الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواه الدارمي وعبد بن حميد وابن حبان والطبراني من طريق عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه أن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر بسر بن راعي العير يأكل بشماله فقال: «كل بيمينك» فقال لا أستطيع فقال: «لا استطعت» قال فما وصلت يمنه إلى فيه بعد.
وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر. وفيه التحذير من العقوبة على مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وارتكاب نهيه.
فليحذر الآكل بشماله والشارب بها أن يصيبه من شلل اليد مثل ما أصاب بسر بن راعي العير فما العقوبة من المخالفين ببعيد. والسعيد من وعظ بغيره.
فصل
ونختم الكتاب ب
التحذير من تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال
وهو وإن لم يكن من موضوع هذا الكتاب فالتنبيه عليه مهم جدا لكثرة الواقعين فيه ولاسيما في زماننا وهذا من مصداق ما رواه أبو نعيم في «الحلية» عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة فذكرها ومنها وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال.
ف
من تشبه الرجال بالنساء لبس الساعات في أيديهم
كأنها أساور النساء وقد تقدم أن السوار ما يجعل في الأيدي من الحلي. وتقدم أيضا أن الحلية تكون من الذهب وتكون من الفضة وتكون من الحديد وتكون من اللؤلؤ وأنواع الجواهر.
ومن هذا الباب لبس الرجال الساعات في أيديهم فهي من «الحلية» بلا شك وهذه «الحلية» المستقبحة على الرجال مطابقة كل المطابقة لما يتحلى به كثير من النساء في زماننا فإنهن يتحلين بالساعات من الذهب وغير الذهب ويفضلن ما كان من غير الذهب على أساور الذهب. وكثير منهن إنما يتحلين بساعات الحديد والشبه. وهي في أيديهن أبهى وأحسن من أساور الذهب.
والمتشبهون بهن من الرجال متفاوتون في المعصية فأعظمهم إثما من يلبس ساعات الذهب أو ما فيه خلط من الذهب كما يفعله كثير من المترفين.
وهؤلاء قد جمعوا بين معصيتين إحداهما التشبه بالنساء والثانية استحلال ما هو محرم على الذكور بالنص الصريح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت الأحاديث بذلك في ذكر تحريم الذهب على الرجال فلتراجع.
ودون هؤلاء من يلبس ساعات الفضة ودونهم من يلبس ساعات الحديد والشبه وهو ما يشبه الذهب من صفر أو نحاس أو غيرهما. وقد تقدم الكلام في تحلي الرجال بالساعات مستوفي في النوع الثامن عشر فليراجع.
ومن تشبه الرجال بالنساء ما افتتن به كثير من الجهال من حلق اللحى لتكون وجوههم كوجوه النساء مردًا ناعمة لا شعر فيها وقد قال ابن عبد البر وغيره يحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.
قلت: والمخنث هو المتشبه بالنساء. وقد تقدم الكلام في حلق اللحى في النوع السادس فليراجع.
ومن تشبه الرجال بالنساء لبسهم للحرير لأنه من ملابس النساء. ولابسه من الرجال لابد أن يكون فيه أنوثة تدعوه إلى التشبه بالنساء كما قيل: وكل امرئ يهفو إلى ما يناسبه.
ومن تشبه الرجال بالنساء ما يفعله كثير من الجهال من التصفيق في المجالس والمجامع. وقد تقدم الكلام فيه في النوع الخامس والعشرين.
والدليل على أنه من التشبه بالنساء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» رواه الشافعي وأحمد والشيخان وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى مالك والشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما التصفيق للنساء» .
وهذه الجملة الوجيزة تفيد الحصر والاستغراق والاختصاص فدل على أنه لا يجوز للرجال بحال.
وأما تشبه النساء بالرجال فكثير ومنه ما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام من تجنيد النساء وإلباسهن الأسلحة ولباس الجند وإعدادهن للقتال وهذا خلاف المشروع في حقهن مع ما فيه من الشبه بالرجال وهو كبيرة من الكبائر.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه والدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» ورواه النسائي في سننه بنحوه وإسناده صحيح.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة» .
وروى الطبراني في الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قالت أم سلمة رضي الله عنها: أخرج معك إلى الغزو؟ فقال: «يا أم سلمة إنه لم يكتب على النساء جهاد» .
وروى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة يوم فتح مكة مقتولة فقال؟: «ما كانت هذه تقاتل ثم نهى عن قتل النساء والصبيان» .
وروى ابن ماجه عن حنظلة الكاتب رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له فقال: «ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل» .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن رباح بن ربيع رضي الله عنه نحوه وصححه الحاكم وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي هذه الأحاديث دليل على أنه لا يجوز تجنيد النساء وإعدادهن للقتال وفي هذا المعنى يقول الشاعر: