الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ خَبَرًا وَأَمْرًا، وَجَعَلَ طَاعَتَهُ طَاعَةً لَهُ، وَمَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةً لَهُ، وَأَقْسَمَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا دَعَوْا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ - وَهُوَ الدُّعَاءُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَدُّوا صُدُودًا، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَرَادُوا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا.
كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ: إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَحُسَّ الْأَشْيَاءَ بِحَقِيقَتِهَا، أَيْ: نُدْرِكَهَا وَنَعْرِفَهَا، وَنُرِيدُ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الدَّلَائِلِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَقْلِيَّاتِ، - وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ: جَهْلِيَّاتٌ - وَبَيْنَ الدَّلَائِلِ النَّقْلِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنِ الرَّسُولِ، أَوْ نُرِيدُ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَكَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ، مِنَ الْمُتَنَسِّكَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ: إِنَّمَا نُرِيدُ الْأَعْمَالَ بِالْعَمَلِ الْحَسَنِ، وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ مَا يَدْعُونَهُ مِنَ الْبَاطِلِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ: حَقَائِقَ وَهِيَ جَهْلٌ وَضَلَالٌ.
وَكَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَمَلِّكَةِ وَالْمُتَأَمِّرَةِ: إِنَّمَا نُرِيدُ الْإِحْسَانَ بِالسِّيَاسَةِ الْحَسَنَةِ، وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّرِيعَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
[مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ حَقٍّ وَهُوَ كَافٍ كَامِلٌ]
وَكُلُّ مَنْ طَلَبَ أَنْ يُحَكِّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَبَيْنَ مَا يُخَالِفُهُ - فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كَافٍ كَامِلٌ، يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ حَقٍّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّقْصِيرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَعْلَمُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْكَلَامِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ،
وَلَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ الْعِبَادِيَّةِ، وَلَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِمَارَةِ السِّيَاسِيَّةِ، أَوْ نَسَبُوا إِلَى شَرِيعَةِ الرَّسُولِ، بِظَنِّهِمْ وَتَقْلِيدِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَأَخْرَجُوا عَنْهَا كَثِيرًا مِمَّا هُوَ مِنْهَا.
فَبِسَبَبِ جَهْلِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ وَتَفْرِيطِهِمْ، وَبِسَبَبِ عُدْوَانِ أُولَئِكَ وَجَهْلِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، كَثُرَ النِّفَاقُ، وَدَرَسَ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِ الرِّسَالَةِ.
بَلِ الْبَحْثُ التَّامُّ، وَالنَّظَرُ الْقَوِيُّ، وَالِاجْتِهَادُ الْكَامِلُ، فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، لِيُعْلَمَ وَيُعْتَقَدَ، وَيُعْمَلَ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَيَكُونَ قَدْ تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَأَنْ لَا يُهْمَلَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ ذَلِكَ، أَوِ الْعَمَلِ بِهِ، فَلَا يَنْهَى عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، بَلْ حَسْبُهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ اللَّوْمُ لِعَجْزِهِ، لَكِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرَحَ بِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ، وَيَرْضَى بِذَلِكَ، وَيَوَدَّ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِهِ، وَأَنْ لَا يُؤْمِنَ بِبَعْضِهِ وَيَتْرُكَ بَعْضَهُ، بَلْ يُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ، وَأَنْ يُصَانَ عَنْ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، مِنْ رِوَايَةٍ أَوْ رَأْيٍ، أَوْ يَتَّبِعَ مَا لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، اعْتِقَادًا أَوْ عَمَلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42](الْبَقَرَةِ: 42) .
وَهَذِهِ كَانَتْ طَرِيقَةَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَوَّلُهُمُ السَّلَفُ الْقَدِيمُ مِنَ التَّابِعِينَ الْأَوَّلِينَ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الدِّينِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْوَسَطِ بِالْإِمَامَةِ.