل: لا يَلْزَمُه القَضاءُ؛ لعدَمِ تكْليفِه. وحكَاه القاضي فى «تَعْلِيقِه» احْتِمالاً. فعلى المذهبِ، يكون القَضاءُ بعدَ بُلُوغِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقيل: يصِحُّ قبلَ بُلُوغِه. وصحَّحَه القاضي في «خِلافِه» . الرَّابعةُ، يكْفِي العَبْدَ والصَّبِيَّ حَجَّةُ القَضاءِ عن حَجَّةِ الإِسْلامِ، والقَضاءُ إنْ كفَتْ، لو صحَّتْ كالأدَاءِ (2). على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وخالَف ابنُ عَقِيلٍ. وتقدَّم ذلك مع أحْكامِ العَبْدِ بأتَمَّ مِن هذا، في أوَّلِ كتابِ الحَجِّ، فَلْيُعاوَدْ. الخامسةُ، لو أفْسَدَ القَضاءَ، لَزِمَه قَضاءُ الواجِبِ الأوَّلِ لا القَضاءُ.

قوله: وإن جامَعَ بعدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ لم يَفْسُدْ حَجُّه. هذا المذهبُ، سَواءٌ كان مُفرِدًا أو قَارِنًا، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّ حَجَّه

(1) زيادة من: ش.

(2)

في أ: «كالأولى» .

ص: 345

وَيَمْضِى إلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ؛ لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

يفْسُدُ إنْ بَقِىَ إحْرامُه، وفسَدَ بوَطْئِه. وذكَر أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» ، أنَّ مَن وَطِئَ فى الحَجِّ قبلَ الطَّوافِ، فسَد حَجُّه. وحملَه بعضُهم على ما قبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ. قال فى «المُسْتَوعِبِ» ، عن كلامِ أبى بَكْرٍ: يريدُ إذا لم يكُنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فلا يكونُ قبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: وإنْ جامَعَ قبلَ تحَلُّلِه الأوَّلِ. وقيل: قبلَ رَمْىِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ. ويأتِى فى صِفَةِ الحَجِّ، بِمَ يحْصُلُ التَّحَلُّل الأوَّلُ؟

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: هل يكونُ بعدَ التَّحلُّلِ الأوَّلِ مُحْرِماً؟ ذكر القاضي وغيرُه، أنَّه يكونُ مُحْرِماً؛ لبَقاءِ تحْريمِ الوَطْءِ المُنافِي وُجودُه صِحَّةَ الإحْرامِ. وقال القاضي أَيضًا: إطْلاقُ المُحْرِمِ؛ مَن حَرُمَ عليه الكُلُّ. وقال ابن عَقِيل في «الفُنونِ» : يبطُل إحْرامُه على احْتِمال. وقال في «مُفْرَدَاتِه» : هو مُحْرِمٌ؛ لوُجوبِ الدَّمِ. وذكَر المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» هنا، وتَبعَه في «الشَّرحِ» ، أنَّه مُحْرِمٌ. وقالا في مَسْألةِ ما يُبْاحُ بالتَّحلُّلِ الأوَّلِ: نَمْنَعُ أنَّه مُحْرِمٌ، وإنَّما بَقِيَ بعضُ أحْكامِ الإحْرامِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، وَالميْمُونِيُّ، وابن الحَكَمِ، في مَن وَطِئ بعدَ الرَّمْيِ، يَنْتَقِضُ إحْرامُه. قال الزَّرْكَشِيُّ: لو وَطِئ بعدَ الطَّوافِ وقبلَ الرَّمْيِ،، فظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ، أنَّه كالأوَّلِ، ولأبِي مُحَمَّد في مَوْضِعٍ، في لزُومِ الدَّمِ احْتِمالان. وجزَم

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في مَواضِعَ أُخَرَ بلُزومِ الدَّمِ، تبَعًا للأصحابِ.

قوله: ويَمْضِي إلى التَّنعِيمِ فيُحْرِمُ؛ ليَطُوفَ وهو مُحْرِمٌ. اعلمْ أنَّ المذهبَ، أنَّ الوَطْءَ بعدَ التَّحَلُّلِ الأولِ يُفْسِد الإحْرامَ، قولاً واحِدًا، ويَلْزَمُه أنْ يُحْرِمَ مِن الحِلِّ؛ ليَجْمَعَ بينَ الحِلِّ والحرَمِ، ليَطُوفَ في إحْرام صحيحٍ؛ لأنَّه رُكْنُ الحَجِّ، كالوُقوفِ. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الفَائق» . وقالَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: سَواءٌ أبْعَدَ أوْ لا. ومَعْناه، كلامُ غيرِه. قالَه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ومَن تابَعهما: والمَنْصُوصُ عَن أحمدَ، أنَّه يعْتَمِرُ. فيَحْتَمِلُ أنَّه أَرادَ هذا المَعْنَى، يعْنِي ما تقدَّم، وسمَّاه عُمْرَةً؛ لأنَّ هذا أفْعالُ العُمْرَةِ. ويَحتَمِلُ أنَّه أَرادَ عُمْرَةً حقِيقَةً، فيَلْزَمُ سَعْىٌ

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتقْصِيرٌ. قالوا: والأوَّلُ أصحُّ. وقال الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ أَيضًا: يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا. وعليه نصُوصُ أحمدَ. وجزَم به القاضي في «الخِلافِ» ، وابنُ عَقِيل في «مُفْرَداتِه» ، وابن الجَوْزِيِّ في كتاب «أسْبَابِ الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُبْهِجِ». قال أبو الخَطَّابِ في «رُءُوسِ المَسائلِ»: يأتى بعَمَلِ عُمْرَةٍ، وبالطَّوافِ والسَّعْيِ، وبقِيَّة أفْعالِ الحَجِّ.

قوله: وهل يَلْزَمُه بَدَنَةٌ، أو شَاةٌ؟ على رِوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروع» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ إحْداهما، يَلْزَمُه بَدَنَةْ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «الإفَادَاتِ» ، (والقاضى)(1)، والمُوَفَّقُ في «شَرْحِ مَناسِكِ المُقْنِع» ، ونَصَره، وقدَّمه في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «النَّظْمِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَلْزَمُه شاةٌ. وهي المذهبُ، وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . قال في «عُقُودِ ابنِ البَنَّا» ، و «الخُلاصَةِ»: يَلْزَمُه دَمٌ. وجزَم به في «الإرْشَادِ» ، و «الإيضاحِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الكَافِي» ، و «العُمْدَةِ» ، و «شَرْحِها» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. وصحَّحَه القاضي في كتابِ «الرِّوايتَيْن» .

(1) زيادة من: ش.

ص: 350

فَصْلٌ: التَّاسِع، الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو طافَ للزِّيارَةِ ولم يَرْمِ، ثم وَطِئ، فقدَّم فى «المُغْنِي» ، و «الشَرْحِ» ، أنَّه لا يَلْزَمُه إحْرامٌ مِنَ الحِلِّ، ولا دَمَ عليه؛ لوُجودِ أرْكانِ الحَجِّ، وَيحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَه. قال فى «الفُروعَ»: وظاهِرُ كلامَ جماعةٍ كما سَبقَ. الثَّانيةٌ، العُمْرَةُ كالحَجِّ فيما تقدَّم، وتفْسُدُ قبلَ فَراغِ الطَّوافِ. وكذا قبلَ سَعْيِها، إنْ قُلْنا: هو رُكْنٌ أو واجِبٌ. وقال في «الترغِيبِ» : إنْ وَطِئَ قبلَ السعْيِ، خُرِّجَ على الروايتَيْن في كوْنِه رُكْنًا أو غيرَه. انتهى. ولا تَفْسُدُ قبلَ الحَلْقِ إنْ لم يجِبْ. وكذا إنْ وجَب. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، ويَلْزَمُه دَمٌ. وقدمه في «التَّرْغِيبِ» ، أنَّها تفْسُدُ. وقال في «التَّبْصِرَةِ»: في فِداءِ مَحْظُورِها قبلَ الحَلْقِ الرِّوايتَان. وقال في «الرِّعايَةِ» : وعنه، يفْسُد الحَجُّ فقط. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. ويأْتِى في بابِ الفِدْيَةِ، في آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانى، ما يجِبُ بالوَطْءِ في العُمْرَةِ.

قوله: التَّاسِعُ، المُباشَرَةُ فِيما دونَ الفَرْجِ لشَهْوَةٍ - وكَذا إن قبَّل أو لمسَ

ص: 351

وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإنْ لَمْ يُنْزِلْ، لَمْ يَفْسُدْ.

ــ

لشَهْوَةٍ - فإنْ فعَل فأنزَلَ، فعليه بَدَنَةٌ. هذا المذهبُ. نقَلَه الجَماعَةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، وعليه الأصحابُ. قال في «الإرْشَادِ»: قوْلاً واحِدًا. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، عليه شاةٌ إنْ لم يفْسُدْ. ذكَرَها القاضي وغيرُه. وقدَّم ابنُ رَزِينٍ في «نِهايته» ، أنَّ عليه شاةً. وجزَم به نَاظِمُها. وأطْلَقهما الحَلْوَانِيُّ، كما لو لم يفْسُدْ. قال في «الفُروعِ»: والقِياسَان ضَعِيفان. ويأْتِي أَيضًا في كلامِ المُصَنِّفِ، في باب الفِدْيَةِ في الضَّرْبِ الثَّالثِ، في قوْلِه: ومتى أنْزَلَ بالمُباشَرَةِ دُونَ الفَرْجِ، فعليه بَدَنةٌ.

قوله: وهل يَفْسُدُ نُسُكُه؟ على روايتَيْن. وأطْلَقهما في «الإرْشادِ» ، و «الإيضاحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ؛

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحْداهما، لا يفْسُدُ. وهي المذهبُ. صحَّحَها في «التَّصْحِيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» . واخْتارَها المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفَائقِ» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . وهو ظاهِرُ ما قدَّمه النَّاظِمُ. والثَّانيةُ، يفْسُدُ. نَصَرها القاضي، وأصحابُه. قال في «المُبْهِجِ»: فسَد في أصح الرِّوايتَيْن. وقدَّمه في «الهِدَايَةِ» وغيرِها. وصحَّحَه في «البُلْغَةِ» . واخْتارَها الخِرَقِي، وأبو بَكْر في الوَطْءِ دُونَ الفَرْجِ إذا أنْزَلَ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه أشْهَرُهما. وعنه رِوايَةٌ ثالثة، إنْ أمْنَى بالمُباشَرَةِ، فسَد نُسُكُه دُونَ غيرِه.

ص: 353

فصْلٌ: وَالْمَرْأةُ إحْرَامُهَا في وَجْهِهَا، وَيَحْرُمُ [66 و]، عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ، إِلَّا في اللِّبَاس، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ.

ــ

قوله: وإنْ لم يُنْزِلْ، لم يَفْسُدْ. قال المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ وغيرُه: لا يُعْلَمُ فيه خِلافًا. . وقال في «الفُروعِ» : وسبَق في الصومِ خِلافٌ، ومِثْلُه الفِدْيَةُ، فظاهِرُ كلامِ الحَلْوَانِيِّ، أن فيه خِلافًا. ويأْتِي ما يجِبُ عليه بذلك في بابِ الفِدْيَةِ.

قوله: والمَرْأةُ إحْرامُها في وَجْهِها. هذا بلا نِزاعٍ، فيَحْرُمُ عليها تغْطِيَتُه ببُرْقُعٍ، أو نِقَاب، أو غيرِهما، ويجوزُ لها أنْ تسْدِلَ على وَجْهِها لحاجَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وأطْلَقَ جماعةٌ مِنَ الأصحابِ جَوازَ السَّدْلِ. وقال الإمامُ أحمدُ: إنَّما لها أنْ

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَسْدِلَ على وَجْهِها مِن فوْق، وليس لها أنْ ترْفعَ الثَّوْبَ مِن أسفلَ. قال المُصَنِّفُ: كأنَّ أحمدَ يقْصِدُ أن النِّقابَ مِن أسْفَلَ على وَجْهِها. وقال القاضي ومَن تَبِعَه: تَسْدِلُ ولا يُصِيبُ البشَرَةَ، فإنْ أصابَها، فلم تَرْفعْه مع القُدْرَةِ، فدَتْ، لإستدامَةِ السِّتْرِ. قال المُصَنِّفُ: ليس هذا الشَّرْطُ عن أحمدَ، ولا في الخَبَرِ، والظَّاهِرُ خِلافُه، فإنَّ المَسْدُولَ لا يكادُ يسْلَمُ مِن إصابَةِ البَشَرَةِ، فلو كان شَرْطًا لبَيَّنَهَ. قال في «الفُروعِ»: وما قَاله صحيحٌ. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ولو مَسَّ وَجْهَها، فالصَّحيحُ جَوازُه؛ لأنَّ وَجْهَها كيَدِ الرَّجُلِ.

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: مفْهومُ كلامِ المُصَنِّف وغيرِه، أنَّ غيرَ الوَجْهِ لا يحْرُمُ تغْطِيَتُه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهير الأصحابِ. وقال أبو الفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ في «الإيضَاحِ»: والمرأةُ إحْرامُها في وَجْهِها وكَفَّيْها. وقال في «المُبْهِجِ» : وفي الكَفَّيْن رِوايَتان. وقال في «الانْتِصارِ» : المرأة أُبِيحَ لها كشْفُ الوَجْهِ في الصَّلاةِ

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والإحْرامَ.

فائدة: يَجْتَمِعُ في حقِّ المُحْرِمَةِ وُجوبُ تغْطَيةِ الرَّأْسِ، وتَحْرِيمُ تغْطِيةِ الوجْهِ، ولا يمْكِنُها تغْطِيَةُ كُلِّ الرَّأْسِ الَّا بتَغْطِيةِ جُزْءٍ مِنَ الوجْهِ، ولا كَشْف جميعِ الوجْهِ إلَّا بكَشْفِ جُزْء من الرَّأْسِ، فالمُحَافظة على سَتْرِ الرَأْسِ كلَّه أوْلَى؛ لأنَّه

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

آكَدُ؛ لأنَّه عَوْرَة، ولا يخْتَصُّ بالإحْرامِ. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ

ص: 358

وَلَا تَلْبَسُ الْقُفازَيْنِ وَالْخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ، وَلَا تَكْتَحِلُ بِالإِثْمِدِ.

ــ

«الفُروعِ» ، والزَّرْكَشِىُّ، وغيرُهم. قلتُ: لعَلَّهم أرادُوا بذلك الاسْتِحْبابَ، وإلَّا حيثُ قُلْنا: يجِبُ كَشْفُ الوَجْهِ، فإنَّه يُعْفَى عنِ الشئِ اليَسِيرِ منه، وحيْثُ قُلْنا: يجِبُ سَتْرُ الرَّأْسِ. فيُعْفَى عنِ الشئِ اليَسِيرِ، كما قُلْنا فى مَسْحِ الرَّأْسِ فى الوُضوءِ، على ما تقدَّم.

قوله: ولاتَلْبَسُ القُفَّازَيْن. يعْنِى، أنَّه يَحْرُمُ عليها لُبْسُهما. نصَّ عليه. وهما شئٌ يُعْمَلُ لليَدَيْن، كما يُعْمَلُ للبُزَاةِ؛ وفيه الفِدْيَةُ كالرَّجُلِ، فإنَّه أيضًا يُمْنَعُ مِن لُبْسِهما،

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يَلْزَمُ مِن تَغْطيهما بكُمِّهَا لمشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، جَوازُه بهما؛ بدَليلِ تغْطِيَةِ الرَّجُلِ قدَمَيْه بإزارِه لا بخُفٍّ، وإنَّما جازَ تغْطِيَةُ قدَمِها بكُلِّ شئٍ، لأنَّها عَوْرَةٌ فى الصَّلاةِ. ولَنا فى الكَفَّيْن رِوايَتان، أو الكَفَّان يتَعلَّقُ بهما حُكْمُ التَّيَمِّمِ كالوَجْهِ.

فائدة: لو لَفَّتْ على يدَيْها خِرَقًا أو خِرْقَةً، وَشدَّتْها على حِنَّاءٍ أوْلا، كشَدِّه على جسَدِه شيئًا. ذكَرَه فى «الفُصُولِ» عن أحمدَ، فقال فى «الفُروعِ»: ظاهِرُ كلامِ الأكْثَرِ، لا يَحْرُمُ عليها ذلك. واخْتارَه في «الفَائقِ». وقال القاضى وغيرُه: هما كالقُفَّازَيْن. واقْتَصرَ عليه فى «المُسْتَوعِبِ» .

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: والخَلْخالَ ونَحْوَه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّهُ يُباحُ لها لُبْسُ الخَلْخَالِ، والحَلْىِ، ونحوِهما. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: عليه جمهورُ الأصحابِ. وعنه، يحْرُمُ ذلك. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، لكنْ قال فى «المُطْلِعِ» ، عن كلامِ المُصَنِّفِ: وإنَّما عطَف الخَلْخَالَ ونحوَه على القُفَّازَيْن، وإنْ كان لُبْسُ القُفَّازَيْن مُحَرمًا، ولُبْسُ الخَلْخَالِ والحَلْىِ مُباحًا فى ظاهِرِ الَمذهبِ؛ لأنَّ لُبْسَه مَكْرُوهٌ، فبَيْنَهُما اشْتِراكٌ فى رُجْحانِ التَّرْكِ. انتهى، وحمَل صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ كلامَ الخِرَقِىِّ على الكراهَةِ، وكلامُ

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّف ككَلامِ الخِرَقِىٍّ، لكِنَّ ابنَ مُنَجَّى شرَح على أنَّه مُحَرَّمٌ، فحمَلَه على ظاهِرِه، ولم يَحْكِ خِلافًا.

فائدة: لا يَحْرُمُ عليها لِباسُ زِينَةٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وزادَ، ويُكْرَهُ. وقال الحَلْوَانِى فى «التَّبْصِرَةِ»: يحْرُمُ لِباسُ زِينَةٍ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ أنَّه كحَلْىٍ.

قوله: وَلا تَكْتَحِلُ بالإِثْمِدِ. ونحوِه. قال الشَّارِحُ، تبَعًا للمُصَنِّفِ فى «المُغْنِي»: الكَحْلُ بالإثْمِدِ مَكرُوهٌ للمرْأةِ والرَّجُلِ، وإنَّما خُصَّتِ المرأةُ بالذِّكْرِ

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنَّها محَلُّ الزِّينَةِ، والكراهَةُ فى حقِّها أكثرُ مِنَ الرَّجُلِ. انتهى. وقدَّمه. فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، الكراهَةُ مُطْلَقًا. أعنى سَواءٌ كان الكُحْلُ للزِّينَةِ أو غيرِها. وهذا اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وغيرِهما. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يُكْرَهُ إلَّا إذا كان لزينَةٍ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيلَ: لا يجوزُ. نقَل ابنُ

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنْصُورٍ، لا تَكْتَحِلُ المرأةُ بالسَّوادِ. فظاهِرُه التَّخْصِيصُ بالمرأةِ، وهذا ظاهِرُ كلامِ ابنِ ألى مُوسى. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ. وحمَل صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» كلامَ صاحِبِ «الإرْشَادِ» على الكراهَةِ. وقال الزَّرْكَشِىُّ: ظاهرُ

ص: 364

وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِىِّ، وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ، وَالنَّظَرُ فِى الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا.

ــ

كلامِ الخِرَقِىِّ، التَّحْريمُ. وقد يقالُ: ظاهِرُه وُجوبُ الفِدْيَةِ. وقد أقرَّه ابنُ الزَّاغُونِىِّ على ذلك؛ فقال: هو كالطِّيبِ واللِّباسِ. وجعَلَه المَجْدُ مَكْرُوهًا، وكذا أبو محمدٍ، ولم يُوجِبْ فيه فِدْيَةً، وسَوَّى بيبنَ الرَّجُلِ والمرأةِ.

قوله: ويَجُوزُ لُبْسُ المُعَصْفَرِ والكُحْلِىِّ. يجوزُ لُبْسُ المُعَصْفَرِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه الجماعةُ، وعليه الأصحابُ، سَواءٌ كان اللَّابِسُ رجُلًا أو امرأةً.

ص: 365

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال فى «الوَاضِحِ» : يجوزُ لُبْسُه ما لم يَنْفُضْ عليه. وسبَق فى آخرِ بابِ سَتْرِ العَوْرَةِ، أنَّه يُكْرَهُ للرَّجُلِ فى غيرِ الإِحْرامِ، ففيه أوْلَى. وأما الكُحْلِىُّ وغيرُه مِنَ الصِّباغِ، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه يجوزُ لُبْسُه مِن غيرِ اسْتِحْبابٍ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها: يُسَنُّ لُبْسُ ذلك. قال فى «الفُروعَ» : وهو أظْهَرُ.

قوله: والخِضابُ بالحِنَّاء. يعْنِى، لا بأسَ به للمَرْأةِ فى إحْرامِها. وهو اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، فإنَّهَما قالَا: لا بأْسَ به. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُكْرَهُ. ذكَرَه القاضى وجماعَةٌ، وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. فعليه، إنْ فعَلَتْ، فإنْ شدَّتْ يَدَيْها بخِرْقَةٍ، فدَتْ، وإلَّا فلا.

فائدة: يُسْتَحَبُّ لها الخِضَابُ بالحِنَّاءِ عندَ الإحْرامِ. قالَه الأصحابُ، ويُسْتَحَبُّ فى غيرِ الإحْرامِ لمُزَوَّجَةٍ؛ لأنَّ فيه زِينَةً وتحْبِيبًا للزَّوْجِ، كالطِّيبِ.

ص: 367

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها: ويُكْرَهُ لأيِّمٍ؛ لعدَم الحاجَةِ مع خَوْفِ الفِتْنَةِ. [وفى «المُسْتَوْعِبِ»، لا يُسْتَحَبُّ لها. وقال فى مَكانٍ آَخَرَ: كَرِهَه أحمدُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هو بلا حاجَةٍ. فأمَّا الخِضَابُ للرَّجُلِ، فقال المُصَنِّف، والشَّارِحُ، وجماعةٌ: لا بأْسَ به فيما لا تشَبُّهَ فيه بالنِّسَاءِ. وأطْلَقَ فى «المُسْتَوْعِبِ»، لها الخِضَابُ بالحِنَّاءِ. يَخْتَصُّ النِّساءَ](1). وظاهِرُ ما ذكَرَه القاضى، أنَّه كالمرْأةِ فى الحِنَّاءِ؛ لأنَّه ذكَر المسْألَةَ واحِدَةً. انتهى. ويُباحُ لحاجَةٍ.

قوله: والنَّظَرُ فى المِرْآةِ لهما جَميعًا. يعْنِى، يجوزُ للرجُلِ والمرأةِ النَّظرُ فى المِرْآةِ لحَاجَةٍ؛ كمُداوَاةِ جُرْحٍ، وإزَالَةِ شَعَرٍ يَنْبُتُ فى عَيْنِه، ونحوِ ذلك. وهو مُرادُ المُصَنِّفِ. وإنْ كانَ النَّظَرُ لإزالَةِ شَعَثٍ، أو تَسْويَةِ شَعَرٍ، أو شئٍ مِنَ الزِّينَةِ،

ص: 368

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كُرِهَ ذلك (1). ذكَرَه الخِرَقِىُّ وغيرُه. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنْ مُنَجَّى». وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: يَحْرُمُ. وقال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ أنَّه لا يُكْرَهُ، وفى تَرْكِ الأوْلَى نظَرٌ؛ لأنَّه لا يُمْنَعُ أنْ يأتُوا شُعْثًا غُبْرًا. وأطْلَقَ جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ، لا بأْسَ به، وبعضُ مَن أطْلَقَ، قيَّد فى مَكانٍ آخَرَ بالحاجَةِ.

(1) زيادة من: ش.

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: قال الآجُرىُّ، وابنُ الزَّاغُونِىِّ، وغيرُهما: ويَلْبَسُ الخاتَمَ. وتقدَّم جَوازُ

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لُبْسِه للزِّينَةِ فيما يُباحُ مِنَ الفِضَّةِ للرِّجالِ. قال فى «الفُروعِ» : وإذا لم يُكْرَهْ فى غيرِ الإحْرامِ، فيتَوجَّهُ فى كراهَتِه للمُحْرِمِ لزِينَةٍ؛ ما فى كُحْلٍ ونظَر فى مِرْآةٍ.

فائدة: يجْتَنِبُ المُحْرِمُ ما نَهَى اللهُ عنه، ممَّا فُسِّر به الرَّفَثُ والفُسوقُ؛ وهو السِّبابُ. وقيل: المَعاصِى، والجِدَالُ، والمِراءُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: المُحْرِمُ ممْنُوعٌ مِن ذلك كلِّه. وقال فى «الفُصُولِ» : يجِبُ اجْتِنابُ الجِدالِ؛

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو المُمارَاةُ فيما لا يَعْنِى. [وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: يَحْرُمُ عليه الفُسوقُ؛ وهو السِّبابُ، والجِدالُ؛ وهو المُمارَاةُ فيما لا يَعْنِى](1). وقال فى «الرِّعايَةِ» : يُكْرَهُ كلُّ جِدَالٍ ومِراءٍ فيما لا يَعْنِيه، وكلُّ سِبَابٍ. وقيلَ: يَحْرُمُ كما يَحْرُمُ على المُحِلِّ، بل أوْلَى. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وقال فى «الروضَةِ» وغيرِها:

(1) سقط: من الأصل، ط.

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُسْتَحَبُّ أنْ يَتوَقَّى الكَلامَ فى ما لا ينْفَعُ، والجِدَالَ والمِراءَ واللَّغْوَ وغيرَ ذلك، ممَّا لا حاجَةَ به إليه، ويُسْتَحَبُّ قِلَّةُ الكلامِ إلَّا فى ما ينْفَعُ، وقال فى «الرعايَةِ»: يُكْرَهُ له كَثْرَةُ الكلامِ بلا نفْعٍ. انتهى. ويجوزُ له التِّجارَةُ وعمَلُ الصَّنْعَةِ. قال فى «الفُروعِ» : والمُرادُ ما لم يشْغَلْه عن مُسْتَحَبٍّ أو واجبٍ.

ص: 373