الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد الثامن: في طبه صلى الله عليه وسلم لذوي الأمراض والعاهات وتعبيره الرؤيا وإنبائه بالأنباء المغيبات
مدخل
…
ال مقصد الثامن: في طلبه صلى الله عليه وسلم لذوي الأمراض والعاهات وتعبيره الرؤيا وإنبائه بالأنباء المغيبات
"المقصد الثامن:"
"في طبه صلى الله عليه وسلم""بكسر الطاء اسم مصدر من طبه طبًّا بالفتح" إذا داواه، والمراد بيان أنه كان يصف ما يتداوى به من الأمراض البدنية والقلبية "لذوي الأمراض""بفتح الهمزة جمع مرض بالفتح".
قال البيضاوي: هو حقيقة فيما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال الخاص به، ويوجب الخلل في أفعاله، ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها، كالجهل وسوء العقيدة، والحسد والضغينة، وحب المعاصي؛ لأنها مانعة من نيل الفضائل، أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية، زاد في نسخة: والأعراض: "بفتح الهمزة" ما ينشأ عن المرض من الآلام والأورام، وأكثر النسخ بحذفها، وهو المطابق لما مر من الديباجة، فمراده بالمرض ما يشمل ما نشأ عنه، "والعاهات" أي الآفات: جمع عاهة في تقدير فعله "بفتح العين" وتعبيره" أي تفسيره "الرؤيا" مصدر عبر بالتشديد للمبالغة، وأنكرها الأكثرون وقالوا: المسموع التخفيف، كقوله تعالى: تعبرون، لكن أثبتها الزمخشري اعتمادًا على بيت أنشده المبرد:
رأيت رؤيا ثم عبرتها
…
وكنت للأحلام عبارا
اعلم أنه لا سبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه، أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه، وأنت إذا تأملت ما منحه الله تعالى به من جوامع الكلم، وخصه به من بدائع الحكم، وحسن سيره، وحكم حديثه، وإنبائه بأنباء القرون السالفة والأمم البائدة، والشرائع الدائرة، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى مع الخضر، ويوسف مع إخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، وأشباه ذلك، وبدء الخلق، وأخبار الدار الآخرة، وما في التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وإظهار أحوال الأنبياء وأممهم، وأسرار علومهم ومستودعات سيرهم، وإعلامه بمكتوم وإعلامه شرائعهم، ومضمنات كتبهم وغير
وتبعه في القاموس، "وإنبائه بالأنبياء" أي إخباره بالأخبار "المغيبات" الأمور التي ستقع قبل وقوعها بإلهام أو وحي، "اعلم أنه لا سبيل" لا طريق "لأحد" توصله "إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه" أي إلى حقيقة شيء من معارفه التي هي كالبحار؛ لأنه إنما يحيط من الأشياء بالظواهر، ولا يصل عقل إلى حقيقة البواطن وإضافة البحار إلى المعارف من إضافة المشبه به للمشبه، "أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه" إذ لا طريق إلى شيء من الحقائق التي أوتيها، فالمراد منه، كالمراد مما قبله، "وأنت إذا تأملت ما منحه الله تعالى به" أي أعطاه وضمنه معنى خص، فعداه بالباء "من جوامع الكلم" أي الكلم الجوامع للمعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أوتيت جوامع الكلم" واختصر لي الكلام اختصارًا، "وخصه به من بدائع الحكم" التي لم يسبق بها، "وحسن سيره" جمع سيرة، "وحكم حديثه وإنبائه بأنباء" إخباره بأخبار "القرون السالفة" الأمم الماضية التي لم يصل علمها إلينا إلا منه صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا المعنى يخالف المغيبات بتفسيره المتقدم، فهما متغايران "والأمم البائدة" أي الهالكة "والشرائع الدائرة" أي التي نسيت وترك العمل بها، حتى كأنها محيت، بحيث لم يبق لها أثر، "كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى" الكليم بن عمران "مع الخضر" المختلف في نبوته، وصحح جمع نبوته "ويوسف" نبي الله "مع إخوته" وليسوا بأنبياء على الصحيح، "وأصحاب الكهف" الغار في الجبل، مر لي الإلمام بشيء من قصتهم في المقصد الأول، "وذي القرنين" اسمه الصعب، والأصح أنه كان رجلًا صالحًا لا نبيًّا، كما قيل: وهو الأكبر، وذو القرنين الأصغر اسمه الإسكندر كافر، والحق أن الذي في القرآن هو الأول، وإليه أشار البخاري بذكره قبل إبراهيم ومر بسط ذلك في الأول "وأشباه ذلك، وبدء الخلق وأخبار الدار الآخرة وما في التوراة" كتاب موسى "والإنجيل" كتاب عيسى، "والزبور" كتاب داود، "وصحف إبراهيم" العشرة، "و" صحف "موسى" غير التوراة، "وإظهار أحوال الأنبياء وأممهم، وأسرار علومهم ومستودعات"
ذلك مما صدقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، بل أذعنوا لذلك فضلًا عما أضافه من العلم ومحاسن الآداب والشيم، والمواعظ والحكم، والتنبيه على طرق الحجج العقليات، والرد على فرق الأمم ببراهين الأدلة الواضحات، إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه فيها قدوة، وإشاراته حجة، كاللغة والمعاني والبيان والعربية، وقوانين الأحكام الشرعية، والسياسات العقلية،
محفوظات "سيرهم، وإعلامه بمكتوم شرائعهم ومضمنات كتبهم، وغير ذلك مما صدقه فيه العلماء بها" من أخبارهم، "ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها" لحقيتها وثبوتها عندهم، "بل أذعنوا" أي انقادوا "لذلك" ولم يستعصوا، "فضلًا" زيادة "عما أضافه من العلم" وانتصابه على المصدر.
قال أبو حيان: لم أظفر بنص على أن مثل هذا التركيب من كلام العرب "ومحاسن الأدب" رياضة النفس ومحاسن الأخلاق.
قال أبو زيد الأنصاري: الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، وقال نحوه الأزهري: فالأدب اسم لذلك، والجمع آداب، كسبب وأسباب، "والشيم""بكسر المعجمة وفتح الياء" جمع شيمة، كسدرة وسدر الطبيعة التي خلق عليها الإنسان "والمواعظ" أي أمور الترغيب والترهيب، "والحكم" جمع حكمة، أي جوامع الكلم المحكمة، المرشدة لتكميل النفوس بالملكات الفاضلة:"والتنبيه على طرق الحجج العقليات" أي الإرشاد إلى نصب الأدلة العقلية، كيفية إلزام الخصم بها، نحو: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، قل: يحييها الذي أنشأها أول مرة، أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم، "والرد على فرق الأمم" الضالة من عباد الكواكب وغيرهم "ببراهين الأدلة الواضحات" الظاهرات لسهولة ألفاظها، بحيث يفهمها كل من يسمعها، ويحفظها لقلتها، مع دلالتها على معانيها المبهمة الكثيرة، فليس فيها اختصار مخل، ولا عبارة مغلقة "إلى فنون" أي أنواع "العلوم" متعلق بقوله، أو لا إضافة "التي اتخذ أهلها كلامه فيها قدوة""مثلثة القاف"، "و" اتخذوا "إشاراته حجة" على ما يستنبطونه منها، "كاللغة والمعاني والبيان والعربية""من عطف الكل على بعض أجزائه أو العام على الخاص"، فإنهم قسموه إلى اثني عشرة قسمًا: لغة وصرف واشتقاق ونحو ومعان وبيان وعروض وقافية وخط وقرض الشعر وإنشاء الرسائل والخطب والمحاضرات، ومنه التواريخ.
قال السيوطي: والمراد بالمحاضرات ما تحاضر به صاحبك من نظم أو نثر أو حديث أن نادرة أو مثل سائر، وأما البديع، فجعلوه ذيلًا لا قسمًا برأسه، وقد يطلق علم العربية، ويراد به