الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِسَالَتِهِ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيَّ، سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيَّ يَقُولُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ فَقَالَ: ذَاتُ اللَّهِ مَوْصُوفَةٌ بِالْعِلْمِ، غَيْرُ مُدْرَكَةٍ بِالْإِحَاطَةِ، وَلَا مَرْئِيَّةٍ بِالْأَبْصَارِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا إِحَاطَةٍ وَلَا حُلُولٍ، وَتَرَاهُ الْعُيُونُ فِي الْعُقْبَى، ظَاهِرًا فِي مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدْ حَجَبَ الْخَلْقَ عَنْ مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ بِآيَاتِهِ، فَالْقُلُوبُ تَعْرِفُهُ، وَالْعُيُونُ لَا تُدْرِكُهُ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُ بِالْأَبْصَارِ، مِنْ غَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلَا إِدْرَاكِ نِهَايَةٍ.
[كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إِثْبَاتِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ وَالنَّفْسِ لَهُ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ]
وَأَمَّا لَفْظُ الْأَرْكَانِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَدَوَاتِ - فَيَتَسَلَّطُ بِهَا النُّفَاةُ عَلَى نَفْيِ بَعْضِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي ((الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ)) : لَهُ يَدٌ وَوَجْهٌ وَنَفْسٌ، كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ وَالنَّفْسِ، فَهُوَ لَهُ صِفَةٌ بِلَا كَيْفٍ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ يَدَهُ قُدْرَتُهُ وَنِعْمَتُهُ، لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَالَ الصِّفَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ رضي الله عنه، ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ، قَالَ تَعَالَى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75](ص: 75) . {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67](الزُّمَرِ: 67) . وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88](الْقَصَصِ: 88) . {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27](الرَّحْمَنِ: 27) .
وَقَالَ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116](الْمَائِدَةِ: 116) . وَقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54](الْأَنْعَامِ: 54) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41](طَهَ: 41) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28](آلِ عِمْرَانَ: 28) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «لَمَّا يَأْتِي النَّاسُ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ» ، الْحَدِيثَ. وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدِ الْقُدْرَةُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75](ص: 75) . لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بِقُدْرَتِي مَعَ تَثْنِيَةِ الْيَدِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَقَالَ إِبْلِيسُ: وَأَنَا أَيْضًا خَلَقْتَنِي بِقُدْرَتِكَ، فَلَا فَضْلَ لَهُ عَلَيَّ بِذَلِكَ. فَإِبْلِيسُ - مَعَ كُفْرِهِ - كَانَ أَعْرَفَ بِرَبِّهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ. وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71](يس: 71) . لِأَنَّهُ تَعَالَى جَمْعَ الْأَيْدِي لَمَّا أَضَافَهَا إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ، لِيَتَنَاسَبَ الْجَمْعَانِ، فَاللَّفْظَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمُلْكِ وَالْعَظَمَةِ. وَلَمْ يَقُلْ:((أَيْدِيَّ)) مُضَافٌ إِلَى ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ، وَلَا ((يَدَيْنَا)) بِتَثْنِيَةِ الْيَدِ مُضَافَةٌ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ. فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] نَظِيرَ قَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ عز وجل: «حِجَابُهُ النُّورُ، وَلَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» .