الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِيهِ فَوَائِد
الأولى قَالَ الْقُرْطُبِيّ جَاءَ فِي رِوَايَة سُؤال ملكَيْنِ وَفِي أُخْرَى سُؤال ملك وَاحِد وَلَا تعَارض بل ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْخَاص فَرب شخص يَأْتِيهِ إثنان مَعًا فيسألانه مَعًا عَن إنصراف النَّاس ليَكُون أهول فِي حَقه وَأَشد بِحَسب مَا إقترف من الآثام وَآخر يَأْتِيهِ قبل إنصراف النَّاس تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لحُصُول أنسه بهم وَآخر يَأْتِيهِ ملك وَاحِد فَيكون أخف عَلَيْهِ وَأَقل فِي الْمُرَاجَعَة لما قدمه من الْعَمَل الصَّالح قَالَ وَيحْتَمل أَن يَأْتِي الإثنان وَيكون السَّائِل أَحدهمَا وَإِن إشتركا فِي الْإِتْيَان فَتحمل رِوَايَة الْوَاحِد على هَذَا
قلت هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَاب فَإِن ذكر الْملكَيْنِ هُوَ الْمَوْجُود فِي غَالب الْأَحَادِيث
الثَّانِيَة قَالَ أَيْضا إختلفت الْأَحَادِيث فِي كَيْفيَّة السُّؤَال وَالْجَوَاب وَذَلِكَ بِحَسب الْأَشْخَاص أَيْضا فَمنهمْ من يسْأَل عَن بعض إعتقاداته وَمِنْهُم من يسْأَل عَن كلهَا قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون الإقتصار على الْبَعْض من بعض الروَاة وأتى بِهِ غَيره تَاما
قلت هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَاب لإتفاق أَكثر الْأَحَادِيث عَلَيْهِ نعم يُؤْخَذ مِنْهَا وخصوصا من رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أنس فَمَا يسْأَل عَن شَيْء بعْدهَا وَلَفظ إِبْنِ مرْدَوَيْه فَمَا يسْأَل عَن شَيْء غَيرهَا أَنه لَا يسْأَل عَن شَيْء من التكليفات غير الإعتقاد خَاصَّة وَصرح فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن إِبْنِ عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا} الْآيَة قَالَ الشَّهَادَة يسْأَلُون عَنْهَا فِي قُبُورهم بعد مَوْتهمْ قيل لعكرمة مَا هُوَ قَالَ يسْأَلُون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد وَأمر التَّوْحِيد
الثَّالِثَة أَقُول قد ورد فِي رِوَايَة أَنه يسْأَل فِي الْمجْلس الْوَاحِد ثَلَاث مَرَّات وَبَاقِي الرِّوَايَات ساكتة عَن ذَلِك فَتحمل على ذَلِك أَو يخْتَلف الْحَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْخَاص وَقد تقدم عَن طَاوُوس أَنهم يفتنون سَبْعَة أَيَّام
الرَّابِعَة قَالَ القَاضِي إِن من لم يدْفن مِمَّن بَقِي على وَجه الأَرْض يَقع لَهُم السُّؤَال وَالْعَذَاب ويحجب الله أبصار الْمُكَلّفين عَن رُؤْيَة ذَلِك كَمَا حجبها عَن رُؤْيَة الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين قَالَ بَعضهم وَترد الْحَيَاة إِلَى المصلوب وَنحن لَا نشعر بِهِ
كَمَا أَنا نحسب الْمغمى عَلَيْهِ مَيتا وَكَذَلِكَ يضيق عَلَيْهِ الجو كضمة الْقَبْر وَلَا يستنكر شَيْئا من ذَلِك من خالط الْإِيمَان قلبه وَكَذَلِكَ من تَفَرَّقت أجزاؤه يخلق الله الْحَيَاة فِي بَعْضهَا أَو كلهَا وَيُوجه السُّؤَال عَلَيْهَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ بَعضهم وَلَيْسَ هَذَا بأبعد من الذَّر الَّذِي أخرجه الله من صلب آدم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى}
الْخَامِسَة قَالَ إِبْنِ عبد الْبر لَا يكون السُّؤَال إِلَّا لمُؤْمِن أَو مُنَافِق كَانَ مَنْسُوبا إِلَى دين الْإِسْلَام بِظَاهِر الشَّهَادَة بِخِلَاف الْكَافِر فَإِنَّهُ لَا يسْأَل وَخَالفهُ الْقُرْطُبِيّ وإبن الْقيم قَالَا أَحَادِيث السُّؤَال فِيهَا التَّصْرِيح بِأَن الْكَافِر وَالْمُنَافِق يسألان قلت مَا قَالَاه مَمْنُوع فَإِنَّهُ لم يجمع بَينهمَا فِي شَيْء من الْأَحَادِيث وَإِنَّمَا ورد فِي بَعْضهَا ذكر الْمُنَافِق وَفِي بَعْضهَا بدله الْكَافِر وَهُوَ مَحْمُول على أَن المُرَاد بِهِ الْمُنَافِق بِدَلِيل قَوْله فِي حَدِيث أَسمَاء وَأما الْمُنَافِق أَو المرتاب وَلم يذكر الْكَافِر وَفِي آخر حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ من قَول حَمَّاد وَأبي عمر الضَّرِير مَا يُصَرح بذلك
السَّادِسَة قَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ سُؤال الْقُبُور خَاص بِهَذِهِ الْأمة لِأَن الْأُمَم قبلهَا كَانَت الرُّسُل تأتيهم بالرسالة فَإِذا أَبَوا كفت الرُّسُل واعتزلوهم وعوجلوا بِالْعَذَابِ فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالرَّحْمَةِ أمسك عَنْهُم الْعَذَاب وَأعْطِي السَّيْف حَتَّى يدْخل فِي دين الْإِسْلَام وَمن دخل لمهابة السَّيْف ثمَّ يرسخ الْإِيمَان فِي قلبه فَمن هُنَا ظهر النِّفَاق فَكَانُوا يسرون الْكفْر ويلعنون الْإِيمَان فَكَانُوا بَين الْمُسلمين فِي ستر فَلَمَّا مَاتُوا قيض الله لَهُم فتاني الْقَبْر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الْخَبيث من الطّيب وَخَالفهُ آخَرُونَ فَقَالُوا السُّؤَال لهَذِهِ الْأمة وَغَيرهَا
قَالَ إِبْنِ عبد الْبر وَيدل للإختصاص قَوْله إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها وَقَوله أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي قبوركم وَقَوله فَبِي تفتنون وعني تسْأَلُون
السَّابِعَة قَالَ الْحَكِيم أَيْضا إِنَّمَا سميا فتاني الْقَبْر لِأَن فِي سؤالهما إنتهارا وَفِي خلقهما صعوبة وسميا مُنْكرا ونكيرا لِأَن خلقهما لَا يشبه خلق الْآدَمِيّين وَلَا خلق الْمَلَائِكَة وَلَا خلق الْبَهَائِم وَلَا خلق الْهَوَام هما خلق بديع وَلَيْسَ فِي خلقتهما
أنس للناظرين إِلَيْهِمَا جَعلهمَا الله تكرمة لِلْمُؤمنِ لتثبيته وتبصرة وهتكا لستر الْمُنَافِق فِي البرزخ من قبل أَن يبْعَث حَتَّى يحل عَلَيْهِ الْعَذَاب
قلت وَهَذَا يدل على أَن الإسم مُنكر بِفَتْح الْكَاف وَهُوَ المجزوم بِهِ فِي الْقَامُوس وَذكر إِبْنِ يُونُس من أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة أَن إسم ملكي الْمُؤمن مُبشر وَبشير
الثَّامِنَة قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِن قيل كَيفَ يُخَاطب الْملكَانِ جَمِيع الْمَوْتَى فِي الْأَمَاكِن المتباعدة فِي الْوَقْت الْوَاحِد فَالْجَوَاب إِن عظم جثتهما يَقْتَضِي ذَلِك فيخاطبان الْخلق الْكثير فِي الْجُمُعَة الْوَاحِدَة فِي الْمرة الْوَاحِدَة مُخَاطبَة وَاحِدَة بِحَيْثُ يخيل لكل وَاحِد من المخاطبين أَنه الْمُخَاطب دون من سواهُ ويمنعه الله تَعَالَى من سَماع جَوَاب بَقِيَّة الْمَوْتَى
قلت وَيحْتَمل تعدد الْمَلَائِكَة الْمعدة لذَلِك كَمَا فِي الْحفظَة وَنَحْوهم ثمَّ رَأَيْت الْحَلِيمِيّ من أَصْحَابنَا ذهب إِلَيْهِ فَقَالَ فِي منهاجه وَالَّذِي يشبه أَن تكون مَلَائِكَة السُّؤَال جمَاعَة كَثِيرَة يُسمى بَعضهم مُنْكرا وَبَعْضهمْ نكيرا فيبعث إِلَى كل ميت إثنان مِنْهُم كَمَا كَانَ الْمُوكل عَلَيْهِ لكتابة أَعماله ملكَيْنِ إنتهى
التَّاسِعَة إختلفت الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي قدر سَعَة الْقَبْر لِلْمُؤمنِ وَلَا تعَارض فَإِن ذَلِك يتَفَاوَت بِحَسب حَال الْمَيِّت فِي الصّلاح علوا وانخفاضا
الْعَاشِرَة فِي أسئلة تتَعَلَّق بِهَذَا الْبَاب سئلها شيخ الْإِسْلَام حَافظ الْعَصْر أَبُو الْفضل بن حجر سُئِلَ عَن الْمَيِّت إِذا سُئِلَ هَل يسْأَل قَاعِدا أم يسْأَل وَهُوَ رَاقِد فَأجَاب يقْعد وَسُئِلَ عَن الرّوح هَل تلبس حِينَئِذٍ الجثة كَمَا كَانَت فَأجَاب نعم لَكِن ظَاهر الْخَبَر أَنَّهَا تحل فِي نصفه الْأَعْلَى وَسُئِلَ هَل يكْشف لَهُ حَتَّى يرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأجَاب أَنه لم يرد حَدِيث وَإِنَّمَا إدعاه بعض من لَا يحْتَج بِهِ بِغَيْر مُسْتَند سوى قَوْله فِي هَذَا الرجل وَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن الْإِشَارَة إِلَى الْحَاضِر فِي الذِّهْن وَسُئِلَ عَن الْأَطْفَال هَل يسْأَلُون فَأجَاب بِأَن الَّذِي يظْهر إختصاص السُّؤَال بِمن يكون مُكَلّفا وَقَالَ ابْن الْقيم إِن الْأَحَادِيث مصرحة بِإِعَادَة الرّوح إِلَى الْبدن عِنْد السُّؤَال لَكِن هَذِه الْإِعَادَة لَا تحصل بهَا الْحَيَاة الْمَعْهُودَة الَّتِي تقوم بهَا الرّوح بِالْبدنِ وتدبيره وَيحْتَاج مَعهَا إِلَى الطَّعَام وَنَحْوه وَإِنَّمَا يحصل بهَا للبدن حَيَاة أُخْرَى يحصل بهَا الإمتحان بالسؤال وكما أَن حَيَاة النَّائِم وَهُوَ حَيّ غير حَيَاة المستيقظ فَإِن النّوم أَخُو
الْمَوْت وَلَا يَنْفِي عَن النَّائِم إِطْلَاق الْحَيَاة فَكَذَلِك حَيَاة الْمَيِّت عِنْد الْإِعَادَة غير حَيَاة الْحَيّ وَهِي حَيَاة لَا تَنْفِي عَنهُ إِطْلَاق إسم الْمَوْت بل أَمر متوسط بَين الْمَوْت والحياة كَمَا أَن الْمَوْت متوسط بَينهمَا وَلَا دلَالَة فِي الحَدِيث على أَنَّهَا مُسْتَقِرَّة وَإِنَّمَا يدل على تعلق مَا بِالْبدنِ وَهِي لَا تزَال مُتَعَلقَة بِهِ وَإِن بلي وتمزق وتقسم وتفرق
إنتهى وَقَالَ إِبْنِ تَيْمِية الْأَحَادِيث متواترة على عود الرّوح إِلَى الْبدن وَقت السُّؤَال وسؤال الْبدن بِلَا روح قَول طَائِفَة مِنْهُم إِبْنِ الزَّاغُونِيّ وَحكي عَن إِبْنِ جرير وَأنْكرهُ الْجُمْهُور وقابلهم آخَرُونَ فَقَالُوا السُّؤَال للروح بِلَا بدن قَالَه إِبْنِ حزم وَآخَرُونَ مِنْهُم إِبْنِ عقيل وإبن الْجَوْزِيّ وَهُوَ غلط وَإِلَّا لم يكن للقبر بذلك إختصاص
الْحَادِيَة عشرَة فِي روض الرياحين لليافعي عَن شَقِيق الْبَلْخِي أَنه قَالَ طلبنا خمْسا فَوَجَدْنَاهَا فِي خمس طلبنا بركَة الْقُوت فوجدناه فِي صَلَاة الضُّحَى وطلبنا ضِيَاء الْقُبُور فوجدناه فِي صَلَاة اللَّيْل وطلبنا جَوَاب مُنكر وَنَكِير فوجدناه فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وطلبنا عبور الصِّرَاط فوجدناه فِي الصَّوْم وَالصَّدَََقَة وطلبنا ظلّ الْعَرْش فوجدناه فِي الْخلْوَة
الثَّانِيَة عشرَة أخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب من طَرِيق إِبْنِ هدبة عَن أَشْعَث الْحَرَّانِي عَن أنس مَرْفُوعا من فَارق الدُّنْيَا وَهُوَ سَكرَان دخل الْقَبْر سَكرَان وَأخرجه أَبُو الْفضل الطوسي فِي عُيُون الْأَخْبَار من طَرِيق أبي هدبة عَن أنس وَفِيه فَإِنَّهُ يعاين ملك الْمَوْت سَكرَان ويعاني مُنْكرا ونكيرا سَكرَان
الثَّالِثَة عشرَة وَقع فِي فَتَاوَى شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام علم الدّين البُلْقِينِيّ أَن الْمَيِّت يُجيب السُّؤَال فِي الْقَبْر بالسُّرْيَانيَّة وَلم أَقف لذَلِك على مُسْتَند وَسُئِلَ الْحَافِظ إِبْنِ حجر عَن ذَلِك فَقَالَ ظَاهر الحَدِيث أَنه بالعربي قَالَ وَيحْتَمل مَعَ ذَلِك أَن يكون خطاب كل أحد بِلِسَانِهِ
الرَّابِعَة عشرَة قَالَ البزازي من الْحَنَفِيَّة فِي فَتَاوِيهِ السُّؤَال فِيمَا يسْتَقرّ فِيهِ الْمَيِّت حَتَّى لَو أكله سبع فالسؤال فِي بَطْنه فَإِن جعل فِي تَابُوت أَيَّامًا لنقله إِلَى مَكَان آخر لَا يسْأَل مَا لم يدْفن إنتهى
25 -
بَاب من لَا يسْأَل فِي الْقَبْر
1 -
قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ فِي كتاب الرّوح ورد فِي الْأَخْبَار الصِّحَاح أَن بعض الْمَوْتَى لَا ينالهم فتْنَة الْقَبْر وَلَا يَأْتِيهم الفتانان وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أوجه مُضَاف إِلَى عمل ومضاف إِلَى حَال بلَاء نزل بِالْمَوْتِ ومضاف إِلَى زمَان
2 -
أخرج النَّسَائِيّ عَن رَاشد بن سعد عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد قَالَ كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة
3 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي أَيُّوب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من لَقِي الْعَدو فَصَبر حَتَّى يقتل أَو يغلب لم يفتن فِي قَبره
4 -
وَأخرج مُسلم عَن سلمَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه وَإِن مَاتَ جرى عَلَيْهِ عمله الَّذِي كَانَ يعمله وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان
5 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن فضَالة بن عبيد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كل ميت يخْتم على عمله إِلَّا الَّذِي مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ يَنْمُو عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ويأمن فتْنَة الْقَبْر وَأخرجه أَبُو دَاوُد بِلَفْظ ويؤمن من فتاني الْقَبْر
6 -
وَأخرج إِبْنِ مَاجَه بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله أجْرى الله عَلَيْهِ أجر عمله الصَّالح الَّذِي كَانَ يعْمل وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان ويبعثه الله يَوْم الْقِيَامَة آمنا من الْفَزع
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله قيد وَهُوَ الْمَوْت حَالَة الرِّبَاط والرباط هُوَ مُلَازمَة ثغور الْمُسلمين مُدَّة على نِيَّة الْجِهَاد فَارِسًا كَانَ أَو رَاجِلا بِخِلَاف سكان الثغور دَائِما بأهليهم الَّذين يعْملُونَ ويكتسبون هُنَاكَ فليسوا بمرابطين
7 -
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول كل ميت يخْتم على عمله إِلَّا المرابط فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ يجْرِي عَلَيْهِ عمله
حَتَّى يَبْعَثهُ الله ويؤمن من فتان الْقَبْر
8 -
وَأخرج الْبَزَّار عَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ مرابطا فِي سَبِيل الله أجري عَلَيْهِ أجر عمل الصَّائِم وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان ويبعثه الله يَوْم الْقِيَامَة آمنا من الْفَزع الْأَكْبَر
9 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من رابط فِي سَبِيل الله أَمنه الله من فتْنَة الْقَبْر
10 -
وَأخرج فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من توفّي مرابطا وقِي فتْنَة الْقَبْر وَجرى عَلَيْهِ رزقه
11 -
وَأخرج فِي الْكَبِير عَن سلمَان قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله كصيام شهر وقيامه وَمن مَاتَ مرابطا جرى عَلَيْهِ عمله الَّذِي كَانَ يعْمل وَأمن الفتان وَبعث يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا
12 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من رابط يَوْمًا فِي سَبِيل الله كَانَ كصيام شهر وقيامه وأجير من فتْنَة الْقَبْر وَأجْرِي عَلَيْهِ عمله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
13 -
وَأخرج إِبْنِ مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا وَوُقِيَ فتْنَة الْقَبْر وغدي وريح عَلَيْهِ برزقه من الْجنَّة
قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا عَام فِي جَمِيع الْأَمْرَاض وَلَكِن يُقيد بِالْحَدِيثِ الآخر من قَتله بَطْنه لم يعذب فِي قَبره أخرجه النَّسَائِيّ وَغَيره وَالْمرَاد بِهِ الإستسقاء وَقيل الإسهال وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَن يَمُوت حَاضر الْعقل عَارِفًا بِاللَّه تَعَالَى فَلم يحْتَج إِلَى إِعَادَة السُّؤَال عَلَيْهِ بِخِلَاف من يَمُوت بِسَائِر الْأَمْرَاض فَإِنَّهُم تغيب عُقُولهمْ قلت لَا حَاجَة إِلَى شَيْء من هَذَا التَّقْيِيد فَإِن الحَدِيث غلط فِيهِ الرَّاوِي بِاتِّفَاق الْحفاظ وَإِنَّمَا هُوَ من مَاتَ مرابطا لَا من مَاتَ مَرِيضا وَقد أوردهُ إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات لأجل ذَلِك وَرُوِيَ أَن سُورَة تبَارك من قَرَأَهَا كل لَيْلَة لم يضرّهُ الفتان
14 -
وَأخرج جُوَيْبِر فِي تَفْسِيره عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن زر بن
حُبَيْش عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ من قَرَأَ سُورَة الْملك كل لَيْلَة عصم من فتْنَة الْقَبْر وَمن واظب على قَوْله تَعَالَى {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} سهل الله عَلَيْهِ سُؤال مُنكر وَنَكِير
15 -
وَأخرج عَن كَعْب قَالَ إِنَّا لنجدها فِي التَّوْرَاة من قَرَأَ سُورَة الْملك كل لَيْلَة عصم من فتْنَة الْقَبْر وَرُوِيَ من طَرِيق سوار بن مُصعب وَهُوَ ضَعِيف جدا عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء يرفعهُ من قَرَأَ ألم السَّجْدَة وتبارك الْملك قبل النّوم نجا من عَذَاب الْقَبْر وَوُقِيَ فتاني الْقَبْر
16 -
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وإبن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْنِ عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم يَمُوت يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الْجُمُعَة إِلَّا وَقَاه الله فتْنَة الْقَبْر
17 -
وَأخرج إِبْنِ وهب فِي جَامعه وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق آخر عَنهُ بِلَفْظ إِلَّا برىء من فتْنَة الْقَبْر
18 -
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق ثَالِثَة عَنهُ مَوْقُوفا بِلَفْظ وقِي الفتان
قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذِه الْأَحَادِيث لَا تعَارض أَحَادِيث السُّؤَال السَّابِقَة بل تخصها وَتبين من لَا يسْأَل فِي قَبره وَلَا يفتن فِيهِ مِمَّن يجْرِي عَلَيْهِ السُّؤَال ويقاسي تِلْكَ الْأَهْوَال وَهَذَا كُله لَيْسَ فِيهِ مدْخل للْقِيَاس وَلَا مجَال للنَّظَر فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيم والإنقياد لقَوْل الصَّادِق المصدوق
قَالَ وَقَوله فِي الشَّهِيد كفى ببارقه السيوف على رَأسه فتْنَة مَعْنَاهُ أَنه لَو كَانَ فِي هَؤُلَاءِ المقتولين نفاق كَانَ إِذا إلتقى الْجَمْعَانِ وَبَرقَتْ السيوف فروا لِأَن من شَأْن الْمُنَافِق الْفِرَار والزوغان عِنْد ذَلِك وَمن شَأْن الْمُؤمن الْبَذْل وَالتَّسْلِيم لله نفسا فَهَذَا قد أظهر صدق مَا فِي ضَمِيره حَيْثُ برز للحرب وَالْقَتْل فلماذا يُعَاد عَلَيْهِ السُّؤَال فِي الْقَبْر قَالَه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَإِذا كَانَ الشَّهِيد لَا يسْأَل فالصديق أجل قدرا وَأعظم خطرا
فَهُوَ أَحْرَى أَن لَا يفتن لِأَنَّهُ الْمُقدم ذكره فِي التَّنْزِيل على الشُّهَدَاء وَقد جَاءَ فِي المرابط الَّذِي هُوَ أقل مرتبَة من الشَّهِيد أَنه لَا يفتن فَكيف بِمن هُوَ أَعلَى مرتبَة مِنْهُ وَمن الشَّهِيد هَذَا كُله كَلَام الْقُرْطُبِيّ
قلت وَقد صرح الْحَكِيم بِأَن الصديقين لَا يسْأَلُون وَعبارَته ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَيفْعل الله مَا يَشَاء} وتأويله عندنَا وَالله أعلم أَن من مَشِيئَته أَن يرفع مرتبَة أَقوام عَن السُّؤَال وهم الصديقون وَالشُّهَدَاء وَمَا نَقله عَن الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي تَوْجِيه حَدِيث الشَّهِيد يَقْتَضِي إختصاص ذَلِك بِشَهِيد المعركة لَكِن إقتضت أَحَادِيث الرِّبَاط التَّعْمِيم فِي كل شَهِيد
وَقد جزم شيخ الْإِسْلَام إِبْنِ حجر فِي كتاب بذل الماعون فِي فضل الطَّاعُون بِأَن الْمَيِّت بالطعن لَا يسْأَل لِأَنَّهُ نَظِير الْمَقْتُول فِي المعركة وَبِأَن الصابر فِي الطَّاعُون محتسبا يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب لَهُ إِذا مَاتَ فِيهِ بِغَيْر الطعْن لَا يفتن أَيْضا لِأَنَّهُ نَظِير المرابط هَكَذَا ذكره وَهُوَ مُتَّجه جدا
وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي تَوْجِيه حَدِيث المرابط إِنَّه قد ربط نَفسه وسجنها وصيرها حَبِيسًا لله فِي سَبيله لمحاربة أعدائه فَإِذا مَاتَ على هَذَا فقد ظهر صدق مَا فِي ضَمِيره فَوقِي فتْنَة الْقَبْر
قَالَ وَمن مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة فقد إنكشف الغطاء عَمَّا لَهُ عِنْد الله لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا تسجر فِيهِ جَهَنَّم وتغلق أَبْوَابهَا وَلَا يعْمل سُلْطَان النَّار مَا يعْمل فِي سَائِر الْأَيَّام فَإِذا قبض الله عبدا من عبيده فَوَافَقَ قَبضه يَوْم الْجُمُعَة كَانَ ذَلِك دَلِيلا لسعادته وَحسن مآبه لِأَنَّهُ لَا يقبض فِي هَذَا الْيَوْم الْعَظِيم إِلَّا من كتب الله لَهُ السَّعَادَة عِنْده فَلذَلِك يَقِيه فتْنَة الْقَبْر لِأَن سَببهَا إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيز الْمُنَافِق من الْمُؤمن إنتهى
قلت وَمن تَتِمَّة ذَلِك أَن من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة لَهُ أجر شَهِيد فَكَانَ على قَاعِدَة الشُّهَدَاء فِي عدم السُّؤَال
19 -
كَمَا أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الْجُمُعَة أجِير من عَذَاب الْقَبْر وَجَاء يَوْم الْقِيَامَة عَلَيْهِ طَابع الشُّهَدَاء
20 -
وَأخرج حميد فِي ترغيبه عَن إِيَاس بن بكير أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة كتب لَهُ أجر شَهِيد وَوُقِيَ فتْنَة الْقَبْر
22 -
وَأخرج من طَرِيق إِبْنِ جريج عَن عَطاء بن يسَار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم أَو مسلمة يَمُوت لَيْلَة الْجُمُعَة أَو يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا وقِي عَذَاب الْقَبْر وفتنة الْقَبْر وَلَقي الله وَلَا حِسَاب عَلَيْهِ وَجَاء يَوْم الْقِيَامَة وَمَعَهُ شُهُود يشْهدُونَ لَهُ بِالْجنَّةِ أَو طَابع وَهَذَا الحَدِيث لطيف صرح فِيهِ بِنَفْي الْفِتْنَة وَالْعَذَاب مَعًا وَقد إجتمع مِمَّا ذَكرْنَاهُ جمَاعَة لَا يسْأَلُون وَإِن عممنا كل شَهِيد إتسع الْأَمر فَإِن الشُّهَدَاء أَكثر من ثَلَاثِينَ أفردتهم بكراسة وَمِمَّا كثر عَلَيْهِ السُّؤَال عَنهُ الْأَطْفَال هَل يسْأَلُون وَهَذِه الْمَسْأَلَة ذكرهَا إِبْنِ الْقيم فِي كتاب الرّوح وَحكى فِيهَا قَوْلَيْنِ للحنابلة أَحدهمَا نعم لحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم صلى على صبي فَقَالَ اللَّهُمَّ قه عَذَاب الْقَبْر وَهَذَا الَّذِي جزم بِهِ الْقُرْطُبِيّ وَقَالَ إِن الْعقل يكمل لَهُم ليعرفوا بذلك مَنْزِلَتهمْ وسعادتهم ويلهمون الْجَواب عَمَّا يسْأَلُون عَنهُ قلت وَقد قَالَ بِهِ الضَّحَّاك فَأخْرج إِبْنِ جرير عَن جُوَيْبِر قَالَ مَاتَ للضحاك بن مُزَاحم إِبْنِ سِتَّة أَيَّام فَقَالَ إِذا وضعت إبني فِي لحده فأبرز وَجهه وَحل عقده فَإِنِّي إبني يجلس للسؤال فَقلت عَم يسْأَل قَالَ عَن الْمِيثَاق الَّذِي أقرّ بِهِ فِي صلب آدم الثَّانِي لَا لِأَن السُّؤَال إِنَّمَا يكون لمن عقل الرَّسُول والمرسل فَيسْأَل هَل آمن بالرسول وأطاعه أم لَا وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث أَنه لَيْسَ المُرَاد فِيهِ بِعَذَاب الْقَبْر عُقُوبَته وَلَا السُّؤَال بل مُجَرّد الْأَلَم بالهم وَالْغَم وَالْحَسْرَة والوحشة والضغطة الَّتِي تعم الْأَطْفَال وَغَيرهم وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح بل الصَّوَاب وَقد قَالَ النَّسَفِيّ فِي بَحر الْكَلَام الْأَنْبِيَاء وَأَطْفَال الْمُؤمنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب وَلَا عَذَاب الْقَبْر وَلَا سُؤال مُنكر وَنَكِير وَقد جزم أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة بِأَن الطِّفْل لَا يلقن بعد الدّفن وَأَن التَّلْقِين يخْتَص بالبالغ هَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا وَهُوَ دَلِيل على أَن الْأَطْفَال لَا يسْأَلُون وَقد أفتى بِهِ الْحَافِظ إِبْنِ حجر كَمَا تقدم نَقله عَنهُ
فَائِدَة أورد إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من حَدِيث أنس مَرْفُوعا مَا مَاتَ مخضوب وَدخل الْقَبْر إِلَّا ومنكر وَنَكِير لَا يسألانه يَقُول مُنكر يَا نَكِير سائله يَقُول كَيفَ أسائله وَنور الْإِسْلَام عَلَيْهِ وَقَالَ وَفِي إِسْنَاده دَاوُد بن صَغِير مُنكر الحَدِيث قلت وَقَوله نور الْإِسْلَام يفسره مَا ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يصبغون فخالفوهم فَإِن كَانَ للْحَدِيث أصل حمل على مَا كَانَ نِيَّته بذلك الْمُحَافظَة على السّنة
26 -
بَاب فظاعة الْقَبْر وسهولته وسعته على الْمُؤمن
1 -
وَأخرج الْحَاكِم وإبن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ وهناد فِي الزّهْد عَن هانىء مولى عُثْمَان قَالَ كَانَ عُثْمَان إِذا وقف على قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته فَيُقَال لَهُ تذكر الْجنَّة وَالنَّار فَلَا تبْكي وتبكي من هَذَا فَيَقُول إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْقَبْر أول منَازِل الْآخِرَة فَإِن نجا مِنْهُ فَمَا بعده أيسر مِنْهُ وَإِن لم ينج مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْت منْظرًا إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ
2 -
وَأخرج إِبْنِ مَاجَه عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَة فَجَلَسَ على شَفير قَبره فَبكى وأبكى حَتَّى بل الثرى ثمَّ قَالَ يَا إخوتي لمثل هَذَا فأعدوا
3 -
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وإبن مَاجَه عَن إِبْنِ عَمْرو قَالَ توفّي رجل بِالْمَدِينَةِ فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا ليته مَاتَ فِي غير مولده فَقَالَ رجل من النَّاس لم يَا رَسُول الله قَالَ إِن الرجل إِذا توفّي فِي غير مولده قيس لَهُ من مولده إِلَى مُنْقَطع أَثَره فِي الْجنَّة
4 -
وَأخرج أَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يفسح للغريب فِي قَبره كبعده عَن أَهله
5 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِنَّمَا الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار
6 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر وإبن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْقَبْر حُفْرَة من حفر جَهَنَّم أَو رَوْضَة من رياض الْجنَّة
7 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ وإبن مَنْدَه عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه خطب فَقَالَ الْقَبْر حُفْرَة من حفر النَّار أَو رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَلا وَإنَّهُ يتَكَلَّم فِي كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات فَيَقُول أَنا بَيت الدُّود أَنا بَيت الظلمَة أَنا بَيت الوحشة
8 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُؤمن فِي قَبره فِي رَوْضَة خضراء يرحب قَبره سبعين ذِرَاعا وينور لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
9 -
وَأخرج عَليّ بن معبد عَن معَاذَة قَالَت قلت لعَائِشَة رضي الله عنها أَلا تخبرينا عَن مقبورنا مَا يلقى وَمَا يصنع بِهِ فَقَالَت إِن كَانَ مُؤمنا فسح لَهُ فِي قَبره أَرْبَعُونَ ذِرَاعا قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهَذَا إِنَّمَا يكون بعد ضيق الْقَبْر وَالسُّؤَال وَأما الْكَافِر فَلَا يزَال قَبره ضيقا عَلَيْهِ وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي الْقَبْر إِنَّه رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار مَحْمُول عندنَا على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز وَأَن الْقَبْر يمْلَأ على الْمُؤمن خضرًا وَهُوَ العشب من النَّبَات وَقد عينه إِبْنِ عَمْرو فِي حَدِيثه أَنه الريحان وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى حمله على الْمجَاز وَأَن المُرَاد خفَّة السُّؤَال على الْمُؤمن وسهولته عَلَيْهِ وأمنه وَطيب عيشه وراحته وسعته عَلَيْهِ بِحَيْثُ يرى مد بَصَره كَمَا يُقَال فلَان فِي الْجنَّة إِذا كَانَ فِي رغد من الْعَيْش وسلامة وَكَذَا فِي ضِدّه قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالْأول أصح
10 -
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ كَانَ عِيسَى عليه السلام وَاقِفًا على قبر وَمَعَهُ الحواريون فَذكرُوا الْقَبْر ووحشته وظلمته وضيقه فَقَالَ عِيسَى كُنْتُم فِي أضيق مِنْهُ فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم فَإِذا أحب الله تَعَالَى أَن يُوسع وسع
11 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المحتضرين عَن أبي غَالب صَاحب أبي أُمَامَة أَن فَتى بِالشَّام حَضَره الْمَوْت فَقَالَ لِعَمِّهِ أَرَأَيْت لَو أَن الله دفعني إِلَى والدتي مَا كَانَت صانعة بِي قَالَ إِذن وَالله كَانَت تدخلك الْجنَّة قَالَ وَالله لله أرْحم بِي من والدتي فَقبض الْفَتى فَدخلت الْقَبْر مَعَ عَمه فَقُلْنَا بِاللَّبنِ فسويناه عَلَيْهِ فَسَقَطت مِنْهُ لبنة فَوَثَبَ عَمه فَتَأَخر فَقلت مَا شَأْنك قَالَ ملىء قَبره نورا وفسح لَهُ مد بَصَره
12 -
وَأخرج من طَرِيق مُحَمَّد بن أبان عَن حميد قَالَ كَانَ لي إِبْنِ أُخْت فَذكر شَبِيها بِهَذِهِ الْحِكَايَة إِلَّا أَنه قَالَ فاطلعت فِي اللَّحْد فَإِذا هُوَ مد بَصرِي قلت لصاحبي أَرَأَيْت مَا رَأَيْت قَالَ نعم فليهنك ذَلِك قَالَ فَظَنَنْت أَنه بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا
13 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم عَن الْأَشْيَاخ قَالَ كَانَ شيخ من بني الْحَضْرَمِيّ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ شَيخا صَالحا وَكَانَ لَهُ إِبْنِ أَخ يصحب الْقَيْنَات فَكَانَ يعظه فَمَاتَ الْفَتى فَلَمَّا أنزلهُ عَمه فِي قَبره فسوى عَلَيْهِ اللَّبن شكّ فِي بعض أمره فَنزع بعض اللَّبن وَنظر فِي قَبره فَإِذا قَبره أوسع من جبانة الْبَصْرَة وَإِذا هُوَ فِي وسط مِنْهَا فَرد عَلَيْهِ اللَّبن ثمَّ سَأَلَ إمرأته عَن عمله فَقَالَت كَانَ إِذا سمع الْمُؤَذّن يَقُول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله يَقُول وَأَنا أشهد بِمَا شهِدت بِهِ وألقنها من تولى عَنْهَا
14 -
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْبَراء حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْجعْفِيّ حَدثنِي عَليّ بن مُحَمَّد حَدثنَا يزِيد بن نوح النَّخعِيّ قرَابَة لِشَرِيك بن عبد الله قَالَ صليت بِالْكُوفَةِ على ميت ثمَّ دخلت قَبره فَبَيْنَمَا أَنا أصلح عَلَيْهِ اللَّبن وَقعت لبنة من الْقَبْر وَإِذا أَنا بِالْكَعْبَةِ وَالطّواف قد مثلا لي فِي الْقَبْر
15 -
وَفِي كتابب الديباج لأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان الْخُتلِي سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد الْعَبْسِي يَقُول حَدثنِي عَمْرو بن مُسلم عَن رجل حفار الْقُبُور قَالَ
حفرت قبرين وَكنت فِي الثَّالِث فَاشْتَدَّ عَليّ الْحر فألقيت كسائي على مَا حفرت واستظللت فِيهِ فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ رَأَيْت شَخْصَيْنِ على فرسين أشهبين فوقفا على الْقَبْر الأول فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه أكتب فَقَالَ وَمَا أكتب قَالَ فَرسَخ فِي فَرسَخ ثمَّ تحولا إِلَى الآخر فَقَالَ أكتب فَقَالَ وَمَا أكتب قَالَ مد الْبَصَر ثمَّ تحولا إِلَى الآخر الَّذِي أَنا فِيهِ فَقَالَ أكتب قَالَ وَمَا أكتب قَالَ فتر فَقَعَدت أنظر الْجَنَائِز فجيء بِرَجُل مَعَه نفر يسير فوقفوا على الْقَبْر الأول قلت من هَذَا الرجل قَالُوا إِنْسَان قرَاب يَعْنِي سقاء ذُو عِيَال وَلم يكن مَعَه شَيْء فجمعنا لَهُ دَرَاهِم فَقلت ردوا الدَّرَاهِم على عِيَاله ودفنته مَعَهم ثمَّ أُتِي بِجنَازَة لَيْسَ مَعهَا إِلَّا من يحملهَا فسألوا عَن الْقَبْر فجاؤوا إِلَى الْقَبْر الَّذِي قَالَا مد الْبَصَر قلت من هَذَا الرجل فَقَالُوا إِنْسَان غَرِيب مَاتَ على مزبلة وَلم يكن مَعَه شَيْء فَلم آخذ مِنْهُم شَيْئا ودفنته وَقَعَدت أنظر الثَّالِث فَلم أزل أنتظره إِلَى الْعشَاء فَأتي بِجنَازَة إمرأة لبَعض القواد فسألتهم الثّمن فَضربُوا رَأْسِي وَدَفَنُوهَا فِيهِ
16 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان قَالَ شهد رجل مَيتا يدلى فِي حفرته فَقَالَ إِن الَّذِي يسهل على الْجَنِين فِي بطن أمه قَادر أَن يسهل عَلَيْك
17 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من طَرِيق غطفان الْمُزنِيّ قَالَ قَالَ عمر يَا رَسُول الله لَو فزعتنا أَحْيَانًا لفزعنا فَكيف بظلمة الْقَبْر وضيقه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يتوفى العَبْد على مَا قبض عَلَيْهِ
18 -
وَأخرج الْآجُرِيّ فِي كتاب الغرباء عَن الصَّلْت بن حَكِيم قَالَ حَدثنِي أَبُو يزِيد رجل من أهل الْبَحْرين قَالَ غسلت رجلا مَيتا بِالْبَحْرَيْنِ فَإِذا مَكْتُوب على لَحْمه طُوبَى لَك يَا غَرِيب فَذَهَبت أنظر فَإِذا هُوَ بَين الْجلد وَاللَّحم
19 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عبد الرَّحْمَن بن عمَارَة بن عقبَة بن أبي معيط قَالَ حضرت جَنَازَة الْأَحْنَف بن قيس فَكنت فِيمَن نزل قَبره فَلَمَّا سويته رَأَيْته قد فسح لَهُ مد بَصرِي فَأخْبرت بذلك أَصْحَابِي فَلم يرَوا مَا رَأَيْت
20 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأَبُو الْحُسَيْن بن السّري فِي كتاب كرامات الْأَوْلِيَاء عَن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ قَالَ صلب الْحجَّاج ماهان الْحَنَفِيّ على بَابه
وَكَانَ يصلب الْقُرَّاء على أَبْوَابهم فَكُنَّا نرى الضَّوْء عِنْده فِي اللَّيْل
21 -
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت لما مَاتَ النَّجَاشِيّ كُنَّا نُحدث أَنه لَا يزَال يرى على قَبره نور
22 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن الْمُغيرَة بن حبيب أَن عبد الله بن غَالب الْحَرَّانِي قتل فِي المعركة شَهِيدا فَلَمَّا دفن أَصَابُوا من قَبره رَائِحَة الْمسك فَرَآهُ رجل من إخوانه فِي مَنَامه قَالَ مَا صنعت قَالَ خير الصَّنِيع قَالَ إِلَى مَا صرت قَالَ إِلَى الْجنَّة قَالَ بِمَ قَالَ بِحسن الْيَقِين وَطول التَّهَجُّد وظمأ الهواجر قَالَ فَمَا هَذِه الرَّائِحَة الطّيبَة الَّتِي تُوجد من قبرك قَالَ تِلْكَ رَائِحَة التِّلَاوَة والظمأ
23 -
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ نزلت فِي قبر عبد الله بن غَالب فَأخذت من ترابه فَإِذا هُوَ مسك وَفتن النَّاس بِهِ فَبعث إِلَى قَبره فسوي
27 -
بَاب
1 -
فِي الفردوس للديلمي وَلم يسْندهُ وَلَده من حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا أول عدل الْآخِرَة الْقُبُور لَا يعرف شرِيف من وضيع
28 -
بَاب
1 -
وَأخرج الْبَزَّار وَعبد فِي مسنديهما وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أرْحم مَا يكون الله بِعَبْدِهِ إِذا أَدخل قَبره وتفرق عَنهُ النَّاس وَأَهله
2 -
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أرْحم مَا يكون الله بِالْعَبدِ إِذا وضع فِي حفرته
29 -
بَاب
1 -
أخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي عَاصِم الخبطي يرفعهُ قَالَ إِن أول مَا يتحف بِهِ الْمُؤمن فِي قَبره أَن يُقَال لَهُ أبشر فقد غفرت لمن تبع جنازتك
2 -
وَأخرج عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أول تحفة الْمُؤمن أَن يغْفر لمن خرج فِي جنَازَته
30 -
بَاب
1 -
أخرج عبد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أول مَا يجازى بِهِ الْمُؤمن بعد مَوته أَن يغْفر لجَمِيع من تبعه وَفِي الْبَاب عَن سلمَان الْفَارِسِي أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَأبي هُرَيْرَة أخرجه الْحَاكِم فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والخطيب فِي الروَاة عَن مَالك وَأَبُو نعيم وَأنس أخرجه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ
31 -
بَاب
1 -
أخرج مُسلم عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لما مَاتَ أَبُو سَلمَة اللَّهُمَّ إفسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ
2 -
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن هَذِه الْقُبُور مَمْلُوءَة على أَهلهَا ظلمَة وَإِن الله ينورها بصلاتي عَلَيْهِم
3 -
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الضحك فِي الْمَسْجِد ظلمَة فِي الْقَبْر
4 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّهَجُّد عَن السّري بن مخلد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأبي ذَر لَو أردْت سفرا لأعددت لَهُ عدَّة فَكيف سفر طَرِيق الْقِيَامَة أَلا أنبئك يَا أَبَا ذَر بِمَا ينفعك ذَلِك الْيَوْم قَالَ بلَى بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ صم يَوْمًا شَدِيد الْحر ليَوْم النشور وصل رَكْعَتَيْنِ فِي ظلمَة اللَّيْل لوحشة الْقَبْر
5 -
وَأخرج الديلمي والخطيب فِي الروَاة عَن مَالك وَأَبُو نعيم وإبن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ فِي كل يَوْم مائَة مرّة لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين كَانَ لَهُ أَمَانًا من الْفقر وأنسا فِي وَحْشَة الْقُبُور وَفتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة وَأخرجه الْخَطِيب أَيْضا من حَدِيث إِبْنِ عمر
6 -
وَأخرج الديلمي عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا مَاتَ الْعَالم صور الله علمه فِي قَبره يؤنسه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ويدرأ عَنهُ هوَام الأَرْض
7 -
وَأخرج الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد وإبن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم بِسَنَدِهِ عَن أبي بن كَعْب قَالَ أوحى الله عز وجل إِلَى مُوسَى عليه السلام تعلم الْخَيْر وَعلمه النَّاس فَإِنِّي منور لمعلم الْعلم ومتعلمه قُبُورهم حَتَّى لَا يستوحشوا لِمَكَانِهِمْ
8 -
وَأخرج اللالكائي فِي السّنة عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم قَالَ حملت جَنَازَة فَقلت بَارك الله لي فِي الْمَوْت فَقَالَ قَائِل من السرير وَمَا بعد الْمَوْت فَدخل عَليّ مِنْهُ رعب فَلَمَّا دفن الْمَيِّت جَلَست عِنْد الْقَبْر متفكرا فَإِذا أَنا بشخص خرج من الْقَبْر أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم ريحًا وأنقاهم ثيابًا وَهُوَ يَقُول يَا إِبْرَاهِيم قلت لبيْك فَمن أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ أَنا الْقَائِل لَك من السرير وَمَا بعد الْمَوْت قلت فَمن أَنْت قَالَ أَنا السّنة أكون لصاحبي فِي الدُّنْيَا حَافِظًا وَعَلِيهِ رقيبا وَفِي الْقَبْر نورا ومؤنسا وَفِي الْقِيَامَة سائقا وَقَائِدًا إِلَى الْجنَّة
9 -
وَأخرج إِبْنِ لال وَأَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وإبن أبي الدُّنْيَا عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أَدخل رجل على مُؤمن سُرُورًا إِلَّا خلق لَهُ من ذَلِك السرُور ملكا يعبد الله ويوحده فَإِذا صَار العَبْد فِي قَبره أَتَاهُ ذَلِك السرُور فَيَقُول لَهُ أتعرفني فَيَقُول لَهُ من أَنْت فَيَقُول أَنا السرُور الَّذِي أدخلتني على فلَان أَنا الْيَوْم أؤنس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالْقَوْل الثَّابِت وأشهدك مشَاهد يَوْم الْقِيَامَة وأشفع لَك وأريك مَنْزِلك من الْجنَّة
10 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أبي كَاهِل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إعلمن يَا
أَبَا كَاهِل أَنه من كف أَذَاهُ عَن النَّاس كَانَ حَقًا على الله أَن يكف عَنهُ أَذَى الْقَبْر
11 -
وَأخرج أَبُو الْفضل الطوسي فِي عُيُون الْأَخْبَار بِسَنَدِهِ عَن عمر مَرْفُوعا من نور فِي مَسَاجِد الله نورا نور الله فِي قَبره وَمن أراح فِيهِ رَائِحَة طيبَة أَدخل الله عَلَيْهِ فِي قَبره من روح الْجنَّة
12 -
وَأخرج الديلمي عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مُوسَى يَا رب مَا لمن عَاد مَرِيضا قَالَ يُوكل بِهِ ملكان يعودانه فِي قَبره حَتَّى يبْعَث
13 -
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن الْحسن قَالَ قَالَ مُوسَى فَذكر نَحوه وَقَالَ مَلَائِكَة يعودونه
32 -
بَاب
1 -
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ فِي الْقَبْر حِسَاب وَفِي الْآخِرَة حِسَاب فَمن حُوسِبَ فِي الْقَبْر نجا وَمن حُوسِبَ فِي الْقِيَامَة عذب قَالَ الْحَكِيم إِنَّمَا يُحَاسب الْمُؤمن فِي الْقَبْر ليَكُون أَهْون عَلَيْهِ غَدا فِي الْموقف فيمحصه فِي البرزخ ليخرج من الْقَبْر وَقد إقتص مِنْهُ
2 -
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يُحَاسب أحد يَوْم الْقِيَامَة فَيغْفر لَهُ يرى الْمُسلم عمله فِي قَبره
33 -
بَاب
1 -
أخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن حُذَيْفَة قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَمُوت رجل وَفِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من حب قتل عُثْمَان إِلَّا تبع الدَّجَّال إِن أدْركهُ وَإِن لم يُدْرِكهُ آمن بِهِ فِي قَبره
34 -
بَاب عَذَاب الْقَبْر
وَقع ذكره فِي الْقُرْآن فِي عدَّة أَمَاكِن كَمَا بَينته فِي الإكليل فِي إستنباط التَّنْزِيل
1 -
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر
2 -
وَأخرج عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَذَاب الْقَبْر حق
3 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وَمُسلم عَن زيد بن ثَابت قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَائِط لبني النجار على بغلة لَهُ وَنحن مَعَه إِذْ حادت بِهِ فَكَادَتْ تلقيه وَإِذا أقبر سِتَّة أَو خَمْسَة أَو أَرْبَعَة فَقَالَ من يعرف أَصْحَاب هَذِه الأقبر فَقَالَ رجل أَنا فَقَالَ مَتى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاك فَقَالَ إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فلولا أَن لَا تدافنوا لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم من عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أسمع مِنْهُ
4 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة والشيخان عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أهل الْقُبُور يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم عذَابا تسمعه الْبَهَائِم
5 -
وَأخرج أَحْمد والبرار عَن جَابر قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نخلا لبني النجار فَسمع أصوات رجال من بني النجار مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم فَخرج فَزعًا فَأمر أَصْحَابه أَن يتعوذوا من عَذَاب الْقَبْر
6 -
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى والآجري عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُسَلط على الْكَافِر فِي قَبره تسع وَتسْعُونَ تنينا تلدغه حَتَّى تقوم السَّاعَة
7 -
وَأخرج أَبُو يعلى والآجري وإبن مَنْدَه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُؤمن فِي قَبره فِي رَوْضَة ويرحب لَهُ قَبره سبعين ذِرَاعا وينور لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر أَتَدْرُونَ فِيمَا نزلت هَذِه الْآيَة {فَإِن لَهُ معيشة ضنكا} قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ عَذَاب الْكَافِر فِي قَبره وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليسلط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ تنينا ينفخون فِي جِسْمه ويلسعونه ويخدشونه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
8 -
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يُرْسل على الْكَافِر حيتان وَاحِدَة من قبل رَأسه والآخرى من قبل رجلَيْهِ يقرضانه قرضا كلما فرغتا عادتا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
9 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وإبن أبي الدُّنْيَا والآجري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ
10 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة والشيخان عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فَقَالَ إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يستنزه من الْبَوْل وَأما الآخر فَكَانَ يمشي بالنميمة ثمَّ أَخذ جَرِيدَة رطبَة فَشَقهَا بإثنتين فَجعل على كل قبر وَاحِدَة فَقَالُوا يَا رَسُول الله لم فعلت هَذَا قَالَ لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا
11 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَيْمُونَة قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا مَيْمُونَة تعوذي بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر وَإِن من أَشد عَذَاب الْقَبْر الْغَيْبَة وَالْبَوْل
12 -
وَأخرج أَحْمد والأصبهاني عَن يعلى بن سيابة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَى على قبر يفتن صَاحبه فَقَالَ إِن هَذَا كَانَ يَأْكُل لُحُوم النَّاس ثمَّ دَعَا بجريدة رطبَة فوضعها على قَبره وَقَالَ لَعَلَّه أَن يُخَفف عَنهُ مَا دَامَت هَذِه رطبَة
13 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن يعلى بن مرّة قَالَ مَرَرْت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم على مَقَابِر فَسمِعت ضغطة فِي قبر فَقلت يَا رَسُول الله سَمِعت ضغطة فِي قبر قَالَ وَسمعت يَا يعلى قلت نعم قَالَ فَإِنَّهُ يعذب فِي يسير من
الْأَمر قلت وَمَا هُوَ قَالَ كَانَ يمشي بَين النَّاس بالنميمة وَكَانَ لَا يتنزه عَن الْبَوْل ثمَّ ذكر قصَّة الجريدة يعلى بن مرّة وَهُوَ يعلى بن سيابة وسيابة أمه
14 -
وَأخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي نخل لأبي طَلْحَة وبلال يمشي وَرَاءه فَمر بِقَبْر فَقَالَ يَا بِلَال هَل تسمع مَا أسمع صَاحب هَذَا الْقَبْر يعذب فَسَأَلَ عَنهُ فَوَجَدَهُ يَهُودِيّا
15 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن عَذَاب الْقَبْر من ثَلَاثَة من الْغَيْبَة والنميمة وَالْبَوْل فإياكم وَذَلِكَ
16 -
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ عَذَاب الْقَبْر ثَلَاثَة أَثلَاث ثلث من الْغَيْبَة وَثلث من النميمة وَثلث من الْبَوْل
17 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وَأحمد وإبن حبَان والآجري عَن أم مُبشر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إستعيذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر قلت يَا رَسُول الله وَإِنَّهُم ليعذبون فِي قُبُورهم قَالَ نعم عذَابا تسمعه الْبَهَائِم
18 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن إِبْنِ مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمَوْتَى ليعذبون فِي قُبُورهم حَتَّى إِن الْبَهَائِم لتسمع أَصْوَاتهم
19 -
وَأخرج فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي سفر وَهُوَ يسير على رَاحِلَته فنفرت فَقلت يَا رَسُول الله مَا شَأْن راحلتك نفرت قَالَ إِنَّهَا سَمِعت صَوت رجل يعذب فِي قَبره فنفرت لذَلِك
20 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور} قَالَ الْكفَّار إِذا دخلُوا الْقُبُور فعاينوا مَا أعد الله لَهُم من الخزي يئسوا من رَحْمَة الله
21 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور واللالكائي فِي السّنة وإبن مَنْدَه عَن إِبْنِ عمر قَالَ بَيْنَمَا أَنا أَسِير بجنبات بدر إِذْ خرج رجل من حُفْرَة فِي عُنُقه سلسلة فناداني يَا عبد الله إسقني فَلَا أَدْرِي أعرف إسمي أَو دَعَاني بِدِعَايَةِ الْعَرَب وَخرج رجل من تِلْكَ الحفرة فِي يَده سَوط
فناداني يَا عبد الله لَا تسقه فَإِنَّهُ كَافِر ثمَّ ضربه بِالسَّوْطِ حَتَّى عَاد إِلَى حفرته فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ لي أَو قد رَأَيْته قلت نعم قَالَ ذَاك عَدو الله أَبُو جهل وَذَاكَ عَذَابه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
22 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت والخلال فِي السّنة وإبن الْبَراء فِي الرَّوْضَة عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ خرجت مرّة بسفر فمررت بِقَبْر من قُبُور الْجَاهِلِيَّة فَإِذا رجل قد خرج من الْقَبْر يتأجج نَارا فِي عُنُقه سلسلة من نَار وَمَعِي إداوة من مَاء فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا عبد الله إسقني قَالَ فَقلت عرفني وَدَعَانِي بإسمي أَو كلمة تَقُولهَا الْعَرَب يَا عبد الله إِذْ خرج على أَثَره رجل من الْقَبْر فَقَالَ يَا عبد الله لَا تسقه فَإِنَّهُ كَافِر ثمَّ ضربه بِالسَّوْطِ ثمَّ أَخذ السلسلة فاجتذبه فَأدْخلهُ الْقَبْر قَالَ ثمَّ أضافني اللَّيْل إِلَى بَيت عَجُوز إِلَى جَانب بَيتهَا قبر فَسمِعت من الْقَبْر صَوتا يَقُول بَوْل وَمَا بَوْل شن وَمَا شن فَقلت للعجوز مَا هَذَا قَالَت هَذَا كَانَ زوجا لي وَكَانَ إِذا بَال لم يتق الْبَوْل وَكنت أَقُول لَهُ وَيحك إِن الْجمل إِذا بَال تفاحج فَكَانَ يَأْبَى وَهُوَ يُنَادي مُنْذُ يَوْم مَاتَ وَهُوَ يَقُول بَوْل وَمَا بَوْل قلت فَمَا الشن قَالَت جَاءَهُ رجل عطشان فَقَالَ إسقني فَقَالَ دُونك الشن فَإِذا لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَخر الرجل مَيتا فَهُوَ يُنَادي مُنْذُ يَوْم مَاتَ شن وَمَا شن فَلَمَّا قدمت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أخْبرته فَنهى أَن يُسَافر الرجل وَحده
23 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن الْحُوَيْرِث بن الربَاب قَالَ بَينا أَنا بالأثابة إِذْ خرج علينا إِنْسَان من قبر يلتهب وَجهه وَرَأسه نَارا فِي جَامِعَة من حَدِيد فَقَالَ إسقني وَخرج فِي أَثَره إِنْسَان يَقُول لَا تسق الْكَافِر فأدركه وَأخذ بِطرف السلسلة فكبه ثمَّ جَرّه حَيْثُ دخلا الْقَبْر جَمِيعًا قَالَ الْحُوَيْرِث فَصَارَت النَّاقة لَا أقدر مِنْهَا على شَيْء حَتَّى التوت بعرق الظبية فبركت فَنزلت فَصليت الْمغرب وَالْعشَاء ثمَّ ركبت حَتَّى أَصبَحت بِالْمَدِينَةِ فَأتيت عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فَأَخْبَرته قَالَ يَا حويرث وَالله مَا أتهمك وَلَقَد أَخْبَرتنِي خَبرا سديدا فَأرْسل عمر إِلَى مشيخة من كنفى الصُّغْرَى قد أدركوا الْجَاهِلِيَّة ثمَّ دَعَا
الْحُوَيْرِث فَقَالَ إِن هَذَا قد أَخْبرنِي حَدِيثا وَلست أَتَّهِمهُ حَدثهمْ يَا حويرث بِمَا حَدَّثتنِي فَحَدثهُمْ فَقَالُوا قد عرفنَا هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا رجل من بني غفار مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم يكن يرى للضيف حَقًا
24 -
وَأخرج أَيْضا عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا هُوَ رَاكب يسير بَين مَكَّة وَالْمَدينَة إِذْ مر بمقبرة فَإِذا بِرَجُل قد خرج من قَبره يلتهب نَارا مصفدا فِي الْحَدِيد فَقَالَ يَا عبد الله إنضح يَا عبد الله إنضح وَخرج آخر يتلوه يَا عبد الله لَا تنضح يَا عبد الله لَا تنضح وَغشيَ على الرَّاكِب فَأصْبح وَقد إبيض شعره فَأخْبر عُثْمَان بذلك فَنهى أَن يُسَافر الرجل وَحده
25 -
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وإبن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَافع قَالَ مَرَرْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالبَقِيعِ فَقَالَ أُفٍّ أُفٍّ فَظَنَنْت أَنه يُرِيدنِي فَقلت يَا رَسُول الله أحدثت شَيْئا قَالَ وَمَا ذَاك قلت أففت مني قَالَ لَا وَلَكِن صَاحب هَذَا الْقَبْر فلَان بعثته ساعيا على بني فلَان فَغَلَّ درعا فدرع الْآن مثلهَا من النَّار
26 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وهناد وإبن أبي الدُّنْيَا عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ مَاتَ رجل يرَوْنَ أَن عِنْده ورعا فَأتي فِي قَبره فَقيل إِنَّا جالدوك مائَة جلدَة من عَذَاب الله فَقَالَ فيمَ تجلدوني فقد كنت أتوقى وأتورع فَقيل خَمْسُونَ فَلم يزَالُوا يناقصون حَتَّى صَار إِلَى جلدَة فجلد فالتهب الْقَبْر عَلَيْهِ نَارا وَهلك الرجل ثمَّ أُعِيد فَقَالَ فيمَ جلدتموني قَالُوا صليت يَوْمًا وَأَنت على غير وضوء ومررت بمظلوم يستغيث فَلم تغثه
27 -
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب التوبيخ عَن إِبْنِ مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَمر بِعَبْد من عباد الله أَن يضْرب فِي قَبره مائَة جلدَة فَلم يزل يسْأَل الله ويدعوه حَتَّى صَارَت وَاحِدَة فَامْتَلَأَ قَبره عَلَيْهِ نَارا فَلَمَّا إرتفع عَنهُ أَفَاق فَقَالَ علام جلدتموني قَالُوا صليت صَلَاة بِغَيْر طهُور ومررت على مظلوم فَلم تنصره
28 -
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا يكثر أَن يَقُول لأَصْحَابه هَل رأى أحد مِنْك رُؤْيا وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاة إِنَّه أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فَقَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقت مَعَهُمَا فأخرجاني إِلَى الأَرْض المقدسة فأتينا على رجل مُضْطَجع وَإِذا آخر قَائِم عَلَيْهِ بصخرة وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة لرأسه فيثلع رَأسه فيتدهده الْحجر هَا هُنَا فَيتبع الْحجر فَيَأْخذهُ فَلَا يرجع إِلَيْهِ حَتَّى يَصح رَأسه كَمَا كَانَ ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل بِهِ مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى قلت لَهما سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ فَقَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وَإِذا آخر قَائِم عَلَيْهِ بكلوب من حَدِيد وَإِذا هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخره إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى الْجَانِب الآخر فيفعل بِهِ مثل مَا فعل بالجانب الأول فَمَا يفرغ من ذَلِك الْجَانِب حَتَّى يَصح الْجَانِب كَمَا كَانَ ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى بالجانب الأول فَمَا يفرغ من ذَلِك الْجَانِب حَتَّى يَصح ذَلِك الْجَانِب كَمَا كَانَ ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى قلت سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ فَقَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فأتينا على مثل التَّنور فَإِذا فِيهِ لغط وأصوات فاطلعنا فِيهِ فَإِذا فِيهِ رجال وَنسَاء عُرَاة فَإِذا هم يَأْتِيهم لَهب من أَسْفَل مِنْهُم فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك اللهب ضوضؤوا قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فأتينا على نهر أَحْمَر مثل الدَّم وَإِذا فِي النَّهر رجل يسبح وَإِذا على شط النَّهر رجل عِنْده حِجَارَة كَثِيرَة وَإِذا ذَلِك السابح يسبح مَا سبح ثمَّ يَأْتِي الَّذِي قد جمع عِنْده الْحِجَارَة فيفغر لَهُ فَاه فيلقمه حجرا فَينْطَلق فيسبح ثمَّ يرجع إِلَيْهِ كلما رَجَعَ إِلَيْهِ فغر لَهُ فَاه فألقمه حجرا قلت لَهما مَا هَذَانِ قَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل كريه الْمرْآة كأكره مَا أَنْت رَاء وَإِذا هُوَ عِنْده نَار يحشها وَيسْعَى حولهَا قلت لَهما مَا هَذَا فَقَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رَوْضَة معتمة فِيهَا من كل نور الرّبيع وَإِذا بَين ظَهْري الرَّوْضَة رجل طَوِيل لَا أكاد أرى رَأسه طولا فِي السَّمَاء وَإِذا حول الرجل من ولدان مَا رَأَيْتهمْ قطّ قَالَا لي إنطلق فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَة عَظِيمَة لم أر
رَوْضَة قطّ أعظم مِنْهَا وَلَا أحسن قَالَا لي إرق فِيهَا فارتقينا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب وَلبن فضَّة فأتينا الْمَدِينَة فاستفتحنا فَفتح لنا فدخلناها فتلقانا فِيهَا رجال شطر من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت رَاء وَشطر كأقبح مَا أَنْت رَاء قَالَا لَهُم إذهبوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر فَإِذا نهر معترض يجْرِي كَأَن مَاءَهُ الْمَحْض فِي الْبيَاض فَذَهَبُوا فوقعوا فِيهِ ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا فَذهب السوء عَنْهُم فصاروا فِي أحسن صُورَة قَالَا لي هَذِه جنَّة عدن وَهَا ذَاك مَنْزِلك فسما بَصرِي صعدا فَإِذا قصر مثل الربابة الْبَيْضَاء قَالَا لي هَا ذَاك مَنْزِلك قلت لَهما بَارك الله فيكما ذراني فَأدْخلهُ قَالَا أما الْآن فَلَا وَأَنت دَاخله قلت لَهما فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَة عجبا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت قَالَا لي أما الرجل الأول الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يثلغ رَأسه بِالْحجرِ فَإِنَّهُ الرجل الَّذِي يَأْخُذ الْقُرْآن فيرفضه وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة يفعل بِهِ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخره إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ فَإِنَّهُ الرجل يَغْدُو من بَيته فيكذب الكذبة تبلغ الْآفَاق فيصنع بِهِ ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما الرِّجَال وَالنِّسَاء العراة الَّذين فِي مثل التَّنور فَإِنَّهُم الزناة والزواني وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يسبح فِي النَّهر ويلقم الْحِجَارَة فَإِنَّهُ آكل الرِّبَا وَأما الرجل الكرية الْمرْآة الَّذِي عِنْده النَّار يحشها فَإِنَّهُ مَالك خَازِن جَهَنَّم وَأما الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِي الرَّوْضَة فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم عليه السلام وَأما الْولدَان الَّذين حوله فَكل مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة قَالُوا يَا رَسُول الله وَأَوْلَاد الْمُشْركين قَالَ وَأَوْلَاد الْمُشْركين وَأما الْقَوْم الَّذين كَانُوا شطر مِنْهُم حسن وَشطر مِنْهُم قَبِيح فَإِنَّهُم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا تجَاوز الله عَنْهُم وَأَنا جِبْرِيل وَهَذَا مِيكَائِيل
قَالَ الْعلمَاء هَذَا نَص صَرِيح فِي عَذَاب البرزخ فَإِن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي مُطَابق فِي نفس الْأَمر وَقد قَالَ يفعل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قَوْله يهوي بِضَم أَوله وَقَوله فيثلغ مُثَلّثَة ومعجمة بِوَزْن يعلم أَي يشدخ والتدهده الدّفع من علو إِلَى سفل ويشرشر بمعجمين ورائين يقطع شقا وضوضأ بهمز وبدونه مَاض من الضوضأة وَهِي أصوات النَّاس ولغطهم ويسبح بمهلمتين بَينهمَا مُوَحدَة مَفْتُوحَة يعوم وفغر بفاء ومعجمة وَرَاء فتح وزنا وَمعنى والمرآة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وهمزة ممدودة المنظر ويحشها بِفَتْح أَوله وَضم الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُعْجَمَة يوقدها ومعتمة بِضَم أَوله وَسُكُون الْمُهْملَة وَكسر الْمُثَنَّاة وَتَخْفِيف الْمِيم شَدِيدَة الخضرة ومعترض يجْرِي عرضا والمحض بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة ومعجمة اللَّبن الْخَالِص من المَاء وسما بِالتَّخْفِيفِ نظر إِلَى فَوق وصعدا بِضَم الْمُهْمَلَتَيْنِ يَعْنِي إرتفع كثيرا والربابة بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الموحدتين السحابة
29 -
وَفِي بعض طرق الحَدِيث عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ قلت أَخْبرنِي عَن الرَّوْضَة قَالَ أُولَئِكَ الْأَطْفَال وكل بهم إِبْرَاهِيم يربيهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قلت فَمَا الَّذِي يسبح فِي الدَّم قَالَ ذَاك صَاحب الرِّبَا ذَاك طَعَامه فِي الْقَبْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قلت فَالَّذِي يشذخ رَأسه قَالَ ذَاك رجل تعلم الْقُرْآن فَنَامَ عَنهُ حَتَّى نَسيَه لَا يقْرَأ مِنْهُ شَيْئا كلما رقد دقوا رَأسه فِي الْقَبْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يَدعُونَهُ ينَام
30 -
وَأخرج الْخَطِيب وإبن عَسَاكِر من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت رجَالًا تقْرض جُلُودهمْ بمقاريض من نَار قلت مَا شَأْن هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يتزينون إِلَى مَا لَا يحل لَهُم وَرَأَيْت جبا خَبِيث الرّيح فِيهِ صياح قلت مَا هَذَا قَالَ هن نسَاء يتزين إِلَى مَا لَا يحل لَهُنَّ وَرَأَيْت قوما إغتسلوا فِي مَاء الْحَيَاة قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا
31 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاة الْفجْر فَلَمَّا قضى صلَاته إلتفت إِلَيْنَا وَقَالَ رَأَيْت ملكَيْنِ أتياني اللَّيْلَة فَأخذ بضبعي فَانْطَلقَا بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فمررت بِملك وأمامه آدَمِيّ وَبِيَدِهِ صَخْرَة يضْرب بهَا هَامة الْآدَمِيّ فَيَقَع دماغه جانبا وَتَقَع الصَّخْرَة جانبا قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بِملك وأمامه آدَمِيّ وبيد الْملك كَلوب من حَدِيد فيضعه فِي شدقه الْأَيْمن فيشقه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أُذُنه ثمَّ يَأْخُذ فِي الْأَيْسَر فيلتئم الْأَيْمن قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بنهر من دم يمور كمور الْمرجل فِيهِ قوم عُرَاة وعَلى حافة النَّهر مَلَائِكَة بِأَيْدِيهِم مدرتان كلما طلع قَذَفُوهُ بمدرة فَتَقَع فِي فِيهِ
ويتسفل إِلَى أَسْفَل ذَلِك النَّهر قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بِبَيْت أَسْفَله أضيق من أَعْلَاهُ فِيهِ قوم عُرَاة توقد من تَحْتهم النَّار إِذْ أَمْسَكت على أنفي من نَتن مَا أجد من ريحهم قلت من هَؤُلَاءِ قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بتل أسود عَلَيْهِ قوم مخبلون تنفخ النَّار فِي أدبارهم فَتخرج من أَفْوَاههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بِنَار مطبقة مُوكل بهَا ملك لَا يخرج مِنْهَا شَيْء إِلَّا اتبعهُ حَتَّى يُعِيدهُ فِيهَا قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بروضة وَإِذا فِيهَا شيخ جميل لَا أجمل مِنْهُ وَإِذا حوله الْولدَان وَإِذا شَجَرَة وَرقهَا كآذان الفيلة فَصَعدت مَا شَاءَ الله من تِلْكَ الشَّجَرَة وَإِذا أَنا بمنازل لَا أحسن مِنْهَا من درة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوتة حَمْرَاء قلت مَا هَذَا قَالَا لي إمضه فمضيت فَإِذا أَنا بنهر عَلَيْهِ جسران من ذهب وَفِضة على حافتي النَّهر منَازِل لَا منَازِل أحسن مِنْهَا من درة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حَمْرَاء وفيهَا قدحان وأباريق تطرد قلت مَا هَذَا قَالَا لي إنزل فَنزلت فَضربت بيَدي إِلَى إِنَاء مِنْهَا فغرقت ثمَّ شربت فَإِذا هُوَ أحلى من الْعَسَل وَأَشد بَيَاضًا من اللَّبن وألين من الزّبد فَقَالَ لي أما صَاحب الصَّخْرَة الَّذِي رَأَيْت يضْرب بهَا هَامة الْآدَمِيّ فَيَقَع دماغه جانبا وَتَقَع الصَّخْرَة جانبا فَأُولَئِك الَّذين كَانُوا ينامون عَن صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة وَيصلونَ الصَّلَوَات لغير مواقيتها يضْربُونَ بهَا حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار وَأما صَاحب الكلوب الَّذِي رَأَيْت فَأُولَئِك الَّذين كَانُوا يَمْشُونَ بَين الْمُسلمين بالنميمة فيفسدون بَينهم فهم يُعَذبُونَ بهَا حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار وَأما الَّذين يقذفون بمدرة فَأُولَئِك أَكلَة الرِّبَا يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار وَأما الْقَوْم العراة فَأُولَئِك الزناة وَذَلِكَ نَتن فروجهم يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار وَأما الْقَوْم المخبلون فَأُولَئِك الَّذين يعْملُونَ عمل قوم لوط الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فهم يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار وَأما النَّار المطبقة فَتلك جَهَنَّم وَأما الرَّوْضَة فَتلك جنَّة المأوى وَأما الشَّيْخ الَّذِي رَأَيْت فَهُوَ إِبْرَاهِيم وَحَوله ولدان الْمُسلمين وَأما الشَّجَرَة فَهِيَ سِدْرَة الْمُنْتَهى والمنازل الَّتِي فِيهَا فَتلك منَازِل أهل
عليين من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَأما النَّهر فَهُوَ الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك الله وَهَذِه منازلك ومنازل أهل بَيْتك
32 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث الْإِسْرَاء قَالَ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بأخونه عَلَيْهَا لحم مسرح لَيْسَ يقربهُ أحد وَإِذا أَنا بأخونة عَلَيْهَا لحم قد أروح ونتن عِنْدهَا أنَاس يَأْكُلُون مِنْهَا قلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ قوم من أمتك يتركون الْحَلَال ويأتون الْحَرَام ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِأَقْوَام بطونهم كأمثال الْبيُوت كلما نَهَضَ أحدهم خر يَقُول اللَّهُمَّ لَا تقم السَّاعَة وهم على سابلة آل فِرْعَوْن فتجيء السابلة فتطؤهم فَسَمِعتهمْ يضجون إِلَى الله تَعَالَى قلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ من أمتك الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِأَقْوَام مشافرهم كمشافر الْإِبِل فتفتح أَفْوَاههم ويلقمون من ذَلِك الْجَمْر ثمَّ يخرج من أسافلهم قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ من أمتك الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بنساء معلقات بثديهن قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الزناة ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِأَقْوَام يقطع من جنُوبهم اللَّحْم فيلقمون فَيُقَال لَهُ كل كَمَا كنت تَأْكُل من لحم أَخِيك قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الهمازون واللمازون
قَول هنيهة تَصْغِير هنيَّة بِمَعْنى شَيْئا يَسِيرا وَالْهَاء بدل من الْيَاء وَالْأَصْل هنيَّة وأخونة جمع خوان وَهُوَ الَّذِي يُؤْكَل عَلَيْهِ مُعرب والسابلة أَبنَاء السَّبِيل المتخلفة فِي الطرقات ومشافر الْبَعِير جمع مشفر وَهُوَ الشّفة والهماز المغتاب واللماز العياب
33 -
وَأخرج إِبْنِ عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث الْإِسْرَاء أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عَادَتْ كَمَا كَانَت وَلَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء قَالَ يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين تثاقلت رؤوسهم عَن الصَّلَاة ثمَّ أَتَى على قوم على أقبالهم رقاع وعَلى أدبارهم رقاع يسرحون كَمَا تسرح الْإِبِل وَالْغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جَهَنَّم وحجارتها قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يؤدون صدقَات أَمْوَالهم ثمَّ أَتَى على قوم بَين أَيْديهم لحم نضيج فِي قدر وَلحم آخر نيء خَبِيث فَجعلُوا يَأْكُلُون من
النيء الْخَبيث وَيدعونَ النضيج الطّيب قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالَ الرجل يقوم من عِنْد إمرأته حَلَالا فَيَأْتِي الْمَرْأَة الخبيثة فيبيت مَعهَا حَتَّى يصبح وَالْمَرْأَة تقوم من عِنْد زَوجهَا حَلَالا طيبا فتأتي الرجل الْخَبيث فتبيت عِنْده حَتَّى تصبح ثمَّ أَتَى على رجل قد جمع حزمة عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حملهَا وَهُوَ يزِيد عَلَيْهَا فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ هَذَا الرجل يكون عِنْده أمانات النَّاس وَلَا يقدر على أَدَائِهَا هُوَ يحمل عَلَيْهَا ثمَّ أَتَى على قوم تقْرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حَدِيد كلما قرضت عَادَتْ كَمَا كَانَت لَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ خطباء الْفِتْنَة
الضريع نبت لَهُ شوك والرضف برَاء وَالضَّاد مُعْجمَة وَفَاء هُوَ الْحِجَارَة المحماة
34 -
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بِي مَرَرْت بِأَقْوَام لَهُم أظفار من نُحَاس يخمشون وُجُوههم وصدورهم فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِي يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس ويقعون فِي أعراضهم
35 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن الْحسن مَرْفُوعا قَالَ من خرج من الدُّنْيَا شاتما لأحد من أَصْحَابِي سلط الله عَلَيْهِ دَابَّة تقْرض لَحْمه يجد ألمه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
36 -
وَأخرج إِبْنِ خُزَيْمَة وإبن حبَان وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وإبن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت رُؤْيا وَهِي حق فاعقلوها أَتَانِي رجل فَأخذ بيَدي فاستتبعني حَتَّى أَتَى جبلا وعرا طَويلا فَقَالَ لي إرقه قلت لَا أَسْتَطِيع فَقَالَ إِنِّي سأسهله لَك فَجعلت كلما رفعت قدمي وَضَعتهَا على دَرَجَة حَتَّى إستوينا على سَوَاء الْجَبَل فَانْطَلَقْنَا فَإِذا نَحن بِرِجَال وَنسَاء مشققة أشداقهم قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بِرِجَال وَنسَاء مسمرة أَعينهم وآذانهم قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يرَوْنَ أَعينهم مَا لَا ترى ويسمعون آذانهم مَا لَا يسمعُونَ ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بنساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رؤوسهن تنهش أثداءهن الْحَيَّات قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي يمنعن أَوْلَادهنَّ ألبانهن فَانْطَلَقْنَا فَإِذا نَحن بِرِجَال وَنسَاء معلقين بعراقيبهن مصوبة
رؤوسهم يلحسن من مَاء قَلِيل وحمأة قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يَصُومُونَ ثمَّ يفطرون قبل تَحِلَّة صومهم ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بِرِجَال وَنسَاء أقبح شَيْء منْظرًا وأقبحه لبوسا وأنتنه ريحًا كَأَنَّمَا ريحهم ريح المراحيض قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الزانيات والزناة ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بموتى أَشد شَيْء إنتفاخا وأقبحه ريحًا قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ موتى الْكفَّار ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بِرِجَال تَحت ظلال الشَّجَرَة قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ موتى الْمُسلمين ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بغلمان وَجوَار يَلْعَبُونَ بَين نهرين قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّة الْمُؤمنِينَ ثمَّ انطلقنا فَإِذا نَحن بِرِجَال أحسن شَيْء وُجُوهًا وَأحسنه لبوسا وأطيبه ريحًا كَأَن وُجُوههم الْقَرَاطِيس قلت مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الصديقون وَالشُّهَدَاء والصالحون
قَوْله مصوبة أَي مخفوضة إِلَى أَسْفَل
37 -
وَفِي الفردوس للديلمي عَن أنس مَرْفُوعا قَالَ من مَاتَ من أمتِي يعْمل عمل قوم لوط نَقله الله إِلَيْهِم حَتَّى يحْشر مَعَهم
38 -
وَفِي تَارِيخ إِبْنِ عَسَاكِر بِسَنَدِهِ عَن عَمْرو بن أسلم الدِّمَشْقِي قَالَ مَاتَ عندنَا بالثغر رجل فَدفن فحفر عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِذا اللَّبن بِحَالهِ مَنْصُوب وَلَيْسَ فِي اللَّحْد شَيْء فَسئلَ وَكِيع بن الْجراح عَن ذَلِك فَقَالَ سمعنَا فِي حَدِيث من مَاتَ وَهُوَ يعْمل عمل قوم لوط سَار بِهِ قَبره يسير مَعَهم ويحشر يَوْم الْقِيَامَة مَعَهم
39 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مَسْرُوق قَالَ مَا من ميت يَمُوت وَهُوَ يسرق أَو يَزْنِي أَو يشرب أَو يَأْتِي شَيْئا من هَذِه إِلَّا جعل مَعَه شجاعان ينهشانه فِي قَبره
40 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو أَن قدريا أَو مرجئا مَاتَ فنبش بعد ثَلَاث لوجد إِلَى غير الْقبْلَة
41 -
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن الْعَوام بن حَوْشَب قَالَ نزلت مرّة حَيا وَإِلَى جَانب ذَلِك الْحَيّ مَقْبرَة فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر إنشق مِنْهَا قبر فَخرج مِنْهُ رجل رَأسه رَأس حمَار وَجَسَده جَسَد إِنْسَان فنهق ثَلَاث نهقات ثمَّ إنطبق عَلَيْهِ الْقَبْر فَسَأَلت عَنهُ فَقيل إِنَّه كَانَ يشرب الْخمر فَإِذا رَاح تَقول أمه إتق الله يَا
وليدي فَيَقُول إِنَّمَا أَنْت تنهقين كَمَا ينهق الْحمار فَمَاتَ بعد الْعَصْر فَهُوَ ينشق عَنهُ الْقَبْر كل يَوْم بعد الْعَصْر فينهق ثَلَاث نهقات ثمَّ ينطبق عَلَيْهِ الْقَبْر
42 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مرْثَد بن حَوْشَب قَالَ كنت جَالِسا عِنْد يُوسُف بن عمر وَإِلَى جنبه رجل كَأَن شقّ وَجهه صفحة من حَدِيدَة فَقَالَ لَهُ يُوسُف حدث مرثدا بِمَا رَأَيْت فَقَالَ حفرت قبر إِنْسَان لَيْلًا فَلَمَّا دفن وسووا عَلَيْهِ التُّرَاب أقبل طائران أبيضان مثل البعيرين حَتَّى سقط أَحدهمَا عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ ثمَّ أثاراه ثمَّ تدلى أَحدهمَا بالقبر وَالْآخر على شفيره فَجئْت حَتَّى جَلَست على شَفير الْقَبْر فَسَمعته يَقُول أَلَسْت الزائر أصهارك فِي ثَوْبَيْنِ ممصرين تسحبهما كبرا تمشي الْخُيَلَاء فَقَالَ أَنا أَضْعَف من ذَلِك فَضَربهُ ضَرْبَة إمتلأ الْقَبْر حَتَّى فاض مَاء ودهنا ثمَّ عَاد وَأعَاد عَلَيْهِ القَوْل حَتَّى ضربه ثَلَاث ضربات ثمَّ رفع رَأسه فَنظر إِلَيّ فَقَالَ أنظر أَيْن هُوَ جَالس نكسه الله ثمَّ ضرب جَانب وَجْهي فَسَقَطت لَيْلَتي ثمَّ أَصبَحت كَمَا ترى
قَالَ إِبْنِ الْأَثِير الممصر من الثِّيَاب مَا فِيهِ صفرَة خَفِيفَة
وَأخرج أَيْضا عَن أبي الجريش عَن أمه قَالَ لما حفر أَبُو جَعْفَر خَنْدَق الْكُوفَة حول النَّاس موتاهم فَرُئِيَ شَاب عاضا على يَدَيْهِ
43 -
وَأخرج عَن أبي إِسْحَاق قَالَ دعيت إِلَى ميت لأغسله فَلَمَّا كشفت الثَّوْب عَن وَجهه فَإِذا أَنا بحية قد تطوقت على حلقه فَذكرُوا أَنه كَانَ يسب الصَّحَابَة رضي الله عنهم
44 -
وَأخرج عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ أَنه أَتَاهُ رجل فَقَالَ لَهُ كنت أنبش الْقُبُور وَكنت أجد قوما وُجُوههم لغير الْقبْلَة فَكتب إِلَى الْأَوْزَاعِيّ يسْأَله فَقَالَ أُولَئِكَ قوم مَاتُوا على غير السّنة
45 -
وَأخرج عَن عبد الْمُؤمن بن عبد الله بن عِيسَى الضَّبِّيّ قَالَ قيل لنباش قد تَابَ مَا أعجب مَا رَأَيْت قَالَ نبشت رجلا فَإِذا هُوَ مسمر بالمسامير على سَائِر جسده ومسمار كَبِير فِي رَأسه وَآخر فِي رجلَيْهِ قَالَ وَقيل لنباش آخر مَا كَانَ أعجب مَا رَأَيْت قَالَ رَأَيْت جمجمة إِنْسَان مصبوبا فِيهَا رصاص
46 -
وَأخرج عَن الْمفضل بن يُوسُف قَالَ بلغنَا أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ لمسلمة بن عبد الْملك يَا مسلمة من دفن أَبَاك قَالَ مولَايَ فلَان قَالَ فَمن دفن
الْوَلِيد قَالَ مولَايَ فلَان قَالَ فَأَنا أحَدثك بِمَا حَدثنِي بِهِ حَدثنِي أَنه لما دفن أَبَاك والوليد فوضعهم فِي قُبُورهم وَذهب ليحل العقد عَنْهُم فَوجدَ وُجُوههم قد تحولت إِلَى أقفيتهم
47 -
وَأخرج عَن يزِيد بن الْمُهلب قَالَ قَالَ لي عمر بن عبد الْعَزِيز يَا يزِيد إِنِّي حَيْثُ وضعت الْوَلِيد فِي قَبره فَإِذا هُوَ يرْكض فِي أَكْفَانه
48 -
وَأخرج عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ سَمِعت عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول كنت فِيمَن تولى الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي قَبره فَنَظَرت إِلَى رُكْبَتَيْهِ قد جمعتا إِلَى عُنُقه فاتعظ بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز
49 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عبد الحميد بن مَحْمُود المغولي قَالَ كنت جَالِسا عِنْد إِبْنِ عَبَّاس فَأَتَاهُ قوم فَقَالُوا إِنَّا خرجنَا حجاجا ومعنا صَاحب لنا حَتَّى أَتَيْنَا ذَات الصفاح فَمَاتَ فهيأناه ثمَّ انطلقنا فَحَفَرْنَا لَهُ قبرا ولحدنا لَهُ فَلَمَّا فَرغْنَا من لحده فَإِذا نَحن بأسود قد مَلأ اللَّحْد فتركناه وحفرنا لَهُ مَكَانا آخر فَلَمَّا فَرغْنَا من لحده إِذا نَحن بأسود قد مَلأ اللَّحْد فتركناه وأتيناك فَقَالَ إِبْنِ عَبَّاس ذَاك الغل الَّذِي يغل بِهِ وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ ذَلِك عمله الَّذِي كَانَ يعْمل انْطَلقُوا فادفنوه فِي بَعْضهَا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو حفرتم الأَرْض كلهَا لوجدتموه فِيهَا فَانْطَلَقْنَا فدفناه فِي بَعْضهَا فَلَمَّا رَجعْنَا سَأَلنَا إمرأته مَا كَانَ يعْمل زَوجك قَالَ كَانَ يَبِيع الطَّعَام فَيَأْخُذ كل يَوْم مِنْهُ قوت أَهله ثمَّ يقْرض القصل فيلقيه فِيهِ
50 -
وَأخرج اللالكائي عَن صَدَقَة بن خَالِد عَن بعض مَشَايِخ أهل دمشق قَالَ حجَجنَا فَمَاتَ صَاحب لنا فِي الطَّرِيق فاستعرنا من قوم فأسا فدفناه ونسينا الفأس فِي الْقَبْر فنبشنا لنأخذها فَإِذا رجل قد جمعت عُنُقه ويداه وَرجلَاهُ فِي حَلقَة الفأس فسوينا عَلَيْهِ التُّرَاب وأرضينا الْقَوْم فِي ثمن الفأس فَلَمَّا رَجعْنَا سَأَلنَا إمرأته عَن حَاله قَالَت صُحْبَة رجل مَعَه مَال فَقتل الرجل وَأخذ المَال مِنْهُ كَانَ يحجّ ويغزو
51 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن الْأَعْمَش قَالَ تغوط رجل على قبر الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما فجن فَجعل ينبح كَمَا تنبح الْكلاب ثمَّ إِنَّه مَاتَ فَسمع فِي
قَبره يعوي ويصيح
52 -
وَأخرج عَن يزِيد بن أبي زِيَاد وَعمارَة بن عُمَيْر قَالَا لما قتل عبيد الله بن زِيَاد أُتِي بِرَأْسِهِ ورؤوس أَصْحَابه فألقيت فِي الأَرْض فَجَاءَت حَيَّة عَظِيمَة فَتفرق النَّاس من فزعها فتخللت الرؤوس حَتَّى دخلت فِي منخري عبيد الله بن زِيَاد ثمَّ خرجت من فِيهِ ثمَّ دخلت فِي فِيهِ وَخرجت من أَنفه فَفعلت ذَلِك مرَارًا ثمَّ ذهبت ثمَّ عَادَتْ فَفعلت مثل ذَلِك بِهِ مرَارًا من بَين الرؤوس وَلَا يدرى من أَيْن جَاءَت وَلَا إِلَى أَيْن ذهبت
53 -
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عمَارَة وَحده وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
54 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن سعيد أَن مُسلم بن عقبَة المري ورد الْمَدِينَة فَدَعَا إِلَى بيعَة يزِيد على أَنهم أعبد قن فِي طَاعَة الله ومعصيته فَأَجَابُوهُ إِلَّا رجلا من قُرَيْش أمه أم ولد قَالَ بل فِي طَاعَة الله فَأبى أَن يقبل ذَلِك مِنْهُم وَقَتله فأقسمت أمه لَئِن أمكنها الله من مُسلم حَيا أَو مَيتا أَن تحرقه بالنَّار فَلَمَّا خرج مُسلم من الْمَدِينَة إشتدت علته فَمَاتَ فَخرجت أم الْقرشِي بأعبد لَهَا إِلَى قَبره فَأمرت بِهِ فنبش فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ إِذا بثعبان قد إلتوى على عُنُقه قَابِضا بأرنبة أَنفه يمصها فكاع الْقَوْم عَنهُ
55 -
وَأخرج تَمام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ فِي كتاب الرهبان وإبن عَسَاكِر أَيْضا من طَرِيق تَمام الْحَافِظ عَن أبي عَليّ مُحَمَّد بن هَارُون الْأنْصَارِيّ عَن عصمَة بن أبي عصمَة البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن عماد بن خَالِد التمار عَن عصمَة الْعَبادَانِي قَالَ كنت أجول فِي بعض الفلوات إِذْ أَبْصرت ديرا وَإِذا فِي الدَّيْر صومعة وَفِي الصومعة رَاهِب فَقلت لَهُ حَدثنِي بِأَعْجَب مَا رَأَيْت فِي هَذَا الْموضع فَقَالَ نعم بَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم إِذْ رَأَيْت طائرا أَبيض مثل النعامة قد وَقع على الصَّخْرَة فتقايأ رَأْسا ثمَّ رجلا ثمَّ ساقا وَإِذا هُوَ كلما تقايأ عضوا من تِلْكَ الْأَعْضَاء إلتأمت بَعْضهَا إِلَى بعض أسْرع من برق حَتَّى إِذا إستوى رجلا جَالِسا فَإِذا هم بالنهوض نقره الطَّائِر نقرة قطعه أَعْضَاء ثمَّ يرجع فيبتلعه فَلم يزل على ذَلِك أَيَّامًا فَكثر تعجبي مِنْهُ
وازددت يَقِينا لِعَظَمَة الله تَعَالَى وَعلمت أَن لهَذِهِ الأجساد حَيَاة بعد الْمَوْت فَالْتَفت إِلَيْهِ يَوْمًا فَقلت أَيهَا الطَّائِر سَأَلتك بِحَق الله الَّذِي خلقك وبرأك إِلَّا أَمْسَكت عَنهُ حَتَّى أسأله فيخبرني بِقِصَّتِهِ فَأَجَابَنِي الطَّائِر بِصَوْت عَرَبِيّ طلق لرَبي الْملك وَله الْبَقَاء الَّذِي يفني كل شَيْء وَيبقى أَنا ملك من مَلَائِكَة الله مُوكل بِهَذَا الْجَسَد لما أجرم من ذَنبه فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقلت يَا هَذَا الرجل الْمُسِيء إِلَى نَفسه مَا قصتك وَمن أَنْت قَالَ أَنا عبد الرَّحْمَن بن ملجم قَاتل عَليّ رضي الله عنه وَإِنِّي لما قتلته وَصَارَت روحي بَين يَدي الله ناولني صحيفَة مَكْتُوبًا فِيهَا مَا عملته من الْخَيْر وَالشَّر مُنْذُ ولدتني أُمِّي إِلَى أَن قتلت عليا وَأمر الله هَذَا الْملك بعذابي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ يفعل بِي مَا ترَاهُ ثمَّ سكت فنقره ذَلِك الطَّائِر نقرة نثر أعضاءه بهَا ثمَّ جعل يبتلعه عضوا عضوا ثمَّ مضى بِهِ
قلت هَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ فِيهِ من تكلم فِيهِ سوى أبي عَليّ شيخ تَمام فقد قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان إِنَّه كَانَ يتهم
56 -
وَقَالَ إِبْنِ رَجَب قد رويت هَذِه الْحِكَايَة من وَجه آخر أخرجهَا إِبْنِ النجار فِي تَارِيخه من طَرِيق السلَفِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحسن بن مُحَمَّد بن عبيد السكرِي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يحيى بن المنجم سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة أَنه حضر مَعَ يُوسُف بن أبي التياح فأحضر رَاهِب فَحدث فَذكر شَبِيها بالحكاية
57 -
وَرويت من وَجه آخر من طَرِيق أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الرَّازِيّ صَاحب السداسيات الْمَشْهُورَة عَن عَليّ بن بَقَاء بن مُحَمَّد الْوراق حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر الْبَزَّار سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الإصبع قَالَ قدم علينا شيخ غَرِيب فَذكر أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا سِنِين وَأَنه تعبد فِي صومعته فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم جَالس إِذْ جَاءَ الطَّائِر كالنسر فَذكر شَبِيها بالحكاية مُخْتَصرا
58 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن أبي أَيُّوب الْيَمَانِيّ عَن رجل من قومه يُقَال لَهُ عبد الله أَنه وَنَفر من قومه ركبُوا الْبَحْر وَأَن الْبَحْر أظلم عَلَيْهِم أَيَّامًا ثمَّ إنجلت عَنْهُم تِلْكَ الظلمَة وهم قرب قَرْيَة قَالَ عبد الله فَخرجت ألتمس المَاء فَإِذا أَبْوَاب مغلقة يتجأجأ فِيهَا الرّيح فهتفت فِيهَا فَلم يجبني أحد فَبَيْنَمَا أَنا على ذَلِك إِذْ طلع عَليّ
فارسان تَحت كل وَاحِد قطيفة بَيْضَاء فَقَالَا لي يَا عبد الله أسلك فِي هَذِه السِّكَّة فَإنَّك ستنتهي إِلَى بركَة فِيهَا مَاء فاستسق مِنْهَا وَلَا يهولك مَا ترى فِيهَا فَسَأَلتهمَا عَن تِلْكَ الْبيُوت المغلقة الَّتِي تجأجأ فِيهَا الرّيح فَقَالَا هَذِه بيُوت فِيهَا أَرْوَاح الْمَوْتَى فَخرجت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى الْبركَة فَإِذا فِيهَا رجل مُعَلّق مصوب على رَأسه يُرِيد أَن يتَنَاوَل المَاء بِيَدِهِ وَهُوَ لَا يَنَالهُ فَلَمَّا رَآنِي هتف بِي وَقَالَ يَا عبد الله إسقني فغرفت بالقدح لأناوله إِيَّاه فقبضت يَدي فَقلت يَا عبد الله قد رَأَيْت مَا صنعت فقبضت يَدي فَأَخْبرنِي من أَنْت قَالَ أَنا إِبْنِ آدم أَنا أول من سفك دَمًا فِي الأَرْض
59 -
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق وهب عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم قَالَ بَينا رجل فِي مركب فِي الْبَحْر إِذْ إنكسرت بهم مركبهم فَتعلق بخشبة فَطَرَحته إِلَى جَزِيرَة من الجزائر فَخرج يمشي فَإِذا هُوَ بِمَاء فَاتبعهُ فَدخل فِي شعب فَإِذا رجل فِي رجلَيْهِ سلسلة مَنُوط فِيهَا بَينه وَبَين المَاء يسير فَقَالَ إسقني رَحِمك الله قلت مَا لَك قَالَ أَنا إِبْنِ آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ وَالله مَا قتلت نفس ظلما مُنْذُ قتلت أخي إِلَّا عذبني الله بهَا لِأَنِّي أول من سنّ الْقَتْل
60 -
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْخلال فِي كتاب كرامات الْأَوْلِيَاء بِسَنَدِهِ عَن أَشْعَث أخي عَارِم قَالَ قَالَ لي عبد الله بن هَاشم ذهبت إِلَى ميت لأغسله فَلَمَّا كشفت الثَّوْب عَن وَجهه إِذا أسود فِي حلقه فَقلت لَهُ أَنْت مَأْمُور وَمن سنتنا أَن نغسل مَوتَانا فَإِن رَأَيْت أَن تنْتَقل إِلَى نَاحيَة حَتَّى إِذا غسلته عدت إِلَى موضعك قَالَ فانحل فَصَارَ فِي زَاوِيَة الْبَيْت فَلَمَّا فرغت من غسله عَاد إِلَى مَوْضِعه قَالَ وَكَانَ ذَلِك الْمَيِّت يرْمى بالزندقة
61 -
وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف القريابي سَمِعت أَبَا سِنَان وَكَانَ رجلا صَالحا قَالَ عزيت رجلا بأَخيه فَوَجَدته جزعا فَقَالَ إِنَّمَا أجزع لما رَأَيْت لما دَفَنته وسويت التُّرَاب عَلَيْهِ إِذا صَوت فِي الْقَبْر يَقُول أوه فَقلت أخي وَالله ثمَّ كشفت التُّرَاب فَقيل لي لَا تفعل
فَرددت التُّرَاب فَلَمَّا ذهبت أقوم من الْقَبْر إِذْ صَوت من الْقَبْر يَقُول أوه فَقلت أخي وَالله وكشفت التُّرَاب فَقيل فِي يَا عبد الله لَا تنبشه فَرددت التُّرَاب عَلَيْهِ فَلَمَّا ذهبت أقوم قَالَ أوه فَقلت أخي وَالله ثمَّ كشفت التُّرَاب فَقيل لي لَا تفعل فَرددت التُّرَاب فَلَمَّا ذهبت أقوم إِذا هُوَ يَقُول أوه فَقلت وَالله لَا تركت نبشه فنبشته فَإِذا مطوق بطوق من نَار قد إلتمع عَلَيْهِ الْقَبْر نَارا فطمعت أَن أقطع ذَلِك الطوق فضربته بيَدي لاقطعه فَذَهَبت أصابعي قَالَ وَأخرج إِلَيْنَا يَده فَإِذا أَصَابِعه الْأَرْبَعَة قد ذهبت قَالَ فَأتيت الْأَوْزَاعِيّ فَحَدَّثته فَقلت يَا أَبَا عَمْرو يَمُوت الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ وَالْكَافِر وَلَا يرى مثل هَذَا فَقَالَ نعم أُولَئِكَ لَا شكّ أَنهم فِي النَّار ويريكم الله فِي أهل التَّوْحِيد لتعتبروا
62 -
وَأخرج أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَدِينِيّ عَن صديق لَهُ أَنه خرج إِلَى ضَيْعَة لَهُ قَالَ فأدركتني صَلَاة الْمغرب إِلَى جنب مَقْبرَة فَصليت الْمغرب قَرِيبا مِنْهَا فَبينا أَنا جَالس إِذْ سَمِعت من نَاحيَة الْقُبُور صَوت أَنِين فدنوت إِلَى الْقَبْر الَّذِي سَمِعت مِنْهُ الأنين وَهُوَ يَقُول أوه قد كنت أُصَلِّي قد كنت أَصوم فأصابتني قشعريرة فدنوت مِمَّن حضرني فَسمع مثل مَا سَمِعت ومضيت إِلَى ضيعتي وَرجعت فِي الْيَوْم الثَّانِي فَصليت فِي الْموضع الأول وَصَبَرت حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَصليت الْمغرب ثمَّ إستمعت إِلَى ذَلِك الْقَبْر فَإِذا هُوَ يَئِن وَيَقُول أوه قد كنت أُصَلِّي قد كنت أَصوم فَرَجَعت إِلَى منزلي وحممت فَمَكثت مَرِيضا شَهْرَيْن
63 -
وروى هِشَام بن عمار فِي كتاب الْبَعْث عَن يحيى بن حَمْزَة حَدثنِي النُّعْمَان عَن مَكْحُول أَن رجلا أَتَى عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَقد أَبيض نصف رَأسه وَنصف لحيته فَقَالَ لَهُ عمر رضي الله عنه مَا بالك فَقَالَ مَرَرْت بمقبرة بني فلَان لَيْلًا فَإِذا رجل يطْلب رجلا بِسَوْط من نَار كلما لحقه ضربه فاشتعل مَا بَين قرنه إِلَى قدمه نَارا فلاذ بِي الرجل فَقَالَ يَا عبد الله أَغِثْنِي فَقَالَ الطَّالِب يَا عبد الله لَا تغثه فبئس عبد الله هُوَ فَقَالَ عمر رضي الله عنه لذَلِك كره لكم نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم أَن يُسَافر أحدكُم وَحده
64 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ كَانَ رجل من أهل الْمَدِينَة لَهُ أُخْت فَمَاتَتْ فجهزها وَحملهَا إِلَى قبرها فَلَمَّا دفنت وَرجع إِلَى أَهله ذكر أَنه نسي كيسا كَانَ مَعَه فِي الْقَبْر فاستعان بِرَجُل من أَصْحَابه فَأتيَا الْقَبْر فنبشاه
فَوجدَ الْكيس قَالَ للرجل تَنَح عني حَتَّى أنظر على أَي حَال أُخْتِي فَرفع بعض مَا على اللَّحْد من اللَّبن فَإِذا الْقَبْر يشتعل نَارا فَرده وَسوى الْقَبْر وَرجع إِلَى أمه فَسَأَلَهَا عَن حَال أُخْته فَقَالَت كَانَت تُؤخر الصَّلَاة وَلَا تصلي فِيمَا أَظن بِوضُوء وَتَأْتِي أَبْوَاب الْجِيرَان إِذا نَامُوا فتلقم أذنها أَبْوَابهم فَتخرج حَدِيثهمْ
65 -
قَالَ الْحَافِظ إِبْنِ رَجَب وروى الْهَيْثَم بن عدي حَدثنَا أبان بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ هلك جَار لنا فَشَهِدْنَا غسله وكفنه وَحمله إِلَى قَبره وَإِذا فِي قَبره شَبيه بالهر فزجرناه فَلم ينزجر فَضرب الحفار جَبهته بمددة فَلم يبرح فتحول إِلَى قبر آخر فَلَمَّا لحد فَإِذا ذَلِك الهر فِيهِ فصنعوا بِهِ مثل مَا صَنَعُوا أَولا فَلم يلْتَفت فَرَجَعُوا إِلَى قبر ثَالِث فَلَمَّا لحد فَإِذا ذَلِك الهر فِيهِ فصنعوا بِهِ مثل مَا صَنَعُوا فَلم يلْتَفت فَقَالَ الْقَوْم يَا هَؤُلَاءِ إِن هَذَا الْأَمر مَا مر بِنَا مثله فادفنوا صَاحبكُم فدفنوه فَلَمَّا سوي عَلَيْهِ اللَّبن سمعنَا قعقعة عَظِيمَة فَذَهَبُوا إِلَى إمرأته فَقَالُوا يَا هَذِه مَا كَانَ عمل زَوجك وحدثوها مَا رَأَوْا فَقَالَت كَانَ لَا يغْتَسل من الْجَنَابَة
66 -
وَذكر إِبْنِ الْفَارِسِي الكتبي صَاحب أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه أَنه فِي سنة تسعين وَخَمْسمِائة وجد ميت بِبَغْدَاد قد بلي وَلم يبْق غير عِظَامه وَفِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ ضباب حَدِيد قد ضرب فيهمَا مسماران أَحدهمَا فِي سرته وَالْآخر فِي جَبهته وَكَانَ هائل الْخلقَة غليظ الْعِظَام وَكَانَ سَبَب ظُهُوره زِيَادَة المَاء كشفت جَانب تل كَانَ يعرف بِالتَّلِّ الْأَحْمَر
67 -
وَذكر إِبْنِ الْقيم فِي كتاب الرّوح قَالَ حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سِنَان السلَامِي التَّاجِر وَكَانَ من خِيَار عباد الله قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سوق الحدادين بِبَغْدَاد فَبَاعَ مسامير صغَارًا المسمار برأسين فَأَخذهَا الْحداد وَجعل يحمي عَلَيْهَا فَلَا تلين مَعَه حَتَّى عجز عَن ضربهَا فَطلب الَّذِي بَاعهَا فَوَجَدَهُ فَقَالَ من أَيْن لَك هَذِه المسامير قَالَ لقيتها فَلم يزل بِهِ حَتَّى أخبر أَنه وجد قبرا مَفْتُوحًا وَفِيه عِظَام ميت منظومة بِهَذِهِ المسامير قَالَ فعالجتها على أَن أخرجهَا فَلم أقدر فأخرجت حجرا فَكسرت عِظَامه وجمعتها
68 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحَرَّانِي أَنه خرج من
دَاره بآمد بعد الْعَصْر إِلَى بُسْتَان فَلَمَّا كَانَ قبل غرُوب الشَّمْس توَسط الْقُبُور وَإِذا قبر مِنْهَا وَهُوَ جَمْرَة نَار مثل كور الزّجاج وَالْمَيِّت فِي وَسطه قَالَ فَسَأَلت عَن صَاحب الْقَبْر فَإِذا هُوَ مكاس قد توفّي ذَلِك الْيَوْم
69 -
وَذكر الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن البرزاني فِي تَارِيخه عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الْمُنعم بن الصَّقِيل الْحَرَّانِي قَالَ حكى عبد الْكَافِي أَنه شهد مرّة جَنَازَة فَإِذا عبد أسود مَعنا فَلَمَّا صلى النَّاس لم يصل فَلَمَّا حَضَرنَا الدّفن نظر إِلَيّ ثمَّ قَالَ أَنا عمله ثمَّ ألْقى نَفسه فِي الْقَبْر قَالَ فَنَظَرت فَلم أر شَيْئا
70 -
وَقَالَ الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي فِي مُعْجَمه سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن هبة الله الدمياطي يَقُول سَمِعت أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله الثَّعْلَبِيّ صَاحب السلَفِي يَقُول كَانَ عندنَا رجل نباش يَتَكَفَّف النَّاس أعمى وَكَانَ يَقُول من يعطيني شَيْئا فَأخْبرهُ بالعجب ثمَّ يَقُول من يزيدني فأريه الْعجب قَالَ فَأعْطِي شَيْئا وَأَنا إِلَى جَانِبه أنظرهُ فكشف عَن عَيْنَيْهِ فَإِذا بهما قد نفذتا إِلَى قَفاهُ كالأنبوبتين النافذتين يرى من قبل وَجهه مَا وَرَاء قَفاهُ ثمَّ قَالَ أخْبركُم أَنِّي كنت فِي بلدي نباشا حَتَّى شاع أَمْرِي فأخفت النَّاس حَتَّى مَا أُبَالِي بهم وَإِن قَاضِي الْبَلَد مرض مَرضا خَافَ مِنْهُم الْمَوْت فَأرْسل إِلَيّ وَقَالَ أَنا أَشْتَرِي هتكي فِي قَبْرِي مِنْك وَهَذِه مائَة دِينَار مومنية فأخذتها فَعُوفِيَ من ذَلِك الْمَرَض ثمَّ مرض بعد ذَلِك ثمَّ مَاتَ وتوهمت أَن الْعَطِيَّة للمرض الأول فَجئْت فنبشته فَإِذا فِي الْقَبْر حس عُقُوبَة وَالْقَاضِي جَالس ثَائِر الرَّأْس محمرة عَيناهُ كالسكروجتين فَوجدت زمعا فِي ركبتي وَإِذا بضربة فِي عَيْني من أصبعين وَقَائِل يَقُول يَا عبد الله أتطلع على أسرار الله عز وجل
71 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن يزِيد بن عبد الله بن الشخير قَالَ بَيْنَمَا رجل يسير فِي أَرض إِذْ إنتهى إِلَى قبر فَسمع صَاحبه يَقُول آه آه فَقَامَ على قَبره فَقَالَ فَضَحِك عَمَلك وافتضحت
72 -
وَفِي تَارِيخ المقريزي فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة قدم الْبَرِيد بِأَن رجلا من السَّاحِل مَاتَت إمرأته فدفنها وَعَاد فَتذكر أَنه نسي فِي الْقَبْر منديلا فِيهِ مبلغ
دَرَاهِم فَأخذ فَقِيه الْقرْيَة ونبش الْقَبْر ليَأْخُذ المَال والفقيه على شَفير الْقَبْر فَإِذا الْمَرْأَة جالسة مكتوفة بشعرها ورجلاها أَيْضا قد ربطتا بشعرها فحاول حل كتافيها فَلم يقدر فَأخذ بِجهْد نَفسه فِي ذَلِك فَخسفَ بِهِ وبالمرأة إِلَى حَيْثُ لم يعلم لَهما خبر فَغشيَ على فَقِيه الْقرْيَة مُدَّة يَوْم وَلَيْلَة فَبعث السُّلْطَان بِخَبَر هَذِه الْحَادِثَة وَمَا كتب بِهِ من الشَّام إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فَوقف عَلَيْهِ وَأرَاهُ النَّاس ليعتبروا بذلك
73 -
قَالَ الْعلمَاء عَذَاب الْقَبْر هُوَ عَذَاب البرزخ أضيف إِلَى الْقَبْر لِأَنَّهُ الْغَالِب وَإِلَّا فَكل ميت وَإِذا أَرَادَ الله تَعَالَى تعذيبه ناله مَا أَرَادَ بِهِ قبر أَو لم يقبر وَلَو صلب أَو غرق فِي الْبَحْر أَو أَكلته الدَّوَابّ أَو حرق حَتَّى صَار رَمَادا أَو ذري فِي الرّيح وَمحله الرّوح وَالْبدن جَمِيعًا بِاتِّفَاق أهل السّنة وَكَذَا القَوْل فِي النَّعيم
74 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم ثمَّ عَذَاب الْقَبْر قِسْمَانِ دَائِم وَهُوَ عَذَاب الْكفَّار وَبَعض العصاة ومنقطع وَهُوَ عَذَاب من خفت جرائمهم من العصاة فَإِنَّهُ يعذب بِحَسب جريمته ثمَّ يرفع عَنهُ وَقد يرفع عَنهُ بِدُعَاء أَو صَدَقَة أَو نَحْو ذَلِك
75 -
قَالَ اليافعي فِي روض الرياحين بلغنَا أَن الْمَوْتَى لَا يُعَذبُونَ لَيْلَة الْجُمُعَة تَشْرِيفًا لهَذَا الْوَقْت قَالَ وَيحْتَمل إختصاص ذَلِك بعصاه الْمُسلمين دون الْكفَّار
76 -
وعمم النَّسَفِيّ فِي بَحر الْكَلَام فَقَالَ إِن الْكَافِر يرفع عَنهُ الْعَذَاب يَوْم الْجُمُعَة وليلتها وَجَمِيع شهر رَمَضَان قَالَ وَأما الْمُسلم العَاصِي فَإِنَّهُ يعذب فِي قَبره وَلَكِن يرفع عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة وليلتها ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الْجُمُعَة يكون لَهُ الْعَذَاب سَاعَة وَاحِدَة وضغطة الْقَبْر كَذَلِك ثمَّ يَنْقَطِع عَنهُ الْعَذَاب وَلَا يعود إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إنتهى
وَهَذَا يدل على أَن عصاة الْمُسلمين لَا يُعَذبُونَ سوى جُمُعَة وَاحِدَة أَو دونهَا وَأَنَّهُمْ إِذا وصلوا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة إنقطع ثمَّ لَا يعود وَهُوَ يحْتَاج إِلَى دَلِيل
77 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم فِي الْبَدَائِع نقلت من خطّ القَاضِي أبي يعلى فِي تعاليقه لَا بُد من إنقطاع عَذَاب الْقَبْر لِأَنَّهُ من عَذَاب الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مُنْقَطع فَلَا بُد أَن يلحقهم الفناء وَالْبَلَاء وَلَا يعرف مِقْدَار مده ذَلِك إنتهى
78 -
قلت وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخرجه هناد بن السّري فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد
قَالَ للْكفَّار هجعة يَجدونَ فِيهَا طعم النّوم حَتَّى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا صِيحَ بِأَهْل الْقُبُور يَقُول الْكَافِر {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فَيَقُول الْمُؤمن إِلَى جنبه {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
فَائِدَة
79 -
فِي الْبَدَائِع لإبن الْقيم قَالَ جمَاعَة من النَّاس إِذا مَاتَت نَصْرَانِيَّة فِي بَطنهَا جَنِين مُسلم نزل ذَلِك الْقَبْر نعيم وَعَذَاب فالنعيم للإبن وَالْعَذَاب للْأُم قَالَ وَلَا بعد فِي ذَلِك كَمَا لَو دفن فِي قبر وَاحِد مُؤمن وَفَاجِر فَإِنَّهُ يجْتَمع فِي الْقَبْر النَّعيم وَالْعَذَاب
35 -
بَاب مَا يُنجي من عَذَاب الْقَبْر
1 -
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت البارحة عجبا رَأَيْت رجلا من أمتِي جَاءَهُ ملك الْمَوْت ليقْبض روحه فجَاء بره لوَالِديهِ فَرده عَنهُ وَرَأَيْت رجلا من أمتِي سلط عَلَيْهِ عَذَاب الْقَبْر فجَاء وضوؤه فاستنقذه من ذَلِك وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قد إحتوشته الشَّيَاطِين فجَاء ذكر الله فخلصه من بَينهم وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قد إحتوشته مَلَائِكَة الْعَذَاب فَجَاءَتْهُ صلَاته فاستنقذته من أَيْديهم وَرَأَيْت رجلا من أمتِي يَلْهَث عطشا كلما ورد حوضا منع مِنْهُ فَجَاءَهُ صِيَامه فَسَقَاهُ وأرواه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي والنبيون قعُود حلقا حلقا كلما دنا لحلقة طردوه فجَاء إغتساله من الْجَنَابَة فَأخذ بِيَدِهِ وَأَقْعَدَهُ إِلَى جنبه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي بَين يَدَيْهِ ظلمَة وَخَلفه ظلمَة وَعَن يَمِينه ظلمَة وَعَن يسَاره ظلمَة وَمن فَوْقه ظلمَة وَمن تَحْتَهُ ظلمَة فَهُوَ متحير فِيهَا فَجَاءَهُ حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمَة وأدخلاه النُّور وَرَأَيْت رجلا من أمتِي يكلم الْمُؤمنِينَ وَلَا يكلمونه فَجَاءَتْهُ صلَة الرَّحِم فَقَالَت يَا معشر الْمُؤمنِينَ كَلمُوهُ فكلموه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي يَتَّقِي وهج النَّار وشررها بِيَدِهِ عَن وَجهه فَجَاءَتْهُ صدقته فَصَارَت سترا على وَجهه وظلا على رَأسه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي
أَخَذته الزَّبَانِيَة من كل مَكَان فَجَاءَهُ أمره بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيه عَن الْمُنكر فاستنقذاه من أَيْديهم وأدخلاه مَعَ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَرَأَيْت رجلا من أمتِي جاثيا على رُكْبَتَيْهِ بَينه وَبَين الله حجاب فَجَاءَهُ حسن خلقه فَأخذ بِيَدِهِ فَأدْخلهُ على الله وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قد هوت بِهِ صَحِيفَته من قبل شِمَاله فَجَاءَهُ خَوفه من الله فَأخذ صَحِيفَته فَجَعلهَا عَن يَمِينه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قد خف مِيزَانه فَجَاءَتْهُ أفراطه فثقلوا مِيزَانه وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قَائِما على شَفير جَهَنَّم فَجَاءَهُ وجله من الله فاستنقذه من ذَلِك وَمضى وَرَأَيْت رجلا من أمتِي هوى فِي النَّار فَجَاءَتْهُ دُمُوعه الَّتِي بَكَى بهَا من خشيَة الله فِي الدُّنْيَا فاستخلصه من النَّار وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قَائِما على الصِّرَاط يرعد كَمَا ترْعد السعفة فَجَاءَهُ حسن ظَنّه بِاللَّه فسكن روعه وَمضى وَرَأَيْت رجلا من أمتِي على الصِّرَاط يزحف أَحْيَانًا ويحبو أَحْيَانًا فَجَاءَتْهُ صلَاته عَليّ فَأخذت بِيَدِهِ فأقامته وَمضى على الصِّرَاط وَرَأَيْت رجلا من أمتِي إنتهى إِلَى أَبْوَاب الْجنَّة فغلقت الْأَبْوَاب دونه فَجَاءَتْهُ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ففتحت لَهُ الْأَبْوَاب وأدخلته الْجنَّة وَرَأَيْت نَاسا تقْرض شفاههم فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ المشاؤون بَين النَّاس بالنميمة وَرَأَيْت رجَالًا معلقين بألسنتهم قلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يرْمونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا
قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا حَدِيث عَظِيم ذكر فِيهِ أعمالا خَاصَّة تنجي من أهوال خَاصَّة
2 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج ثِنْتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من
الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين من أَقَاربه
3 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وإبن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان بن صرد وخَالِد بن عرفطة قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَتله بَطْنه لم يعذب فِي قَبره
4 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن سلمَان الْفَارِسِي أَن بعض أهل الْكتاب أخبرهُ عَن عِيسَى عليه السلام قَالَ طول الْقُنُوت الْأمان على الصِّرَاط وَطول السُّجُود الْأمان من عَذَاب الْقَبْر
5 -
وَأخرج عبد فِي مُسْنده عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه أَنه قَالَ لرجل أَلا أطرفك بِحَدِيث تفرح بِهِ قَالَ بلَى قَالَ إقرأ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} وَعلمهَا أهلك وَجَمِيع ولدك وصبيان بَيْتك وَجِيرَانك فَإِنَّهَا المنجية والمجادلة تجَادل أَو تخاصم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبهَا لِقَارِئِهَا وتطلب لَهُ أَن ينجيه من عَذَاب النَّار وينجو بهَا صَاحبهَا من عَذَاب الْقَبْر
6 -
وَأخرج خلف بن هِشَام فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ سُورَة الْملك هِيَ الْمَانِعَة تمنع من عَذَاب الْقَبْر يُؤْتى صَاحبهَا فِي قَبره من قبل رَأسه فَيَقُول رَأسه لَا سَبِيل عَليّ فَإِنَّهُ وعى فِي سُورَة الْملك ثمَّ يُؤْتى من قبل رجلَيْهِ فَتَقول رِجْلَاهُ لَيْسَ لَك عَليّ سَبِيل إِنَّه كَانَ يقوم بِي بِسُورَة الْملك
7 -
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن إِبْنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ من قَرَأَ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كل لَيْلَة مَنعه الله بهَا من عَذَاب الْقَبْر وَكُنَّا فِي عهد الرَّسُول الله صلى الله عليه وسلم نسميها الْمَانِعَة
8 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن رجلا مَاتَ وَلَيْسَ مَعَه شَيْء من كتاب الله إِلَّا {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} فَلَمَّا وضع فِي حفرته أَتَاهُ الْملك فثارت السُّورَة فِي وَجهه فَقَالَ لَهَا إِنَّك من كتاب الله وَأَنا أكره مساءتك وَإِنِّي لَا أملك لَك وَلَا لَهُ وَلَا لنَفْسي ضرا وَلَا نفعا فَإِن أردْت هَذَا فانطلقي بِهِ إِلَى الرب تَعَالَى فاشفعي لَهُ فتنطلق إِلَى
الرب فَتَقول يَا رب إِن فلَانا عمد إِلَيّ من بَين كتابك فتعلمني وتلاني أفمحرقه أَنْت بالنَّار ومعذبه وَأَنا فِي جَوْفه فَإِن كنت فَاعِلا ذَلِك بِهِ فامحني من كتابك فَيَقُول لأرَاك غضِبت فَتَقول وَحقّ لي أَن أغضب فَيَقُول إذهبي فقد وهبته لَك وشفعتك فِيهِ فتجيء فتزبر الْملك فَيخرج كاسف البال لم يحل مِنْهُ بِشَيْء فتجيء فتضع فاها على فِيهِ فَتَقول مرْحَبًا بِهَذَا الْفَم فَرُبمَا تلاني مرْحَبًا بِهَذَا الصَّدْر فَرُبمَا وعاني ومرحبا بِهَاتَيْنِ الْقَدَمَيْنِ فَرُبمَا قامتا بِي وتؤنسه فِي قَبره مَخَافَة الوحشة عَلَيْهِ قَالَ فَلَمَّا حدث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الحَدِيث لم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا حر وَلَا عبد إِلَّا تعلمهَا وسماها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المنجية
قَالَ فِي الصِّحَاح رجلا كاسف البال أَي سيء الْحَال وكاسف الْوَجْه أَي عَابس الْوَجْه وَقَوله لم يحل مِنْهُ بِشَيْء أَي لم يستفذ مِنْهُ فَائِدَة وَلَا يتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَعَ الْجحْد والزبر بزاي وموحدة وَرَاء الزّجر والإنتهار
9 -
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ إِن الْمَيِّت إِذا مَاتَ أوقدت نيران حوله فتأكل كل نَار مَا يَليهَا إِن لم يكن لَهُ عمل يحول بَينه وَبَينهَا وَإِن رجلا مَاتَ وَلم يكن يقْرَأ من الْقُرْآن إِلَّا سُورَة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} فَأَتَتْهُ من قبل رَأسه فَقَالَت إِنَّه كَانَ يقرأني فَأَتَتْهُ من قبل رجلَيْهِ فَقَالَت إِنَّه كَانَ يَقُول بِي فَأَتَتْهُ من قبل جَوْفه فَقَالَت إِنَّه كَانَ وعاني فأنجته
10 -
وَأخرج الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن خَالِد بن معدان قَالَ بَلغنِي أَن {الم تَنْزِيل} تجَادل عَن صَاحبهَا فِي الْقَبْر تَقول اللَّهُمَّ إِن كنت من كتابك فشفعني فِيهِ وَإِن لم أكن من كتابك فامحني مِنْهُ وَإِنَّهَا تكون كالطير تجْعَل جناحيها عَلَيْهِ فتشفع لَهُ وتمنعه من عَذَاب الْقَبْر وَفِي {تبَارك} مثله وَكَانَ خَالِد لَا يبيت حَتَّى يقرأهما
11 -
وَأخرج هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ عَن جَابر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ {الم تَنْزِيل} و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
12 -
وَفِي روض الرياحين لليافعي عَن بعض الصَّالِحين من أهل الْيمن أَنه دفن فعض الْمَوْتَى فَلَمَّا إنصرف النَّاس سمع فِي الْقَبْر ضربا عنيفا ثمَّ خرج من الْقَبْر كلب أسود فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ وَيحك أَي شَيْء أَنْت قَالَ أَنا عمل الْمَيِّت فَقَالَ هَذَا الضَّرْب فِيك أم فِيهِ قَالَ بل فِي وجدت عِنْده سُورَة يس وَأَخَوَاتهَا فحالت بيني وَبَينه فَضربت وطردت
13 -
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى بعد الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة مِنْهُمَا بِفَاتِحَة الْكتاب مرّة و {إِذا زلزلت} خمس عشرَة مرّة هون الله عَلَيْهِ سَكَرَات الْمَوْت وأعاذه الله من عَذَاب الْقَبْر وَيسر لَهُ الْجَوَاز على الصِّرَاط يَوْم الْقِيَامَة
14 -
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة وقِي عَذَاب الْقَبْر
15 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة الجمعه ختم بِخَاتم الْإِيمَان وَوُقِيَ عَذَاب الْقَبْر
16 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ قَالَ إِبْنِ رَجَب رُوِيَ بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن أنس بن مَالك أَن عَذَاب الْقَبْر يرفع عَن الْمَوْتَى فِي شهر رَمَضَان
17 -
وَحكى اليافعي فِي روض الرياحين عَن بعض الْأَوْلِيَاء قَالَ سَأَلت الله أَن يرني مقامات أهل الْمَقَابِر فَرَأَيْت فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت والقبور قد إنشقت وَإِذا مِنْهُم النَّائِم على السندس وَمِنْهُم النَّائِم على الْحَرِير والديباج وَمِنْهُم النَّائِم على الريحان وَمِنْهُم النَّائِم على السرر وَمِنْهُم الباكي وَمِنْهُم الضاحك قلت يَا رب لَو شِئْت ساويت بَينهم فِي الْكَرَامَة فَنَادَى مُنَاد من أهل الْقُبُور يَا فلَان هَذِه منَازِل الْأَعْمَال أما أَصْحَاب السندس فهم أَصْحَاب الْخلق الْحسن وَأما أَصْحَاب الْحَرِير والديباج فهم الشُّهَدَاء وَأما أَصْحَاب الريحان فهم الصائمون وَأما أَصْحَاب الْمَرَاتِب يَعْنِي السرر فهم المتحابون فِي الله وَأما أَصْحَاب البكار فهم المذنبون وَأما أَصْحَاب الضحك فهم أهل التَّوْبَة والإنابة
36 -
بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم وأنسهم فِيهَا وَهل يصلونَ فِيهَا ويقرؤون ويتزاورون وَيَتَنَعَّمُونَ وَيلبسُونَ
1 -
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة عِنْد الْمَوْت وَلَا فِي قُبُورهم وَلَا فِي منشرهم
2 -
وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الْخُتلِي فِي الديباج عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أنس للْمُسلمِ عِنْد مَوته وَفِي قَبره وَحين يخرج من قَبره
3 -
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ وإبن مَنْدَه عَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ
4 -
وَأخرج مُسلم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مر بمُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره قَالَ إِبْنِ مَنْدَه رَوَاهُ حجاج بن منهال وَيُونُس بن مُحَمَّد وَأَبُو نصر التمار وحبان وَغَيرهم عَن حَمَّاد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وثابت عَن أنس وَرَوَاهُ سُفْيَان وَيحيى بن سعيد وَعمر بن حبيب وَجَرِير بن عبد الحميد ومعتمر بن سُلَيْمَان وَيزِيد بن هَارُون وَعِيسَى وَغَيرهم عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن جَراد وَغَيرهمَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم
5 -
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بِقَبْر مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِيهِ وَقَالَ إِبْنِ سعد فِي الطَّبَقَات وإبن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد مَعًا أخبرنَا عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت أحدا الصَّلَاة فِي قَبره فَأعْطِنِي الصَّلَاة فِي قَبْرِي
6 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن يُوسُف بن عَطِيَّة قَالَ سَمِعت ثَابتا يَقُول لحميد
الطَّوِيل هَل بلغك أَن أحدا يُصَلِّي فِي قَبره إِلَّا الْأَنْبِيَاء قَالَ لَا قَالَ ثَابت اللَّهُمَّ إِن أَذِنت لأحد أَن يُصَلِّي فِي قَبره فَأذن لِثَابِت أَن يُصَلِّي فِي قَبره
7 -
وَأخرج أَيْضا عَن جُبَير قَالَ أَنا وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أدخلت ثَابتا الْبنانِيّ لحده وَمَعِي حميد الطَّوِيل فَلَمَّا سوينا عَلَيْهِ اللَّبن سَقَطت لبنة فَإِذا أَنا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبره وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت أحدا من خلقك الصَّلَاة فِي قَبره فأعطنيها فَمَا كَانَ الله ليرد دعاءه
8 -
وَأخرج أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن الصمَّة المهلبي قَالَ حَدثنِي الَّذين كَانُوا يَمرونَ بالجص بالأسحار قَالُوا كُنَّا إِذا مَرَرْنَا بجنبات قبر ثَابت الْبنانِيّ سمعنَا قِرَاءَة الْقُرْآن
9 -
وَقَالَ إِبْنِ مَنْدَه أَنبأَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد المسلمي حَدثنَا أَبُو أَحْمد يُوسُف الْخفاف حَدثنَا القَاضِي أَبُو أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ سَمِعت سَلمَة بن شبيب قَالَ سَمِعت أَبَا حَمَّاد الحفار وَكَانَ ثِقَة ورعا قَالَ دخلت يَوْم الْجُمُعَة الْمقْبرَة نصف النَّهَار فَمَا مَرَرْت بِقَبْر إِلَّا سَمِعت قِرَاءَة الْقُرْآن
10 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ ضرب بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم خباء على قبر وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر وَإِذا فِيهِ إِنْسَان يقْرَأ سُورَة الْملك حَتَّى خَتمهَا فَأتى نَبِي الله فَأخْبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هِيَ المنجية هِيَ الْمَانِعَة تنجيه من عَذَاب الْقَبْر
11 -
قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ فِي كتاب الرّوح هَذَا تَصْدِيق من النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَن الْمَيِّت يقْرَأ فِي قَبره فَإِن عبد الله أخبرهُ بذلك وَصدقه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
12 -
وَقَالَ الإِمَام كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي كتاب الْعَمَل المقبول فِي زِيَارَة الرَّسُول هَذَا الحَدِيث وَاضح الدّلَالَة على أَن الْمَيِّت كَانَ يقْرَأ فِي قَبره سُورَة الْملك وَقد وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة ذكر إكرام الله بعض أوليائه بذلك وإكرام بَعضهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ يَدْعُو الله فِي حَيَاته بذلك فَإِذا كَانَ من كَرَامَة الله لأوليائه تمكينهم من الطَّاعَة وَالْعِبَادَة فِي الْقَبْر فالأنبياء بطرِيق الأولى
13 -
وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين بن رَجَب فِي كتاب أهوال الْقُبُور قد
يكرم الله بعض أهل البرزخ بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة فِي البرزخ وَإِن لم يحصل لَهُ بذلك ثَوَاب لإنقطاع عمله بِالْمَوْتِ لكنه إِنَّمَا يبْقى عمله عَلَيْهِ ليتنعم بِذكر الله وطاعته كَمَا تتنعم بذلك الْمَلَائِكَة وَأهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَإِن لم يكن على ذَلِك ثَوَاب لِأَن نفس الذّكر وَالطَّاعَة أعظم نعيما عِنْد أَهلهَا من جَمِيع نعيم أهل الدُّنْيَا ولذتها فَمَا تنعم المتنعمون بِمثل ذكر الله وطاعته
14 -
وروى أَبُو الْحسن بن الْبَراء فِي كتاب الرَّوْضَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَنْصُور حَدثنِي إِبْرَاهِيم الحفار قَالَ حفرت قبرا فبدت لبنة فشممت رَائِحَة الْمسك حِين إنفتحت اللبنة فَإِذا بشيخ جَالس فِي قَبره يقْرَأ الْقُرْآن
15 -
وَقَالَ إِبْنِ رَجَب وحَدثني الْمُحدث أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد السرمري حَدثنَا شَيخنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن السامري خطيب سامراء وَكَانَ رجلا صَالحا وَأرَانِي موضعا من قُبُور سامراء فَقَالَ هَذَا الْموضع لَا نزال تسمع مِنْهُ سُورَة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
16 -
وروى الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِسَنَدِهِ عَن عِيسَى بن مُحَمَّد الطوماري قَالَ رَأَيْت أَبَا بكر بن مُجَاهِد المقرىء فِي النّوم كَأَنَّهُ يقْرَأ وَكَأَنِّي أَقُول لَهُ أَنْت ميت وتقرأ فَكَأَنَّهُ يَقُول لي كنت أَدْعُو الله فِي دبر كل صَلَاة وَعند ختم الْقُرْآن أَن يَجْعَلنِي مِمَّن يقْرَأ فِي قَبره فَأَنا أَقرَأ فِي قَبْرِي
17 -
وَأخرج الْخلال فِي كتاب السّنة من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان وَفِيه ضعف عَن أَبِيه عَن عِكْرِمَة قَالَ قَالَ إِبْنِ عَبَّاس الْمُؤمن يعْطى مُصحفا فِي قَبره يقْرَأ فِيهِ وَأخرجه إِبْنِ الْبَراء فِي الرَّوْضَة من طَرِيق حَفْص بن عمر الْعَدنِي وَفِيه ضعف أَيْضا عَن الحكم بن أبان
18 -
ورؤي الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء الْهَمدَانِي فِي النّوم بعد مَوته وَهُوَ فِي مَدِينَة جدرانها وحيطانها كلهَا كتب فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ سَأَلت الله تَعَالَى أَن يشغلني بِالْعلمِ كَمَا كنت أشتغل بِهِ فَأَنا أشتغل بِالْعلمِ فِي قَبْرِي إنتهى مَا أوردهُ
19 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه وَأَبُو أَحْمد وَالْحَاكِم فِي الكنى بِسَنَد ضَعِيف عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ أردْت مَالِي بِالْغَابَةِ فأدركني اللَّيْل فأويت إِلَى قبر عبد الله بن عَمْرو بن حرَام فَسمِعت قِرَاءَة من الْقَبْر مَا سَمِعت أحسن مِنْهَا فَجئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ ذَلِك عبد الله ألم تعلم أَن الله قبض أَرْوَاحهم فَجَعلهَا فِي قناديل من زبرجد وَيَاقُوت ثمَّ علقها وسط الْجنَّة فَإِذا كَانَ اللَّيْل ردَّتْ إِلَيْهِم أَرْوَاحهم فَلَا تزَال كَذَلِك حَتَّى إِذا طلع الْفجْر ردَّتْ أَرْوَاحهم إِلَى مَكَانهَا الَّذِي كَانَت فِيهِ
20 -
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نمت فرأيتني فِي الْجنَّة وَلَفظ النَّسَائِيّ دخلت الْجنَّة فَسمِعت صَوت قارىء يقْرَأ فَقلت من هَذَا قَالُوا حَارِثَة بن النُّعْمَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كذك الْبر كَذَاك الْبر كَذَاك الْبر وَكَانَ أبر النَّاس بِأُمِّهِ
21 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَرَانِي فِي الْجنَّة فَبينا أَنا فِيهَا سَمِعت صَوت رجل يقْرَأ بِالْقُرْآنِ فَقلت من هَذَا قَالُوا حَارِثَة بن النُّعْمَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَلِك كَذَاك الْبر كَذَاك الْبر
22 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ بَلغنِي أَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ وَقد بِي عَلَيْهِ شَيْء من الْقُرْآن لم يتعلمه بعث الله إِلَيْهِ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ مَا بَقِي عَلَيْهِ مِنْهُ حَتَّى يَبْعَثهُ الله من قَبره
23 -
وَأخرج عَن الْحسن قَالَ بَلغنِي أَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ وَلم يحفظ الْقُرْآن أَمر حفظته أَن يعلموه الْقُرْآن فِي قَبره حَتَّى يَبْعَثهُ الله يَوْم الْقِيَامَة مَعَ أَهله
24 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وإبن مَنْدَه عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ بَلغنِي أَن العَبْد إِذا لَقِي الله تَعَالَى وَلم يتَعَلَّم كِتَابه علمه الله تَعَالَى فِي قَبره حَتَّى يثيبه الله عَلَيْهِ
25 -
وَفِي الفردوس للديلمي وَلم يسْندهُ وَلَده من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا مثله
ثمَّ وقفت عَلَيْهِ مُسْندًا فِي الْجُزْء الأول من فَوَائِد أبي الْحسن بن بَشرَان فَأخْرجهُ من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ الْقُرْآن ثمَّ مَاتَ قبل أَن يستظهره أَتَاهُ ملك يُعلمهُ فِي قَبره ويلقى الله وَقد إستظهره
وَأخرجه أَيْضا أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي فِي كتاب فَضَائِل الْقُرْآن والسلفي فِي إنتخابه لحَدِيث الْقُرَّاء
26 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن عِكْرِمَة قَالَ يعْطى الْمُؤمن مُصحفا فِي قَبره يقْرَأ فِيهِ
27 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن عَاصِم السَّقطِي قَالَ حفرنا قبرا ببلخ فنفذ فِي قبر فَنَظَرت فَإِذا شيخ فِي الْقَبْر مُتَوَجّه إِلَى الْقبْلَة وَعَلِيهِ إِزَار أَخْضَر واخضر مَا حوله وَفِي حجره مصحف وَهُوَ يقْرَأ
28 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أبي النَّضر النَّيْسَابُورِي الحفار وَكَانَ صَالحا ورعا قَالَ حفرت قبرا فانفتح فِي الْقَبْر قبر آخر فَنَظَرت فِيهِ فَإِذا أَنا بشاب حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيب الرّيح جَالِسا متربعا فِي حجره كتاب مَكْتُوب بخضرة أحسن مَا رَأَيْت من الخطوط وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فَنظر الشَّاب إِلَيّ فَقَالَ أَقَامَت الْقِيَامَة قلت لَا فَقَالَ أعد المدرة إِلَى موضعهَا فأعدتها إِلَى موضعهَا
29 -
وَفِي تَارِيخ إِبْنِ النجار فِي كتاب تَارِيخ بَغْدَاد قَالَ قَرَأَ كتاب بِخَط بعض الأصبهانيين من طلاب الْعلم لَا أعرف إسمه قَالَ سَمِعت خطلع مولى الراشد بِاللَّه قَالَ قلت لمصعب بن عبد الله الحفار هَل رَأَيْت فِي الْحفر شَيْئا قَالَ لَا وَلَكِن سَمِعت أبي يَقُول حفرت قبرا فَلَمَّا وصلت إِلَى اللَّحْد وَأخذت اللَّبن رَأَيْت تَحْتَهُ رجلا قَاعِدا وَفِي يَدَيْهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ فَقَالَ لي هَل قَامَت الْقِيَامَة فَقلت لَا ثمَّ غطيت عَلَيْهِ
30 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى {فلأنفسهم يمهدون} قَالَ فِي الْقَبْر
31 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن بشر بن الْحَارِث قَالَ نعم الْمنزل الْقَبْر لمن أطَاع الله
32 -
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده والوائلي فِي الْإِبَانَة والعقيلي عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتباهون ويتزاورون فِي قُبُورهم
33 -
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيثه إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه
34 -
قَالَ الْعلمَاء المُرَاد بتحسينه بياضه ونظافته وسبوغه وكثافته لَا كَونه ثمينا لحَدِيث النَّهْي عَن المغالاة فِيهِ
35 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن إِبْنِ سِيرِين قَالَ كَانَ يحب حسن الْكَفَن وَيُقَال إِنَّهُم يتزاورون فِي أكفانهم
36 -
وَأخرج إِبْنِ عدي عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حسنوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم
37 -
وَأخرج الْعقيلِيّ والخطيب فِي التَّارِيخ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه فَإِنَّهُم يتزاورون فِي أكفانهم
38 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه وَمُحَمّد بن يحيى الْهَمدَانِي فِي صَحِيحه وإبن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي قَتَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه فَإِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم
39 -
قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد تَخْرِيجه وَهَذَا لَا يُخَالف قَول أبي بكر الصّديق رضي الله عنه فِي الْكَفَن إِنَّمَا هُوَ للمهملة يَعْنِي الصديد لِأَن ذَلِك كَذَاك فِي
رؤيتنا وَيكون كَمَا شَاءَ الله فِي علم الله كَمَا قَالَ فِي الشُّهَدَاء {أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} وهم كَمَا نراهم يتشحطون فِي الدِّمَاء ثمَّ يتفتتون وَإِنَّمَا يكونُونَ كَذَلِك فِي رؤيتنا وَيَكُونُونَ فِي الْغَيْب كَمَا أخبر الله عَنْهُم وَلَو كَانُوا فِي رؤيتنا كَمَا أخبر الله عَنْهُم لارتفع الْإِيمَان بِالْغَيْبِ
40 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات حَدثنَا الْقَاسِم بن هِشَام قَالَ حَدثنَا يحيى بن صَالح الوحاظي حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي ضَمرَة الْقَاص حَدثنِي رَاشد بن سعد أَن رجلا توفيت إمرأته فَرَأى نسَاء فِي الْمَنَام وَلم ير إمرأته مَعَهُنَّ فسألهن عَنْهَا فَقُلْنَ إِنَّكُم قصرتم فِي كفنها فَهِيَ تَسْتَحي أَن تخرج مَعنا فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأخْبرهُ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنظر هَل إِلَى ثِقَة من سَبِيل فَأتى رجلا من الْأَنْصَار قد حَضرته الْوَفَاة فَأخْبرهُ فَقَالَ الْأنْصَارِيّ إِن كَانَ أحد يبلغ الْمَوْتَى بلغت فَتوفي الْأنْصَارِيّ فَجَاءَهُ بثوبين مصبوغين بالزعفران فجعلهما فِي كفن الْأنْصَارِيّ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رأى النسْوَة ومعهن إمرأته وَعَلَيْهَا الثوبان الأصفران وَهَذَا مُرْسل لَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ فَإِن إِبْنِ أبي ضَمرَة مَقْبُول وَرَاشِد بن سعد ثِقَة كثير الْإِرْسَال
41 -
وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ قَالَ كَانَت إمرأته بقيسارية فَتُوُفِّيَتْ فرأته إبنة لَهَا فِي الْمَنَام فَقَالَت لَهَا يَا بنية كفنتموني بكفن ضيق وَأَنا بَين صواحباتي أستحي مِنْهُنَّ وفلانة تَأْتِينَا يَوْم كَذَا وَكَذَا ولي فِي مَوضِع كَذَا أَرْبَعَة دَنَانِير فاشتروا بهَا كفنا وابعثوا بِهِ مَعهَا قَالَت الْبِنْت وَلم أعلم أَن لَهَا فِي الْموضع الَّذِي ذكرت دَنَانِير قَالَت فَنَظَرت فَإِذا الدَّنَانِير كَمَا ذكرت وَلم يكن بِالْمَرْأَةِ الَّتِي ذكرت بَأْس فَلَمَّا كَانَت بعد اعتلت قَالَ الْفرْيَابِيّ فجاؤوني فَقَالُوا يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول وقصوا عَليّ الْقِصَّة وَذكرت الحَدِيث الَّذِي ورد أَنهم يتزاورون فِي أكفانهم فَقلت إشتروا لَهَا كفنا وَذَهَبت الْبِنْت إِلَى الْمَرْأَة فَقَالَت إِن حدث بك حَادث الْمَوْت فَإِنِّي أبْعث إِلَى أُمِّي بِشَيْء تبلغيه فَمَاتَتْ فِي ذَلِك الْيَوْم الَّذِي ذكرت وَوَضَعُوا الْكَفَن مَعهَا فِي كفنها فرأت الْبِنْت أمهَا فِي الْمَنَام فَقَالَت يَا بنية قد أتتنا فُلَانَة وَوصل إِلَيّ الْكَفَن مَا أحْسنه جَزَاك الله خيرا
42 -
وَأخرج السلَفِي فِي المشيخة البغدادية عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ كَانُوا يستحبون أَن يكون الْكَفَن ملفوفا مزرورا وَقَالَ إِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم
43 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عُمَيْر بن الْأسود السكونِي أَن معَاذ بن جبل أوصى لإمرأته وَخرج فَمَاتَتْ فكفناها فِي ثِيَاب لَهَا خلقان فَقدم وَقد رفعنَا أَيْدِينَا عَن قبرها ساعتئذ فَقَالَ فِي كم كفنتموها قُلْنَا فِي ثِيَابهَا الخلقان فنبشها وكفنها فِي ثِيَاب جدد وَقَالَ أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يحشرون فِيهَا
44 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن الشّعبِيّ قَالَ إِن الْمَيِّت إِذا وضع لحده أَتَاهُ أَهله وَولده فيسألهم عَمَّن خلف بعده كَيفَ فعل فلَان وَمَا فعل فلَان
45 -
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ إِن الرجل ليبشر بصلاح وَلَده فِي قَبره
46 -
وَقَالَ السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى {ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم} الْآيَة يُؤْتى الشَّهِيد بِكِتَاب فِيهِ ذكر من يقدم عَلَيْهِ من إخوانه يبشر بِهِ فيستبشر بِهِ كَمَا يستبشر أهل الْغَائِب بقدومه فِي الدُّنْيَا
47 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ يُقَال لِلْمُؤمنِ فِي قَبره ارقد رقدة الْمُتَّقِينَ
48 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ مَاتَ إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه بِالطَّائِف فَشَهِدت جنَازَته فجَاء طَائِر أَبيض لم ير على خلقته فَدخل فِي نعشه ثمَّ لم ير خَارِجا مِنْهُ فَلَمَّا دفن تليت هَذِه الْآيَة على شَفير الْقَبْر لم يدر من تَلَاهَا {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك} الْآيَة
49 -
وَأخرج نَحوه عَن عِكْرِمَة وَأبي الزبير وَلَفظه جَاءَ طَائِر من السَّمَاء أَبيض فَدخل فِي أَكْفَانه فَمَا رُؤِيَ بعد فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه عمله
وَأخرج مُجَاهِد وَعبد الله بن يَامِين وبحر بن عبيد وَلَفظه طَائِر أَبيض عَظِيم من قبل وَج وَعَن غيلَان بن عمر وَمَيْمُون بن مهْرَان وَلَفظه فالتمس فَلم يُوجد فَلَمَّا سوي
عَلَيْهِ سمعنَا صَوتا نسْمع صَوته وَلَا نرى شخصه {يَا أيتها النَّفس} إِلَى آخر الْآيَة
50 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر أَيْضا من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قلت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُك تناجي دحْيَة الْكَلْبِيّ فَكرِهت أَن أقطع مناجاتكما قَالَ وَقد رَأَيْته قلت نعم قَالَ هُوَ جِبْرِيل أما إِنَّه سيذهب بَصرك وَيَردهُ الله عَلَيْك فِي موتك قَالَ فَلَمَّا قبض إِبْنِ عَبَّاس وَوضع على سَرِيره جَاءَ طَائِر شَدِيد الوضح فَدخل فِي أَكْفَانه فلمسوه فَقَالَ عِكْرِمَة مَا تَصْنَعُونَ هَذَا بشرى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا وضع فِي لحده تلقي بِكَلِمَة سَمعهَا من كَانَ على شَفير الْقَبْر {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} إِلَى قَوْله {جنتي}
51 -
وَأخرج نَحوه من طَرِيق الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه وَفِي آخِره كُنَّا نتحدث أَنه رد على عبد الله بن عَبَّاس بَصَره حِين مَاتَ
52 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وإبن أبي شيبَة وإبن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَنه قَالَ عِنْد مَوته إبتاعوا لي ثَوْبَيْنِ وَلَا عَلَيْكُم أَن لَا تغَالوا فَإِن يصب صَاحبكُم خيرا يكسى خيرا مِنْهُمَا وَإِلَّا سلبهما سلبا سَرِيعا
53 -
وَأخرج إِبْنِ سعد وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَنهُ أَنه قَالَ عِنْد مَوته إشتروا لي ثَوْبَيْنِ أبيضين فَإِنَّهُمَا لن يتركا عَليّ إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أبدل بهما خيرا مِنْهُمَا أَو شرا مِنْهُمَا
54 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن رَاشد أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ فِي وَصيته إقتصدوا فِي كفني فَإِنَّهُ إِن كَانَ لي عِنْد الله خير بدلني مَا هُوَ خير مِنْهُ وَإِن كنت على غير ذَلِك سلبني وأسرع سَلبِي واقتصدوا فِي حفرتي فَإِنَّهُ إِن كَانَ لي عِنْد الله خير وسع فِي قَبْرِي مد بَصرِي وَإِن كنت على غير ذَلِك ضيقها عَليّ حَتَّى تخْتَلف أضلاعي
55 -
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عبَادَة بن نسي قَالَ لما حضرت أَبَا بكر رضي الله عنه الْوَفَاة قَالَ لعَائِشَة رضي الله عنها إغسلي ثوبي هذَيْن وكفنيني بهما فَإِنَّمَا أَبوك أحد رجلَيْنِ إِمَّا مكسوا أحسن الْكسْوَة وَإِمَّا مسلوبا أَسْوَأ السَّلب
56 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عديسة بنت أهبان الْغِفَارِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَت أَوْصَانِي أبي أَن لَا نكفنه فِي قَمِيص قَالَت لما أَصْبَحْنَا من الْغَد من يَوْم دفناه إِذا نَحن بالقميص الَّذِي كفناه فِيهِ على المشجب
57 -
وَأخرج أَبُو بكر البرقي فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن أبي عَمْرو البسملي عَن إبنة أهبان قَالَت لما ثقل أهبان أَمر أَهله أَن يكفنوه وَلَا يلبسوه قَمِيصًا قَالَت فألبسناه فأصبحنا والقميص على المشجب
58 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عديسة بنت أهبان قَالَت حِين حضرت أبي الْوَفَاة قَالَ لَا تكفنوني فِي ثوب مخيط فَحَيْثُ قبض وَغسل أرْسلُوا إِلَيّ أَن أرْسلُوا بالكفن فَأرْسلت إِلَيْهِم بالكفن قَالُوا قَمِيص قلت إِن أبي قد نهاني أَن أكَفنهُ فِي قَمِيص مخيط قَالَت فَأرْسلت إِلَى الْقصار وَلأبي قَمِيص فِي الْقصار فَأتي بِهِ فألبس وَذهب بِهِ فأغلقت بَابي وتبعته وَرجعت والقميص فِي الْبَيْت فَأرْسلت إِلَى الَّذين غسلوا أبي فَقلت كفنتموه فِي قَمِيص قَالُوا نعم قلت هُوَ هَذَا قَالُوا نعم
59 -
وَأخرج إِبْنِ النجار فِي تَارِيخه عَن خلق البرقاني أَن رجلا مَاتَ فَأخْرج لَهُ كفن من بَيت الأكفان قَالَ ففضل عَن مِقْدَاره فَقطعت مَا فضل فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لي بخلت عَليّ ولي الله بطول الْكَفَن قد رددنا عَلَيْك كفنك بكفنين من الْجنَّة فَقُمْت فَزعًا إِلَى بَيت الأكفان فَإِذا الْكَفَن فِيهِ مطروح
60 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُسلم الجندي قَالَ قَالَ طَاوُوس لإبنه إِذا قبرتني فَانْظُر فِي قَبْرِي فَإِن لم تجدني فاحمد الله وَإِن وجدتني فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَأخْبر وَلَده أَنه نظر فَلم يجد شَيْئا ورؤي فِي وَجهه السرُور
61 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور وَأَبُو بكر بن الْمقري فِي فَوَائده عَن
حَمَّاد بن زيد قَالَ حَدثنِي رجل من الطفاوة قد سَمَّاهُ قَالَ دفنا مَيتا وَلَفظ إِبْنِ الْمقري فَذَهَبت لأعالج شَيْئا من قَبره فَلم أره فِي قَبره
62 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ جهز عمر بن الْخطاب رضي الله عنه جَيْشًا وَاسْتعْمل عَلَيْهِم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَكنت فِي غزاته فَلَمَّا رَجعْنَا مَاتَ فِي الطَّرِيق فدفناه فَأتى رجل بعد فراغنا من دَفنه فَقَالَ من هَذَا فَقُلْنَا هَذَا من خير الْبشر هَذَا إِبْنِ الْحَضْرَمِيّ فَقَالَ إِن هَذِه الأَرْض تلفظ الْمَوْتَى فَلَو نقلتموه إِلَى ميل أَو ميلين إِلَى أَرض تقبل الْمَوْتَى فنبشناه فَلَمَّا وصلنا إِلَى اللَّحْد إِذا صاحبنا لَيْسَ فِيهِ وَإِذا اللَّحْد مد الْبَصَر نور يتلألأ فأعدنا التُّرَاب إِلَى الْقَبْر ثمَّ إرتحلنا ووردت هَذِه الْقِصَّة أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أخرجهَا أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَلَفظه فَمَاتَ فدفناه فِي الرمل ثمَّ قُلْنَا يَجِيء سبع فيأكله فَحَفَرْنَا فَلم نره
وَفِي الْجُزْء الأول من فَوَائِد أبي الْحسن بن بَشرَان بِسَنَدِهِ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ كَانَت إمرأة بِمَكَّة تسبح كل يَوْم إثني عشر ألف تَسْبِيحَة فَمَاتَتْ فَلَمَّا بلغ بهَا الْقَبْر أخذت من أَيدي الرِّجَال
63 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن رجل من أهل جرجان قَالَ لما مَاتَ كرز بن وبرة الْجِرْجَانِيّ رأى رجل فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن أهل الْقُبُور جُلُوس على قُبُورهم وَعَلَيْهِم ثِيَاب جدد فَقيل لَهُم مَا هَذَا فَقيل أهل الْقُبُور كسوا ثيابًا جددا لقدوم كرز عَلَيْهِم
64 -
وَأخرج إِبْنِ إبي الدُّنْيَا فِي كتاب الرقة والبكاء عَن مِسْكين بن بكير أَن ورادا الْعجلِيّ لما مَاتَ فَحمل إِلَى حفرته نزلُوا ليدلوه فِي حفرته فَإِذا اللَّحْد مفروش بالريحان فَأخذ بَعضهم من ذَلِك الريحان فَمَكثَ سبعين يَوْمًا طريا لَا يتَغَيَّر يَغْدُو النَّاس وَيَرُوحُونَ ينظرُونَ إِلَيْهِ فَأكْثر النَّاس فِي ذَلِك فَأَخذه الْأَمِير وَفرق النَّاس خشيَة الْفِتْنَة فَفَقدهُ الْأَمِير من منزله لَا يدْرِي كَيفَ ذهب
65 -
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب عَن مُحَمَّد بن مخلد الدوري الْحَافِظ قَالَ مَاتَت أُمِّي فَنزلت ألحدها فانفرجت لي فُرْجَة عَن قبر بلزقها فَإِذا رجل عَلَيْهِ أكفان جدد وعَلى صَدره طَاقَة ياسمين طرية فأخذتها فشممتها فَإِذا هِيَ أزكى من الْمسك وشمها جمَاعَة كَانُوا معي ثمَّ رَددتهَا إِلَى موضعهَا وسددت الفرجة
66 -
وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ من طَرِيق جَعْفَر السراج عَن بعض شُيُوخه قَالَ كشف قبر بِقرب الإِمَام أَحْمد وإذاعلى صدر الْمَيِّت رَيْحَانَة تهتز
67 -
وَذكر فِي تَارِيخه أَن فِي سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة إنفرج تل بِالْبَصْرَةِ عَن سَبْعَة أقبر فِي مثل الْحَوْض وفيهَا سَبْعَة أنفس أبدانهم صَحِيحَة وأكفانهم يفوح مِنْهَا رَائِحَة الْمسك أحدهم شَاب لَهُ جمة وعَلى شَفَتَيْه بَلل كَأَنَّهُ شرب مَاء وَكَأن عَيْنَيْهِ مكتحلتان وَبِه ضَرْبَة فِي خاصرته فَأَرَادَ بعض من حضر أَن يَأْخُذ من شعره شَيْئا فَإِذا هُوَ قوي كشعر الْحَيّ
68 -
وَأخرج إِبْنِ سعد فِي الطَّبَقَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كنت مِمَّن حفر لسعد بن معَاذ قَبره بِالبَقِيعِ وَكَانَ يفوح علينا الْمسك كلما حفرنا من قَبره تُرَابا حَتَّى إنتهينا إِلَى اللَّحْد
69 -
وَأخرج إِبْنِ سعد عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالَ أَخذ إِنْسَان قَبْضَة من تُرَاب قبر سعد فَذهب بهَا ثمَّ نظر إِلَيْهَا بعد ذَلِك فَإِذا هِيَ مسك
70 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن الْمُغيرَة بن حبيب أَن رجلا رُؤِيَ فِي مَنَامه فَقيل لَهُ مَا هَذِه رَوَائِح الْمسك الَّتِي تُوجد فِي قبرك قَالَ تِلْكَ رَوَائِح التِّلَاوَة والظمأ
71 -
وَأخرج الإِمَام أَحْمد بن جَابر بن عبد الله قَالَ قدم أَعْرَابِي وَنحن مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مسير فَقَالَ أعرض عَليّ الْإِسْلَام الحَدِيث وَفِيه فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ وَقع عَن بعيره على هامته فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الَّذِي تَعب قَلِيلا وَنعم طَويلا أَحسب أَنه مَاتَ جائعا إِنِّي رَأَيْت زوجتيه من الْحور الْعين وهما يدسان فِي فِيهِ من ثمار الْجنَّة
72 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت جعفرا يطير فِي الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة
73 -
وَأخرج الْحَاكِم عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الْجنَّة البارحة فَنَظَرت فِيهَا فَإِذا جَعْفَر يطير مَعَ الْمَلَائِكَة وَإِذا حَمْزَة متكىء على سَرِير وَذكر نَاسا من أَصْحَابه
74 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَنه نزل إِلَى جَانب قُبُور قد درست فَإِذا جمجمة بادية فَأمر رجلا فواراها ثمَّ قَالَ إِن هَذِه الْأَبدَان لَيْسَ يَضرهَا هَذَا الثرى شَيْئا وَإِنَّمَا الْأَرْوَاح الَّتِي تعاقب وتثاب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
75 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء عَن صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت كنت عِنْد أَسمَاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حِين صلب الْحجَّاج إبنها عبد الله بن الزبير فَأَتَاهَا إِبْنِ عمر يعزيها فِيهِ فَقَالَ يَا هَذِه إتقي الله واصبري فَإِن هَذِه الجثة لَيست بِشَيْء وَإِنَّمَا الْأَرْوَاح عِنْد الله قَالَت وَمَا يَمْنعنِي من الصَّبْر وَقد أهدي رَأس يحيى بن زَكَرِيَّا عليه السلام إِلَى بغي من بَغَايَا بني إِسْرَائِيل
76 -
وَأخرج إِبْنِ سعد عَن خَالِد بن معدان قَالَ لما انْهَزَمت الرّوم يَوْم أجنادين إنتهوا إِلَى مَوضِع لَا يعبره إِلَّا إِنْسَان إِنْسَان فَجعلت الرّوم تقَاتل عَلَيْهِ فَتقدم هِشَام بن الْعَاصِ فَقَاتلهُمْ حَتَّى قتل وَوَقع على تِلْكَ الثلمة فسدها فَلَمَّا إنتهى الْمُسلمُونَ إِلَيْهَا هابوا أَن يوطئوها الْخَيل فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن الله قد إستشهده وَرفع روحه وَإِنَّمَا هُوَ جثة فأوطئوها الْخَيل ثمَّ أوطأ هُوَ وَتَبعهُ النَّاس حَتَّى قطعوه
77 -
قَالَ إِبْنِ رَجَب هَذِه الْآثَار لَا تدل على أَن الْأَرْوَاح لَا تتصل بالأبدان بعد الْمَوْت إِنَّمَا تدل على أَن الأجساد لَا تتضرر بِمَا ينالها من عَذَاب النَّاس لَهَا وَمن أكل التُّرَاب لَهَا فَإِن عَذَاب الْقَبْر لَيْسَ من جنس عَذَاب الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُوَ نوع آخر يصل إِلَى الْمَيِّت بِمَشِيئَة الله وَقدرته
37 -
بَاب فضل الشَّهِيد
1 -
أخرج إِبْنِ مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تَجف الأَرْض من دم الشَّهِيد حَتَّى تبتدره زوجتاه كَأَنَّهُمَا ظئران أضلتا فصيليهما فِي براح من الأَرْض وَفِي يَد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حلَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
الظِّئْر الْمُرْضع
2 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن يزِيد بن شَجَرَة رضي الله عنه قَالَ أول قَطْرَة من دم الشَّهِيد تكفر عَنهُ كل شَيْء عمله وتنزل إِلَيْهِ زوجتان من الْحور الْعين تمسحان التُّرَاب عَن وَجهه ثمَّ يكسى مائَة حلَّة لَيست من نسج بني آدم وَلَكِن من نبت الْجنَّة لَو وضعت بَين أصبعين لوسعن
3 -
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن رجلا أسود أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن أَنا قَاتَلت حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا قَالَ فِي الْجنَّة فقاتل حَتَّى قتل فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قد بيض الله وَجهك وَطيب رِيحك وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور الْعين نازعته جُبَّة لَهُ من صوف تدخل بَينه وَبَين جبته
4 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَن أَعْرَابِيًا إستشهد مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقعدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد رَأسه مَسْرُورا يضْحك ثمَّ أعرض عَنهُ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أما سروري فَلَمَّا رَأَيْت من كَرَامَة روحه على الله وَإِمَّا إعراضي عَنهُ فَإِن زَوجته من الْحور الْعين الْآن عِنْد رَأسه
5 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْدَوَيْه التَّمِيمِي قَالَ سَمِعت قَاسم بن عُثْمَان بن الجوعي قَالَ رَأَيْت فِي الطّواف حول الْبَيْت رجلا فتقدمت مِنْهُ فَإِذا هُوَ لَا يزِيد على قَوْله اللَّهُمَّ قضيت حَاجَة المحتاجين وحاجتي لم تقض فَقلت لَهُ مَا لَك لَا تزيد على هَذَا الْكَلَام فَقَالَ أحَدثك كُنَّا سَبْعَة رُفَقَاء من بلدان شَتَّى غزونا أَرض الْعَدو فاستأسرونا كلنا فاعتزل بِنَا لتضرب أعناقنا فَنَظَرت إِلَى السَّمَاء فَإِذا سَبْعَة أَبْوَاب مفتحة عَلَيْهَا سبع جوَار من الْحور الْعين على كل بَاب جَارِيَة فَتقدم رجل منا فَضربت عُنُقه فَرَأَيْت جَارِيَة فِي يَدهَا منديل قد هَبَطت إِلَى الأَرْض حَتَّى ضربت أَعْنَاق سِتَّة وَبقيت أَنا وَبَقِي بَاب وَجَارِيَة فَلَمَّا قدمت لتضرب عنقِي إستوهبني بعض رِجَاله فوهبني لَهُ فسمعتها تَقول أَي شَيْء فاتك يَا محرون وأغلقت الْبَاب وَأَنا يَا أخي متحسر على مَا فَاتَنِي قَالَ قَاسم بن عُثْمَان أرَاهُ أفضلهم لِأَنَّهُ رأى مَا لم يرَوا وَترك يعْمل على الشوق
38 -
بَاب زِيَارَة الْقُبُور وَعلم الْمَوْتَى بزوارهم ورؤيتهم لَهُم
1 -
أخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من رجل يزور قبر أَخِيه وَيجْلس عِنْده إِلَّا إستأنس ورد عَلَيْهِ حَتَّى يقوم
2 -
وَأخرج أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ إِذا مر الرجل بِقَبْر يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عليه السلام وعرفه وَإِذا مر بِقَبْر لَا يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عليه السلام
3 -
وَأخرج إِبْنِ عبد الْبر فِي الإستذكار والتمهيد عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عليه السلام صَححهُ عبد الْحق
4 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من عبد يمر على قبر رجل يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عليه السلام
5 -
وَأخرج الْعقيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول الله إِن طريقي على الْمَوْتَى فَهَل من كَلَام أَتكَلّم بِهِ إِذا مَرَرْت عَلَيْهِم قَالَ قل السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول الله يسمعُونَ قَالَ يسمعُونَ وَلَكِن لَا يستطيون أَن يجيبوا قَالَ يَا أَبَا رزين أَلا ترْضى أَن يرد عَلَيْك بعددهم من الْمَلَائِكَة
قَوْله لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يجيبوا أَي جَوَابا يسمعهُ الْجِنّ وَالْإِنْس فهم يردون حَيْثُ لَا يسمع
6 -
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَدخل الْبَيْت فأضع ثوبي وَأَقُول إِنَّمَا هُوَ أبي وَزَوْجي فَلَمَّا دفن عمر مَعَهُمَا مَا دَخلته إِلَّا وَأَنا مشدودة عَليّ ثِيَابِي حَيَاء من عمر رَضِي الله
7 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن إِبْنِ عمر قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على
قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد الله فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
8 -
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه وقف على قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد الله فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي الْأَرْبَعين الطائية رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ آنس مَا يكون الْمَيِّت فِي قَبره إِذا زَارَهُ من كَانَ يُحِبهُ فِي دَار الدُّنْيَا
9 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُحَمَّد بن وَاسع قَالَ بَلغنِي أَن الْمَوْتَى يعلمُونَ بزوارهم يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْما قبله وَيَوْما بعده
10 -
وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن الضَّحَّاك قَالَ من زار قبرا يَوْم السبت قبل طُلُوع الشَّمْس علم الْمَيِّت بزيارته قيل لَهُ وَكَيف ذَلِك قَالَ لمَكَان يَوْم الْجُمُعَة تَنْبِيه
11 -
قَالَ السُّبْكِيّ عود الرّوح إِلَى الْجَسَد فِي الْقَبْر ثَابت فِي الصَّحِيح لسَائِر الْمَوْتَى فضلا عَن الشُّهَدَاء وَإِنَّمَا النّظر فِي إستمرارها فِي الْبدن وَفِي أَن الْبدن يصير حَيا بهَا كحالته فِي الدُّنْيَا أَو حَيا بِدُونِهَا وَهِي حَيْثُ شَاءَ الله فَإِن مُلَازمَة الْحَيَاة للروح أَمر عَقْلِي فَهَذَا أَي أَن الْبدن يصير بهَا حَيا كحالته فِي الدُّنْيَا مِمَّا يجوزه الْعقل فَإِن صَحَّ بِهِ سمع اتبع وَقد ذكره جمَاعَة من الْعلمَاء وَتشهد لَهُ صَلَاة مُوسَى عليه السلام فِي قَبره فَإِن الصَّلَاة تستدعي جسدا حَيا وَكَذَلِكَ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْأَنْبِيَاء لَيْلَة الْإِسْرَاء كلهَا صِفَات الْأَجْسَام وَلَا يلْزم من كَونهَا حَيَّاهُ حَقِيقَة أَن تكون الْأَبدَان مَعهَا كَمَا كَانَت فِي الدُّنْيَا من الإحتياج إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب وَغير ذَلِك من صِفَات الْأَجْسَام الَّتِي نشاهدها بل يكون لَهَا حكم آخر وَأما الإدراكات كَالْعلمِ وَالسَّمَاع فَلَا شكّ أَن ذَلِك ثَابت لَهُم ولسائر الْمَوْتَى
12 -
وَقَالَ غَيره أختلف فِي حَيَاة الشُّهَدَاء هَل هِيَ للروح فَقَط أَو للجسد مَعهَا بِمَعْنى عدم البلى لَهُ على قَوْلَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الإعتقاد إِن
الْأَنْبِيَاء بعد مَا قبضوا ردَّتْ إِلَيْهِم أَرْوَاحهم فهم أَحيَاء عِنْد رَبهم كالشهداء
13 -
وَقَالَ إِبْنِ الْقيم فِي مَسْأَلَة تزاور الْأَرْوَاح وتلاقيها الْأَرْوَاح قِسْمَانِ منعمة ومعذبة فَأَما المعذبة فَهِيَ فِي شغل عَن التزاور والتلاقي وَأما المنعمة الْمُرْسلَة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَمَا يكون من أهل الدُّنْيَا فَتكون كل روح مَعَ رفيقها الَّذِي هُوَ على مثل عَملهَا وروح نَبينَا صلى الله عليه وسلم فِي الرفيق الْأَعْلَى قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَهَذِه الْمَعِيَّة ثَابِتَة فِي الدُّنْيَا وَفِي دَار البرزخ وَفِي دَار الْجَزَاء والمرء مَعَ من أحب فِي هَذِه الدّور الثَّلَاثَة إنتهى
14 -
وَقَالَهُ شيدله فِي كتاب الْبُرْهَان فِي عُلُوم الْقُرْآن فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} فَكيف يكونُونَ أَمْوَاتًا أَحيَاء قُلْنَا يجوز أَن يحييهم الله فِي قُبُورهم وأرواحهم تكون فِي جُزْء من أبدانهم يحس جَمِيع بدنه بالنعيم واللذة لأجل ذَلِك الْجُزْء كَمَا يحس جَمِيع بدن الْحَيّ فِي الدُّنْيَا ببرودة أَو حرارة تكون فِي جُزْء من أَجزَاء بدنه
15 -
وَقيل إِن المُرَاد أَن أجسامهم لَا تبلى فِي قُبُورهم وَلَا تَنْقَطِع أوصالهم فهم كالأحياء فِي قُبُورهم
16 -
وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره عِنْد هَذِه الْآيَة إختلف النَّاس فِي هَذِه الْحَيَاة فَقَالَ قوم مَعْنَاهَا بَقَاء أَرْوَاحهم دون أَجْسَادهم لأَنا نشاهد فَسَادهَا وفناءها وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الشَّهِيد حَيّ الْجَسَد وَالروح وَلَا يقْدَح فِي ذَلِك عدم شعورنا بِهِ فَنحْن نراهم على ضفة الْأَمْوَات وهم أَحيَاء كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب} وكما يرى النَّائِم على هَيْئَة وَهُوَ يرى فِي مَنَامه مَا يتنعم بِهِ أَو يتألم قلت وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون} فنبه بقوله ذَلِك خطابا للْمُؤْمِنين على أَنهم لَا يدركون هَذِه الْحَيَاة بِالْمُشَاهَدَةِ والحس وَبِهَذَا يتَمَيَّز الشَّهِيد عَن غَيره وَلَو كَانَ المُرَاد حَيَاة الرّوح فَقَط
لم يحصل لَهُ تميز عَن غَيره لمشاركة سَائِر الْأَمْوَات لَهُ فِي ذَلِك ولعلم الْمُؤمنِينَ بأسرهم حَيَاة كل الْأَرْوَاح فَلم يكن لقَوْله {وَلَكِن لَا تشعرون} معنى وَقد يكْشف الله لبَعض أوليائه فيشاهد ذَلِك
17 -
نقل السُّهيْلي فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن بعض الصَّحَابَة أَنه حفر فِي مَكَان فانفتحت طَاقَة فَإِذا شخص على سَرِير وَبَين يَدَيْهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ وأمامه رَوْضَة خضراء وَذَلِكَ بِأحد وَعلم أَنه من الشُّهَدَاء لِأَنَّهُ رأى فِي صفحة وَجهه جرحا وَأورد ذَلِك أَيْضا أَبُو حَيَّان
18 -
وَيُشبه هَذَا مَا حَكَاهُ اليافعي فِي روض الرياحين عَن بعض الصَّالِحين قَالَ حفرت قبرا لرجل من الْعباد وألحدته فَبينا أَنا أسوي اللَّحْد إِذْ سَقَطت لبنة من لحد قبر يَلِيهِ فَنَظَرت فَإِذا بشيخ جَالس فِي الْقَبْر عَلَيْهِ ثِيَاب بيض تقَعْقع وَفِي حجره مصحف من ذهب مَكْتُوب بِالذَّهَب وَهُوَ يقْرَأ فِيهِ فَرفع رَأسه إِلَيّ وَقَالَ لي أَقَامَت الْقِيَامَة رَحِمك الله قلت لَا فَقَالَ رد اللبنة إِلَى موضعهَا عافاك الله فرددتها
19 -
وَقَالَ اليافعي أَيْضا روينَا عَمَّن حفر الْقُبُور من الثِّقَات أَنه حفر قبرا فَأَشْرَف فِيهِ على إِنْسَان جَالس على سَرِير وَبِيَدِهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ وَتَحْته نهر يجْرِي فَغشيَ عَلَيْهِ وَأخرج من الْقَبْر وَلم يدروا مَا أَصَابَهُ فَلم يفق إِلَّا فِي الْيَوْم الثَّالِث
20 -
وَحكي أَيْضا عَن الشَّيْخ نجم الدّين الْأَصْبَهَانِيّ أَنه حضر رجلا يدْفن فَقعدَ الملقن يلقنه فَسمع الْمَيِّت وَهُوَ يَقُول أَلا تعْجبُونَ من ميت يلقن حَيا
21 -
وَقَالَ إِبْنِ رَجَب روينَا من طَرِيق مُرَاد بن جميل قَالَ قَالَ أَبُو الْمُغيرَة مَا رَأَيْت مثل الْمعَافى بن عمرَان وَذكر من فَضله قَالَ حَدثنِي بعض إخْوَانِي أَن غانما جَاءَ الْمعَافى بن عمرَان بعد مَا دفن فَسَمعهُ وَهُوَ يلقن فِي قَبره وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَيَقُول الْمعَافى لَا إِلَه إِلَّا الله
22 -
وَحكى اليافعي عَن الْمُحب الطَّبَرِيّ أحد أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَهُوَ شَارِح التَّنْبِيه أَنه كَانَ مَعَ الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ بمقبرة زبيد قَالَ الْمُحب فَقَالَ لي يَا محب الدّين أتؤمن بِكَلَام الْمَوْتَى قلت نعم قَالَ إِن صَاحب هَذَا الْقَبْر يَقُول لي أَنا من حَشْو الْجنَّة
23 -
وَحكي أَيْضا عَن الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور أَنه مر على بعض مَقَابِر الْيمن فَبكى بكاء شَدِيدا وعلاه حزن ثمَّ ضحك ضحكا شَدِيدا وعلاه سرُور فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كشف لي عَن هَذِه الْمقْبرَة فرأيتهم يُعَذبُونَ فَبَكَيْت ثمَّ تضرعت إِلَى الله تَعَالَى فيهم فَقيل لي قد شفعناك فيهم فَقَالَت صَاحِبَة هَذَا الْقَبْر وَأَنا مَعَهم يَا فَقِيه إِسْمَاعِيل أَنا فُلَانَة الْمُغنيَة فَقلت وَأَنت مَعَهم فَلذَلِك ضحِكت
24 -
وَحكى الشَّيْخ عبد الْغفار فِي التَّوْحِيد قَالَ أَخْبرنِي القَاضِي بهاء الدّين بن الصاحب شرف الدّين الغاثري أَن الشَّيْخ أَمِين الدّين جِبْرِيل مَاتَ مَعَهم فِي الطَّرِيق قبل دُخُول الْقَاهِرَة قَالَ فَلَمَّا وصلنا عِنْد الْبَاب وهم يمْنَعُونَ الْمَيِّت أَن يدْخل الْمَدِينَة رفع الشَّيْخ أُصْبُعه وَيَده فَدَخَلْنَا
25 -
وَحكى أَيْضا قَالَ حَدثنِي فَقير عَن شخص أَنه أَرَادَ أَن يفعل الْفَاحِشَة مَعَ شَاب فِي تربة بالقرافة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الشَّاب وَالله لَا عصيت الله هَا هُنَا أبدا لِأَنِّي كنت مرّة فعلت ذَلِك فانشق الْقَبْر وَقَالَ الْمَيِّت أما تستحيون من الله تَعَالَى
26 -
وَحكى أَيْضا قَالَ حكى لي زين الدّين البوشي عَن الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن النويري أَنه لما كَانَ فِي المنصورة وأسروا الْمُسلمين وَكَانَ الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن النويري يقْرَأ الْقُرْآن فَتلا {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَلَمَّا قتل الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن حضر أحد الفرنج وَفِي يَده حَرْبَة فلكزه بهَا وَقَالَ يَا قسيس الْمُسلمين أَنْت تَقول قَالَ ربكُم إِنَّكُم أَحيَاء ترزقون أَيْن هُوَ فَرفع الْفَقِيه رَأسه قَالَ حَيّ وَرب الْكَعْبَة مرَّتَيْنِ فَنزل الفرنجي عَن فرسه وَجعل يقبل وَجهه وَأمر غُلَامه بِحمْلِهِ مَعَه إِلَى بَلَده
27 -
وَفِي الرسَالَة للقشيري بِسَنَدِهِ عَن الشَّيْخ أبي سعيد الخراز قَالَ كنت بِمَكَّة فَرَأَيْت بِبَاب بني شيبَة شَابًّا مَيتا فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ تَبَسم فِي وَجْهي وَقَالَ لي يَا أَبَا سعيد أما علمت أَن الأحباء أَحيَاء وَإِن مَاتُوا وَإِنَّمَا ينقلون من دَار إِلَى دَار
28 -
وفيهَا عَن الشَّيْخ أبي عَليّ الرُّوذَبَارِي أَنه ألحد فَقِيرا فَلَمَّا فتح رَأس كَفنه وَوَضعه على التُّرَاب ليرحم الله غربته قَالَ فَفتح لي عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي يَا أَبَا عَليّ لَا تذللني بَين يَدي من يدللني فَقلت يَا سَيِّدي أحياة بعد الْمَوْت فَقَالَ لي بل أَنا حَيّ وكل محب لله حَيّ لأنصرنك بجاهي غَدا
29 -
وفيهَا عَن بَعضهم أَنه كَانَ نباش فَتُوُفِّيَتْ إمرأة فصلى النَّاس عَلَيْهَا وَصلى عَلَيْهَا هَذَا النباش أَيْضا ليعرف الْقَبْر فَلَمَّا جن اللَّيْل نبش قبرها فَقَالَت سُبْحَانَ الله رجل مغْفُور يَأْخُذ كفن مغْفُور لَهَا قَالَ فَقلت إِنَّه غفر لَك فَأَنا مغْفُور فَقَالَت إِن الله غفر لي وَلِجَمِيعِ من صلى عَليّ وَأَنت قد صليت عَليّ فَتَركهَا ورد التُّرَاب ثمَّ تَابَ وَحسنت تَوْبَته
30 -
وفيهَا بِسَنَدِهِ عَن إِبْرَاهِيم بن شَيبَان قَالَ صحبني شَاب حسن الْإِرَادَة فَمَاتَ فاشتغل قلبِي بِهِ وتوليت غسله فَبَدَأت بِشمَالِهِ من الدهشة فَأَخذهَا مني ثمَّ ناولني يَمِينه فَقلت صدقت يَا بني أَنا غَلطت
31 -
وفيهَا بِسَنَدِهِ عَن أبي يَعْقُوب السُّوسِي قَالَ غسلت مرِيدا فَأمْسك إبهامي وَهُوَ على المغتسل فَقلت يَا بني خل يَدي فَإِنِّي أَدْرِي أَنَّك لست بميت وَإِنَّمَا هِيَ نقلة فخلى عَن يَدي
32 -
وفيهَا عَنهُ أَيْضا قَالَ جَاءَنِي مُرِيد بِمَكَّة فَقَالَ يَا أستاذ غَدا أَمُوت وَقت الظّهْر فَخذ هَذَا الدِّينَار فاحفر لي بِنصفِهِ وكفني بِالنِّصْفِ الآخر فَلَمَّا كَانَ الْغَد وَجَاء وَقت الظّهْر جَاءَ وَطَاف ثمَّ تبَاعد وَمَات فَلَمَّا وَضعته فِي اللَّحْد فتح عَيْنَيْهِ فَقلت أحياة بعد الْمَوْت فَقَالَ أَنا محب وكل محب لله حَيّ
33 -
وَقَالَ الْقشيرِي سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق يَقُول مر أَبُو عَمْرو البيكندي يَوْمًا بِمَكَّة فَرَأى قوما أَرَادوا إِخْرَاج شَاب لفساده وإمه تبْكي فتشفع إِلَيْهِم فَقَالَ هبوه مني هَذِه الْمرة فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام رأى أمه فَسَأَلَهَا عَن حَاله فَقَالَت إِنَّه قد مَاتَ وأوصاني أَن لَا تُخْبِرِي الْجِيرَان بموتي لِئَلَّا يشمتوا بِي فَإِذا دفنتني فتشفعي لي إِلَى رَبِّي قَالَت فَفعلت فَلَمَّا انصرفت عَن رَأس قَبره سَمِعت صَوته يَقُول إنصرفي يَا أُمَّاهُ فقد قدمت على رب كريم
34 -
وَقَالَ اليافعي فِي كِفَايَة المعتقد أخبرنَا بعض الأخيار عَن بعض الصَّالِحين أَنه كَانَ يَأْتِي قبر وَالِده فِي بعض الْأَوْقَات ويتحدث مَعَه
35 -
وَقَالَ وَمن الْمَشْهُور أَن الْفَقِيه الْكَبِير الْوَلِيّ الشهير أَحْمد بن مُوسَى بن عجيل سَمعه بعض الْفُقَهَاء الصَّالِحين من قرائه يقْرَأ سُورَة النُّور فِي قَبره
36 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور بِسَنَد فِيهِ مُبْهَم عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه مر بِالبَقِيعِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور أَخْبَار مَا
عندنَا أَن نساءكم قد تَزَوَّجن ودياركم قد سكنت وَأَمْوَالكُمْ قد فرقت فَأَجَابَهُ هَاتِف يَا عمر بن الْخطاب أَخْبَار مَا عندنَا أَن مَا قدمْنَاهُ فقد وَجَدْنَاهُ وَمَا أنفقناه فقد ربحناه وَمَا خلفناه فقد خسرناه
37 -
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور وَالْبَيْهَقِيّ وإبن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق بِسَنَد فِيهِ من يجهل عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ دَخَلنَا مَقَابِر الْمَدِينَة مَعَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه فَنَادَى يَا أهل الْقُبُور السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تخبرونا بأخباركم أم تُرِيدُونَ أَن نخبركم قَالَ فسمعنا صَوتا من دَاخل الْقَبْر يَقُول وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خبرنَا عَمَّا كَانَ بَعدنَا فَقَالَ عَليّ أما أزواجكم فقد تَزَوَّجن وَأما أَمْوَالكُم فقد إقتسمت وَأَوْلَادكُمْ فقد حشروا فِي زمرة الْيَتَامَى وَالْبناء الَّذِي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم فَهَذِهِ أَخْبَار مَا عندنَا فَمَا أَخْبَار مَا عنْدكُمْ فَأَجَابَهُ ميت قد تخرقت الأكفان وإنتثرت الشُّعُور وتقطعت الْجُلُود وسالت الأحداق على الخدود وسالت المناخر بالقيح والصديد وَمَا قدمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ وَمَا خلفناه خسرناه وَنحن مرتهنون بِالْأَعْمَالِ
38 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن يُونُس بن أبي الْفُرَات قَالَ حفر رجل قبرا فَقعدَ يستظل فِيهِ من الشَّمْس فَجَاءَت ريح بَارِدَة فأصابت ظَهره فَنظر فَإِذا ثقب صَغِير فوسعه بإصبعه فَإِذا قبر فَنظر فِيهِ مد الْبَصَر وَإِذا بشيخ مخضوب كَأَنَّمَا رفعت المواشط أيديها عَنهُ
39 -
وَأخرج إِبْنِ جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن العطاف بن خَالِد قَالَ حَدَّثتنِي خَالَتِي قَالَت ركبت يَوْمًا إِلَى قُبُور الشُّهَدَاء وَكَانَت لَا تزَال تأتيهم قَالَت فَنزلت عِنْد قبر حَمْزَة رضي الله عنه فَصليت عِنْده وَمَا فِي الْوَادي دَاع وَلَا مُجيب فَلَمَّا فرغت من صَلَاتي قلت السَّلَام عَلَيْكُم فَسمِعت رد السَّلَام عَليّ يخرج من تَحت الأَرْض أعرفهُ كَمَا أعرف أَن الله خلقني وكما أعرف اللَّيْل وَالنَّهَار فاقشعرت كل شَعْرَة مني
40 -
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل أَيْضا من طَرِيق العطاف بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ حَدثنِي عبد الْأَعْلَى بن عبد الله بن أبي بكر عَن
عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم زار قُبُور الشُّهَدَاء بِأحد فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن عَبدك وَنَبِيك يشْهد أَن هَؤُلَاءِ شُهَدَاء وَأَن من زارهم أَو سلم عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ردوا عَلَيْهِ قَالَ العطاف وحدثتني خَالَتِي أَنَّهَا زارت قُبُور الشُّهَدَاء قَالَت وَلَيْسَ معي إِلَّا غلامان يحفظان عَليّ الدَّابَّة فَسلمت عَلَيْهِم فَسمِعت رد السَّلَام وَقَالُوا وَالله إِنَّا نعرفكم كَمَا يعرف بَعْضنَا بَعْضًا قَالَت فاقشعررت وَقلت يَا غُلَام أدنني بغلي فركبت
41 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يزور الشُّهَدَاء بِأحد فِي كل حول وَإِذا بلغ الشّعب رفع صَوته فَيَقُول {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} ثمَّ أَبُو بكر رضي الله عنه كل حول يفعل مثل ذَلِك ثمَّ عمر بن الْخطاب ثمَّ عُثْمَان رضي الله عنهما وَكَانَت فَاطِمَة بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم تأتيهم وَتَدْعُو وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص يسلم عَلَيْهِم ثمَّ يقبل على أَصْحَابه فَيَقُول لقد رَأَيْتنِي وَغَابَتْ الشَّمْس بقبور الشُّهَدَاء وَمَعِي أُخْت لي فَقلت لَهَا تعالي نسلم على قبر حَمْزَة فَقَالَت نعم فوقفنا على قَبره فَقُلْنَا السَّلَام عَلَيْك يَا عَم رَسُول الله فسمعنا كلَاما رد علينا وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله قَالَت وَمَا قربنا أحد من النَّاس
42 -
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا أَنبأَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا عَليّ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْعلوِي سَمِعت هَاشم بن مُحَمَّد الْعمريّ يَقُول أَخَذَنِي أبي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَة قُبُور الشُّهَدَاء فِي يَوْم جُمُعَة بَين طُلُوع الْفجْر وَالشَّمْس فَكنت أَمْشِي خَلفه فَلَمَّا إنتهى إِلَى الْمَقَابِر رفع صَوته فَقَالَ {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} قَالَ فَأُجِيب وَعَلَيْك السَّلَام يَا أَبَا عبد الله فَالْتَفت إِلَى أبي وَقَالَ أَنْت الْمُجيب يَا بني فَقلت لَا فَأخذ بيَدي فجعلني عَن يَمِينه ثمَّ أعَاد السَّلَام عَلَيْهِم ثمَّ جعل كلما سلم عَلَيْهِم يرد عَلَيْهِ حَتَّى فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَخر أبي سَاجِدا شكرا لله تَعَالَى
43 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْوَاحِد بن زيد قَالَ كُنَّا فِي غزَاة فلقينا الْعَدو فَلَمَّا تفرقنا فَقدنَا رجلا من أَصْحَابنَا فطلبناه فوجدناه فِي أجمة مقتولا حواليه جوَار يضربن على رَأسه بِالدُّفُوفِ فَلَمَّا رأيننا تفرقن فِي الغيضة فَلم نرهن
44 -
وَأخرج إِبْنِ سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يلازم الْمَسْجِد أَيَّام الْحرَّة وَالنَّاس يقتتلون قَالَ فَكنت إِذا حانت الصَّلَاة أسمع أذانا يخرج من قبل
الْقَبْر يَعْنِي الْقَبْر النَّبَوِيّ
45 -
وَقَالَ الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَغَيره عَن بكر بن مُحَمَّد أَنه لما كَانَ أَيَّام الْحرَّة ترك الْأَذَان فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة أَيَّام وَخرج النَّاس إِلَى الْحرَّة وَجلسَ سعيد بن الْمسيب فِي الْمَسْجِد قَالَ فاستوحشت ودنوت من قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا حضرت الظّهْر سَمِعت الْأَذَان فِي قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَمِعت الْإِقَامَة فَصليت الظّهْر ثمَّ جَلَست حَتَّى صليت الْعَصْر سَمِعت الْأَذَان فِي قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ سَمِعت الْإِقَامَة ثمَّ لم أزل أسمع الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَضَت الثَّلَاثَة وقفل الْقَوْم ودخلوا الْمَسْجِد وَعَاد المؤذنون فأذنوا فتسمعت الْأَذَان فِي قَبره فَلم أسمعهُ
46 -
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من وَجه آخر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ لقد رَأَيْتنِي ليَالِي الْحرَّة وَمَا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرِي وَمَا يَأْتِي وَقت صَلَاة إِلَّا سَمِعت الْأَذَان من الْقَبْر ثمَّ أتقدم فأقيم وأصلي وَإِن أهل الشَّام يدْخلُونَ زمرا زمرا فَيَقُولُونَ أنظروا إِلَى هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون
47 -
وَأخرج اللالكائي فِي السّنة عَن يحيى بن معِين قَالَ قَالَ لي حفار أعجب مَا رَأَيْت من هَذِه الْمَقَابِر أَنِّي سَمِعت من قبر أنينا كأنين الْمَرِيض وَسمعت من قبر والمؤذن يُؤذن وَهُوَ يجِيبه من الْقَبْر
48 -
وَأخرج عَن الْحَارِث بن أَسد المحاسبي قَالَ كنت فِي الْجَبانَة فَسمِعت من قبر مرَّتَيْنِ أوه من عَذَاب الله
49 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَدِهِ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو قَالَ أَنا وَالله رَأَيْت رَأس الْحُسَيْن رضي الله عنه حِين حمل وَأَنا بِدِمَشْق وَبَين يَدي الرَّأْس رجل يقْرَأ سُورَة الْكَهْف حَتَّى بلغ قَوْله تَعَالَى {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم كَانُوا من آيَاتنَا عجبا} قَالَ فأنطق الله الرَّأْس بِلِسَان ذرب فَقَالَ أعجب من أَصْحَاب الْكَهْف قَتْلِي وحملي
50 -
وَفِي تَارِيخ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ أَن أَحْمد بن نصر الْخُزَاعِيّ أحد أَئِمَّة الحَدِيث دَعَاهُ الواثق إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَأبى فَضرب عُنُقه وصلب رَأسه بِبَغْدَاد ووكل بِالرَّأْسِ من يحفظه ويصرفه عَن الْقبْلَة بِرُمْح فَذكر الْمُوكل بِهِ أَنه رَآهُ بِاللَّيْلِ يستدير إِلَى الْقبْلَة بِوَجْهِهِ فَيقْرَأ سُورَة يس بِلِسَان طلق قَالَ الذَّهَبِيّ رويت هَذِه الْحِكَايَة من غير وَجه وَمن طرقها مَا أخرجه الْخَطِيب عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن خلف قَالَ كَانَ أَحْمد بن نصر خَالِي فَلَمَّا قتل فِي المحنة وصلب أخْبرت أَن الرَّأْس يقْرَأ الْقُرْآن فمضيت فَبت قَرِيبا مِنْهُ فَلَمَّا هدأت الْعُيُون سَمِعت الرَّأْس يقْرَأ {الم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} فاقشعر جلدي
51 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث عَن يحيى بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت من يذكر أَنه كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه شَاب متعبد قد لزم الْمَسْجِد وَكَانَ عمر بِهِ معجبا وَكَانَ لَهُ أَب شيخ كَبِير فَكَانَ إِذا صلى الْعَتَمَة إنصرف إِلَى أَبِيه وَكَانَ طَرِيقه على بَاب إمرأة فافتتنت بِهِ فَكَانَت تنصب نَفسهَا لَهُ على طَرِيقه فَمر بهَا ذَات لَيْلَة فَمَا زَالَت تغويه حَتَّى تبعها فَلَمَّا أَتَى الْبَاب دخلت وَذهب يدْخل فَذكر الله وخلى عَنهُ ومثلت هَذِه الْآيَة على لِسَانه {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون} فَخر الْفَتى مغشيا عَلَيْهِ فدعَتْ الْمَرْأَة جَارِيَة لَهَا فتعاونتا عَلَيْهِ فحملتاه إِلَى بَابه وَاحْتبسَ على أَبِيه فَخرج أَبوهُ يَطْلُبهُ فَإِذا بِهِ على الْبَاب مغشيا عَلَيْهِ فَدَعَا بعض أَهله فَحَمَلُوهُ فأدخلوه فَمَا أَفَاق حَتَّى ذهب من اللَّيْل مَا شَاءَ الله فَقَالَ لَهُ أَبوهُ يَا بني مَا لَك قَالَ خير قَالَ فَإِنِّي أَسأَلك بِاللَّه فَأخْبرهُ بِالْأَمر قَالَ أَي بني وَأي آيَة قَرَأت فَقَرَأَ الْآيَة الَّتِي كَانَ قَرَأَهَا فَخر مغشيا عَلَيْهِ فحركوه فَإِذا هُوَ ميت فغسلوه وأخرجوه ودفنوه لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبحُوا رفع ذَلِك إِلَى عمر رضي الله عنه فجار عمر إِلَى أَبِيه فَعَزاهُ بِهِ وَقَالَ أَلا آذنتني قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ لَيْلًا قَالَ عمر فاذهبوا بِنَا إِلَى قَبره فَأتى عمر وَمن مَعَه الْقَبْر فَقَالَ عمر يَا فلَان {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَأَجَابَهُ الْفَتى من دَاخل الْقَبْر يَا عمر قد أعطانيهما رَبِّي
فِي الْجنَّة مرَّتَيْنِ
52 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن إِبْنِ ميناء قَالَ دخلت الْجَبانَة فَصليت رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ اضطجعت إِلَى قبر فوَاللَّه إِنِّي لنبهان إِذْ سَمِعت قَائِلا فِي الْقَبْر يَقُول قُم فقد آذيتني إِنَّكُم لتعملون وَلَكِن لَا تعلمُونَ وَنحن نعلم وَلَا نعمل فوَاللَّه لِأَن أكون صليت مثل ركعتيك أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
53 -
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عَمْرو بن وَاقد عَن يُونُس بن حليس أَنه كَانَ يمر على الْمَقَابِر بِدِمَشْق سحر يَوْم الْجُمُعَة فَسمع قَائِلا يَقُول هَذَا يُونُس بن حليس قد هَاجر يحجون ويعتمرون كل شهر وَيصلونَ كل يَوْم خمس صلوَات أَنْتُم تَعْمَلُونَ وَلَا تعلمُونَ وَنحن نعلم وَلَا نعمل قَالَ فَالْتَفت يُونُس فَسلم فَلم يردوا عَلَيْهِ قَالَ سُبْحَانَ الله أسمع كلامكم وَأسلم عَلَيْكُم فَلَا تردون قَالُوا قد سمعنَا كلامك وَلكنهَا حَسَنَة وَقد حيل بَيْننَا وَبَين الْحَسَنَات والسيئات
54 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ مر ميسرَة بن حليس بمقابر بَاب توما وقائد يَقُودهُ وَكَانَ مكفوفا فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْقُبُور أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع فرحمنا الله وَإِيَّاكُم وَغفر لنا وَلكم فكأنا وَقد صرنا إِلَى مَا صرتم إِلَيْهِ فَرد الله الرّوح فِي رجل مِنْهُم فَأَجَابَهُ فَقَالَ طُوبَى لكم يَا أهل الدُّنْيَا تحجون فِي الشَّهْر أَربع مَرَّات قَالَ وَإِلَى أَيْن يَرْحَمك الله قَالَ إِلَى الْجُمُعَة أفما تعلمُونَ أَنَّهَا حجَّة مبرورة متقبلة قَالَ مَا خير مَا قدمتم قَالَ الإستغفار وَقد غلقت رهوتنا فَلَا من حَسَنَة تزيد وَلَا من سَيِّئَة تنقص
55 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْحَرِيص عَن الْمسيب بن وَاضح عَن عِيسَى بن كيسَان عَمَّن حَدثهُ عَن عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ قَالَ أسرت أَنا وَثَمَانِية معي فِي زمَان بني أُميَّة فأدخلنا على ملك الرّوم فَأمر بِأَصْحَابِي فَضربت رقابهم ثمَّ إِنِّي قدمت لتضرب عنقِي فَقَامَ إِلَيْهِ بعض البطارقة فَلم يزل يقبل رَأسه وَرجلَيْهِ وَيطْلب إِلَيْهِ حَتَّى وهبني لَهُ فَانْطَلق بِي إِلَى منزله فَدَعَا إبنة لَهُ جميلَة فَقَالَ لي هَذِه إبنتي أزَوجك بهَا وأقاسمك مَالِي وَقد رَأَيْت منزلتي من الْملك فَادْخُلْ فِي ديني حَتَّى أفعل بك هَذَا فَقلت مَا أترك ديني لزوجة وَلَا لدُنْيَا
فَمَكثَ أَيَّامًا يعرض عَليّ ذَلِك فدعتني إبنته ذَات لَيْلَة إِلَى بُسْتَان لَهَا فَقَالَت مَا يمنعك مِمَّا عرض عَلَيْك أبي فَقلت مَا أترك ديني لإمرأة وَلَا لشَيْء قَالَت فتحب الْمكْث عندنَا أَو اللحاق ببلادك فَقلت الذّهاب إِلَى بلادي قَالَ فأرتني نجما فِي السَّمَاء وَقَالَت لي سر على هَذَا النَّجْم بِاللَّيْلِ واكمن بِالنَّهَارِ فَإِنَّهُ يبلغك إِلَى بلادك ثمَّ زودتني وَانْطَلَقت فسرت ثَلَاث لَيَال أَسِير بِاللَّيْلِ وأكمن بِالنَّهَارِ فَبَيْنَمَا أَنا الْيَوْم الرَّابِع مكمن فَإِذا الْخَيل فَقلت طلبت فأشرفوا عَليّ فَإِذا أَنا بِأَصْحَابِي المقتولين على دَوَاب وَمَعَهُمْ آخَرُونَ على دَوَاب شهب قَالُوا عُمَيْر قلت عُمَيْر فَقلت أوليس قد قتلتم قَالُوا بلَى وَلَكِن الله بشر الشُّهَدَاء وَأذن لَهُم أَن يشْهدُوا جَنَازَة عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي بعض الَّذين مَعَهم ناولني يدك يَا عُمَيْر فناولته يَدي فأردفني ثمَّ سرنا يَسِيرا ثمَّ قذف بِي قذفة وَقعت قرب منزلي بالجزيرة من غير أَن يكون لَحِقَنِي شَيْء
56 -
وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن أبي عَليّ الضَّرِير وَهُوَ أول من سكن طرسوس حِين بناها أَبُو مُسلم قَالَ إِن ثَلَاثَة إخْوَة من الشَّام كَانُوا يغزون وَكَانُوا فُرْسَانًا شجعانا فأسرهم الرّوم مرّة فَقَالَ لَهُم الْملك إِنِّي أجعَل فِيكُم الْملك وأزوجكم بَنَاتِي وتدخلون فِي النَّصْرَانِيَّة فَأَبَوا وَقَالُوا يَا محمداه فَأمر الْملك بِثَلَاثَة قدور فصب فِيهَا الزَّيْت ثمَّ أوقد تحتهَا ثَلَاثَة أَيَّام يعرضون فِي كل يَوْم على تِلْكَ الْقُدُور وَيدعونَ إِلَى دين النَّصْرَانِيَّة فيأبون فَألْقى الْأَكْبَر فِي الْقدر ثمَّ الثَّانِي ثمَّ أدني الْأَصْغَر فَجعل يفتنه عَن دينه بِكُل أَمر فَقَامَ إِلَيْهِ علج فَقَالَ أَيهَا الْملك أَنا أفتنه عَن دينه قَالَ بِمَاذَا قَالَ قد علمت أَن الْعَرَب أسْرع شَيْء إِلَى النِّسَاء وَلَيْسَ فِي الرّوم أجمل من إبنتي فادفعه إِلَيّ حَتَّى أخليه مَعهَا فَإِنَّهَا ستفتنه فَضرب لَهُ أَََجَلًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَدفعه إِلَيْهِ فجَاء بِهِ فَأدْخلهُ مَعَ إبنته وأخبرها بِالْأَمر فَقَالَت لَهُ دَعه فقد كفيتك أمره فَأَقَامَ مَعهَا نَهَاره صَائِم وليله قَائِم حَتَّى مر أَكثر الْأَجَل فَقَالَ العلج لابنته مَا صنعت قَالَت مَا صنعت شَيْئا هَذَا رجل فقد أَخَوَيْهِ فِي هَذِه الْبَلدة فَأَخَاف أَن يكون إمتناعه من أجلهما كلما رأى آثارهما وَلَكِن إستزد الْملك فِي الْأَجَل وانقلني وإياه إِلَى بلد غير هَذَا فزاده أَيَّامًا فأخرجهما إِلَى قَرْيَة أُخْرَى فَمَكثَ على ذَلِك أَيَّامًا صَائِم النَّهَار قَائِم اللَّيْل حَتَّى إِذا بَقِي من الْأَجَل أَيَّام قَالَت لَهُ الْجَارِيَة لَيْلَة يَا هَذَا إِنِّي أَرَاك تقدس رَبًّا
عَظِيما وَإِنِّي قد دخلت مَعَك فِي دينك وَتركت دين آبَائِي قَالَ لَهَا فَكيف الْحِيلَة فِي الْهَرَب قَالَت أَنا أحتال لَك وجاءته بِدَابَّة فركباها فَكَانَا يسيران بِاللَّيْلِ ويكمنان بِالنَّهَارِ فَبَيْنَمَا هما يسيران لَيْلَة إِذْ سمعا وَقع خيل فَإِذا هُوَ بأخويه ومعهما مَلَائِكَة رسل إِلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِمَا وسألهما عَن حَالهمَا فَقَالَا مَا كَانَت إِلَّا الغطسة الَّتِي رَأَيْت حَتَّى خرجنَا فِي الفردوس وَإِن الله أرسلنَا إِلَيْك لنشهد تزويجك بِهَذِهِ الفتاة فَزَوجُوهُ إِيَّاهَا وَرَجَعُوا وَخرج إِلَى بِلَاد الشَّام فَأَقَامَ مَعهَا وَكَانَا مشهورين بذلك معروفين بِالشَّام فِي الزَّمن الأول وَقد قَالَ فيهمَا بعض الشُّعَرَاء أبياتا مِنْهَا
(سيعطي الصَّادِقين بِفضل صدق
…
نجاة فِي الْحَيَاة وَفِي الْمَمَات)
57 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي مُطِيع مُعَاوِيَة بن يحيى أَن شَيخا من أهل حمص خرج يُرِيد الْمَسْجِد وَهُوَ يرى أَنه قد أصبح فَإِذا عَلَيْهِ ليل فَلَمَّا صَار تَحت الْقبَّة سمع صَوت جرس الْخَيل على البلاط فَإِذا فوارس قد لَقِي بَعضهم بَعْضًا قَالَ بَعضهم لبَعض من أَيْن قدمتم قَالُوا أَو لم تَكُونُوا مَعنا قَالُوا لَا قَالُوا قدمنَا من جَنَازَة البديل خَالِد بن معدان قَالُوا وَقد مَاتَ مَا علمنَا بِمَوْتِهِ فَلَمَّا أصبح الشَّيْخ حدث أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ نصف النَّهَار قدم الْبَرِيد يخبر بِمَوْتِهِ
58 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور وإبن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَ صَفْوَان بن أُميَّة الصَّحَابِيّ رضي الله عنه بِبَعْض الْمَقَابِر إِذْ أَقبلت جَنَازَة وَسمع صَوتا من الْقَبْر حَزينًا موجعا يَقُول شعرًا
(أنعم الله بِالظَّعِينَةِ عينا
…
وبمسراك يَا أَمِين إِلَيْنَا)
(جزعا مَا جزعت من ظلمَة الْقَبْر
…
وَإِن مسك التُّرَاب أَمينا)
قَالَ فَأخْبر الْقَوْم بِمَا سمع فبكوا حَتَّى إخضلت لحاهم ثمَّ قَالُوا هَل تَدْرِي من أمينة قلت لَا قَالُوا صَاحِبَة السرير هَذِه أُخْتهَا مَاتَت عَام أول فَقَالَ صَفْوَان قد علمت أَن الْمَيِّت لَا يتَكَلَّم فَمن أَيْن هَذَا الصَّوْت
59 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا أَيْضا عَن سعيد بن هَاشم السّلمِيّ قَالَ أعرس رجل من الْحَيّ على إبنة فتخذ لذَلِك لهوا فَكَانَت مَنَازِلهمْ إِلَى جَانب الْمَقَابِر قَالَ فوَاللَّه إِنَّهُم لفي لهوهم ذَلِك لَيْلًا إِذْ سمعُوا صَوتا مُنْكرا أفزعهم فأصغوا
مطرقين فَإِذا هَاتِف يَهْتِف من بَين الْقُبُور
(يَا أهل لَذَّة لَهو لَا تدوم لَهُم
…
إِن المنايا تبيد اللَّهْو واللعبا)
(كم قد رآيناه مَسْرُورا بلذته
…
أَمْسَى فريدا من الأهلين مغتربا)
قَالَ فوَاللَّه مَا لبث بعد ذَلِك إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى مَاتَ الْفَتى المتزوج
60 -
وَأخرج أَيْضا عَن صَالح المري قَالَ دخلت الْمَقَابِر يَوْمًا فِي شدَّة الْحر فَنَظَرت إِلَى الْقُبُور خامدة فَقلت سُبْحَانَ الله من يجمع بَين أرواحكم وأجسادكم بعد إفترافها ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ ينشركم من بعد طول البلى قَالَ فَنَادَى مُنَاد من بَين تِلْكَ الْحفر يَا صَالح {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ فَسَقَطت وَالله بوجهي فَزعًا من ذَلِك الصَّوْت
61 -
وَأخرج أَيْضا عَن ثَابت الْبنانِيّ أَنه كَانَ فِي مَقْبرَة يحدث نَفسه إِذْ هتف بِهِ هَاتِف يَا ثَابت إِن تراهم ساكتين فكم فيهم من مغموم قَالَ فَالْتَفت فَلم أر أحدا
62 -
وَأخرج أَيْضا عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ قَالَ لي عَطاء الْأَزْرَق إِذا حضرت الْمَقَابِر فَلْيَكُن قَلْبك فِيمَن أَنْت بَين ظهرانيهم فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنا فِي الْمَقَابِر إِذْ تفكرت فِي نَفسِي فَإِذا أَنا بِصَوْت إِلَيْك يَا غافل إِنَّمَا أَنْت بَين ناعم فِي نعيمه مدلل أَو معذب فِي سكراته مُقَلِّب
63 -
وَأخرج عَن سوار بن مُصعب الْهَمدَانِي عَن أَبِيه أَن أَخَوَيْنِ كَانَا جارين لَهُ وَكَانَ كل وَاحِد يجد لصَاحبه وجدا لَا يرى مثله فَخرج الْأَكْبَر إِلَى أصفهان فَمَاتَ الْأَصْغَر فَاخْتلف الْأَكْبَر إِلَى قَبره سَبْعَة أشهر فَإِذا هَاتِف يَهْتِف من خَلفه يَوْمًا
(يَا أَيهَا الباكي على غَيره
…
نَفسك أصلحها وَلَا تبكه)
(إِن الَّذِي تبْكي على إثره
…
يُوشك أَن تسلك فِي سلكه)
قَالَ فَالْتَفت فَلم ير خَلفه أحدا فاقشعر وحم فَرجع إِلَى أَهله فَلم يلبث إِلَّا
ثَلَاثًا حَتَّى مَاتَ فَدفن إِلَى جنبه
64 -
وَأخرج الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد وإبن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن يزِيد بن شُرَيْح الهيثمي أَنه سمع صَوتا من قبر
(إِن تزوروا الْيَوْم أمثالنا فقد
…
كُنَّا أمثالكم وَفِي الْحَيَاة كشكلكم)
(فَتلك الْبَيْدَاء تسفي رياحها
…
وَنحن فِي مَقْصُورَة لَا ننالكم)
(فَمن يَك منا فَلَيْسَ يُرَاجع
…
فَتلك دِيَارنَا وَهِي مصيركم)
65 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن سُلَيْمَان بن يسَار الخضرمي قَالَ كَانَ قوم يَسِيرُونَ بالمقابر إِذا سمعُوا من قبر قَائِلا يَقُول
(يَا أَيهَا الركب سِيرُوا
…
من قبل أَن لَا تسيروا)
(فَهَذِهِ الدَّار حَقًا
…
فِيهَا إِلَيْنَا الْمصير)
(فَكَمَا كُنْتُم كُنَّا
…
فغيرنا ركب الْمنون)
(وسوف كَمَا كُنَّا تَكُونُونَ
…
)
(كم منعم فِي نعيم
…
وتسلبه الدهور)
(وَآخر فِي عَذَاب
…
لبئس ذَاك الْمصير)
66 -
وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْوراق قَالَ خرج رجل مَعَ إبنه حَتَّى إِذا كَانَا بِبَعْض الطَّرِيق مَاتَ الْأَب فدفنه بشجر الدوم وَمضى فِي سَفَره ثمَّ مر بذلك الْموضع لَيْلًا فَلم ينزل إِلَى قبر أَبِيه فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَيَقُول شعرًا
(أجدك تطوي الدوم لَيْلًا وَلَا ترى
…
عَلَيْك لأهل الدوم أَن تتكلما)
(وبالدوم ثاو لَو ثويت مَكَانَهُ
…
فَمر بِأَهْل الدوم عاج فسلما)
67 -
وَأخرج أَبُو نعيم وإبن عَسَاكِر عَن سَلمَة قَالَ كَانَ خَالِد بن معدان يسبح فِي الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيحَة سوى مَا يقْرَأ من الْقُرْآن فَلَمَّا مَاتَ وَوضع على سَرِيره ليغسل جعل بِأُصْبُعِهِ كَذَا يحركها يَعْنِي بالتسبيح
68 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي عبد الله بن الْجلاء قَالَ مَاتَ أبي فجعلناه على المغتسل فكشفنا عَن وَجهه فَإِذا هُوَ يضْحك فَالْتبسَ على النَّاس أمره وَقَالُوا هُوَ حَيّ فجاؤوا بالطبيب وغطينا وَجهه وَقُلْنَا خُذ بمجسه فَأخذ بمجسه فَقَالَ هَذَا ميت فكشفنا عَن وَجهه فَنظر إِلَيْهِ ضَاحِكا فَقَالَ وَالله مَا أَدْرِي ميت هُوَ أم حَيّ فَكلما جَاءَ إِنْسَان يغسلهُ يهابه وَلَا يقدر على غسله فَقَامَ الْفضل بن الْحُسَيْن وَكَانَ من كبار العارفين فَغسله وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه
69 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن سعيد بن الْمسيب أَن زيد بن خَارِجَة الْأنْصَارِيّ ثمَّ من بني حَارِثَة بن الْخَزْرَج توفّي زمن عُثْمَان فسجي ثمَّ إِنَّهُم سمعُوا جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ أَحْمد أَحْمد فِي الْكتاب الأول صدق صدق أَبُو بكر الصّديق الضَّعِيف فِي نَفسه الْقوي فِي أَمر الله فِي الْكتاب الأول صدق صدق عمر بن الْخطاب الْقوي الْأمين فِي الْكتاب الأول صدق صدق عُثْمَان بن عَفَّان على منهاجهم مَضَت أَربع وَبقيت ثِنْتَانِ أَتَت الْفِتَن وَأكل الشَّديد الضَّعِيف وَقَامَت السَّاعَة وسيأتيكم من جيشكم خبر أريس وَمَا بِئْر أريس قَالَ سعيد ثمَّ هلك رجل من خطمة فسجي بِثَوْبِهِ فَسمِعت جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ إِن أَخا بني الْحَرْث بن الْخَزْرَج صدق صدق قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَله شَوَاهِد
ثمَّ أخرج هُوَ وإبن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وإبن النجار فِي تَارِيخه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ جَاءَنَا يزِيد بن النُّعْمَان بن بشير إِلَى حَلقَة الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بِكِتَاب أَبِيه النُّعْمَان بن بشير بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من النُّعْمَان بن بشير إِلَى أم عبد الله بنت أبي هَاشم سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَإنَّك كتبت إِلَيّ لأكتب إِلَيْك بشأن زيد بن خَارِجَة وَإنَّهُ كَانَ من شَأْنه أَنه أَخذه وجع فِي حلقه فَتوفي بَين الصَّلَاة الأولى وَصَلَاة الْعَصْر فأضجعناه وغشيناه فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي وَأَنا أسبح بعد الْعَصْر فَقَالَ إِن زيدا قد تكلم بعد وَفَاته فَانْصَرَفت إِلَيْهِ مسرعا وَقد حَضَره قوم من الْأَنْصَار وَهُوَ يَقُول الْأَوْسَط أجلد الْقَوْم الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي الله لومة لائم كَانَ لَا يَأْمر النَّاس أَن يَأْكُل قويهم ضعيفهم عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ صدق صدق كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب الأول ثمَّ قَالَ عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ يعافي النَّاس من ذنُوب كَثِيرَة خلت ليلتان وَبقيت
أَربع ثمَّ اخْتلف النَّاس وَأكل بَعضهم بَعْضًا فَلَا نظام وأبيحت الأحماء ثمَّ ارعوى الْمُؤْمِنُونَ وَقَالُوا كتاب الله وَقدره أَيهَا النَّاس أَقبلُوا على أميركم واسمعوا وَأَطيعُوا فَمن تولى فَلَا يعهدن دَمًا وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا الله أكبر هَذِه الْجنَّة وَهَذِه النَّار وَهَؤُلَاء النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ سَلام عَلَيْك يَا عبد الله بن رَوَاحَة هَل أحسست لي خَارِجَة لِأَبِيهِ وَسعد من قتلا يَوْم أحد {كلا إِنَّهَا لظى نزاعة للشوى تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى وَجمع فأوعى} ثمَّ خفت فَسَأَلت الرَّهْط عَمَّا سبق من كَلَامه فَقَالُوا سمعناه يَقُول أَنْصتُوا أَنْصتُوا فَنظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَإِذا الصَّوْت من تَحت الثِّيَاب فكشفنا عَن وَجهه فَقَالَ هَذَا أَحْمد رَسُول الله سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ قَالَ أَبُو بكر الصّديق الْأمين خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ ضَعِيفا فِي جِسْمه قَوِيا فِي أَمر الله صدق صدق وَكَانَ فِي الْكتاب الأول
ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَزَاد فِيهِ وَكَانَ ذَلِك على تَمام سنتَيْن خلتا من إِمَارَة عُثْمَان فهما الليلتان قَالَ وَلم أزل أحفظ الْعدة للأربع الْبَوَاقِي وأتوقع مَا هُوَ كَائِن فِيهِنَّ فَكَانَ فِيهِنَّ إفتراء أهل الْعرَاق وخلافهم وإرجاف المرجفين وطعنهم على أَمِيرهمْ الْوَلِيد بن عقبَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا أَيْضا إِسْنَاد صَحِيح
وروى ذَلِك أَيْضا حبيب بن سَالم عَن النُّعْمَان بن بشير وَذكر فِيهِ بِئْر أريس كَمَا فِي رِوَايَة إِبْنِ الْمسيب وَالْأَمر فِيهَا أَن خَاتم النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي يَد عُثْمَان فَوَقع فِيهَا لست سِنِين مَضَت من خِلَافَته عِنْد ذَلِك تَغَيَّرت عماله فظهرت أَسبَاب الْفِتَن كَمَا سمع من زيد بن خَارِجَة ثمَّ
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد رُوِيَ التَّكَلُّم بعد الْمَوْت عَن جمَاعَة بأسانيد صَحِيحَة
ثمَّ أخرج هُوَ وإبن أبي الدُّنْيَا وإبن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عبيد الْأنْصَارِيّ أَن رجلا من قَتْلَى مُسَيْلمَة تكلم فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَبُو بكر الصّديق عُثْمَان
الْأمين اللين الرَّحِيم لَا أَدْرِي إيش قَالَ لعمر
70 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وإبن عَسَاكِر من وَجه آخر عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا هم يوارون الْقَتْلَى يَوْم صفّين أَو يَوْم الْجمل إِذْ تكلم رجل من الْأَنْصَار من الْقَتْلَى فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق عمر الشَّهِيد عُثْمَان الرَّحِيم ثمَّ سكت
71 -
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وإبن مَنْدَه عَن عبد الله بن عبيد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ كنت فِيمَن دفن ثَابت بن قيس بن شماس وَكَانَ أُصِيب يَوْم الْيَمَامَة فَلَمَّا أدخلْنَاهُ قَبره سمعناه يَقُول مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق عمر الشَّهِيد وَعُثْمَان أَمِين رَحِيم فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ ميت
72 -
وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير حَدثنَا أَحْمد بن الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِي حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر بن عُمَيْر بن هانىء أَن النُّعْمَان بن بشير حَدثهُ قَالَ مَاتَ رجل منا يُقَال لَهُ خَارِجَة بن زيد فسجيناه بِثَوْب وَقمت أُصَلِّي إِذْ سَمِعت صَوتا فَانْصَرَفت إِلَيْهِ فَإِذا أَنا بِهِ يَتَحَرَّك فَقَالَ أجلد الْقَوْم أوسطهم عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقوي فِي جِسْمه الْقوي فِي أَمر الله عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ الْعَفِيف الْمُتَعَفِّف الَّذِي يعْفُو عَن ذنُوب كَثِيرَة خلت ليلتان وَبقيت أَربع وَاخْتلف النَّاس فَلَا نظام لَهُم يَا أَيهَا النَّاس أَقبلُوا على إمامكم واسمعوا لَهُ وَأَطيعُوا هَذَا رَسُول الله وإبن رَوَاحَة ثمَّ قَالَ وَمَا فعل زيد بن خَارِجَة يَعْنِي أَبَاهُ ثمَّ قَالَ أخذت بِئْر أريس خَلْفي ثمَّ خفت الصَّوْت أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر
73 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أنس قَالَ لما مَاتَ زيد بن خَارِجَة دَخَلنَا عَلَيْهِ نغسله فَلَمَّا ذَهَبْنَا نصب عَلَيْهِ المَاء تكلم فَقَالَ مَضَت إثنتان وغبر أَربع وَأكل غنيهم فقيرهم فَانْفَضُّوا لَا نظام لَهُم أَبُو بكر لين رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ وَعمر رضي الله عنه شَدِيد على الْكفَّار لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَعُثْمَان لين رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتُم على منهاج عُثْمَان فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا ثمَّ خفت صَوته فَإِذا اللِّسَان يَتَحَرَّك وَإِذا الْجَسَد ميت
74 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من طَرِيق يزِيد بن سعيد الْقرشِي عَن أبي عبد الله الشَّامي قَالَ غزونا الرّوم فَخرج منا نَاس يطْلبُونَ أثر الْعَدو فَانْفَرد مِنْهُم رجلَانِ قَالَ أَحدهمَا فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ لَقينَا شيخ من الرّوم فَقَالَ إبرزوا فحملنا عَلَيْهِ
فاقتتلنا سَاعَة فَقتل صَاحِبي فَرَجَعت أُرِيد أَصْحَابِي فَبينا أَنا رَاجع إِذْ قلت لنَفْسي ثكلتني أُمِّي سبقني صَاحِبي إِلَى الْجنَّة وأرجع أَنا هَارِبا إِلَى أَصْحَابِي فَرَجَعت إِلَيْهِ فضربته وأخطأته فَحَمَلَنِي فَضرب بِي الأَرْض وَجلسَ على صَدْرِي وَتَنَاول شَيْئا مَعَه ليقتلني فجَاء صَاحِبي الْمَقْتُول فَأخذ بِشعر قَفاهُ فَأَلْقَاهُ عني وأعانني على قَتله فقتلناه جَمِيعًا وَجعل صَاحِبي يمشي ويحدثني حَتَّى إنتهينا إِلَى شَجَرَة فاضطجع مقتولا كَمَا كَانَ فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرتهمْ
75 -
وَأخرج أَيْضا عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ فِيمَا مضى فتية يخرجُون إِلَى أَرض الرّوم ويصيبون مِنْهُم فقضي عَلَيْهِم بالأسر فَأخذُوا جَمِيعًا فَأتى بهم ملكهم فَعرض عَلَيْهِم دينه فَأَبَوا فَقعدَ على تل إِلَى جَانب النَّهر فَدَعَاهُمْ فَضرب عنق رجل مِنْهُم فَوَقع فِي النَّهر فَإِذا رَأسه قد قَامَ بحيالهم واستقبلهم بِوَجْهِهِ وَهُوَ يَقُول {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي}
76 -
وَأخرج أَيْضا عَن سعيد الْعمي قَالَ خرج قوم غزَاة فِي الْبَحْر فجَاء شَاب كَانَ بِهِ رهق ليركب مَعَهم فَأَبَوا ثمَّ إِنَّهُم حملوه مَعَهم فَلَقوا الْعَدو فَكَانَ الشَّاب من أحْسنهم بلَاء ثمَّ إِنَّه قتل فَقَامَ رَأسه واستقبل أهل الْمركب وَهُوَ يَتْلُو {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين}
77 -
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْخلال فِي كتاب كرامات الْأَوْلِيَاء بِسَنَدِهِ عَن أبي يُوسُف الغولي قَالَ دخلت على إِبْرَاهِيم بن أدهم بِالشَّام فَقَالَ لي قد رَأَيْت الْيَوْم عجبا قلت وماذا قَالَ وقفت على قبر من هَذِه الْمَقَابِر فانشق لي عَن شيخ خضيب فَقَالَ لي يَا إِبْرَاهِيم سل فَإِن الله أحياني من أَجلك قلت مَا فعل الله بك قَالَ لقِيت الله بِعَمَل قَبِيح فَقَالَ لي لقد غفرت لَك بِثَلَاث لقيتني وَأَنت تحب من أَحبَّنِي ولقيتني وَلَيْسَ فِي صدرك مِثْقَال ذرة من شراب حرَام ولقيتني وَأَنت خضيب وَأَنا أستحيي من شيبَة الخضيب أَن أعذبها بالنَّار قَالَ والتأم الْقَبْر على الشَّيْخ ثمَّ قَالَ إِبْرَاهِيم وَيحك يَا غولي عَامل الله يُرِيك الْعَجَائِب
78 -
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان أَنبأَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنِي إبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن نجيب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى بن حَازِم السّلمِيّ حَدثنَا هِشَام المقسابادي عَن أَبِيه عَن جده أبي إِبْرَاهِيم وَكَانَ قَاضِي نيسابور فَدخل عَلَيْهِ رجل فَقيل لَهُ إِن عِنْد هَذَا حَدِيثا عجبا فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا وَمَا هُوَ قَالَ إعلم أَنِّي كنت رجلا نباشا أنبش الْقُبُور فَمَاتَتْ إمرأة فَذَهَبت لأعرف قبرها فَصليت عَلَيْهَا فَلَمَّا جن اللَّيْل ذهبت لأنبش عَنْهَا وَضربت يَدي إِلَى كفنها لأسلبها فَقَالَت سُبْحَانَ الله رجل من أهل الْجنَّة يسلب إمرأة من أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَت ألم تعلم أَنَّك مِمَّن صلى عَليّ وَأَن الله عز وجل قد غفر لمن صلى عَليّ
79 -
وَأخرج الْمحَامِلِي فِي أَمَالِيهِ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة قَالَ بَيْنَمَا رجل فِي أندر لَهُ بِالشَّام وَمَعَهُ زَوجته وَقد كَانَ أستشهد لَهُ إِبْنِ قبل ذَلِك بِمَا شَاءَ الله إِذْ رأى الرجل فَارِسًا قد أقبل فَقَالَ لإمرأته إبني وإبنك يَا فُلَانَة قَالَت لَهُ إخز عَنْك الشَّيْطَان إبنك قد أستشهد مُنْذُ حِين وَأَنت مفتون فَأقبل على عمله واستغفر الله ثمَّ دنا الْفَارِس فَقَالَ إبنك وَالله يَا فُلَانَة وَنظرت فَقَالَت هُوَ وَالله فَوقف عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَلَيْسَ قد أستشهدت يَا بني قَالَ بلَى وَلَكِن عمر بن عبد الْعَزِيز توفّي فِي هَذِه السَّاعَة فَاسْتَأْذن الشُّهَدَاء رَبهم فِي شُهُوده فَكنت مِنْهُم واستأذنته فِي السَّلَام عَلَيْكُمَا ثمَّ دَعَا لَهما وَانْصَرف وَوجد عمر قد توفّي تِلْكَ السَّاعَة
فَهَذِهِ آثَار مُسندَة خرجها أَئِمَّة الحَدِيث بأسانيدهم فِي كتبهمْ وأوردتها تَقْوِيَة لما حَكَاهُ اليافعي وَتَصْدِيقًا لَهُ
80 -
وَقَالَ اليافعي رُؤْيَة الْمَوْتَى فِي خير أَو شَرّ نوع من الْكَشْف يظهره الله تبشيرا أَو موعظة أَو لمصْلحَة للْمَيت من إِيصَال خير لَهُ أَو قَضَاء دين أَو غير ذَلِك ثمَّ هَذِه الرُّؤْيَة قد تكون فِي النّوم وَهُوَ الْغَالِب وَقد تكون فِي الْيَقَظَة وَذَلِكَ من كرامات الْأَوْلِيَاء أَصْحَاب الْأَحْوَال
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مَذْهَب أهل السّنة أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى ترد فِي بعض الْأَوْقَات من عليين أَو من سِجِّين إِلَى أَجْسَادهم فِي قُبُورهم عِنْد إِرَادَة الله تَعَالَى وخصوصا لَيْلَة الْجُمُعَة ويجلسون وَيَتَحَدَّثُونَ وينعم أهل النَّعيم ويعذب أهل الْعَذَاب
وَقَالَ وتختص الْأَرْوَاح دون الأجساد بالنعيم أَو الْعَذَاب مَا دَامَت فِي عليين أَو سِجِّين وَفِي الْقَبْر يشْتَرك الرّوح والجسد إنتهى
81 -
وَقَالَ إِبْنِ الْقيم الْأَحَادِيث والْآثَار تدل على أَن الزائر مَتى جَاءَ علم بِهِ المزور وَسمع كَلَامه وَأنس بِهِ ورد سَلَامه عَلَيْهِ وَهَذَا عَام فِي حق الشُّهَدَاء وَغَيرهم وَأَنه لَا تَوْقِيت فِي ذَلِك قَالَ وَهُوَ أصح من أثر الضَّحَّاك الدَّال على التَّوْقِيت قَالَ وَقد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته أَن يسلمُوا على أهل الْقُبُور سَلام من يخاطبونه مِمَّن يسمع وَيعْقل
82 -
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج إِلَى الْمقْبرَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون
83 -
وَأخرج النَّسَائِيّ وإبن مَاجَه عَن بُرَيْدَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهُمْ إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَقَابِر السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُسلمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أَنْتُم لنا فرط وَنحن لكم تبع أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة
84 -
وَأخرج مُسلم عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كَيفَ أَقُول لَهُم يَا رَسُول الله قَالَ قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُسلمين وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ منا والمستأخرين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون
85 -
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بقبور الْمَدِينَة فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور يغْفر الله لنا وَلكم وَأَنْتُم سلفنا وَنحن بالأثر
86 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه دنا من الْقُبُور فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين أَنْتُم لنا سلف فارط وَنحن لكم تبع عَمَّا قَلِيل لَاحق اللَّهُمَّ إغفر لنا وَلَهُم وَتجَاوز بعفوك عَنَّا وعنهم
87 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه كَانَ يرجع من ضيعته فيمر بقبور الشُّهَدَاء فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ثمَّ يَقُول لأَصْحَابه أَلا تسلمون على الشُّهَدَاء فيردوا عَلَيْكُم
88 -
وَأخرج إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَنه كَانَ لَا يمر بلَيْل وَلَا نَهَار
بِقَبْر إِلَّا سلم عَلَيْهِ
89 -
وَأخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِذا مَرَرْت بالقبور وَقد كنت تعرفهم فَقل السَّلَام عَلَيْكُم أَصْحَاب الْقُبُور وَإِذا مَرَرْت بالقبور لَا تعرفهم فَقل السَّلَام على الْمُسلمين
90 -
وَأخرج عَن الْحسن قَالَ من دخل الْمَقَابِر فَقَالَ اللَّهُمَّ رب الأجساد البالية وَالْعِظَام النخرة الَّتِي خرجت من الدُّنْيَا وَهِي بك مُؤمنَة أَدخل عَلَيْهَا روحا من عنْدك وَسلَامًا مني أسْتَغْفر لَهُ كل مُسلم مُؤمن مَاتَ مُنْذُ خلق الله آدم
وَأخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا بِلَفْظ كتب الله لَهُ بِعَدَد من مَاتَ من ولدان آدم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة حَسَنَات
91 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ من دخل الْمَقَابِر واستغفر لأهل الْقُبُور وترحم على الْأَمْوَات فَكَأَنَّمَا شهد جنائزهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم
92 -
وَأخرج عَن أَزْهَر بن مَرْوَان قَالَ كَانَ لبشر بن مَنْصُور غرفَة فَكَانَ إِذا صلى الْعَصْر دَخلهَا وَفتح بَابهَا إِلَى الجبانات ينظر إِلَى الْقُبُور
93 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَنه كَانَ إِذا شهد جَنَازَة مر على أَهله فِي الْمَقَابِر فَدَعَا لَهُم واستغفر لَهُم
94 -
وَأَخْرَجَا عَن رجل من آل عَاصِم الجحدري قَالَ رَأَيْت عَاصِمًا الجحدري فِي النّوم بعد مَوته بسنين فَقلت أَلَيْسَ قد مت قَالَ بلَى قلت فَأَيْنَ أَنْت قَالَ إِنَّا وَالله فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَنا وَنَفر من أَصْحَابِي نَجْتَمِع كل لَيْلَة جُمُعَة وصبيحتها ألى بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ فنتلاقى أخباركم قلت أجسادكم أم أرواحكم فَقَالَ هَيْهَات بليت الْأَجْسَام وَإِنَّمَا تتلاقى الْأَرْوَاح قلت فَهَل تعلمُونَ بزيارتنا إيَّاكُمْ قَالَ نعلم بهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة كُله وَيَوْم السبت إِلَى طُلُوع الشَّمْس قلت وَكَيف ذَلِك دون الْأَيَّام كلهَا قَالَ لفضل يَوْم الْجُمُعَة وعظمه
95 -
وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ كَانَ رجل يخْتَلف إِلَى الْجَبانَة فَيشْهد الصَّلَاة على الْجَنَائِز فَإِذا أَمْسَى وقف على بَاب الْمَقَابِر فَقَالَ آنس الله وحشتكم ورحم الله غربتكم وَتجَاوز الله عَن سَيِّئَاتكُمْ وَقبل الله حسناتكم لَا يزِيد على هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات قَالَ ذَلِك الرجل فأمسيت ذَات لَيْلَة
فَانْصَرَفت إِلَى أَهلِي وَلم آتٍ الْمَقَابِر فَبَيْنَمَا أَنا نَائِم إِذا أَنا بِخلق كثير قد جاؤوني قلت من أَنْتُم وَمَا حَاجَتكُمْ قَالُوا نَحن أهل الْمَقَابِر قلت مَا جَاءَ بكم قَالُوا إِنَّك قد كنت عودتنا مِنْك هَدِيَّة عِنْد إنصرافك إِلَى أهلك قلت وَمَا هِيَ قَالُوا الدَّعْوَات الَّتِي كنت تَدْعُو بهَا قلت فَإِنِّي أَعُود لذَلِك قَالَ فَمَا تركتهَا بعد
96 -
وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن أبي التياح قَالَ كَانَ مطرف يَبْدُو فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أدْلج وَكَانَ ينور لَهُ فِي سَوْطه فَأقبل لَيْلَة حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الْمَقَابِر هوم وَهُوَ على فرسه فَرَأى كَأَن أهل الْقُبُور كل صَاحب قبر جَالس على قَبره فَقَالُوا هَذَا مطرف أَتَى يَوْم الْجُمُعَة قلت أَو تعلمُونَ عنْدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة قَالُوا نعم ونعلم مَا يَقُول فِيهِ الطير قلت وَمَا يَقُولُونَ قَالُوا يَقُولُونَ سَلام سَلام يَوْم صَالح قَالَ فِي الصِّحَاح هوم الرجل إِذا هز رَأسه من النعاس
97 -
وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن الْفضل بن الْمُوفق إِبْنِ خَال سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ لما مَاتَ أبي جزعت جزعا شَدِيدا فَكنت آتِي قَبره فِي كل يَوْم ثمَّ إِنِّي قصرت عَن ذَلِك فرأيته فِي النّوم فَقَالَ يَا بني مَا أَبْطَأَ بك عني قلت وَإنَّك لتعلم بمجيئي قَالَ مَا جِئْت مرّة إِلَّا علمتها وَقد كنت تَأتِينِي فَأسر بك وَيسر من حَولي بدعائك قَالَ فَكنت آتيه بعد كثيرا
98 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء هَاشم بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت رجلا من أهل علم يَقُول إِنَّه كَانَ يزور قبر أَبِيه فطال عَلَيْهِ ذَلِك فَقلت أَزور التُّرَاب فرأيته فِي مَنَامِي فَقَالَ يَا بني مَا لَك لَا تفعل كَمَا كنت تفعل فَقلت أَزور التُّرَاب فَقَالَ لَا تفعل يَا بني فوَاللَّه لقد كنت تشرف عَليّ فيبشرني بك جيراني وَلَقَد كنت تَنْصَرِف فَمَا أَزَال أَرَاك حَتَّى تدخل الْكُوفَة
99 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَوْدَة وَكَانَت أمه من العابدات وَكَانَ يُقَال لَهَا راهبة قَالَ لما مَاتَت كنت آتيها فِي كل لَيْلَة جُمُعَة فأدعو لَهَا وَأَسْتَغْفِر لَهَا وَلأَهل الْقُبُور قَالَ فرأيتها لَيْلَة فِي مَنَامِي فَقلت يَا أمه كَيفَ أَنْت فَقَالَت يَا بني إِن الْمَوْت لشديد كربه وَأَنا بِحَمْد الله فِي برزخ مَحْمُود أفترش فِيهِ الريحان وأتوسد فِيهِ السندس والإستبرق فَقلت أَلَك حَاجَة قَالَت نعم قلت مَا هِيَ قَالَت لَا تدع مَا تصنع من زيارتنا وَالدُّعَاء لنا فَإِنِّي آنس بمجيئك يَوْم
الْجُمُعَة إِذا أَقبلت من أهلك يُقَال يَا راهبة قد أقبل من أهلك زائر فَأسر وَيسر بذلك من حَولي من الْأَمْوَات
100 -
وَقَالَ السلَفِي سَمِعت أَبَا البركات عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن بن غلاب السُّوسِي بالإسكندرية يَقُول سَمِعت والدتي تَقول رَأَيْت أُمِّي فِي الْمَنَام بعد مَوتهَا وَهِي تَقول يَا بِنْتي إِذا جئتني زائرة فاقعدي عِنْد قَبْرِي سَاعَة أتملى من النّظر إِلَيْك ثمَّ ترحمي عَليّ فَإنَّك إِذا ترحمت عَليّ صَارَت الرَّحْمَة بيني وَبَيْنك كالحجاب ثمَّ شغلتني عَنْك
101 -
وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ رَجَب أنبأني عَليّ بن عبد الصَّمد عَن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ عَن أَبِيه قَالَ أَخْبرنِي قسطنطين بن عبد الله الرُّومِي سَمِعت الْأسد بن مُوسَى يَقُول كَانَ لي صديق فَمَاتَ فرأيته فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لي سُبْحَانَ الله جِئْت إِلَى قبر فلَان صديقك قَرَأت عِنْده وترحمت عَلَيْهِ وَأَنا مَا جِئْت إِلَيّ وَلَا قربتني قلت لَهُ وَمَا يدْريك قَالَ لما جِئْت إِلَى قبر صديقك فلَان رَأَيْتُك قلت وَكَيف رَأَيْتنِي وَالتُّرَاب عَلَيْك قَالَ مَا رَأَيْت المَاء إِذا كَانَ فِي الزّجاج مَا يتَبَيَّن قلت بلَى قَالَ فَكَذَلِك نَحن نرى من يزورنا
تَنْبِيه
102 -
روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت عَلَيْك السَّلَام يَا رَسُول الله قَالَ لَا تقل عَلَيْك السَّلَام فَإِن عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَوْتَى
فَهَذَا يشْعر بِأَن السّنة فِي السَّلَام على الْمَوْتَى أَن يُقَال عَلَيْكُم السَّلَام بِتَقْدِيم الصَّلَاة وَقد صَحَّ الحَدِيث كَمَا تقدم أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُم السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين فَيحْتَاج إِلَى الْجمع حَتَّى إِن بَعضهم قَالَ هَذَا أصح من حَدِيث النَّهْي وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن السّنة مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث النَّهْي وَقد أجَاب إِبْنِ الْقيم فِي الْبَدَائِع بِأَن كلا من الْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا أَتَوا من عدم فهم مَقْصُود الحَدِيث فَإِن قَوْله صلى الله عليه وسلم عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَوْتَى لَيْسَ تشريعا مِنْهُ وإخبارا عَن أَمر شَرْعِي وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن الْوَاقِع الْمُعْتَاد الَّذِي جرى على أَلْسِنَة النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يقدمُونَ إسم الْمَيِّت على الدُّعَاء كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(عَلَيْك سَلام الله قيس بن عَاصِم
…
)
وَقَوله الَّذِي يرثي عمر بن الْخطاب رضي الله عنه
(عَلَيْك سَلام من أَمِير وباركت
…
يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق)
وَهُوَ فِي أشعارهم كثير والإخبار عَن الْوَاقِع لَا يدل على الْجَوَاز فضلا عَن الإستحباب فَتعين الْمصير إِلَى مَا ورد عَنهُ صلى الله عليه وسلم من تَقْدِيم لفظ السَّلَام حِين سلم على الْأَمْوَات قَالَ فَإِن تخيل متخيل فِي الْفرق أَن السَّلَام على الْأَحْيَاء يتَوَقَّع جَوَابه فَقدم الدُّعَاء على الْمَدْعُو لَهُ بِخِلَاف الْمَيِّت قُلْنَا وَالسَّلَام على الْمَيِّت يتَوَقَّع جَوَابه أَيْضا كَمَا ورد بِهِ الحَدِيث
قَالَ وَمن النكت البديعة أَن الْأَحْسَن فِي دُعَاء الْخَيْر أَن يقدم الدُّعَاء على الْمَدْعُو لَهُ نَحْو سَلام على إِبْرَاهِيم سَلام على نوح سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ وَدُعَاء الشَّرّ الْأَحْسَن فِيهِ تقدم الْمَدْعُو عَلَيْهِ على الْمَدْعُو بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} و {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} و {فَعَلَيْهِم غضب} ثمَّ ذكر ذَلِك سرا ذكرته فِي أسرار التَّنْزِيل
39 -
بَاب مقرّ الْأَرْوَاح
قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر ومستودع} وَقَالَ تَعَالَى {وَيعلم مستقرها ومستودعها} أَحدهمَا فِي الصلب وَالْآخر بعد الْمَوْت
1 -
أخرج مُسلم عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر لَهَا قناديل معلقَة بالعرش تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل
2 -
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لما أُصِيب أصحابكم بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير
خضر ترد أَنهَار الْجنَّة تَأْكُل من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش
3 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي طير خضر تعلق من ثَمَر الْجنَّة
4 -
وَأخرج بَقِي بن مخلد وإبن مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّهَدَاء يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ ثمَّ يكون مأواهم إِلَى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول لَهُم الرب تَعَالَى هَل تعلمُونَ كَرَامَة أفضل من كَرَامَة أكرمتكموها فَيَقُولُونَ لَا غير أَنا وَدِدْنَا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا إِلَى أَجْسَادنَا حَتَّى نُقَاتِل مرّة أُخْرَى فنقتل فِي سَبِيلك
5 -
وَأخرج هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وإبن مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر ترعى فِي رياض الْجنَّة ثمَّ يكون مأواها إِلَى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول الرب وَذكر نَحوه
6 -
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يبْعَث الله الشُّهَدَاء من حواصل طير بيض كَانُوا فِي قناديل معلقَة بالعرش
7 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن سعيد بن سُوَيْد أَنه سَأَلَ إِبْنِ شهَاب عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء كطير خضر معلقَة بالعرش تَغْدُو ثمَّ تروح إِلَى رياض الْجنَّة تَأتي رَبهَا سبحانه وتعالى كل يَوْم تسلم عَلَيْهِ
8 -
وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر فِي قناديل تَحت الْعَرْش تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ ترجع إِلَيّ قناديلها وَإِن أَرْوَاح ولدان الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف عصافير تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت
9 -
وَأخرج عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فَقَالَ هِيَ طير خضر فِي قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش تسرح فِي رياض الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت
10 -
وَأخرج أَحْمد وَعبد وإبن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء يخرج إِلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة غدْوَة وَعَشِيَّة
11 -
وَأخرج هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وإبن أبي شيبَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ الشُّهَدَاء فِي قباب فِي رياض بِفنَاء الْجنَّة يبْعَث إِلَيْهِم ثَوْر وحوت فيعتركان فيلهون بهما فَإِذا إحتاجوا إِلَى شَيْء عقر أَحدهمَا صَاحبه فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ فيجدون فِيهِ طعم كل شَيْء فِي الْجنَّة
12 -
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أنس أَن حَارِثَة لما قتل قَالَت أمه يَا رَسُول الله قد علمت منزلَة حَارِثَة مني فَإِن يكن فِي الْجنَّة أَصْبِر وَإِن يكن غير ذَلِك ترى مَا أصنع قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا جنان كَثِيرَة وَإنَّهُ فِي الفردوس الْأَعْلَى
13 -
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله تَعَالَى إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير خضر تعلق من ثَمَرَة الْجنَّة أَو شجر الْجنَّة قَوْله تعلق بِضَم اللَّام أَي تَأْكُل الْعلقَة بِضَم الْمُهْملَة وَهُوَ مَا يتبلغ بِهِ من الْعَيْش
14 -
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم هانىء أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إِذا متْنا وَيرى بَعْضنَا بَعْضًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تكون النسم طيرا تعلق بِالشَّجَرِ حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلت كل نفس فِي جَسدهَا
15 -
وَأخرج إِبْنِ سعد من طَرِيق مَحْمُود بن لبيد عَن أم بشر بن الْبَراء أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا رَسُول الله هَل تتعارف الْمَوْتَى قَالَ تربت يداك
النَّفس المطمئنة طير خضر فِي الْجنَّة فَإِن كَانَ الطير يَتَعَارَفُونَ فِي رُؤُوس الشّجر فَإِنَّهُم يَتَعَارَفُونَ
16 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق إِبْنِ لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن أم فَرْوَة إبنة معَاذ السلمِيَّة عَن أم بشر إمرأة أبي مَعْرُوف قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور يَا رَسُول الله إِذا متْنا يزور بَعْضنَا بَعْضًا فَقَالَ تكون النسم طيرا تتَعَلَّق بشجرة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلت فِي جثتها
17 -
وَأخرج إِبْنِ مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد حسن عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك قَالَ لما حضرت كَعْبًا الْوَفَاة أَتَتْهُ أم بشر بنت الْبَراء فَقَالَت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِن لقِيت فلَانا فأقرئه مني السَّلَام فَقَالَ لَهَا يغْفر الله لَك يَا أم بشر نَحن أشغل من ذَلِك فَقَالَت أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن نسمَة الْمُؤمن تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ونسمة الْكَافِر فِي سِجِّين قَالَ قلت بلَى هُوَ ذَاك
18 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة بن حبيب مُرْسلا قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَقَالَ فِي طير خضر تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت قَالُوا يَا رَسُول الله وأرواح الْكفَّار قَالَ محبوسة فِي سِجِّين
19 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات عَن سعيد بن الْمسيب أَن سلمَان الْفَارِسِي وَعبد الله بن سَلام إلتقيا فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه إِن لقِيت رَبك قبلي فَأَخْبرنِي مَاذَا لقِيت فَقَالَ أَو تلقى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات قَالَ نعم أما الْمُؤْمِنُونَ فَإِن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَهِي تذْهب حَيْثُ شَاءَت
20 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ الْجنَّة مُطَوَّلَة فِي قُرُون الشَّمْس تنشر فِي كل عَام مرّة وأرواح الْمُؤمنِينَ فِي طير كالزرازير تَأْكُل من ثَمَر الْجنَّة
21 -
وَأخرجه إِبْنِ مَنْدَه عَنهُ مَرْفُوعا وَأخرجه الْخلال عَنهُ مَوْقُوفا بِلَفْظ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف طير خضر كالزرازير يَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَيُرْزَقُونَ من ثَمَرهَا
22 -
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وإبن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وإبن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء من طَرِيق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جبل فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم وَسَارة حَتَّى يردهم إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة
وَتقدم شَاهده فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث سَمُرَة فِي بَاب عَذَاب الْقَبْر
23 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كل مَوْلُود يُولد فِي الْإِسْلَام فَهُوَ فِي الْجنَّة شُبَّان رَيَّان يَقُول يَا رب أورد عَليّ أَبَوي
24 -
وَأخرج فِيهِ أَيْضا عَن خَالِد بن معدان قَالَ إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع فَمن مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون رضع من طُوبَى وحاضنهم إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صلوَات الله عَلَيْهِ
25 -
وَأخرج أَيْضا عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة لَهَا ضروع كضروع الْبَقر يغذى بهَا ولدان أهل الْجنَّة
26 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَكْحُول أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن ذَرَارِي الْمُسلمين أَرْوَاحهم فِي عصافير خضر فِي شجر من الْجنَّة يكفلهم أبوهم إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام
27 -
وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع ترْضع صبيان أهل الْجنَّة وَإِن سقط الْمَرْأَة يكون فِي نهر من أَنهَار الْجنَّة يتقلب فِيهِ حَتَّى تقوم الْقِيَامَة فيبعث إِبْنِ أَرْبَعِينَ سنة
28 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِبْنِ عَبَّاس عَن كَعْب قَالَ جنَّة المأوى فِيهَا طير خضر ترتقي فِيهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء تسرح فِي الْجنَّة وأرواح آل فِرْعَوْن فِي طير سود تَغْدُو على النَّار وَتَروح وَإِن أَرْوَاح أَطْفَال الْمُسلمين فِي عصافير فِي الْجنَّة
29 -
وَأخرج هناد بن السّري فِي الزّهْد عَن هُذَيْل قَالَ إِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تروح وتغدو على النَّار فَذَلِك عرضهَا وأرواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر وَأَوْلَاد الْمُسلمين الَّذين لم يبلغُوا الْحِنْث عصافير من عصافير الْجنَّة ترعى وتسرح
30 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات} الْآيَة قَالَ أَرْوَاح الشُّهَدَاء طير بيض فقاقيع فِي الْجنَّة قَالَ فِي الصِّحَاح الفقاقيع الفقاعات الَّتِي ترْتَفع فَوق المَاء كالقوارير فَكَأَنَّهُ شبه بهَا الْأَرْوَاح أَو الطير وَقَالَ فِي الْقَامُوس فقيع كسكيت الْأَبْيَض من الْحمام
31 -
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تأوي إِلَى قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش
32 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك عَن إِبْنِ عَمْرو قَالَ أَرْوَاح الْمُسلمين فِي صور طير بيض فِي ظلّ الْعَرْش وأرواح الْكَافرين فِي الأَرْض السَّابِعَة
33 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أم كَبْشَة بنت الْمَعْرُور قَالَت دخل علينا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَن هَذِه الْأَرْوَاح فوصفها صفة لكنه أبكى أهل الْبَيْت فَقَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي حواصل طير خضر ترعى فِي الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتشرب من مياهها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب تَحت الْعَرْش يَقُولُونَ رَبنَا ألحق بِنَا إِخْوَاننَا وآتنا مَا وعدتنا وَإِن أَرْوَاح الْكفَّار فِي حواصل طير سود تَأْكُل من النَّار وتشرب من النَّار وتأوي إِلَى جُحر فِي النَّار يَقُولُونَ رَبنَا لَا تلْحق بِنَا إِخْوَاننَا وَلَا تؤتنا مَا وعدتنا
34 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وإبن أبي حَاتِم وإبن مرْدَوَيْه فِي تفسيرهما عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أتيت بالمعراج الَّذِي تعرج عَلَيْهِ أَرْوَاح بني آدم فَلم ير الْخَلَائق أحسن من الْمِعْرَاج مَا رَأَيْت الْمَيِّت حِين يشق بَصَره طامحا إِلَى السَّمَاء فَإِن ذَلِك عجبه بالمعراج فَصَعدت أَنا وَجِبْرِيل فاستفتحت
بَاب السَّمَاء فَإِذا أَنا بِآدَم تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْمُؤمنِينَ فَيَقُول روح طيبَة وَنَفس طيبَة إجعلوها فِي عليين ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْفجار فَيَقُول روح خبيثة وَنَفس خبيثة إجعلوها فِي سِجِّين
35 -
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة ينظرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة
36 -
وَأخرج أَبُو نعيم أَيْضا فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ إِن الله فِي السَّمَاء السَّابِعَة دَارا يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء تَجْتَمِع فِيهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَإِن مَاتَ الْمَيِّت من أهل الدُّنْيَا تَلَقَّتْهُ الأوراح يسألونه عَن أَخْبَار الدُّنْيَا كَمَا يسْأَل الْغَائِب أَهله إِذا قدم عَلَيْهِم
37 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَنه عزى أَسمَاء بإبنها عبد الله بن الزبير وجثته مصلوبة فَقَالَ لَا تحزني فَإِن الْأَرْوَاح عِنْد الله فِي السَّمَاء وَإِنَّمَا هَذِه جثة
38 -
وَأخرج سعيد الْمروزِي فِي الْجَنَائِز عَن الْعَبَّاس بن الْمطلب قَالَ ترفع أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِلَى جِبْرِيل فَيُقَال أَنْت ولي هَذِه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
39 -
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وإبن جرير الطَّبَرِيّ فِي كتاب الْأَدَب لَهُ عَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ لَقِي سلمَان الْفَارِسِي عبد الله بن سَلام فَقَالَ لَهُ إِن مت قبلي فَأَخْبرنِي بِمَا تلقى وَإِن مت قبلك أَخْبَرتك بِمَا ألْقى قَالَ وَكَيف وَقد مت قَالَ إِن الرّوح إِذا خرج من الْجَسَد كَانَ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يرجع إِلَى جسده فقضي أَن سلمَان مَاتَ فَرَآهُ عبد الله بن سَلام فِي الْمَنَام فَقَالَ أَخْبرنِي أَي شَيْء وجدته أفضل قَالَ رَأَيْت للتوكل شَيْئا عجيبا
40 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وإبن أبي الدُّنْيَا وإبن مَنْدَه عَن سعيد بن الْمسيب عَن سلمَان قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي برزخ من الأَرْض تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَنَفس الْكَافِر فِي سِجِّين قَالَ إِبْنِ الْقيم البرزخ هُوَ الحاجز بَين الشَّيْئَيْنِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي أَرض بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
41 -
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سلمَان قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تذْهب فِي برزخ من الأَرْض حَيْثُ شَاءَت بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يردهَا الله إِلَى أجسادها
42 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت
43 -
وَأخرج عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِذا مَاتُوا أَيْن هم قَالَ صور طير بيض فِي ظلّ الْعَرْش وأرواح الْكَافرين فِي الأَرْض السَّابِعَة فَإِذا مَاتَ الْمُؤمن مر بِهِ على الْمُؤمنِينَ وَلَهُم أندية فيسألونه عَن بعض أَصْحَابهم فَإِن قَالَ مَاتَ قَالُوا سفل بِهِ وَإِن كَانَ كَافِرًا أهوي بِهِ إِلَى الأَرْض السافلة فيسألونه عَن الرجل فَإِن قَالَ مَاتَ قَالُوا عَليّ بِهِ
44 -
وَأخرج الْمروزِي وإبن مَنْدَه فِي الْجَنَائِز وإبن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ إِن أَرْوَاح الْكفَّار تجمع ببرهوت سبخَة بحضرموت وأرواح الْمُؤمنِينَ بالجابية برهوت بِالْيمن والجابية بِالشَّام
45 -
وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ الْجَابِيَة تَجِيء إِلَيْهَا كل روح طيبَة
46 -
وَأخرج أَبُو بكر النجاد فِي جزئه الْمَشْهُور عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ خير وَادي النَّاس وَادي مَكَّة وَشر وَادي النَّاس وَادي الأحقاق وَاد بحضرموت يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار
47 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي بِئْر زَمْزَم
48 -
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وإبن مَنْدَه عَن الْأَخْنَس بن خَليفَة الضَّبِّيّ أَن كَعْب الْأَحْبَار أرسل إِلَى عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما يسْأَله عَن أَرْوَاح الْمُسلمين أَيْن تَجْتَمِع وأرواح أهل الشّرك أَيْن تَجْتَمِع فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو أما أَرْوَاح الْمُسلمين فتجتمع بأريحا وَأما أَرْوَاح أهل الشّرك فتجتمع بِصَنْعَاء فَرجع رَسُول الله إِلَيْهِ فَأخْبرهُ بِالَّذِي قَالَ فَقَالَ صدق
وَقَالَ إِبْنِ جرير فِي تَفْسِيره حَدثنَا مُحَمَّد بن عَوْف الطَّائِي حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا صَفْوَان قَالَ سَأَلت عَامر بن عبد الله بِالْيمن هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ إِلَى الأَرْض يَقُول الله تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون}
) قَالَ هِيَ الأَرْض الَّتِي تَجْتَمِع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث
49 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِذا قبضت ترفع إِلَى ملك يُقَال لَهُ رميائيل وَهُوَ خَازِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ
50 -
وَأخرج عَن أبان بن ثَعْلَب عَن رجل من أهل الْكتاب قَالَ الْملك الَّذِي على أَرْوَاح الْكفَّار يُقَال لَهُ دومة
51 -
وَأخرج الْعقيلِيّ بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق خَالِد بن معدان عَن كَعْب قَالَ الْخضر على مِنْبَر من نور بَين الْبَحْر الْأَعْلَى وَالْبَحْر الْأَسْفَل وَقد أمرت دَوَاب الْبَحْر أَن تسمع لَهُ وتطيع وَتعرض عَلَيْهِ الْأَرْوَاح غدْوَة وَعَشِيَّة
52 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم مَسْأَلَة مقرّ الْأَرْوَاح بعد الْمَوْت عَظِيمَة لَا تتلقى إِلَّا من السّمع وَقد قيل إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي الْجنَّة الشُّهَدَاء وَغَيرهم إِذا لم تحبسهم كَبِيرَة لظَاهِر حَدِيث كَعْب وَأم هانىء وَأم بشر وَأبي سعيد وضمرة وَنَحْوهَا وَلقَوْله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} قسم الْأَرْوَاح عقب خُرُوجهَا من الْبدن إِلَى ثَلَاثَة مقربين وَأخْبر أَنَّهَا فِي جنَّة النَّعيم وَأَصْحَاب يَمِين وَحكم لَهَا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يتَضَمَّن سلامتها من الْعَذَاب ومكذبة ضَالَّة وَأخْبر أَن لَهَا نزلا من حميم وتصلية جحيم وَقَالَ تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك} إِلَى قَوْله {وادخلي جنتي} قَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِنَّه يُقَال لَهَا ذَلِك عِنْد خُرُوجهَا من الدُّنْيَا على لِسَان الْملك بِشَارَة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى فِي مُؤمن آل يس {قيل ادخل الْجنَّة قَالَ يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} وَقيل الْأَحَادِيث مَخْصُوصَة بِالشُّهَدَاءِ كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى وَلقَوْله فِي غَيرهم إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي الحَدِيث وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق إِنَّهُم فِي السَّمَاء السَّابِعَة ينظرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة وَحَدِيث وهب مثله
53 -
وَقَالَ إِبْنِ حزم فِي طَائِفَة مستقرها حَيْثُ كَانَت قبل خلق أجسادها أَي عَن يَمِين آدم وشماله قَالَ وَهَذَا مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة قَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} الْآيَة فصح أَن الله تَعَالَى خلق الْأَرْوَاح جملَة وَلذَلِك أخبر صلى الله عليه وسلم أَن الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا إئتلف وَمَا تناكر مِنْهَا إختلف وَأخذ الله عهدها وشهادتها بالربوبية وَهِي مخلوقة مصورة عَاقِلَة قبل أَن تُؤمر بِالْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُود لآدَم وَقبل أَن يدخلهَا فِي الأجساد والأجساد يَوْمئِذٍ تُرَاب وَمَاء ثمَّ أقرها حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ البرزخ الَّذِي ترجع إِلَيْهِ عِنْد الْمَوْت ثمَّ لَا يزَال يبْعَث مِنْهَا الْجُمْلَة بعد الْجُمْلَة فينفخها فِي الأجساد المتولدة من الْمَنِيّ
قَالَ فصح أَن الْأَرْوَاح أجسام حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وَأَنَّهَا عارفة مُمَيزَة فيبلوها الله فِي الدُّنْيَا كَمَا يَشَاء ثمَّ يتوفاها فترجع إِلَى البرزخ الَّذِي رَآهَا فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا أَرْوَاح أهل السَّعَادَة عَن يَمِين آدم وأرواح أهل الشقاوة عَن يسَاره عِنْد مُنْقَطع عناصر المَاء والهواء وَالتُّرَاب وَالنَّار تَحت السَّمَاء
وَلَا يدل ذَلِك على تعادلهم بل هَؤُلَاءِ عَن يَمِينه فِي الْعُلُوّ وَالسعَة وَهَؤُلَاء عَن يسَاره فِي السّفل والسجن وَتجْعَل أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء إِلَى الْجنَّة قَالَ وَقد ذكر مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه ذكر هَذَا الَّذِي قُلْنَا بِعَيْنِه وَقَالَ على هَذَا أجمع أهل الْعلم
54 -
قَالَ إِبْنِ حزم وَهُوَ قَول جَمِيع أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُوَ قَول الله تَعَالَى {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم} وَقَوله {فَأَما إِن كَانَ}
من المقربين) آخرهَا فَلَا تزَال الْأَرْوَاح هُنَاكَ حَتَّى يتم عَددهَا بنفخها فِي الأجساد ثمَّ برجوعها إِلَى البرزخ فتقوم السَّاعَة فيعيدها عز وجل إِلَى الأجساد وَهِي الْحَيَاة الثَّانِيَة هَذَا كُله كَلَام إِبْنِ حزم
وَقيل هِيَ على أفنية قبورها قَالَ إِبْنِ عبد الْبر وَهَذَا أصح مَا قيل قَالَ وَأَحَادِيث السُّؤَال وَعرض المقعد وَعَذَاب الْقَبْر ونعيمه وزيارة الْقُبُور وَالسَّلَام عَلَيْهَا وخطابهم مُخَاطبَة الْحَاضِر الْعَاقِل دَالَّة على ذَلِك
55 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم وَهَذَا القَوْل إِن أُرِيد بِهِ أَنَّهَا مُلَازمَة للقبور وَلَا تفارقها فَهُوَ خطأ يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَعرض المقعد لَا يدل على أَن الرّوح فِي الْقَبْر وَلَا على فنائه بل إِن لَهَا إتصالا بِهِ يَصح أَن يعرض عَلَيْهَا مقعدها فَإِن للروح شَأْنًا آخر فَتكون فِي الرفيق الْأَعْلَى وَهِي مُتَّصِلَة بِالْبدنِ بِحَيْثُ إِذا سلم الْمُسلم على صَاحبهَا رد عليه السلام وَهِي فِي مَكَانهَا هُنَاكَ وَهَذَا جِبْرِيل عليه السلام رَآهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَله سِتّمائَة جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ سد الْأُفق فَكَانَ يدنو من النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى يضع رُكْبَتَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَيَديه على فَخذيهِ وَقُلُوب المخلصين تتسع للْإيمَان بِأَن من الْمُمكن أَنه كَانَ يدنو هَذَا الدنو وَهُوَ فِي مستقره من السَّمَاوَات
وَفِي الحَدِيث فِي رُؤْيَة جِبْرِيل فَرفعت رَأسه فَإِذا جِبْرِيل صَاف قَدَمَيْهِ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يَقُول يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا جِبْرِيل فَجعلت لَا أصرف بَصرِي إِلَى نَاحيَة إِلَّا رَأَيْته كَذَلِك وعَلى هَذَا يحمل تنزله تَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ودنوه عَشِيَّة عَرَفَة وَنَحْوه فَهُوَ منزه عَن الْحَرَكَة والإنتقال وَإِنَّمَا يَأْتِي الْغَلَط هُنَا من قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد فيعتقد أَن الرّوح من جنس مَا يعْهَد من الْأَجْسَام الَّتِي إِذا أشغلت مَكَانا لم يُمكن أَن تكون فِي غَيره وَهَذَا غلط مَحْض وَقد رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء مُوسَى قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة فالروح كَانَت هُنَاكَ فِي مثل الْبدن وَلها إتصال بِالْبدنِ بِحَيْثُ يُصَلِّي فِي قَبره وَيرد على من يسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الرفيق الْأَعْلَى وَلَا تنَافِي بَين الْأَمريْنِ فَإِن شَأْن الْأَرْوَاح غير شَأْن الْأَبدَان وَقد مثل ذَلِك بَعضهم بالشمس فِي السَّمَاء وشعاعها فِي الأَرْض وَإِن كَانَ غير تَامّ الْمُطَابقَة من حَيْثُ أَن الشعاع إِنَّمَا هُوَ عرض للشمس أما الرّوح فَهِيَ بِنَفسِهَا تنزل
وَكَذَلِكَ رُؤْيَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَنْبِيَاء فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي السَّمَاوَات الصَّحِيح أَنه رأى فِيهَا الْأَرْوَاح فِي مثل الْأَجْسَام مَعَ وُرُود أَنهم أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من صلى عَليّ عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صلى عَليّ نَائِيا بلغته أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من حَدِيث بِأبي هُرَيْرَة
وَقَالَ إِن الله وكل بقبري ملكا أعطَاهُ أَسمَاء الْخَلَائق فَلَا يُصَلِّي عَليّ أحد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا أبلغني بإسمه وَاسم أَبِيه أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر
هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن روحه فِي أَعلَى عليين مَعَ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَهُوَ فِي الرفيق الْأَعْلَى فَثَبت بِهَذَا أَنه لَا مُنَافَاة بَين كَون الرّوح فِي عليين أَو فِي الْجنَّة أَو فِي السَّمَاء وَأَن لَهَا بِالْبدنِ إتصالا بِحَيْثُ تدْرك وَتسمع وَتصلي وتقرأ وَإِنَّمَا يستغرب هَذَا لكَون الشَّاهِد الدنيوي لَيْسَ فِيهِ مَا يشابه هَذَا وَأُمُور البرزخ الْآخِرَة على نمط غير هَذَا المألوف فِي الدُّنْيَا هَذَا كُله كَلَام إِبْنِ الْقيم
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر للروح بِالْبدنِ خَمْسَة أَنْوَاع من التَّعَلُّق مُتَغَايِرَة الأول فِي بطن الْأُم الثَّانِي بعد الْولادَة الثَّالِث فِي حَال النّوم فلهَا بِهِ تعلق من وَجه ومفارقة من وَجه الرَّابِع فِي البرزخ فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت قد فارقته بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا لم تُفَارِقهُ فراقا كليا بِحَيْثُ لم يبْق لَهَا إِلَيْهِ إلتفات الْخَامِس تعلقهَا بِهِ يَوْم الْبَعْث وَهُوَ أكمل أَنْوَاع التعلقات وَلَا نِسْبَة لما قبله إِلَيْهِ إِذْ لَا يقبل الْبدن مَعَه موتا وَلَا نوما وَلَا فَسَادًا
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر للروح من سرعَة الْحَرَكَة والإنتقال الَّذِي كلمح الْبَصَر مَا يَقْتَضِي عروجها من الْقَبْر إِلَى السَّمَاء فِي أدنى لَحْظَة وَشَاهد ذَلِك روح النَّائِم فقد ثَبت أَن روح النَّائِم تصعد حَتَّى تخترق السَّبع الطباق وتسجد لله بَين يَدي الْعَرْش ثمَّ ترد إِلَى جسده فِي أيسر زمَان
ثمَّ حكى إِبْنِ الْقيم بعد ذَلِك بَقِيَّة الْأَقْوَال وَأَنَّهَا بالجابية أَو بِئْر زَمْزَم وَأَن الْكفَّار ببرهوت وَأورد مَا أخرجه إِبْنِ مَنْدَه بِسَنَدِهِ من طَرِيق سُفْيَان عَن أبان بن ثَعْلَب
قَالَ قَالَ رجل بت لَيْلَة بوادي برهوت فَكَأَنَّمَا حشرت فِيهِ أصوات النَّاس وهم يَقُولُونَ يَا دومة يَا دومة وَحدثنَا رجل من أهل الْكتاب أَن دومة هُوَ الْملك الْمُوكل بأرواح الْكفَّار قَالَ سُفْيَان سَأَلنَا عددا من الحضرميين فَقَالُوا لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يبيت فِيهِ بِاللَّيْلِ وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن عَمْرو بن سُلَيْمَان قَالَ مَاتَ رجل من الْيَهُود وَعِنْده وَدِيعَة لمُسلم وَكَانَ لِلْيَهُودِيِّ إِبْنِ مُسلم فَلم يعرف مَوضِع الْوَدِيعَة فَأخْبر شعيبا الجبائي فَقَالَ أئت برهوت فَإِن بهَا عينا تسبت فَإِذا جِئْت فِي يَوْم السبت فامش عَلَيْهَا حَتَّى تَأتي عينا هُنَاكَ فَادع أَبَاك فَإِنَّهُ سيجيبك فسله عَمَّا تُرِيدُ فَفعل ذَلِك الرجل وَمضى حَتَّى أَتَى الْعين فَدَعَا أَبَاهُ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأَجَابَهُ فَقَالَ أَيْن وَدِيعَة فلَان فَقَالَ تَحت أُسْكُفَّة الْبَاب فادفعها إِلَيْهِ والزم مَا أَنْت عَلَيْهِ
ثمَّ قَالَ إِبْنِ الْقيم وَلَا يحكم على قَول من هَذِه الْأَقْوَال بِعَيْنِه بِالصِّحَّةِ وَلَا غَيره بِالْبُطْلَانِ بل الصَّحِيح أَن الْأَرْوَاح مُتَفَاوِتَة فِي مستقرها فِي البرزخ أعظم تفَاوت وَلَا تعَارض بَين الْأَدِلَّة فَإِن كلا مِنْهَا وَارِد على فريق من النَّاس بِحَسب درجاتهم فِي السَّعَادَة أَو الشقاوة فَمِنْهَا أَرْوَاح فِي أَعلَى عليين فِي الْمَلأ الْأَعْلَى وهم الْأَنْبِيَاء وهم متفاوتون فِي مَنَازِلهمْ كَمَا رَآهُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء وَمِنْهَا أَرْوَاح فِي حواصل طير خضر تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَهِي أَرْوَاح بعض الشُّهَدَاء لَا جَمِيعهم فَإِن مِنْهُم من يحبس عَن دُخُول الْجنَّة لدين أَو لغيره كَمَا فِي الْمسند عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن جحش أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا لي إِن قتلت فِي سَبِيل الله قَالَ الْجنَّة فَلَمَّا ولى قَالَ إِلَّا الدّين سَارَّنِي بِهِ جِبْرِيل آنِفا وَمِنْهُم من يكون على بَاب الْجنَّة كَمَا فِي حَدِيث إِبْنِ عَبَّاس وَمِنْهُم من يكون مَحْبُوسًا فِي قَبره كَحَدِيث صَاحب الشملة أَنَّهَا تشتعل عَلَيْهِ نَارا فِي قَبره وَمِنْهُم من يكون مَحْبُوسًا فِي الأَرْض لم تصل روحه إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى فَإِنَّهَا كَانَت روحا سفلية أرضية فَإِن الْأَنْفس الأرضية لَا تجامع الْأَنْفس السماوية كَمَا أَنَّهَا لَا تجامعها فِي الدُّنْيَا فالروح بعد الْمُفَارقَة تلْحق بأشكالها وَأَصْحَاب عَملهَا فالمرء مَعَ من أحب وَمِنْهَا أَرْوَاح تكون فِي تنور الزناة وأرواح فِي نهر الدَّم إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ
للأرواح سعيدها وشقيها مُسْتَقر وَاحِد وَكلهَا على إختلاف محالها وتباين مقارها لَهَا إتصال بأجسادها فِي قبورها ليحصل لَهُ من النَّعيم وَالْعَذَاب مَا كتب لَهُ إنتهى كَلَام إِبْنِ الْقيم
قلت وَيُؤَيّد مَا ذكره من الإتصال بالأجساد والإشتراك فِي النَّعيم أَو الْعَذَاب مَا أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه أَن حزقيل عليه السلام قَالَ أَتَانِي ملك فاحتملني حَتَّى وضعني بقاع من الأَرْض قد كَانَت معركة وَإِذا فِيهِ عشرَة آلَاف قَتِيل قد تبددت لحومهم وَتَفَرَّقَتْ أوصالهم قَالَ فدعوتهم فَإِذا كل عظم قد أقبل إِلَى مفصله ثمَّ نبت عَلَيْهَا اللَّحْم ثمَّ إنبسطت الْجُلُود وَأَنا أنظر فَقيل لي أدع أَرْوَاحهم فدعوتها فَإِذا كل روح قد أقبل إِلَى جسده لما جَلَسُوا سَأَلتهمْ فيمَ كُنْتُم قَالُوا إِنَّمَا لما متْنا وفارقتنا الْحَيَاة لَقينَا ملك يُقَال لَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ هلموا أَعمالكُم وخذوا أجوركم كَذَلِك سنتنا فِيكُم وفيمن كَانَ قبلكُمْ وفيمن هُوَ كَائِن بعدكم فَنظر فِي أَعمالنَا فَوَجَدنَا نعْبد الْأَوْثَان فَسلط الدُّود على أَجْسَادنَا وَجعلت الْأَرْوَاح تألم وسلط الْغم على أَرْوَاحنَا وَجعلت الأجساد تألم فَلم نزل كَذَلِك نعذب حَتَّى دَعوتنَا
56 -
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَحَادِيث دَالَّة على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء خَاصَّة فِي الْجنَّة دون غَيرهم وَحَدِيث كَعْب وَنَحْوه مَحْمُول على الشُّهَدَاء وَأما غَيرهم فَتَارَة تكون فِي السَّمَاء لَا فِي الْجنَّة وَتارَة تكون على أفنية الْقُبُور وَقد قيل إِنَّهَا تزور قبورها كل جُمُعَة على الدَّوَام وَقَالَ إِبْنِ الْعَرَبِيّ حَدِيث الجريدة يسْتَدلّ بِهِ على أَن الْأَرْوَاح فِي الْقُبُور تنعم أَو تعذب
ثمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَبَعض الشُّهَدَاء أَرْوَاحهم خَارج الْجنَّة أَيْضا كَمَا فِي حَدِيث إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة وَذَلِكَ إِذا حَبسهم عَنْهَا دين أَو شَيْء من حُقُوق الْآدَمِيّين وروى أَبُو مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أعظم الذُّنُوب عِنْد الله يلقاه بهَا عبد بعد الْكَبَائِر الَّتِي نهى الله عَنْهَا أَن يَمُوت رجل وَعَلِيهِ دين لَا يدع لَهُ قَضَاء أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي جنَّة المأوى وَلذَلِك سميت جنَّة المأوى لِأَنَّهَا تأوي إِلَيْهَا الْأَرْوَاح وَهِي تَحت الْعَرْش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون طيب رِيحهَا قَالَ وَالْأول أصح
57 -
وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ حجر فِي فَتَاوِيهِ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين وأرواح الْكَافرين فِي سِجِّين وَلكُل روح بجسدها إتصال معنوي لَا يشبه الإتصال فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا بل أشبه شَيْء بِهِ حَال النَّائِم وَإِن كَانَ هُوَ أَشد من حَال النَّائِم إتصالا قَالَ وَبِهَذَا يجمع بَين مَا ورد أَن مقرها فِي عليين أَو سِجِّين وَبَين مَا نَقله إِبْنِ عبد الْبر عَن الْجُمْهُور أَيْضا أَنَّهَا عِنْد أفنية قبورها قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ مَأْذُون لَهَا فِي التَّصَرُّف وتأوي إِلَى محلهَا من عليين أَو سِجِّين قَالَ وَإِذا نقل الْمَيِّت من قبر إِلَى قبر فالإتصال الْمَذْكُور مُسْتَمر وَكَذَا لَو تَفَرَّقت الْأَجْزَاء إنتهى قلت وَيُؤَيّد كَون الْمقر فِي عليين مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبيد الله عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بعد قتل جَعْفَر لقد مر بِي اللَّيْلَة جَعْفَر يقتفي نَفرا من الْمَلَائِكَة لَهُ جَنَاحَانِ متخضبة قوادمها بِالدَّمِ يُرِيدُونَ بيشة بَلَدا بِالْيمن
58 -
وَأخرج إِبْنِ عدي من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ عرفت جعفرا فِي رفْقَة من الْمَلَائِكَة يبشرون أهل بيشة بالمطر
59 -
وَأخرج الْحَاكِم عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَالس وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس قريب مِنْهُ إِذْ رد السَّلَام وَقَالَ يَا أَسمَاء هَذَا جَعْفَر مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل مروا فَسَلمُوا علينا وَأَخْبرنِي أَنه لقى الْمُشْركين يَوْم كَذَا وَكَذَا قَالَ فَأَصَبْت فِي جَسَدِي من مقاديمي ثَلَاثًا وَسبعين من طعنة وضربة ثمَّ أخذت اللِّوَاء بيَدي الْيُمْنَى فَقطعت ثمَّ أَخَذته بيَدي الْيُسْرَى فَقطعت فعوضني الله من يَدي جناحين أطير بهما مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَأنزل من الْجنَّة حَيْثُ شِئْت وآكل من ثمارها مَا شِئْت قَالَت أَسمَاء هَنِيئًا لجَعْفَر مَا رزقه الله من خير لَكِن أَخَاف أَن لَا يصدق النَّاس فأصعد الْمِنْبَر فَأخْبر بِهِ النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن جَعْفَر بن أبي طَالب مر مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَله جَنَاحَانِ عوضه الله من يَدَيْهِ فَسلم عَليّ ثمَّ أخْبرهُم بِمَا أخبرهُ بِهِ
60 -
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي حَدِيث كَعْب نسمَة الْمُؤمن طَائِر وَهُوَ يدل على أَن نَفسهَا تكون طائرا أَي على صورته لَا أَنَّهَا تكون فِيهِ وَيكون الطَّائِر ظرفا لَهَا
وَكَذَا فِي رِوَايَة عَن إِبْنِ مَسْعُود عِنْد إِبْنِ مَاجَه أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد الله كطير خضر وَفِي لفظ عَن إِبْنِ عَبَّاس تجول فِي طير خضر وَفِي لفظ إِبْنِ عَمْرو فِي صور طير بيض وَفِي لفظ عَن كَعْب أَرْوَاح الشُّهَدَاء طير خضر
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهَذَا كُله أصح من رِوَايَة فِي جَوف طير خضر
61 -
وَقَالَ الْقَابِسِيّ أنكر الْعلمَاء رِوَايَة فِي حواصل طير خضر لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون محصورة ومضيقا عَلَيْهَا ورد بِأَن الرِّوَايَة ثَابِتَة والتأويل مُحْتَمل بِأَن يَجْعَل فِي بِمَعْنى على وَالْمعْنَى أَرْوَاحهم على جَوف طير خضر كَقَوْلِه تَعَالَى {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي على جُذُوع وَجَائِز أَن يُسمى الطير جوفا إِذْ هُوَ مُحِيط بِهِ ومشتمل عَلَيْهِ قَالَه عبد الْحق
وَقَالَ غَيره لَا مَانع من أَن تكون فِي الأجواف حَقِيقَة ويوسعها الله لَهَا حَتَّى تكون أوسع من الفضاء
62 -
وَقَالَ إِبْنِ دحْيَة فِي التَّنْوِير قَالَ قوم من الْمُتَكَلِّمين هَذِه رِوَايَة مُنكرَة وَقَالُوا لَا يكون روحان فِي جَسَد وَاحِد وَإِن ذَلِك محَال وَقَوْلهمْ جهل بالحقائق وإعترض على السّنة وَالْجَمَاعَة الثَّابِتَة فَإِن معنى الْكَلَام بَين فَإِن روح الشَّهِيد الَّذِي كَانَ فِي جَوف جسده فِي الدُّنْيَا يَجْعَل فِي جَوف جَسَد آخر كَأَنَّهُ صُورَة طَائِر فَيكون فِي هَذَا الْجَسَد الآخر كَمَا كَانَ فِي الأول وَذَلِكَ مُدَّة البرزخ إِلَى أَن يُعِيد الله يَوْم الْقِيَامَة كَمَا خلقه وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِيل فِي الْعقل قيام حياتين بجوهر وَاحِد فيحيا الْجَوْهَر بهما جَمِيعًا وَأما روحان فِي جَسَد فَلَيْسَ بمحال إِذْ لم يقل بتداخل الْأَجْسَام فَهَذَا الْجَنِين فِي بطن أمه وروحه غير روحها وَقد إشتمل عَلَيْهِمَا جَسَد وَاحِد وَهَذَا أقرب لَو قيل لَهُم إِن الطَّائِر لَهُ روح غير روح الشَّهِيد وهما فِي جَسَد وَاحِد وَإِنَّمَا قيل فِي أَجْوَاف طير خضر أَي فِي صُورَة طير كَمَا نقُول رَأَيْت ملكا فِي صُورَة إِنْسَان وَهَذَا فِي غَايَة الْبَيَان إنتهى
63 -
وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} فَإِن قيل الْأَمْوَات كلهم كَذَلِك فَكيف خصص هَؤُلَاءِ فَالْجَوَاب أَن الْكل لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَوْت عبارَة
عَن أَن تنْزع الرّوح عَن الأجساد لقَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} أَي يَأْخُذهَا وافية من الأجساد والمجاهد تنقل روحه إِلَى طير خضر فقد إنتقل من جَسَد إِلَى آخر بِخِلَاف غَيره فَإِن أَرْوَاحهم تنفى من الأجساد
64 -
قَالَ وَأما حَدِيث كَعْب نسمَة الْمُؤمن إِلَى آخِره فَهَذَا الْعُمُوم مَحْمُول على الْمُجَاهدين لِأَنَّهُ قد ورد أَن الرّوح فِي الْقَبْر يعرض عَلَيْهَا مقعدها من الْجنَّة وَالنَّار ولأنا أمرنَا بِالسَّلَامِ على الْقُبُور وَلَوْلَا أَن الْأَرْوَاح تدْرك لما كَانَ فِيهِ فَائِدَة إنتهى
فَاخْتَارَ فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء أَنَّهَا كَانَت كائنة فِي طير لَا أَنَّهَا نَفسهَا طير وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما وَإِنَّمَا تركب فِي جَسَد آخر وَهُوَ وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فَلهُ حكم الْمَرْفُوع لِأَن مثله لَا يُقَال من قبل الرَّأْي وَقد رَأَيْت لَهُ شَاهدا مَرْفُوعا
65 -
وَأخرج 7 هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة قَالَ حَدثنَا بعض أهل الْعلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الشُّهَدَاء ثَلَاثَة فأدنى الشُّهَدَاء عِنْد الله منزلَة رجل خرج مَنْبُوذًا بِنَفسِهِ وَمَاله لَا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل أَتَاهُ سهم غرب فَأَصَابَهُ فَأول قَطْرَة تقطر من دَمه يغْفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ثمَّ يهْبط الله جسدا من السَّمَاء يَجْعَل فِيهِ روحه ثمَّ يصعد بِهِ إِلَى الله فَمَا يمر بسماء من السَّمَاوَات إِلَّا شيعته الْمَلَائِكَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الله فَإِذا أَنْتَهِي بِهِ وَقع سَاجِدا ثمَّ يُؤمر بِهِ فيكسى سبعين حلَّة من الإستبرق ثمَّ يُقَال إذهبوا بِهِ إِلَى إخوانه من الشُّهَدَاء فَاجْعَلُوهُ مَعَهم فَيُؤتى بِهِ إِلَيْهِم وهم فِي قبَّة خضراء عِنْد بَاب الْجنَّة يخرج عَلَيْهِم غذاؤهم من الْجنَّة فَإِذا إنتهى إِلَى إخوانه سَأَلُوهُ كَمَا تسْأَلُون الرَّاكِب يقدم عَلَيْكُم من بِلَادكُمْ فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان مَا فعل فلَان فَيَقُول أفلس فلَان فَيَقُولُونَ مَا فعل بِمَالِه فوَاللَّه إِنَّه كَانَ لكيسا جموعا تَاجِرًا إِنَّا لَا نعد الْمُفلس كَمَا تَعدونَ إِنَّمَا الْمُفلس من الْأَعْمَال
فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان بإمرأته فُلَانَة فَيَقُول طَلقهَا فَيَقُولُونَ مَا الَّذِي جرى بَينهمَا حَتَّى طَلقهَا فوَاللَّه إِن كَانَ بهَا لمعجبا فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان فَيَقُول مَاتَ
قبلي بِزَمَان فَيَقُولُونَ هلك وَالله مَا سمعنَا لَهُ بِذكر إِن لله طَرِيقين أَحدهمَا علينا وَالْآخر مُخَالف بِهِ عَنَّا فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا مر بِهِ علينا فَعرفنَا مَتى مَاتَ وَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد شرا خُولِفَ بِهِ عَنَّا فَلم نسْمع لَهُ بِذكر الحَدِيث
قَالَ فِي الصِّحَاح أَصَابَهُ سهم غرب يُضَاف وَلَا يُضَاف يسكن ويحرك إِذا كَانَ لَا يدرى من رَمَاه
66 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم عَن حَيَّان بن جبلة قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الشَّهِيد إِذا أستشهد أنزل الله لَهُ جسدا كأحسن جَسَد ثمَّ يُقَال لروحه أدخلي فِيهِ فَينْظر إِلَى جسده الأول مَا فعل بِهِ وَيتَكَلَّم فيظن أَنهم يسمعُونَ كَلَامه فَينْظر إِلَيْهِم فيظن أَنهم يرونه حَتَّى يَأْتِيهِ أَزوَاجه يَعْنِي من الْحور الْعين فيذهبن بِهِ
وَقَالَ صَاحب الإفصاح الْمُنعم على جِهَات مُخْتَلفَة مِنْهَا مَا هُوَ طَائِر فِي شجر الْجنَّة وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير خضر وَمِنْهَا مَا يأوي فِي قناديل تَحت الْعَرْش وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير بيض وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير كالزرازير وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي أشخاص صور من صور الْجنَّة وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي صُورَة تخلق لَهُم من ثَوَاب أَعْمَالهم وَمِنْهَا مَا تسرح وتتردد إِلَى جثتها تزورها وَمِنْهَا مَا تلقى أَرْوَاح المقبوضين وَمِمَّنْ سوى ذَلِك مَا هُوَ كَفَالَة مِيكَائِيل وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي كَفَالَة آدم وَمِنْهَا مَا هُوَ كَفَالَة إِبْرَاهِيم
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهَذَا قَول حسن لجمع الْأَخْبَار حَتَّى لَا تتدافع
قلت وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي حَدِيث الْإِسْرَاء عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وإبن مرْدَوَيْه من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذا أَنا بِيَحْيَى وَعِيسَى ومعهما نفر من قومهما ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذا أَنا بِيُوسُف وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذا أَنا بهَارُون وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا أَنا بمُوسَى وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا أَنا بإبراهيم وَمَعَهُ نفر من قومه فَقيل لي هَذَا مَكَانك وَمَكَان أمتك ثمَّ تَلا {إِن أولى}
النَّاس بإبراهيم للَّذين إتبعوه وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا) وَإِذا بأمتي شطران شطر عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشطر عَلَيْهِم ثِيَاب مدر الحَدِيث فَهَذَا يدل على تفَاوت الْأَرْوَاح فِي الْمَرَاتِب وَأَن فِي كل سَمَاء قوما
67 -
وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ الْأَرْوَاح تجول فِي البرزخ فتبصر أَحْوَال الدُّنْيَا وأحوال الْمَلَائِكَة تَتَحَدَّث فِي السَّمَاء عَن أَحْوَال الْآدَمِيّين وأرواح تَحت الْعَرْش وأرواح طيارة إِلَى الْجنان إِلَى حَيْثُ شَاءَت على أقدارهم من السَّعْي إِلَى الله أَيَّام الْحَيَاة
68 -
وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر لما ذكر حَدِيث إِبْنِ مَسْعُود فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَحَدِيث إِبْنِ عَبَّاس ثمَّ أورد حَدِيث البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ لما توفّي إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة ثمَّ قَالَ فَحكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على إبنه إِبْرَاهِيم بِأَنَّهُ يرضع فِي الْجنَّة وَهُوَ مدفون بِالبَقِيعِ فِي مَقْبرَة الْمَدِينَة
69 -
وَقَالَ إِبْنِ الْقيم لَا مُنَافَاة بَين حَدِيث أَنه طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَبَين حَدِيث عرض المقعد بل ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثَمَرهَا ويعرض عَلَيْهِ مَقْعَده لِأَنَّهُ لَا يدْخلهُ إِلَّا يَوْم الْجَزَاء بِدَلِيل أَن منَازِل الشُّهَدَاء يَوْمئِذٍ لَيست هِيَ الَّتِي تأوي إِلَيْهَا أَرْوَاحهم فِي البرزخ
فدخول الْجنَّة التَّام إِنَّمَا يكون للْإنْسَان التَّام روحا وبدنا وَدخُول الرّوح فَقَط أَمر دون ذَلِك
70 -
وَفِي بَحر الْكَلَام للنسفي الْأَرْوَاح على أَرْبَعَة أوجه أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء تخرج من جَسدهَا وَتصير مثل صورتهَا مثل الْمسك والكافور وَتَكون فِي الْجنَّة تَأْكُل وتشرب وتتنعم وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش وأرواح الشُّهَدَاء تخرج من جَسدهَا وَتَكون فِي أَجْوَاف طير خضر فِي الْجنَّة تَأْكُل وتتنعم وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل معلقَة بالعرش وأرواح المطيعين من الْمُؤمنِينَ بربض
الْجنَّة لَا تَأْكُل وَلَا تتمتع وَلَكِن تنظر فِي الْجنَّة وأرواح العصاة من الْمُؤمنِينَ تكون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فِي الْهَوَاء وَأما أَرْوَاح الْكفَّار فَهِيَ فِي سِجِّين فِي جَوف طير سود تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَهِي مُتَّصِلَة بأجسادها فتعذب الْأَرْوَاح وتتألم الأجساد مِنْهُ كَالشَّمْسِ فِي السَّمَاء ونورها فِي الأَرْض إنتهى
71 -
وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ رَجَب فِي أهوال الْقُبُور فِي الْبَاب التَّاسِع فِي ذكر مَحل أَرْوَاح الْمَوْتَى فِي البرزخ أما الْأَنْبِيَاء عليهم السلام فَلَا شكّ أَن أَرْوَاحهم عِنْد الله فِي أَعلَى عليين وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن آخر كلمة تكلم بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد مَوته أَنه قَالَ اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى
وَقَالَ رجل لإبن مَسْعُود قبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي الْجنَّة
وَأما الشُّهَدَاء فَأكْثر الْعلمَاء على أَنهم فِي الْجنَّة وَقد تكاثرت الْأَحَادِيث بذلك كَحَدِيث مُسلم عَن إِبْنِ مَسْعُود وَحَدِيث أَحْمد وَأبي دَاوُد عَن إِبْنِ عَبَّاس وَغَيرهمَا مِمَّا سبق
وَمن الْأَحَادِيث غير مَا تقدم مَا أخرجه أَحْمد وإبن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرُّؤْيَا الْحَسَنَة فَكَانَ فِيمَا يَقُول هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا فَإِذا رأى الرجل الَّذِي لَا يعرفهُ الرُّؤْيَا سَأَلَ عَنهُ فَإِن أخبر عَنهُ بِمَعْرُوف كَانَ أعجب لرؤياه قَالَ فَجَاءَت إمرأة فَقَالَت يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي خرجت فأدخلت الْجنَّة فَسمِعت وجبة إرتجت لَهَا الْجنَّة فَإِذا أَنا بفلان وَفُلَان حَتَّى عدت إثني عشر رجلا وَقد بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة قبل ذَلِك فجيء بهم وَعَلَيْهِم ثِيَاب طلس تشخب أوداجهم فَقيل إذهبوا بهم إِلَى نهر البيدخ فغمسوا فِيهِ فأخرجوا ووجوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وَأتوا بكراسي من ذهب فأقعدوا عَلَيْهَا وَجِيء بصحفة من ذهب فِيهَا بسرة فَأَكَلُوا من البسرة مَا شاؤوا فَمَا يقلبونها لوجه من وَجه إِلَّا أكلُوا من فَاكِهَة مَا شاؤوا قَالَت وأكلت مَعَهم فجَاء البشير من تِلْكَ السّريَّة فَقَالَ يَا رَسُول الله كَانَ كَذَا وَكَذَا وَأُصِيب فلَان وَفُلَان
حَتَّى عد إثني عشر رجلا فَقَالَ عَليّ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَ قصي رُؤْيَاك على هَذَا فَقَالَ الرجل هُوَ كَمَا قَالَت أُصِيب فلَان وَفُلَان
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ لَيْسَ الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَلَكنهُمْ يرْزقُونَ مِنْهَا
72 -
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} الْآيَة قَالَ يَقُول أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ من ثَمَر الْجنَّة ويجدون رِيحهَا وَلَيْسوا فِيهَا وَقد يسْتَدلّ لَهُ بِحَدِيث إِبْنِ عَبَّاس الشُّهَدَاء على نهر بارق بِبَاب الْجنَّة الحَدِيث فَإِنَّهُ يدل على أَن النَّهر خَارج الْجنَّة وَيُجَاب بِأَن إِبْنِ إِسْحَاق رَاوِيه مُدَلّس وَلم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي عُمُوم الشُّهَدَاء وَالَّذين فِي الْقَنَادِيل تَحت الْعَرْش خواصهم أَو لَعَلَّ المُرَاد بِالشُّهَدَاءِ هُنَا من هُوَ شَهِيد غير من قتل فِي سَبِيل الله كالمطعون والمبطون والغريق وَغَيرهم مِمَّن ورد النَّص بِأَنَّهُ شَهِيد أَو سَائِر الْمُؤمنِينَ فقد يُطلق الشَّهِيد على من حقق الْإِيمَان وَشهد بِصِحَّتِهِ كَمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ كل مُؤمن صديق وشهيد قيل مَا تَقول يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ إقرؤوا {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم}
وروى الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مؤمنو أمتِي شُهَدَاء ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذِه الْآيَة وَأما بَقِيَّة الْمُؤمنِينَ سوى الشُّهَدَاء فَأهل تَكْلِيف وَغَيرهم كأطفال الْمُؤمنِينَ الْجُمْهُور على أَنهم فِي الْجنَّة
وَحكى الإِمَام أَحْمد الْإِجْمَاع على ذَلِك قَالَ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد لَيْسَ فيهم إختلاف أَنهم فِي الْجنَّة وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ وَلَا أحد يشك أَنهم فِي الْجنَّة وَكَذَلِكَ نَص الشَّافِعِي رحمه الله على أَنهم فِي الْجنَّة وَجَاء صَرِيحًا عَن السّلف أَن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَذهب طَائِفَة إِلَى أَنه يشْهد لأطفال الْمُؤمنِينَ عُمُوما أَنهم فِي الْجنَّة وَلَا يشْهد لآحادهم وَلَعَلَّ هَذَا يرجع إِلَى أَن الطِّفْل الْمعِين لَا يشْهد لِأَبِيهِ بِالْإِيمَان فَلَا يشْهد حِينَئِذٍ لَهُ أَنه من أَطْفَال الْمُؤمنِينَ فَيكون التَّوَقُّف فِي آحادهم للتوقف فِي إِيمَان آبَائِهِم
وَلم يثبت هَذَا القَوْل صَرِيحًا عَن أحد من الْأَئِمَّة وَإِنَّمَا أَخذ ذَلِك من عمومات كَلَام لَهُم وَإِنَّمَا أَرَادوا بِهِ أَطْفَال الْمُشْركين وَقد إستدل أَحْمد بِحَدِيث وصغارهم دعاميص الْجنَّة وَنَحْوه قَالَ الإِمَام أَحْمد إِذا كَانَ يُرْجَى لِأَبَوَيْهِ دُخُول الْجنَّة بِسَبَبِهِ فَكيف يشك فِيهِ
وَأما المكلفون من الْمُؤمنِينَ سوى الشُّهَدَاء فَاخْتلف الْعلمَاء فيهم قَدِيما وحديثا فنص الإِمَام أَحْمد على أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة وأرواح الْكفَّار فِي النَّار وَاسْتدلَّ بِحَدِيث كَعْب بن مَالك وَأم هانىء وَأبي هُرَيْرَة وَأم بشر وَعبد الله بن عَمْرو وَنَحْوهم وَرُوِيَ عَن هِلَال بن يسَاف أَن إِبْنِ عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن عليين وسجين فَقَالَ كَعْب أما علييون فالسماء السَّابِعَة فِيهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ وَأما سِجِّين فالأرض السَّابِعَة السُّفْلى فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار تَحت خد إِبْلِيس
وَقد ثَبت بالأدلة أَن الْجنَّة فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وَأَن النَّار تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ لذَلِك مَا أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن خَدِيجَة فَقَالَ أبصرتها على نهر من أَنهَار الْجنَّة فِي بَيت من قصب لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب
73 -
وَمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد مُنْقَطع عَن فَاطِمَة أَنَّهَا قَالَت للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَيْن أمنا خَدِيجَة قَالَ فِي بَيت من قصب لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب بَين مَرْيَم وآسية إمرأة فِرْعَوْن قَالَت من هَذَا الْقصب قَالَ لَا بل من الْقصب المنظوم بالدر والياقوت
وَمَا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما رجم الْأَسْلَمِيّ الَّذِي اعْترف عِنْده بِالزِّنَا قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه الْآن فِي أَنهَار الْجنَّة ينغمس فِيهَا
74 -
وَمَا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه من حَدِيث ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا فَارق الرّوح الْجَسَد وبرىء من ثَلَاث دخل الْجنَّة من الْكبر والغلول وَالدّين
75 -
وَقَالَت طَائِفَة الْأَرْوَاح فِي الأَرْض ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت فرقة الْأَرْوَاح تَسْتَقِر على أفنية الْقُبُور قَالَه إِبْنِ وضاح وَحَكَاهُ إِبْنِ حزم عَن عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث وَرجح إِبْنِ عبد الْبر أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وأرواح غَيرهم على أفنية الْقُبُور فتسرح حَيْثُ شَاءَت وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيث السَّلَام عَلَيْهِم وَعرض المقعد وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك على أَن الْأَرْوَاح لَيست فِي الْجنَّة فَإِن الْعرض على الْجَسَد وللروح بِهِ إتصال وَالروح وَحدهَا فِي الْجنَّة وَكَذَا السَّلَام على أهل الْقُبُور لَا يدل على إستقرار أَرْوَاحهم على أفنية قُبُورهم فَإِنَّهُ يسلم على قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وأرواحهم فِي أَعلَى عليين وَلَكِن لَهَا مَعَ ذَلِك إتصال سريع بالجسد وَلَا يعلم كنه ذَلِك وكيفيته على الْحَقِيقَة إِلَّا الله عز وجل وَيشْهد لذَلِك الْأَحَادِيث المروية فِي أَن النَّائِم يعرج بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش هَذَا مَعَ تعلقهَا بِبدنِهِ وَسُرْعَة عودهَا إِلَيْهِ عِنْد إستيقاظه فأرواح الْمَوْتَى المتجردة عَن أبدانهم أولى بعروجها إِلَى السَّمَاء وعودها إِلَى الْقَبْر فِي مثل تِلْكَ السرعة
76 -
وَقَالَت فرقة تجمع الْأَرْوَاح بِموضع من الأَرْض فأرواح الْمُؤمنِينَ تجمع بالجابية وَقيل ببئر زَمْزَم وأرواح الْكفَّار تجمع ببئر برهوت وَرجحه القَاضِي أَبُو يعلى من الْحَنَابِلَة فِي كِتَابَة الْمُعْتَمد وَهُوَ مُخَالف لنَصّ أَحْمد أَن أَرْوَاح الْكفَّار فِي النَّار وَلَعَلَّ لبئر برهوت إتصالا بجهنم فِي قعرها كَمَا رُوِيَ فِي الْبَحْر أَن تَحْتَهُ جَهَنَّم وَفِي كتاب الحكايات لأبي عمر أَحْمد بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي حَدثنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عِيسَى الطرسوسي حَدثنَا حَامِد بن يحيى بن سليم قَالَ كَانَ عندنَا بِمَكَّة رجل من أهل خُرَاسَان يودع الودائع فيؤديها فأودعه رجل عشرَة آلَاف دِينَار وَغَابَ وَحضر الْخُرَاسَانِي الْوَفَاة فَمَا ائْتمن أحدا من أَوْلَاده عَلَيْهَا فدفنها فِي بعض بيوته وَمَات فَقدم الرجل وَسَأَلَ بنيه فَقَالُوا مَا لنا بهَا علم فسألوا الْعلمَاء الَّذين كَانُوا بِمَكَّة وهم يَوْمئِذٍ متوافرون فَقَالُوا مَا نرَاهُ إِلَّا من أهل الْجنَّة وَقد بلغنَا أَن أَرْوَاح أهل الْجنَّة فِي زَمْزَم فَإِذا مضى من اللَّيْل ثلثه أَو نصفه فأت زَمْزَم فقف على شفيرها ثمَّ ناده فَإنَّا نرجو أَن يجيبك فَإِن أجابك فسله عَن مَالك فَذهب كَمَا قَالُوا فَنَادَى أول لَيْلَة وثانية وثالثة فَلم يجب فَرجع إِلَيْهِم فَقَالَ ناديت ثَلَاثًا فَلم
أجب فَقَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون مَا نرى صَاحبك إِلَّا من أهل النَّار فَاخْرُج إِلَى الْيَمين فَإِن بهَا وَاديا يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ بِئْر يُقَال بهَا برهوت فِيهَا أَرْوَاح أهل النَّار فقف على شفيرها فناده فِي الْوَقْت الَّذِي ناديت بِهِ فِي زَمْزَم فَذهب كَمَا قيل لَهُ فِي اللَّيْل فَنَادَى يَا فلَان بن فلَان أَنا فلَان فَأَجَابَهُ فِي أول صَوت وَسَقَطت بَقِيَّة الْحِكَايَة من الْكتاب
77 -
وَقَالَ صَفْوَان بن عمر سَأَلت عَامر بن عبد الله أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ يُقَال إِن الأَرْض الَّتِي يَقُول الله تَعَالَى {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} هِيَ الأَرْض الَّتِي تَجْتَمِع أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِيهَا حَتَّى يكون الْبَعْث أخرجه إِبْنِ مَنْدَه وَهَذَا غَرِيب جدا وَتَفْسِير الْآيَة بذلك أغرب
78 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ كتب عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما إِلَى أبي بن كَعْب يسْأَله أَيْن تلتقي أَرْوَاح أهل الْجنَّة وأرواح أهل النَّار فَقَالَ أما أَرْوَاح أهل الْجنَّة فبالجابية وَأما أَرْوَاح الْكفَّار فبحضرموت
79 -
وَقَالَت طَائِفَة من الصَّحَابَة الْأَرْوَاح عِنْد الله صَحَّ ذَلِك عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما
80 -
وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من طَرِيق الشّعبِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ إِن الْأَرْوَاح مَوْقُوفَة عِنْد الله تنْتَظر موعدها حَتَّى ينْفخ فِيهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا وَردت بِهِ الْأَخْبَار من مَحل الْأَرْوَاح على مَا سبق
81 -
وَقَالَت طَائِفَة أَرْوَاح بني آدم عِنْد أَبِيهِم آدم عَن يَمِينه وشماله لما فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة الْإِسْرَاء فَلَمَّا فتح علونا السَّمَاء فَإِذا رجل قَاعد على يَمِينه أَسْوِدَة وعَلى يسَاره أَسْوِدَة فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى فَقلت لجبريل من هَذَا فَقَالَ آدم وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه وشماله نسم بنيه فَأهل الْيَمين مِنْهُم أهل الْجنَّة والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار فَإِذا نظر عَن يَمِينه ضحك وَإِذا نظر عَن شِمَاله بَكَى الحَدِيث وَظَاهر هَذَا اللَّفْظ يَقْتَضِي
أَن أَرْوَاح الْكفَّار فِي السَّمَاء وَهُوَ مُخَالف لِلْقُرْآنِ وَلِحَدِيث أَن السَّمَاء لَا تفتح لأرواح الْكفَّار
وَقد ورد فِي بعض طرق الحَدِيث مَا يزِيل الْإِشْكَال وَلَفظه وَإِذا هُوَ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته فَإِذا كَانَ روح الْمُؤمن قَالَ روح طيبَة إجعلوها فِي عليين وَإِذا كَانَ روح الْكَافِر قَالَ روح خبيثة إجعلوها فِي سِجِّين الحَدِيث فَفِي هَذَا أَنه تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَأَنه يُؤمر بِجعْل الْأَرْوَاح فِي مستقرها فَدلَّ على أَن الْأَرْوَاح لَيْسَ مَحل إستقرارها فِي السَّمَاء الدُّنْيَا
وَزعم إِبْنِ حزم أَن الله خلق الْأَرْوَاح جملَة قبل الأجساد وَأَنه جعلهَا فِي برزخ وَذَلِكَ البرزخ عِنْد مُنْقَطع العناصر بِحَيْثُ لَا مَاء وَلَا هَوَاء وَلَا تُرَاب وَلَا نَار وَأَنه إِذا خلق الأجساد أَدخل فِيهَا تِلْكَ الْأَرْوَاح ثمَّ يُعِيدهَا عِنْد قبضهَا إِلَى ذَلِك البرزخ وتعجل أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء إِلَى الْجنَّة وَهَذَا قَول لم يقلهُ أحد من الْمُسلمين وَلَا هُوَ من جنس كَلَامهم وَإِنَّمَا هُوَ من جنس كَلَام المتفلسفة
وَحكي عَن طَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين أَن الْأَرْوَاح تَمُوت بِمَوْت الأجساد وَنسب إِلَى الْمُعْتَزلَة وَقَالَ بِهِ جمَاعَة من فُقَهَاء الأندلس قَدِيما مِنْهُم عبد الْأَعْلَى بن وهب بن مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَمن متأخريهم كالسهيلي وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَقد اشْتَدَّ نَكِير الْعلمَاء لهَذِهِ الْمقَالة حَتَّى قَالَ سَحْنُون بن سعيد وَغَيره هَذَا قَول أهل الْبدع والنصوص الْكَثِيرَة الدَّالَّة على بَقَاء الْأَرْوَاح بعد مفارقتها للأبدان ترد ذَلِك وتبطله وَالْفرق بَين حَيَاة الشُّهَدَاء وَغَيرهم من الْمُؤمنِينَ الَّذين أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء تخلق لَهَا أجساد وَهِي الطير الَّتِي تكون فِي حواصلها ليكمل بذلك نعيمها وَيكون أكمل من نعيم الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة عَن الأجساد فَإِن الشُّهَدَاء بذلوا أَجْسَادهم للْقَتْل فِي سَبِيل الله فعوضعوا عَنْهَا بِهَذِهِ الأجساد فِي البرزخ وَالثَّانِي أَنهم يرْزقُونَ من الْجنَّة وَغَيرهم لم يثبت فِي حَقه مثل ذَلِك وَإِن جَاءَ أَنهم يعلقون فِي شجر الْجنَّة فَقيل مَعْنَاهُ التَّعَلُّق وَقيل الْأكل من الشّجر وَبِكُل حَال فَلَا يلْزم مساواتهم للشهداء فِي كَمَال تنعمهم فِي الْأكل وَالله أعلم
82 -
وَأما مَا أخرجه إِبْنِ السّني عَن إِبْنِ مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا دخل الْمَقَابِر قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أيتها الْأَرْوَاح الفانية والأبدان البالية وَالْعِظَام النخرة
الَّتِي خرجت من الدُّنْيَا وَهِي بِاللَّه مُؤمنَة اللَّهُمَّ أَدخل عَلَيْهِم روحا مِنْك وَسلَامًا منا فَإِنَّهُ مَعَ ضعف سَنَده مؤول بِأَن المُرَاد بِفنَاء الْأَرْوَاح ذهابها من الأجساد الْمُشَاهدَة فَائِدَة
83 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم للنَّفس أَرْبَعَة دور كل دَار أعظم من الَّتِي قبلهَا الأولى بطن الْأُم وَذَلِكَ مَحل الْحصْر والضيق وَالْغَم والظلمات الثَّلَاث الثَّانِيَة هَذِه الدَّار الَّتِي نشأت فِيهَا وألفتها واكتسبت فِيهَا الْخَيْر وَالشَّر الثَّالِثَة دَار البرزخ وَهِي أوسع من هَذِه الدَّار وَأعظم وَنسبَة هَذِه الدَّار إِلَيْهَا كنسبة الدَّار الأولى إِلَى هَذِه
الرَّابِعَة الدَّار الَّتِي لَا دَار بعْدهَا دَار الْقَرار الْجنَّة أَو النَّار وَلها فِي كل دَار من هَذِه الدّور حكم وشأن غير شَأْن الْأُخْرَى
قلت وَيدل لما ذكره فِي الثَّالِثَة مَا أخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من مُرْسل سليم بن عَامر الجنائزي مَرْفُوعا إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا خرج من بَطنهَا بَكَى على مخرجه حَتَّى إِذا رأى الضَّوْء ورضع لم يحب أَن يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْمُؤمن يجزع من الْمَوْت فَإِذا أقضى إِلَى ربه لم يحب أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يحب الْجَنِين أَن يرجع إِلَى بطن أمه
84 -
وَأخرج أَيْضا من مُرْسل عَمْرو بن دِينَار أَن رجلا مَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أصبح هَذَا مرتحلا من الدُّنْيَا فَإِن كَانَ قد رَضِي فَلَا يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يسر أحدكُم أَن يرجع إِلَى بطن أمه
85 -
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا شبهت خُرُوج الْمُؤمن من الدُّنْيَا إِلَّا كَمثل خُرُوج الصَّبِي من بطن أمه من ذَلِك الْغم والظلمة إِلَى روح الدُّنْيَا
فَائِدَة
86 -
حكى اليافعي فِي كِفَايَة المعتقد عَن الشَّيْخ عمر بن الفارض أَنه حضر جَنَازَة رجل من الْأَوْلِيَاء قَالَ فَلَمَّا صلينَا عَلَيْهِ وَإِذا الجو قد إمتلأ بطيور
خضر فجَاء طير كَبِير مِنْهُم فابتلعه ثمَّ طَار قَالَ فتعجبت من ذَلِك فَقَالَ لي رجل كَانَ قد نزل من الْهَوَاء وَحضر الصَّلَاة لَا تعجب فَإِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طيور خضر ترعى فِي الْجنَّة أُولَئِكَ شُهَدَاء السيوف وَأما شُهَدَاء المحنة فأجسادهم أَرْوَاح
قلت وَيُشبه هَذَا مَا أخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل قد أعتزل النَّاس فِي كَهْف جبل وَكَانَ أهل زَمَانه إِذا قحطوا إستغاثوا بِهِ فَدَعَا الله فسقاهم فَمَاتَ فَأخذُوا فِي جهازه فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا هم بسرير يرفرف فِي عنان السَّمَاء حَتَّى إنتهى إِلَيْهِ فَقَامَ رجل فَأَخذه فَوَضعه على السرير فارتفع السرير وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي الْهَوَاء حَتَّى غَابَ عَنْهُم وتوجهوا بِهِ إِلَى الْجنَّة
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن عُرْوَة أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة فِيمَن قتل وَأسر عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فَقَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل هَل تعرف أَصْحَابك قَالَ نعم فَطَافَ فيهم يَعْنِي فِي الْقَتْلَى وَجعل يسْأَله عَن أنسابهم قَالَ هَل تفقد مِنْهُم من أحد قَالَ أفقد مولى لأبي بكر يُقَال لَهُ عَامر بن فهَيْرَة قَالَ كَيفَ كَانَ فِيكُم قَالَ كَانَ من أفضلنا قَالَ أَلا أخْبرك خَبره هَذَا طعنه بِرُمْح ثمَّ انتزع رمحه فَذهب بِالرجلِ علوا فِي السَّمَاء حَتَّى وَالله مَا أرَاهُ
وَكَانَ الَّذِي قَتله رجل من كلاب يُقَال لَهُ جَبَّار بن سلمى فَأتى الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي فَأسلم وَقَالَ دَعَاني إِلَى الْإِسْلَام مَا رَأَيْت من مقتل عَامر بن فهَيْرَة وَمن رَفعه إِلَى السَّمَاء علوا فَكتب الضَّحَّاك إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِهِ وَمَا رأى من مقتل عَامر بن فهَيْرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن الْمَلَائِكَة وارت جثته وَأنزل فِي عليين
87 -
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر بِلَفْظ فَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل لقد رَأَيْته بعد مَا قتل رفع إِلَى السَّمَاء حَتَّى إِنِّي لأنظر إِلَى السَّمَاء بَينه وَبَين الأَرْض ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَقَالَ فِي آخِره ثمَّ وضع قَالَ فَيحْتَمل أَنه رفع ثمَّ وضع ثمَّ فقد بعد ذَلِك فقد روينَا فِي مغازي مُوسَى بن عقبَة فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ عُرْوَة بن الزبير لم يُوجد جَسَد عَامر يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة وارته إنتهى
88 -
وَأخرج إِبْنِ سعد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا رفع عَامر بن فهَيْرَة إِلَى السَّمَاء فَلم تُوجد جثته يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة وارته
قلت وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بمواراة الْمَلَائِكَة تغييبه فِي السَّمَاء كَمَا فِي الرِّوَايَة الأولى وارت جثته وَأنزل فِي عليين
ويناظره أَيْضا مَا أخرجه أَحْمد وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَعثه عينا وَحده قَالَ فَجئْت إِلَى خَشَبَة خبيب فرقيت فِيهَا وَأَنا أَتَخَوَّف الْعُيُون فأطلقته فَوَقع فِي الأَرْض ثمَّ اقتحمت فانتبذت غير بعيد ثمَّ الْتفت فَلم أر خبيبا فَكَأَنَّمَا ابتعلته الأَرْض فَلم ير لخبيب أثر حَتَّى السَّاعَة فَهَذَا خبيب بن عدي أَيْضا مِمَّن وارته الْمَلَائِكَة إِمَّا بِرَفْع إِلَى السَّمَاء وَهُوَ الظَّاهِر أَو بدفن فِي الأَرْض وَقد جزم أَبُو نعيم بِرَفْعِهِ أَيْضا فَقَالَ عِنْد ذكر موازنة معجزاته صلى الله عليه وسلم بمعجزات الْأَنْبِيَاء فَإِن قيل فَأن عِيسَى رفع إِلَى السَّمَاء قُلْنَا وَقد رفع قوم من أمة مُحَمَّد نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وأكمل التَّحِيَّات كَمَا رفع عِيسَى وَذَلِكَ أعجب ثمَّ ذكر قصَّة عَامر بن فهَيْرَة وخبيب بن عدي وقصة الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ السَّابِقَة فِي آخر بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم
وَمِمَّا يُقَوي قصَّة الرّفْع إِلَى السَّمَاء مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهم من حَدِيث جَابر أَن طَلْحَة أُصِيبَت أنامله يَوْم أحد فَقَالَ حس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو قلت بِسم الله لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك حَتَّى تلج بك فِي جو السَّمَاء السَّمَاء
وَمِمَّا يُنَاسب قصَّة التغييب فِي الْجُمْلَة مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر من طرق عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن أويسا الْقَرنِي أَصَابَهُ الْبَطن فِي سفر فَمَاتَ فوجدوا فِي جرابه ثَوْبَيْنِ ليسَا من ثِيَاب الدُّنْيَا
وَفِي رِوَايَة ليسَا مِمَّا ينسج بَنو آدم وَذهب رجلَانِ ليحفرا لَهُ قبرا فجاءا فَقَالَا قد أصبْنَا قبرا محفورا فِي صَخْرَة كَأَنَّمَا رفعت الْأَيْدِي عَنهُ السَّاعَة فكفنوه ودفنوه ثمَّ التفتوا فَلم يرَوا شَيْئا وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن سَلمَة وَفِي آخِره فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض لَو رَجعْنَا فَعلمنَا قَبره فرجعنا فَإِذا لَا قبر وَلَا أثر
وَمِمَّا يناظر قصَّة الطير الْخضر مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي بكر بن رَيَّان قَالَ وقفت فِي حمام الْغلَّة بِمصْر وَقد جاؤوا بنعش ذِي النُّون فَرَأَيْت طيورا خضرًا ترفرف عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل بِهِ إِلَى قَبره فَلَمَّا دفن غَابَتْ
وَفِي كتاب السِّرّ المصون فِيمَا أكْرم بِهِ المخلصون لطاهر بن مُحَمَّد الصَّدَفِي فِي تَرْجَمَة سَلامَة الْكِنَانِي أحد الصَّالِحين أَنه أخبر عَام مَوته أَنه يَمُوت فِي عَام كَذَا فِي وَقت كَذَا فَمَاتَ فِي ذَلِك الْوَقْت وَأَن الطُّيُور الْبيض الَّتِي ترى على جنائز الصَّالِحين كَانَت ترفرف على نعشه إِلَى أَن نزلت مَعَه قَبره وَهَذِه الْعبارَة تشعر بِأَن ذَلِك معهودا فِي جنائز الصَّالِحين غير مستغرب
وَفِي هَذَا الْكتاب أَيْضا فِي تَرْجَمَة مَالك بن عَليّ القلانسي أَنه لما مَاتَ وَوضع على سَرِيره للصَّلَاة عَلَيْهِ رأى النَّاس الصَّحرَاء وَالْجِبَال وَمَا امْتَدَّ إِلَيْهِ الْبَصَر مملوءا أُنَاسًا عَلَيْهِم ثِيَاب أَشد مَا تكون بَيَاضًا فصلوا عَلَيْهِ مَعَ النَّاس
89 -
وَأخرج عَن أبي خَالِد قَالَ لما مَاتَ عَمْرو بن قيس رَأَوْا الصَّحرَاء مَمْلُوءَة رجَالًا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض فَلَمَّا صلي عَلَيْهِ وَدفن لم يرَوا فِي الصَّحرَاء أحدا
90 -
وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ بَينا أَنا ذَات لَيْلَة فِي الْجَبانَة إِذْ سَمِعت حَزينًا يُنَاجِي مَوْلَاهُ وَيَقُول سَيِّدي قصدك عَبدك روحه لديك وقياده بيديك واشتياقه إِلَيْك وحسراته عَلَيْك ليله أرق ونهاره قلق وأحشاؤه تحترق ودموعه تستبق شوقا إِلَى رؤيتك وحنينا إِلَى لقائك لَيست لَهُ رَاحَة دُونك وَلَا أمل غَيْرك ثمَّ بَكَى وَرفع رَأسه وشهق شهقة فحركته فَإِذا هُوَ ميت فَبينا أَنا أراعيه رَأَيْت قوما قد قصدوه فغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه وارتفعوا نَحْو السَّمَاء
91 -
وَأخرج أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ أصحرت فَإِذا بمغارة فِيهَا شَاب قَائِم يُصَلِّي وَإِذا سبع رابض بِبَاب المغارة فَقلت أَيهَا الشَّاب مَا ترى هَذَا السَّبع فَقَالَ لَو كنت تخَاف مِمَّن خلق السَّبع لَكَانَ أولى بك ثمَّ أقبل على السَّبع فَقَالَ أَنْت كلب من كلاب الله فَإِن كَانَ قد أذن لَك فِي شَيْء فَمَا أقدر أَن أمنعك رزقك وَإِلَّا فَانْصَرف فولى السَّبع هَارِبا ثمَّ نَادَى الشَّاب يَا سَيِّدي أَسأَلك بمعاقد الْعِزّ من عرشك إِن كَانَ لي عنْدك خير فاقبضني إِلَيْك فَمَا استتم الْكَلِمَة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا فوليت رَاجعا فَجمعت أَصْحَابِي من الزهاد وَالصَّالِحِينَ لنأخذ فِي جهازه فَلَمَّا رَجعْنَا إِلَى المغارة لم نر فِيهَا أحدا وَإِذا بهاتف يَهْتِف بِي أسمع الصَّوْت وَلَا أرى الشَّخْص يَا أَبَا سعيد رد النَّاس فَإِن الشَّاب قد حمل
فَائِدَة
92 -
أخرج أَبُو سعيد فِي شرف الْمُصْطَفى من طَرِيق أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بزَّة أَنبأَنَا مُحَمَّد بن الْفُرَات عَن عبيد بن سعيد عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا الْحسن جَالس وَالنَّاس حوله إِذْ أقبل رجل مخضرة عَيناهُ فَقَالَ لَهُ الْحسن أهكذا وَلدتك أمك أم هِيَ عرض قَالَ أَو مَا تعرفنِي يَا أَبَا سعيد قَالَ من أَنْت فانتسب لَهُ فَلم يبْق فِي الْمجْلس أحد إِلَّا عرفه فَقَالَ مَا قصتك قَالَ عَمَدت إِلَى جَمِيع مَالِي فألقيته فِي مركب فَخرجت أُرِيد الْيمن فعصفت علينا ريح فغرقت فَخرجت إِلَى بعض السواحل على لوح فَقَعَدت أتردد نَحوا من أَرْبَعَة أشهر آكل مَا أُصِيب من الشّجر والعشب وأشرب من مَاء الْعُيُون ثمَّ قلت لأمضين على وَجْهي فإمَّا أَن أهلك وَإِمَّا أَن أنجو فسرت فَرفع لي قصر كَأَن بناءه قصَّة فَدفعت مصراعه فَإِذا دَاخله أروقة فِي كل طاق مِنْهَا صندوق من لُؤْلُؤ وَعَلَيْهَا أقفال مفاتيحها رَأْي الْعين ففتحت بَعْضهَا فَخرج من جَوْفه رَائِحَة طيبَة فَإِذا فِيهِ رجال مدرجون فِي أَثوَاب الْحَرِير فحركت بَعضهم فَإِذا هُوَ ميت صفة حَيّ فأطبقت الصندوق
وَخرجت وأغلقت بَاب الْقصر ومضيت فَإِذا أَنا بفارسين لم أر مثلهمَا جمالا على فرسين أغرين محجلين فسألاني عَن قصتي فأخبرتهما فَقَالَا تقدم أمامك فَإنَّك تصير إِلَى شَجَرَة تحتهَا رَوْضَة هُنَالك شيخ حسن الْهَيْئَة يُصَلِّي فَأخْبرهُ خبرك فَإِنَّهُ سيرشدك إِلَى الطَّرِيق فمضيت فَإِذا أَنا بالشيخ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وسألني عَن قصتي فَأَخْبَرته بخبري كُله فَفَزعَ لما أخْبرته بِخَبَر الْقصر ثمَّ قَالَ مَا صنعت قلت أطبقت الصناديق وأغلقت الْأَبْوَاب فسكن وَقَالَ لي إجلس فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله فَقَالَ أَيْن تريدين قَالَت أُرِيد كَذَا وَكَذَا فَلم تزل تمر بِهِ سَحَابَة بعد سَحَابَة حَتَّى أَقبلت سَحَابَة فَقَالَ أَيْن تريدين قَالَت الْبَصْرَة قَالَ إنزلي فَنزلت فَصَارَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ إحملي هَذَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى منزله سالما فَلَمَّا صرت على متن السحابة قلت أَسأَلك بالذين أكرمك إِلَّا أَخْبَرتنِي عَن الْقصر وَعَن الفارسين وعنك فَقَالَ أما الْقصر فقد أكْرم بِهِ شُهَدَاء الْبَحْر ووكل بهم مَلَائِكَة يلقطونهم من الْبَحْر فيصيرونهم فِي تِلْكَ الصناديق مدرجين فِي أكفان الْحَرِير والفارسان ملكان يغدوان ويروحان عليهم السلام من الله وَأما أَنا فالخضر وَقد سَأَلت رَبِّي أَن يحشرني مَعَ أمة نَبِيكُم
قَالَ الرجل فَلَمَّا صرت على السحابة أصابني من الْفَزع هول عَظِيم حَتَّى صرت إِلَى مَا ترى أورد هَذِه الْقِصَّة شيخ الْإِسْلَام إِبْنِ حجر فِي كتاب الْإِصَابَة فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة الْخضر
40 -
بَاب عرض المقعد على الْمَيِّت كل يَوْم
قَالَ الله تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا}
1 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن هُذَيْل قَالَ أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي جَوف طير سود تَغْدُو وَتَروح على النَّار فَذَلِك عرضهَا
2 -
وَأخرج اللالكائي والإسماعيلي عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود فيعرضون على النَّار كل يَوْم مرَّتَيْنِ فَيُقَال لَهُم هَذِه داركم
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا}
3 -
وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم فِي قَوْله تَعَالَى {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا} قَالَ فهم الْيَوْم يغدى بهم وَيرَاح إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
4 -
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
5 -
قَالَ الْقُرْطُبِيّ قيل ذَلِك مَخْصُوص بِالْمُؤمنِ الَّذِي لَا يعذب وَقيل لَا وَيحْتَمل أَن الْمُؤمن الَّذِي يعذب يرى مقعديه جَمِيعًا فِي وَقْتَيْنِ أَو فِي وَقت وَاحِد
وَقَالَ ثمَّ قيل هَذَا الْعرض إِنَّمَا هُوَ على الرّوح وَحدهَا وَيجوز أَن يكون مَعَ جُزْء من الْبدن وَيجوز أَن يكون عَلَيْهَا مَعَ جَمِيع الْجَسَد فَترد إِلَيْهِ الرّوح كَمَا ترد عِنْد المساءلة
قلت أخرج اللالكائي فِي السّنة الحَدِيث بِلَفْظ مَا من عبد يَمُوت إِلَّا وَتعرض روحه إِلَى آخِره
6 -
وَأخرج هناد فِي الزّهْد عَن إِبْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الرجل ليعرض عَلَيْهِ مَقْعَده من الْجنَّة وَالنَّار غدْوَة وَعَشِيَّة فِي قَبره
7 -
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ لَهُ صرختان فِي كل يَوْم غدْوَة وَعَشِيَّة كَانَ يَقُول فِي أول النَّهَار ذهب اللَّيْل وَجَاء النَّهَار وَعرض آل فِرْعَوْن على النَّار فَلَا يسمع صَوته أحد إِلَّا إستعاذ بِاللَّه من النَّار فَإِذا كَانَ بالْعَشي قَالَ ذهب النَّهَار وَجَاء اللَّيْل وَعرض آل فِرْعَوْن على النَّار فَلَا يسمع صَوته أحد إِلَّا إستعاذ بِاللَّه من النَّار
8 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه سَأَلَهُ رجل بعسقلان على السَّاحِل فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرو إِنَّا نرى طيرا أسود يخرج
من الْبَحْر فَإِذا كَانَ الْعشي عَاد مثلهَا أَيْضا قَالَ وفطنتم لذَلِك قَالُوا نعم قَالَ تِلْكَ فِي حواصلها أَرْوَاح آل فِرْعَوْن يعرضون على النَّار فتلفحها فيسود ريشها ثمَّ تلقي ذَلِك الريش ثمَّ تعود إِلَى أوكارها فتلفحها النَّار فَذَلِك دأبها حَتَّى تقوم السَّاعَة فَيُقَال {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب}
41 -
بَاب عرض أَعمال الْأَحْيَاء على الْمَوْتَى
1 -
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وإبن مَنْدَه عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَعمالكُم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الْأَمْوَات فَإِن كَانَ خيرا أستبشروا وَإِن كَانَ غير ذَلِك قَالُوا اللَّهُمَّ لَا تمتهم حَتَّى تهديهم كَمَا هديتنا
2 -
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَعمالكُم تعرض على عشائركم وأقربائكم فِي قُبُورهم فَإِن كَانَ خيرا أستبشروا بذلك وَإِن كَانَ غير ذَلِك قَالُوا اللَّهُمَّ ألهمهم أَن يعملوا بطاعتك
3 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك وإبن أبي الدُّنْيَا عَن أبي أَيُّوب قَالَ تعرض أَعمالكُم على الْمَوْتَى فَإِن رَأَوْا حسنا فرحوا وأستبشروا وَإِن رَأَوْا سوءا قَالُوا اللَّهُمَّ رَاجع بِهِ
4 -
وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف والحكيم التِّرْمِذِيّ وإبن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ غزا أَبُو أَيُّوب الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَمر بقاص وَهُوَ يَقُول إِذا عمل العَبْد الْعَمَل فِي صدر النَّهَار عرض على معارفه إِذا أَمْسَى من أهل الْآخِرَة وَإِذا عمل الْعَمَل فِي آخر النَّهَار عرض على معارفه إِذا أصبح من أهل الْآخِرَة فَقَالَ أَبُو أَيُّوب أنظر مَا تَقول قَالَ وَالله إِنَّه لَكمَا أَقُول فَقَالَ أَبُو أَيُّوب اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن تفضحني عِنْد عبَادَة بن الصَّامِت وَسعد بن عبَادَة بِمَا عملت بعدهمْ فَقَالَ الْقَاص وَالله لَا يكْتب الله ولَايَته لعبد إِلَّا ستر عوراته وَأثْنى عَلَيْهِ بِأَحْسَن عمله
5 -
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نوادره من حَدِيث عبد الغفور بن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعرض الْأَعْمَال يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس على الله وَتعرض على الْأَنْبِيَاء وعَلى الْآبَاء والأمهات يَوْم الْجُمُعَة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وُجُوههم بَيَاضًا وإشراقا فَاتَّقُوا الله وَلَا تُؤْذُوا أمواتكم
6 -
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن النُّعْمَان بن بشير سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الله الله فِي إخْوَانكُمْ من أهل الْقُبُور فَإِن أَعمالكُم تعرض عَلَيْهِم
7 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تفضحوا مَوْتَاكُم بسيئات أَعمالكُم فَإِنَّهَا تعرض على أوليائكم من أهل الْقُبُور
8 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وإبن مَنْدَه وإبن عَسَاكِر عَن أَحْمد بن عبد الله بن أبي الْحوَاري قَالَ حَدثنِي أخي مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ دخل عباد الْخَواص على إِبْرَاهِيم بن صَالح الْهَاشِمِي وَهُوَ أَمِير فلسطين فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عظني فَقَالَ قد بَلغنِي أَن أَعمال الْأَحْيَاء تعرض على أقاربهم من الْمَوْتَى فَانْظُر مَا تعرض على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من عَمَلك
9 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن يمقتني خَالِي عبد الله بن رَوَاحَة إِذا لَقيته
10 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك والأصبهاني عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ إِن أَعمالكُم تعرض على مَوْتَاكُم فيسرون ويساؤون وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أعمل عملا يخزى بِهِ عبد الله بن رَوَاحَة
11 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك عَن عُثْمَان بن عبد الله بن أَوْس أَن سعيد بن جُبَير قَالَ لَهُ إستأذن عَليّ إبنة أخي وَهِي زَوْجَة عُثْمَان وَهِي إبنة عَمْرو بن أَوْس فَاسْتَأْذن لَهُ عَلَيْهَا فَدخل فَقَالَ كَيفَ يفعل بك زَوجك قَالَت إِنَّه إِلَيّ لمحسن مَا اسْتَطَاعَ فَقَالَ يَا عُثْمَان أحسن إِلَيْهَا فَإنَّك لَا تصنع بهَا شَيْئا إِلَّا جَاءَ عَمْرو بن أَوْس فَقلت هَل تَأتي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ نعم مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا وتأتيه أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سر بِهِ وَفَرح وهنىء بِهِ وَإِن كَانَ شرا إبتأس بِهِ
وحزن حَتَّى إِنَّهُم يسألونه عَن الرجل قد مَاتَ فَيُقَال أَو لم يأتكم فَيَقُولُونَ لَا خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية
12 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن حفار كَانَ فِي بني أَسد قَالَ كنت فِي الْمَقَابِر لَيْلَة إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول من قبر يَا عبد الله قَالَ مَا لَك يَا جَابر قَالَ غَدا تَأْتِينَا أمنا قَالَ وَمَا ينفعها لَا تصل إِلَيْنَا إِن أبي قد غضب عَلَيْهَا وَحلف أَن لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ من غَد جَاءَنِي رجل فَقَالَ أحفر لي هُنَا قبرا بَين القبرين للَّذين سَمِعت مِنْهُمَا الْكَلَام فَقلت إسم هَذَا جَابر وَاسم هَذَا عبد الله قَالَ نعم فَأَخْبَرته بِمَا سَمِعت قَالَ نعم وَقد كنت حَلَفت أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهَا فلأكفرن عَن يَمِيني ولأصلين عَلَيْهَا
13 -
وَأخرج أَبُو نعيم عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ صل من كَانَ أَبوك يصله فَإِن صلَة الْمَيِّت فِي قَبره أَن تصل من كَانَ أَبوك يواصله
14 -
وَأخرج إِبْنِ حبَان عَن إِبْنِ عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أَن يصل أَبَاهُ فِي قَبره فَليصل إخْوَان أَبِيه من بعده
15 -
وَأخرج أَبُو دَاوُد وإبن حبَان عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله هَل بَقِي عَليّ من بر وَالِدي شَيْء أبرهما بِهِ بعد مَوْتهمَا قَالَ نعم أَربع خِصَال بَقينَ عَلَيْك الدُّعَاء والإستغفار لَهما وإنفاذ عهديهما وإكرام صديقهما وصلَة الرَّحِم الَّتِي لَا رحم لَك إِلَّا من قبلهمَا
42 -
بَاب مَا يحبس الرّوح عَن مقَامهَا الْكَرِيم
1 -
أخرج التِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نفس الْمُؤمن معلقَة بِدِينِهِ حَتَّى يقْضى عَنهُ
قَالَ الْعلمَاء معلقَة أَي محبوسة عَن مقَامهَا الْكَرِيم
2 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأتي بِرَجُل يصلى عَلَيْهِ فَقَالَ هَل على صَاحبكُم دين قَالُوا نعم قَالَ فَمَا ينفعكم أَن أُصَلِّي على رجل روحه مُرْتَهن فِي قَبره لَا تصعد روحه إِلَى السَّمَاء فَلَو ضمن رجل دينه قُمْت فَصليت عَلَيْهِ فَإِن صَلَاتي تَنْفَعهُ
3 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن سَمُرَة بن جُنْدُب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ أها هُنَا أحد من بني فلَان فَإِن صَاحبكُم قد إحتبس بِبَاب الْجنَّة بدين عَلَيْهِ فَإِن شِئْتُم فافدوه وَإِن شِئْتُم فأسلموه إِلَى عَذَاب الله
4 -
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ دين دِينَارَانِ فَلم يصل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فتحملهما أَبُو قَتَادَة فصلى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ بعد ذَلِك بِيَوْم مَا فعل الديناران قَالَ إِنَّمَا مَاتَ أمس فَعَاد عَلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ قد قضيتهما فَقَالَ الْآن بردت عَلَيْهِ جلدته
5 -
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاة الْغَدَاة ثمَّ قَالَ هَا هُنَا أحد من هُذَيْل إِن صَاحبكُم مَحْبُوس على بَاب الْجنَّة بِدِينِهِ
6 -
وَأخرج أَحْمد عَن سعد بن الأطول قَالَ مَاتَ أَبونَا وَترك ثلثمِائة دِرْهَم وعيالا ودينا فَأَرَدْت أَن أنْفق على عِيَاله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَبَاك مَحْبُوس بِدِينِهِ فَاقْض عَنهُ
7 -
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ صَاحب الدّين مأسور بِدِينِهِ يشكو إِلَى الله الْوحدَة
8 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت عَن شَيبَان بن جُبَير قَالَ خرج أبي وَعبد الْوَاحِد بن زيد إِلَى الْغَزْو فَهَجَمُوا على ركية وَاسِعَة عميقة فَإِذا بهمهمة فِيهَا فَدخل أَحدهمَا الرَّكية فَإِذا هُوَ بِرَجُل على أَلْوَاح جَالس وَتَحْته المَاء فَقَالَ أجني أم إنسي قَالَ بل إنسي قَالَ مَا أَنْت قَالَ أَنا رجل من
أهل أنطاكية وَإِنِّي مت فحبسني رَبِّي هُنَا بدين عَليّ وَإِن وَلَدي بأنطاكية مَا يذكروني وَلَا يقضون عني
فَخرج الَّذِي كَانَ فِي الرَّكية فَقَالَ لصَاحبه غَزْوَة بعد غَزْوَة إمش حَتَّى نقضي عَنهُ دينه فَذَهَبُوا حَتَّى قضوا ذَلِك الدّين ثمَّ رجعا إِلَى مَوضِع الرَّكية فَلم يرَوا ركية وَلَا شَيْئا فأمسوا وَبَاتُوا هُنَاكَ فَإِذا الرجل قد أَتَاهُم فِي منامهم فَقَالَ لَهُم جزاكما الله عني خيرا فَإِن رَبِّي حولني إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا من الْجنَّة حَيْثُ قضي عني ديني
43 -
بَاب الْوَصِيَّة
1 -
أخرج أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي كتاب الْوَصَايَا عَن قيس بن قبيصَة مَرْفُوعا من لم يوص لم يُؤذن لَهُ فِي الْكَلَام مَعَ الْمَوْتَى قيل يَا رَسُول الله وَهل تَتَكَلَّم الْمَوْتَى قَالَ نعم ويتزاورون
2 -
وَأخرج أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي الكنى عَن جَابر مَرْفُوعا من مَاتَ على غير وَصِيَّة لم يُؤذن لَهُ فِي الْكَلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا يَا رَسُول الله ويتكلمون قبل يَوْم الْقِيَامَة قَالَ نعم ويزور بَعضهم بَعْضًا
3 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من طَرِيق سعيد بن خَالِد بن يزِيد الْأنْصَارِيّ عَن رجل من أهل الْبَصْرَة كَانَ يحْفر الْقُبُور قَالَ حفرت قبرا ذَات يَوْم وَوضعت رَأْسِي قَرِيبا مِنْهُ فأتتني إمرأتان فِي مَنَامِي فَقَالَت إِحْدَاهمَا يَا عبد الله أنشدتك بِاللَّه إِلَّا صرفت عَنَّا هَذِه الْمَرْأَة وَلم تجاورنا
فَاسْتَيْقَظت فَزعًا فَإِذا بِجنَازَة إمرأة قد جِيءَ بهَا قلت الْقَبْر وراءكم فصرفتهم إِلَى غير الْقَبْر فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل إِذْ أَنا بالمرأتين تَقول لي إِحْدَاهمَا جَزَاك الله عَنَّا خيرا فَلَقَد صرفت عَنَّا شرا طَويلا قلت مَا بَال صَاحبَتك لَا تكلمني كَمَا كَلَّمتنِي أَنْت قَالَت هَذِه مَاتَت من غير وَصِيَّة وَحقّ لمن مَاتَ عَن غير وَصِيَّة أَن لَا يتَكَلَّم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
4 -
وَأخرج الديلمي من طَرِيق أبي هدبة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت فِي الْمَنَام إمرأتين وَاحِدَة تَتَكَلَّم وَالْأُخْرَى لَا تَتَكَلَّم كلتاهما من أهل
الْجنَّة فَقلت لَهَا أَنْت تتكلمين وَهَذِه لَا تَتَكَلَّم فَقَالَت أما أَنا فأوصيت وَهَذِه مَاتَت بِلَا وَصِيَّة فَلَا تَتَكَلَّم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
44 -
بَاب تلاقي أَرْوَاح الْمَوْتَى وأرواح الْأَحْيَاء فِي النّوم
تقدم فِيهِ أثر سلمَان وَعبد الله بن سَلام
1 -
قَالَ إِبْنِ الْقيم وشواهد هَذِه الْمَسْأَلَة وأدلتها أَكثر من أَن يحصيها إِلَّا الله والحس الْوَاقِع من أعدل الشُّهُود بهَا فتلتقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات كَمَا تتلاقى أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَقد قَالَ الله تَعَالَى {يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى}
2 -
وَأخرج بَقِي بن مخلد وإبن مَنْدَه فِي كتاب الرّوح وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن إِبْنِ عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات تلتقي فِي الْمَنَام فيتساءلون بَينهم فَيمسك الله أَرْوَاح الْمَوْتَى وَيُرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أجسادها
3 -
وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} قَالَ يتوفاها فِي منامها فتلتقي روح الْحَيّ وروح الْمَيِّت فيتذاكران ويتعارفان فترجع روح الْحَيّ إِلَى جسده فِي الدُّنْيَا إِلَى بَقِيَّة أجلهَا وتريد روح الْمَيِّت أَن ترجع إِلَى جسده فتحبس
4 -
وَأخرج جُوَيْبِر عَن إِبْنِ عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ سَبَب مَمْدُود مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأرواح الْمَوْتَى وأرواح الْأَحْيَاء إِلَى ذَلِك السَّبَب فتتعلق النَّفس الْميتَة بِالنَّفسِ الْحَيَّة فَإِذا أذن لهَذِهِ الْحَيَّة بالإنصراف إِلَى جَسدهَا لتستكمل رزقها أَمْسَكت النَّفس الْميتَة وَأرْسلت الْأُخْرَى
وَفِي الفردوس وَلم يسْندهُ وَلَده من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء الْمَيِّت إِذا مَاتَ دير بِهِ حول دَاره شهرا وحول قَبره سنة ثمَّ يرفع إِلَى السَّبَب الَّذِي تلتقي فِيهِ أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات
قَالَ إِبْنِ الْقيم وَمن الدَّلِيل على تلاقي أَرْوَاحهم أَن الْحَيّ يرى الْمَيِّت فِي مَنَامه فيخبره الْمَيِّت بِأُمُور غيب ثمَّ تُوجد كَمَا أخبر
قلت قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن عَمْرو العكبري فِي فَوَائده حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن رَافع بن دريج العكبري حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن بهْرَام حَدثنَا الْأَشْجَعِيّ عَن شيخ عَن إِبْنِ سِيرِين قَالَ مَا حَدثَك الْمَيِّت بِشَيْء فِي النّوم فَهُوَ حق لِأَنَّهُ فِي دَار الْحق
5 -
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وإبن الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن شهر بن حَوْشَب أَن الصعب بن جثامة وعَوْف بن مَالك كَانَا متآخيين فَقَالَ الصعب لعوف أَي أخي أَيّنَا مَاتَ صَاحبه فليتراءى لَهُ قَالَ أَو يكون ذَلِك قَالَ نعم فَمَاتَ الصعب فَرَآهُ عَوْف فِي الْمَنَام فَقَالَ مَا فعل بك قَالَ غفر لي بعد المشاق قَالَ وَرَأَيْت لمْعَة سَوْدَاء فِي عُنُقه قلت مَا هَذِه قَالَ عشرَة دَنَانِير إستلفتها من فلَان الْيَهُودِيّ فهن فِي قَرْني فَأَعْطوهُ إِيَّاهَا وَاعْلَم أَنه لم يحدث فِي أَهلِي حدث بعد موتِي إِلَّا قد لحق بِي خَبره حَتَّى هرة مَاتَت مُنْذُ أَيَّام وَاعْلَم أَن بِنْتي تَمُوت إِلَى سِتَّة أَيَّام فَاسْتَوْصُوا بهَا مَعْرُوفا
قَالَ عَوْف فَلَمَّا أَصبَحت أتيت أَهله فَنَظَرت إِلَى الْقرن وَهُوَ بِالْقَافِ محركا جعبة النشاب فأنزلته فَإِذا فِيهِ عشرَة دَنَانِير فِي صرة فَبعثت إِلَى الْيَهُودِيّ فَقلت هَل كَانَ لَك على صَعب شَيْء قَالَ رحم الله صعبا كَانَ من خِيَار أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أسلفته عشرَة دَنَانِير فنبذتها إِلَيْهِ فَقَالَ هِيَ وَالله بِأَعْيَانِهَا فَقلت هَل حدث فِيكُم حدث بعد موت صَعب قَالُوا نعم حدث فِينَا كَذَا وَكَذَا فَمَا زَالُوا يذكرُونَ حَتَّى ذكرُوا موت الْهِرَّة قلت أَيْن إبنة أخي قَالَ تلعب فَأتيت بهَا فمسستها فَإِذا هِيَ محمومة فَقلت اسْتَوْصُوا بهَا مَعْرُوفا فَمَاتَتْ لسِتَّة أَيَّام
6 -
وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن عَطِيَّة بن قيس عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أَنه كَانَ مؤاخيا لرجل يُقَال لَهُ محلم ثمَّ إِن محلما حَضرته الْوَفَاة فَأقبل عَلَيْهِ عَوْف فَقَالَ يَا محلم إِذا أَنْت وَردت فَارْجِع إِلَيْنَا فَأخْبرنَا بِالَّذِي صنع بك قَالَ محلم إِن كَانَ ذَلِك يكون لمثلي فعلت فَقبض محلم ثمَّ ثوى عَوْف بعده
عَاما فَرَآهُ فِي مَنَامه فَقَالَ يَا محلم مَا صنعت وَمَا صنع بك فَقَالَ لَهُ وَفينَا أجورنا قَالَ كلكُمْ قَالَ كلنا إِلَّا الأحراض هَلَكُوا فِي الشَّرّ الَّذين يشار إِلَيْهِم بالأصابع وَالله لقد وفيت أجري كُله حَتَّى وفيت أجر هرة ضلت لأهلي قبل موتِي بليلة فَأصْبح عَوْف فغدا إِلَى إمرأة محلم فَلَمَّا دخل قَالَت مرْحَبًا زور صَعب بعد محلم
فَقَالَ عَوْف هَل رَأَيْت محلما مُنْذُ توفّي قَالَت رَأَيْته البارحة ونازعني فِي إبنتي ليذْهب بهَا مَعَه فَأخْبرنَا عَوْف بِالَّذِي رَآهُ وَمَا ذكر من الْهِرَّة الَّتِي ضلت فَقَالَت لَا علم لي بذلك خدمي أعلم فدعَتْ خدمها فسألتهم فأخبروها أَنَّهَا ضلت لَهُم هرة قبل موت محلم بليلة ومحلم هُوَ إِبْنِ جثامة أَخُو الصعب
7 -
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي كتاب الْوَصَايَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ حَدَّثتنِي إبنة ثَابت بن قيس بن شماس أَن ثَابتا قتل يَوْم الْيَمَامَة وَعَلِيهِ درع لَهُ نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبَيْنَمَا رجل من الْمُسلمين نَائِم إِذْ أَتَاهُ ثَابت فِي مَنَامه فَقَالَ أوصيك بِوَصِيَّة فإياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعه إِنِّي لما قتلت أمس مر بِي رجل من الْمُسلمين فَأخذ دِرْعِي ومنزله فِي أقْصَى النَّاس وَعند خباءه فرس يستن فِي طوله وَقد كفا على الدرْع برمة وَفَوق البرمة رَحل فأت خَالِد بن الْوَلِيد فمره أَن يبْعَث إِلَى دِرْعِي فيأخذها وَإِذا قدمت الْمَدِينَة على خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه فَقل لَهُ إِن عَليّ من الدّين كَذَا وَفُلَان من رقيقي عَتيق فلَان فَأتى الرجل خَالِدا فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَأتى بهَا وَحدث أَبَا بكر الصّديق برؤياه فَأجَاز وَصيته قَالَ وَلَا نعلم أحدا أجيزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت بن قيس
قَالَ فِي الصِّحَاح إستن الْفرس قلص والطول بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو الْحَبل الَّذِي يطول للدابة فترعى فِيهِ
8 -
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن كثير بن الصَّلْت قَالَ أغفى عُثْمَان فِي الْيَوْم الَّذِي قتل فِيهِ فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِي هَذَا فَقَالَ إِنَّك شَاهد مَعنا الْجُمُعَة
9 -
وَأخرجه أَيْضا عَن ابْن عمر أَن عُثْمَان رضي الله عنه أصبح فَحدث فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَة فِي الْمَنَام فَقَالَ يَا عُثْمَان أفطر عندنَا فَأصْبح عُثْمَان صَائِما فَقتل من يَوْمه فَقَالَ إِنَّك شَاهد مَعنا الْجُمُعَة
10 -
وَأخرج الْحَاكِم عَن حُسَيْن بن خَارِجَة قَالَ لما جَاءَت الْفِتْنَة الأولى أشكلت عَليّ فَقلت اللَّهُمَّ أَرِنِي من الْحق أمرا أتمسك بِهِ فَأريت فِيمَا يرى النَّائِم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكَانَ بَينهمَا حَائِط غير طَوِيل وَإِذ أَنا تَحْتَهُ فَقلت لَو تسلقت هَذَا الْحَائِط حَتَّى أنظر إِلَى قَتْلَى أَشْجَع فيخبروني قَالَ فانهبطت بِأَرْض ذَات شجر فَإِذا بِنَفر جُلُوس فَقلت أَنْتُم الشُّهَدَاء قَالُوا نَحن الْمَلَائِكَة قلت فَأَيْنَ الشُّهَدَاء قَالُوا تقدم إِلَى الدَّرَجَات فارتفعت دَرَجَة الله أعلم بهَا من الْحسن وَالسعَة فَإِذا أَنا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَإِذا إِبْرَاهِيم شيخ وَإِذا هُوَ يَقُول لإِبْرَاهِيم إستغفر لأمتي وَإِذا إِبْرَاهِيم يَقُول إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك أهرقوا دِمَاءَهُمْ وَقتلُوا إمَامهمْ فَهَلا فعلوا كَمَا فعل سعد خليلي فَقلت وَالله لقد رَأَيْت رُؤْيا لَعَلَّ الله أَن يَنْفَعنِي بهَا أذهب فَأنْظر كَيفَ كَانَ مَكَان سعد فَأَكُون مَعَه فَأتيت سَعْدا فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَمَا أَكثر بهَا فَرحا وَقَالَ لقد خَابَ من لم يكن إِبْرَاهِيم خَلِيله قلت مَعَ أَي الطَّائِفَتَيْنِ أَنْت قَالَ مَا أَنا مَعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا قلت فَمَا تَأْمُرنِي قَالَ أَلَك غنم قلت لَا قَالَ فاشتر شياها وَكن فِيهَا حَتَّى تنجلي
11 -
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سلمى قَالَت دخلت على أم سَلمَة وَهِي تبْكي فَقلت مَا يبكيك قَالَت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام يبكي وعَلى رَأسه ولحيته التُّرَاب فَقلت مَا لَك يَا رَسُول الله قَالَ شهِدت قتل الْحُسَيْن آنِفا