الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنَيْهِ]
وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً: مِنْهُمْ مَنْ نَفَى رُؤْيَتَهُ بِالْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا لَهُ صلى الله عليه وسلم. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ " الشِّفَا " اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْكَارَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنْ يَكُونَ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ، وَأَنَّهَا قَالَتْ لِمَسْرُوقٍ حِينَ سَأَلَهَا: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شِعْرِي مِمَّا قُلْتَ، ثُمَّ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ
جَمَاعَةٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، وَقَالَ بِإِنْكَارِ هَذَا وَامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِهِ، وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْهُ: أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا وَفَوَائِدَ، ثُمَّ قَالَ:
وَأَمَّا وُجُوبُهُ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهِ قَاطِعٌ وَلَا نَصٌّ، وَالْمُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى آيَةِ النَّجْمِ، وَالتَّنَازُعُ فِيهَا مَأْثُورٌ، وَالْاحْتِمَالُ لَهَا مُمْكِنٌ،
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ فِي الدُّنْيَا مُمْكِنَةٌ، إِذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُمْكِنَةً، لَمَا سَأَلَهَا مُوسَى عليه السلام، لَكِنْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ، بَلْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «رَأَيْتُ نُورًا» . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ» ، (وَفِي رِوَايَةٍ: النَّارُ) ، «لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» . فَيَكُونُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَبِي ذَرٍّ «رَأَيْتُ نُورًا» : أَنَّهُ رَأَى الْحِجَابَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ " «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» : النُّورُ الَّذِي هُوَ الْحِجَابُ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَأَنَّى أَرَاهُ؟ أَيْ فَكَيْفَ أَرَاهُ وَالنُّورُ حِجَابٌ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَمْنَعُنِي مِنْ رُؤْيَتِهِ؟ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَكَى عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ،